استطلاعات الرأي في الانتخابات التركية: التأثيرات الأيديولوجية والتوظيف السياسي

تبحث الدراسة قضية إعلامية/سياسية؛ كشفت عنها الانتخابات البرلمانية التركية التي جرت في الأول من نوفمبر 2015، وترتبط باستطلاعات الرأي العام وآليات عملها، وتناقضات تقديراتها وتوقُّعاتها، وتأثيرات ذلك في مُخْرَجَات العملية الانتخابية؛ فضلًا عن الإشكالية الأخلاقية التي تطرحها أساليبها البحثية.
20161278112770580_20.jpg
(الجزيرة)

ملخص
تُعالج الدراسة قضية إعلامية/سياسية مهمَّة؛ كشفت عنها الانتخابات البرلمانية التركية التي جرت في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2015، وترتبط باستطلاعات الرأي العام وآليات عملها، وتناقضات تقديراتها وتوقُّعاتها، وتأثيرات ذلك في مُخْرَجَات العملية الانتخابية؛ فضلًا عن الإشكالية الأخلاقية التي تطرحها أساليبها البحثية؛ إذ يُلاحَظ الفارق الواسع في تلك التوقُّعات والتقديرات والنِّسب والأرقام التي نشرتها مراكز وشركات استطلاع الرأي في تركيا، سواء بمقارنة بعضها البعض أو مقارنتها بالنتائج الرسمية النهائية.

ولدراسة أبعاد هذه القضية اعتمد الباحث بشكل أساسي على المنهج الوصفي التحليلي في مقاربة دور استطلاعات الرأي العام في الانتخابات التركية، واستخدم أداتين أساسيتين في جمع البيانات وتحليلها، وهما: الملاحظة والمقابلة. وفيما يتعلق بمراكز استطلاع الرأي؛ التي شكَّلت عيِّنة الدراسة، فقد رصد الباحث نماذج من هذه المراكز والمؤسسات عِوضًا عن عشرات الشركات الناشطة في تركيا، ومنها شركة عادل غور Adil Gür، ومركز دنغة Denge، وشركة كورد تيك Kurd Tek، ومؤسسة أرجيتوس Argetus، وشركة سونار Sonar؛ وبعضها معلوم التَّوجُّه، من ناحية القرب من السلطة أو المعارضة، وبعضها غير معروف التَّوجُّه. أمَّا الإطار الزمني؛ الذي أُجريت خلاله هذه الدراسة، فهو يمتدُّ بين 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 و23 ديسمبر/كانون الأول 2015؛ أي: إن العمل فيها بدأ بعد أسبوع من انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني واستمر شهرًا ونصف.

وقد رصدت الدراسة أهم مؤسسات استطلاع الرأي في تركيا، وعرضت النتائج والتقديرات التي أفرزتها قُبَيْل الانتخابات، وفكَّكت تناقضاتها وإخفاقاتها، كما حلَّلت أهم أسباب إخفاق هذه المؤسسات البحثية ومراكز استطلاع الرأي في توقُّع نتائج صحيحة أو قريبة من الصحة. وأوضحت الدراسة أن الأيديولوجيا والولاء السياسي للقائمين على الاستطلاعات، والمؤسسات البحثية، كان من أهم أسباب ذلك الإخفاق أو الفشل، ثم هناك ضعف أخلاقيات البحث العلمي لدى بعضها، وعدم الالتزام بالمعايير العلمية والمهنية عند بعضها الآخر، والإفراط في الثقة والاعتماد على التكنولوجيا عوضًا عن الجهد البحثي الميداني؛ فضلًا عن الظروف السياسية والأمنية الاستثنائية التي جرت فيها انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2015، ولا يُستثنَى أيضًا عنصر عزوف المواطنين عن المشاركة في الانتخابات أو تعذُّر ذلك عليهم، إضافة إلى عدم الاتزان والشمولية في تحديد مجتمع البحث واختيار العينة الـمُمَثِّلة.

ويؤكد الباحث أن الاعتذارات؛ التي قدَّمها القائمون على مؤسسات ومراكز استطلاع الرأي بعد الإخفاق والفشل في توقُّع النتائج، تدلُّ على أن هناك اعترافًا بالخطأ الذي وقع فيه هؤلاء وإدراكًا لأبعاده، وهو ما قد يُشكِّل إشارة إيجابية للمستقبل؛ إذ إن جودة وكفاءة استطلاعات الرأي العام قد تشهد تطورًا وتحسُّنًا. لكن الاعتماد على النقد الذاتي لمديري شركات ومراكز الاستطلاع يبدو غير كاف للوصول إلى ذلك المستوى المتطور؛ فربما راجع البعض خطأه بينما لا يزال البعض الآخر عاجزًا عن الانفصال عن البيئة الحزبية والمالية والأيديولوجية التي يرتبط بها.

ولهذه الأسباب مجتمعة، تُوصي الدراسة بأن تتولَّى مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية دورها في إصدار قوانين وقرارات تُنَظِّم عمل مؤسسات ومراكز استطلاع الرأي، وتُحاسب المتجاوزين، لكن في الوقت ذاته يجب أن لا يؤثر ذلك في حرية البحث والرأي.

مقدمة

تُعدُّ الانتخابات أحد أبرز مظاهر الديمقراطية في بلد ما، ومُؤشِّرًا واضحًا على مستوى الحرية التي يتمتع بها شعب ما في اختيار مَنْ يحكمه، غير أن هذه الانتخابات يمكن أن تتأثَّر بعوامل سلبية تنال من نزاهتها، أو أن يعتريها بعض المعوقات التي تُعكِّر صَفْوَ مسارها، كالدعاية الـمُغْرِضَة التي تسبقها، والتهويل، والانحراف الإعلامي، وتضليل الرأي العام، والاستطلاعات الـمُوَجَّهَة، وما إلى ذلك. وتُشكِّل استطلاعات الرأي العام -التي تنشط عادة قُبَيْل الاستحقاقات الانتخابية- إحدى الأدوات المؤثِّرة في العملية الانتخابية والرأي العام، ولاسيما تلك الصادرة عن مؤسساتٍ مُسَيَّسَةٍ ومُوَجَّهَةٍ.

وتلعب استطلاعات الرأي العام في تركيا، خاصة في فترة الانتخابات أدوارًا عديدة، وتثير جدلًا غير منقطِع حول مصداقيتها ومهنيتها وموضوعيتها. تُسلِّط هذه الدراسة الضوء على دور استطلاعات الرأي في تركيا قبل وأثناء الانتخابات، وترصد أبرز مؤسسات استطلاع الرأي في تركيا، وأساليب عملها، وتعرض التناقضات والفوارق الكبيرة في الــمُخْرَجات التي تنتجها، كما تحلِّل بعض مناهجها وأساليبها في جمع البيانات وتحليلها، وتعرض الدراسة أيضًا مقارنة بين بعض تلك المؤسسات.

1. الإطار المنهجي للدراسة

‌أ. مشكلة الدراسة
تنشط في تركيا عشرات مراكز وشركات استطلاع الرأي، وتُكثِّف هذه المراكز أبحاثها واستطلاعاتها قُبَيْل الانتخابات بشكل خاص، لإدراكها أن ثمَّة تَعَطُّشًا لدى وسائل الإعلام والجمهور والدوائر السياسية العليا لخبر من هنا، أو تحليل من هناك، يتنبَّأ أو يتوقَّع الخريطة الانتخابية أو المشهد السياسي الذي تُقْبِل عليه البلاد بعد أشهر أو أسابيع. لكن استطلاعات الرأي في تركيا حازت اهتمامًا خاصًا بلغ حدُّه أن كلَّ الأحزاب السياسية في البلاد تقريبًا لديها مراكز استطلاع رأي، سواء خاصة بها أو على الأقل مُقَرَّبَة منها، كما أن قادة الأحزاب والسلطة على حدٍّ سواء يُولُون أهمية كبيرة لهذه الاستطلاعات ويراقبونها باهتمام، بل إن بعضهم يُكلِّف شركات بعينها بالقيام بدراسة ترصد توجُّهات الرأي العام في وقت معين، مثل: شركة دنغة (Denge) التي تُقدِّم خدمات إحصائية واستطلاعية لرئيس الجمهورية التركية، رجب طيب أردوغان، منذ أن كان رئيسًا للوزراء وحتى يومنا هذا.

لكن النقطة الجدلية التي تثيرها هذه الاستطلاعات، وتُشكِّل العِلَّة الأساسية لهذه الدراسة هي التباين الشديد في النتائج التي تقدمها هذه الشركات، والاختلاف والتضارب أحيانًا، بل والتناقض أحيانًا أخرى في المعلومات والنتائج التي تُقدِّمها وتُسَوِّقُها للجماهير تجاه القضايا المختلفة ولاسيما الانتخابات، التي تحاول هذه الدراسة تسليط الضوء عليها؛ مما يفتح الباب واسعًا لكثير من التساؤلات عن أسباب هذا التباين الكبير في النتائج، وأسباب فشل التنبؤ بنتائج دقيقة، وعن الآلية التي تتبعها هذه الشركات أثناء إجرائها للمسح والرصد والاستطلاع، إضافة إلى الدور الذي تمارسه هذه المؤسسات واستطلاعاتها للتأثير في قرار الناخب، ومن ثم في مسار العملية الانتخابية ونتائجها.

‌ب. تساؤلات الدراسة 

  1. ما أهمية استطلاعات الرأي العام في تركيا؟
  2. ما الدور الذي تلعبه استطلاعات الرأي في فترة الانتخابات؟ 
  3. ما الآلية التي تعمل بها مؤسسات استطلاع الرأي العام في تركيا؟
  4. ما سبب إخفاق جميع مؤسسات ومراكز استطلاع الرأي في التنبؤ أو توقُّع نتائج صحيحة أو قريبة من الصحة في آخر انتخابات برلمانية جرت في 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2015؟ وما أهم الأخطاء التي وقعت فيها تلك المؤسسات البحثية؟

‌ج. أهمية الدراسة
تنبع أهمية الدراسة من ثلاثة مصادر أساسية، أولها: أهمية استطلاعات الرأي العام ذاتها في التأثير على مزاج الناخب في فترة الدعاية الانتخابية، وبالتالي التأثير على مخرجات الانتخابات بشكل عام، وهو الأمر الذي قد يترتَّب عليه تغيير المسار الكامل للبلاد أحيانًا، وذلك بصعود حزب سياسي لعرش السلطة ونزول آخر عنه. والمصدر الثاني: هو أهمية التجربة التركية الماثلة أمامنا في منطقة الشرق الأوسط، كتجربة ديمقراطية إسلامية فريدة. والثالث: أن قضية الرأي العام قضية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بعلوم الإعلام والاتصال، ولاسيما أن الإعلام والرأي العام مُؤَثِّران ومُتَأَثِّران ببعضهما البعض؛ حيث يلعب الإعلام دورًا مهمًّا في صياغة وتشكيل الرأي العام، كما أن الإعلام يعتمد كثيرًا على استطلاعات الرأي في تغطياته.

وتناقش هذه الدراسة دور استطلاعات الرأي العام في بلد حديث العهد بالتجربة الديمقراطية؛ التي انتزعها بعد عقود طويلة من الاستبداد وحكم العسكر، وتُبَيِّن أثرها في نتائج الانتخابات بتركيا، وخاصة تلك الانتخابات المصيرية التي جرت في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2015، بعد أشهر من الاحتقان الشديد وحالة شبه الفراغ في السلطة التي عاشتها البلاد إثر إخفاق أيٍّ من الأحزاب السياسية في الحصول على أغلبية برلمانية تمكِّنه من تشكيل الحكومة بمفرده، أو التحالف مع حزب آخر لذات الغرض.

ومما يُضفي مزيدًا من الأهمية على هذه الدراسة أنها تمثِّل باكورة عمل في هذا المجال؛ إذ تعتبر أول دراسة عربية تبحث في استطلاعات الرأي التركية وتُفكِّكها وتناقشها، وتضع القارئ والباحث العربي في صُلب الموضوع وتُقرِّبه من صورة الوضع بالنسبة لدور الاستطلاعات في الانتخابات بتركيا. ومن أبرز الصعوبات التي مرَّت بها الدراسة هي اللغة التركية الجامدة، ونُدرة المصادر، يُضاف إلى ذلك صعوبة تحديد توجُّهات جميع مؤسسات استطلاع الرأي في تركيا أو حصرها، عدا عن صعوبة القياس الدقيق لتأثير مُخْرَجات استطلاعات الرأي على الناخب والمجتمع بشكل عام وميولهم وسلوكهم الانتخابي.
 
‌د. أهداف الدراسة
تسعى الدراسة إلى الكشف عن الدور الذي تلعبه استطلاعات الرأي العام في العملية الانتخابية في تركيا، وآلية العمل التي تتَّبِعها مؤسسات وشركات استطلاع الرأي العام خلال جمعها للبيانات وفرزها. كما تهدف إلى الكشف عن أسباب الفشل الذي مُنِيَت به غالبية تلك الشركات في توقُّع نتائج انتخابات دقيقة أو قريبة مما أفرزته صناديق الاقتراع. وترصد الدراسة أهم شركات استطلاع الرأي في تركيا وتبعيَّتها وتوجُّهاتها إن كان لها تَوَجُّه، وتعرض مقارنة بين مخرجاتها ومنشوراتها. 

‌ه. مجتمع الدراسة وعيِّنته
شارك في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2015، ستة عشر حزبًا سياسيًّا، معظمها أحزاب صغيرة وغير مُمَثَّلة في البرلمان؛ لأن القانون التركي يشترط على الحزب لكي يكون ممثَّلًا في البرلمان أن يتجاوز العتبة الانتخابية المحددة بـ10% من أصوات الناخبين. ومن هذا المنطلق، فإن الدراسة ستتعامل مع الأحزاب الأربعة الكبرى الممثَّلة في البرلمان فقط، وهي: حزب العدالة والتنمية (الحاكم) والذي يُرمَز له اختصارًا بـ(AKP)، وحزب الشعب الجمهوري (علماني أسَّسه أتاتورك) ويُرْمَز له بالاختصار (CHP)، وحزب الحركة القومية (قومي تركي) ويُرْمَز له اختصارًا بـ(MHP)، وحزب الشعوب الديمقراطي (قومي كردي)، ويُرْمَز له بالاختصار (HDP)، وسيتم التعاطي مع هذه الأحزاب باختصاراتها في بعض أجزاء الدراسة.

فيما يتعلق بمراكز استطلاع الرأي؛ التي شكَّلت عيِّنة هذه الدراسة؛ فقد رصد الباحث نماذج من بعض الشركات فقط عوضًا عن عشرات الشركات الناشطة في تركيا، ومنها شركة عادل غور Adil Gür واختصارها "A&G"، ومركز دنغة Denge، وشركة كورد تيك Kurd Tek، ومؤسسة أرجيتوس Argetus، وشركة سونار Sonar. بعض هذه الشركات معلوم التَّوجُّه، من ناحية القرب من السلطة أو المعارضة، وبعضها غير معروف التَّوجُّه.

أمَّا من ناحية الإطار الزمني الذي أُجريت خلاله هذه الدراسة فهو الفترة الممتدة بين 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 و23 ديسمبر/كانون الأول 2015؛ أي إن العمل فيها بدأ بعد أسبوع من انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني، واستمر شهرًا ونصفًا.
 
‌و. منهجية الدراسة وأدواتها
تعتمد الدراسة بشكل أساسي على المنهج الوصفي التحليلي في مقاربة دور استطلاعات الرأي العام في الانتخابات التركية، وتستخدم أداتين أساسيتين في جمع البيانات وتحليلها، وهما: الملاحظة والمقابلة؛ إذ إن المنهج الوصفي يعتمد على تفسير الوضع القائم، وتحديد العلاقات والظروف الموجودة بين المتغيرات، وهو يتجاوز مجرد جمع البيانات حول ظاهرة معينة إلى محاولة تفسير وتحليل هذه البيانات والمضمون الذي تحتويه، والربط بينها وتصنيفها واستخلاص النتائج منها(1). وبواسطة الملاحظة رصد الباحث مواقع شركات استطلاع الرأي العام في تركيا، وتفحَّص نتائج الاستطلاع التي عرضتها فيما يتعلق بالانتخابات البرلمانية التي جرت في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2015، وعقد مقارنات بينها، وعرض أهم نقاط الاختلاف والتباين بينها، ومدى بُعدها عن النتائج الحقيقية. كما أجرى الباحث عددًا من المقابلات بلغ عددها أربع مقابلات مع مختصين وخبراء مطَّلعين عن قُرب على العملية الانتخابية في تركيا ودور استطلاعات الرأي العام فيها، وكان بعض تلك المقابلات شخصيًّا (وجهًا لوجه)، وبعضها بواسطة الهاتف، وأخرى بواسطة الإنترنت. وقد لجأ الباحث إلى المقابلات بسبب حداثة الموضوع ومحدودية الكتابات حوله، ولهذا كانت المقابلات الاستقصائية مع المهتمين والخبراء مصدر إثراء للبحث ومنحته مزيدًا من القيمة العلمية.

2. تركيا واستطلاعات الرأي العام

1.2. أهمية استطلاعات الرأي العام في تركيا
يعتبر الرأي العام من أهم عناصر النظام السياسي الديمقراطي في المجتمعات الديمقراطية، وتكتسب استطلاعات الرأي أهمية كبيرة كونها تُظْهِر توجُّهات وميول الرأي العام حيال مواضيع مختلفة، بل إن الدكتور، حامد عبد الله ربيع، اختزل أهمية الرأي العام في مقولة ذات حمولة فلسفية وسياسية قوية عندما اعتبر "الرأي العام أحد مُقَوِّماتِ الوجود سواء السياسي أو غير السياسي"(2)؛ أي: شرط الكينونة والأصل في الحياة السياسية. فبفضل أبحاث الرأي العام تستطيع السلطات السياسية ومراكز القوى المختلفة أن تعرف آراء فئات واسعة من المجتمع تجاه قضايا معينة، وأن تستفيد من هذه الآراء والمعلومات في تخطيط سياساتها واستراتيجياتها. من ناحية أخرى، فإن المجتمع أيضًا يستطيع بفضل أبحاث الرأي العام أن يعكس ويُوصِّل آراءه حول المشاكل والقضايا المختلفة إلى السلطات السياسية ومراكز القوة الأخرى في البلاد.

ويبرز الخداع والتضليل في استطلاعات الرأي العام في تحوُّلها أثناء الحملات الانتخابية من مؤشر لاتجاهات ورغبات الشعب إلى أداة للضغط على الشعب نفسه، وكلَّما كان الأشخاص الذين يقودون عمليات استطلاع الرأي العام بحاجة إلى الفوز في الانتخابات، كان لابد من رفع شعبية هذا السياسي أو ذلك، وحينها يجري اللجوء إلى الاستطلاع، لكن في هذه الحالة ثمة بعض مؤسسات استطلاع الرأي لا تهتم بكيفية تعامل الشعب أو سلوكه أو بما يهم وعي الناخب، وبالتالي فإن كثيرًا من الاستطلاعات التي تجري قُبَيْل الانتخابات لا تحظى بالثقة الكاملة. ويُستعمل مثل هذه الأساليب في بلدان كثيرة من قِبَل الأنظمة السياسية التي لا تستطيع البقاء في السلطة بأمان، وذلك لتضليل الوعي الجماهيري. وتُبدي وسائل الإعلام المستأجَرة اهتمامًا خاصًّا بالاستطلاعات لعدم وجود قوانين تنظِّم الحملات الانتخابية في بعض الدول، وبانعدام أخلاقيات المهنة لا تتورَّع وسائل الإعلام هذه عن نشر معلومات غير موثوق بها وطبع مواد بديلة كونها تفهم ذلك من باب حرية الإعلام غير المحدودة(3). لكن بطبيعة الحال فإن هذا النهج يختلف من بلد لآخر حسب مستوى الديمقراطية والحداثة التي وصل إليهما.

وعمومًا، يكون للرأي العام أهمية وتأثير في الدول الديمقراطية أكثر منه في الدول التي تعيش في ظلِّ أنظمة استبدادية، وفي تركيا تُعدُّ توجُّهات الرأي العام وميوله عاملًا مؤثرًا بقوة في المشهد السياسي العام للبلاد حديثة العهد بالديمقراطية، وخصوصًا في الانتخابات التي يُشكِّل أحد قوانينها مسألة حياة أو موت بالنسبة لبعض الأحزاب، وهو القانون الذي يحظر على أي حزب سياسي التمثيل في البرلمان ما لم يحصل على 10% من أصوات الناخبين.

وفي تقييمه لدور الرأي العام في تركيا، أشار مسؤول مكتب القناة 7 (Kanal 7) في أنقرة محمـد أجيت إلى أن حال الرأي العام في تركيا هذه الأيام أفضل من السابق بكثير، فحينما كانت تركيا سابقًا تحت نظام عسكري، لم يكن لرأي الشعب أي أهمية، ولا لصناديق الاقتراع أو نتائج الانتخابات؛ لأن تلك النتائج مهما خلصت إليه فقد كانت الكلمة الأولى للحكم العسكري. ومثال ذلك أنه لغاية وقت قريب كانت هناك جهود لحلِّ حزب العدالة والتنمية بقرار من القضاء المهيمَن عليه من قبل العسكر، لكن ومع تراجع دور العسكر بعد عام 2010 تحديدًا، باتت الكلمة الفصل للإرادة الشعبية والرأي العام وصناديق الاقتراع، وهكذا بات للرأي العام في تركيا قوة وتأثير كبيران، فأي سياسي يريد أن يكون صاحب دور في الحكم في تركيا التي تجري فيها اليوم انتخابات شفافة ونزيهة، ما عليه إلا أن يُوجِّه وَجْهَه صوب الشعب ليحظى به، ومن هنا بدأت أهمية استطلاعات الرأي تتجلَّى في تركيا؛ حيث تطورت خلال السنوات العشر الأخيرة بشكل لافت(4).

إذًا، فالرأي العام في تركيا مهمٌّ ومُؤَثِّرٌ جدًّا، وقد تجلَّى ذلك في أحداث حديقة "غزي" عام 2013؛ حيث خرج عشرات الآلاف من الأتراك في مختلف المدن التركية، وحدثت حالة فوضى كبيرة؛ اضطرت الحكومة التركية وقتها إلى التراجع خطوة إلى الوراء، والاستجابة لمطالب المحتجين، وعدم الاقتراب من الحديقة الواقعة في قلب ولاية إسطنبول. من ناحية أخرى فإن ميول واتجاهات الرأي العام في تركيا حرمت أي حزب من تشكيل الحكومة بمفرده في انتخابات 7 يونيو/حزيران 2015، كما أنها ذاتها مكَّنت حزب العدالة والتنمية من تشكيلها بعد انتخابات 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2015(5).

ويرى باحثون أن مراكز استطلاع الرأي في تركيا حديثة العهد والتجربة، تمامًا كالتجربة الديمقراطية التركية وبالتوازي معها؛ فأغلبها تم تأسيسه بعد انقلاب عام 1997، وكثير منها إمَّا أسَّسها أحزاب وتيارات سياسية معينة أو أنها منحازة لها(6). لكن من المهم الإشارة إلى أن دراسات الرأي العام في تركيا ترجع إلى تاريخ أبعد من ذلك بكثير؛ حيث تعود إلى أربعينات القرن العشرين، وإن لم تكن مُتطوِّرة أو على شكل مراكز استطلاع رأي كما اليوم، بل كانت دراسات شخصية يقوم بها بعض الباحثين أو يُجْرِيها بعض الصحف، كما أن تلك الدراسات لم تكن تجرؤ على الخوض في المواضيع السياسية في ظلِّ حكم الحزب الواحد في تركيا، الذي كان يرعاه النظام العسكري، والذي كان يقمع الحريات، ويتغوَّل على كافة مناحي الحياة في البلاد. وكان من أوائل الكتابات حول الرأي العام في تركيا ما كتبه الباحث التركي، أيدن يالتشن، عام 1945، وكان مقالًا بعنوان "أفكار الجمهور"، وكذلك ما كتبه الكاتب عدنان أديوار في صحيفة جمهوريات، في فبراير/شباط 1950، بعنوان "الحكومات والقرارات مقابل آراء الجمهور"(7). بينما كُتبت أول أطروحة دكتوراه في تركيا، عام 1956، من قِبل الباحثة، نرمين أبادان، بعنوان "مفهوم الرأي العام وميادين التأثير". ويُلاحَظ هنا أن أولى دراسات الرأي العام التي تحمل الطابع السياسي في تركيا بدأت في خمسينات القرن الماضي، وكانت الصحف هي من يقوم بها(8). وقد أخذت دراسات العام الرأي تتحسَّن لغاية انقلاب مايو/أيار 1960؛ حيث تم تقييد جميع الدراسات، وباتت حتى الاستطلاعات الاقتصادية والتجارية تحتاج إلى إذن من السلطات، وكان الحصول عليه بالغ الصعوبة؛ لأنه يحتاج لتحقيق دقيق من قبل الشرطة وقتذاك(9).

بعد الانقلاب بسنوات بدأت القيود على الدراسات والأبحاث تخفُّ شيئًا فشيئًا، لكن ما إن بدأ الباحثون يلتقطون أنفاسهم حتى جاء انقلاب عام 1971 وهَدَمَ كل ما تم بناؤه. وسنلاحظ ذات المشهد يتكرَّر عقب انقلابي عامي 1982 و1997، أي إنه كلما جاء انقلاب شدَّد قبضته على البلاد والحريات بما فيها حرية البحث والدراسة. وهنا نستنتج أن السلطات العسكرية التي حكمت تركيا لعقود كانت تخشى استطلاعات الرأي خشية حقيقية، وإلا ما الذي كان يدفعها لقمعها سوى أنها تخشى من رأي الجمهور ولاسيما حيال القضايا السياسية.

في عام 1995، وبالتزامن مع الانتخابات البرلمانية التركية صدر قانون يحظر نشر نتائج استطلاع الرأي في الصحف ووسائل الإعلام المختلفة في فترة الدعاية الانتخابية، وقد تم تعديل هذا القانون بالتزامن مع انتخابات عام 2002، ليصبح الحظر مقصورًا على الأيام السبعة الأخيرة التي تسبق يوم التصويت فقط(10). وبعد وصول حزب العدالة والتنمية للحكم شهدت البلاد نقلة نوعية على صعيد أبحاث الرأي العام والحريات العلمية والصحفية، وحرية التعبير عن الرأي، فنشط الكثير من شركات استطلاع الرأي في البلاد بعد ذلك التاريخ إلى أن وصل إلى ما هو عليه اليوم. وتُشكِّل استطلاعات الرأي اليوم في تركيا مؤشرًا مهمًّا بالنسبة للساسة وقادة الأحزاب المختلفة في تركيا، ويُبْنَى عليها قرارات حاسمة أحيانًا، ورغم أن بعضها يقوم بدور توجيهي، فإن المواطنين والقادة على حدٍّ سواء يولونها أهمية كبيرة.

2.2. أهم شركات استطلاع الرأي في تركيا
يمكن تقسيم شركات استطلاع الرأي في تركيا إلى ثلاثة أقسام: الأول مُقَرَّب من حزب السلطة، وهو حزب العدالة والتنمية، والثاني مُقَرَّب من بعض أحزاب المعارضة، وهناك قسم ثالث يصعب تحديد وجهته بسبب لولبيته وسرعة تقلُّبه؛ حيث إن هناك شركات كانت مؤيدة لحزب العدالة والتنمية في فترة ما، لكنها اليوم ليست كذلك.

1.2.2. القسم الأول: شركات مُقَرَّبة من الحكومة

  • شركة عادل غور A&G للأبحاث: وهي اختصار لاسم المدير العام للشركة، عادل غورAdil Gür، المعروف بأنه رجل ديمقراطي اجتماعي، وتأسَّست الشركة عام 1997، وقد كان صاحبها الأول، تارهان أردم، عضوًا نشيطًا في حزب الشعب الجمهوري المعارض، لكنه انفصل عن الحزب وبات من أشد معارضيه، وتعتبر الشركة اليوم من المؤسسات المقرَّبة من حزب العدالة والتنمية والحكومة.
    وتم إنشاء الشركة من قبل مختصين لديهم خبرة 30 عامًا في مجال البحث والإحصاء، كما تقول الشركة في موقعها الإلكتروني، وقد أثبتت أنها الأنجح في التوقُّع ومعرفة نتائج الانتخابات بدقة في السنوات الأخيرة، كما أنها تقدِّم خدمات ليس للأحزاب السياسية وحسب، بل تُقدِّم أيضًا للبلديات والجمعيات بحوثًا ذات مضامين سياسية واجتماعية مختلفة، ويقع مقر الشركة في منطقة "كادي كوي" في مدينة إسطنبول(11)
  • مركز أبحاث دنغة (Denge): مركز مُقَرَّب من حزب العدالة والتنمية الحاكم، ويُقدِّم للحزب منذ تأسيسه عام 2002 خدمات استشارية. ويترأَّس مجلس إدارته حسن بَسري يلدز، ومن أهم مستشاري المركز النائبة البرلمانية عن حزب العدالة والتنمية، زينب كاراهان أسلو. ويعمل المركز منذ 25 عامًا في مجال الأبحاث واستطلاعات الرأي(12).
  • شركة غنَار (Genar): وهي شركة تم تأسيسها من قِبل قيادي في حزب العدالة والتنمية، وهو "توفيق غورسو"، الذي كان قبل ذلك مرشحًا عن حزب السعادة الإسلامي في انتخابات 2002 البرلمانية. تنشط الشركة في مجال الأبحاث منذ عام 1997 ويعمل بها أكاديميون بارزون يُعرَفون بقربهم من حزب العدالة والتنمية.

2.2.2. القسم الثاني: شركات مقرَّبة من المعارضة

  • شركة كوندا Konda للأبحاث والاستشارات: وهي شركة بحث مُقَرَّبَة من حزب الشعب الجمهوري (CHP) المعارض، أسَّسها طرهان أردم عام 1986، وهو عضو في حزب الشعب الجمهوري منذ عام 1953.
  • شركة غازيجي Gezici لأبحاث الرأي العام والاستشارات: وهي شركة بحث واستطلاع رأي حديثة، أسَّسها مراد غازيجي عام 2011 بعد خروجه من شركة "عادل غور" التي عمل بها لسنوات، وقد أسهم في تأسيس الشركة فريق ذو خبرة لا تقل عن 15 عامًا، )كما تشير الشركة(، وأنها تتخذ من الحيادية والموثوقية مبدأ لها. وقد غطت الشركة الانتخابات الرئاسية والبلدية عام 2014 وكذلك الانتخابات البرلمانية عام 2015(13). 
  • شركة سونار (Sonar) للأبحاث: وهي شركة مُقَرَّبَة من حزب الحركة القومية المعارض (MHP)، وكان صاحبها "هاكان بايراكتشي" مرشحًا لانتخابات البرلمان عن حزب الحركة القومية عام 1999.
  • شركة كورد تيك Kurd Tek: وهي شركة كردية تدعم حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، وعلى الأرجح أن مقرها خارج البلاد.

3.2.2. القسم الثالث: شركات لم يتسنَّ للباحث التأكد من تبعيتها

  • شركة أرجيتوس (Argetus): وهي شركة تُقدِّم خدمات البحث والإرشاد في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية منذ نهاية تسعينات القرن الماضي، ويعمل أرول أردوغان مستشارًا رئيسيًّا لها.
  • شركة متروبول Metropoll: كانت تُقدِّم في البداية خدمات لصالح الحزب الحاكم، لكن بعد عام 2012 بدأت تغيِّر من سياساتها، وأخذت علاقاتها بحزب العدالة والتنمية تسوء، وبعد أحداث 17-25 ديسمبر/كانون الأول 2013 التي اعتبرتها الحكومة التركية انقلابًا عليها من قِبل جماعة "فتح الله غولان"، قِيلَ عن الشركة: إنها تعمل لصالح الجماعة، التي تحاربها الحكومة التركية باعتبارها "دولة موازية" داخل الدولة التركية، لكن لا يوجد ما يؤكد ذلك، ولا تُقدِّم الشركة نفسها كذلك.

3.2. الانتخابات التركية
بعد عقود طويلة من الاستبداد والديكتاتورية وتَغوُّل المؤسسة العسكرية على كافة مناحي الحياة في تركيا، أخذت البلاد تشهد نقلة نوعية غير معهودة في مجال الديمقراطية والحريات، وتُجري انتخابات تتسم حسب كثيرين بـ"الشفافية والنزاهة"، بينما يرى آخرون أن ثمة شوائب ومُؤَثِّرات سلبية لا تزال تؤثِّر في صفو تلك العملية الديمقراطية وتنال من نقائها، ومنها التوظيف السياسي لاستطلاعات الرأي العام ووسائل الإعلام في العملية الانتخابية، ومثال ذلك ما حصل في الانتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2015 وما سبقها.

ففي العام 2015 أُجريت الانتخابات البرلمانية التركية مرتين، الأولى في 7 يونيو/حزيران 2015، أمَّا جولة الإعادة فكانت في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2015؛ حيث اضطرَّت البلاد لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة بعد عجز أي حزب عن الحصول على أغلبية برلمانية (276 مقعدًا على الأقل من مجموع 550 مقعدًا) تمكِّنه من تشكيل الحكومة بشكل منفرد، وكذلك بعد فشل المفاوضات بين الأحزاب الكبيرة، الرامية لتشكيل حكومة ائتلافية بين حزبين أو أكثر. وبعد نفاد المدة القانونية التي مُنحت لرئيس الحزب الحاصل على أعلى نسبة من الأصوات لتشكيل الحكومة، أصدر رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان -بما يخوله الدستور من صلاحيات بهذا الشأن- قرارًا بإعادة الانتخابات في جولة أخرى، وقد شارك فيها 88% ممن يحق لهم الاقتراع، وحصل حزب العدالة والتنمية على أغلبية مريحة، مكَّنته من تشكيل الحكومة منفردًا برئاسة أحمد داود أغلو.

لكن، وقبل جولة الإعادة، ازدحمت الصحف ومنصات الإعلام المختلفة باستطلاعات الرأي، وتسابقت في نقل ونقاش وتحليل آخر النتائج التي تُزَوِّدُها بها شركات استطلاع الرأي حول النتائج المتوقعة في هذه الانتخابات الحساسة والمصيرية، بناء على المسوح والأبحاث والاستطلاعات التي أجرتها بطرقها المختلفة. لكن اللافت للانتباه والمثير للجدل أن النتائج التي توصلت إليها شركات البحث تلك كانت متباينة ومجانبة للصواب ومتضاربة، سواء بين بعضها البعض أو بين ما عرضته وبين النتائج الأخيرة التي رَشَحَت عن صناديق الاقتراع.

وبمقارنة بسيطة بين آخر عمليتين انتخابيتين نجد أن الانتخابات التركية التي جرت، في السابع من يونيو/حزيران 2015، أفرزت النتائج التالية فيما يخص الأحزاب الأربعة الكبرى الممثَّلة الآن في البرلمان:

  • حزب العدالة والتنمية: 40,9%.
  • حزب الشعب الجمهوري: 25%.
  • حزب الحركة القومية: 16,3%.
  • حزب الشعوب الديمقراطي (غالبية أعضائه من الأكراد): 13,1%.

أمَّا الانتخابات التي جرت، في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2015، فقد أفرزت النتائج التالية فيما يتعلق بذات الأحزاب الأربعة الكبرى: 

  • حزب العدالة والتنمية: 49,5%.
  • حزب الشعب الجمهوري: 25,3%.
  • حزب الحركة القومية: 11,9%.
  • حزب الشعوب الديمقراطي: 10,8%

إذًا، هذه هي النتائج الحقيقية التي تظهر في الشكل أدناه، والتي سيتم نقد وتقييم مراكز استطلاع الرأي بناء عليها.

الشكل رقم (1) يُبيِّن خريطة انتخابات الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2015(14)

 

 

4.2. آليات عمل مراكز استطلاع الرأي أثناء الانتخابات 
تباينت النتائج التي رَشَحَت عن شركات استطلاع الرأي في تركيا قُبَيْل الانتخابات البرلمانية، في 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، رغم أنها جميعًا أُجريت قبل أيام قليلة من يوم التصويت. ويُناقش هذا القسم من الدراسة أهم تلك التباينات، ثم يُحلِّل بعض النماذج التي يُوجزها الجدول أدناه.

جدول رقم (1) يوضح نتائج أهم الأحزاب التركية في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2015(15)

       الحزب

 

الشركة

العدالة والتنمية

AKP

الشعب الجمهوري

CHP

الحركة القومية

MHP

الشعوب الديمقراطي

HP

الأحزاب الأخرى

A&G

47,2%

25,3%

13,2%

12,2%

1,8%

MAK

44,2%

27,2%

13,6%

12,2%

2,8%

ANDY

43,7%

27,1%

14,0%

13,0%

2,2%

DENGE

43,4%

25,9%

13,7%

13,6%

3,4%

METROPPLL

43,3%

26,9%

14,8%

13,4%

1,6%

ORS

43,3%

27,4%

14,0%

12,2%

3,1%

GEZ?C?

43,0%

26,1%

14,9%

12,2%

3,8%

KONDA

41,7%

27,9%

14,2%

13,8%

2,4%

ARGETUS

40,6%

24,6%

14,2%

11,8%

2,8%

SONAR

40,5%

27,3%

15,2%

13,1%

3,9%

KURD TEK

39,1%

28,1%

14,3%

14,2%

4,2%

كما يظهر في الجدول أعلاه فإن هناك تباينًا كبيرًا وإخفاقًا عامًّا لدى شركات استطلاع الرأي في توقُّع نتائج قريبة من النتائج النهائية التي أعلنتها اللجنة العليا للانتخابات في تركيا، بل إن بعضها عرض نتائج بعيدة جدًّا عمَّا أفرزته الصناديق، فلو نظرنا إلى مركز "كورد تيك"، المقرَّب من التيار الكردي وحزب الشعوب الديمقراطي ذي الغالبية الكردية، لوجدنا أن الاستطلاع الذي أجراه المركز ونشره في موقعه الإلكتروني(16)، قد خفَّض النسبة التي سيحصل عليها حزب العدالة والتنمية بأكثر من 10% من النسبة الحقيقية التي حصل عليها فعلًا؛ فقد أشار الاستطلاع إلى أن العدالة والتنمية سيحصل على 39% من الأصوات بينما النتيجة التي حصل عليها فعلًا في الانتخابات هي 49,5%،  رغم أن الاستطلاع أُجْرِي قبل الانتخابات بعشرة أيام فقط وليس قبل أشهر حتى يأخذ بعين الاعتبار احتمالية تغيُّر مزاج الناخبين، بينما منح استطلاع هذا المركز حزب الشعوب الديمقراطي الكردي نسبة أعلى بكثير مما منحته إيَّاه صناديق الاقتراع؛ إذ في الوقت الذي حصل فيه على نحو 10% من الأصوات في الانتخابات، يظهر في الاستطلاع أن حزب الشعوب الديمقراطي سيحصل على 14,21%، بفارق يزيد عن 4% من مجموع الأصوات في عموم الجمهورية التركية، وهو ما يثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن ثمة اختلالًا كبيرًا في أساليب البحث، وأن المعايير التي تستخدمها مثل هذه الشركات لقياس الرأي العام ليست موضوعية ولا علمية، أو أنها غير مُمَثِّلَة لكافة شرائح الشعب التركي، بل وربما قد تكون مُوَجَّهَةً سياسيًّا خدمة للاتجاه الذي يدعمه القائمون على هذه الاستطلاعات؛ باعتبارها جزءًا من الدعاية السياسية للأحزاب المقربة منها.

ومما يلفت النظر أن تحليلات نتائج الاستطلاع التي يلخصها الشكل أدناه تحكمها اللغة الذاتية التي يستخدمها القائمون على الاستطلاع والناشرون، إضافة إلى تحجيم أو تقليل حظوظ الخصوم السياسيين للحزب الذي يتبع له المركز، وكذلك تمجيد الشركة وادَّعاء دقتها وموضوعيتها.

الشكل رقم (2) يُبيِّن تقديرات مركز كورد تيك لنتائج أهم الأحزاب في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني(17)

 

وهذه ترجمة لبعض ما جاء في تقرير نشر على موقع المركز:
"حسب نتائج آخر استطلاع أجراه مركز أبحاث "كورد تيك" فإن حزب العدالة والتنمية لن يحصل على ذات النتائج التي حصل عليها في السابع من يونيو/حزيران 2015، بل بالعكس سيحصل على نتيجة أقل من ذلك بكثير. فمركز أبحاث كورد تيك، الذي عُرِف في السنوات الأربعة الأخيرة باستطلاعاته الدقيقة والناجحة، يعرض نتائج الاستطلاع الأخير الذي أجراه في الفترة ما بين 17و21 أكتوبر/تشرين الأول 2015، والذي أكمله قبل أسبوع واحد من انتخابات الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2015. لقد أُجري هذا الاستطلاع في 32 مدينة في البلاد، وشمل 2592 شخصًا تم استطلاع آرائهم سواء بالمقابلات المباشرة (وجهًا لوجه) أو بالمقابلات بواسطة الهاتف. ومع الأخذ بعين الاعتبار أن هناك نسبة خطأ بنحو درجتين أكثر أو أقل، فإن حصص كل من حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية ستنخفض، بينما سترتفع حصص كل من حزب الشعب الجمهوري وحزب الشعوب الديمقراطي على النحو الآتي:

ستنخفض حصة العدالة والتنمية من 40,66% في انتخابات 7 يونيو/حزيران 2015 إلى 39,10% في انتخابات 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، بينما يبدو حزب الشعب الجمهوري هو الحاصل على أعلى نسبة زيادة، فبينما حصل في الانتخابات السابقة على 25,13% ترتفع نسبته في هذه الانتخابات إلى 28,14%. كما أن الحزب الآخر الذي سترتفع حصته مقارنة بالانتخابات السابقة هو حزب الشعوب الديمقراطي، فبدلًا من 12,96% سيحصل على 14,21%، فيما ستنخفض نسبة حزب الحركة القومية أيضًا من 14,45% في الانتخابات السابقة إلى 14،36% في انتخابات 1 نوفمبر/كانون الثاني 2015"(18).

نلاحظ هنا خطأً كبيرًا آخر وقع فيه هذا المركز، وهو أن الأرقام التي ذكرها أعلاه غير صحيحة، بل مُحَرَّفَة جميعًا بلا استثناء، فلو كان خطأ غير مقصود لحدث ذلك في رقم أو اثنين، لكن إذا ما قارنَّا هذه الأرقام مع الأرقام الحقيقية المعتمدة سنجد أنها مختلفة تمامًا.

أما شركة أرجيتوس؛ التي أنجزت دراسة في 13 صفحة ونشرتها بتاريخ 19 أكتوبر/تشرين الأول 2015؛ أي قبل الانتخابات بأحد عشر يومًا، فإن ما أثار انتباه الباحث فيها هو المنهج والأدوات المستخدمة في البحث؛ إذ يشير مُعدُّو الدراسة إلى أنهم استخدموا أداة المقابلة بواسطة المكالمة الهاتفية المدعومة بالحاسوب (Computer-Assisted Telephone Interviewing) والمعروفة اختصارًا بـ"CATI"؛ وذلك في إطار المنهج الكمي لجمع البيانات. ورغم أن الدراسة لا تُقدِّم تفاصيل أكثر عن المنهج والآلية التي استُخدمت لجمع البيانات، ومع من تم إجراء المقابلات، والمناطق التي أجريت فيها، فإنه يتضح أن التقنية وأدوات الاتصال هي المستخدمة وليس المقابلة الشخصية والاستبيان؛ وهذا يُقلِّل بطبيعة الحال من مصداقية ودقة المعلومات لصعوبة السيطرة على التكنولوجيا، وإمكانية التحايل والتضليل فيها. ولعل هذا أحد العوامل التي تفسِّر الإخفاق الكبير في نتائج استطلاع هذه الشركة كما يُبيِّن الشكل أدناه.

الشكل رقم (3) يوضح توقُّعات شركة أرجيتوس لنتائج أهم الأحزاب في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني

 

لكن أكثر شركة استطلاع نجحت في توقُّع نتائج قريبة من النتائج الحقيقية لانتخابات الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2015، هي شركة عادل غور المعروفة اختصارا بـ(A&G)، ورغم أنها لم تُصبْ كبد الحقيقة تمامًا، فإنها توقَّعت أن يحصل حزب العدالة والتنمية على 47,2% من أصوات الناخبين(19)، أي: أقل بـ2,3% فقط من النتيجة التي حصل عليها الحزب، ولئن كانت نسبة ليست بالبسيطة فإنها أفضل بكثير مما توقَّعته الشركات الأخرى. كما أن هذه الشركة حقَّقت نجاحًا آخر عندما تمكَّنت من التوقُّع الدقيق للنسبة التي حصل عليها أكبر أحزاب المعارضة، حزب الشعب الجمهوري، وهي نسبة 25,3% من أصوات الناخبين الأتراك، كما توقَّعت نتائج قريبة فيما يتعلق بالأحزاب الأخرى.

وخلال البحث عن أسباب النجاح النسبي الذي حقَّقته هذه الشركة، وآليات بحثها المعتمدة، وجدنا أن الشركة تُحدِّد الخطوات والمبادئ الأساسية التي تتبعها في منهجها البحثي كالآتي(20):

  • لا تطلب خدمات بحثية من أية شركة غير رسمية أو غير موثوقة خلال أعمالها الميدانية.
  • يتلقى عناصر طاقم الإحصاء التابعون للشركة؛ الذين يُجرون مقابلات مع المبحوثين في الميدان، تدريبًا مهنيًّا من قِبل مدير المشروع ورئيس الطاقم.
  • يتم تدريب واختبار عناصر طاقم الإحصاء الميدانيين قبل إرسالهم للميدان؛ وذلك بتجريبهم من خلال محاكاة الاستطلاعات الحقيقية. 
  • يبدأ جميع عناصر طاقم الإحصاء والاستطلاع عملهم تحت إشراف رؤساء الطواقم. إضافة إلى ذلك يتم فحص الاستبيانات التي تم إجراؤها في أول يوم عمل من قبل رؤساء الطواقم، ويتم توجيه عناصر العمل الميداني ومنفذي المقابلات وتنبيههم إن كان هناك أخطاء.
  • في نهاية العمل الميداني يقوم رؤساء الطواقم بفحص عمل جميع عناصر البحث الميداني، كما يقومون بفحص ما بين 15 و20% من الاستمارات التي وزعوها وجمعوها.
  • بعد انتهاء العمل الميداني يتم مراجعة جميع العناصر الذين قاموا بالبحث، يتم مراجعة 30% من الأشخاص الذين أُجريت معهم المقابلات أو وُزِّعت عليهم الاستبيانات، وذلك بواسطة إمَّا زيارة شخصية أو باستخدام الهاتف، حتى يتم التأكد من ثبات وصحة المعطيات التي تم جمعها والحصول عليها.
  • قامت الشركة بتغطية كافة الانتخابات البلدية والبرلمانية التي جرت في تركيا منذ عام 2002 وحتى 2015، وقد تميزت نتائجها بالدقة والمصداقية.

أمَّا مركز أبحاث دنغة Denge، فبالرغم أنه مُقَرَّب من حزب العدالة والتنمية فقد سلب الحزب نحو 6% من حصته الحقيقية في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2015، بينما كانت الصورة معاكسة تمامًا في انتخابات السابع من يونيو/حزيران عندما منح المركز "العدالة والتنمية" أكثر من 5% من حصته الحقيقية؛ فقد توقَّع أن الحزب سيحصل على 45,60% من الأصوات في انتخابات السابع من يونيو/حزيران بينما حصل الحزب فعليًّا على 40,98% فقط، (وهو ما قد يُوحي بالتوظيف السياسي). في المقابل توقَّع المركز أن الحزب سيحصل على 43,40% من أصوات الناخبين في انتخابات الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2015، بينما حصل في الواقع على 49,5%، وهذه نسب أخطاء عالية جدًّا، وهي في هذه الحالة تحديدًا تدحض فكرة التوظيف السياسي للاستطلاعات، أو التبعية العمياء للأحزاب والقيادات؛ ما يفتح أمامنا الباب للبحث عن أسباب أخرى لهذا الإخفاق؛ لأن المفترض في هذه الشركة؛ التي يعتمد عليها الحزب الحاكم ويُكلِّفها بإجراء البحوث، أن تمنحه في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني أكثر مما حصل عليه فعلًا، هذا لو كانت فرضية التوظيف السياسي قائمة وصحيحة، لكنها لا تبدو كذلك في هذه الحالة تحديدًا.

الشكل رقم (4) يُبيِّن تقديرات مركز دنغة لنتائج أهم الأحزاب في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني(21)

استطلاعات الرأي في الانتخابات التركية: التأثيرات الأيديولوجية والتوظيف السياسي

وكانت شركة سونار Sonar أيضًا من الشركات التي أخفقت إخفاقًا كبيرًا في توقُّعاتها وتقديراتها؛ إذ حَرَمَت حزب العدالة والتنمية نحو 9% من حصته الحقيقية، بينما منحت أحزاب المعارضة الرئيسية الثلاثة نسبًا أعلى مما حصدته يوم الانتخابات:

  • العدالة والتنمية AKP: 40,50%.
  • الشعب الجمهوري CHP: 27,3%.
  • الحركة القومية MHP: 15,2%.
  • الشعوب الديمقراطي HDP: 13,1%.

لذلك، لم يتردَّد صاحب الشركة هاكان بايراكتشي في تقديم اعتذار للجمهور فور إعلان نتائج الانتخابات عبر تغريدة على حسابه في تويتر:
 

 

"لقد حدث إخفاق كبير، وعجزت الأبحاث عن توقُّع هذه النتيجة، لذلك أَتقدَّم باعتذاري لجميع متابعينا وأولئك الذين يُولوننا ثقتهم".

الأمر ذاته فعله أوزير سينكار رئيس شركة متروبول Metropoll؛ فقد غرَّد على حسابه مقرًّا بالفشل: "لقد أخفقنا..لم ننجح في تحديد رأي الشعب وردود فعله على المعارضة والتطورات الأخيرة".

واقتفى أثرهما أصحاب شركات أخرى لا ضرورة لذكرهم هنا، لكن الإقرار بالفشل أخذ طابع التبرير عند البعض أحيانًا، فيما راح المسؤولون يُلقون باللوم على التكنولوجيا تارة وعلى الجمهور الذي لم يشارك تارة أخرى.

3. أسباب الإخفاق في التوقُّعات والتقديرات

يكتسب هذا القسم أهمية متميزة في الدراسة؛ لأنه يوصلنا إلى النتائج ويُزوِّدنا بتحليل عام وصورة شاملة عن أهم أسباب إخفاق مراكز وشركات استطلاع الرأي التركية في أبحاثها (التوقُّعات والتقديرات) التي تُسَوِّقُها للجمهور ووسائل الإعلام، ومن أبرز العوامل التي أدت إلى فشل هذه المؤسسات في توقُّعاتها ما يلي:

1.3. اختلال المعايير المهنية والبحثية
رأى محلِّلون أتراك أن أحد أهم أسباب إخفاق هذه المراكز والشركات هو إجراء استطلاعاتها للرأي وتوزيع الاستبيانات على نفس العينة التي كانت محور أبحاثها في الانتخابات المحلية والرئاسية لعام 2014 ثم في الانتخابات البرلمانية لعام 2015 دون تغيير، يُضاف إلى ذلك أن هذه الشركات تختار معظم عيناتها ممن يسكنون في المدن، ولا يشمل مجتمع الدراسة القرى والمناطق النائية والصغيرة. وفي الوقت الذي يجب أن تشمل العينة مختلف المناطق في عموم تركيا، حتى تكون مُـمَثِّلَةً (العينة الـمُمَثِّلَة)، نراها تقتصر على المدن الرئيسية؛ حيث إن العينة في العادة لا تشمل مناطق شرقي تركيا، وهذا من الأخطاء الكبيرة في تحديد مجتمع الدراسة واختيار العينة(22). وفي هذا السياق نُذَكِّر بتجربة جورج غالوب الذي أنشأ معهد جالوب للرأي العام سنة 1935، ونشر استطلاعًا للرأي نجح بمقتضاه في توقُّع نتيجة انتخابات الرئاسة الأميركية. وكان تنبَّأ بفشل الاقتراع الذي قامت به في العام نفسه جريدة Literary Digest، وعزا ذلك إلى الطريقة التي تم وفقها اختيار العينات؛ حيث تم الاقتراع على المستويات الاقتصادية لجمهور الناخبين، وتم إهمال المجموعات محدودة الدخل، في حين أن القاعدة الخاصة باقتراع الآراء من وجهة نظر جالوب هي العينة الـمُمَثِّلَة(23)، وهذا المثال يُبرهن لنا على أهمية العينة الممثِّلة في الوصول لنتائج صحيحة، وأن عدم اهتمام بعض مراكز الاستطلاع التركية بهذه المسألة أسهم في إخفاقها.

ويعتقد الكاتب التركي رسول طوسن أن معظم شركات الاستطلاع التركية ليست مؤسسات مُحْتَرِفة؛ إذ تجمع معلوماتها من الشوارع، وبلا توازن بين فئات المجتمع ومكوناته، أي إنها أخفقت في اختيار العينة الصحيحة، باستثناء شركة عادل غور. وهناك عاملان أساسيان في إخفاق هذه المؤسسات، الأول: أن بعض هذه الشركات أجرى استطلاعات الرأي بواسطة الهواتف، وهذه عملية ليست دقيقة، والثاني: أنها لم تراعِ التوازن بين فئات المجتمع ومكوناته والتوزيع الجغرافي الدقيق والمناسب(24).

2.3. عدم الالتزام بأخلاقيات البحث العلمي 
من خلال متابعة بعض الأساليب التي اتبعتها شركات ومراكز استطلاع الرأي تَبيَّن أن هناك ضعفًا في أخلاقيات البحث العلمي، وإهمالًا للمعايير الأخلاقية، ففي مقابلة مع قناة TV5 التليفزيونية (تم رفعها على موقع يوتيوب بتاريخ 11 مايو/أيار 2015) أَقَرَّ مؤسِّس شركة غازيجي Gezici، مراد غازيجي، بأن "أحد أصحاب شركات استطلاع الرأي اقترح عليه أن يُعلن أن حصة حزب العدالة والتنمية في انتخابات 7 يونيو/حزيران 2015، ستكون 42%، وذلك قبل الاقتراع بأسابيع"(25)، أي: إنه اقترح عليه زيادة حصة الحزب على هواه، وهذا إِنْ صحَّ فهو منافٍ لقيم وأخلاقيات البحث العلمي، ويعني أن صاحب الشركة قد ضرب بعرض الحائط جميع المعلومات التي حصلت عليها شركته، وقام بنشر الرقم الذي يرغب فيه. وأشار غازيجي، الذي رفض ذاك الاقتراح، إلى اسم الشركة، وهي شركة عادل غور A&G. لكن من خلال بحثنا وجدنا أن الشركة المتهمة كانت أنجح شركة في تركيا في آخر انتخابات، وهذا يكشف لنا عن بُعد جديد، وهو بُعد المنافسة بين الشركات ذاتها الذي قد يُسهم في تباين نتائجها.

3.3. الأيديولوجيا، والتوظيف السياسي، والغرض التَّوجيهي
لعبت الأيديولوجيا التي يتبنَّاها بعض القائمين على استطلاعات الرأي في تركيا والتَّوجُّه السياسي الخاص بهم دورًا مهمًّا في مجانبة الصواب في النتائج التي أفرزتها تلك الاستطلاعات، وفي الانحراف عن المهنية والموضوعية في الطرح. وأكَّد مراقبون "أن للأيديولوجيا الخاصة بالقائمين على الاستطلاع تأثيرًا واضحًا في الاستطلاع نفسه والنتائج التي يفرزها؛ إذ يتعمَّد بعض شركات استطلاع الرأي تخفيض حصة حزب معين في استطلاعاتها للتأثير في وزنه وحضوره وفي حصته الحقيقية، وهذا أحد الأسباب التي دفعت المواطن التركي لعدم الثقة بشركات استطلاع الرأي وبالتالي عدم المشاركة في استبياناتها"(26). ويرى باحثون أن كثيرًا من شركات الاستطلاع بتركيا مُسَيَّسٌ ومُتَحَزِّبٌ، ولا يقوم باستطلاع الآراء بقدر ما يقوم بتوجيه الرأي العام نحو نتيجة محدَّدة، وعليه فهو لا يُظْهِر الموجود، بل المرغوب. كما أن هناك مراكز أخرى غير مُسَيَّسَة، ولكنها غير احترافية ولا تعمل بمهنية لافتقادها لأدوات العمل المهني المحترف، وثمة مراكز لا تزال تجربتها حديثة ومن الصعب الحكم عليها الآن(27).

ويؤكد الكاتب، رسول طوسن، أن بعض الشركات قد انحاز لأحزاب سياسية معينة، ولذلك رأينا نتائج استطلاعاتها قد تميل لصالح تلك الأحزاب التي انحازت إليها أو ربما اتفقت معها مُسبقًا. بينما هناك قسم آخر من المراكز أعلن توصُّله للنتائج الصحيحة وتوقَّع تقديرات دقيقة، لكنه خشي من ردود الفعل المختلفة لذلك لم يُعلن ما توصل إليه(28).

واعتبر البعض أن الأيديولوجيا والرأي الحزبي للقائمين على كثير من الاستطلاعات قد شكَّل المعيار الأساس لتلك النتائج التي رأيناها بدلًا من المنهج العلمي أو المعايير الموضوعية؛ فشركة غازيجي مثلًا توقَّعت نتائج تُرضي طرفًا سياسيًّا معينًا، بينما هناك شركة أخرى أجرت استطلاعات لأهداف تجارية وبغرض تحقيق الربح الإعلاني دون الالتفات لقواعد البحث السليمة، ولذلك يجب عدم الثقة بمثل هذه الشركات(29).

ويقول المحلِّل التركي، هاكان كويوجو Hakan Kuyucu: "إن معظم الاستطلاعات التي تُجرَى في غير أوقات الانتخابات في تركيا تُستخدم بغرض التلاعب في الرأي العام وتوجيهه والتأثير عليه". ويشير كويوجو إلى أن "هناك نوعين من أبحاث شركات الاستطلاع: أبحاث جدِّية يتم إجراؤها من قبل الشركات بمقابل مالي لأي حزب يطلبها، وهذه المعلومات مدفوعة الأجر لا يتم عادة نشرها للرأي العام، وهناك أبحاث يتم نشر بعض أجزائها وإخفاء أجزاء أخرى، ولاسيما في غير فترة الانتخابات؛ لأنها تهدف إلى توجيه الرأي العام، ولذلك لا يجب التعامل بجدية مع مثل هذه الاستطلاعات"(30).

4.3. التماهي مع نتائج الانتخابات السابقة والتأثر بها
بما أن الفارق في النتائج التي حصل عليها الحزب الحاكم (العدالة والتنمية) تحديدًا في انتخابات السابع من يونيو/حزيران 2015، ونتائج انتخابات الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2015، فارق كبير فربما يكون هذا أحد الأسباب التي دفعت القائمين على استطلاعات الرأي كي يكبحوا جماح الأرقام المرتفعة التي حصل عليها، مستبعدين أن تقفز حصته هذه القفزة أو أن تزيد حصته بنحو 9% عمَّا كانت عليه، في ظرف 5 أشهر فقط.

5.3. العزوف عن المشاركة في الاستطلاعات
من أسباب الاختلال في تقديرات استطلاعات الرأي التركية خلال انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2015 هو عزوف أنصار حزب سياسي، أو حركة اجتماعية معينة، عن المشاركة في الاستطلاع، لذلك لم تكن النتائج مُـمَثِّلَةً لجميع فئات مجتمع البحث، كما تشير شركة متروبول لاستطلاعات الرأي، لكن هذا يدفع للتساؤل عن سبب ذلك العزوف. يتوقع الباحث أن من أسباب العزوف عن المشاركة في استطلاعات الرأي هو فقدان الثقة ثم الموقف الشخصي أو الحزبي من شركة استطلاع بعينها لعلم الفرد المسبق بأن هذه المؤسسة أو المركز يتبعان طرفًا مخالفًا، أو حزبًا سياسيًّا منافسًا، ومن ثَمَّ لا يُقْدِمُ على المشاركة لعدم ثقته بالجهة التي أجرت الاستطلاع باعتبار أنها مُسَيَّسَةٌ وغير موثوقة. وربما يكون هناك توجيه بشكل أو بآخر من قبل قيادة حزب ما لأنصاره بعدم المشاركة في الاستطلاعات أو تضليلها بالرأي الخاطئ لخدمة أهداف معينة يرمي لها الحزب. كما يمكن أن يتعلق الأمر بالمستوى الثقافي للأفراد والفئات المناصرة لجهة سياسية معينة أو الجهل بأهمية وفائدة هذه الاستطلاعات.
 
6.3. الثقة المفرِطة في التكنولوجيا والاعتماد عليها في البحث
إن قسمًا كبيرًا من الاستطلاعات بتركيا يتم عبر فضاء الإنترنت، وهو فضاء لا يمكن السيطرة عليه وضبطه بدقة؛ وذلك لأسباب كثيرة نذكر منها عدم استخدام الإنترنت من قِبَل بعض فئات المجتمع، وهو أمر مرتبط أساسًا بالوضع الاقتصادي أو الجغرافي لهذه الفئات، فقد لا تكون خدمة الإنترنت متوفرة في قرية نائية معينة، وهي قرى كثيرة في تركيا. من ناحية أخرى، فإن احتمالية الخداع والتحايل عبر الإنترنت مرتفعة؛ إذ يمكن لأشخاص معينين من أنصار فريق ما المشاركة أكثر من مرة واستخدام أكثر من جهاز حاسوب وأكثر من حساب إلكتروني. ويشير مراقبون إلى أن "جميع الاستطلاعات في تركيا لا تعتمد على المقابلات المباشرة مع المبحوثين، بل على التكنولوجيا الإحصائية، والإحصاء المجرد من دون جهد علمي-ميداني، وهذا يُفقدها الحيادية والموضوعية"(31).

7.3. الظروف الاستثنائية للانتخابات
باعتبار انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2015 جرت في ظروف سياسية واقتصادية وأمنية استثنائية، وأيضًا بعد فترة قصيرة من انتخابات يونيو/حزيران 2015، فلم يكن من السهل توقُّع حجم تغيُّر مزاج الناخب في هذه الفترة الزمنية القصيرة. يُضاف إلى ذلك أن ثمة صعوبات أمنية في مناطق جنوب شرق البلاد ذات الأغلبية الكردية؛ حيث يضغط حزب العمال الكردستاني المسلَّح على السكان المحليين، وهو ما يُصعِّب عليهم الإدلاء بآرائهم بحرية في استطلاعات الرأي، وقد رأينا أن التغيُّر الأكبر لصالح العدالة والتنمية كان في المناطق ذات الأغلبية الكردية(32).

8.3. حداثة التجربة الديمقراطية
صحيح أن تركيا قطعت شوطًا مهمًّا على طريق الديمقراطية، لكنها لا تزال حديثة عهد بهذه التجربة، ولذلك فإن عدم نضوج الديمقراطية بشكل كامل في البلاد ينعكس على باقي المجالات بنسب متفاوتة، ومنها استطلاع الرأي العام العام باعتباره محدِّدًا أو أحد مُقَوِّمات الوجود السياسي وغير السياسي للكيانات والجماعات.
 
9.3. أسباب موضوعية
هناك بعض الأسباب الموضوعية العامة التي تؤثِّر في دقة نتائج وتقديرات استطلاعات الرأي، وهي أسباب تنطبق على الحالة التركية وعلى غيرها، ومنها:

أ‌. أن العينة المبحوثة مهما اتسع حجمها لا تمثِّل جميع فئات المجتمع وعموم المجال الجغرافي، وفي المثال التركي فإن بضعة آلاف من الأتراك لا يمكن أن يمثِّلوا 78 مليون مواطن بدقة، ولا حتى نصف هذا العدد أو عُشره. وفي هذا السياق، تُقِرُّ شركة متروبول بأنه "عادة ما تُجرى استطلاعاتنا في البحوث السياسية على ما يقارب 1250 شخصًا، وهذا يعني أن نسبة مشاركة المواطن التركي في الاستطلاع هي 1/38400؛ حيث يوجد في تركيا نحو 48 مليون شخص يحق لهم الاقتراع حسب إحصائية 2010، ولذلك لا يمكن للشركة أن تصل إلى كل مواطن بعينه، وإلا لما سُمَّيت عينة، بل انتخابات كاملة"(33).

ب‌. المزاج المتقلِّب للمجتمع المبحوث، فرأي المجتمع سريع التقلُّب والتغيُّر والتأثُّر بأحداث تقع هنا أو هناك، فقُبَيل انتخابات الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2015 بأسبوعين وقعت في العاصمة التركية أنقرة انفجارات دامية أوقعت مئات القتلى والجرحى، "مثل هذه الهجمات والأحداث الساخنة المفاجئة التي اعتادت تركيا على حدوثها قُبَيْل كل انتخابات لابد أنها تؤثر بصورة أو بأخرى في مزاج الناخب أو المصوت بشكل خاص، والمجتمع بشكل عام، خاصة أن الجهات التي تقف خلف هذه الأحداث تهدف أصلًا إلى التأثير في المزاج العام للمجتمع، ومن ثم في نتائج الانتخابات من خلال إحداث حالة بلبلة وإرباك في أوساط الجماهير وقلب قناعاتهم تجاه طرف معين، وفي النموذج التركي عادة ما تُلْقَى المسؤولية عن ذلك على الحكومة، التي سرعان ما تُحمِّلها قوى المعارضة المسؤولية عمَّا جرى"(34).

ج‌. طبيعة العلوم الاجتماعية التي لا يمكن فيها الوصول إلى نتائج قطعية ثابتة، فدراسة المجتمع لا تشبه دراسة علوم دقيقة معينة ولا ظاهرة طبيعية وما شابه.

خلاصة

خلصت الدراسة إلى أن هناك اختلالًا كبيرًا في استطلاعات الرأي العام في تركيا، والنتائج التي توقَّعتها مؤسسات ومراكز استطلاع الرأي ولاسيما قُبَيْل الانتخابات، وكشفت الفوارق المئوية الكبيرة التي تم تداولها قُبَيْل الانتخابات البرلمانية التي جرت في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2015، وعجزها عن توقُّع النتائج الرسمية الصحيحة أو الاقتراب منه.

ورصدت الدراسة عوامل عدَّة أدَّت لذلك الإخفاق العام لدى مراكز ومؤسسات الاستطلاع التركية، كالأيديولوجيا والولاء السياسي للقائمين على الاستطلاعات والمؤسسات البحثية، وكذلك ضعف أخلاقيات البحث العلمي لدى بعضها، وعدم الالتزام بالمعايير العلمية والمهنية عند بعضها الآخر، والإفراط في الثقة والاعتماد على التكنولوجيا عوضًا عن الجهد البحثي الميداني، ثم هناك الظروف السياسية والأمنية الاستثنائية التي جرت فيها انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2015، ولا يُستثنى أيضًا عنصر عزوف المواطنين عن المشاركة في الانتخابات أو تعذُّر ذلك عليهم، إضافة إلى عدم الاتزان والشمولية في عينات الدراسة، وكذلك حداثة التجربة الديمقراطية في البلاد.

لكن من المهم الإشارة إلى أن النتائج والتقديرات التي تتوقَّعها استطلاعات الرأي في تركيا تُصيب في كثير من الأحيان؛ إذ لا يجب إسقاط الفشل أو الإخفاق الكبير الذي مُنِيَتْ به هذه المراكز، في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2015، على كل تاريخها البحثي؛ ففي الاستحقاقات الانتخابية التي جرت بين 2002 و2014 في البلاد كانت هناك نسب نجاح وتقديرات يصعب إغفالها.

وتدل الاعتذارات؛ التي قدَّمها القائمون على مؤسسات ومراكز استطلاع الرأي التركية بعد الإخفاق، على أن هناك اعترافًا بالخطأ الذي وقع فيه هؤلاء وإدراكًا لأبعاده، وهو ما قد يُشكِّل إشارة إيجابية للمستقبل؛ إذ إن جودة وكفاءة استطلاعات الرأي العام قد تشهد تطورًا وتحسُّنًا. لكن الاعتماد على النقد الذاتي لمديري شركات ومراكز الاستطلاع يبدو غير كاف للوصول إلى ذلك المستوى المتطور؛ فربما راجع البعض خطأه بينما لا يزال البعض الآخر عاجزًا عن الانفصال عن البيئة الحزبية والمالية والأيديولوجية التي يرتبط بها.

ولهذه الأسباب مجتمعة، تُوصي الدراسة بأن تتولى مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية القيام بدورها في إصدار قوانين وقرارات تُنَظِّم عمل مؤسسات ومراكز استطلاع الرأي، وتُحاسب المتجاوزين، لكن في الوقت ذاته يجب أن لا يؤثِّر ذلك في حرية البحث والرأي.
___________________________________
د.إسلام حلايقة، باحث في قضايا الإعلام والاتصال

الهوامش
1. عميرة، إبراهيم، حتى نفهم البحث التربوي، (دار المعارف، القاهرة، 1981)، ص 96.
2. ربيع، حامد عبد الله، مقدمة في نظرية الرأي العام، (مكتبة الشروق، القاهرة، 2007)، ط 1، ص 44.
3. حسين، جمال، "دور استطلاعات الرأي العام في الحملات الانتخابية"، القبس، 13 إبريل/نيسان 2008، (تاريخ الدخول: 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2015):
http://www.alqabas.com.kw/Articles.aspx?ArticleID=381499&CatID=307
4. أجيت، محمـد، مسؤول مكتب قناة 7 بأنقرة، مقابلة مع الباحث، 21 ديسمبر/كانون الأول 2015.
5. أوتجان، بكير، محلل سياسي تركي، مقابلة مع الباحث، 6 ديسمبر/كانون الأول 2015.
6. الحاج، سعيد، باحث مختص في الشأن التركي، مقابلة مع الباحث عبر الإنترنت، 14 ديسمبر/ كانون الأول 2015.
7. Meray, S. L. Halk Efkar? ve Yoklamas?, (Ankara Üniversitesi Siyasal Bilgiler Fakültesi Dergisi, Ankara, 1954), 1 (1), p. 256-303.
8. Atabek, N. Türk Bas?n?nda Kamuoyu Ara?t?rmalar?, (Gazi Üniversitesi- ?leti?im, Ankara, 2003), p. 7.
9. Neyzi, H,  “Piyasa ve Kamuoyu Ara?t?rmalar?n?n Geli?imi.” Kamuoyu Ara?t?rmalar? Birinci Sempozyumu 17-19 Ekim 1988. (Ankara Üniversitesi Bas?n- Yay?n Yüksekokulu Yay?nlar?, Ankara, 1990), ed. Muharrem Varol. Ankara, No.11.
10. Atabek, Türk bas?n?nda, p. 11.
11. A&G, “Ara?t?rma Yöntemlerimiz”, (Giri? tarihi: 23 Aral?k/December 2015):
http://www.agarastirma.com.tr/hakkimizda/
12. Yeni?afak Gazetesi, “2015 Türkiye Ara?t?rma ?irketleri Anket Sonuçlar?”, (Giri? tarihi: 19 Aral?k/December 2015):
http://www.yenisafak.com/secim-2015-kasim/genel-secim-denge-anket-sonuclari
13. Gezici Ara?t?rma, “Kurum Hakk?nda”, (Giri? tarihi: 19 Aral?k/December 2015):
http://geziciarastirma.com/39/kurum-hakkinda
14. "نتائج الانتخابات البرلمانية في نوفمبر/تشرين الثاني 2015 تركيا"، موقع يني شفق، (تاريخ الدخول: 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2015):
http://www.yenisafak.com/ar/secim-2015-kasim/secim-sonuclari
15. أعدَّ الباحث محتوى هذا الجدول؛ الذي يُظْهِر نتائج وتقديرات بعض مؤسسات ومراكز استطلاع الرأي قُبَيْل الانتخابات بفترة تراوحت بين يومين وأسبوعين.
16. Kurd Tek, “1 KASIM 2015 GENEL SEÇ?MLER? ANKET?”, (Giri? Tarihi 3 Aral?k/December 2015) :
http://www.kurdtek.net/17-21-ekim-anketimiz
17. Kurd Tek, “1 KASIM 2015 GENEL SEÇ?MLER? ANKET?”, (Giri? Tarihi 3 Aral?k/December 2015) :
http://www.kurdtek.net/17-21-ekim-anketimiz/
18. Kurd Tek, “S?n?r ötesinden son anket: AKP yüzde 40’?n alt?nda”, (Giri? Tarihi 3 Aral?k/December 2015) :
http://www.kurdtek.net/blog/2015/10/29/sinir-otesinden-son-anket-akp-yuzde-40in-altinda/
19. A&G, “A&G Ara?t?rman?n 1 Kas?m 2015 Seçim Tahmini”, (Giri? tarihi; 2 Aral?k/December 2015) :
http://www.agarastirma.com.tr/ag-arastirmanin-1-kasim-2015-secim-tahmini/
20. A&G, “Ara?t?rma Yöntemlerimiz”, (Giri? tarihi: 23 Aral?k/December 2015):
http://www.agarastirma.com.tr/hakkimizda/
21. موقع "يني شفق"، (تاريخ الدخول: 17 ديسمبر/كانون الأول 2015):
http://www.yenisafak.com/secim-2015-kasim/genel-secim-denge-anket-sonuclari
22. أوتجان، بكير، مرجع سابق.
23. مجاهد، جمال، الرأي العام وقياسه الأسس النظرية والمنهجية، (دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 2011)، ص 83.
24. طوسن، رسول، إعلامي وكاتب تركي، مقابلة مع الباحث، 19 ديسمبر/كانون الأول 2015.
25. غازيجي، مراد، صاحب شركة عازيجي للأبحاث، مقابلة مع تليفزيون TV5، 11 مايو/أيار 2015: https://www.youtube.com/watch?v=FaDbWR4GeJ4
26. أوتجان، بكير، مرجع سابق.
27. الحاج، سعيد، مرجع سابق.
28. طوسن، رسول، مرجع سابق.
29. أجيت، محمد، مرجع سابق.
30. Metro Sfer, Kuyucu, Hakan, Hangi Anket ?irketi Kime Aittir?, 14 Eylül/September 2015, (Giri? tarihi: 13 Ekim, November 2015)
http://metrosfer.com/hangi-anket-sirketi-hangi-partiye-yakin/
31. حسين، جمال، "دور استطلاعات الرأي العام في الحملات الانتخابية"، مرجع سابق.
32. الحاج، سعيد، مرجع سابق.
33. Metropoll, “Anketlerin faydas? nedir?”, (Giri? tarihi: 13 Aral?k/ December 2015) :
http://www.metropoll.com.tr/kurumsal/sss-7
34. "إخفاق استطلاعات الرأي في تركيا.. أزمة تُلْهِبُها الاستحقاقات الانتخابية"، وكالة الأنباء التركية العربية- طه، 11 يناير/كانون الثاني 2016، (تاريخ الدخول: 12 يناير/كانون الثاني 2016).
 http://www.turkarab.net/?p=24987

نبذة عن الكاتب