ندوة: الإعلام في مراحل الانتقال السياسي: دراسة حالات تركيا والمغرب وتونس

a0ef04d2a24d421db5507f99b11f68db_18.jpg
من اليمين: د.صلاح الدين، د.روكسان، د.آيش، د.مارتن، د.بنشنة، د.دومينك، د.كسيكس، د.الميلادي، د.صوناي (الجزيرة)

ملخص

يتناول التقرير أعمال المؤتمر البحثي الذي انعقد بالدوحة خلال يومي 7 و8 يناير/كانون الثاني 2017، بعنوان "الإعلام في مراحل الانتقال السياسي: دراسة حالات تركيا والمغرب وتونس"، ويعرض النتائج الأولية للدراسات الأصلية التي أُنْجِزَت في إطار المرحلة الثانية من المشروع البحثي المشترك بين مركز الجزيرة للدراسات وجامعة كامبريدج حول الكيفية التي يتفاعل بها الإعلام، في علاقته بالسلطة، مع التوترات السياسية والتحولات الجديدة في السَّرديات الشعبية إزاء الأحداث التي وقعت بين 2011 و2013.

وركَّزت الدراسات في مقاربتها للتحولات التي شهدتها المنظومة الإعلامية في تركيا والمغرب وتونس على استكشاف اللوائح والبنية التنظيمية التي تُشكِّل العلاقة بين الحكومة ووسائل الإعلام، ثم دراسة طبيعة القطاع الإعلامي نفسه من حيث مؤسَّساتُه العامة والخاصة، وخصائص السوق، ومصادر التمويل، وجداول الأعمال السياسية، وشبكاته النخبوية، ومهنيته، ثم دور وسلوك الإعلام كراوٍ للثقافة السياسية، وأداة للخطاب العام وبناء الهوية. كما اهتمت الأوراق البحثية بدراسة قضايا إشكالية تتعلق بحرية الإنترنت والمراقبة، والخطاب السياسي، واستخدام وسائل الإعلام الاجتماعي، وقضايا النوع على شاشة التليفزيون وفي الحياة العامة، والكفاءة المهنية والحزبية للقطاع، وظهور وسائل الإعلام الإسلامية. وستُتَوَّج هذه المرحلة من المشروع بنشر الأوراق البحثية في مجلة دراسات شمال إفريقيا التي تصدرها جامعة كامبريدج باللغة الإنجليزية، ثم في كتاب باللغة العربية لمركز الجزيرة للدراسات.   

مقدمة

في إطار شراكة بحثية تجمع مركز الجزيرة للدراسات وجامعة كامبريدج لإنجاز مشروع بحثي مشترك حول الإعلام في مراحل الانتقال السياسي بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، احتضنت الدوحة مؤتمرًا علميًّا، يومي 7 و8 يناير/كانون الثاني 2017، ناقش بمشاركة أكاديميين وباحثين النتائج الأولية للأوراق البحثية والدراسات، التي أُنْجِزَت خلال المرحلة الثانية من المشروع الذي انطلق نهاية العام 2014 في كلٍّ من المغرب وتركيا. وقد عالجت هذه الأوراق والدراسات الأصلية التي أعدَّها فريقان بحثيَّان من البلدين الكيفية التي يتفاعل بها الإعلام، في علاقته بالسلطة، مع التوترات السياسية والتحولات الجديدة في السَّرديات الشعبية إزاء الأحداث التي وقعت بين 2011 و2013. 

وكانت المرحلة الأولى من المشروع التي انطلقت في العام 2013، ركَّزت على وسائل الإعلام في تونس، بعنوان "الإعلام في مراحل الانتقال السياسي: تونس نموذجًا"، لدراسة التغيرات والتحولات التي شهدتها المنظومة الإعلامية التونسية بعد الثورة. وتُوِّجَت تلك المرحلة بنشر الأوراق البحثية في مجلة دراسات شمال إفريقيا (The Journal of North Africa Studies) التي تصدرها جامعة كامبريدج بعنوان: (Media in Political Transition, Focus on Tunisia)، ثم في كتاب أصدره مركز الجزيرة للدراسات باللغة العربية. 

ويهدف المشروع انطلاقًا من الحالات الثلاث (تركيا والمغرب وتونس) إلى دراسة مقارِنة لأنظمة الإعلام في البلدان المطلَّة على البحر الأبيض المتوسط باعتماد المداخل البحثية الآتية: البنية والوظيفة والوكالة، ومعالجة الموضوعات المرتبطة بحرية الإنترنت والمراقبة، والخطاب السياسي، واستخدام وسائل الإعلام الاجتماعي، وقضايا النوع على شاشة التليفزيون وفي الحياة العامة، والكفاءة المهنية والحزبية للقطاع، وظهور وسائل الإعلام الإسلامية، والمنافسة الداخلية بين النخب السياسية للاستفادة من وسائل الإعلام. وبالنظر إلى تركيا والمغرب، فهناك صورة أكثر اكتمالًا في الوضوح من حيث الكيفية التي استجاب بها الإعلام الحكومي في المنطقة للتوترات السياسية والتحولات الجديدة في الخطاب الشعبي ردًّا على الأحداث التي وقعت عامي 2011 و2013. 

بنية الإعلام في مراحل الانتقال السياسي 

كان هذا العنوان محور أول الجلسات النقاشية في الندوة التي افتتح أشغالها د.صلاح الدين الزين، مدير مركز الجزيرة للدراسات، الذي أبرز في كلمته أهمية التحولات التي يشهدها الحقل الإعلامي في علاقته بالتغيرات والتطورات العميقة الجارية في المجال السياسي والاجتماعي، وكذلك ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات؛ الأمر الذي دفع المركز إلى تأسيس برنامج جديد للدراسات الإعلامية يُعنى بتلك التحولات في مجال الإعلام والاتصال بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بشكل خاص؛ وذلك للمساهمة في بناء معرفة علمية رصينة تواكب الظاهرة الإعلامية المعاصرة وعلاقاتها بمحيطها السياسي والاجتماعي، وصياغة التفسيرات لمتغيراتها والعوامل الدافعة أو المحركة لها، واتجاهاتها، وأيضًا التطوير المستمر لهذه المعرفة عبر الدراسات التطبيقية. 

وذَكَّر د.صلاح الدين الزين بأهمية المشروع البحثي المشترك بين مركز الجزيرة للدراسات ومركز العلاقات الدولية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا بجامعة كامبريدج، مؤكدًا حرص مركز الجزيرة للدراسات على توسيع دائرة النقاش بشأن مُخْرَجَات المشروع من خلال هذا المؤتمر الذي يستعرض النتائج الأولية لدراسات الباحثين حول متغيرات المشهد الإعلامي في كلٍّ من تركيا والمغرب وتونس، ويناقش أطروحاتهم من خلال تعقيبات نخبة من أساتذة الإعلام والأكاديميين والدارسين والباحثين والممارسين في مجال الإعلام إثراءً لخلاصات المشروع ونتائجه. وكان قد سبَقَ هذا المؤتمر أربعة لقاءات بحثية اثنان بجامعة كامبريدج وآخران في الدوحة تناولت جميعها مُخْرَجَات الدراسات التي أنجزها الباحثون المشاركون في المشروع حول الإعلام في مراحل الانتقال السياسي. 

وفي تقديمها لهذا المشروع، أوضحت د.روكسان فارمان فارمايان، مدير المشروع البحثي المشترك بين جامعة كامبريدج ومركز الجزيرة للدراسات، أن قوة مُخْرَجَات تلك البحوث تكمن في الدراسة المقارنة للمنظومة الإعلامية في ثلاث دول متباينة من حيث أنظمة الحكم (الانتقال الديمقراطي في تركيا، والنظام الملكي في المغرب، وتجربة التعددية السياسية في تونس ما بعد الثورة)، وكذلك في تفسيرها لوسائل الإعلام كأداة لسلطة الدولة, وآلية للتعبير الاجتماعي؛ الأمر الذي يُوفِّر تحليلًا مُقارِنًا أصيلًا حول تقاطع الإعلام السياسي في هذه الدول، وهو الأمر الذي لم يتم من قبل بأي عمق. بالإضافة إلى ذلك، فإن تحليل الإعلام بوصفه أداة للسلطة وانعكاسًا لها (سواء أكانت باستخدام من قبل الحكومة أو الجيش أو الاستخبارات أو القطاع الخاص أو الجماعات المدنية)، سيُلقي الضوء على الهياكل والحوافز لسياسات هذه الدول وعمليات التحديث التي تجري فيها من زاوية جديدة مهمَّة.  

ورصدت الورقة البحثية التي قدَّمتها د.آيش تونش، أستاذة في نظم الاتصال الإعلامي بجامعة إسطنبول بيلجي، بعنوان "كل شيء يتحول: تحليل عام للمشهد السياسي التركي من منظور نظام إعلامي هجين"، التغيرَ التدريجي الذي عرفه الإعلام التركي؛ حيث شهدت سوق الإعلام عملية تحول منذ العام 2002، عندما وصل حزب العدالة والتنمية للحكم أول مرة؛ من الأحزاب السياسية إلى مؤسسات الدولة، ومن الكيانات الثقافية إلى الهويات الإثنية، ومن المنظمات العسكرية إلى منظمات المجتمع المدني؛ حيث عمل تحول تركيا على تقوية بعض اللاعبين والتخلص من آخرين. كما تناولت الباحثة تأثير المحاولة الانقلابية الفاشلة التي حدثت في 15 يوليو/تموز 2016، على المشهد الإعلامي والسياسي التركي، وركَّزت على الدور المتغير للصحف وقنوات التلفاز، فضلًا عن مهنة الصحافة. وأجرت الباحثة لقاءات معمَّقة مع قادة الرأي المعروفين، والساسة المحليين، والإعلاميين المخضرمين، وجمعيات الصحافة، وممثلي وسائل الإعلام لأغراض هذا البحث، وخَلُصَت إلى تحليل وظائف القطاع الإعلامي التي تتقاطع عند ما تعتبره "المحسوبية، والميول الاستبدادية، وقواعد السوق الرأسمالية". 

وفي ورقة بحثية مشتركة قدَّمها د.إدريس كسيكس، أستاذ الإعلام والثقافة والكتابة الإبداعية بالمدرسة العليا للإدارة بالمغرب، ود.عبد الفتاح بنشنَّة، محاضر في علوم الإعلام والاتصال في جامعة باريس XIII، ودومينيك مارشيتي، مدير البحوث بالمركز الأوروبي لعلم الاجتماع والعلوم السياسية، بعنوان "المشهد الإعلامي والسُّلطة في المغرب"، تناول الباحثون متغيرات المشهد الإعلامي وعلاقته بالسلطة في التاريخ الحديث والمعاصر؛ إذ أكَّد هؤلاء أن المغرب شهد خلال التسعينات من القرن العشرين وعودًا بإصلاح قطاع الصحافة والإعلام، وظهرت صحف تجاوزت الخطوط الحمراء، لكن سرعان ما تراجع هذا الانفتاح بعد العام 2005. واعتبر الباحثون أن تعدد العناوين الصحفية في المغرب لا يُمَثِّل سوى "وفرة الوهم"؛ حيث تراجعت مقروئية الصحف لحساب المواقع الإلكترونية التي تستقطب 2.5 مليون زائر يوميًّا. 

وأوضحت الورقة أن المقالات الأكاديمية تقارن موقف الإعلام في المغرب، سواء بإعلام ما بعد الاتحاد السوفيتي سابقًا؛ حيث الرقابة المختلطة والاستثمار الخاص دون أي تأثير على بنية السلطة، أو بإعلام جنوب أوروبا ما بعد الديكتاتورية؛ حيث المهنية الضعيفة والتدخل القوي من الدولة، ليس لإرساء القواعد ولكن لإرساء المحسوبية الاقتصادية، مع الأخذ بعين الاعتبار عدم توفر مواد بحثية عن المغرب. ويرتكز العمل الميداني الرئيسي على الصحف الخاصة، والمجلات الإخبارية وصفوة العاملين (وهي كيانات محصورة في المجال الافتراضي)، والذين ظهروا منذ منتصف التسعينات باعتبارهم: أ) الاقتصاد السياسي لشركات الصحافة. ب) القِلَّة الاحتكارية، ومنظمات وأنواع الرقابة الاقتصادية. ج) الجغرافية الاجتماعية لمُلَّاك ومديري الصحافة.  

وتناول د.علي سوناي، وهو باحث ضمن فريق المشروع البحثي المشترك بين جامعة كامبريدج ومركز الجزيرة للدراسات، في ورقته، التي تحمل عنوان "الإعلام المحلي في تركيا: التطور الإذاعي في قونية"، التغييرات التي شهدتها تركيا في العديد من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية بمجيء حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في العام 2002. وربط الباحث خطوات التحرير الاقتصادي والسياسي بالعديد من القضايا التي ظهرت في السنوات الماضية، وأهمها: وجود الدِّين في المجال العام، والظهور المصاحِب للطبقة الوسطى المحافظة الجديدة وتأثيرها الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في تشكيل حدود ما يجب التفكير به وقوله بشأن الهوية التركية. لقد أصبح الإعلام أحد مجالات التفاوض خلال هذه العملية التي ما زالت جارية.  

وفي هذا السياق، وبهدف فهم تطورات الإعلام الحالية، ركَّزت الورقة على الإذاعة كمؤسسة في الهامش، وتساءلت عن الطريقة التي تعكس بها الإذاعة في وسط الأناضول، وهي منطقة ظهور البرجوازية المحافظة خلال العقود الماضية، هذا التحول. وتمحورت المقابلات والملاحظات على قونية، وهي مدينة مهمة سياسيًّا واقتصاديًّا ومركز لدعم حزب العدالة والتنمية. وقد تبيَّن من خلال العمل الميداني وجود سعي متزايد لتحويل الإعلام إلى تجارة والتركيز على المستوى المحلي الذي يؤثِّر على الإذاعات الموسيقية السائدة وفي نفس الوقت إعادة تشكيل طابع الإذاعات الإسلامية. 

الرقابة على وسائل الإعلام 

الباحثة سامية الرزوقي أثناء عرض نتائج دراستها (الجزيرة) 

في الجلسة النقاشية الثانية التي حملت عنوان "الرقابة على وسائل الإعلام"، قدَّمت سامية الرزوقي، وهي باحثة ضمن فريق المشروع البحثي من المغرب، ورقة بعنوان "عيون المراقبة: مراقبة الإنترنت وصحافة المواطن في المغرب"، ورأت في مقاربتها لهذه المشكلة من خلال تجربة "مامفاكينش"، التي تزامن ظهورها مع حركة 20 فبراير/شباط 2011، أن صحافة المواطن تُعدُّ من السُّبُل التي جمعت بين التعبئة السياسية والاجتماعية والتوسع في استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. وقد تغيَّر أيضًا ردُّ فعل الدولة على ظهور هذه الأشكال الجديدة للإعلام من خلال ابتكار أنماط جديدة للرقابة، والمراقبة، وسنِّ قانون الصحافة. وتناولت الورقة التفاعل بين ظهور صحافة المواطن الجديدة في المغرب وبين سياسات الدولة. ومع الأخذ بعين الاعتبار تحرير صناعة الاتصالات في المغرب، تُلقي الورقة أيضًا الضوء على الكيفية التي يتم بها استغلال الاقتصاد السياسي كأداة لتمديد ممارسات اختصاصات الدولة لتهميش الأصوات الناقدة. 

وتناول د.إيركان ساكا، أستاذ الإعلام والاتصال في جامعة إسطنبول بيلجي، في ورقته البحثية بعنوان "التواصل الاجتماعي ساحة للصراع السياسي: الإعلام الاجتماعي أداة للمراقبة الحكومية في تركيا"، تفاعُلَ حزب العدالة والتنمية الحاكم مع احتجاجات جيزي بارك عام 2013؛ حيث بدا الحزب عقب الأحداث "جيشًا من المتصيِّدين السياسيين" لمواجهة الهيمنة المتزايدة لمتظاهري جيزي على وسائل التواصل الاجتماعي. واعتبارًا من ديسمبر/كانون الأول 2013، وأثناء التحقيق في الفساد، انهار التحالف القديم وتحولت العلاقة بين حركة فتح الله غولن وحزب العدالة والتنمية إلى عداوة صارخة. ومنذ ذلك الوقت، بدأت حركة غولن في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بفعالية لإثارة المعارضة ضد الحزب الحاكم. وتم خلال الورقة التأكيد بشكل خاص على دراسات الناشطية الرقمية، إضافة إلى الثقافات التشاركية واستخدام شبكات الإنترنت، كما ألقت الورقة نظرة على الاقتصاد السياسي للإعلام التركي بهدف تأطير الصراعات السياسية الحالية في التواصل الاجتماعي. 

البنية والحكومة 

في الجسلة الختامية لأعمال الندوة خلال اليوم الأول، أوضحت عائشة أونسو، أستاذة فخرية في علم الاجتماع في جامعة سابانجي في إسطنبول، في ورقتها المعنونة بـ"علاقات الإعلام/الحكومة في تركيا: صناعة النظام التسلطي؟"، أن تحوُّل المشهد الإعلامي التركي في محيطه الأوسع خلال عقد التسعينات من القرن الماضي هو أشبه بما يصفه كلٌّ من هالن ومانشيني بأنه "رفع القيود بوحشية" والتحول اللاحق لأسواق الإعلام في دول مثل اليونان وإيطاليا وإسبانيا، وأن السمات البارزة للنظام الإعلامي الناشئ في التجربة التاريخية التركية تحديدًا، تشمل: الهيمنة الساحقة للتليفزيون التجاري/الشعبي على الساحة العامة، والتكتل السريع من خلال الملكية المشتركة والاستثمارات في مختلف قطاعات الاقتصاد، والعلاقات التبادلية المرنة (من الزبائنية، والشركات، والأدواتية) بين النخبة الإعلامية والدوائر الحكومية. 

وألقت الورقة الضوء على المشهد الإعلامي بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة، في 15 يوليو/تموز 2016؛ حيث تم إغلاق مئة وثلاثين منصة إعلامية، بما في ذلك إعلام البثِّ والطباعة وكذلك ما يقرب من ثلاثين دارًا للنشر، وتم نقل أصولها إلى الخزانة التركية. وفي هذا السياق، اهتمت الورقة بتسليط الضوء على الأهمية القصوى لإدارة الإعلام واستراتيجيات العلاقات العامة في تضخيم شخصية أردوغان وتحويله إلى المجسِّد لوحدة تركيا في المستقبل. 

وفي دراسة بعنوان "بنية الإعلام في سياق التحول السياسي بالمغرب"، يستكشف د.زايد بوزيان، أستاذ الإعلام والاتصال في جامعة الأخوين بالمغرب، العملية المعقَّدة لبنية الإصلاحات الإعلامية في الديمقراطيات الانتقالية؛ ففي المغرب أسفرت موجة التحرر السياسي والديمقراطي في النصف الثاني من التسعينات عن إصلاحات رئيسية في الإعلام، خاصة في قطاع البث؛ حيث تم إنشاء الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري في عام 2002 التي كُلِّفتُ بوضع إطار قانوني لتحرير القطاع السمعي البصري، والإشراف على قطاع خدمات البث العام. وفي عام 2016، تم سَنُّ قانون الصحافة الجديد مع الأحكام التي تنطبق على الإنترنت والذي حلَّ محلَّ قانون الصحافة لعام 2002. 

من اليمين: د.صلاح الدين، د.روكسان، د.أنسو، فاكودي، د.بوزيان، د.زياني (الجزيرة)

وبالنسبة للإنترنت، يرى الباحث أن هذا المجال يتميز في المغرب بالفجوة الرقمية وبروز مجتمع الرقابة، وتحوُّل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من قوى التغيير إلى أدوات القمع في يد الدولة. لقد أدَّى صعود مجتمع الشبكات إلى تغيير ديناميات التفاعل بين وسائل الإعلام والثقافة والسياسة لفترة قصيرة من الوقت خلال الربيع العربي، لكن عادت الدولة لإبعاد هذه المساحات من التدافع وإنشاء طرق أخرى للوجود والنظرة إلى الأشياء. كما تناول الباحث البيئة القانونية والهياكل المؤسسية في إصلاح الإعلام بالمغرب، وأوضح أن تعارض التوجه بينهما يشير إلى وجود نظام "استبدادي تنافسي" بدلًا من الديمقراطية الانتقالية؛ إذ لم يحقق المغرب بعدُ وعود دَمَقْرَطَة القطاع الإعلامي، وفشل في كسر ارتباطه بتاريخها كأداة للدعاية والسيطرة السياسية. 

الوكالة والتمثيل 

ناقشت الندوة في يومها الثاني محورًا خاصًّا باللوائح والبنية التنظيمية التي تشكِّل العلاقة بين الحكومة ووسائل الإعلام، وفي هذا السياق أبرزت د.عائشة سيدا يوكسل، وهي باحثة بمركز دراسات إسطنبول في جامعة قدير هاس، في ورقتها بعنوان "تمثيل الرعب والصراع العِرقي في الصحافة التركية: تحليل لعملية السلام في تركيا"، أن الإعلام التركي يُعدُّ واحدًا من أعمدة القومية التركية منذ فترة طويلة؛ حيث ينزع إلى تعريف الشعب التركي من خلال التهديدات المتوقعة داخليًّا وخارجيًّا. خلال التسعينات، وفي هذه الفترة الطويلة من الخطاب القوي، تم تصنيف "الشرق" ضمنيًّا مع الإثنية الكردية، بينما لازم تعريف حزب العمال الكردستاني بالإرهاب بشكل صريح. وركزت الورقة على الفترة بين إبريل/نيسان حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2015، عند انخفاض التوتر بين الدولة التركية وحزب العمال الكردستاني تزامنًا مع عملية السلام التي أُعلن عنها رسميًّا وأُطلع الجمهور التركي عليها من قِبل الحكومة التركية عام 2013. وقد رافق اندلاع المناوشات بين الطرفين في عام 2015 تزايد مدِّ الحرب السورية وإعادتها لهيكلة الجانب الآخر من الحدود الجنوبية الشرقية لتركيا والاستقطاب العميق في السياسة الداخلية حول حزب العدالة والتنمية وبين المعارضة عشية اقتراب الانتخابات الوطنية في يونيو/حزيران 2015. 

وبالتركيز على أربع صحف (يني شفق، ميليت، زمان، الجمهورية) المرتبطة بمختلف المواقف الأيديولوجية والعلاقات الاقتصادية بالحكومة المركزية تبيَّن الاختلاف في صياغة انخفاض التوتر والقضية الكردية داخل الإعلام الرئيسي المطبوع. إن عودة ظهور الخطاب عن الإرهاب، والصراع العِرقي في عام 2015، لا تسمح بمناقشة ما إذا كان هناك تصور متغير وتمثيل جديد للمسألة الكردية طويلة الأمد فحسب، بل تسمح أيضًا بمعالجة مسألة كيفية بناء الخطاب الإعلامي حول السلام. 

وفي دراسته لموضوع "الهيمنة والخوف: صحافة الإسلاميين في تركيا بعد يونيو/حزيران 2013"، اعتبر ميشيل أنجلو جايدا، الذي يعمل أستاذًا ورئيسًا لقسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة إسطنبول 29 مايو، أن هناك حدثين خلَّفا ضغطًا هائلًا ودفعا إلى تكييف صحافة الإسلاميين مع العلاقات المؤسسية، وهما: احتجاجات جيزي بارك وفضائح فساد ديسمبر/كانون الأول 2013. وبحثت الورقة بعضًا من تفسيرات كُتَّاب الأعمدة الصحفية الرئيسية للحدثين في ثلاثة من أهم صحف الإسلاميين خلال الفترة ما بعد يونيو/حزيران 2013. كما حلَّلت على وجه التحديد فترة وجود نجوم الأعمدة الصحفية، أمثال: فهمي كورو (يني شفق) وإبراهيم كاراجول، وعلي بولاج (زمان)، أثناء احتجاجات ميدان جيزي وبعد خروج فضائح الفساد إلى العلن، وتوضِّح المناهج والفهم المختلف لهؤلاء الصحفيين للأحداث، وكيفية تكوين الرأي الإسلامي. كما ألقت الضوء أيضًا على الدور الذي لعبته المخاوف وعدم الثقة بالنفس في حياة شرائح مختلفة من الشعب. علاوة على هذا، فإن النظرة العامة على ملكية الصحف إلى جانب إجراء لقاءات مع الكتَّاب ستساعد على فهم ضغوط العلاقات المؤسسية فيما بين السياسة، والمجتمع المدني، والإعلام والاقتصاد. 

أما الورقة التي قدَّمها د.علي سوناي حول "الاستماع إلى الإذاعة في المغرب المعاصر"، فأظهرت أنه على الرغم من التغييرات المهمة التي عرفها المغرب في سياق الربيع العربي، لا تزال المناقشة الداخلية مستمرة حول التحول الديمقراطي نحو مزيد من المشاركة السياسية والحريات. ويرى الباحث أن الإعلام هو أحد الموضوعات الرئيسية والمنبر لهذا النقاش في نفس الوقت. وقد كان أهم تطور في تحرير قطاع الإذاعة، الذي كان سابقًا تحت سيطرة الدولة، عام 2005، هو ظهور 19 محطة إذاعية خاصة أنشئت منذ ذلك الحين؛ فضلًا عن المحطات العامة. 

وللتعرف على السلوك الاتصالي لجمهور الإذاعة في المغرب وتفضيلاته، تم إجراء بحث ميداني ركَّز على سائقي سيارات الأجرة باعتبارهم الشريحة الرئيسية من مستمعي الإذاعة. بالإضافة إلى ذلك، فقد ساعد استطلاع عبر الإنترنت، حول أفضليات الاستماع للطلاب، على مقارنة هذه النتائج مع تلك التي تتعلق بجيل أصغر سنًّا. وأشارت النتائج إلى شعبية عالية للإذاعة؛ حيث أصبحت الموسيقى والدِّين والبرامج الحوارية -التي كانت سابقًا من محرَّمات القضايا الاجتماعية- شعبية؛ مما أثار الجدل حول تأثير الإذاعة على حرية التعبير والمعايير الأخلاقية. 

من اليمين: د.صلاح الدين، د.روكسان، د.ساندرز، د.يوكسيل، د.صوناي، دالاي، د.أنجلو (الجزيرة)

وركَّزت د.روكسان فارمان فارمايان، في ورقتها بعنوان "المقاومة من خلال الشبكة العنكبوتية في تونس والمغرب"، على إبراز دور شبكات التواصل الاجتماعي في تجربة الانتقال السياسي بتونس والمغرب؛ حيث استخدمت الحركات الاحتجاجية هذه الوسائط لإظهار نشاطها وبث رسائلها وخطابها، وهو ما أدى إلى شعور بإمكانية الاستفادة من الفرص المتاحة والتأثير في المستقبل، وخلَقَ أيضًا نوعًا من الزخم في المجال الدولي. وأكدت روكسان أن الاحتجاجات كسرت حاجز الخوف، كما أن التحرك الإعلامي المشترك عبر شبكات التواصل الاجتماعي أثَّر على النشاط الميداني وأسهم في توفير فرص سياسية والتمكين السياسي الذي حصل بعد ذلك. وبيَّنت الباحثة الفرص التي خلقتها الشبكات الاجتماعية انطلاقًا من الحالة التونسية؛ حيث إن إحراق البوعزيزي لنفسه أشعل فرصة دفعت نحو تحرك سياسي؛ إذ مَثَّل ذلك الحدث نقطة تجمُّع للغضب الذي كان موجودًا في تلك الفترة فتمت الاستجابة لفرصة سياسية بطريقة ثورية، وهناك مجموعة أخرى من الفرص السياسية التي بإمكانها أن تحصل مرة ثانية عندما يكون هناك تحرك مجتمعي في الحالات الانتقالية التي تعيشها الشعوب. 

وفي المغرب، كان استخدام وسائل التواصل الاجتماعي فعَّالًا في الاحتجاجات، وعَزَتِ الورقة البحثية سبب ذلك إلى الطرق القديمة في إعداد التقارير التي لم تكن ذات مصداقية، كما أن الصحفيين كانوا في نظر المحتجين جزءًا من المنظومة الرسمية. وأوضحت الباحثة أيضًا أن وسائل التواصل الاجتماعي كانت فعَّالة في الشرق الأوسط؛ حيث بات الناس يحصلون على الأخبار عبر هذه المنصات أكثر من التليفزيون ويتبادلون بواسطتها المعلومات والأخبار. 

المرأة في البرامج الحوارية 

كان هذا العنوان محور الجلسة الختامية لأعمال الندوة؛ حيث عرضت ياسيم بورول سيفين، أستاذة الإعلام والسينما والتليفزيون في جامعة إسطنبول بيلجي، وهاندي إسلين ضيا، زميلة باحثة في جامعة كوازولو ناتال بدوربان، ورقة بحثية مشتركة بعنوان "تركيا الجديدة" من خلال عيون النساء: السياسات الجندرية في البرامج الحوارية التركية"، بيَّنت التغييرات المهمة التي أجراها حزب العدالة والتنمية، عقب فوزه بالانتخابات الثانية عام 2007، في برنامج الحزب واستراتيجيته؛ حيث تحولت تركيا بعد ذلك إلى فضاء وظيفي ومجال خطاب جديد، يسمَّى "تركيا الجديدة". لم يحدد هذا الشعار تعريفًا للديمقراطية فحسب، بل أثار قضية المساواة بين الجنسين، ومكانة المرأة. 

وفي أثناء هذه الفترة بدأت الحكومة التركية تعبِّر بحرية عن خطابها الأبوي. ولأن الإعلام أداة هيمنة قوية؛ حيث تتنافس الجهات السياسية الفاعلة لإثبات تأثيرها، فإن تحليل ما يقال أثناء النهار يظهر على شاشات التليفزيون، ويعكس صناعة أدوار مماثلة بين الجنسين داخل المجتمع التركي. وقدمت الورقة تحليلًا لأحد البرامج الحوارية النهارية الأكثر شعبية في تركيا التي تقدمها سيدا سايان. وتقوم فكرة برنامجها الحواري الشعبي على ضيوف وستوديو مباشر على الهواء ويتم اختبار الجمهور فيما يتعلق بالتعبير عن القضايا المتعلقة بالسياسة بين الجنسين. ومن خلال استخدام تحليل الخطاب، والقضايا المشتركة للحلقة، تمت دراسة الأدوار المنسوبة إلى كل من الرجال والنساء، وردود الفعل من أفراد الجمهور. وشمل التحليل المزيد من الردود من مختلف المنظمات النسائية والناشطات على محتوى برامجها على وسائل الإعلام الاجتماعي، وحسب ما يتم تغطيتها في الإعلام الرئيسي بشكل عام. 

من اليمين: د.روكسان، عماد موسى، بيرس بورا، ياسيم بورول سيفين، د.أومليل (الجزيرة)

وفي الورقة التي قدَّمتها د.كنزة أومليل، أستاذة الاتصال والنوع الاجتماعي في جامعة الأخوين بالمغرب، بعنوان "تمثيل النساء في البرامج الحوارية التليفزيونية في المغرب"، أشارت الباحثة إلى أن موضوع تمثيل المرأة في الإعلام المغربي لا يزال من المجالات التي لا تهتم بها الدراسات الأكاديمية، ولا توجد كتابات باللغة الإنجليزية على وجه التحديد في هذا المجال. وأوضحت أن الورقة تهدف إلى ردم الفجوة الموجودة في الدراسات الأكاديمية من خلال تناول تشكيل هوية المرأة في البرامج الحوارية في التليفزيون المغربي. كما تناولت بالتحليل حلقات مختارة من عام 2012 حتى 2015 في برامج التليفزيون المميزة، مثل: "قضية وآراء"، و"مباشرة معكم"، و"بدون حرج"، و"60 دقيقة للفهم" باعتماد مرجعية تحليل الخطاب. وتم اختيار هذه الحلقات على أساس معيار شهرة البرنامج الحواري بالإضافة إلى شعبية الحلقة وَصِلتها بموضوع الدراسة. وكشفت الورقة أن الحلقات تحمل وظيفة تربوية؛ إذ تقدِّم توعية وتثقيفًا للمشاهدين حول حقوق المرأة، والقوانين، أو المبادرات التي يقودها المجتمع المدني. كما أنها تُبرز بشكل خاص في الواجهة الظلم الاجتماعي والثقافي والقانوني والعقبات التي تواجه المرأة في المجتمع المغربي. وتُظهر الحلقات بطء تطور حقوق المرأة وتُقدِّم اقتراحات بشأن التوجهات المستقبلية. وعلى الرغم من أن النساء الضيوف في البرامج يُبرزن صورة أنثوية قوية، فإن الحلقات تنقل في نهاية المطاف الحاجة إلى رفع الصوت وتمثيل الذات.