أزمة الإعلام الممول سعوديًّا: الخطاب والأيديولوجيا والنظام القيمي

تستقصي الدراسة الأزمة المركَّبة للإعلام الممول سعوديًّا على مستوى البنية والوظيفة وهوية الخطاب ومنظومته القيمية، فضلًا عن المظهر المالي للأزمة التي تعيشها الصحافة المكتوبة والقنوات الفضائية أيضًا،وتبحث حالته الراهنة وعلاقته بالنموذج الإعلامي الذي لا يستطيع أداء دوره خارج النسق التسلطي"إعلام الولاء"
955e6c4bdd5f435b8cff38c750fb03d1_18.jpg
عناوين لصحف تمثِّل نموذج "إعلام الولاء" (الجزيرة)

يعيش الإعلام الممول سعوديًّا منذ نشأته في بداية السبعينات من القرن الماضي أزمة مُرَكَّبَة تشمل البنية التي تحدد علاقة هذا الإعلام بالجهة المالكة أو المالكين والحدود بين الاقتصادي والسياسي، كما تطول هذه الأزمة وظيفة الإعلام ورسالته المهنية؛ حيث التناقضات على مستوى البعد الهوياتي للخطاب ومنظومته القيمية، فضلًا عن المظهر المالي للأزمة الذي جعل الصحافة المكتوبة في حالة "موت سريري" كما يجاهر بذلك بعض مسؤوليها؛ وهو ما دفع بعض المؤسسات إلى إغلاق منصاتها وتسريح جميع موظفيها أو وقف الطبعة الورقية والاكتفاء بالحامل الإلكتروني.

تؤكد هذه الحالة للإعلام الممول سعوديًّا قاعدة النموذج الإعلامي الذي يتماهى أو يشتغل من داخل النسق التسلطي "إعلام الولاء" كما كان معروفًا ومتداولًا في خمسينات وستينات القرن الماضي والذي يقوم على خدمة المنظور السياسي الواحد والفرد الواحد. فهو يمتلك مشروعيته فقط من خلال سلطة خارجية قهرية دون أن يتمكن من التأثير الحقيقي في مكونات الرأي العام لا داخل السياق المحلي أو الإقليمي ولا حتى الدولي. وقد ظهر ذلك بشكل جلي في الأزمة الخليجية التي فرضت خلالها السعودية والإمارات والبحرين ومصر حصارًا بريًّا وجويًّا وبحريًّا على دولة قطر، في 5 يونيو/حزيران 2017، عقب بث تصريحات مفبركة منسوبة للأمير الشيخ، تميم بن حمد آل ثاني، عبر وكالة الأنباء القطرية. ولأن دول الحصار سعت لتحقيق نوع من "الاغتيال المعنوي" من خلال عملية العزل الشامل لقطر كفعل سياسي، فإن الخطاب المصاحب لهذا الفعل كشف عن نفسه من حيث هو خطاب إسقاطي يسعى للهيمنة على الخصم من خلال التوسل بمقولات تستمد قوتها من لغة عدائية دون أن تصل إلى التحقق الفعلي على مستوى الواقع. في حين أن الأيديولوجيا البَانِيَة لهذا الخطاب تقوم على منطق تبريري يمزج بين الشيء ونقيضه، ويعتمد "الدعاية والتضليل والتدليس". وهذا ما يجعل منه خطاب مأزومًا لا يسعى إلى بناء معرفة حقيقية.

وتسعى هذه الدراسة إلى فهم وتفسير حالة الإعلام المموَّل سعوديًّا الذي يعيش أزمة هوية منذ بدايته الأولى، وكيف أن هذه الأزمة تكشَّفت معالمها الكبرى وبرزت أكثر مع الأزمة الخليجية. وتركز الدراسة على مُساءَلة بنية ووظيفة هذا الإعلام ومدى تأثُّر هذه الوظيفة بسبب تراجع أسعار النفط والعائدات الإعلانية، فضلًا عن حملة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، ضد رجالات الإعلام، وتحاول أيضًا تفكيك بنيته الخطابية واختياراته الأيديولوجية ومحاولة الوقوف على النظام القيمي الموجِّه لهذا الخطاب في تعاطيه مع القضايا السياسية موضوع الخلاف، ومع خصم/طرف ثان يُفترض أنه يمتلك مقومات الجيرة والأخوة ووحدة الجغرافيا والتاريخ المشترك. كل ذلك من خلال التركيز على نماذج تحليلية من الإعلام التليفزيوني والصحافة المكتوبة والإعلام الاجتماعي باعتماد مرجعية "التحليل النقدي للخطاب" كما سنوضح مرتكزاتها لاحقًا.

1. الإعلام السعودي: البنية والوظيفة

طوال عقد سبعينات القرن الماضي، وفي ظل وضع إقليمي خليجي مشحون، تميز بالطفرة النفطية الخليجية والصعود المتنامي لإيران القائم على البحث عن هيمنة سياسية إقليمية وتصدير الثورة الخمينية نحو محيطها الخارجي، ومحاولات تصدي دول الخليج لهذه الثورة والدفاع عن المذهب السُّنُّي ممثَّلًا في النهج الوهابي، دخل رأس المال السعودي مجال الاستثمار في الإعلام باعتباره سوقًا استثمارية ذات ربحية عالية في المجال السياسي والأيديولوجي؛ ولهذا تم تأسيس صحيفة "الشرق الأوسط"، في يوليو/تموز 1977، التي شكَّلت حينها "أول صحيفة عربية دولية يومية إخبارية شاملة تصدر من العاصمة البريطانية لندن وتُوزَّع بالأقمار الاصطناعية إلى مجموع العواصم العربية والعالمية". وقد أراد القائمون على الصحيفة أن تكون "مُوَجَّهة للقارئ العربي في كل مكان في العالم ومدّه بالأخبار السياسية الإقليمية، والقضايا الاجتماعية، والأخبار الاقتصادية والرياضية". ورغم ما كان يروج عن كون الصحيفة مملوكة للأخوين، هشام ومحمد علي حافظ، صاحبي شركة "المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق" المعروفة في مجال الاستثمار الإعلامي، فإن المالك الحقيقي للشركة وللصحيفة معًا هو الأمير تركي بن سلمان آل سعود، الذي رصد منذ بداية تأسيس الصحيفة ميزانية خاصة لتغطية نفقاتها وذلك لتقديم دعم من المنظور السعودي في تناول القضايا السياسية والدينية في المنطقة العربية والعالم(1).

وقد اعتمد القائمون على الصحيفة منذ انطلاقتها الأولى سياسة تحريرية خاصة تقوم على جملة تعاقدات، أهمها: أن الشرق الأوسط "جريدة العرب الأولى"، وأنها "جريدة سعودية تتبنى موقفًا معتدلًا من قضية الصراع العربي-الإسرائيلي، وتنتهج خطًّا تحريريًّا يقوم على الاعتدال والتقارب مع العالم الخارجي"(2). ورغم هذا الاختيار الوسطي الظاهر، فإن السياق العام لمنطقة الخليج طوال عقد السبعينات وضغط القضايا السياسية العربية الساخنة، جعل الصحيفة تعيش حالات من التنازع بين موقف المالكين لها وضغط الشارع العربي في الدفاع عن القضايا التي يعتبرها قضايا عادلة مصيرية. ويجد هذا التنازع الكثير من دلالاته في التعدد الواضح لرؤساء التحرير الذين تعاقبوا على رئاسة تحرير الصحيفة، مع غلبة واضحة في العقدين الأخيرين للوجوه الإعلامية السعودية التي تم إعدادها وصناعتها داخل دهاليز الصحيفة نفسها، وكان أهم هؤلاء: عثمان العمير وعبد الرحمن الراشد وطارق الحميد وعادل الطريفي ويوسف الدوسري.

وفي العام 1980، تم إصدار أسبوعية "المجلة" من العاصمة البريطانية، لندن، التي أُوكِل إليها دور تكميلي لما قامت وتقوم به "الشرق الأوسط" عبر التوجه لجمهور جديد خارج الدائرة العربية باستحداث النسخة الإنجليزية للمجلة والموجَّهة للقارئ الغربي في حين أن محتواها التحريري كان ينزع نحو "التحليل الإخباري للقضايا العربية الراهنة من خلال التركيز على الأفكار التي تختفي وراء الأخبار وتقديم المعلومات والمقترحات لصنَّاع السياسة السعودية في المنطقة"(3).

وفي العام 1988، قام الأمير خالد بن سلطان بن عبد العزيز بشراء أسهم جريدة "الحياة اللندنية" لبنانية المنشأ التي تأسست في العام 1946 في العاصمة البريطانية، والتي كان لها موقع خاص في المشهد الإعلامي العربي المكتوب عبر نجاحها في فرض نمط إعلامي جديد في الصحافة العربية يستمد الكثير من خصائص الصحافة الإنجليزية. وقد عمل المالك الجديد على إعادة إصدار الصحيفة "بهوية سعودية خالصة"، تتقاطع في بعض القضايا السياسية مع الخط التحريري لصحيفة الشرق الأوسط. ورغم التأكيدات التي تنفي تدخل الأمير خالد في السياسة التحريرية للصحيفة طالما ابتعدت عن انتقاد آل سعود...وأن الصحفيين هم أحرار في كتابة ما يشاؤون شريطة عدم نقد العائلة المالكة أو الكشف عن فساد الحكومة(4)، فإنه لم يتم السماح بتداول الصحيفة في السعودية إلا في العام 1996. كما لم يسمح بصدور طبعة خاصة لها من العاصمة الرياض إلا في العام 2005.

وفي تسعينات القرن الماضي، وضمن سياق سياسي مختلف تميز بانتشار ظاهرة القنوات التليفزيونية الفضائية، سارع المال السعودي مرة أخرى للاستثمار في هذا القطاع الجديد بحثًا عن أرباح اقتصادية واستثمارات سياسية جديدة. وهكذا تم إطلاق قناة وإذاعة وتليفزيون الشرق الأوسط "إم بي سي1" (MBC1)، التابعة لمجموعة بالاسم نفسه "مركز تليفزيون الشرق الأوسط" (Middle East Broadcasting Center)، في عام 1991، وهي شركة تجارية خاصة برأسمال سعودي، موزع بالتساوي بين صالح كامل ورجل الأعمال، وليد الإبراهيم، صهر الملك السعودي الراحل، فهد بن عبد العزيز. وكانت لحظة انطلاقتها (إم بي سي1) قناة فضائية شاملة، تبث من العاصمة البريطانية لندن، وتجمع في برامجها بين الإخباري والترفيهي والاجتماعي. وفي العام 2002، أقدمت المجموعة على الانتقال لمقرها الجديدة بالمدينة الإعلامية في دبي بالإمارات، التي تحولت حينها لعاصمة الإعلام العربي، وقد تمكنت القناة في البداية من تحقيق نسبة مشاهدة قوية في العالم العربي، خاصة في المملكة العربية السعودية(5).

وفي العام 2003، قامت المجموعة بإطلاق قناة "إم بي سي2" (MBC2)، وهي قناة متخصصة في عرض الأفلام الترفيهية الناطقة باللغة الإنجليزية مصحوبة بترجمة حَرْفية مكتوبة. ورغم الانتقادات التي طالت المجموعة واتهامها بـ"نشر الثقافة الليبرالية على الطريقة الأميركية ممزوجة بثقافة العنف"، فقد أقدمت المجموعة أيضًا، في العام 2004، على إطلاق قناة "إم بي سي3" (MBC3)، وهي قناة متخصصة في أفلام الكارتون وبرامج الأطفال في العالم العربي. وفي العام 2005، قامت المجموعة مرة أخرى بإطلاق قناة "إم بي سي4" (MBC4) التي تعرض المسلسلات الأميركية والبرامج الصباحية الأميركية المترجمة وبرامج النساء وتليفزيون الواقع. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل عملت المجموعة، في العام 2007، على إطلاق قناة "إم بي سي أكشن" (MBC action) التي تقدم على مدار الساعة الأفلام الأميركية وأفلام الحركة والتشويق..(6).

والملاحظ أن السياسة الإعلامية الـمُؤَطِّرَة لتجربة مجموعة "إم بي سي" تجد الكثير من دلالاتها فيما ذهبت إليه إدارة المجموعة، حينما اعتبرت أن التوجه العام للمجموعة لا يقوم على "امتلاك فكر أو أجندة أو عقيدة لإيصالها، وإنما القيام بعمل مهني لخدمة المجموعة ماديًّا للمحافظة على ريادتها. وذلك عبر زيادة نسبة المشاهدة والاستثمار في المحتوى العربي"(7). بهذا المعنى يكون الهدف الرئيس لقنوات "إم بي سي" هو تحقيق أكبر نسبة مشاهدة ممكنة من خلال خلطة برامجية منوعة"(8) ونشر نمط معين من الثقافة الليبرالية، التي تتماهى مع نمط الحياة الأميركية.

وفي خطوة جديدة وغير متوقعة، أقدمت المجموعة، عام 2003، على إطلاق "قناة العربية "وهي أول قناة فضائية إخبارية متخصصة تابعة لمجموعة "مركز تليفزيون الشرق الأوسط"، و"تهتم بالأخبار السياسية والرياضية والاقتصادية، مع تركيز واضح على المشروع السعودي، والترويج له، سياسيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا". وقد كشفت تسريبات موقع ويكيليكس أن ملكية محطة العربية تعود لوليد الإبراهيم، وأن 50% من أرباحها تُعَدُّ من نصيب الأمير عبد العزيز بن فهد بن عبد العزيز الذي ينتمي للجناح الليبرالي في الأسرة السعودية الحاكمة. وهو من يقف خلف التوجه السياسي والفكري للقناة وذلك بهدف تأسيس إمبراطورية إعلامية للهيمنة على خيارات واتجاهات الشارع العربي، وذلك على شاكلة إمبراطورية روبرت مردوخ المالكة لقناة فوكس نيوز، وأستراليان فوكس نيوز وصحيفة وول ستريت جورنال، ونيويورك بوست(9).

وقد عملت القناة منذ انطلاقتها على تبني شعار "أن تعرف أكثر" إطارًا عامًّا لسياستها التحريرية، وهو الشعار الذي يقوم على أولوية الحق في المعرفة كما تعبِّر عنه المواثيق الدولية، لكن القراءة الموضوعية لسياق ظهورها يؤكد أن تأسيس قناة العربية ارتبط بعدم رضى النخبة السياسية الحاكمة في السعودية عن الخطاب الإعلامي لقناة الجزيرة التي سبق أن انطلقت في العام 1996. وبعد فشل هذه النخبة في محاولة تطويع القناة القطرية، تم تأسيس قناة العربية لمنافسة الجزيرة ومحاولة انتزاع نسبة من الجمهور العربي الذي يبدو أنه وجد ضالته في الجزيرة منذ انطلاقتها(10)، وما يؤكد هذا التوجه هو أن أحد مالكي القناة، وليد الإبراهيم، اعتبر أن "قناة العربية تمثِّل خيارًا بديلًا أكثر اعتدالًا من قناة الجزيرة وهدفه هو وضع "العربية" بالنسبة لـ"الجزيرة" في الموقع نفسه الذي تحتله "سي إن إن" من "فوكس نيوز" كمنفذ إعلامي هادئ ومتخصص معروف بالتغطية الموضوعية وليس الآراء التي تُقدَّم في صورة صراخ"(11).

من خلال هذه النماذج التي تختزل مجموع مؤسسات الإعلام السعودي من حيث بنيته ووظيفة خاصة في حقلي الصحافة المكتوبة والإعلام التليفزيوني، باعتبارها ممثلًا لإعلام دول الحصار، يمكن رصد الملاحظات الآتية:

أولًا: أن أغلب المنافذ الإعلامية كانت مملوكة بصورة مباشرة أو غير مباشرة لأحد أفراد الأسرة الحاكمة؛ مما يجعل الإعلام السعودي "إعلام أمراء لا إعلام مجتمع"، فهو تابع للدولة السعودية وأحد أجهزتها الأيديولوجية لتأكيد هيمنة وديمومة حكم أفراد الأسرة المالكة، مما يؤكد أن البنية العامة لهذا الإعلام تقوم على وجود حالة من التمركز والاحتكار التي تطبع المنظور السعودي لوسائل الإعلام في علاقتها بالدولة والمجتمع.

ثانيًا: أن هذه النماذج الإعلامية تُعَبِّر عن وجهة نظر سعودية خالصة أو وجهات النظر المتناغمة معها؛ فبالرغم من الشعارات المختارة "الشرق الأوسط: جريدة العرب الأولى"، و"قناة العربية: أن تعرف أكثر"، فإن الأهداف العامة لهذه التجارب تتحدد في نشر وترويج وجهة نظر الأسرة السعودية الحاكمة ومحاولة رسم أطر جديدة لاتجاهات الجمهور العربي سواء داخل الحدود الجغرافية العربية أو خارجها بشأن قضايا تهم الشأن السعودي أو تعبِّر عن الموقف السعودي من القضايا الأساسية الكبرى.

ثالثًا: من خلال النماذج المعروضة، يُلاحَظ أن الإعلام السعودي مُوَجَّه في مجمله للخارج في صورته الإقليمية أو العربية أو الدولية وكأن المتلقي المستهدَف لهذا الإعلام هو المتلقي الخارجي فقط. وإذا حدث العكس فإن محتوى الرسالة الإعلامية لا يخرج عن نطاق الإعلام الترفيهي أو إعلام العلاقات العامة، كما هو الأمر في الإعلام المحلي المكتوب، مثل صحيفتي عكاظ والوطن، أو في الإعلام التليفزيوني الفضائي كما تُعَبِّر عن ذلك قنوات "إم بي سي"، أو قنوات روتانا أو قنوات خليجية.

رابعًا: هناك تطور ملحوظ على مستوى الوعي السياسي لدى القائمين على الإعلام السعودي بالدور الحاسم لوسائل الإعلام في توجيه الصراعات السياسية ومحاولة كسبها. وهذا الأمر بدا واضحًا منذ سبعينات القرن الماضي؛ حيث اعتُمدت الصحافة المكتوبة كأذرع إعلامية لنشر الفكر الوهابي من جهة، ومواجهة مقولة: "تصدير الثورة الإيرانية" من جهة ثانية(12). واليوم يبدو أن ذات السياسة الإعلامية ما زالت معتَمَدة بذات القوة وربما أكثر؛ حيث الإعلام التليفزيوني يُمثِّل آلية سياسية لمواجهة المحطات الصعبة التي تجتازها السعودية، مثل محطة الأزمة الخليجية، كما سيتبين ذلك لاحقًا في سياق التحليل سواء على مستوى تحليل الخطاب أو الأيديولوجيا المؤطِّرة لهذا الخطاب.

2. الإعلام المحلي على حافة الإفلاس 

تبدو أزمة الإعلام الممول سعوديًّا مُرَكَّبَة؛ إذ تشمل أبعادًا مختلفة ترتبط بالرؤية والهوية المُؤَسِّسَة للخطاب الإعلامي وتناقضاتها الداخلية، كما يصارع هذا الإعلام مظهرًا آخر للأزمة يتمثل في الصعوبات المالية التي جعلت بعض الوسائل تعيش حالة الإفلاس. وسواء تعلق الأمر بالصحافة المكتوبة أو التليفزيونية، فإن الإعلام السعودي لم يعرف أزمة مالية بالشاكلة التي طالت مؤسساته خلال العامين الماضيين، والتي تزامنت مع التراجع الكبير لأسعار النفط وبدء تنفيذ "رؤية السعودية 2030"، وما واكبها من اعتقالات شملت العديد من الأمراء ورجال المال والأعمال والصحفيين. ولأن الجانب المالي في أزمة الإعلام الممول سعوديًّا يشكِّل الجانب الظاهر من جبل الأزمة فإننا سنكتفي بالوقوف على الوضع العام لبعض النماذج الإعلامية التي تعاني وضعًا خاصًّا جرَّاء سياسة الاقتصاد الريعي والمنظور الاحتكاري الذي اختاره أمراء الإعلام السعودي، وكيف أن الاضطرابات التي طالت السوق النفطية العالمية وسياسة الاحتكار والتمركز جعلت الكثير من المنافذ الإعلامية السعودية تجد نفسها إما مفلسة أو على شفير الإفلاس كما يجهر بذلك المسؤولون في إدارتها.

رغم أن صحيفة "الجزيرة" السعودية التي تصدر عن "مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر"، تُمثِّل واحدة من أقدم العناوين الصحفية السعودية التي تأسست في العام 1972 والأكثر انتشارًا في الداخل السعودي، ورغم ملاحقها الأسبوعية المتخصصة وامتلاكها لعينة وازنة من الأقلام في الداخل السعودي والعربي والدولي وجرأتها في نشر أرقام مبيعاتها في صدر صفحاتها(13)، فإن رئيس تحريرها، خالد بن حمد المالك، لم يجد بدًّا من دق ناقوس الخطر بشأن مستقبل الصحافة المكتوبة في السعودية. فعبر عموده اليومي بالصحيفة دعا كلًّا من الملك سلمان وولي العهد محمد بن سلمان "لإنقاذ الصحافة المحلية من مخاطر الإغلاق". وتحت عنوان "بيني وبين الصحافة.. الخوف عليها!"(14)، اعتبر خالد أن المؤسسات الصحفية التاريخية في السعودية تواجه بعد خمسة عقود من انطلاقتها مصير الإفلاس وأن الصحفيين يتهددهم شبح العطالة جرَّاء تراجع الإعلانات التي كانت على الدوام مصدر استمرار هذه الصحف، ولأن المؤسسات الصحفية بنظره استكملت كافة سبل الترشيد وسياسة التقشف المالي المطلوبة، فإنه لم يبق سوى تدخل الملك وولي العهد لإنقاذ الوضع.

وردًّا على صرخة الإنقاذ التي عبَّر عنها خالد بن حمد المالك، كتب الصحفي السعودي، أحمد عبد الرحمن العرفج، في صحيفة المدينة، "مناشدة لإنقاذ الصحافة من تيار الموت". فتحت عنوان لا يخلو من حذاقة "يا أهل الحصافة أدركوا الصحافة"، دعا العرفج إلى "إنقاذ الصحافة السعودية من تيار الموت قبل الإعلان عن وفاتها"، معتبرًا أن ما تعيشه الصحافة المكتوبة في الداخل السعودي أشبه ما يكون بحالة الموت السريري، وفي حالة عدم التدخل السريع سيتم الإعلان الرسمي عن وفاتها، وأن المملكة العربية السعودية ستفقد أحد مبررات وجودها؛ لأن هذه الصحافة تُمَثِّل "نبض الشارع السعودي ولسان المواطن وصوت الشعب، رغم ما يعتري هذا الصوت من الامتداد والتَّقلُّص أو من ارتفاع هامش الحرية أو انخفاضه"(15).

وكانت مؤسسة عكاظ للصحافة والنشر قد أعلنت هي الأخرى عن إغلاق "صحيفة النادي" الرياضة، وتسريح جميع موظفيها. كما أن إدارة صحيفة الشرق "التي تصدر في الدمام أقدمت على وقف الطبعة الورقية والاكتفاء مؤقتًا بالصحيفة الإلكترونية في محاولة لتقليل النفقات".

إن العنصر المشترك الذي يوحِّد هذه التجارب الصحفية هو أن الأزمة المالية التي طالت المؤسسات الإعلامية في الداخل السعودية مرتبطة بتراجع الإعلانات التي ظلت تشكِّل موردها المالي الأول. ويُعزا هذا التراجع بدوره إلى أن أصحاب الشركات التي تقدم الإعلانات كانوا من بين الأمراء ورجال المال والأعمال الذين اعتُقلوا من قِبَل الأمير محمد بن سلمان فيما سُمي بـ"حملة مكافحة الفساد"، وهو ما يعني أن الإعلام السعودي كان أول ضحية لهذه الحملة، وهذا ما عبَّر عنه الأمين العام لهيئة الصحافيين السعوديين ونائب رئيس التحرير السابق لصحيفة الرياض، عبد الله الجحلان، الذي اعتبر أن "الصحافة الورقية تعاني مشكلات كثيرة، وأن هناك تراجعًا كبيرًا والشواهد عليه كثيرة. فالصحف قلَّلت عدد صفحاتها إلى النصف تقريبًا، والسبب هو تراجع الإعلانات بشكل كبير وأن دخل صحيفة واحدة قبل سنوات يفوق دخل كل الصحف مجتمعة حاليًّا، وهذا سيؤثِّر في استمراريتها"(16). من هذا المنظور، يتبيَّن أن الصحافة السعودية المكتوبة تمر بمرحلة عصيبة ما دامت "صحف الشرق ومكة والوطن والمدينة والبلاد، تعاني ديونًا كثيرة تهدد استمراريتها، وأن هناك خططًا لتحويل بعضها لصحف إلكترونية لتجنب دفع تكاليف الطباعة والورق، والتوزيع، بخاصة أن الطباعة والتوزيع يكلِّفان دولارًا واحدًا للنسخة الواحدة، فيما تباع النسخة الواحدة بنصف التكلفة"(17).

والملاحظ أن هذه الأزمة المالية أصابت حتى القنوات الفضائية السعودية أو تلك التي تتبع لدول الحصار خلال السنتين الماضيتين؛ فقد أقدمت قناة العربية التابعة لمجموعة "إم بي سي" على عملية تسريح جماعي طالت عددًا كبيرًا من الصحفيين والفنيين والإداريين من أصحاب الرواتب العليا الذين كانوا يعملون في القناة منذ تأسيسها. وفيما تتباين الأرقام بشأن العدد النهائي للأشخاص الذين شملتهم عملية التسريح بالقناة، ومدى استمرار سياسة التسريح الجماعي، فإن ذات الحملة شهدتها قناة "سكاي نوز عربية" المملوكة للإمارات، والتي قامت هي الأخرى بحملة تسريح طالت عددًا من المديرين والصحفيين والفنيين وحتى المذيعين. وبصرف النظر عن التفسيرات المتباينة التي واكبت هذه الحملات بين الأسباب التحريرية والمالية، فالواضح أن النزوع نحو مزيد من التمركز المالي وهيمنة الخطاب الواحد دفع المشرفين على الإعلام السعودي إلى إزاحة الأصوات المعارضة، أو تلك التي انتهت مدة صلاحيتها ووجب تغييرها بأصوات ووجوه جديدة.

3. خطاب الهيمنة 

دون الدخول في التفريعات الكثيرة والمتباينة لنظريات الخطاب، نجد أن المنظور التحليلي للخطاب لدى أستاذ اللغة في الحياة الاجتماعية، نورمان فيركلوف (Norman Fairclough)، يقوم على أن ماهية الخطاب ووظيفته تتحدد في "اللغة المستخدمة باعتبارها تمثيلًا للممارسة الاجتماعية من وجهة نظر معينة؛ وأن أي خطاب يُحيل على مجموعة أشكال التواصل الإنساني سواء أكان خطابًا لغويًّا أو خطابًا صوريًّا (من الصورة) وجميع الممارسات الاجتماعية. في حين أن وظيفة أي خطاب تتحدد في مدى تشكيل أو إعادة إنتاج الهويات الجماعية والعلاقات الاجتماعية من خلال اللغة. وحينما تتحقق هذه الوظيفة، فإن كل خطاب يصبح حينها جزءًا من نظام خطابي أكبر داخل مؤسسة معينة أو مساحة معينة من المجتمع"(18)، وبالتالي تتحدد الدلالة العامة للخطاب باعتباره "ممارسة اجتماعية محددة تعبِّر عن وجهة نظر خاصة بأفراد أو جماعات، في حين أن الغاية من إنتاج هذا الخطاب، هو بناء معرفة جديدة، أو صياغة موقف محدد حيال قضية خلافية(19). وهذا ما يجعل من كل ممارسة خطابية "نظامًا اجتماعيًّا يقوم بالضرورة على جدلية البناء والهدم، ومجالًا للصراع الاجتماعي والسياسي باعتباره أحد مجالات الهيمنة الثقافية والأيديولوجية"(20).

إن المتتبِّع لتحولات الخطاب الإعلامي السعودي في السياق الراهن، لابد أن يلاحظ أن هذا الخطاب تميز منذ الصعود السياسي لولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، بالنزوع العلني والمكشوف نحو التمركز حول شخصية الفرد الواحد مُمَثَّلًا في الأمير الجديد الذي بات يتحكَّم في دواليب العملية الإعلامية بعدما تمكَّن من الهيمنة على العملية السياسية في البلاد، بُعيدَ إزاحة خصومه داخل الأسرة المالكة. وما عملية اعتقال رجالات الإعلام السعوديين الذين احتكروا المشهد الإعلامي العربي لأكثر من ثلاثة عقود من الزمن، ومنهم صالح كامل ووليد الإبراهيم والوليد بن طلال، وقيامه بتصعيد أسماء جديدة موالية له كداوود الشريان الذي تم تعيينه في العام 2017 رئيسًا لهيئة الإذاعة والتليفزيون السعودي، وتركي الدخيل الذي عُيِّن مديرًا عامًّا لقناة العربية وقناة الحدث، في يناير/كانون الأول 2015، وجميل الذبياني الذي عُيِّن في رئاسة تحرير جريدة عكاظ في ديسمبر/كانون الأول 2015، وسعود القحطاني الذي أصبح في العام 2015 يقوم بوظيفة مستشار بالديوان السعودي ورئيس لاتحاد الأمن الإلكتروني والبرمجيات في العام 2017، وعادل الطريفي وزير الإعلام السعودي السابق، ومشاري الذايدي الصحفي بجريدة الشرق الأوسط وصاحب برنامج يومي على قناة العربية، لتدبير المشهد الإعلامي في الداخل والخارج، إلا آلية لتفسير هذا التمركز الذي يؤكد مقولة هيمنة الفرد الواحد والخطاب الواحد على الخطاب الإعلامي السعودي في الداخل والخارج.

ورغم هذه الصورة الظاهرة التي تميز الخطاب الإعلامي السعودي، فإن هناك أصواتًا كانت قريبة من الدائرة الضيقة لصناعة القرار السعودي خلال السنوات الخمس الماضية، تمضي أبعد من هذا الطرح من خلال التأكيد على "أن الأمير محمد بن سلمان كان يسيطر على جميع وسائل الإعلام الممولة سعوديًّا قبيل حملة الاعتقال التي طالت رجال الإعلام السعوديين إلى جانب أكثر من ثلاثمئة من أفراد العائلة المالكة وكبار المسؤولين ورجال الأعمال الأثرياء المتهمين بالفساد"(21)، وأن محمد بن سلمان كان يُحْكِم قبضته بشكل كامل على الإعلام السعودي بكل أشكاله الإخباري والترفيهي والسياسي قَبل الشروع في حملته الشهيرة ضد الفساد، و"على مدى سنتي 2016 و2017، أجرى فريق الاتصالات الخاص بمحمد بن سلمان حملات لتخويف أي شخص يختلف معهم، وأن سعود القحطاني، المستشار الإعلامي لولي العهد يتوفر على "قائمة سوداء بأسماء" الإعلاميين غير المرضيِّ عنهم"(22). وبذلك يتبيَّن أن السياسة الإعلامية الموجِّهة لأغلب وسائل الإعلام الممولة سعوديًّا، تقوم على هيمنة الخطاب الواحد الذي يخدم وجهة واحدة ليست إلا سياسة الأمير محمد بن سلمان. ولتحقيق هذا الرهان، تم اعتماد جيش إعلامي من الصحفيين السعوديين وغير السعوديين العاملين الذين يشتغلون لحساب الأمير بهدف بناء إمبراطورية إعلامية غايتها الأولى تسويق "رؤية السعودية 2030" للخارج والتأثير في الرأي العام العربي على المدى المتوسط والبعيد.

ولأن الدراسة تتناول رؤية وسائل الإعلام الممول سعوديًّا للأزمة الخليجية والصراع الرمزي بين دول الحصار وقطر، فلن تعوزنا النماذج التحليلية التي توضح ذات المنزع الخطابي القائم على الهيمنة والتَّحكُّم: 

أولًا: ففي مقابلة تليفزيونية حصرية أجراها وزير الثقافة والإعلام السعودي، عواد العواد، مع قناة روسيا اليوم، اعتبر أن "الخلاف مع قطر هو خلاف سياسي وأمني، وهو مرتبط بملفات التطرف والإرهاب.. وأن الجانب الإعلامي في أزمة قطر مرتبط بقناة الجزيرة، لا باعتبارها قناة إعلامية ولكن باعتبارها قناة تروِّج للتطرف وتستضيف الإرهابيين وتدعو للفرقة وعدم الاستقرار في المنطقة. وهنا نتحدث عن قناة لديها أجندة سياسية هدفها الأساسي التأثير على الاستقرار وزعزعة الأمن في دول متعددة.. اليوم، الأمور تغيرت وما كان مقبولًا من قناة الجزيرة منذ سنوات لم يعد مقبولًا اليوم"(23).

فتصريح المسؤول السعودي الذي يفترض أن يكون المعنيَّ الأول بتصريف السياسة الإعلامية للدولة، يقدِّم تأطيرًا عامًّا لصلب الأزمة السياسية في أبعادها الزمنية الثلاثة. فهو يقر بأن الصراع بين قطر ودول الحصار هو صراع سياسي وأمني؛ وهو صراع ممتد تاريخيًّا. والغاية من هذا الملفوظ الخطابي هو محاولة استمالة الرأي العام العربي والدولي ضد قطر. في حين أن الشق الإعلامي في الصراع هو بين إعلام دول الحصار من جهة وقناة الجزيرة التي تتهمها هذه الدول بالترويج للتطرف واستضافة الإرهابيين والدعوة للإرهاب، وأن لديها أجندة سياسية وظفتها ولا تزال توظفها لزعزعة الاستقرار في دول متعددة. وإذا كان الصراع السياسي الخليجي معروفة أسبابه منذ تسعينات القرن الماضي، فإن المسكوت عنه في مضمرات الخطاب بكون الجزيرة تمثِّل "قناة الإرهاب والإرهابيين وأنها مصدر زعزعة استقرار العديد من الدول العربية" يحتاج أكثر من قراءة وتوضيح. فإشارة المسؤول السعودي إلى أن الجزيرة مسؤولة عن زعزعة الاستقرار في البلدان العربية، إلى جانب أنه يتضمن اعترافًا صريحًا بهشاشة النظم السياسية الحاكمة في هذه الدول، فإنه يتضمن إحالة مباشرة إلى ثورات الربيع العربي باعتبارها النقطة الخلافية التي أعطت الصراع بين إعلام دول الحصار والجزيرة بُعدًا مختلفًا. وهو ذات البعد الذي سيتفجر أكثر مع حدث قرصنة موقع وكالة الأنباء القطرية وما استتبعه من أحداث أخرى.

إن عملية الرصد والمتابعة لمحتوى الخطاب الإعلامي العربي خلال الثورات العربية عمومًا، توضح للدَّراس والمتلقي أننا كنا بصدد خطاب إعلامي واحد تتقاطع حوله كل القنوات العربية بما في ذلك الجزيرة والقنوات التابعة لدول الحصار، خاصة العربية وسكاي نيوز والإخبارية السعودية. والأمر نفسه على مستوى الإعلام المكتوب في صحيفة الشرق الأوسط ومجلة المجلة وحتى الصحف المحلية مثل عكاظ والوطن والخليج الإماراتية والسياسة الكويتية. ففي بداية الثورات العربية انخرطت جميع هذه الوسائل الإعلامية في تغطية التطورات الميدانية والسياسية للثورات العربية باعتبارها حدثًا غير مسبوق في المشهد السياسي والإعلامي العربي، لكن بعد صعود التيار الإسلامي إلى الحكم خاصة في مصر وتونس، تغيرت اتجاهات الخطاب الإعلامي لدول الحصار وانحرفت عن المسار السابق(24)، ومن ثم فالصراع السياسي والإعلامي الذي بدأ منذ تسعينات القرن الماضي، شهد لحظة تحول حاسمة خلال ثورات الربيع لتكتمل صورة الصراع مع قرصنة موقع وكالة الأنباء القطرية وإعلان الحصار الشامل على دولة قطر.

لكن ما يستوقف أكثر في خطاب المسؤول السعودي، هو أن ما كان مسموحًا به من قِبَل دول الحصار لقناة الجزيرة في السابق، أي خلال 2011 وما بعدها، لم يعد كذلك اليوم. وفي التصريح إقرار ضمني بأن دول الحصار خاصة السعودية دخلت مرحلة تحول سياسي جديد، وهي مرحلة الأمير محمد بن سلمان التي تمثِّل محصلة مجموعة من العناصر المتداخلة التي أوعزت بتبني سياسة مغايرة عن السابق. فالتراجع الكبير الذي طال مرافق الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمملكة جرَّاء الانخفاض الكبير لأسعار النفط لما دون 100 دولار للبرميل، وصدور تقرير ماكنزي عن المستقبل الاقتصادي والسياسي للبلاد، أسهما في عملية التسويق الإعلامي والسياسي لشخصية محمد بن سلمان باعتباره "رجل المرحلة القادر على إنقاذ السعودية من الانهيار"، وأن هذا التغيير ما كان ليتحقق إلا عبر صدمة سياسية في الداخل تواكبها سياسة إعلامية جديدة تقتضي الهيمنة على المشهد الإعلامي إقليميًّا وعربيًّا، والحجر على دولة قطر باعتبارها دولة صغيرة جغرافيًّا وخارجة على الإجماع الخليجي، وإسكات صوت الجزيرة المزعج عبر ذريعة تهمة الإرهاب وزعزعة الاستقرار في دول العالم العربي".

ثانيًا: ذات المنطق الخطابي نجده متداولًا في العديد من المواد الإعلامية التي تقدمها وسائل الإعلام التابعة لدول الحصار؛ ففي قناة العربية، التي تمثِّل المنفذ الإعلامي الأول لمنافسة الجزيرة على التأثير، وخلال إحدى حلقات برنامج "مرايا" الذي يُعِدُّه الصحفي السعودي، مشاري الذايدي، صاحب العمود اليومي في صحيفة الشرق الأوسط، نجده يتساءل: "لماذا الخلاف مع قطر؟"(25)، ويقدِّم الإجابة من خلال الدفع بأن هذا الخلاف ليس بين قطر والسعودية، ولا بين قطر ودول الخليج، ولكنه خلاف قَطَري-عربي بدعوى حضور مصر كطرف مركزي في الصراع. وفي هذا الأمر اعتراف بأن الأزمة الخليجية تشكِّل حلقة لاحقة مرتبطة بسياق أكبر يتمثَّل في تباين المواقف السياسية والإعلامية من ثورات الربيع العربي ونتائجه المرتبطة بصعود تيار الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم في بلدان عربية عبر صناديق الاقتراع خاصة في مصر. وبالتالي، فمعركة دول الحصار اليوم بنظر مشاري الذايدي هي مع "شبكات تنظيم الإخوان في العالم وليس مع قطر أو شعبها"، لكن الإشكال الأكبر في نظره هو "أن الدولة أو النظام في قطر ذابا في مياه الإخوان وصار من العسير التمييز بين الماء والزيت؛ ومن هنا تصبح مواجهة المكابرات القطرية هي مواجهة مع الإخوان ومن يحالف جماعة الإخوان. وفي مقدمة حلفاء الإخوان على مستوى العالم هي الجماعة الخمينية وثلة من موتوري اليسار العالمي"(26). عبر هذا النموذج التحليلي ونماذج أخرى كثيرة ومتعددة، نجد أن مُنْتِج الخطاب، مشاري الذايدي، لا يتوانى عن تكرار ذات الخطاب سواء في برنامج "مرايا" على قناة العربية أو في عموده اليومي في صحيفة الشرق الأوسط(27)؛ وهو يسعى بذلك لتأكيد منطق حَدِّي يقوم على تعميم الأحكام والتركيب بين عناصر متنافرة واستدعائها لشَيْطَنَة الآخر وذلك وفق مستويين اثنين:

أ‌- مصادرة خيارات الشعوب العربية التي تعيش للسنة السابعة على التوالي حيرة متواصلة بين التطلعات الشعبية وعودة الديكتاتوريات، والتصدي للتيار الإخواني بالرغم من أنه شكَّل في لحظة تاريخية خيارًا انتخابيًّا تم التعبير عنه شعبيًّا بصورة ديمقراطية. 

ب‌- تحجيم الدور القطري والسعي للسيطرة على استقلال القرار السياسي والسيادة الوطنية من خلال فرض توجه سياسي يقوم على نقد وانتقاد أي تقارب محتمل مع إيران، باعتباره تحالفًا مع دولة الملالي ضد مصالح دول الخليج. وفي ذات الوقت هو تحالف مع فيلق القدس وحزب الله ونظام بشار الأسد. وهذا الربط يقود صاحبه إلى أن معركة دول الحصار "تتجاوز قطر وإن كانت تبدأ منها" وأن الحل يكمن في "إيفاء قطر بالتعهدات".

ثالثًا: ذات المنطق التحليلي الحَدِّي أيضًا، نجده لدى الإعلامي جميل الذيابي، رئيس تحرير صحيفة عكاظ. ففي عموده اليومي "جدار الماء" وفي مقاله المعنون بـ"خيبة الدوحة ووساطة الكويت"، اعتبر أن هناك انحيازًا كويتيًّا لموقف قطر في خلافها مع دول الحصار؛ وأن الوساطة الكويتية محكوم عليها بالفشل، لأن أمير الكويت لم يكن واضحًا بشأن القضايا الخلافية الكبرى في منطقة الخليج، ولم تعتمد الصرامة المطلوبة تجاه ممارسات قطر"(28). وفي هذا التوجه، يُلاحَظ أن هناك مصادرة مقصودة على فعل الوساطة باعتباره بحثًا عن حل جديد من طرف ثالث مستقل. ولأن هذا الموقف لم يحظ بقبول قرَّاء العمود الذين رفضوا مقاربة الذيابي، وما جاء من اتهامات في حق أمير الكويت، لم يجد الذيابي بدًّا من التأكيد على أن "أن المطالب الثلاثة عشر والمبادئ الست ليست مطالب خليجية وإقليمية فقط، بل في حقيقتها مطالب أممية من ضمن مبادئ المعاهدات الدولية بشأن محاربة الإرهاب"(29). واللافت للنظر أن المقولات البانِيَة لخطاب الذيابي في عموده اليومي بصحيفة عكاظ، تجد تمظهراتها في إحدى مداخلاته التليفزيونية على "قناة الحدث"، وهي خدمة إخبارية تابعة لقناة العربية، حيث يمضي إلى أن "النظام في قطر يرقص رقصة الموت" معتبرًا أن "إسقاط النظام في قطر يمثِّل خطوة جديدة نحو التصحيح ونحن في اتجاه إسقاط النظام، وأن دول الخليج بصدد مرحلة حرجة من حياة قطر والقطريين"(30).

ومن خلال هذه النماذج الخطابية التمثيلية الثلاثة وأخرى كثيرة، يمكن أن نستنتج الآتي:

- البنية الدلالية للخطاب الإعلامي الممول سعوديًّا تتحدد في كونها بنية ثابتة لكن بتمظهرات متعددة.

- هناك ضرب من التواطؤ بين مُنْتِج الخطاب الإعلامي السعودي ومواقف ورؤية الأمير الجديد على مستوى المحلي والإقليمي والدولي. 

- تتمحور الوظيفة المركزية لهذا الخطاب حول فكرة واحدة تقوم على التَّحكُّم والهيمنة. وبالتالي، فالمسكوت عنه في جميع النماذج التمثيلية السابقة هو أن "قطر هذه الدولة الصغيرة جغرافيًّا تملك طموحًا جامحًا. ولهذا السبب تحديدًا وجب إسقاط نظام الحكم في قطر بشتى الطرق والوسائل والتحكم في قواها الناعمة"، وهو المضمون الذي نجده أيضًا صريحًا وبأسلوب دعائي في منصات مختلفة (عكاظ والرياض..)؛ تُوظَّف فيه أصوات وجهات ممالئة.

وهذه التخريجات هي ذاتها التي عبَّر عنها صاحب موقع ويكيليكس، جوليان أسانج، في تغريدة على حسابه الخاص من داخل مقر سفارة الإكوادور بالعاصمة البريطانية؛ حيث أكد "أن وسائل الإعلام السعودية تستخدم كل الحيل ضد قطر، وأن قناة العربية تنشر مواد إعلامية مُفَبْرَكَة بشكل متزايد مع تصاعد الأزمة القطرية"(31).

فهذه الشهادة المقدمة من الخارج في حق وسائل الإعلام السعودية عمومًا، وقناة العربية على وجه التحديد، تؤكد أننا بصدد تجارب إعلامية سعودية متعددة يتم توجيهها لخدمة مشروع الأمير الجديد في السعودية، وأن هذا المشروع يقتضي تحقيق معادلة كبرى تتمثَّل في إزاحة من يعتبرهم خصومًا لتطبيع الجبهة الداخلية اقتصاديًّا وسياسيًّا وحتى اجتماعيًّا، ومحاولة كبح السياسة القطرية وإسكات صوت الجزيرة. لكن يبدو أن تأكيدات جوليان أسانج بأن قناة العربية "تلجأ للفبركة مع تصاعد الأزمة"، وأنها قامت بنسبة القول إليه على غير الحقيقة بأن "قطر دفعت أموالًا طائلة لموقعين إخباريين حتى لا تنشر أخبارًا عن قيام قطر بدعم عدد من الإرهابيين المطلوبين من الولايات المتحدة"(32)، يوضح أن أزمة الخطاب الإعلامي الممول سعوديًّا تجد دلالتها العامة في "مركب النقص" الذي تمت مراكمته منذ انطلاقة الجزيرة في تسعينات القرن الماضي وعدم قدرة القنوات الأخرى على منافسة مهنيتها التي تُسْتَمَدُّ من هامش الحرية والاستقلالية بين الوسيلة والمالك. وبهذا يصبح اللجوء إلى الفبركة الإعلامية محاولة للتغطية على نقص قائم وضربًا من الممارسة المضللة والتضليلية التي تسعى لإخفاء حقيقة معينة لا يريد منتج الخطاب أن تصل إلى الجمهور وبناء عالم غير حقيقي. وهنا، تصبح مقولات دعم الإرهاب ووحدة الصف الخليجي ومحاربة الفكر الإخواني مجرد انزياحات لغوية ودلالية ومعرفية، أو إسقاطات فردية أو جماعية مدروسة بعناية ومخطط لها بدقة متناهية، وفق برنامج عملي يقوم به فريق موحد ومتجانس بهدف إخفاء حقيقة سياسية واقتصادية ضاغطة لخلق تأثير إعلامي جديد من أجل التأثير الأكبر على ثقافة الرأي العام العربي والدولي، أو إحلال ثقافة جديدة مكانها(33). وبهذا التناول، نخلص إلى أن الجانب المسكوت عنه في الخطاب الإعلامي لدول الحصار هو أن الإسقاط الواعي لتهم الإرهاب وتمويل المشاريع الجهادية، يمثِّل في واقع الأمر، محاولات لإخفاء حقائق كبرى مرتبطة بوجود انتحاريين سعوديين ضمن انتحاريي تفجيرات 11 سبتمبر/أيلول 2011 ومساعي الكونغرس الأميركي لاعتماد قانون جاستا.

وفي مسعى للوقوف على المسكوت عنه في الخطاب الإعلامي المواكب للأزمة الخليجية، ذهب أنتوني هاروود (Anthony Harwood)، إلى أن التشخيص الحقيقي للصراع الخليجي هو أن "السعودية تستخدم جميع الأذرع الإعلامية للنَّيْل من قطر عبر التهديد بإسقاط النظام الحاكم أو عبر الأخبار الكاذبة والتضليل"(34)، وأن الصراع بين الفريقين صراع متعدد ومفتوح على أكثر من جبهة. في حين أن "الخلاف ليس على الجزيرة وإنما في محاولة فرض صوت إعلامي واحد والهيمنة على جميع المنافذ الإعلامية أو جعلها تابعة للصوت السعودي". ولتفنيد تهمة دعم القناة للإرهاب وزعزعة الاستقرار السياسي في الخليج، تساءل الصحفي البريطاني: "ماذا سيحدث إذا ما وافقت قطر على غلق الجزيرة مقابل إغلاق قناة العربية". فهذا السيناريو بنظره يظل غير مقبول ولا مبرر له، لأن هناك فرقًا شاسعًا بين الجزيرة التي تمثِّل "مؤسسة إخبارية محترمة" والعربية التي تقدم صورة عن "قناة غير عقلانية"(35).

4. رهان الأيديولوجيا: الوسيلة والغاية 

عادة ما يتم تناول مفهوم الأيديولوجيا في الثقافة السياسية والإعلامية العربية باعتباره مفهومًا سالبًا يتضمن حزمة من الأحكام القيمية التي تستند على معرفة غير علمية أو وعي زائف حيال قضية معينة. في حين أن الأصول المعرفية الأولى للمفهوم تحيل على "جملة من الأفكار والقناعات والمعتقدات التي توحِّد مجموعة بشرية للتعبير عن احتياجاتها ورغباتها"(36). وبهذا المعنى، فكل أيديولوجيا "تقدِّم منظورًا خاصًّا للعالم أو الكيفية التي يتم عبرها بناء هذا العالم معرفيًّا، وكل خطاب إعلامي يحمل أيديولوجيا تؤطره عبر مجموع مقولاته الخطابية التي من خلالها يتم التواصل مع المتلقي لتحقيق الأهداف التي يبتغيها مُنْتِج الخطاب"(37). وقد يحدث أن يكون للخطاب الواحد أيديولوجية واحدة يدافع عنها، وأحيانًا نكون بصدد أكثر من أيديولوجيا تتصارع داخل الخطاب الواحد. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما الأيديولوجيا الـمُؤَطِّرَة لخطاب الإعلام الممول سعوديًّا؟ وكيف أمكن لهذه الأيديولوجيا أن تؤثر في المخرجات العامة لهذا الخطاب الإعلامي؟

إن الصورة الغالبة على المشهد الإعلامي الممول سعوديًّا، تفيد بأننا إزاء شبكات إعلامية تتبنى بصورة صريحة خطابًا ليبراليًّا ينهل من الأيديولوجيا الليبرالية في أصولها الغربية بعد محاولة تكييفها مع الخصوصية السياسية والدينية للمجتمع السعودي(38)، وما الشبكات والقنوات الترفيهية من إذاعة وتليفزيون العرب وقنوات روتانا، وقنوات خليجية، إلا أمثلة لتوضيح هذا الاختيار. كما أن الإدارات المتعاقبة على القنوات الإخبارية لا تتردد في التأكيد على تبني ذات السياسة الإعلامية وترجمتها على مستوى المواد التي تبثها(39). ويجد هذا التوجه الإعلامي مرجعيته في المجتمع السعودي نفسه، حيث يلاحظ أن "التيار الليبرالي واسع الانتشار في المملكة العربية السعودية بالرغم من الواجهة الدينية القائمة على حضور السلفية الوهابية كأيديولوجيا موجهة لسياسة المملكة منذ تولى آل سعود سدة الحكم بتحالف مع الداعية الشيخ، محمد بن عبد الوهاب، في مجتمع بلاد الحرمين"(40).

وبالنظر إلى التنافر الموجود بين الأيديولوجيا الليبرالية والأيديولوجيا الوهابية جرَّاء تبيان المرجعيات والأهداف التي تميز كل أيديولوجيا على حدة، فإن القائمين على السياسة الإعلامية للإعلام الممول سعوديًّا يجدون عددًا من المبررات التي تعمل على ضمان حالة التساكن والتعايش بين هاتين الأيديولوجيتين، ما دامت هذه المؤسسات الإعلامية تضطلع بوظائف محددة سلفًا تقوم على تقاسم الأدوار بين الداخل والخارج. وهذا ما نجده مثبتًا في وثيقة مسربة عن السفارة الأميركية في العاصمة السعودية، الرياض، حيث تم التأكيد والبرهنة على أن سياسة إنشاء شبكات القنوات الترفيهية المملوكة للأمراء السعوديين كانت بهدف التأثير والتحكم في الشباب السعودي؛ وأن هذه القنوات نجحت في تحقيق درجات كبرى من التأثير الواسع على جيل الشباب ما بين 14-18 سنة. هذا في الوقت الذي تم فيه توجيه القنوات الإخبارية خاصة قناة العربية لمخاطبة الجمهور العربي ومقاومة نفوذ قناة الجزيرة(41). وبذلك يتكشف أحد محددات الأيديولوجيا الموجهة للإعلام الممول سعوديًّا؛ حيث القنوات الترفيهية موجهة في المقام الأول للشباب السعودي ومن بعده الشباب العربي، في حين أن قناة العربية وباقي القنوات الإخبارية الأخرى وبعض الصحف خاصة الشرق الأوسط والحياة تم توجيههما للخارج.

إن المتابع لحضور الأيديولوجيا الوهابية في وسائل الإعلام الممول سعوديًّا، سيلاحظ أن هذا الحضور يأتي دومًا مغلَّفًا ومقترنًا برفض ومعاداة الفكر الإخواني، ورغم أن هذا الموقف معروف منذ سبعينات القرن الماضي، فإن الأزمة الخليجية أوضحت بصورة جلية معالم هذا الاتجاه. ويمثِّل الشيخ الأردني الأصل الإماراتي الجنسية، وسيم يوسف، أحد الوجوه الدينية والإعلامية المعروفة في وسائل إعلام دول الحصار. فقد استغل إطلالته اليومية على قناة أبوظبي الإماراتية ليقدم حلقة خاصة بعنوان "الإعلام القطري ودعاة الفتنة"(42)، في 11 يونيو/حزيران 2017، أي بعد أيام قليلة من قرصنة وكالة الأنباء القطرية، في 23 مايو/أيار 2017، وخلالها قام بما أسماه عملية مسح تاريخي شامل "للإعلام اليهودي منذ عهد الرسول محمد (صلَّى الله عليه وسلَّم) إلى عهد الإعلام القطري وخاصة قناة الجزيرة" معتبرًا أن "ما قامت به قناة الجزيرة في دول الربيع العربي يعتبر فتنة"(43). ولأن الفتنة أشد من القتل كما في النص القرآني، فإن هذا الادِّعاء يحتاج أكثر من بيِّنة وإلا عُدَّ باطلًا. فالميزة الأساس التي طبعت الثورات العربية، هو أنها كانت اختيارًا شعبيًّا وعفويًّا، وأن الشعوب خرجت بمحض إرادتها للشارع، في حين أن قناة الجزيرة نقلت هذه الأحداث كما نقلتها بقية القنوات العربية والدولية، بما في ذلك قناة العربية الممولة سعوديًّا. لكن حكم الشيخ وسيم بأن "رجال الدين من الإخوان المسلمين هم سبب الفتنة" وأن الجزيرة هي "مصدر لنشر هذه الفتنة" فيه الكثير من التعميم والتعويم. فالبيِّنة الوحيدة التي يقدمها الشيخ وسيم، هي أن قناة الجزيرة ما دامت تنقل هذه الأحداث فإنها بذلك "تتماهى مع الفكر الإخواني وفكر التنظيمات الجهادية المسلحة"، وبالتالي "وجب التصدي لها ولجميع الأحزاب السياسية في الدول العربية التي تتبنى أو تتقاطع مع الفكر الإخواني في اليمن أو الكويت وتونس ومصر"(44).

وما يستوقف أكثر في تحليل الشيخ يوسف وسيم هو هذا المزج الكلي بين ما هو ديني وسياسي، وتوظيف مقولات ومرجعيات الحقل الديني لخدمة أيديولوجيا آنية. ولأنه كان يعي جيدًا أنه يدافع عن أطروحة لا تحظى بقبول شعبي، فقد قام بطرح سؤال استنكاري على الهواء: "لماذا تتعاطفون اليوم مع قطر ومع الجزيرة ولا تتعاطفون مع ليبيا أو مصر أو سوريا، ودور قطر فيما آلت إليه أوضاع هذه البلدان؟" والجواب هو أن هذا السؤال الذي يعبِّر عن وعي شَقِي يسعى صاحبه للاستخفاف بعقول الناس، يؤكد أننا بصدد أطروحة غير منسجمة مع الخيارات العامة للشعوب العربية. وهذا التناول لوحده كاف لتوضيح الجانب الأبرز في أيديولوجيا الخطاب الإعلامي لدول الحصار والذي يقوم على تبني أي أيديولوجيا تبريرية طالما تخدم أهداف مالك الوسيلة الإعلامية، ليبرالية كانت أم إخوانية أم وهابية. ولهذا يتبين أن معاداة الشيخ وسيم للأيديولوجيا الإخوانية، ليس غاية بحد ذاتها وإنما وسيلة، بصرف النظر عن ماهية هذه الأيديولوجيا ووظيفتها الدينية والسياسية. 

وفي لقاء مع قناة الشاهد الكويتية حل الشيخ يوسف وسيم ضيفًا في حوار ذي اتجاه واحد، اختير له كعنوان "خيانة الإخوان المسلمين في الخليج"، وفيها يذهب إلى "ضرورة فضح الأيديولوجيا الإخوانية في دول الخليج العربي"، لأنها في نظره المسؤولة عن جانب كبير من الصراع الدائر في منطقة الخليج وعن انتشار الفكر التكفيري، كما أنها مسؤولة بذات القوة والدرجة عن تجنيد الشباب الخليجي في خلايا تنظيم الدولة بسوريا والعراق(45). وهذا الهجوم على الأيديولوجيا الإخوانية وتحميلها تبعات ما يقع في الخليج وحتى العالم العربي، يمثِّل في واقع الأمر تعويمًا للأزمة بدل وضع الإصبع على أساس الصراع. فهو يسعى إلى اعتماد ذات المنطق التبريري لإقناع الناس بأن قطر ومن ورائها "الأيديولوجيا الإخوانية" هي أصل الداء. والحال أن هذه المقاربة تمثِّل منظورًا واحدًا لا يمكن تعميمه كليًّا، وهو مرتبط بسياق سعودي داخلي.

ومعلوم أن وصول الأيديولوجيا الإخوانية لدول الخليج يعود لفترة الخمسينات من القرن الماضي، خلال القبضة الأمنية لنظام جمال عبد الناصر وملاحقته لقادة وعناصر جماعة الإخوان المسلمين، الذين انتقل بعضم لدول الخليج بحثًا عن ملاذات آمنة؛ وهذا ما جعل أنشطة هؤلاء ذات طابع تربوي فكري تربوي ودعوي ولم تكن تيارًا سياسيًّا يسعى إلى الخوض في الصراع على السلطة(46). لكن تبقى حالة الاستثناء التي سُجِّلت في المملكة العربية السعودية كانت في العام 1979بعد محاصرة الحرم المكي من قبل مجموعة جهيمان العتيبي التي امتدت لأسبوعين كاملين وخلَّفت مئات القتلى(47). فهذه التجربة غير المسبوقة للنظام السعودي وما واكبها من أحداث دامية ولَّد نوعًا من الرفض السعودي لكل ما هو إخواني في مقابل دعم الأيديولوجيا "الوهابية السلفية" والترويج لها سياسيًّا وإعلاميًّا. وعلى مدى أكثر من ثلاثة عقود كاملة عملت الدولة السعودية على تبني هذا النهج القائم على الرفض الكلي لكل ما هو إخواني في مقابلة دعم كل ما هو سلفي وهابي. لكن المفاجأة الكبرى جاءت في العام 2018 حينما أقدم الأمير محمد بن سلمان ضمن "سياسته الإصلاحية الجديدة" على التنصل كليًّا من مسؤولية الدفاع عن الخطاب الوهابي السلفي، واعتبره مخالفًا لروح الإسلام الذي عرفته المملكة العربية السعودية قبل أحداث الحرم المكي والتصدي لنظرية ولاية الفقيه الشيعية. ففي مقابلة مع صحيفة الواشنطن بوست ووسائل إعلامية أميركية أخرى، اعترف ابن سلمان أن "استخدام الفكر الوهابي من قِبَل النظام السعودي خلال العقود الثلاثة الماضية، كان بطلب من الحلفاء الغربيين، وأن تمويل المدارس الدينية والمساجد، الذي أسهم في انتشار الفكر الوهابي، استُخدم ضمن الحرب الباردة للوقوف ضد الاتحاد السوفيتي، واستخدام موارد المملكة ضمن هذه الحرب"(48).

بهذا التناول، يتبيَّن أن حضور الأيديولوجيا الوهابية الموجهة للخطاب الإعلامي السعودي، لم يكن اختيارًا شرعيًّا للدولة السعودية. فاعتمادها من قِبَل مؤسس الدولة السعودية تم وفق ظروف سياسية خاصة، وتبنيها من قبل النظام طوال هذه الفترة كان بإيعاز خارجي، وخلال لحظة الصراع الخليجي-القطري تم التخلي عنها بسهولة متناهية ضمن مشروع "الربيع السعودي الجديد" الذي يمثله الأمير محمد بن سلمان(49). وهذا التناول بدوره يقود إلى الاستنتاج بأن التعاطي مع هذه الأيديولوجيا كان يتم من خلال منظور تبريري يسعى لتبرير مواقف العائلة الحاكمة من أجل التحكم في المجتمع ومواجهة الخصوم السياسيين والأيديولوجيات المخالفة بما فيها الأيديولوجيا الإخوانية.

5. الدعاية والفبركة 

لكل خطاب إعلامي رسالة قيمية يريد مُرسِل الخطاب إيصالها للمتلقي وإقناعه بأبعادها المادية والرمزية. وبالتالي، فعملية البحث في المحتوى القيمي لأية رسالة إعلامية من شأنها أن تقود إلى استيعاب النظام القيمي الـمُؤَطِّر للرسالة الإعلامية من حيث بنيتها الخطابية ومقاصدها الأيديولوجية. والمتابع للمنتوج الإعلامي لدول الحصار سيلاحظ أن وسائل التواصل الاجتماعي كانت حاضرة بقوة منذ البداية الأولى للصراع، بل إن الدينامية العامة لتفاعل المواقف والخيارات جعلت من هذه الوسائل الوجه الكاشف لحقيقة الصراع والنظام القيمي الموجه لكل خطاب إعلامي على حدة. ولأن عملية التحكم في وسائل التواصل الاجتماعي مسألة غير قابلة للتحقق في السياق الإعلامي الجديد القائم على "سلطة التشبيك وديمقراطية المعلومة، وتلاشي هيمنة الدولة على الرسالة الإعلامية"، فقد أضحى بإمكان الفرد الواحد المالك لأبجديات التكنولوجيا أن يكون صانع الحدث والخبر معًا وناقله وناشره وسط الناس. ولعل هذا الوضع الإعلامي الجديد من شأنه أن يكون مدعاة لبروز نظام قيمي جديد قد يأخذ دلالاته العامة من خلال مقولات الكذب والتضليل والتهييج والتهريج والتعتيم والفبركة والتجريح والقذف.

شكَّل انسحاب قناة العربية من "هيئة البث البريطانية" (أوفكوم) التي تشرف على تنظيم سلوكيات محتوى المؤسسات الإعلامية في منطقة الشرق الأوسط والاتحاد الأوروبي(50) ضربة للإعلام الممول سعوديًّا، لأن الأمر أولًا يتعلق بقناة العربية التي تُقَدَّم باعتبارها لسان حال دول الحصار. وثانيًا: لأن الانسحاب جاء بناء على شكوى لوكالة الأنباء القطرية ضد قناتي العربية وسكاي نيوز لبثهما تصريحات مفبركة وكاذبة وليس لها أساس من الصحة نُسِبَت إلى أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، عقب تعرُّض موقع الوكالة للقرصنة. وإذا كانت عملية الانسحاب تؤكد ضمنيًّا تهمة القرصنة والفبركة، فإنها تُمَثِّل ضربة لإعلام دول الحصار والنظام القيمي الموجه للإعلام في هذه الدول. وهو ما من شأنه أن يضرب عنصري النزاهة الموضوعية اللذين تنشدهما جميع المؤسسات، ويضع قناتي العربية وسكاي نيوز خارج دائرة التنافس مع المؤسسات الإعلامية المعترف بها في المنطقة.

وبالعودة إلى بداية الأزمة التي اندلعت مع اختراق موقع وكالة الأنباء القطرية، يتضح أن السيناريو كان مرتبًا له بعناية، وأن "الجيش الإلكتروني لدول الحصار" هو من نفَّذ السيناريو. وهذا ما تؤكده العديد من المصادر والتحقيقات والتقارير الاستقصائية لجهات مختلفة؛ حيث اعتبر جمال خاشقجي "أن لدى ابن سلمان السيطرة الكاملة على البث والمحتوى الرقمي الذي يتم إنتاجه في المملكة وأن فريقه بإمكانه الوصول إلى "غوغل"، و"فيسبوك"، و"تويتر" وغيرها من المواقع، كما أن هذا الفريق يقوم بحملات مدبرة على مواقع التواصل الاجتماعي لدعم رؤيته عام 2030"(51)، وأن "الجيش الإلكتروني السعودي بقيادة سعود القحطاني"، قام بحملات سابقة ضد منافسي الأمير محمد بن سلمان داخل الأسرة المالكة وحملات أخرى تدعو إلى التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي"(52). وبالتالي فإن من يقوم بهذه الأعمال الجسام، لن يعدم الوسيلة لاختراق وكالة الأنباء القطرية وبعد ذلك شن حملات إعلامية متواصلة ومستمرة ضد قطر.

وتأكيدًا لما جاء في تصريحات خاشقجي، يلاحظ أن السياسة الإعلامية للإعلام المموَّل سعوديًّا اعتمدت منذ بداية الأزمة على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" باعتباره المنصة الإلكترونية الأكثر اعتمادًا لصياغة خطط "الحرب الإعلامية ضد قطر"، وتأليب الرأي العام الخليجي العربي والدولي ضدها. والجولة البسيطة بين محركات البحث في موضوع "الحرب الإعلامية لدول الحصار ضد قطر" من شأنها أن تقود إلى كمٍّ هائل من الأخبار والتعليقات والصور التي تختزل النظام القيمي الموجه لهذه العينة من الإعلام.

أحد نجوم هذه الحملات هو الصحفي السعودي رئيس تحرير صحيفة عكاظ، جميل الذيابي، الذي أكد بعد أيام قليلة من الحصار ونجاح دولة قطر في إيجاد بدائل للمواد الغذائية السعودية أنه "ليس من الطبيعي أن تعتاد المعدة القطرية بالسرعة المطلوبة المواد الغذائية التركية أو الإيرانية، فالعثمانيون لهم طريقتهم وثقافتهم، وكذلك الفرس. وأن قطر مجبرة تمامًا أن تعود ولابد أن تعود.... والشعب القطري يجب أن يتحدث مع حكومته ومع الأمير". فهذا التصريح التليفزيوني الذي تحول بسرعة فائقة إلى هاشتاغ/وسم تداوله السعوديون والخليجيون على نطاق واسع كل من موقعه(53) يختزل عملية تصريف المواقف السياسية عبر نشاط "الذباب الإلكتروني أو حرب التغريدات"، كما يعكس منظورًا عنصريًّا لوجهة نظر شخصية تسعى لشَيْطَنَة قطر. وكأن الوعي السياسي السعودي لم يكتف فقط بمحاصرة قطر الجارة، بل يسعى لإغلاق جميع المنافذ أمامها. وهنا تأتي عملية تبخيس الدور التركي/العثمانيون والإيراني/الفرس، وذلك في محاولة لفرض سياسة الأمر الواقع المحكوم بقانون الجغرافيا. ولم تقف الأمور عند هذه الحد، بل إن نشاط الذباب الإلكتروني امتد إلى النَّيْل من أعراض الأسرة الحاكمة في قطر. وهو ما يعكس أحد مظاهر السقوط الأخلاقي للإعلام الاجتماعي الممول من قبل دول الحصار؛ فالصراع السياسي أدواته وآلياته معروفة، لكن أن يتم التطاول على أعراض الأشخاص والنيل منهم عبر حملات القذف والتجريح والتشهير، فهذا التناول يكشف عن الفشل في المقارعة النزيهة واللجوء إلى الابتزاز السياسي عبر ليِّ عنق الحقيقة والترويج للكذب(54).

ولم تقف وظيفة الذباب الإلكتروني عند حدود الحملات الإعلامية للنيل من قطر، بل أضحى وسيلة لفرض ذات الوصاية الأبوية، لكن هذه المرة من خلال "وضع قوائم جديدة للإرهاب" يتم ضمنها تصنيف كل الأشخاص والهيئات السياسية والمدنية التي تنتقد سياسة السعودية، والأمير محمد بن سلمان، على أنها كيانات إرهابية أو مناصرة للإرهاب. فعبر تغريدات كثيرة ومتعددة لسعود القحطاني، المشرف العام على مكتب الدراسات والشؤون الإعلامية في السعودية، أكد وجود "أكثر من 23 ألف حساب مصطنع على تويتر لدعم قطر والإساءة للمملكة"، وبُثَّ تقرير تليفزيوني على قناة الإخبارية السعودية تحدث عن "دراسة موثوقة قام بها الجيش الإلكتروني السعودي"(55) لكشف حسابات لمنشقين سعوديين تفرغوا للدفاع عن قطر وأن مصدر هذه الحسابات جاء موزعًا بين قطر بنسبة 32% ولبنان 28% وتركيا 24% والعراق 12%. وإذا كانت الدراسة -كما جاء في التقرير- اعتمدت على نوعية المصطلحات المعتمدة في التغريدات وطرق الرد أو إعادة التغريد أو التفضيل أو حتى التغريد بذات التغريدة للتميز والتصنيف وإصدار الأحكام، فإن المنطق التحليلي المعتمد يوضح وجود "منظور أمني يؤطِّر العملية الإخبارية وطرق التعاطي مع وسائل التواصل الاجتماعي" داخل المنظومة العامة للإعلام الممول سعوديًّا، خاصة منصة تويتر التي أضحت وسيلة إعلام سياسي لشن الحملات بتصنيف المواقف والأشخاص ضمن قوائم الإرهاب التي أضحت تهمة سهلة ورائجة في العالم الافتراضي، حتى وإن لم يكن لها سند في العالم الواقعي.

خلاصة

تُظهر مجموعة النماذج التحليلية أعلاه، والوحدات الخطابية والسياقات الأيديولوجية المؤطرة لوسائل الإعلام الممول سعوديًّا، أننا بصدد نموذج إعلامي عربي خاص، يقوم على استمرارية "إعلام الولاء" كما كان معروفًا ومتداولًا في خمسينات وستينات القرن الماضي والذي يقوم على خدمة المنظور السياسي الواحد والفرد الواحد. وتكمن أزمة هذا الخطاب في كونه خطابًا غير مُؤَسِّس ولا مُؤَسَّس. فهو يمتلك مشروعيته فقط من خلال سلطة خارجية قهرية دون أن يتمكن من التأثير الحقيقي في مكونات الرأي العام لا داخل السياق المحلي أو الإقليمي ولا حتى الدولي. ولأن دول الحصار سعت لتحقيق نوع من "الاغتيال المعنوي للخصم" من خلال عملية العزل الشامل كفعل سياسي، فإن الخطاب المصاحب لهذا الفعل كشف عن نفسه من حيث هو خطاب إسقاطي يسعى للهيمنة على الخصم كما يتوهم من خلال التوسل بمقولات تستمد قوتها من لغة عدائية دون أن تصل إلى التحقق الفعلي على مستوى الواقع. في حين أن الأيديولوجيا البَانِيَة لهذا الخطاب تقوم على منطق تبريري يمزج بين الشيء ونقيضه، ويعتمد "الدعاية والتضليل والتدليس". وهذا ما يجعل منه خطابًا مأزومًا لا يسعى إلى بناء معرفة حقيقية بخصوص الآخر الصغير جغرافيًّا، بقدر ما يحاول النيل منه أو تدميره لأنه أضحى خصمًا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*د.عبد السلام رزاق، إعلامي وباحث في العلوم السياسية.

مراجع

(1)  سمير، أحمد، "إعلام الأمراء، كيف سيطر الإعلام السعودي"، الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، ص 26. (تاريخ الدخول: 25 مارس/آذار 2018):https://bit.ly/2P5rTFs

(2)  انظر: وثيقة ويكيليكس المعنونة بـ"الاتجاهات الأيديولوجية والملكية في الإعلام السعودي"، مجلة الحجاز، 11 مايو/أيار 2009، (تاريخ الدخول:25 مارس/آذار 2018):https://bit.ly/2vGLeot

(3)   الطريفي، عادل، المدير الأسبق لمجلة المجلة، انظر: "من نحن؟"، المجلة، (تاريخ الدخول: 26 مارس/آذار 2018): https://bit.ly/2w360OC

(4)   انظر: وثيقة ويكيليكس "الاتجاهات الأيديولوجية والملكية في الإعلام السعودي"، مرجع سابق.

(5)   الأسد، صالح علي الأسد، انفجار الفضائيات العربية: الأبعاد والأهداف والتأثيرات الثقافية، (دار غيداء، الأردن، 2012)، ط 1، ص 61.

(6)     المراجع السابق، ص 75.

(7)  انظر حوار: "مدير مجموعة MBC، علي جابر، لـ"الهتلان بوست": الأنظمة العربية لا تتمتع بروح الدعابة ولا تقبل النقد الساخر!"، هات بوست، 28 يونيو/حزيران2014 ، (تاريخ الدخول: 12 أبريل/نيسان 2018):https://bit.ly/2MGolbr

(8)    المرجع السابق.

(9)    Cochrane, Paul,“Saudi Arabia's media influence”, Arab Media & Society, 02 October 2007, (Visited on 16 April 2018): https://bit.ly/2OwJCEV

(10)    فندي، مأمون، "حروب كلامية: الإعلام والسياسة في العالم العربي"، ترجمة تانيا ناجية، (دار الساقي، بيروت، 2008)، ط 1، ص 115-118.

(11)    راجع التوجه العام للسياسة التحريرية لقناة العربية وموقفها من الجزيرة، ومحددات الخط التحريري للقناة في الحوار الوحيد مع رئيس مجلس إدارتها السابق، الوليد الإبراهيم، مع صحيفة الرياض: "كدت أترك الـmbc ومغادرتها واردة في أي لحظة.. وعرض "الحور العين" كان غلطة!!"، 29 سبتمبر/أيلول 2006، (تاريخ الدخول: 16 أبريل/نيسان 2018): http://www.alriyadh.com/190143

(12)    فندي، "حروب كلامية: الإعلام والسياسة في العالم العربي"، مراجع سابق، ص 85.

(13)    انظر المزيد عن أهم العناوين الصحفية في السعودية التحديد الذي أعدته شبكة "بي بي سي":

“The press in Saudi Arabia”, bbc, 13 December 2006, (Visited on 16 April 2018):https://bbc.in/2MrYVS5

(14)    انظر: افتتاحية خالد بن حمد المالك "بيني وبين الصحافة.. الخوف عليها!"، الجزيرة، 11 يناير/كانون الثاني 2018، (تاريخ الدخول: 16 أبريل/نيسان 2018):https://bit.ly/2mrzKk0

(15)    انظر: العمود الخاص للإعلامي السعودي أحمد عبد الرحم العرفج "يا أهل الحصافة أدركوا الصحافة"، المدينة، 12 يناير/كانون الثاني 2018، (تاريخ الدخول: 16 أبريل/نيسان 2018 ):https://bit.ly/2P2xzQN

(16)    الشايع، خالد، "تحت ضغوط الأزمات المالية..هل تحتضر الصحافة السعودية المطبوعة؟"، رصيف22، 22 سبتمبر/أيلول 2017، (تاريخ الدخول: 16 أبريل/نيسان 2018): https://bit.ly/2w4WeLN

(17)    المرجع السابق.

(18)    Fairclough, Norman, Critical Discourse analysis the Critical Study of Language, (Longman group limited, 1995), p. 27.

(19)    Ibid, p. 53-56.

(20)    Ibid, p. 70.

(21)    انظر: تحليل الإعلامي السعودي جمال خاشقجي بشأن هيمنة محمد بن سلمان على المشهد السياسي السعودي وتحكمه في جميع وسائل الإعلام الممولة سعوديًّا في مقال له بجريدة الواشنطن بوست:

Khashoggi, Jamal “Saudi Arabia's crown prince already controlled the nation's media. Now he's squeezing it even further” Washington post, 7 February 2017, (Visited on 16 April 2018):https://wapo.st/2B7uzQi

(22)    المرجع السابق.

(23)    انظر: "مقابلة حصرية مع وزير الثقافة والإعلام السعودي عواد العواد"، قناة روسيا اليوم، 7 أكتوبر/تشرين الأول 2017، (تاريخ الدخول: 20 أبريل/نيسان 2018):https://bit.ly/2nwkp1V

(24)    انظر: تسلسل أحداث الثورة المصرية منذ 25 يناير/كانون الأول 2011 من منظور قناة العربية، يوتيوب، 3 مايو/أيار 2014، (تاريخ الدخول: 20 أبريل/نيسان 2018):https://www.youtube.com/watch?v=veVocdVNLos

انظر: كيف تم اختزال الثورة المصرية في كونها ثورة بلطجية ولصوص لا ثورة شعب:

"ملفات الثورة المصرية-البلطجية، ج 1"، يوتيوب، 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، (تاريخ الدخول 23 أبريل/نيسان 2018)https://www.youtube.com/watch?v=nckfiIfONvY

"ملفات الثورة المصرية-البلطجية، ج 2"، يوتيوب، 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، (تاريخ الدخول 23 أبريل/نيسان 2018):https://www.youtube.com/watch?v=pTyXa03CM1g

انظر: الفيلم الوثائقي "محمد مرسي رئيسًا" من إنتاج قناة العربية، يوتيوب، 25 يونيو/حزيران 2012، (تاريخ الدخول: 25 أبريل/نيسان 2018): https://www.youtube.com/watch?v=GvnlKPj2MT4

انظر أيضًا: تقييم مجلة المجلة السعودية للثورات العربية في الملف الخاصة "الربيع العربي 10 أوهام غيَّرت وجه التاريخ"، العدد 1566، أكتوبر/تشرين الأول 2011، (تاريخ الدخول: 25 أبريل/نيسان 2018):https://bit.ly/2wb0QjN

(25)    انظر برنامج مرايا على قناة العربية: "لماذا الخلاف مع قطر؟"، يوتيوب، 17 سبتمبر/أيلول 2017، (تاريخ الدخول: 25 أبريل/نيسان 2018): https://www.youtube.com/watch?v=R8X3NAAsmpM

(26)    انظر نماذج أخرى لذات الموقف الذي عبَّر عنه مشاري الذايدي في قناة العربية في عموده بصحيفة الشرق الأوسط:

"شرف إيران القطري!"، الشرق الأوسط، 13 سبتمبر/أيلول 2017، (تاريخ الدخول: 1 مايو/أيار 2018):https://bit.ly/2xwikd8    

"قطر والإعلام الغربي" الشرق الأوسط، 11 أغسطس/آب 2017، (تاريخ الدخول: 1 مايو/أيار 2018):https://bit.ly/2vK6lYr

(27)    يمكن الوقوف على ذات الخطاب الحدي في الأعمدة اليومية التي كتبها مشاري الذايدي في جريدة الشرق الأوسط:

"إقالة تيلرسون رسالة ترمب الواضحة"، 14 مارس/آذار 2018، (تاريخ الدخول: 1 مايو/أيار 2018):https://bit.ly/2Hz9fkV

"الحلف بين السعودية والإمارات"، 8 ديسمبر/كانون الأول 2017، (تاريخ الدخول: 1 مايو/أيار 2018):https://bit.ly/2k9luup

(28)    الذيابي، جميل، "هل انحازت الكويت لقطر؟!"، صحيفة عكاظ، 11 أكتوبر/تشرين الأول 2017، (تاريخ الدخول: 5 مايو/أيار 2018): https://www.okaz.com.sa/article/1579480

(29)    الذيابي، جميل "خيبة الدوحة.. ووساطة الكويت!"، صحيفة عكاظ، 21 يناير/كانون الثاني 2018، (تاريخ الدخول: 5 مايو/أيار 2018 ):https://www.okaz.com.sa/article/1607787

(30)    انظر نص المقابلة مع جميل الذيابي على قناة الحدث: "جميل الذيابي يفجرها: النظام في قطر يرقص رقصة الموت.."، يوتيوب، 18 سبتمبر/أيلول 2018، (تاريخ الدخول: 7 مايو/أيار 2018):https://www.youtube.com/watch?v=D7bsGhpbCcw

(31)    انظر جانبًا من الحملة التي تقودها وسائل الإعلام السعودية، خاصة قناة العربية، ضد قطر: سليمان، أحمد، "الإندبندنت: وسائل الإعلام السعودية تستخدم كل الحيل ضد قطر"، التحرير، 24 أغسطس/آب 2017، (تاريخ الدخول: 8 مايو/حزيران 2018):https://www.tahrirnews.com/posts/826364

وانظر أيضًا نص تغريدة جوليان أسانج بشأن هذه الحملة وأهدافها، والتي نشرها على حسابه الخاصة في موقع تويتر،المرجع السابق.

(32)    المرجع السابق.

(33)    الطائي، ذياب، التضليل الإعلامي من صناعة الخبر إلى صناعة السينما، (دار الينابيع، دمشق، 2011)، ط 1، ص 129.

(34)    انظر مقال الكاتب البريطاني أنتوني هاروود في موقع صحيفة الغارديان: Harwood, Anthony, “Saudi Arabia has started spreading its own ‘fake news’ in the latest bizarre turn in its row with Qatar”, independent, 23 August 2017, (Visited on 8 May 2018):  https://ind.pn/2MFaVfE

(35)    المرجع السابق.

(36)    مانهايم، كارل، الأيديولوجيا واليوتوبيا، مقدمة في سوسيولوجيا المعرفة، ترجمة محمد رجا الديريني، (شركة المكتبات الكويتية، 1980)، ط 1، ص 129-130.

(37)  a37  Fairclough, Norman, Language and Power, (Longman Group, UK, 1989), p. 84.

(38)    مجموعة من الباحثين، الليبرالية في السعودية: الفكرة.. الممارسات.. والرؤى المستقبلية، (دار الانتشار العربي، 2013)، ط 1، ص 141-145.

(39)    الحويك، حياة، الفضائيات الإخبارية بين عولمتين، جيوبوليتيك وخطاب الإخباريات العربية، (منتدى المعارف، 2013)، ط 1، ص 286.

(40)    مجموعة من المؤلفين، الليبرالية في السعودية، مرجع سابق، ص:117-118.

(41)    "الاتجاهات الأيديولوجية والملكية في الإعلام السعودي"، مرجع سابق.

(42)    انظر حلقة وسيم يوسف: "الإعلام القطري ودعاة الفتنة"، يوتيوب، 11 يونيو/حزيران 2017، (تاريخ الدخول: 22 مايو/أيار 2018): https://www.youtube.com/watch?v=cHZwkyNSirY 

(43)    المرجع السابق.

(44)    المرجع السابق.

(45)    انظر برنامج وجهًا لوجه مع محمد الملا والشيخ وسيم يوسف، قناة الشاهد الكويتية: "وجهًا لوجه مع محمد الملا والشيخ وسيم يوسف يكشف خيانة الإخوان المسلمون ]المسلمين[ في الخليج"، يوتيوب، 8 مارس/آذار 2017، (تاريخ الدخول: 22 مايو/أيار 2018):https://www.youtube.com/watch?v=VqXPLCmwdwQ

(46)    آل محمود، عبد العزيز، "الإخوان المسلمون في قطر، من هم؟"، العرب، 8 يناير/كانون الثاني 2012، (تاريخ الدخول: 22 مايو/أيار 2018):https://bit.ly/11sGSPU

(47)    للمزيد بشأن حركة جهيمان العتيبي في السعودية من حيث منطلقاتها الأيديولوجية والسياسية يرجى مراجعة: -- مجلة المجلة السعودية عدد 1533، نوفمبر/تشرين الثاني 2009، وانظر الملف الخاص عن اقتحام الحرم المكي وما ترتب عن هذا الحدث من موقف للدولة السعودية من الفكر الجهادي.

انظر ناصر الحزيمي ضيف برنامج في الصميم: "حادثة اقتحام الحرم من جهيمان وأتباعه والمنظور السعودي الجديد للإيديولوجيا الإخوانية"، قناة خليجية، 26 يونيو/حزيران 2015، (تاريخ الدخول: 28 مايو/أيار 2018)https://www.youtube.com/watch?v=bTu0evE7lz4&t=2887s

-انظر أيضًا: كيفيقوم الإعلامي داوود الشريان بتقديم عناصر سابقين من اتباع جهيمان العتيبي، يوتيوب، 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2013، (تاريخ الدخول: 28 مايو/أيار 2018): https://www.youtube.com/watch?v=g5iBlrOf0uI https://www.youtube.com/watch?v=aoMWPZYGhQ8&t=1347s

(48)    انظر مجمل تصريحات الأمير محمد بن سلمان في:DeYoung, Karen, “Saudi prince denies Kushner is in his pocket”, washingtonpost, 22 March 2018, (Visited on 28 March 2018): https://wapo.st/2vE9zvj

(49)    Friedman, Thomas, “Saudi Arabia’s Arab Spring, at Last: The crown prince has big plans for his society”, nytimes, 23 November 2017, (Visited on 28 March 2018):https://nyti.ms/2jiATYY

(50)    انظر السياسة والمعايير التي تعتمدها مؤسسة "أوفكوم" لتقييم المنتوج الإعلامي الدولي والعربي ومجموع القرارات التي تمت في حق قناة العربية على موقع المؤسسة، (تاريخ الدخول: 28 مايو/أيار 2018):https://www.ofcom.org.uk/search?query=decision+-+al+arabiya+news+-+ofcom

(51)    Khashoggi, “Saudi Arabia's crown prince already controlled the nation's media. Now he's squeezing it even further”, op, cit.

(52)    سمير، "إعلام الأمراء، كيف سيطر الإعلام السعودي“، مرجع سابق.

(53)    نظر تصريحات جميل الذيابي على قناة العربية: "اضحك مع جميل الذيابي رئيس تحرير عكاظ ليس سهلًا على المعدة القطرية أن تهضم المنتجات الغذائية التركية"، يوتيوب، 12 يونيو/حزيران 2017، (تاريخ الدخول: 29 مايو/حزيران 2018): https://www.youtube.com/watch?v=PR8wYbqbqEk

وانظر أيضًا التغريدات التي علقت على تصريح الذيابي في صحيفة الشرق: "المعدة القطرية تكشف أحقاد رئيس تحرير عكاظ"، 14 يونيو/حزيران 2017، (تاريخ الدخول: 29 مايو/أيار 2018): https://bit.ly/2MebPUm

(54)    قارن بين التغريدات القطرية لإدراك النظام القيمي الموجه للإعلام الاجتماعي القطري ونظيرتها في الإعلام الاجتماعي الممول سعوديًّا. وللتوسع في ذلك انظر: حبلا، أمين محمد،" كيف واجه المغردون القطريون الذباب الإليكتروني"، الجزيرة نت، 28 مايو/أيار 2018، (تاريخ الدخول: 28 مايو/أيار 2018): https://bit.ly/2MIINbs

(55)    تابع تقرير القناة الإخبارية السعودية: "أكثر من ألف حساب مصطنع على تويتر لدعم قطر والإساءة للمملكة"، يوتيوب، 7 يونيو/حزيران 2017، (تاريخ الدخول: 28 مايو/أيار 2018): https://www.youtube.com/watch?v=3_vZ9VGv_pM