الجزيرة للدراسات يشارك في ندوة تطوان "الهجرات الدولية والتغيّرات الاجتماعية في المغرب"

51d0ba61bc4b4a9f8a672807955cf5bd_18.jpg
(الجزيرة)

شارك حوالى ثلاثين من الأساتذة والباحثين في الندوة التي استضافتها جامعة عبد المالك السعدي في مدينة تطوان المغربية يومي 6 و 7 ديسمبر لبحث موضوع الهجرات الدولية وسط تنامي ظاهرتين كما تقول الورقة المرجعية للندوة: "الأولى ظاهرة شاملة لم تترك مجتمعا أو جماعة، محليا كان أو وطنيا وجهويا وإقليميا، إلاّ واخترقته، وتتمثل في التغيرات الاجتماعية التي ما فتئت تزداد تسارعا وعمقا وتنوعا وحِدّة. أما الثانية، فهي ظاهرة عالمية أصبحت تمارس بأشكال وطرائق مبتدعة، عنيفة أحيانا، وفق ديناميات متعددة، ومن طرف مختلف فئات المجتمعات تهمّ بالهجرة الدولية."

شملت الندوة ست جلسات بدءا بمحاضرتين افتتاحتين في الجلسة الأولى، ثم الجلسة الثانية "دراسات الهجرة الدولية بالمغرب بين التقعيد النظري وتجزؤ البحث الميداني"، ثم الجلسة الثالثة "الهجرات الدولية والتغيرات الاجتماعية بالمغرب، منه وعبره وإليه"، والجلسة الرابعة "المهاجرون الدوليون مغاربة وأجانب؛ المحددات والوضعيات"، فالجلسة الخامسة "الفعل الهجروي الدولي بالمغرب ومستويات تدبيره بين الدولي والوطني والمحلي"، والجلسة السادسة "مستقبل الهجرات الدولية والتغيرات الاجتماعية بالمغرب".

انطلقت الندوة بمحاضرتين افتتاحيتين الأول بعنوان "الإسلام والهجرة الدولية والاندماج الأوروبي" ألقاها الدكتور محمد بودودو أستاذ علم الاجتماع في جامعة محمد الخامس في الرباط، ثم "علائقية الشّتات في مفهوم المغرب للهجرة" التي قدمها محمد الشرقاوي الباحث الأول في مركز الجزيرة للدراسات. استهلّ الشرقاوي حديثه باستعراض بعض المعضلات في التعامل مع الجاليات المهاجرة، وقال إن "هناك زاوية ضبابية الرؤية بشأن سبل إشراك هؤلاء النازحين، أغلبهم بدوافع اقتصادية، في جميع أنحاء العالم بفعالية في النهوض باحتياجات المغرب الإنمائية في الدّاخل وتحقيق مصالحه الاستراتيجية في الخارج. خلال عام 2018، بلغت تحويلاتهم 7.4 مليار دولار، أي ما يعادل 6.2? من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وهم يدعمون بشكل متزايد عدة قطاعات حيوية في الاقتصاد المغربي. بيد أنّ مؤسّسة الحكم في المغرب لم تحسم بعد النقاش الدائر حول ما إذا كان هؤلاء المهاجرون، ولا سيّما النخبة، يشكّلون "تهديدًا سياسيًا"، كما كان الحال في عهد الملك الحسن الثاني خاصة في السبعينات والثمانينات، أو يمكن أن يكونوا "رصيدا سياسيا" يساهم في تعزيز غايات السياسة الخارجية والمصالح الاقتصادية للمغرب."

وأوضح الشرقاوي انعدام التوزان في الأبحاث الخاصة بمغاربة العالم "بين أرجحية منطلق دراسة الهجرة على حساب دراسة الشتات بمنطلق "ديسبوري" diasporic approach. ولا يزال هناك اختلال صارخ بين دراسة الهجرة المغربية في الغالب برؤية من الداخل وشبه غياب للدراسات السوسيولوجية لدراسة الشّتات المغربي برؤية من الخارج، باستثناء بعض الدراسات الادبية للإصدارات القليلة في هولندا وفرنسا والولايات المتحدة. وتظل محاولة إسقاط الرؤية الأولى على الثانية قاصرة في البحث العلمي إنْ لم تكن شبه عبثية. ولا تزال السياسات العامة المغربية تقحم هاتين المسألتين المختلفتين في نفس الخانة العامة "الهجرة"، كما تُجاري خطّ التعامل معها بنسق كمّي quantitative مهيمن من خلال التركيز على البيانات الديموغرافية وأعداد العابرين عبر الموانئ والمطارات المغربية والتحويلات المالية لمغاربة العالم، بدلا من تطوير نسق كيفي qualitative مناسب لدراسة الشتات باستخدام أدوات العلوم الاجتماعية والإنسانية المعاصرة."

(الجزيرة)

اقترح الشرقاوي إطارًا نظريا جديدًا يمكن تسميته "علائقية الشتات" diaspora relationalism، كتفاعل دائري بين ثلاثية متداخلة: مجتمع الشتات، والبلد الأصلي، وبلد الاستقرار. وقدّم أربعة أنساق متوازية لإعادة بناء العلاقات السياسية والاجتماعية والثقافية، بما فيها المجال الديني، وكيف أصبحت النخبة ضمن مغاربة العالم تشكل شتاتا فجائيا أو عرضيا accidental diaspora، فضلا عن ظهور مؤشّرات على ما يمكن اعتباره تحويلات سياسية، إسْوة بالتحويلات المالية، منذ بداية حراك الريف نهاية 2016 ضمن علائقية الشتات بين المغاربة من أصل ريفي في هولندا وبلجيكا وإسبانيا والنشطاء في الحسيمة، وتداعيات هذه العلائقية على العلاقات المغربية الهولندية كمثال على تحوّل الشتات من رصيد إيجابي إلى شبه معارضة سياسية. وقدم تعرفا جديدا للشتات يشمل أربعة عناصر مشتركة: 1) التشتت الأفقي لجماعة عرقية عبر عدة مناطق جغرافية، 2) شعور مجتمعي بالترابط معا أو الإحساس بالنّحْنِية (من نحن) كهوية جماعية وخطاب تحوّلي عن الذات الجماعية والنضال والمرونة، 3) وجود ثنائي الإقليم أو الموطن من خلال السفر والتواصل الفوري بين بلد الإقامة والبلد الأصل، و4)ؤتكريس إنتاج ثقافي والتعبير عن الذات بين المنزلتين (بين الثقافة الأصلية والثقافة المكتسبة) حول ما يعايشه الشتات بينهما، أو ما يمكن تسميته "مدفعية الشتات".

اضاف الشرقاوي أنه يمكن تصوّر الجدول الزّمني لتطور مفاهيم الشتات ودراساته المتخصصة في أربع مراحل تبدأ بـمرحلة الاهتمام بالشتات اليهودي "الكلاسيكي" في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. ثم بدأت المرحلة الثانية في فترة الثمانينيات بالتحول نحو احتضان مفهوم أكثر جماعية للشتات وتوسيع دائرته لاستيعاب المزيد حتى المهاجرين لفترات زمنية غير طويلة ومن لديهم ملامح بيولوجية وخصوصيات ثقافية مختلفة. وكما يلاحظ سفران، تم نشر مفهوم "الشتات" كـ "تسمية مجازية" لوصف فئات مختلفة من الأفراد سواء "المغتربين، أو المطرودين، أو اللاجئين السياسيين، والمقيمين الأجانب، والمهاجرين، والأقليات العرقية." وساهم الاتّجاه المتزايد للبنائية الاجتماعية social constructivism في ظهور المرحلة الثالثة بمقاربة ما بعد الحداثة ومرونة الهوّيات وتحوّل الخطابات. وتأثرت ب"قراءات ما بعد الحداثة وسعي بعض دعاة البنائية الاجتماعية إلى تحلّل اثنين من لبنات البناء الرئيسية التي كانت تحدد وترسم في السابق فكرة الشتات، وهما "الوطن" و"المجتمع العرقي/الديني". وانفتحت دراسات الشّتات تدريجيا على ظاهرة ربما تميزت بأنها "خطوة ما بعد الحداثة لتفكيك نظرة المركزية العلمية من الخارج وأحادية التوجه للشؤون الإنسانية التي تربط السرديات والخبرات بأعراق معينة وأصولها"، كما يقول جيمس كليفورد. وقد ساهمت أعمال جون أرمسترونغ، وإدوارد سعيد، وروبن كوهين، وستيوارت هول، وغابرييل شيفر، وجيمس كليفورد، وبول غيلروي، وغيرهم من منظري المدرسة النقدية بشكل كبير في بلورة نظرية الشتات ووضع الأساس لدراسة المنحى متعدّد الجنسيات.

بدأت المرحلة الرابعة مع مستهلّ القرن الحادي والعشرين عندما تغيّرت قراءة الباحثين إلى الشتات على أنه "وسيلة لتنظير الثقافة والسياسة على مستوى عابر للحدود". ولاحظ شيفر كيف أنّ الشّتات القديم والحديث والمقبل "يظهر قدرة أكبر بكثير على البقاء ومواصلة تطوّره ككيانات نشطة للغاية في دول الاستقرار ولهم ارتباط بأوطانهم الأصلية. يحدث هذا نتيجة عودة النّزعات الإثنية القومية وإحياء الهوية العرقية في كلّ من الدول الأصل ودول الاستقرار. ويعتبر كوهين العصر الحالي بأنه "مرحلة التوحيد"، لأنه يتميز "بإعادة تأكيد معدّل أو وتيرة الشتات بما فيه العناصر الأساسية والميزات المشتركة والأنساق المثالية."

وأوضح الشرقاوي كيف غدت حركة التحويلات السياسية التي يكرّسها الشتات من بلد الاستقرار إلى الوطن الأصلي مجالًا جديدًا للبحث العلمي. بدأ الاهتمام بها في السنوات الأخيرة عند تقاطع علم الديموغرافيا والاقتصاد والعلوم السياسية من أجل تقييم ما إذا كان المهاجرون يؤثرون على التغيير السياسي في أوطانهم. في يونيو 2017، استضافت جامعة أكسفورد مجموعة من الباحثين الأوروبيين لمناقشة موضوع "التحويلات السياسية ورسم السياسة عبر الحدود: السرديات والممارسات السياسية ودور الدولة". ويقدم مجال البحث الناشئ هذا بديلاً محايدًا تاريخيًا لمفاهيم مثل "الفضاء السياسي العابر للحدود" الذي يفرض أفكارًا عن وجود الدولة والأبعاد الترابية كموادّ للدراسة ضمن سياقات لم تكن ملائمة من قبل، كما جاء في الورقة المرجعية التي انطلق منها المؤتمر. واستعرض المشاركون الأبعاد السياسية للروابط العابرة للحدود من خلال دراسة الحالات المستمدة من القرن التاسع عشر حتى القرن الحادي والعشرين. وشملت السياقات الجغرافية في رؤية الندوة ألمانيا والدنمارك والنمسا وفرنسا واليابان والولايات المتحدة والمكسيك والمغرب وتونس ومصر وتركيا، بالإضافة إلى العديد من الدراسات المقارنة . وفضلا عن دراسات الهجرة ودراسات الشتات، توفر الأدبيات الاجتماعية والسياسية لنشاط المجتمع المدني مصدرا غنيا للبيانات. ومع ذلك، لا تزال البيانات الكمية نادرة.

وعقب يومي الندوة، قدم الشرقاوي محاضرتين إلى طلاب الدكتوراه والماجستير في شعبة الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس في جامعة تطوان الأولى حول "تحديات المنهجية في إعداد أطروحات الدكتوراه" والثانية حول موضوع "برغماتية البحث العلمي: من التصوّر إلى الكتابة" في ضوء أدوات البحث الميداني وكيفية التحكم في السياق النظري وربطه بطبيعة الظاهرة الاجتماعية موضوع البحث وفق مدرسة السوسيولوجيا الأمريكية.