تجربة الانتقال الديمقراطي في الجزائر تراوح مكانها

لم تنجح عملية الانتقال الديمقراطي في الجزائر في بداية تسعينات القرن الماضي بسبب معارضة التحالف "غير الطبيعي" الذي ضم قوى دولية كانت تنادي بالديمقراطية. كما أن الجيش تراجع حين وجد فرصة للعودة بقوة إلى السلطة تحت شعار حماية الدولة والدفاع عن الديمقراطية.
2013124143138471734_20.jpg

دخلت الجزائر مرحلة الإصلاحات الديمقراطية في وقت مبكر، منذ منتصف الثمانينات، في عهد الرئيس الشاذلي بن جديد، أي قبل عشرين سنة من مجيء "الربيع العربي". ورغم البداية المبكرة لمحاولة التغيير، ورغم أن مبادرة الإصلاح جاءت من السلطة، إلا أن تلك المحاولة لم تفض إلى تغيير حقيقي، بل دخلت البلاد على إثرها في حرب أهلية خلفت حوالي 200 ألف ضحية في تسعينات القرن الماضي. وقد اجتمعت عوامل مختلفة، منها السياسية والاقتصادية والأمنية، ومنها عوامل داخلية وأخرى خارجية، لإجهاض عملية التغيير.

وفي بداية الأمر، لم تكن الإصلاحات في الجزائر تحمل معناها العصري، أي أنها لم تكن تهدف إلى بناء نظام جديد يتميز بالتعددية السياسية والحزبية، والفصل بين السلطات، وحرية التعبير والصحافة، وحرية الرأي والعقيدة، واحترام حقوق الإنسان، مع التداول على السلطة. وكانت الإصلاحات تقتصر على محاولات لتكييف نظام الحزب الواحد مع التغييرات الكبرى التي كان يعيشها المجتمع الجزائري. وكانت الجزائر قد تغيرت بصفة جذرية لكن المؤسسات وطريقة تسيير البلاد لم تتغير.

فقد كان 80% من الأطفال الجزائريين لا يعرفون المدرسة قبل الاستقلال، وتحول هذا الرقم إلى 90% من الأطفال وثمانين بالمائة من الإناث يتابعون الدراسة على الأقل في الطور الأول. وكانت الجزائر بلادا زراعية غير متطورة، يعيش 80% من سكانها في الأرياف، فأصبحت بلدا يعيش نصف سكانه في الأرياف والنصف الآخر في المدن. وقد تضاعف عدد سكان المدن سبع مرات في ربع قرن.

وكانت سلطة الحزب الواحد مطلقة، لا يمكن الطعن فيها بعد الاستقلال. لكن مع مر السنين وتحسن مستوى المعيشة وظهور أجيال جديدة ونخبة مثقفة لا تكتفي بالشرعية الثورية، ظهرت مطالب جديدة تتناقض مع الخطاب الرسمي السائد في ذلك الوقت.

وابتداء من الثمانينات ورحيل الرئيس هواري بومدين، برز مسؤولون جدد وضباط ووزراء لم يشاركوا في حرب التحرير، ولا يملكون "الشرعية الثورية"، رغم انتمائهم إلى الحزب الواحد، وهو حزب جبهة التحرير الوطني. وأصبحت هذه الشرعية غير كافية لتبرر بقاء البعض في السلطة وإقصاء البعض الآخر. وأصبح الخطاب الرسمي يتبنى هذا الوضع حيث قال الرئيس الشاذلي بن جديد عدة مرات إنه يجب الخروج من الشرعية الثورية إلى الشرعية الدستورية.

ووقع إجماع على ضرورة الخروج من ذلك العهد لدخول مرحلة تاريخية جديدة، لكن من يقود التغيير؟ ومن سيكون المستفيد منه؟ وأي طرف سيفرض قواعد اللعبة الجديدة؟ هل هو المجتمع الذي كان في غليان مستمر؟ أم التيار الإسلامي الذي كان في أقصى قوته؟ أم التيارات الديمقراطية العصرية التي كانت تعترف بأن النظام الغربي هو الذي استطاع أن يضمن الرفاهية المادية والحريات والتقدم العلمي والتقني؟ وفي نفس الوقت، كانت السلطة في ذلك الوقت تريد قيادة عملية الإصلاح حتى تحافظ على التوازنات الكبرى للبلاد. لكن الخلافات كانت حادة ولم تتمكن الجزائر من أن تقود عملية التغيير مثلما كانت تريد لأسباب عديدة.

سلطة دون مصداقية

تراجعت شرعية السلطة القائمة في الجزائر بصفة تدريجية بعد الاستقلال، إلى أن أصبح الشارع يطعن فيها علنا. ورغم الشعارات الموروثة عن الثورة التحريرية، إلا أن الأجيال الجديدة أصبحت لا تعترف بالخطاب السائد. وحاول الشاذلي بن جديد مواجهة هذا الوضع حيث قال إنه تولى السلطة تطبيقا لأحكام الدستور لا بناء على السلطة الشرعية، لكن ذلك لم يكن كافيا لتجنب تذبذب شرعية السلطة ومصداقيتها.

إضافة إلى ذلك، كان زعماء الثورة الذين مازالوا على قيد الحياة في المعارضة باستثناء رابح بيطاط الذي كام يرأس البرلمان. أما أحمد بن بلة ومحمد بوضياف وحسين آيت أحمد، فقد كانوا في المعارضة بالخارج، ويصعب لأي حاكم أن يدعي أنه وريث الثورة الجزائرية مع وجود هؤلاء.

ولما كانت السلطة القائمة قد ضيعت مصداقيتها، فإن خطابها حول الإصلاحات لم يقنع الشارع الجزائري، الذي اعتبر أن الإصلاح لا يشكل إلا محاولة جديدة لتزيين واجهة النظام. وكانت الحكومات المتتالية تعاني من هذه الظاهرة إلى بداية التسعينات. ورغم أن حكومة مولود حمروش مثلا انهزمت في الانتخابات المحلية في يونيو/حزيران 1990 واحترمت نتائج الانتخابات، إلا أن الشارع لم يصدق هذا القرار واعتبر أن الحكومة مازالت تراوغ من أجل البقاء في السلطة. ولم تتمكن الحكومة أن تجند الشارع ليتبنى الإصلاحات، فأصبحت عملية التغيير قضية لا يدافع عنها إلا الحكومة وفئات قليلة كانت تظهر وكأنها موالية للسلطة. ولعل هذه الظاهرة هي أهم ما ميز تجربة الإصلاح الديمقراطي في الجزائر.

ضعف الحزب الحاكم

وكانت جبهة التحرير الوطني هي الحزب الحاكم، لكنها كانت منقسمة إلى تيارات عديدة متناقضة، منها تيار تقليدي محافظ متسلط، ومنها تيار يميل إلى الإسلاميين، ومنها تيار عصري يحاول دفع البلاد إلى بناء نظام عصري متفتح. وبعد أحداث أكتوبر 1988، قرر الرئيس الشاذلي بن جديد إقصاء زعيم الحزب آنذاك محمد شريف مساعدية، الذي يمثل التيار التقليدي في الحزب، وتعيين السيد عبد الحميد مهري مكانه، وهو رجل كان يحتفظ بصورة مقبولة ويتميز بتفتحه السياسي.

ورغم أن السيد مهري استطاع أن يجر قيادة الحزب إلى مواقف ديمقراطية متطورة، إلا أن السلوك العام في هياكل جبهة التحرير وداخل الجهاز الحزبي لم يتغير كثيرا، مما سهل عملية الإطاحة بالسيد عبد الحميد مهري سنة 1996. وعجزت جبهة التحرير أن تغير خطابها وطريقة عملها وسلوك قادتها، وكان لذلك أثر كبير، حيث إن عملية الإصلاح لم تجد تنظيما سياسيا قويا يتبناها ويدافع عنها ويعطيها ركيزة فكرية وسياسية.

وفي نفس الوقت، ورغم أن الكل كان يطالب شكليا بالتغيير، إلا أنه لم يبرز في البلاد حزب سياسي كبير قادر على تجنيد الجزائريين من أجل التغيير وتنظيمهم لهذا الهدف، بينما ظهرت أحزاب عديدة تتبنى خطابا سلبيا يكتفي بانتقاد السلطة القائمة، لكنه لا يقدم بديلا ولا طريقة لتغيير النظام القائم واستبداله بنظام آخر يضمن الديمقراطية والحريات والاستقرار.

التيار الإسلامي يكتسح الساحة

وبينما كان الحزب الذي من المفروض أن يقود الإصلاحات ضعيفا، كان التيار الإسلامي في أقوى حالاته. ومباشرة بعد المصادقة على دستور 23 فبراير 1989 الذي فتح المجال أمام التعددية الحزبية، تمكن زعماء التيار الإسلامي من أن يفرضوا حضورهم على الساحة السياسية. وقد برزت قيادة تتكون من الثنائي عباسي مدني وعلي بلحاج داخل هذا التيار، وأُنشئت الجبهة الإسلامية للإنقاذ، التي تبنت خطابا استطاعت بفضله أن تتفوق على كل خطاب سياسي مغاير. واكتفى هذا التيار بخطاب بسيط يؤكد أن الإسلام هو الحل لكل مشاكل البلاد، وأن كل من يعارض الجبهة الإسلامية للإنقاذ إنما يعارض الإسلام، وأنه لا مجال للدخول في تفاصيل العمل السياسي وطرح البرامج لأن عودة الجزائر إلى الشريعة الإسلامية ستؤدي بصفة طبيعية إلى القضاء على كل الصعاب.

واستطاعت الجبهة الإسلامية للإنقاذ أن تحصل على شعبية كبيرة جدا، وغطت كل التيارات الأخرى سواء كانت إسلامية أو غير إسلامية، بما فيها تيار الإخوان المسلمين. واستطاعت الجبهة الإسلامية للإنقاذ أن تفوز بالانتخابات المحلية في 10 يونيو/حزيران 1990، بعد سنة واحدة من تكوينها، مما زاد في قناعة قادة الحزب أنهم على الطريق الصحيح وزاد طموحهم حيث اعتبروا أن السلطة أصبحت في متناولهم ويكفيهم أن يواصلوا على نفس الطريقة بضعة أشهر ليحققوا أهدافهم.

وكان الرهان السياسي آنذاك يتمثل في تقسيم الناخبين بين ثلاثة تيارات كبرى، وكان منتظرا أن تحتل الجبهة الإسلامية للإنقاذ المرتبة الأولى أمام جبهة التحرير الوطني والتيار الديمقراطي بمختلف مكوناته، على أن يعود ثلث الناخبين لكل مجموعة من هذه المجموعات الثلاث. لكن الانتخابات المحلية في يونيو/حزيران 1990 أشارت إلى تقهقر التيار الديمقراطي الذي كان منقسما، وتراجع جبهة التحرير. ورغم تحسنه بين يونيو/حزيران 1990 وديسمبر/كانون الأول 1991، إلا أن طريقة الاقتراع وتصرف التيارات الصغيرة التي ركزت كل انتقاداتها على جبهة التحرير الوطني، كل هذه العوامل اجتمعت وأدت إلى انتصار واضح للجبهة الإسلامية للإنقاذ في الانتخابات التشريعية التي جرت في ديسمبر/كانون الأول 1991.

انقسام السلطة الجزائرية

وكانت السلطة الجزائرية منقسمة حول قضية الإصلاح وما سيترتب عنه. ويظهر هذا الانقسام بطرق مختلفة في كل فترة. وقد تميزت الفترة الأولى (1985-1988) ببروز تيار للإصلاح يساند الرئيس الشاذلي بن جديد، وكان يحضر للعملية في إطار مجموعات عمل برئاسة الجمهورية خارج إطار الحزب. أما حزب جبهة التحرير الوطني والأجهزة الأمنية التي تحيط به، فكانت معادية للإصلاح.

وبعد أكتوبر/تشرين الأول 1988، وتعيين السيد عبد الحميد مهري على رأس جبهة التحرير الوطني أصبحت الحكومة والحزب يعملان بطريقة متكاملة، وهي الفترة التي عرفت فيها البلاد أهم التحولات، مع المصادقة على دستور يكرس التعددية ثم قوانين للأحزاب والإعلام والجمعيات وغيرها.

وابتداء من صيف 1991، جاءت حكومة سيد أحمد غزالي التي تخلت عن مشروع الإصلاح في فترة حرجة، حيث كان وزن الجبهة الإسلامية للإنقاذ قد بدأ يتراجع، وأصبح المواطنون يتظاهرون ضد طريقة تسيير "البلديات الإسلامية". كما ظهرت الانقسامات في صفوف الجبهة الإسلامية للإنقاذ بعد أن قرر بعض القادة التاريخيين أن ينددوا بتصرف عباسي مدني، ومن هؤلاء القادة أحمد مراني وهاشمي سحنوني وغيره من الوجوه المعروفة في صفوف الإسلاميين.

غموض حول دور الأحزاب الصغيرة

رغم ذلك، بقيت تيارات في صفوف السلطة تتابع الوضع بحذر كبير وتغذي الفتنة، إما لأنها تريد الحفاظ على الوضع القائم، أو لأنها كانت لا تثق في التيار الإسلامي وتعتبر أنه سيفرض نظاما دكتاتوريا إذا وصل إلى الحكم عن طريق الاقتراع. ووقع ما سماه وزير الاقتصاد الأسبق غازي حيدوسي بـ"تحالف الأضداد" أو "تحالف غير طبيعي" بين قوى في الجيش والإدارة وبعض التنظيمات والأحزاب من جهة، وبين الجبهة الإسلامية للإنقاذ من جهة أخرى، وهو التحالف الذي وضع حدا للإصلاحات باعتبار أن تلك الأطراف كانت تخشى دخول الجزائر إلى الديمقراطية لأن ذلك يقصي الحكم الإسلامي والحكم العسكري في الوقت نفسه.

وبينما كانت كل الأنظار موجهة نحو الصراع الكبير بين جبهة التحرير الوطني والجبهة الإسلامية للإنقاذ، جاءت الأحزاب الصغيرة لتلعب دورا أكبر من حجمها بكثير. وكانت تلك الأحزاب تعيش بالقرب من السلطة، وتردد أحد الخطابين: خطاب يؤكد أن الإسلاميين سيقضون على الديمقراطية إذا وصلوا إلى السلطة، وخطاب يؤكد أن السلطة لا تؤمن بالإصلاح وإنما تحاول ربح الوقت ليبقى النظام على حاله.

وكان الخطاب الأول يهدف إلى تحضير لتدخل الجيش وقوات الأمن لوضع حد للتجربة الديمقراطية، بينما يتوجه الخطاب الثاني إلى الإسلاميين ليدفعهم إلى المواجهة. وتمكنت الأحزاب الصغيرة من مواصلة هذا الخط لمدة طويلة، ما جعل الجزائريين مستعدين للمواجهة الكبرى التي روجت لها هذه الأحزاب سنوات طويلة.

الجيش يساند الإصلاح، ثم يتراجع

أما الجيش الذي يحتل مركزا أساسيا في تركيبة السلطة الجزائرية، فإنه كان يمر بمراحل مختلفة، بدأت بمساندة عملية الإصلاح، قبل أن يتغير الموقف تدريجيا عندما اتسع نفوذ التيار الإسلامي، ليؤدي في نهاية المطاف إلى المواجهة المباشرة التي تواصلت من سنة 1992 إلى 1998.

وكان الجيش قد رحب في بداية الأمر بعملية الإصلاح، لأنها أعطته فرصة لتجاوز أزمة أكتوبر/تشرين الأول 1988، فخلال المظاهرات الدامية التي وقعت في هذا التوقيت، وجد الجيش الجزائري نفسه، ولأول مرة منذ الاستقلال، في مواجهة مع الشارع الجزائري، وهي العملية التي لم يكن مؤهلا لها لا عسكريا ولا سياسيا. وأحدثت المواجهة شرخا كبيرا في صفوف الجيش، سواء على مستوى القيادة التي يأتي جزء كبير منها من صفوف الجيش الذي قاد حرب التحرير، أو على مستوى الجنود الذين ينتمون إلى الفئات الشعبية في أغلبيتهم الساحقة.

وبعد الموافقة على دستور 23 فبراير 1989 الذي يقر التعددية السياسية، بدأت عملية تغيير الجيش نفسه، وبدأ التفكير في إعادة تنظيمه ليتماشى مع الواقع السياسي الجديد ومع الدستور. وفي هذا السياق، استقال أعضاء قيادة الجيش من جبهة التحرير الوطني، مع العلم أن قيادة الجيش كانت كلها تنتمي في السابق إلى اللجنة المركزية لجبهة التحرير الوطني في عهد الحزب الواحد.

وبعد ذلك بسنة، عين الرئيس الشاذلي بن جديد منتصف 1990 وزيرا للدفاع، لأول مرة منذ سنة 1965، حيث كان في الماضي رئيس الجمهورية يشغل هذا المنصب، واختار الشاذلي بن جديد لهذا المنصب الجنرال خالد نزار.

وفي الوقت نفسه، كان الجيش يتابع الوضع السياسي بتخوف كبير، بسبب الخطاب الراديكالي الذي كانت تتبناه الجبهة الإسلامية للإنقاذ. وكان الجيش يخشى انهيار الدولة الوطنية بمعناها التقليدي، بسبب الخطاب السائد عند الإسلاميين حول إقامة "دولة إسلامية" جديدة. إضافة إلى ذلك، كانت جبهة الإنقاذ تقول تارة أنها ستحترم الدستور والقوانين إذا وصلت إلى السلطة، وتقول تارة أنها سقيم دولة إسلامية وتلغي كل القوانين التي لا تتماشى مع هذا المشروع.

وبدأ التفكير في صفوف الجيش في كيفية منع الإسلاميين من الوصول إلى السلطة بطرق قانونية أو غير قانونية. وكتب الجنرال محمد تواتي، وهو أحد المقربين من الجنرال نزار ومن جهاز المخابرات، كتب بداية 1991 مقالة مشهورة يؤكد فيها أن الجيش لن يبقى مكتوف الأيدي إذا أدى الوضع السياسي إلى تهديد مؤسسات الدولة.

ولم تكن الجبهة الإسلامية للإنقاذ تولي الاهتمام الضروري لهذا الخطاب، بل كانت تعتبر أنها قادرة على السيطرة على الدولة بفضل تجنيد الشارع. وشنت جبهة الإنقاذ إضرابا عاما في يونيو/حزيران 1991، بعد أن نشر أحد زعمائها، السيد سعيد مخلوفي، وهو ضابط سابق في الجيش وصحافي، كتابا يشرح فيه طريقة الاستيلاء على السلطة بفضل الإضراب العام ثم الانتفاضة الشعبية. وبعد هذا الإضراب سقطت حكومة الإصلاحات التي كانت تحتل الساحة السياسية، ولم يبق في الساحة إلا طرفان، الجيش والجبهة الإسلامية للإنقاذ. وأكد الجيش أنه لن يقبل بتجاوز بعض الحدود، فقرر إلقاء القبض على قادة جبهة الإنقاذ عباسي مدني وعلي بلحاج، وحكم عليهما في يونيو/حزيران 1992 بالسجن عشر سنوات.

ولكن قبل المحاكمة، فازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ في ديسمبر/كانون الأول 1991 بالانتخابات التشريعية. غير أن هذه المغامرة الانتخابية كانت آخر ظهور شرعي لجبهة الإنقاذ، فبعد نحو شهرين قررت وزارة الداخلية حل الجبهة. ومن خلال هذه المسيرة، يتضح أن الجيش كان مستعدا في بداية الأمر للتعامل مع سلطة جديدة تحترم قواعد اللعبة، لكن المواقف الراديكالية لجبهة الإنقاذ جاءت كذريعة استعملتها السلطة للقضاء على الإسلاميين وعلى التجربة الديمقراطية في الوقت نفسه.

الأزمة الاقتصادية تعقد عملية التغيير

في ذلك الجو المشحون كانت الجزائر تعيش مرحلة اقتصادية صعبة، ساهمت بدورها في فشل التحول الديمقراطي. وقد شرعت الجزائر في تطبيق الإصلاحات الاقتصادية ابتداء من يوليو/تموز 1987، لما صادقت الحكومة على مشروع لتغيير شامل في تسيير الوحدات الاقتصادية والأراضي الفلاحية التابعة للدولة. وبدأ التطبيق الفعلي للإصلاحات مباشرة بعد ذلك، حيث صادق البرلمان الجزائري في الشهر الأول من سنة 1988 على مجموعة من القوانين التي تفرض تغييرا جذريا في تسيير الاقتصاد.

لكن لما بدأ تطبيق تلك القوانين الجديدة، كانت الجزائر في وضع قريب من الإفلاس، بعد أن تدهور الوضع الاقتصادي للبلاد بصفة تدريجية منذ سنة 1985، إلى أن وجدت الجزائر نفسها أمام خيار يهدد الاستقرار الداخلي: إما أن تسدد ديونها الخارجية، ما يهدد بانفجار شعبي، وإما أن تواصل استيراد المواد الأولية الضرورية، ما يهدد مصداقيتها في السوق النقدية الدولية، لكنها لا تستطيع أن تضمن هذا وذاك في نفس الوقت بسبب انهيار مدخول البلاد من المحروقات.

ثم احتدت الأزمة المالية في خضم حرب أسعار النفط حين قررت المملكة العربية السعودية ابتداء من سنة 1985 تخفيض أسعار النفط إلى مستوى لم تعرفه السوق منذ منتصف السبعينات. وبعد أن كان سعر النفط يفوق عشرين دولارا للبرميل، تراجع إلى عشرة دولارات. ومعه، انهارت مداخيل الجزائر من 20 مليار دولار سنويا إلى مستوى 12 مليار دولار ثم 10 مليار دولار.

وكانت الديون الخارجية للجزائر قد بلغت 26 مليار دولار، وكانت فوائد الديون لوحدها تبتلع ما بين خمسة إلى ستة مليار دولار سنويا، بينما تبلغ الواردات التي لا يمكن للجزائر أن تتخلى عنها 12 مليار دولار، منها القمح والحليب ومواد الاستهلاك مثل القهوة وغيرها، إلى جانب المواد الأولية وكل ما تستورده البلاد من معدات تستعمل في الصناعة. واضطرت الجزائر إلى اللجوء إلى المديونية من جديد، وتدهورت سمعتها في السوق النقدية الدولية، وأصبحت تحصل على قروض بشروط صعبة، في حلقة تزداد صعوبة من شهر إلى آخر.

وكانت الجزائر قد لعبت ورقة خاسرة أخرى في مرحلة سابقة، حيث أنها تملك مخزونا كبيرا من الغاز لكن مخزونها من البترول متواضع. فدخلت في معارك طويلة لربط سعر الغاز بسعر البترول، عندما كان سعر البترول مرتفعا. وما أن توصلت إلى هذا الهدف حتى انهار سعر البترول، وأصبح من الصعب على الجزائر أن تطلب الحفاظ على سعر الغاز الذي تبيعه لفرنسا وبلجيكا وغيرها في نفس المستوى.

ضعف البنية الاقتصادية الجزائرية

في نفس الوقت، كان الاقتصاد الجزائري ضعيفا، فهو لا يلبي الحاجيات الأساسية للمواطنين، ولا يستطيع أن يستغني عن الاستيراد. وكانت الجزائر تراهن منذ الاستقلال على قطاع الدولة لإقامة صناعة قوية. واستثمرت كثيرا في إطار سياسة كان يتبناها الرئيس هواري بومدين ووزيره بلعيد عبد السلام، لكن التسيير البيروقراطي لتلك الوحدات الصناعية لم يعط نتيجة، بينما كانت السياسة الرسمية لا تشجع القطاع الخاص. وابتداء من وصول الشاذلي بن جديد إلى الحكم سنة 1979، فتح الباب تدريجيا أمام القطاع الخاص، لكن بقي هذا الأخير يعاني من بيروقراطية تتحكم في زمام الأمور ولا تريد أن تتخلى عن سلطتها، ومن أيديولوجيا معادية للقطاع الخاص كانت مسيطرة على الحزب الحاكم كما كانت سائدة في أوساط المنظمات التابعة له.

ولما اشتدت الأزمة، وجدت الجزائر نفسها لا تمتلك اقتصادا يضمن حدا أدنى من الإنتاج الوطني، كما أن هذا الاقتصاد لا يضمن توفير مناصب الشغل بالحجم المطلوب. واشتدت ندرة بعض المواد ابتداء من سنة 1987 فوجدت الحكومة نفسها مضطرة إلى استعمال العملة الصعبة المتوفرة لاستيراد المواد الأساسية. وظهرت في البلاد سوق موازية يباع ويشترى فيها كل شيء، بينما فُقدت الكثير من المواد من السوق الرسمية حين اقتصر دور الحكومة على ضمان ما هو أساسي من خبز وحليب ومواد ضرورية.

أما الفلاحة، فقد دخلت مرحلة من عدم الاستقرار منذ سنة 1971 حين قرر الرئيس هواري بومدين تطبيق "الثورة الزراعية" التي تفرض إعادة تقسيم الأراضي لصالح الفقراء. وشملت العملية الأراضي التي كانت ملكا للفرنسيين قبل الاستقلال إلى جانب بعض الأراضي التابعة لملاك متوسطين وكبار. غير أن تطبيق الثورة الزراعية لم يؤد إلى النمو المطلوب، وبقي مستوى الإنتاج ضعيفا، وازدادت تبعية الجزائر التي وجدت نفسها مضطرة إلى استيراد من 40 إلى 60% من استهلاكها من الحبوب كل سنة.

في تلك الظروف الاقتصادية الصعبة، دخلت البلاد مرحلة الإصلاحات. ولم تجد الحكومة الموارد المالية التي تشتري بها السلم الاجتماعي خلال مرحلة الاضطرابات. وبدأ تطبيق الإصلاحات تدريجيا، لكن من المعروف أن الإصلاحات تؤدي في بداية الأمر إلى الاضطرابات وتراجع في الإنتاج قبل أن تدخل البلاد العهد الجديد. وهذا ما حدث في كل البلدان التي عاشت مرحلة انتقال من الحزب الواحد إلى التعددية.

قطار الإصلاحات الاقتصادية

استطاعت الحكومة الجزائرية التي طبقت الإصلاحات أن تواجه العاصفة من أكتوبر/تشرين الأول 1988 إلى صيف 1991. وقامت الحكومة بتغييرات جذرية في طريقة تسيير الاقتصاد، وفتحت الباب أمام القطاع الخاص، وتمكنت من وضع حد لسيطرة البيروقراطية. ورفضت الحكومة الجزائرية أن تتعامل مع صندوق النقد الدولي في محاولة فريدة من نوعها، حيث قالت الحكومة الجزائرية إنه لا بد لبرنامج الإصلاح أن يكون نابعا من إرادة سياسية وطنية، وأن تأتي التضحيات وفقا لإمكانيات البلاد، في حين أن خبراء صندوق النقد الدولي لا يأخذون بعين الاعتبار المعطيات الداخلية. وقال وزير الاقتصاد غازي حيدوسي إن الجزائر لا تستطيع مثلا أن تتخلى عن التعليم المجاني للجميع لأن ذلك يدخل ضمن الميراث الوطني المشترك، ولا يمكن قبول شروط صندوق النقد الدولي التقليدية الذي يفرض تقليص كل مصاريف الدولة.

وفي يونيو/حزيران 1991، اعترف صندوق النقد الدولي بنجاعة برنامج الحكومة الجزائرية، وقال إنها قامت بالإصلاحات الضرورية رغم أنها لم تمس بما هو أساسي، مثل تمويل المدرسة وجزء من المساعدات التي تقدمها الدولة للفئات المحرومة، وأعلن الصندوق أنه يقدم قرضا بـ300 مليون دولار لتشجيع تلك الإصلاحات. لكن إعلان صندوق النقد الدولي جاء بعد يومين من استقالة حكومة الإصلاحات في 4 يونيو/حزيران 1991، على إثر الإضراب العام الذي نفذته الجبهة الإسلامية للإنقاذ. ومع استقالة حكومة الإصلاحات، نسيت الجزائر كل ما قامت به من أجل تغيير الاقتصاد، إلى أن وجدت نفسها عاجزة عن تسديد ديونها في أبريل/نيسان 1994، فطلبت حكومة السيد رضا مالك مساعدة صندوق النقد الدولي من أجل إعادة جدولة الديون الخارجية. وسلمت الجزائر زمام الأمور لخبراء صندوق النقد الدولي، ما أدى إلى تسريح 800 ألف عامل وموظف وغلق أو بيع ثلاثة آلاف وحدة صناعية حسب إحصاءات الاتحاد العام للعمال الجزائريين.

ظروف دولية غير ملائمة

دخلت الجزائر مرحلتها الانتقالية وهي تعاني من أزمة حادة في الداخل، سواء في الميدان السياسي أو الاقتصادي كما ذكرنا. أما على الساحة الدولية، فقد تميزت المرحلة بتقلبات لم يشهدها العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. فقد شهدت انهيار الاتحاد السوفيتي وتفكك الكتلة الشرقية وسقوط جدار برلين. لكن حين بدأت الإصلاحات في الجزائر –صادقت الجزائر على دستور يكرس التعددية في 23 فبراير/شباط 1989- كانت هذه التقلبات الكبرى لم تنته بعد، ولا أحد كان يعرف كيف ستتواصل وإلى أين ستؤدي، ولا أحد كان يصدق فعلا أن جدار برلين سيسقط بتلك السهولة.

جدير بالذكر أن محاولة التغيير الأولى في الجزائر وعقت قبل انهيار الاتحاد السوفيتي، وأن أحداث أكتوبر/تشرين 1988 وقعت قبل سقوط جدار برلين. ودخلت الجزائر مرحلة التغيير في وقت كانت هذه الفكرة غير موجودة لا في بولونيا ولا في المجر ولا في بلدان شرق أوربا سابقا. وكانت الجزائر بلدا له مكانته ضمن بلدان عدم الانحياز مع ميول نحو الكتلة الشرقية في الميدان العسكري حيث كان الاتحاد السوفياتي يزودها بمجمل أسلحتها، بينما كانت التعاملات الاقتصادية حكرا على البدان الغربية.

وكانت البلدان الغربية تتبنى خطابا حول الديمقراطية والتعددية وحرية التعبير وحرية العقيدة وحقوق الإنسان وبناء دولة القانون، وكثيرا ما تستعمل هذا الخطاب للضغط على دول الجنوب. ولكن اكتشفت الجزائر بسرعة أن هذا لا يشكل إلا خطابا وأن البلدان الغربية ليست مستعدة للتعاون مع البلدان التي تحاول أن تتقدم في هذه الميادين، حيث لم تجد الجزائر أية مساعدة تذكر عندما بدأت تحترم تلك المبادئ من سنة 1989 إلى نهاية 1991.

وطلبت الجزائر من البلدان الكبرى مساندة على صعيدين: على صعيد سياسي، بمساندة الإصلاح عن طريق تقديم الخبرة الضرورية لذلك في مجال القانون وتنظيم الإدارة وغيرها، أو على الأقل عدم معارضة عملية التغيير. وعلى صعيد اقتصادي، بواسطة مساعدة مالية ظرفية لإصلاح الاقتصاد الجزائري. وكان رد تلك البلدان مثل الولايات المتحدة وفرنسا وغيرها يتميز بتناقض صريح بين ما يقال علانية وما كانت تقوم به تلك البلدان عمليا.

وكان الموقف المعلن من طرف كل من الولايات المتحدة وفرنسا إيجابيا ومشجعا. لكن في الواقع لم تقدم باريس وواشنطن أية مساعدة للجزائر في تلك المرحلة. ففي الميدان الاقتصادي مثلا، كانت الحكومة تبحث عن قروض جديدة تسمح لها بتجاوز المرحلة الصعبة، لكنها لم تجد أية تسهيلات مالية، بل وجدت الأبواب مغلقة حتى للوصول إلى قروض تقليدية. والحقيقة أن فرنسا وأميركا كانت تتبنى موقفا متحفظا، ولم يتخذ البلدان موقفا واضحا في علاقاتهما بالجزائر لأسباب خاصة بكل منهما.

فرنسا تخشى بروز نخبة جديدة

أما فرنسا فكان لها نفوذ واضح في الجزائر. ورغم محاولة السلطة الجزائرية منذ الاستقلال أن تجد بديلا للتعامل مع فرنسا، إلا أن التاريخ فرض نفسه. وباستثناء المحروقات، بقيت فرنسا البلد الأول في التبادلات التجارية الخارجية مع الجزائر وهي كذلك البلد الذي يؤوي أكبر جالية جزائرية في الخارج، وأكبر عدد من الجزائريين الذين يسافرون إلى الخارج كل سنة يذهبون إلى فرنسا. وبحكم هذه الروابط التي بقيت قوية رغم التوتر في العلاقات الرسمية، فإن فرنسا تعلمت كيف تحافظ على مصالحها ونفوذها، واعتبرت أن مصالحها كانت مضمونة مع النظام القديم.

وكانت فرنسا تتخوف من التغيير لأسباب عديدة، فكانت تتخوف من احتمال وصول الإسلاميين إلى السلطة لأن ذلك يمكن أن يهز استقرار البلاد فتجد فرنسا نفسها مضطرة لتحمل جزء من عواقبه. أما إذا تمكنت جبهة التحرير الوطني التي يتزعمها الإصلاحيون من البقاء في السلطة عن طريق الانتخابات، فإن فرنسا كانت تعتبر ذلك تهديدا لمصالحها لأن النخبة الجديدة مستقلة عنها تماما. وفي يونيو/حزيران 1991، علق وزير الخارجية الفرنسي رولان ديما (Roland Dumas) على قوائم جبهة التحرير الوطني قبل الانتخابات التشريعية قائلا: "لا نعرف أحدا منهم".

أميركا لا تريد تكرار التجربة العراقية أو الإيرانية

لقد كانت الولايات المتحدة تتابع التجربة الجزائرية بحذر شديد وبتحفظ واضح رغم الخطاب الرسمي المعلن. وكانت تتخوف من تغيير يأتي من الشارع ويؤدي إلى تكرار التجربة الإيرانية مع كل ما ترتب عنه من قلق للولايات المتحدة خلال مرحلة طويلة.

وكانت الولايات المتحدة تراقب التحولات في الاتحاد السوفياتي، وتحاول بصفة خاصة أن تراقب مصير الترسانة النووية الروسية حين اتضح لها أن الاتحاد السوفيتي مهدد بالانهيار. في تلك المرحلة، كانت الولايات المتحدة تتخوف من توصل العراق إلى التحكم في التكنولوجيا النووية وامتلاك السلاح النووي، ووضعت خطا أحمر للبلدان العربية: لا يسمح لأي بلد عربي أن يدخل نادي البلدان النووية.

وكانت الجزائر قد شرعت في بناء مركز نووي في عين وسارة جنوب العاصمة بمساعدة خبراء صينيين. وتكفلت المخابرات البريطانية بالملف، حيث انتقل أحد موظفي السفارة البريطانية إلى عين المكان، وألقت قوات الأمن الجزائرية القبض عليه، ما أدى إلى الكشف عن تلك المحطة النووية.

واعتبرت الولايات المتحدة أن الجزائر ستشكل خطرا إذا تحكمت في التكنولوجيا النووية، سواء وصل الإسلاميون الراديكاليون إلى السلطة أو بقي تيار آخر في الحكم. أما الإسلاميون، فإن علاقة أميركا معهم كانت متوترة، خاصة أن التيار الأقوى في الجبهة الإسلامية للإنقاذ كان يظهر عداوة صريحة للولايات المتحدة. أما إذا وصل إلى السلطة تيار ديمقراطي معتدل، فإن الولايات المتحدة كانت تعتبر ذلك أخطر لأن تلك السلطة ستكون لها شرعية وستحترم قواعد الديمقراطية ويصعب البحث عن حجة لمنعها من التكنولوجيا النووية.

ولهذه الأسباب كانت كل من فرنسا والولايات المتحدة تقول علانية أنها تساند عملية الإصلاح في الجزائر لكنها كانت على اتصال دائم مع أطراف في النظام الجزائري معادية للإصلاح.

خاتمة

بناء على ما تقدم، فقد حدث ما لم يكن آنذاك في الحسبان، إذ أضحت كل الأطراف التي كانت تنادي بالإصلاح في الداخل وفي الخارج في حقيقة الأمر لا تريد نجاح عملية الإصلاح لأنه يهدد مصالحها، وفشلت العملية الإصلاحية بسبب معارضة هذا التحالف "غير الطبيعي" الذي كان يشمل الأحزاب الصغيرة التي كانت ترى أن مصيرها مهدد سواء في ظل حكم إسلامي أو حكم ديمقراطي، ويشمل الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي كانت تريد أن تفرض نظاما سياسيا باسم الدين، وبين قوى أجنبية كانت تنادي بالديمقراطية لكن مصالحها الظرفية كانت مهددة بعملية الإصلاح. أما الجيش الجزائري، فإنه كان يجد في الإصلاح مخرجا لينسى مسؤوليته في أحداث أكتوبر/تشرين الأول 1988، لكنه تراجع بعد ذلك لما وجد فرصة للعودة بقوة إلى السلطة تحت شعار حماية الدولة والدفاع عن الديمقراطية.
_____________________________________
عابد شارف - كاتب وباحث جزائري

عودة إلى الصفحة الرئيسية للملف

نبذة عن الكاتب