ميكانيزمات التعايش والتنافس بين الصحافة الإلكترونية العربية ومنصات الإعلام الاجتماعي

تبحث الدراسة مظاهر الحالة التنافسية التي تعيشها الصحافة الإلكترونية العربية في سياق تحول منصات الإعلام الاجتماعي مصدرًا للأخبار والمعلومات، وتدرس طبيعة التحديات التي تواجهها وأشكال التعايش الممكنة بين هذين النمطين الإعلاميين، وتستشرف أيضًا المسارات المستقبلية للعلاقة بينهما.
633fc1aad8a24f54b88c546bc1f10d74_18.jpg
تطور تكنولوجيا الهواتف المحمولة يعطي شبكات التواصل الاجتماعي ميزات تفضيلية في تنافسها مع الصحافة الإلكترونية (الأناضول)

مقدمة

ما من شك في أن واقع الصحافة الإلكترونية في عالم اليوم بصفة عامة وفي منطقتنا العربية بشكل خاص يشير إلى وجود العديد من الإشكاليات والتحديات التي فرضها بالأساس ظهور وتطور وسائل التواصل الاجتماعي بشبكاتها وتطبيقاتها المتعددة، والتي باتت تستحوذ على نصيب متضاعف من عمليات إنتاج/تداول/استهلاك المحتوى الإعلامي بكافة أشكاله.

وتسعى هذه الدراسة باستخدام منهج التحليل من المستوى الثاني (Second-Level Analysis) إلى رصد وتحليل الدراسات التي اهتمت بهذه الإشكالية بهدف بلورة أهم الاتجاهات النظرية في هذا الشأن وتقديم بعض التفسيرات التي قد تسهم في الإحاطة بالمتغيرات الحاكمة لهذا الواقع وتطوراته المرتقبة مستقبلًا وذلك من خلال الإجابة بشكل محدد على التساؤلات التالية:

1- ما مظاهر الحالة التنافسية التي تعيشها الصحافة الإلكترونية العربية؟

2- ما طبيعة التحديات التي تواجهها؟ وما مدى تأثيرها على الأداء المهني؟

3- ما أشكال التعايش الممكنة بين الصحافة الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي؟

4- إلى أين تتجه المسارات المستقبلية للعلاقة بين النمطين الإعلاميين؟

ولعل من المنطقي أن يبدأ التحليل بإلقاء الضوء على حقل إيكولوجيا الإعلام وكيف يسهم في فهم الخرائط الاتصالية وأدوار الفاعلين فيها وبخاصة الأدوار التي تدفعنا وسائل الإعلام إلى القيام بها وكيف تقوم بتشكيل العالم الذي نراه ونفكر فيه ولماذا تجعلنا نشعر ونتصرف بطرائق معينة.

إيكولوجيا الإعلام: دراسة البيئات كوسائط أم دراسة الوسائط كبيئات؟

منذ ثمانينات القرن الماضي تنامت فكرة استخدام الاقتراب الإيكولوجي في دراسة العلوم الاجتماعية والإنسانية نظرًا لما يمكن أن يقدمه من تفسيرات للتغييرات الديناميكية التي تحدث في طبيعة العلاقات التي تربط بين الكائنات/المتغيرات التي تعمل معًا في نطاق حيوي/إنساني معين. وظهرت العديد من الدراسات التي تؤسس لمفهوم "إيكولوجيا الإعلام" وتضع تعريفات محددة له بهدف تأطير معناه في نطاقات تطبيقية بعينها. وقد أسَّست كتابات نيل بوستمان (Neil Postman) ومارشال ماكلوهان (Marshall McLuhan) (1970) لمفهوم "إيكولوجيا الإعلام" باعتبار أن الوسائل الإعلامية الجديدة تساعد القديمة على إعادة تعريف نفسها وما يمكنها تقديمه من إشباعات للجمهور(1)؛ حيث رأى ماكلوهان أن "الرسالة هي الوسيلة" باعتبار أن الوسيلة هي أداة تقنية يتم إنتاجها في سياق ثقافي معين يحدد كذلك نمط الممارسة السياسية وأشكال التنظيم الاجتماعي والطرائق المتبعة في التفكير. وخلال العصر الرقمي تمت ترقية البيئة الإعلامية القديمة إلى ما يشبه الأشكال الفنية باستخدام التطبيقات التكنولوجية الجديدة.

وأكد نيل بوستمان (1931- 2003)، الذي يُعَدُّ أحد الآباء المؤسسين للمنظور الإيكولوجي في الدراسات الإعلامية، في خطبته الافتتاحية لمؤتمر جمعية إيكولوجيا الإعلام بنيويورك عام 2000، أن مجمل ما توصل إليه عبر مختلف الدراسات أن الوظيفة الأساسية لتطبيق هذا المنظور هو إثراء المعرفة الإنسانية حول ما يجب أن نمارسه كبشر وما ينبغي علينا الالتزام به من أخلاقيات خلال رحلة وجودنا على الأرض، ومن يتصور من باحثي إيكولوجيا الإعلام أن هناك أولوية وظيفية مغايرة لهذا العلم فقد جانبه الصواب(2). ووضع بوستمان الإعلام في مقابل الإيكولوجيا للتأكيد على أن التفاعل بين الإنسان والإعلام هو الذي يعطى للثقافة خصائصها المميزة ويحفظ لها نوعًا من التوازن الرمزي. أي إن التطورات التكنولوجية والثورات المعلوماتية في القرنين التاسع عشر والعشرين هي التي أنتجت الواقع الإعلامي الذي نعيشه الآن. وكما أشار والتر جاكسون أونج (Walter Jackson Ong)، والذي يمثِّل الضلع الأخير في مثلث العلماء المؤسِّسين للمنظور الإيكولوجي في الدراسات الإعلامية، فإن الشغف بالإيكولوجيا هو تجسيد لحالة جديدة من الوعي بمتطلبات النظم المفتوحة، ولا ينشأ هذا الوعي إلا من خلال ملاحظة خارجية لمكونات النظام لأن النظر من الداخل يعطِّل القدرة على الإحساس بديناميكية العلاقة بين مكوناته(3).

ويشير شترات لانس (Strate Lance) في كتابه "إيكولوجيا الإعلام: محاولة لفهم الوضع الإنساني" إلى أن النقطة التي يجب أخذها في الاعتبار هي أن الإعلام غير محايد؛ لأن كل تكنولوجيا لها تحيزاتها، وادعاء الحياد ما هو إلا خرافة لا أساس لها من الصحة. بل إن كل عناصر الكون الذي نعيش فيه لها تحيزاتها الخاصة بها. وهذا يعني أن سمة التحيز تمارس تأثيرها على كل العناصر الموجودة داخل البيئة الإعلامية. ويسوق الكاتب مثالًا شهيرًا للتدليل على ذلك بأن "الأسلحة لا تقتل الناس، ولكن الناس هم الذين يقتلون بعضهم البعض"، أي إن الأصل في فهم الظواهر والتحولات داخل البيئة هي إرادة الفعل المبنية على القرار الإنساني وليست سمة لازمة في الأداة التي استُخدمت لتنفيذ الفعل(4).

قام ويليام كوهس (William Kuhus)، 1971، بأول مساهمة بحثية في حقل إيكولوجيا الإعلام بعنوان "رسل عصر ما بعد الصناعي". وخلال الستة والأربعين عامًا الماضية انتشر المصطلح ببطء خارج مدرستي تورنتو ونيويورك في الشمال الأميركي الذي احتكر نوعًا ما الحديث عن هذا النطاق البحثي. إلا أنه خلال السنوات العشر الماضية ظهرت دراسات تحاول تطبيق المصطلح من خلال تحليل بيئة العمل الإعلامي في دول آسيوية وإفريقية وشرق أوروبية. فمثلًا، بدأت دراسات إيكولوجيا الإعلام في الصين في السنوات الأولى للألفية الثانية وتأثرت ببنيتها الاجتماعية والقومية ولكنها اتسمت بقدر كبير من الذاتية. ثم انتقلت هذه الدراسات من التركيز على الأبعاد الإنسانية إلى الاهتمام بالاستراتيجية القومية والتنمية القائمة على التعددية وكذلك الربط بين البحث الأكاديمي والفعل الاجتماعي مما يزيد من فرص المساهمة الصينية لدراسات إيكولوجيا الإعلام في الزخم البحثي على المستوى الدولي(5).

ويقدم إيدوين جورينز (Edwin Jurriëns) تفسيرًا ثقافيًّا لتفوق أساليب التواصل عبر الشبكات الاجتماعية على الوسائل الإعلامية الأخرى من واقع التجربة الإندونيسية، فيبين أن الأولى أقرب إلى طقوس الثقافة الشعبية التي تمزج بين الرمزي والمادي والممارسات ذات الدلالة والتي يمكن لقطاع كبير من الناس القيام بها. وتتسم مشاركات الأفراد في ممارسة طقوس هذه الثقافة بالأهمية لأنها تسمح لهم بالتعبير عن أنفسهم وإبداء الرأي حول موضوعات تخصهم أو تخص آخرين يشاركونهم الثقافة ذاتها متجاوزة ما قد يوجد في الواقع المادي من حواجز طبقية أو تمييزية(6).

ويُعَدُّ ألفريد كورزيبسكي (Alfred Korzybski) أحد مؤسسي علم الإيكولوجيا اللغوية وكذلك هو من الرواد الأوائل لنظرية إيكولوجيا الإعلام؛ حيث اعتبر أن فهم البنية اللغوية خطوة مركزية لفهم الإنسان والمجتمع وعمليات التطور الثقافي. ويتميز فكره بالجمع بين الشقين، النظري والعملي، المشتبك مع القضايا الاجتماعية والثقافية، وهو ما يمكن أن يكون مفيدًا في فهم الطرق التي يؤثِّر بها الطابع التكنولوجي للمجتمع على سلوكيات أفراده وأنماط تفكيرهم(7).

أدت استعارة النموذج البيئي لوصف الإعلام إلى وجود تفسيرين متكاملين لطبيعته، التفسير الأول هو مفهوم "البيئية" والذي يعتبر الإعلام بيئة تحيط بالفاعلين الاتصاليين وتُنَمْذِج أساليبهم المعرفية. والثاني هو مفهوم "الوسائطية" والذي يهتم بالعلاقات بين الفاعلين الاتصاليين باعتبارهم كائنات حية تتعايش معًا في محيط حيوي مشترك(8).

وتشير إحدى الدراسات إلى ثلاثة مصطلحات يمكن من خلالها فهم إيكولوجيا الإعلام بشكل متكامل، وهي: "النشوء" (Evolution) ويُعنى بدراسة تاريخ الوسائل الإعلامية من حيث بقاؤها/انقراضها أو تطورها المشترك مع وسائل أخرى، و"واجهة الاستخدام" (Interface)، وتهتم بالتفاعلات بين الذاتي والاجتماعي أو الشبكي في إطار العملية الاتصالية، و"التهجين" (Hybridization)، ويسعى لفهم أسباب ظهور الوسائل الإعلامية الجديدة والتي يصاحبها ظهور لغات تواصل ووظائف لم تكن متاحة من قبل. كما تؤكد على أن استعارة المصطلحات العلمية من حقول معرفية مغايرة ضرورة لازمة لتعريف الأنماط الوظيفية الجديدة داخل أي نسق معرفي.

ففكرة النشوء تتضمن الاعتقاد بأن صراع الكائنات من أجل البقاء ضرورة حتمية نظرًا لندرة الموارد وأن تغيرًا يحدث في السمات الوراثية للكائنات عبر الأجيال يؤدي إلى بقاء واستمرار بعضها بطرق الانتخاب الطبيعي، بينما قد يتسبب في ندرة وانقراض بعضها الآخر. ويمكن ملاحظة ثنائية البقاء/الانقراض وتغير السمات عبر الأجيال في العديد من الظواهر والمنتجات الاتصالية التي أصبحت من "الحفريات" والتي تمتد من أوراق البردي وصولًا إلى التليغراف. كما أن الآلة الكاتبة قد اختفت إلا أن نظام لوحة المفاتيح ظل موجودًا ومستخدمًا في أجهزة الحاسب والأجهزة اللوحية. وترتبط فكرة "التوازن المتقطع" (Punctuated Equilibrium) بفكرة النشوء داخل البيئة الإعلامية؛ حيث يؤكد بول ليفينسون (Paul Levinson) أن جميع المعارف الطبيعية والإنسانية والاجتماعية تشكَّلت عبر الخمسة آلاف سنة الأخيرة فقط من عمر البشرية، وبالمنطق ذاته يمكن اعتبار أشكال التعبير الإنساني المتلاحقة التطور بفعل ثورة المعلومات والاتصالات مثل صفحات الويب والمدونات والويكيز وحسابات الشبكات الاجتماعية وغيرها أنماطًا للتوازن المتقطع في الرحلة الممتدة لتطور البيئة الإعلامية(9).

المصطلح الثاني، وهو "واجهة الاستخدام"، يشير إلى أن لكل وسيلة إعلامية واجهة تمثِّل بوابة الدخول إلى عالمها وتوفر مساحة للتعريف بوظائفها وتشكِّل نقطة تماس مع الفاعلين الاتصاليين الآخرين. مثلًا، تُعَدُّ شاشة الآيفون واجهة استخدام تتجلى فيها التفاعلات بين العناصر الإنسانية والتقنية حيث تجتمع حواس اللمس والسمع والبصر مع مجسات الحرارة والضغط والضوء والحركة وحضور المجال الكهرومغناطيسي وإمكانيات الاتصال عن بعد.

أما المصطلح الثالث، وهو "التهجين"، فيشير إلى عملية تتم على المستويين الزمني -من خلال ما يسمى بالتطور المشترك (Coevolution)- والمكاني -من خلال ما يسمى بتلاقح الأنظمة (Cross-Fertilization)، ووفقًا لما أشار إليه ماكلوهان في كتابه "فهم الإعلام" فإن عمليات التهجين بين الوسائل الإعلامية تؤدي إلى انبعاث طاقة كبيرة بفعل انصهار أو انشطار العناصر المهجنة ويؤدي تلاحمها إلى توليد شكل إعلامي جديد تمامًا(10).

وتشير إحدى الدراسات إلى وجود حالة من عدم التوازن ظهرت خلال السنوات الأخيرة داخل حقل إيكولوجيا الإعلام بين ما يجب دراسته عن الوسائط الإعلامية باعتبارها بيئات، وما يجب دراسته عن البيئات باعتبارها وسائط، حيث غلبت دراسات النوع الأول على النوع الأخير ما أدى إلى غياب القدرة على قياس التأثيرات الاجتماعية للغات التواصل المستحدثة داخل المجتمع والأبعاد الخفية لأنماط الاتصالات الشخصية والأشكال التي ينتج بها الأفراد المعاني في المواقف الاجتماعية المختلفة. وتؤكد الدراسة على ضرورة إحداث توازن في الاهتمام بالشقين معًا في بحوث إيكولوجيا الإعلام لتعظيم القدرة على تقديم تفسيرات أكثر شمولًا للظواهر الإعلامية داخل المجتمع الإنساني(11).

التنافسية في بيئة غير مواتية 

ما من شك في أن مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقاتها المختلفة قد استحوذت على جانب كبير من اهتمام الجمهور المستهلك للمحتوى الإعلامي بشكل عام والإخباري بشكل خاص ما أدى إلى الانصراف عن متابعة الأخبار عبر الإصدارات الإلكترونية للوسائل الإعلامية التي تأخذ شكل مواقع على شبكة الانترنت وتُعَدُّ الوريث التقني للشكل التقليدي لهذه الوسائل. وعلى الرغم مما بذلته العديد من المؤسسات الإعلامية حول العالم، مثل صحيفة نيويورك تايمز الأميركية والغارديان البريطانية، وفي المنطقة العربية صحيفة الشرق الأوسط والحياة اللندنية، لتفعيل الخصائص الفريدة التي تتيحها البيئة الرقمية للشبكة منذ العقد الأخير للقرن العشرين في إثراء المحتوى والتفاعل مع الجمهور، فإنها لم تستطع مجاراة ما أتاحته شبكات التواصل الاجتماعي من صلاحيات لجمهورها بالشكل الذي جعلها غير قابلة للمنافسة من جانب أي وسيلة إعلامية مؤسسية(12).

ارتبط استخدام الصحافة الإلكترونية بأجهزة الحاسب أكثر من ارتباطه باستخدام الهواتف النقالة، ولذلك فعلى الرغم من اشتراكهما في العمل داخل المحيط الرقمي مع شبكات التواصل الاجتماعي إلا أن الأولى لا تتداخل مع شبكات العلاقات الاجتماعية والاتصالات الشخصية التي يُستخدم الهاتف النقال في الأساس لتفعيلها، ومن ثم تصبح شبكات التواصل الاجتماعي هي الأقرب لالتماس الحاجات الإخبارية نظرًا لتقاطعها الطبيعي مع هذه الدوائر، وبمرور الوقت ومع الاعتياد على استخدام هذه الشبكات في إشباع الاحتياجات اليومية والحياتية تصبح متابعة التغريدات الخاصة بأحد المصادر ذات المصداقية أو مشاهدة مقاطع الفيديو التي تصف الأحداث أو تعلق عليها جزءًا من الممارسات اليومية المتبعة للجمهور ودونما حاجة ملحَّة إلى الاطلاع على نوافذ إخبارية مليئة بالعديد من الأخبار التي قد يخرج معظمها عن دائرة اهتمامات الجمهور أو تفضيلاته. ويؤكد باري جونتر (Barrie Gunter) وروجر ديكنسون (Roger Dickinson) في كتابهما عن وسائل الإعلام في العالم العربي أن ما تحظى به وسائط التواصل الاجتماعي من أهمية في هذه المنطقة يعود بالأساس لدورها المركزي في مساندة ثورات الربيع العربي وتمكين فاعليته، وهو ما أحاط استخدامها بهالة حميمية لا يمكن أن تتوافر لغيرها من وسائل الإعلام الأخرى. فبعد أن كان التفعيل السياسي والاجتماعي لهذه الشبكات هو الغالب على استخدامها، انسحبت هذه الفاعلية لتشمل جوانب التماس المعلومات ومعرفة الأخبار خاصة مع سهولة الوصول التي وفرتها تطبيقات الهواتف المحمولة بأنماطها المختلفة(13).

وهذه الحالة هي ما خلصت إليها إحدى الدراسات من أن الهواتف النقالة قد خلقت نوعًا جديدًا من الثقافة المجتمعية المرتكزة على تفضيلات شديدة الخصوصية لتعريف الذات وتعريف الآخر. وارتبط بهذه الثقافة نزوع واضح من الأفراد إلى تفضيل التماس المعلومات من شخص لشخص أو من شخص لمجموعة أو من مجموعة لمجموعة، في مقابل عزوف واضح عن التماس المعلومات من المؤسسات أو الهيئات أو المنظمات المتخصصة في نشر المحتوى الإخباري ومن ضمنها مواقع الصحف الإلكترونية(14).

قدَّم جاك براتيش (Jack Bratich) تفسيرًا سوسيوبوليتيكيًّا لهذا النوع من السلوك الاتصالي استدعى فيه حركة "احتلوا وول ستريت" والتي تظاهرت لعدة أشهر في المنطقة المالية لمدينة نيويورك، عام 2011، ودعت للقضاء على كافة أشكال التمييز وعدم المساواة الاجتماعية والسياسية والديمقراطيات الزائفة حول العالم. وتظاهرت الحركة كذلك ضد الشركات والمؤسسات العالمية التي اعتبرت أنها تستخدم أموالها لتكريس حالة الظلم الاجتماعي والسياسي وما تستدعيه من تقويض مستمر للحريات والحقوق الشخصية(15). تنبع رمزية هذه الحركة من أنها جسَّدت حالة التمرد الإنساني العالمي على كل مؤسَّسي غير عادل؛ ما جعل من اللجوء إلى المصادر غير المؤسسية والاعتماد عليها في التماس المعلومات نوعًا من تفعيل هذا التمرد والتأكيد على استمراره إلى أن يتم تحقيق المطالب المنشودة.

وفي السياق العربي يمكننا رصد أكثر من حالة توسطت فيها شبكات التواصل الاجتماعي لتمثِّل بذلك -كما يقول الدكتور جمال زرن- "سلطة ضد سوء استخدام السلطة"، والمقصود بالطبع سلطة المحكومين ضد سوء استخدام الحكام لسلطاتهم(16). ففي المشهد المصري، على سبيل المثال، تعددت الحالات التي لجأ فيها الأهالي المتضررون إلى اليوتيوب لتسجيل شكواهم ضد إزالة الدولة لمنازلهم في مناطق مثلث ماسبيرو وجزيرة الوراق ونزلة السمان. في الوقت الذي عزفت فيه وسائل الإعلام قاطبة على نغمة تأكيد الوطنية بمساندة الدولة في تطوير هذه المناطق ومضاعفة فرصها الاستثمارية. كما استدعت حالة التضييق على المعارضين ومحاولات طمس الحقائق المرتبطة بثورة يناير/كانون الثاني 2011 والسعي لبناء ذاكرة جمعية جديدة، ظهور نماذج إعلامية تتخذ من شبكات التواصل وبخاصة اليوتيوب وسيلة لتقديم رسالتها إلى الجماهير العربية من خلال النقد المستند إلى الحقائق والممزوج بالفكاهة في بعض الأحيان مع الحث على قراءة التاريخ واستيعاب دروسه. ويمكن تسمية هؤلاء بـ"سفراء الوعي العام" حيث ينصِّب كل منهم نفسه سفيرًا مسؤولًا عن تذكير الناس بما يحاول إعلام السلطة طمسه أو تشويهه كمحاولة لإبقاء العقل في حالة من اليقظة. ومن هذه النماذج: "عبد الله الشريف"، و"أحمد بحيري"، و"AJ عربي" و"ألش خانة".

وفي هذا السياق، تبرز مؤسسة العربي الجديد، التي انطلقت في مارس/آذار 2014، وتصدر جريدة ورقية تتم طباعتها في لندن والدوحة وتركيا، وتضم منصات متعددة للأخبار والفنون التشكيلية والثقافة والفكر والموسيقى والتصوير، بالإضافة إلى موقع مستقل للعناية بالأدب والثقافة العربية باسم "ضفة ثالثة" يضم حوارات مع المثقفين ومقالات من مختلف التيارات إلى جانب أقسام تهتم بالعمارة والاجتماع والآثار والإثنوغرافيا والسياحة والتاريخ. كما ينتج الموقع محتوى إنفوغرافيًّا وفوتوغرافيًّا ويفتح مجالات التشاركية مع الجمهور من خلال شبكات التواصل الاجتماعي بما فيها إنستغرام وغوغل بلس. 

وقد ناقش المتخصصون جدلية العلاقة التنافسية بين الصحف ووسائط التواصل الاجتماعي فيما يتعلق بقيمتي السبق وتحري الدقة وأيهما الأجدر بالاهتمام، ويتأسفون بأن واقع الحال في العديد من الصحف الآن هو تقديم السبق بهدف جذب الإعجاب والمشاركات ثم يأتي التدقيق في صحة المعلومات المنشورة في مرحلة لاحقة. ويؤكدون على أن التمسك بقيمة التدقيق والتحقق من صحة الأخبار أو الصور التي يتم نشرها وتحظى بتداول فيروسي هو ما يمكن أن يميز الصحف ويحفظ مصداقيتها ويمنحها الميزة التفضيلية الأهم في مقابل ما ينشر عبر شبكات التواصل الاجتماعي(17). كما أشار ريتشارد روجرز إلى وجود اختلاف أنطولوجي يشرح فارق الهوة التنافسية بين الصحافة الإلكترونية وإعلام الشبكات الاجتماعية يتمثَّل في الحركية غير المحدودة للبيانات الرقمية بطبيعتها في مقابل الحركية المقيدة للبيانات المرقمنة. بالإضافة إلى خصائص التفاعل الحسي التي تتضاعف في حالة المحتوى الرقمي بطبيعته بينما يتسم المحتوى المرقمن بتفاعلية محدودة(18).

دمج مسح قومي شمل 1143 مستخدمًا للإنترنت في الولايات المتحدة الأميركية بين نموذج الاستخدامات والإشباعات والمدخل الاقتصادي للتنبؤ بسلوك الاعتماد على محركات تجميع الأخبار News Aggregators مثل: Huffington Post, Yahoo News, and Google News وقياس التنافسية السوقية. وكشفت النتائج عن أن متغيرات العمر والانتماء الإثني هما الأكثر تحكمًا في اختيار المستخدمين لمحركات تجميع الأخبار وأنهم لا يبحثون عن المحتوى الإخباري الذي يؤيد وجهات نظر معينة. وانتهت الدراسة إلى أن المؤسسات الصحفية يجب ألا تعتبر هذه المحركات أعداء لها لأنها وُجدت لتبقى. بينما تظل هناك إمكانية لاتخاذ بعض الإجراءات لتأمين سيطرة الصحف على المحتوى مثل ما فعلت 154 صحيفة برازيلية تمثل 90% من سوق التوزيع عندما قاطعت غوغل نيوز (Google News) منذ عام 2012 وحتى الآن(19).

وفي دراسة أعدها معمل نايمان (NiemanLab) التابع لجامعة هارفارد للمقارنة بين طبيعة المنافسة بين شبكات التواصل كمصادر للأخبار في دول الشرق الأوسط وفي الولايات المتحدة الأميركية وبدت فيها الصحافة الإلكترونية كمصدر للأخبار كما لو أنها خارج نطاق المنافسة، اعتمد فيها على نتائج المسح السنوي لاستخدام وسائل الإعلام في الشرق الأوسط والذي تجريه جامعة نورث ويسترن في قطر، وقد شمل ما يقارب 7000 شخص من الإمارات ولبنان والسعودية والأردن وقطر وتونس ومصر؛ بيَّنت الدراسة أن أكثر من ثلثي العينة تعتمد يوميًّا على الحصول على الأخبار عبر شبكات التواصل الاجتماعي وأن هذه النسبة تفوق بكثير المجتمع الأميركي؛ ففي الوقت الذي يستخدم فيه 67% من العرب تطبيق الواتساب يحصل 28% منهم على الأخبار من خلاله، بينما يستخدم 11% فقط من الأميركيين التطبيق نفسه ولا يحصل سوى 2% فقط على الأخبار من خلاله(20). ويبيِّن الشكل رقم (1) ترتيب المنصات الثلاث الأولى الأكثر استخدامًا في الحصول على الأخبار في ست دول عربية وفقًا لنتائج الدراسة.

الشكل رقم (1) يوضح المنصات الاجتماعية الأكثر استخدامًا في الحصول على الأخبار في ست دول عربية (21)

تحديات متجددة وحلول متعثرة

أحد التحديات الرئيسة التي تواجه الصحف الإلكترونية والتي جعلت لشبكات التواصل الاجتماعي ميزة تفضيلية عليها كونها متاحة للاستخدام كوسيط مباشر لتواصل السياسيين مع قواعدهم الجماهيرية. وهناك العديد من الأمثلة خلال السنوات الخمس الأخيرة على توظيف الرموز السياسية حول العالم لتويتر تحديدًا كمنصة رئيسة في إعلان القرارات وتوضيح المواقف المتعلقة بقضايا تشغل الرأي العام(22). ولعل أحد أبرز النماذج هو ما قام به دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية للرئاسة في 2016 والذي يُعَدُّ سابقة في ممارسة العمل السياسي بأسلوب شعبوي وصفه المراقبون بأنه نوع من الـ"الديماغوجية الرقمية"(23).

وبالرغم من استخدام السياسيين الغربيين لتويتر كمنصة تواصل مع قواعدهم الجماهيرية نجد أن استخدامه من جانب السياسيين العرب يتنوع ما بين رجال الدولة من داخل السلطة كما في حالة دولة الإمارات العربية المتحدة التي تأتي في المرتبة الأولى من حيث عدد حسابات السياسيين المتواصلين عبر تويتر. ومن مصر تنشط بصورة أكبر حسابات السياسيين من خارج السلطة مثل حساب محمد البرادعي الذي يأتي في المرتبة الأولى بعدد 6.02 ملايين متابع ويليه حساب نجيب ساويرس بعدد 5.03 ملايين متابع والأكثر إثارة للجدل، ثم حسابات حمدين صباحي وعبد المنعم أبو الفتوح وأيمن نور وخالد علي بأعداد متابعين تتراوح بين 2-4 ملايين. وبالرغم من أن المجتمع السعودي يُعَدُّ الأعلى عالميًّا من حيث نسبة حضوره وفاعليته في صناعة الترندات إلا أن الحسابات الأشهر هي لشخصيات غير سياسية. وباستثناء الحساب الرسمي للملك سلمان بن عبد العزيز، يبرز حساب عبد العزيز بن فهد، الابن الأصغر للملك فهد بن عبد العزيز، باعتباره الأكثر شعبية بين الأسرة الحاكمة بعدد 3.37 ملايين متابع(24).

ويبدو هذا التحدي جديًّا بالنظر إلى عدم قدرة الصحف الإلكترونية على القيام بالدور نفسه بشكل مباشر لتعارضه مع الأعراف المهنية والقيم المتبعة في العمل الصحفي والتي قد يؤدي الخروج عليها إلى المساءلة القانونية، بل إن ما تتيحه بعض الصحف من مساحات حرة للجمهور في صورة مدونات أو منتديات ملحقة بأقسام الرأي تظل محكومة بقرارات الصحيفة في السماح بها أو حجبها. ومن الملاحظ أنه على الرغم من أن عدد مستخدمي فيسبوك أكبر من عدد مستخدمي تويتر إلا أن اهتمام أبحاث شبكات التواصل الاجتماعي يرتكز على تويتر ثم قد يتم تعميم النتائج على بقية الشبكات بشكل غير موضوعي(25). وربما كان السبب الرئيسي لهذا الاهتمام هو أن تويتر أصبح الوسيط الأول لممارسة التأثير السياسي. في الوقت الذي تظل فيه بعض المنصات المرتكزة على الاتصال بين شخصين مثل الواتساب أو التليغرام غير مستكشفة من حيث الأساليب المستخدمة عمليًّا في الاتصال السياسي.

ويمكن أن نحدد تحديات أخرى تواجه الصحف الإلكترونية على شبكة الإنترنت، ومنها:

1- احتمالات اختراق حقوق الملكية الفكرية: حيث تضطر الصحف في بعض الأحيان إلى الاستعانة بمعلومات أو صور سبق نشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو العكس دون الإشارة إلى مصدرها وهو ما يعد خرقًا لحقوق الملكية الفكرية، وتقوم بعض المواقع بحماية صورها من خلال إدماج علامة المصدر داخل الصورة بحيث تشير إليه في حالة النشر من جانب مصدر آخر.

2- إجراءات التدقيق والموثوقية: حيث دفعت سرعة نشر وتداول الأخبار على شبكات التواصل الاجتماعي الصحف إلى تقليل الاهتمام بالتدقيق في صحة الأخبار قبل نشرها، وهو ما أدى في حالات كثيرة إلى سحب الصحف لأخبار سبق وأن نشرتها على موقعها بعد أن تبيَّن عدم صحتها، ويؤدي تكرار مثل هذه الوقائع إلى الإضرار بمصداقية الصحيفة بقدر أكبر من إضراره بسمعة المصدر الذي قام بنشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

3- تأثير المعلنين: ففي ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تحيط بعمل الصحافة الإلكترونية بشكل عام حول العالم، تتجه الصحف إلى نشر مساحات أكبر من الإعلانات لتوفير التمويل اللازم للاستمرار مما يؤثر أحيانًا على مقروئية المادة التحريرية ويشتت انتباه المستخدمين. 

4- سياسات تعيين المحررين: فبعض الصحف الإلكترونية تُتَّهم بانتهاج سياسات غير موضوعية في تعيين المحررين بحيث يكونون من جنس أو لون أو توجهات دينية أو فكرية معينة وهو ما يتعارض مع المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان في الحق في العمل دون تمييز.

5- اتهامات الانتماء الأيديولوجي: حيث يتجه بعض المستخدمين إلى تصنيف الصحف على أسس فكرية نتيجة للاختلاف في وجهات النظر حول قضية ما. وتظل هذه التصنيفات كتهم لصيقة بالصحف فيتم تحريف ما تقوم الصحيفة بنشره من أخبار أو تقارير وتأويله بما يتناسب والتصنيف الذي وضعت فيه. وغالبًا ما تكون هذه التصنيفات دون أدلة تدعمها إلا أنها قد تتسبب في انصراف الجمهور بشكل تلقائي عن الصحيفة.

وبمثال تطبيقي على الواقع الحالي في الصحافة الإلكترونية المصرية، فإن أبرز التحديات التي تواجهها تتمثَّل في ضعف البنية التقنية الخاصة بتكنولوجيا المعلومات والإنترنت لاسيما خارج العاصمة إلى جانب عدم الاستفادة من التطبيقات الحديثة في مجال الإعلام الإلكتروني ونقص الكوادر المدربة بشكل كفء لإدارة هذه المواقع مع ضعف عام في الاستثمار في مجال الإعلام الإلكتروني(26)

كما أن ظهور شبكات التواصل الاجتماعي ارتبط بتقديم أنواع جديدة من المحتوى المرتكز على مشاركات المستخدمين، فالويكيز -على سبيل المثال- حققت الكثير مما كان يطمح إليه علماء الاتصال ويشيدون بقيمته الكبيرة في البنية الكتابية، مثل التعاونية وإمكانات النصوص الفائقة غير المحدودة والمشاركة الجمعية في إنتاج المعرفة(27). وعلى الرغم من أن الصحافة الإلكترونية حاولت الجمع بين العديد من أشكال التفاعل الإعلامي وسمحت للجمهور بمشاركة تفاعلية محسوبة، فإن الأرقام الخاصة بمستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي، خاصة في الولايات المتحدة الأميركية، تشير إلى أن هناك اعتمادًا متزايدًا من قِبَل الجمهور على التماس المعلومات باستخدام هذه الشبكات. ففي عام 2013، حظيت إحدى القصص الإخبارية التي نُشرت في صحيفة "يو إس إيه توداي" بما يقارب النصف مليون تغريدة على موقع تويتر وتلتها بعض الأخبار التي نُشرت في صحيفة نيويورك تايمز(28).

كما أن أحد أهم التحديات التي تواجه كلًّا من الصحافة الإلكترونية والحسابات ذات المحتوى الإعلامي على شبكات التواصل الاجتماعي هي مشكلة الأخبار الكاذبة. فعلى الرغم من أن هذه الظاهرة ليست جديدة على العمل الإعلامي ودائمًا ما تواجدت بأشكال مختلفة عبر عصور تطور الوسائط الاتصالية فإن ثورة الاتصالات والمعلومات وفرت إمكانيات هائلة لنشر الأخبار على نطاقات واسعة وأصبحت شبكات التواصل الاجتماعي تربة خصبة لنمو وانتشار هذه الأخبار مما ضاعف من خطورتها في تزييف وعي الجماهير وتضليلهم بمعلومات غير صحيحة تجاه الأحداث مما قد يسهم بالتالي في تبنيهم لمعتقدات وأفكار خاطئة.

وقد شكَّلت الحسابات المصطنعة التي توصف في حقل الروبوتكس باللوغاريتمات الحشرية (Bug Algorithms ) نظرًا لتحركها بطريقة آلية نحو الهدف، وهي تُعرف في حقل الإعلام بالـBots التي يتم توظيفها للتشويش على عمليات الاتصال عبر الشبكات الاجتماعية خاصة مع اعتماد آليات الإعجاب والمشاركة التي إذا ما وصل عددها لحد معين فإنها تُكْسِب المحتوى قيمة ذاتية تحث المستخدمين على تكرار الإعجاب والمشاركة حتى ولو لم تتم قراءة المحتوى نفسه(29). ولا يبدو أن هناك حلًّا تقنيًّا لهذه المشكلة حيث إن برمجيات التصدي لهذه الحسابات ورصدها لا تزال في أطوارها البدائية. ويشير البعض إلى أنه حتى ولو صُمِّمَت برمجيات يمكنها القيام بهذه المهمة آليًّا فإن احتمالات التحايل والالتفاف عليها من جانب مُروجي الأخبار الكاذبة لا تزال واردة(30). ويؤكد الباحثون في تكنولوجيا الإعلام الرقمي أن ما يمكن التعويل عليه كاستراتيجية طويلة الأمد لمجابهة انتشار الأخبار الكاذبة يتمثَّل في العمل على تربية الحس الناقد لدى المستخدمين عند تداول الأخبار، وتشجيع إعمال العقل عند تلقي أنباء جديدة، وألا يتعاملوا معها بسطحية أو يكونوا مجرد ناقل سلبي للمعلومات.

أدى ظهور الإنترنت إلى القضاء تدريجيًّا على ما كان يعرف بالنظام الإعلامي القومي أو الوطني، وحلَّ محله تجمعات للأفراد حول اهتمامات مشتركة عَبَرَت حواجز المكان والزمان والثقافة(31)، ولعل أحد أخطر التداعيات المترتبة على ذلك هو ما أسماه أحد أساتذة الاتصال الألمان، ثورستون كوندت، (Thorston Quandt) بـ"المشاركات المظلمة" (Dark Participation) التي تصف مساهمات المواطنين العاديين في صناعة المحتوى الإخباري الذي من المفترض أنه عملية مهنية لها أسسها وقواعدها. فعلى النقيض من تلك الرؤية الطوباوية التي صاحبت ظهور ما يعرف بصحافة المواطن والمشاركة المجتمعية في نشر وتداول الأخبار في مطلع القرن الحادي والعشرين، أكد الباحث على أن هناك الكثير من الغموض يحيط بالأسباب التي قد تدفع أشخاصًا عاديين للمشاركة في عمليات صناعة وتداول الأخبار! وأضاف أن الأمثلة على هذه المشاركات المظلمة تتراوح ما بين الترويج للمعلومات الزائفة وتصل إلى شنِّ حملات لبث الكراهية وممارسة البلطجة الفردية أو الجماعية في الفضاء السيبراني(32). وكانت صحيفة الجارديان قد أعلنت عام 2014 أن هناك هجومًا شرسًا على أقسام الرأي التابعة لها خاصة حول الموضوعات التي تتناول الأزمة الأوكرانية؛ حيث رصدت الصحيفة أعدادًا هائلة ممن يمكن تسميتهم بـ"ألوية الشبكات" أو "جيوش المتصيدين" الذين كانوا يدعمون الموقف الروسي بهدف التأثير على الرأي العام الغربي حول هذه القضية وهو ما لا يمكن وصفه بمشاركات المواطنين في المحتوى الإخباري ولكنه ممارسة فعلية للدعاية السياسية باستخدام من يمكن تسميتهم جدلًا بـ"المواطنين".

وأكد تقرير عن استخدام شبكات التواصل الاجتماعي في المنطقة العربية أن ما يُعرف بالحسابات المصطنعة تلعب دورًا مركزيًّا في التأثير على الرأي العام وصناعة القرار السياسي. وتستند هذه الحسابات في عملها على تحليل البيانات الضخمة (Big Data Analytics). وعززت نتائج المسح الذي تضمنه التقرير وشمل 22 دولة عربية من الاعتقاد بأن مستخدمي شبكات التوصل الاجتماعي (F) يسهمون بشكل واعٍ في نشر الأخبار الكاذبة من خلال إنشاء حسابات مؤقتة بأسماء وهمية ثم يقومون بإغلاقها في وقت لاحق مع تعطيل خاصية التتبع الجغرافي. وتنتشر هذه الظاهرة بشكل أكبر على فيسبوك بنسبة 40.4% ويليه تويتر بنسبة 16%(33). ويوضح الشكل رقم (2) أن نسبة 24% تقريبًا من مستخدمي منصات التواصل يُقرُّون بتعريف أنفسهم من خلال بيانات زائفة معظمها عن الاسم والعمر ومحل الإقامة والحالة الاجتماعية والنوع.

الشكل رقم (2) يبيِّن نسبة مستخدمي منصات التواصل الذين يعرِّفون أنفسهم من خلال بيانات زائفة (34)

ولا تقل التحديات الاقتصادية التي تواجه الصحف الإلكترونية وتهدد بقاءها ضراوة عن التحديات الموضوعية، فلكي يعيش أي مشروع صحفي يجب أن يقتصد في نفقاته أو يزيد من موارده(35)، وكلا الحلين تكتنفهما تحديات

يمكن أن يكون لها آثارها السلبية على جودة المحتوى. فالاقتصاد في النفقات يعني إما الاستغناء عن بعض منتجي المحتوى أو دمج بعض الأقسام التحريرية معًا والاجتهاد في جذب المعلنين داخل سوق شديدة التنافسية. ويمكن القول: إن كل ما نشاهده على شاشات الإنترنت هو محتوى مدفوع الأجر إما بشكل مباشر أو غير مباشر من جانب مؤسسات تجارية تعتبر هذا المحتوى داعمًا لأهدافها. فموقع بازفيد (Buzzfeed)، على سبيل المثال، ينشر يوميًّا ما يزيد على 400 قصة إخبارية جديدة ولديه ما يقرب من 150 مليون زائر شهريًّا، ومن اليسير إقناع المعلنين بدفع الأموال نظرًا لشعبية الموقع، كما ينشر الموقع محتوى إعلانيًّا مباشرًا في صورة تحريرية فيما يسمى بالإعلانات التحريرية (Advertorials). أما فيسبوك وغوغل معًا فيستحوذان على ثلثي الكعكة الإعلانية عبر الإنترنت. وفي الربع الثالث من عام 2016، بلغ عدد مستخدمي فيسبوك مليار و86 مليون شهريًّا بصافي أرباح بلغ 2.3 مليار دولار بزيادة قدرها 896 مليون دولار عن عام 2015. إلا أن هذه الأهمية والدور المتزايد لفيسبوك في الحياة الإنسانية جعلاه في مرمى سهام النقد بل والاتهام بالمساعدة في الترويج للأخبار الكاذبة خاصة خلال الحملات الانتخابية لرئاسة الولايات المتحدة عام 2016(36).

مسارات التعايش المحتمل بين النمطين

في مقال مبكر نشرته مجلة إيديتور آند ببليشر (Editor & Publisher) الأميركية في أكتوبر/تشرين الأول 2011، تم تحديد عدد من الإجراءات التي يجب على الصحف الإلكترونية القيام بها للاستفادة من المميزات التي تتيحها شبكات التواصل الاجتماعي في إثراء المضمون وإدماج الجمهور في المحتوى الإخباري(37)، وأكدت على أن الهدف الذي يجب أن تسعى إليه الأقسام المختلفة لأية صحيفة هو خلق صلات مع الجمهور عبر وسائط التواصل الاجتماعي والإبقاء على تفاعلية جاذبة معهم، ومن هذه الإجراءات:

- دعوة الجمهور إلى المشاركة بقصصهم الخاصة حول خبر أو حادث ما ذي أهمية بالنسبة لهم. مثل ما دعت وكالة الأسوشيتدبرس الأميركيين عبر صفحتها على فيسبوك إلى المشاركة بقصصهم الخاصة حول ذكرى الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 بمناسبة مرور عشرة أعوام على وقوعها. كما يمكن البحث عن مصادر من الجمهور للمشاركة في بناء قصة إخبارية والاعتماد على خبرة هذه المصادر في الحصول على معلومات تفيد المحرر الذي يتولى كتابتها وتوفير حلقة اتصال مباشر بينهم لتسهيل الحصول على المعلومات.

- استفتاء الجمهور حول أسئلة يرغب أن تقدم له صحيفته إجابات عليها ومن ثم يصبح هذا الجمهور شريكًا فعليًّا في اتخاذ القرار التحريري الذي يحدد الموضوعات التي سيتم نشرها، ثم بعد ذلك تهتم الصحيفة بالاتصال بالمصادر التي يمكنها استيفاء المعلومات المطلوبة من جانب الجمهور.

- الاستفادة من هواة التصوير وتسجيل مقاطع الفيديو في الحصول على لقطات حية أو صور نادرة للحظات الأولى من وقوع الكوارث الطبيعية كالزلازل والبراكين والأعاصير، وكذلك الحوادث التي قد يتضمنها المشهد ويصعب إن لم يستحِل على محرري الصحيفة الوصول إليها.

- توظيف المهارات الخاصة لدى بعض أفراد الجمهور في ترجمة بعض المقاطع المكتوبة بلغات نادرة وكذلك التعرف على هوية بعض الأشخاص أو حتى الحيوانات التي قد تكون متورطة في حادث ما أو تتعرض لخطر ما ومن ثم إمكانية مساعدتها أو الإبلاغ عنها ليتم اتخاذ الإجراءات اللازمة لحمايتها وحماية المجتمع. ويعرف هذا الإجراء بآلية التحقق الجمعي (Crowdsourcing Verification).

- هناك وجه آخر للتعايش بين الصحافة الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي يتمثَّل في قيام الأولى بجهد استقصائي وإنفوغرافي لتجميع أكثر التغريدات تفاعلًا على تويتر عبر البلدان العربية المختلفة وعرضها بتقديم منظم للقارئ وكذلك تخصيص أقسام وصفحات لمتابعة أخبار شبكات التواصل المؤسساتية والتي قد تؤثر بصورة كبيرة على نشاط مستخدميها مثل إجراءات الحماية و الخصوصية أو إطلاق الخدمات الجديدة وتقديمها بتحليلات أكثر عمقًا(38).

وفي استطلاع للرأي شمل المحررين العاملين بغرفة الأخبار بصحيفة واشنطن بوست حول الطريقة التي تستطيع بها الصحف ومواقعها الإلكترونية أن تتعايش مع تنافسية الإعلام الاجتماعي وتحتفظ غرفة الأخبار بحيويتها وإنتاجيتها(39) كانت النتيجة أن تحقيق ذلك يمكن من خلال إحداث توازن دقيق بين الارتباط المستمر والخلاق بالجمهور عبر شبكات التواصل الاجتماعي من خلال تحرير المحتوى الاخباري بأشكال إبداعية تتناسب وظروف النشر عبر هذه الشبكات مع وجود آلية للتدقيق بحيث لا تتم المبادرة بالنشر إلا بعد التحقق من صحة الرواية، مع الاحتفاظ في الوقت ذاته بتكاملية الأدوار التحريرية والإخراجية بصورة تؤدي إلى إنتاج أنماط إبداعية لكتابة القصص الإخبارية. 

من الأنشطة التي يستطيع الصحفيون القيام بها لتجديد مصادرهم الإخبارية واستكشاف نطاقات موضوعية خلاقة هي الاشتراك في عدد من مجموعات الواتساب أو التليغرام من خلال الاتصال ببعض أفرادها عبر فيسبوك. أي أن يكون هذا الاندماج داخل المجموعة مقصود لالتقاط موضوعات مبتكرة تصلح للنشر عبر مواقع الصحف الإلكترونية أو حساباتها على شبكات التواصل الاجتماعي. والتحدي الذي يواجه الصحفيين الذين يمارسون هذا النشاط هو القدرة على التفريق بين المعلومات الصحيحة والكاذبة وتقييم جدارة الموضوعات للنشر أو المشاركة(40).

واقترحت إحدى الدراسات مقياسًا يتضمن القيم الإخبارية التي ترشح الخبر للنشر في الصحف وتقدم أدلة على أن توافر هذه القيم نفسها في الأخبار المنشورة على شبكات التواصل الاجتماعي يضاعف من احتمالية مشاركتها على نطاق واسع، وهذه القيم تتضمن: القرب المكاني، والصراع، والاهتمامات الإنسانية، والاختصاص الحصري، والسمات الإيجابية أو السلبية القوية. ورصدت بعض الاستثناءات الطفيفة في آليات المشاركة عبر فيسبوك وتويتر. وهذه النتيجة تعني أن السمات التي ترفع القيمة الإخبارية للمحتوى الصحفي لا تتغير كثيرًا عند نشرها عبر شبكات التواصل الاجتماعي بل إن توافرها يزيد من فرص مشاركتها على نطاقات واسعة(41).

يُعَدُّ تحويل بعض الأحداث الجارية إلى بث مباشر عبر تويتر مهمًّا لتحقيق نوع من الارتباط بمحتوى مواقع الصحف الإلكترونية التي تقدم بثًّا مباشرًا للأحداث. وكما يصبح هذا الإجراء مفيدًا في حالة القنوات التليفزيونية فإنه كذلك يمكن أن يكون مساعدًا على ربط جمهور تويتر بمواقع الصحف الإلكترونية في حالة متابعتها الحية للأحداث. ويتطلب ذلك الاعتماد على محررين متخصصين يتعاملون مع تويتر كظهير متكامل وملازم للمحتوى الاتصالي المنشور عبر الموقع(42).

وعلى صعيد الإعلام العربي يمكننا المقارنة بين نمطين للتعايش بين الصحف الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي يتبادلان فيهما مواقع القيادة وفقًا لطبيعة القضية المثارة وأدوار الفاعلين الرئيسيين فيها. وتتم المقارنة في هذا السياق بين كلٍّ من قضية اغتيال الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده بإسطنبول في مقابل التعاطي الإعلامي مع قضية هروب الفتاة، رهف محمد القنون. ففي القضية الأولى أمسكت منصات الإعلام التقليدي والصحف الإلكترونية التابعة له بزمام القيادة كون الجهات الفاعلة الأصيلة في هذه القضية جهات رسمية في موقع السلطة سواء من الجانب السعودي أو الجانب التركي. بينما حدث العكس تمامًا في قضية رهف القنون؛ حيث أمسكت مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى رأسها تويتر، بزمام القيادة كون الفاعل الرئيس في هذه القضية قد اختار هذه المنصة لتكون وسيلته الأولى في التواصل مع العالم منذ بداية القضية وإلى الآن. ففي حالة التناول الإعلامي لقضية خاشقجي بدأت السلطات التركية في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول 2018 تتحدث عبر صحافتها عن اختفاء الصحفي في قنصلية بلاده بإسطنبول وفي المقابل تتحدث السلطات السعودية عن مغادرته لمبنى القنصلية ولكن دون دليل على ذلك. وبشكل مواز، يطلق صلاح خاشقجي، ابن الصحفي المغدور، هاشتاغًا لا يزال متفاعلًا إلى الآن على تويتر وهو " #أين_جثة_جمال_خاشقجي" كرمز لغياب الحقيقة حول اختفائه وخاصة بعد أن اعترفت السلطات السعودية من خلال بيان المدعي العام بأن الصحفي تم قتله داخل القنصلية. وهكذا ظلت مواقع التواصل الاجتماعي تتلقى ما يصدر عن الجهات الرسمية من الجانب السعودي والجانب التركي، بالإضافة لمواقف الدول الأوروبية، والرئيس دونالد ترامب، ومجلس الشيوخ الأميركي، وجينا هاسبل، رئيسة وكالة المخابرات المركزية الأميركية، حول التسجيلات التي سمعتها توثق للجريمة، إلى جانب تحليلات الصحافة العالمية كالإندبندنت والأوبزرفر البريطانيتين لتذكية الهاشتاغات التي تتساءل عن الحقيقة الكاملة حول الجريمة ومعاقبة المسؤولين عنها. في المقابل، كان تويتر هو المفجِّر الأول لقضية رهف محمد القنون؛ حيث قامت ببث تسجيل تطالب فيه بحق اللجوء هروبًا من تسلط أسرتها وانتشر بعده مباشرة هاشتاج " #اسقطوا_الولاية_ولا_كلنا_بنهاجر " والذي حظي بتفاعل كبير وأثار ردود أفعال مختلفة. إلا أن الصحافة الإلكترونية كانت في هذه القضية في موقف رد الفعل والذي انصب بشكل كبير -خاصة في الصحف السعودية- على النظر للقضية باعتبار أن رهف تم استغلالها لتحقيق مصالح سياسية لكندا على حساب السعودية وأن الفتاة قد تم التغرير بها. وتناول الإعلام السعودي ما صدر عن رهف من تغريدات وتصريحات وصُوِّر بأسلوب ناقد لتسفيه الخطوة التي أقدمت عليها ولتحذير غيرها من القيام بفعل مشابه.

مواقع الصحف الإلكترونية، إلى أين؟

بعد أن سادت رؤية متفائلة حول قدرة شبكات التواصل الاجتماعي على تحقيق ديمقراطية الاتصال، تراجعت هذه الرؤية الآن وحلَّ بدلًا عنها الاعتقاد بأن تلك الشبكات تمنح النفوذ والقوة الاتصالية لنخبة لها القدرة على الوصول إلى المعلومات من داخل دوائر ومؤسسات صنع القرار. ومن ثم أصبحت المشاركة العامة في الموضوعات المطروحة من جانب هذه النخبة تصبُّ في النهاية لخدمة مصالحها في المقام الأول(43). قد يمثِّل هذا التراجع فرصة لإنعاش مواقع الصحف الإلكترونية من خلال فتح المجال لقنوات تواصل مباشرة مع الجمهور للمشاركة ليس فقط في صناعة المحتوى الإخباري ولكن للتواصل فيما بينهم في الأمور العامة والخاصة دونما تقيد بالأعراف المهنية التي تحكم عمل المواقع الرسمية للصحافة الإلكترونية. 

ويشير الباحثون إلى أنه ليس ثمة إجماع بين دارسي وفاعلي الفضاء الإعلامي حول مستقبله. فالبعض يتشكك في استمرارية نموذج إعلام المواطن التشاركي، ويؤمن باستمرارية دور الإعلام المهني المحترف بينما يعتقد آخرون بالقدرية التاريخية التي لا يمكن تجاوزها لهذا النموذج مع تأكيدهم على الإشكاليات الاقتصادية والقانونية التي يواجهها بالإضافة إلى تحديات الممارسة المهنية المتعلقة بقيم المصداقية والموضوعية والنزاهة والافتقاد إلى المسؤولية والمحاسبة(44).

ويوصي سعود كاتب، وهو أحد الباحثين الذين يجمعون بين الخبرة الأكاديمية والممارسة المهنية، بأنه إذا أرادت الصحف الإلكترونية البقاء في زمن شبكات التواصل الاجتماعي فعليها إحداث تغيير جذري في أسلوب الإدارة بحيث يتخلص تمامًا من القيود التقليدية التي ترتبط بزمن الصحيفة الورقية، وأن تسعى لتنويع مصادر الدخل من خلال بيع المحتوى ذي القيمة المضافة وتطوير خدمات التجارة الإلكترونية لإتمام عمليات البيع والشراء عبر مواقعها بما يؤدي لجذب فئة جديدة من المعلنين. بالإضافة إلى إتاحة الفرصة دومًا لإبداء الرأي وإثراء المحتوى بالوسائط المتعددة وتجربة الدخول في شراكات استراتيجية مع مؤسسات إعلامية إذاعية أو تليفزيونية يمكنها إثراء المحتوى الإخباري للصحيفة الإلكترونية(45).

كما أشارت إحدى الدراسات إلى أن توجه الصحفيين إلى العمل في مشروعات اجتماعية يمكن أن يكون بديلًا عن العمل في المؤسسات الصحفية التي اضطرت إلى الاستغناء عنهم في ظل المعطيات التنافسية التي فرضتها شبكات التواصل الاجتماعي، واهتمت الدراسة بمعرفة السمات الشخصية التي يمكن أن تحدد نوع المشروع الذي يستطيع الصحفي الاندماج فيه مستقبلًا(46). ويُؤَمِّل بعض الباحثين في وجود فرص جيدة في المستقبل القريب لإنتاج أشكال إعلامية جديدة مرتكزة على مشاركات الجمهور في ظل الخفوت المتزايد للحدود الفاصلة بين منتجي الأخبار ومستهلكيها والنضوج الواضح لبعض أشكال مشاركة الجمهور سواء من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أو صحافة المواطن(47). ويُعَدُّ التطور المستمر في تكنولوجيا الهواتف المحمولة عاملًا مساعدًا جيدًا لتطوير مشاركات الجمهور وتمكين الجماعات المضطهدة وأولئك القاطنين في الأماكن النائية في العالم. وهي كذلك تمثِّل تحولًا جوهريًّا في الصحافة المصورة حيث مكَّنت غير المحترفين من إنتاج محتوى مصور معقول الجودة يمكن تداوله عبر شبكات مثل إنستغرام وفليكر.

الميديا "مورفولوجي" بدلًا من الميديا "إيكولوجي" 

على الرغم من رواج استخدام المنظور الإيكولوجي في تحليل الواقع الإعلامي في العديد من الأنظمة الاجتماعية والسياسية، إلا أنه لم يخل من الانتقادات التي طالت فروضه النظرية ونتائجه التحليلية؛ حيث يدعي جوناثان ميللر (Jonathan Miller) أن استخدام ماكلوهان للمنظور الإيكولوجي كان توظيفًا لرؤية ذاتية في صياغة فروض موضوعية، وكان أجدر به أن يتراجع عن هذه الرؤية التي يرى أنها لم تحقق النجاح المطلوب في تفسير الظواهر الإعلامية ومسيرة تطورها. كما يعتقد رايموند روزينتال (Raymond Rosenthal) بأن المنظور الإيكولوجي يفتقر إلى الأدلة والبراهين التي تدعم ادعاءاته، وأن ما كتبه ماكلوهان في هذا السياق لا علاقة له بالبحث العلمي الرصين. وكذلك انتقد لانس شترات مبالغة علماء إيكولوجيا الإعلام في الترويج لنظرية "الانقسام العظيم" (Great Divide) في تاريخ وسائط التواصل الإنساني بين مرحلتي الشفوية والكتابية ومرحلتي الهيروغليفية والألفبائية(48).

ومن وجهة نظر الباحث، يُعَدُّ تبنِّي المنظور الإيكولوجي في تفسير الظواهر الإعلامية انحيازًا للمنظور الطبيعي/المادي في فهم تاريخ التطور الإنساني، وهو ما يمثِّل إقحامًا للنموذج المعرفي أُحادي البعد في دراسة ظواهر إنسانية متشابكة الأبعاد تستجيب تفسيريًّا للنماذج المعرفية المركبة(49). على سبيل المثال، ينطوي تعريف ماكلوهان لمصطلح إيكولوجيا الإعلام على تناقض مفاهيمي ينبع من اعتبار أن الوسائل الإعلامية تتساند من أجل البقاء ولكنها لا تلغي إحداها الأخرى، وفكرة "التساند" تتناقض معرفيًّا مع فكرة "الصراع" من أجل البقاء والتي تُعَدُّ القانون الأول لحياة الكائنات داخل نظام بيئي ما، فكل نظام حيوي ينطوي على سلسلة غذائية يصبح فيها كل كائن قناصًا لكائن أضعف وفي الوقت ذاته فريسة لكائن أقوى. ومن ثم لا يمكننا اعتماد هذا التصور لتفسير التغييرات الناتجة عن التطور في الحياة الإنسانية والتي يمكن أن يلعب فيها العقل -بما يؤدي إليه من قرارات أكثر رشادة والأخلاق بما تؤدي إليه من صيانة للعلاقات الاجتماعية والارتقاء بها- أدورًا مهمة في صياغة أنماط التطور الممكنة. أي إن استعارة المنظور الإيكولوجي لتفسير علاقات الوسائل الإعلامية ببعضها وتفاعلها مع الوجود الإنساني غير دقيق من جانبين، الأول: أنه لا يعكس بواقعية طبيعة القانون الحاكم للعلاقات بين الكائنات الحية داخل النظام الحيوي، والثاني: أنه لا يقدم تفسيرات علمية للتغيرات التي تحدث في أدوار الوسائل الإعلامية والأسباب الكامنة وراء ظهور الأشكال الجديدة للتواصل الإنساني.

وبشكل أكثر تحديدًا، فرضت التطورات المتلاحقة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات خلال العقود الثلاث الأخيرة واقعًا جديدًا على وسائل الإعلام التقليدية ومن بينها مواقع الصحف الإلكترونية ما دفع الأخيرة إلى تبني أشكال جديدة للتواصل مع الجمهور والتخلي عن أشكال أخرى تعطلت وظيفتها بفعل التطور، أي إن التغيير الذي يحدث ويُتوقع استمراره ليس تغييرًا "تسانديًّا" كما يدعي ماكلوهان، فالتساند غالبًا ما يحدث بين الأنواع المتشابهة لوجود مصالح مشتركة بينها ولكنه لا يحدث بين الأنواع المتنافسة، بل هو -من وجهة نظر الباحث- تغيير "تحولي" (Morphological) في أشكال تقديم الخدمة الإعلامية للجمهور، ومن هنا قد يكون تبنِّي منظور "الميديا مورفولوجي" أكثر دقة في التعبير عن طبيعة التطورات في الساحة الإعلامية من منظور إيكولوجيا الإعلام. ولعل ما عبَّر عنه رئيس تحرير صحيفة نيويورك تايمز في مطلع الألفية الثانية من أن تغييرات حتمية في طبيعة الخدمة الصحفية ستحدث، لأن وظيفة المؤسسات الإعلامية ليست في بيع الأوراق ولكن في بيع الخدمة الإخبارية أيًّا كان نوع الوسيط المستخدَم في نقلها أو كما عبَّر حرفيًّا: "نحن لا نبيع السفن ولكن نبيع خدمة النقل"؛ ما يعني أن الاستجابة المطلوبة من المواقع الإلكترونية أو غيرها من الوسائط الإعلامية تكمن في قدرتها الحيوية على التحول للتواصل مع الجماهير المستهدفة بأكثر الواجهات ثراء من الناحية الاتصالية وجذبًا من الناحيتين التقنية والاقتصادية(50).

ومن ثم يمكننا استخلاص النقاط التالية كإجابات للتساؤلات الرئيسة التي طرحتها الدراسة:

1- تظل حالة التنافسية قائمة بين نمطي الصحافة الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي مع ميزات تفضيلية متزايدة لصالح الأخيرة نتيجة لتطور تكنولوجيا الهواتف المحمولة مع وجود بعض الفرص التي إذا أحسنت الصحف الإلكترونية استخدامها فقد يساعد ذلك في استعادة بريقها، مثل القدرة على إحداث توازن بين التَّحقُّق من صحة ودقة الأخبار وسرعة نشرها، وكذلك استخدام شبكات العلاقات المحلية من خلال اندماج المحررين في مجموعات الاتصال ذات الاهتمامات العامة المشتركة واستخدام الحوارات الدائرة فيها لتوليد أفكار جديدة لمحتوى صحفي إبداعي. بالإضافة إلى بذل الجهد في استقطاب المتميزين من منتجي المحتوى المكتوب أو متعدد الوسائط عبر شبكات التواصل الاجتماعي ودمج إنتاجهم بشكل تكاملي مع مضمون الموقع الإلكتروني للصحيفة. 

2- من الإنصاف القول بأن التحديات التي تواجه الصحف الإلكترونية تشمل كذلك كل منتجي المحتوى على الشبكة العنكبوتية، فإذا سلمنا بأن كل محتوى منشور مُمَوَّل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة فإنه حتى التحدي الاقتصادي يطول الجميع. لكن ما يجعل هذا التحدي أكثر شراسة بالنسبة للصحف الإلكترونية هو أنها تتواصل مع الجمهور بصفتها المؤسسية لا بصفة شخصية، بينما تعتمد حسابات مواقع التواصل الاجتماعي على تطوير الاتصال الشخصي مع المشتركين والمتابعين بما يزيد من شعبيتهم وبالتالي تزيد فرصتهم في استقطاب الدخول المادية دون حاجة للخضوع إلى تحكمات المعلنين. ومما كشفت عنه الدراسات أن انتشار الأخبار الكاذبة يضر بحسابات مواقع التواصل الاجتماعي بشكل أكبر لافتقارها لآليات التدقيق والتحقق وهو ما يعطي للصحف الإلكترونية فرصة لإثبات مهنيتها خاصة مع الحرص على متابعة القصص الإخبارية التي تهم الرأي العام والاتجاه نحو الصحافة الاستقصائية التي تحتاج لتخطيط على مدى طويل لبحث وتوثيق ملفات مهمة لا يستطيع هواة الاعلاميين تناولها نظرًا لافتقارهم لمعرفة أصول المهنة ولافتقاد معظمهم روح الفريق التي تميز العمل الصحفي الاستقصائي. 

3- ما من شك في أن هناك عدة مسارات تستطيع الصحف الإلكترونية المضي قدمًا فيها لتتكيَّف مع واقع الاستحواذ المتزايد لشبكات التواصل الاجتماعي على اهتمامات المستخدمين الإخبارية إلا أن جميع هذه المسارات يؤدي إلى مساحة واحدة وهي الاتصال المباشر مع جمهور الشبكات والبحث عن نطاقات تعاون مشتركة لإنتاج محتوى إعلامي بشكل جديد على أن تشمل الاتصالات كلًّا من الجماهير المتفاعلة على التطبيقات العالمية وكذلك التطبيقات المحلية مثل تطبيق وي تشات (WeChat) وشبكة ويبوو (Weibo) الصينية.

4- يبدو أن استمرار مواقع الصحف الإلكترونية مرتهن بشكل أساسي بالنجاح في مواجهة التحدي الاقتصادي. فربما تنجح سياسات المواجهة المهنية لبعض الوقت في جذب اهتمام الجمهور إلا أنه ليس من المتوقع أن تصمد على المدى البعيد في ظل التطورات التقنية التي يبدو أنها تعمل لصالح تطبيقات الاتصال عبر الهواتف المحمولة والمرتبطة في الأساس بشبكة العلاقات الشخصية. ولذلك، فإن استفادة مواقع التواصل الاجتماعي من هذه التطورات سيكون أكبر من استفادة مواقع الصحف الإلكترونية إلا إذا تخلت المؤسسة الصحفية عن نافذتها التقليدية لتزويد الجمهور بالخدمة الصحفية وفكَّكت محتواها في شكل تطبيقات متخصصة يتم إعادة تأهيل محرري الأقسام للتعامل معها، يختار منها الجمهور ما يناسب اهتماماته على أن يتم دمج محتوى التطبيقات مع محتواها المنشور عبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي والذي يجب تحريره بشكل يزيد من شغف القارئ بزيارة موقع الصحيفة لمعرفة الأبعاد الكاملة للقصة الإخبارية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*د. فاطمة الزهراء محمد أحمد السيد، الأستاذ المشارك بكلية الإعلام- جامعة القاهرة.

مراجع

(1)  Strate, Lance, Introduction to media ecology as a field of study, Chapter 1, Hampton Press, 2006, p. 15-20, (accessed 15 December 2018): https://bit.ly/2WAnQox 

(2)  Postman, Neil, “The humanism of media ecology”, Paper presented at the Proceedings of the Media Ecology Association, 2000, (accessed 17 December 2018):https://bit.ly/2tcobAP 

(3)  Ong, Walter. J. Orality and Literacy: The Technologizing of the Word, (New York: Routledge, 2002), 2nd ed, p. 80-82.

(4)  Strate, Lance, “Media ecology”, Communication Research Trends, Vol. 23, Issue. 2, 2004, p. 1-48, (accessed 15 December 2018):https://bit.ly/2Uu74FI  

(5)  Zhang, Jiankang, & Zhou, Jun, “A quantitative and qualitative overview of media ecology in China”, China Media Research, Vol. 11, Issue. 3, 2015, p. 13, (accessed 18 December 2018):https://bit.ly/2RAOLgi 

(6)  Jurriëns, Edwin, “A call for media ecology”, Indonesia & the Malay World, Vol. 39, Issue. 114, 2011, p. 197-219, (accessed 18 December 2018):https://bit.ly/2t189Jm 

(7)  Forsberg, Geraldine. E; “Alfred Korzybski: a founding figure in media ecology”, ETC: A Review of General Semantics, Vol. 67, Issue. 2, 2010, p 144-148, (accessed 15 December 2018):https://bit.ly/2Gg4u2g 

(8)  Scolari, Carlos. A, “Media ecology: Exploring the metaphor to expand the theory”, Communication theory, Vol. 22, Issue. 2, 2012, p. 204-225, (accessed 15 December 2018):https://adobe.ly/2SeKtQf  

(9)  Ibid. p.15.

(10)  McLuhan, M. & Gordon, W. Terrence, Understanding Media: Extensions of man, (Gingko Press, Corte Madera, CA, 2003), p. 53, (accessed 15 December 2018): http://robynbacken.com/text/nw_research.pdf 

(11)  Sternberg, Janet, “The yin and yang of media ecology”, Paper presented at the 3rd Annual Media Ecology Association Convention, Marymount Manhattan College, New York, 2002, (accessed 19 December 2018):https://adobe.ly/2Ry3Ijd 

(12)  عبد العزيز، ياسر، "وهل فشلت الصحافة الإلكترونية في مقاومة شبكات التواصل الاجتماعي والمدونات؟ نعم .. وسيكسب الإعلام الجديد مزيدًا من الأهمية"، الشرق الأوسط، 24 مارس/ آذار 2013، العدد 12535.

(13)  جونتر، باري ودينكسون، روجر، (وسائل الإعلام في العالم العربي، ماذا يحمل المستقبل؟)، ترجمة: داود سليمان القرنة، (مكتبة العبيكان، 2018)، ط 1. 

(14)  Glotz, Peter; Bertschi, Stefan; & Locke, Chris, “Introduction: Mobile Phones and Mass Communications”, Knowledge, Technology & Policy, Vol. 19, Issue. 2, p. 3-6, 2006, (accessed 21 December 2018):https://bit.ly/2RypSBO 

(15)  Bratich, Jack, “Occupy All the Dispositifs: Memes, Media Ecologies, and Emergent Bodies Politic”, Communication & Critical/ Cultural Studies, Vol. 11, Issue. 1, 2014, p. 64-73, (accessed 21 December 2018):https://bit.ly/2D1VLgZ 

(16)  زرن، جمال، "الإعلام التقليدي والجديد في سياق تمدد الإعلام الاجتماعي وشبكاته"، مركز الجزيرة للدراسات، 27 مارس/آذار 2017، (تاريخ الدخول: 26 يناير/كانون الثاني 2019):https://bit.ly/2DQBQTR 

(17)  Tornoe, Rob, “Digital Publishing: True or False?”, Editor & Publisher, Vol. 148, Issue. 2, 2015, p. 26-28, (accessed 21 December 2018): https://bit.ly/2G4ym2j 

(18)  هارتلي، جون؛ برجس، جين؛ وبرونز، أكسيل، الإعلام الجديد وقضاياه، ترجمة: هدى عمر السباعي ونرمين عادل عبد الرحمن، (المجموعة العربية للتدريب والنشر، 2018). 

(19)  Lee, Angela. M., & Chyi, Hsiang. I., “The Rise of Online News Aggregators: Consumption and Competition”, JMM: The International Journal on Media Management, Vol. 17, Issue. 1, 2015, p. 3-24, (accessed 21 December 2018): http://search.ebscohost.com/login.aspx?direct=true&db=ufh&AN=101869786&site=ehost-live 

(20)  Dennis, Everette, E. and Wood, Robb, “Media in the middle east: A new study shows how the Arab world gets and shares digital news”, Nieman Foundation at Harvard, 19 September 2017, (accessed 23 December 2018): https://bit.ly/2fjkwxs 

(21)  Ibid.

(22)  Skogerbø, Eli, & Krumsvik, Arne. H, Newspapers, Facebook, and Twitter”, Journalism Practice, Vol. 7, Issue. 3, 2015, p. 350-366, (accessed 18 December 2018): https://adobe.ly/2t2tjH5 

(23)  Fuchs, C, Digital Demagogue: Authoritarian Capitalism in the age of Trump and Twitter, Pluto Press, 2018, p. 328.

(24)  "أكثر الشخصيات السياسية العربية استخدامًا لتويتر"، رصيف 22، 21 مارس/آذار 2016، (تاريخ الدخول: 24 يناير/كانون الثاني 2019):https://bit.ly/2DPuRdC 

(25)  Casero-Ripollés, Andreu, “Research on political Information and social media: Key points and challenges for the future”, Investigación sobre información política y redes sociales: puntos clave y retos de futuro, Vol. 27, Issue. 5, 2018, p. 964-974, (accessed 25 December 2018): https://bit.ly/2RyW4Fc 

(26)  كمال، وسام، الإعلام الإلكتروني والمحمول بين المهنية والتطور التكنولوجي، (دار الفجر للنشر والتوزيع، القاهرة، 2014)، ط 1، ص 106-107.

(27)  Manion, Christopher. E. and Selfe, Richard ‘‘Dickie’’, “Sharing an Assessment Ecology: Digital Media, Wikis, and the Social Work of Knowledge”, Technical Communication Quarterly, Vol. 21, 2012, p. 25-45, (accessed 25 December 2018):http://search.ebscohost.com/login.aspx?direct=true&db=ehh&AN=69699770&site=ehost-live 

(28)  Data Page, Editor & Publisher, Vol. 147, Issue. 3, 2014, p. 20-21, (accessed 25 December 2018):http://search.ebscohost.com/login.aspx?direct=true&db=aph&AN=94846142&site=ehost-live 

(29)  الشامي، أسامة، "بين إدارة الفوضى و"الذباب" الإلكتروني.. كيف يُصنع التريند السياسي على تويتر؟"، 28 يونيو/حزيران 2018، (تاريخ الدخول: 19 يناير/كانون الثاني 2018): https://www.noonpost.com/content/23904  

(30)  Burkhardt, Joanna. M, “Combating Fake News in the Digital Age”, Library Technology Reports, Vol. 53, Issue. 8, 2017, p. 1-33, (accessed 20 December 2018):http://search.ebscohost.com/login.aspx?direct=true&db=aph&AN=126274669&site=ehost-live 

(31)  Carey, James. W, “The Internet and the end of the national communication system: uncertain predictions of an uncertain future”, Journalism & Mass Communication Quarterly, Vol. 57, Issue. 1, 1998, p. 28-34, (accessed 20 December 2018):http://search.ebscohost.com/login.aspx?direct=true&db=hft&AN=509709836&site=ehost-live 

(32) Quandt, Thorston, “Dark Participation”, Media and Communication, Vol. 6, Issue. 4, p. 36, (accessed 20 December 2018):https://bit.ly/2DdrLyX 

(33)  Salem, Fadi, “The Arab Social Media Report 2017: Social Media and the Internet of Things: Towards Data-Driven Policymaking in the Arab World”, (2017, 7 Ed, MBR School of Government, Dubai).

(34)  Ibid.

(35)  Lewis, Helen, “How Facebook and Google are killing papers and transforming news”, New Statesman, Vol. 146, Issue. 5354, 2017, p. 34-35, (accessed 19 December 2018): http://search.ebscohost.com/login.aspx?direct=true&db=aph&AN=121315646&site=ehost-live 

(36)  Ibid, p. 34.

(37)  Kulicke, Heidi, “Quest for Success”, Editor & Publisher, 144 (10), 2011, p. 48-52, (accessed 17 December 2018):http://search.ebscohost.com/login.aspx?direct=true&db=aph&AN=67013155&site=ehost-live 

(38)  صحيفة العرب، العدد 10145، 5 يناير/كانون الثاني 2016، (تاريخ الدخول: 23 يناير/كانون الثاني 2019):https://bit.ly/2Gp1y3v  

(39)  Peck, Gretchen. A, “Blending the best of old and new”, Editor & Publisher, Vol. 148, Issue. 2, 2015, p. 38-44, (accessed 17 December 2018): http://search.ebscohost.com/login.aspx?direct=true&db=aph&AN=101881435&site=ehost-live 

(40)  Tornoe, Rob, “Open Invitation: One editor's hunt for stories leads him to 'untapped corners of the internet”, Editor & Publisher, Vol. 151, Issue. 9, 2018, p. 26-27, (accessed 25 December 2018):http://search.ebscohost.com/login.aspx?direct=true&db=aph&AN=131418451&site=ehost-live 

(41)  Trilling, Damian, Tolochko, Petro and Burscher, Björn, “From Newsworthiness to Shareworthiness: How to Predict News Sharing Based on Article Characteristics”, Journalism and Mass Communication Quarterly, Vol. 94, Issue. 1, 2017, p. 38-60, (accessed 24 December 2018): https://bit.ly/2RyNVk4 

(42)  Sauter, Theresa; Bruns, Axel, “Tweeting the TV event, creating 'Public Sphericules': Ad Hoc Engagement with SBS'S go back to where you came from - season 2”, Media International Australia, Vol. 152, 2014, p. 5-15, (accessed 24 December 2018):  http://search.ebscohost.com/login.aspx?direct=true&db=ufh&AN=110583724&site=ehost-live 

(43)  Robinson, Sue; Wang, Yidong, “Networked News Participation: Future Pathways”, Media and Communication, Vol. 6, Issue. 4, 2018, p. 91, (accessed 23 December 2018):https://bit.ly/2DRpr25 

(44)  رابح، الصادق، فضاءات رقمية: قراءات في المفاهيم والمقاربات والرهانات، (دار النهضة العربية، لبنان، 2013)، ط 1، ص 337. 

(45)  كاتب، سعود صالح، الإعلام القديم والإعلام الجديد، هل الصحافة المطبوعة في طريقها إلى الانقراض؟، (خوارزم العلمية للنشر والتوزيع، 2018)، ط 3، ص 296-303. 

(46)  Liu, Huei-Ching, Ip, Ching. Yin, & Liang, Chaoyun, “A New Runway for Journalists: On the Intentions of Journalists to Start Social Enterprises”, Journal of Entrepreneurship, Management, and Innovation, Vol. 14, Issue. 2, 2018, p. 83, (accessed 22 December 2018): https://bit.ly/2WBHHnn 

(47)  Wahl-Jorgensen, Karin et all, “The Future of Journalism”, Journalism Studies, Vol. 17, Issue. 7, 2016, p. 801-807, (accessed 22 December 2018):http://search.ebscohost.com/login.aspx?direct=true&db=ufh&AN=117898531&site=ehost-live 

(48)  Strate, Lance "Studying media as media: McLuhan and the media ecology approach”, Media Tropes, Vol. 1, Issue. 1, 2008, p 133, (accessed 22 December 2018):https://bit.ly/2HJtH7t 

(49)  المسيري، عبد الوهاب، العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة، (القاهرة، دار الشروق، (2008)، ج 1، ط 3.

(50)  السيد، فاطمة الزهراء محمد أحمد، تقنيات توثيق المعلومات الصحفية في الصحافة المصرية، رسالة ماجستير غير منشورة، قسم الصحافة، كلية الإعلام، جامعة القاهرة، 2001.