الجزيرة للدراسات في ندوتيْ "حوار الحضارات" و"النظام (أو اللاّنظام) العالمي: رؤى دولية تقوم على الحوار"

حوّلت الندوة الثّانية من مسار تونس، وهو مشروع بحثي مشترك بين مركز الجزيرة للدّراسات ومعهد دراسات حوار الحضارات في برلين ومؤسسة إل بي إتش حول تحدّيات حوار الحضارات وآفاق في المستقبل، التركيز إلى منظور روسيا ودول آسيا الوسطى خلال جلسات النقاش يوم 13 أكتوبر 2019 في جزيرة رودس باليونان.
4d68b42e1dd04fb1aa05369fb3d35339_18.jpg

حوّلت الندوة الثّانية من مسار تونس، وهو مشروع بحثي مشترك بين مركز الجزيرة للدّراسات ومعهد دراسات حوار الحضارات في برلين ومؤسسة إل بي إتش حول تحدّيات حوار الحضارات وآفاق في المستقبل، التركيز إلى منظور روسيا ودول آسيا الوسطى خلال جلسات النقاش يوم 13 أكتوبر 2019 في جزيرة رودس باليونان. وقد تمّ تنظيم النّدوة الأولى في تونس العاصمة يومي 28 و29 يونيو 2019، وتمحورت جلساتها حول التحديات ومستقبل حوار الحضارات بين أوروبا والعالم العربي والإسلامي. وناقش تسعة وثلاثون من المشاركين وقتها التوترات الدينية والإيديولوجية الموروثة من الحقبة الاستعمارية، والحاجة لصياغة مسارات مشتركة بين المسلمين وغير المسلمين عبر علاقات الجوار حول البحر المتوسط. وتظهر الديناميات الراهنة بين روسيا وآسيا الوسطى أوجه تشابه ملحوظة بين أوروبا وشمال إفريقيا ومنطقة الشام. وتبعا لذلك، تناولت ندوة رودس مستقبل حوار الحضارات من منظوريْ روسيا ودول آسيا الوسطى.

أوضح جان كريستوف با الرئيس التنفيذي لمعهد دراسات حوار الحضارات في كلمته الافتتاحية كيف أن نتائج الندوة الأولى في تونس "دفعتنا إلى تطوير ملتقى رودس بناءً على فكرة أنه ينبغي علينا، بعد الإقرار ب"جراح الماضي" مثل رواسب الحقبة الاستعمارية، بتجسير الفجوة بين الخطابات وبلورة المبادرات التي تبتعد عن التحيزات والخوف والمفاهيم الخاطئة القديمة. والملاحظ أنّ العديد من السّرديات المتداولة في كل من الدول ذات الغالبية المسلمة والدول الأوروبية تدفع نحو تعميق الفجوة بين المجتمعات، وتواصل عرقلة المساهمة المتبادلة في تأسيس مستقبل مشترك." وشدّد السيد با على الحاجة لمعالجة بعض الاتجاهات الناشئة في سياسات الحركات اليمينية المتطرّفة والأيديولوجيات المنغلقة على ذاتها، وقال إنّ "تفكيك المفاهيم الخاطئة، التي تفاقمت بسبب كراهية الأجانب، والتطرّف الأيديولوجي، واستبعاد "الآخر"، وخلق مسارات شاملة، يتعيّن أن يكون في صميم المبادرات التي تنطلق من المستوى الشعبي إلى السياسات الدولية. عندها فقط يمكن تطوير المبادرات الملموسة التي سيكون لها آثار مجدية ودائمة. "

نبّه الدكتور عزالدين عبد المولى، رئيس قسم البحوث في مركز الجزيرة للدّراسات، إلى مغبّة اعتماد التّقابل المُقارَن غير السليم بين مفهومي "أوروبا" و "الإسلام". واقترح بدلاً من ذلك التفكير في وجود توازن أفضل بين "الأوروبيين" و "المسلمين/العرب". وأوضح أنّه "إذا نجحنا في تحويل النقاش من الأيديولوجيا إلى عامّة الشعب ومن الأطر النظرية إلى المواطنين العاديين، فيمكننا إذن أن نتحدث بشكل واقعي عن الممارسات والسياسات". وأثارت هذه الملاحظة المزيد من النقاش حول ما يمكن اعتباره خطوطًا خاطئة للتوازي أو التقابل في دراسة حوار الحضارات.

عزالدين عبد المولى يبدي بتعليقاته في الندوة في رودس في اليونان 13 أكتوبر 2019 (DOC)

في الجلسة الافتتاحية لندوة رودس، قدّم الدكتور محمد الشرقاوي الباحث أوّل في مركز الجزيرة للدراسات، ورقة بعنوان "ثلاثة اقتراحات لإعادة تحديد موقع خطاب حوار الحضارات". واستذكر في البداية اللحظة التي كتب فيها الفيلسوف النمساوي الرّاحل هانز كوشلرHans Köchler رسالة إلى ماري بيير هيرزوغ Marie-Pierre Herzog، مديرة قسم الفلسفة آنذاك في منظمة اليونسكو في 26 سبتمبر 1972 يقترح فيها فكرة عقد مؤتمر دولي حول تنظيم "الحوار بين الحضارات المختلفة" dialogue entre les différentes civilisations. بعد ذلك بعامين، تمّ عقد أول مؤتمر حول دور الحوار بين الثقافات بعنوان "الفهم الثقافي للأمم" في مدينة إنسبروك النمساوية، برعاية كلّ من رئيس السنغال ليوبولد سيدار سنغور ورئيس النمسا رودولف كيرششلير.

ركّز الشرقاوي على تحليل حصيلة ردود الفعل ضمن المجال، أو الفضاء، العام العالمي على السرديتيْن المتنافستيْن اللتين ظهرتا في حقبة ما بعد الحرب الباردة. أولاً، سردية "صراع الحضارات" لصموئيل هانتنغتون و"عولمة الليبرالية / نهاية التاريخ" لفرانسيس فوكوياما، والتي استفادت منها أجندة المواجهة لدى المحافظين الجدد وبعدهم الترامبيين. ثانياً، سردية النقد والتفكيك التي تمسّك بها إدوارد سعيد لما اعتبره "صدام الجهل" وسعي هانتنغتون ل"مواصلة الحرب الباردة وتوسيعها بوسائل أخرى". وفي ضوء هاتين السرديتين ظهرت مبادرات جديدة لدحض فرضية "الصدام" ضمن الصيغ التي اقترحها الإيرانيون والأتراك والإسبان كمشروعي"حوار" و"تحالف" الحضارات. 

أثار الشرقاوي أيضًا سؤالًا رئيسيًا: "ما علاقة الفجوة العميقة بين "التصوّر الموضوعي" و "التصوّر الذاتي" لفهم الإسلام في أوروبا وأمريكا الشمالية؟ وهل لدى الأوساط التي تنادي بحوار الحضارات خطاب فعّال يتجاوز الاحتفال بأوجه التشابه بين الأديان والثقافات المختلفة؟" واختتم ورقته بثلاثة اقتراحات جديدة:

أ‌. "يظلّ تمثيل الحوار المنشود بين الحضارات مشوّها في نظرية العلاقات الدولية. ويبرز هذا التشويه الحاجة لإعادة بناء وتموقع خطاب الحوار الحضاري في المجال العام بما يتجاوز مرجعية الصّدام. نحن بحاجة لتحويل إطار بحثنا من المنظور المثالي المعياري إلى مناصرة براغماتية سائدة. ونحن نسعى لبناء جسور جديدة بين العالميْن الغربي والإسلامي، يبدو أن الوقت والتقنية في صفّنا، بينما لا ينصبّ اهتمام أنصار فكر هانتنغتون إلاّ على الزيادة في ارتفاع جدرانهم.

ب‌. لا ينبغي أن يكون حوار الحضارات فقط بشأن المساحات المشتركة في الفكر، أو التصورات الذهنية، أو مجرّد الاحتفاء بالقيم المشتركة، أو ترميم التصورات المتبادلة. إنه أكثر من مجرّد التوفيق بين الفرق بين التفسير الأوروبي والتفسير العربي/الإسلامي لمقاصد الحوار. ينبغي علينا ألاّ نعود إلى هذا النقاش كقبائل ثقافية متباعدة ذات تصورات ثنائية بمنطق "نحن مقابل هم"، أو أي انفصام ثقافي بين الشرق والغرب. هي بالأحرى طريقة دائرية للتفاعل، وإعادة الاستكشاف، والاعتراف المتبادل. ولا يحدث التغيير إلاّ من خلال العمل، والحركة، والتفاعل. هذا هو السبب للحاجة حاليا لأن نعتبر علائقية الحوار relationalism of dialogue وحدتنا الجديدة في التحليل.

ت‌. لم تعتمد منظومة الأمم المتحدة المتمركزة حول الدولة آليات واعدة للتعامل مع معضلة كراهية الأجانب، والرهاب الإسلامي أو الإسلاموفوبيا، والتطرّف، وأنماط أخرى من العنف اللفظي أو السّياسي. بدلاً من ذلك، يمكننا تبنّي حوار الحضارة كنموذج بديل للنظام العالمي. لقد حان الوقت لنموذج جديد: حوار بين الحضارات يتجاوز المصفوفة المتمحورة حول الغرب."

شركاء منتدى رودس في اليونان (11-12 أكتوبر 2019) (DOC)

تمّ تقديم مركز الجزيرة للدراسات أيضًا كأحد الشركاء الرئيسيين في منتدى رودس السنوي السابع عشر "النّظام (أو اللاّنظام) العالمي: رؤى دولية تقوم على الحوار" الذي نظمه معهد دراسات حوار الحضارات يومي 11 و12 أكتوبر 2019، بمشاركة وفود من 55 دولة، بمن فيهم محمد إيسوفو رئيس النيجر، العضو الجديد في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وتناول السيد إيسوفو في جلسة خاصة موضوع "نحو المعجزات الاقتصادية الأفريقية: الدروس المستفادة من نموذج شرق آسيا".

تناولت الجلسة الثانية التي شهدت حضورا مكثّفا موضوع "30 عاما بعد سقوط جدار برلين: بحثًا عن خريطة طريق وبوصلة"، والتي أثارت تبادلًا مثيرًا للاهتمام بين مارتن شولز ، رئيس البرلمان الأوروبي [2012-2017] ؛ وفياتشيسلاف نيكونوف عضو مجلس الدوما في الاتحاد الروسي وعميد كلية الإدارة الحكومية بجامعة موسكو، ووانغ هويو مؤسس ورئيس مركز الصين والعولمة، وشدى إسلام مديرة أوروبا والجغرافيا السياسية في مؤسسة أصدقاء أوروبا، وألفونس كانمانثام عضو البرلمان الهندي ووزير سابق في الحكومة الاتحادية، وغابرييلا راموس رئيسة هيئة موظفي منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وشيربا في مجموعة الدول الصناعية العشرين. ومن بين الأسئلة التي تمت مناقشتها: 1) ما هي الخطوط العريضة المحتملة لهيكلة جديدة ناشئة للحوكمة العالمية؟ 2) كيف يمكن تفادي تصعيد المواجهات الدولية الناشئة إلى صراعات مفتوحة؟ 3) هل يمكن الجمع بين الرؤى العالمية المتضاربة للجهات الفاعلة الفردية من أجل التوصل إلى توافق في الآراء بشأن خريطة الطريق؟ و4) ما هي المؤسسات الأكثر صلة وما هي الآليات المطلوبة لإدارة المشارب المتنوعة؟

(DOC)

تناولت الجلسات الأخرى في منتدى رودس مجموعة واسعة من المواضيع منها "تعقّب طريق النمو: نماذج اقتصادية لعالم الجنوب"، و"نحو شراكة جديدة مع أفريقيا، "ودور العمل الخيري في النظام العالمي الجديد"، و"تحليل التصورات الجيوسياسية في العالم: نحو معركة الكبار؟،" و"الدين كعامل سياسي وأيديولوجية"، و"حالة الحضارة: التعددية الثقافية والعولمة" و"الدين كعامل سياسي والإيديولوجيا"، و"دور المجتمع المدني: تصاعدي أم تنازلي؟ "، و" الدبلوماسية: الحوكمة في عصر وسائل التواصل الاجتماعي"، و "حياتنا كهواتف ذكية: للبشر والروبوتات، و"النظام (أو اللانظام) العالمي والأمن أو عدم الأمن الأوروبي"

شارك الدكتور الشرقاوي والدكتور عبد المولى أيضًا في جلسة "الاتحاد الأوروبي، الشريك الاستراتيجي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا" صباح 12 أكتوبر 2019. وتناولت المناقشة التحديات والآفاق الحالية للحوار بين الاتحاد الأوروبي والشرق الأوسط وشمال إفريقيا فسي ضوء "خطة الجوار الجديدة" التي تبنّاها الاتحاد الأوروبي الجديد في نوفمبر 2015، على أمل إعادة النظر في علاقات الدول الأعضاء الثماني والعشرين في الاتحاد الأوروبي مع دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التسع عشرة ضمن إطار تعزيز جدول أعمال ديمقراطي ودبلوماسي جديد.

المشاركون في منتدى رودس في اليونان، 11 أكتوبر 2019 (DOC)