الجيش اليمني.. النشأة والتطور واتجاهات المستقبل

يعرض العميد المتقاعد محسن خصروف في هذه التقرير لإنشاء الجيش اليمني ولمصادر مدخلاته من القوى البشرية كما يصف بناءه التنظيمي ودوره الثنائي المتفصل بين توجهين: متطلبات النظام ومقتضيات المهنة. كما عرج العميد على العسكريين في اليمن وعلاقتهم بالحكم والسياسة وعلى وضعهم بعد سقوط الرئيس صالح.
20127309319546734_20.jpg

منذ أن أسس الإمام الهادي "يحيى بن الحسين بن القاسم" (245هـ-298هـ، 859م-911م) الدولة الزيدية الهاشمية عام 284هـ، 897م، وحتى 1919م، وهو عام تأسيس الجيش النظامي، فإن تلك الدولة التي تميزت بكثرة أشياعها في المناطق الشمالية والشمالية الغربية والمناطق الشرقية من المرتفعات الوسطى وكذلك كل الدول أو الدويلات التي عاصرتها، قد اعتمدت في حروبها التي خاضتها في مواجهة منافسيها، بشكل أساس على أنصارها من رجال القبائل الذين يسكنون المناطق الشمالية والشمالية الغربية والشرقية, وذلك النوع من المقاتلين يمكن تصنيفه في إطار ما عرف، تاريخيا، بـ"الجيوش الوطنية التقليدية"، التي كان يقودها رؤساء العشائر، والتي ليس لها أية صفة نظامية، باعتبار أن كل رجل في القبيلة جندي من جنودها(1)، وكان تشكيلها يتم عند الحاجة إليها، أو بتعبير آخر، عند ظهور مشكلات تمس مصالح القبيلة أو الدولة، حيث يتم استنفار المقاتلين بواسطة رؤساء العشائر وشيوخ القبائل، الذين يصبحون عند ذاك، هم "مقدمو" الجيوش القبلية، وقادتها في المعارك الحربية.

ومن سمات تلك الجيوش أنه لم يكن لها صفة الدوام، حيث أن دورها الحربي كان ينتهي بانتهاء المشكلات أو المعارك التي استدعت استنفارها، ليعود كل مقاتل إلى ممارسة عمله المعتاد أوقات السلم في قبيلته.

إنشاء الجيش المظفر

من القضايا التي أجمع عليها عدد كبير من الباحثين الذين تناولوا المؤسسة العسكرية في العالم الثالث، الكيفية التي تم بها إنشاء الجيوش في ظل الاحتلال الاستعماري, والأنظمة التي تدور في فلك الاستعمار، وإن بدت مستقلة شكلا، والتي أمكن من خلال فهمها تحديد أدوات تحليل الصراع الاجتماعي القائم في تلك المجتمعات وبالتالي اتجاهات التغير الاجتماعي-السياسي ومحتوياته، واستهدافاته.

مصادر مدخلات الجيش من القوى البشرية

تم إنشاء الجيش المظفر عام 1919م، أي في العام التالي لجلاء الأتراك من اليمن، وتم تشكيله من المصادر التالية:

  1. الحرس الخاص للإمام (العكفه, أو الحرس الملكي).
  2. جيش الضبطية.
  3. بقايا الجيش العثماني الذين فضلوا البقاء في اليمن.
  4. القبائل المحيطة بصنعاء وبعض المناطق القريبة منها.
    فالإمام يحيى الذي خبر رجال القبائل، واستفاد منهم، يعي جيدا أن لمنافسيه في أوساطها نفوذ متفاوت المستويات، فاختار من بينها قبائل بعينها تحددت في:
  • بني حشيش.
  • بني الحارث.
  • همدان.
  • بني مطر.
  • الحيمتين.
  • سنحان.
  • بلاد الروس.
  • بني بهلول.
  • آنس.
  • الغولة.
  • بيت الذيب التابعة لأرحب.
  • لواء تعز.
  • لواء الحديدة.
  •  البناء التنظيمي للجيش المظفر

    إمارة الجيش المظفر
    تشكلت للجيش المظفر قيادة عليا أطلق عليها اسم (إمارة الجيش) تكونت من:

    1. أمير الجيش.
    2. وكيل الجيش.
    3. هيئة أركان حرب أطلق عليها اسم: أركان حربية الجيش المظفر, تتبع إمارة الجيش وتضم ثلاث عشرة شعبة:(2)

    وقد تعرض الجيش المظفر لعملية أفضت إلى تشكيل ست آليات مشاة بدلا من ثمانية، ثم أعقبت عملية الدمج إعادة توزيع لكل منتسبي الجيش المظفر من الجنود وذلك بهدف التخلص من الصفة القبلية والمناطقية في كل مستوياته التنظيمية.

    تدريب الجيش المظفر
    وفي إطار أولويات اهتمامات الدولة الإمامية فإن إعداد وتدريب الجيش الوليد لم يتعد حدود تأهيله على مواجهة ذلك النوع من المعارك التي خاضها في مواجهة التمردات المختلفة، وقد استعان الإمام في هذا الشأن بالعسكريين الأتراك الذين فضلوا البقاء في اليمن.

    تسليح الجيش المظفر
    عندما أنشئ الجيش اليمني كانت مخازن السلاح مليئة بأعداد كبيرة من البنادق مختلفة الأنواع (حوالي 000, 400بندقية) (3) بالإضافة إلى بطاريات مدفعية خفيفة وثقيلة، من عيارات وأزان مختلفة، وفقا لاحتياجات البيئة المتنوعة في اليمن, وكذلك أنواع مختلفة من الرشاشات الإنجليزية والعثمانية والإيطالية.(4)

    وفي عام 1922 عقدت الحكومة اليمنية عدة اتفاقات وصفقات لتسليح الجيش مع دول وأفراد كانوا يمثلون دولهم ويأتون إلى اليمن تحت واجهات علمية أو تجارية. ومن تلك الدول: إيطاليا وألمانيا وفرنسا، بالإضافة إلى عدد من سماسرة السلاح تم الاتفاق معهم بصورة شخصية. وخطا النظام الإمامي بعد ذلك خطوات أخرى حذرة فيما يتعلق بتسليح الجيش وتحديثه بلغت ذروتها عام 1956، كما سنوضح ذلك في إطار الحديث عن سقوط حركة 1955م وما ترتب عليها في هذا الشأن.(5)

    دور الجيش بين متطلبات النظام ومقتضيات المهنة

    إلى جانب إخضاع القبائل المتمردة وحماية الإمام والأمراء والشخصيات العامة في الدولة، فإن الجيش يقوم بأعمال الضبط القضائي، والجبايات بالإضافة إلى الأعمال العسكرية المعروفة في الحدود(6).

    تحديث الجيش

    المرحلة الأولى: إنشاء الجيش الدفاعي
    بعد أن تمكن الإمام يحيى من تحقيق أهم أهداف دولته وحقق قدرا أكبر من السيطرة على المناطق القبلية وشكل من أبنائها جيشه النظامي الأول، وخاض بهم حملات عسكرية ضد بعضهم وضد كل محاولات التمرد التي واجهتها دولته في مناطق مختلفة من اليمن, تعرض للخطر الإقليمي الآخر (المعروف مسبقا) من الحدود الشمالية والشمالية الغربية للدولة المتمثل في آل سعود الذين ضموا أجزاء من الأراضي اليمنية ممثلة في المخلاف السليماني (نجران وجيزان وعسير)، وكذلك اشتد خطر الأطماع البريطانية على المملكة من الجهة الجنوبية.

    وعندما وصلت التوترات مع السعودية وقوات الاحتلال البريطاني إلى مستوى الاشتباكات العسكرية التي حدثت على الأطراف عام 1934، تبين للإمام بعد أن خسر الوطن أجزاء عزيزة منه، أن جيشه دون مستوى منازلة الجيوش النظامية المدربة تدريبا جيدا والأفضل عدة وعتادا.

    وفي ضوء نتائج تلك الحرب، ونظرا لتعثر محاولات إصلاح الجيش النظامي (المظفر)، وكذلك ظهور تذمرات في أوساط الضباط، والمستنيرين من دعاة الإصلاح إثر هزيمة الجيش في الحربين، فقد استقر رأي الإمام يحيى على إنشاء جيش جديد وهو "الجيش الدفاعي" عام 1936 يقوم على الخدمة الإلزامية لكل حاملي السلاح بغض النظر عن المستوى العمري. وإصدار تعليمات ملزمة بذلك.

    تنظيم الجيش الدفاعي

    منذ بداية تشكيله، اتخذ الجيش الدفاعي شكلا آخر من أشكال التنظيم وهو التنظيم الرباعي لكل مستوياته الهرمية. وكانت الأربعة أفواج هي، تقريبا، قوام كل دور من الأدوار الستة عشر كما تشير سجلات ذلك الجيش. وقد كان الشكل العام للتنظيم الهيكلي للجيش الدفاعي عل النحو التالي:(7)

    1. أمير الجيش الدفاعي.
    2. وكيل الجيش الدفاعي.
    3. قادة الطوابير.
    4. قادة السرايا.
    5. قادة الفصائل.
    6. قادة الجماعات.
    7. الجنود.

    الدور السياسي للعسكريين (الضباط) (8)
    بلغ الدور السياسي العسكري ذروته (بالنسبة للمرحلة التي يغطيها البحـث) في 26سبتمبر/أيلول 1962، وذلك عندما تمكن تنظيم الضباط الأحرار، وبمشاركة فاعلة من قوى اجتماعية متعددة، من الإطاحة بالنظام الملكي، وإعلان النظام "الجمهوري" الذي تضمن أهدافا سياسية واجتماعية واقتصادية تكفل الانتقال بالمجتمع اليمني إلى مرحلة تاريخية جديدة، وتحقق تحولات ملموسة في جوانب مختلفة من الحياة الاجتماعية.

    ولم تكن الثورة، كحدث تاريخي غير عادي بالنسبة للمجتمع اليمني، إلا محصلة لصراع اجتماعي مرير خاضته كل القوى الاجتماعية المستنيرة التي آمنت بضرورة وحتمية التغيير، وضمت صفوفها مستويات مختلفة من طبقات وفئات وشرائح المجتمع اليمني.

    وعندما حان موعد الحدث الثوري، كان العسكريون يقفون في طليعة تلك القوى، ليس ذلك فحسب، بل لقد أصبحوا المحور الرئيس الذي يمسك بزمام التحرك نحو التغيير بحيث لم يكن للقوى الاجتماعية الأخرى إلا أن تلتف كأطراف، حول محور ذلك التغيير. فقد شهدت ساحة العمل السياسي (السري) في اليمن نشاطا مناهضا للنظام الإمامي منذ بداية العقد الثالث من القرن العشرين، وشمل ذلك النشاط قوى اجتماعية مختلفة، كان في طليعتها مثقفو المدن، بمن فيهم بعض العسكريين الذين ظلوا يمارسون نشاطهم في إطار الحركة السياسية– الاجتماعية التي حملت على عاتقها عبء الدعوة إلى الإصلاح، ثم العمل من أجل التغيير، وشاركوا في حركتي 48و1955/ الفاشلتين.

    ومع نهاية العام الأول من ستينات القرن العشرين، كان العسكريون قد نهجوا نهجا آخر في نشاطهم المضاد للنظام الإمامي، حيث أنشأ البعض من صغار ومتوسطي الضباط تنظيما سياسيا- عسكريا خاصا هو "تنظيم الضباط الأحرار" وأصبح دورهم أساسيا، وحاجة القوى الوطنية إليهم ملحة فيما يتعلق بإنجاز الأهداف الرئيسة لقوى المعارضة.

    فلماذا حدث ذلك؟ لم تحول العسكريون من النشاط في إطار الحركة السياسية- الاجتماعية "المدنية" التي عرفت بـ"حركة الأحرار اليمنيين" إلى النشاط السياسي المستقل ضمن إطار تنظيم مغلق؟

    مرحلة التحديث الثانية

    وبالنظر إلى الضغوط التي مارستها بريطانيا على أميركا ودول الغرب فيما يتعلق بتسليح الجيش اليمني، وفي مقابل الموقف السعودي الذي يدعم الاتجاه الحسني المحافظ، اتجه الإمام محمد البدر بن حميد الدين إلى تحسين علاقته بالرئيس جمال عبد الناصر وحكومة الثورة في مصر، التي أمدته ببعض الخبراء العسكريين والمدرسين. كما اتجه صوب المعسكر الاشتراكي السابق وعقد مع بعض دوله، وخاصة الاتحاد السوفياتي وتشيكوسلوفاكيا والصين، اتفاقيات تضمنت: تزويد اليمن بالأسلحة وصيانتها وتدريب اليمنيين عليها, وشملت التالي:

    1. (42) طائرة حربية مختلفة.
    2. (30) دبابة من طراز تي 34.
    3. (50) دبابة من عيار (100ملم) مدافع اقتحام.
    4. (100) مدفع ميدان من أعيرة مختلفة.
    5. (70) ناقلة جنود مدرعة.
    6. (70) سيارة نقل "زل وفورجوٍ"
    7. كميات غير معلومة من الرشاشات الثقيلة والمتوسطة والخفيفة, والأسلحة الفردية وعتاد لمختلف الأسلحة.

    وقد مثلت تلك الصفقة خطوة كبيرة متقدمة, بل قفزة نوعية في تاريخ الجيش اليمني بالمقارنة مع ما قبلها, فكان لها ما بعدها منذ ذلك التاريخ وحتى يوم السادس والعشرين من سبتمبر/أيلول 1962. كما سنبين في مواضع تالية.

    وقد ترتب على صفقات التسليح خطوات إصلاحية أخرى، أهمها:

    1. إعادة فتح الكلية الحربية عام 1957.
    2. إنشاء مدرسة الأسلحة في كل من صنعاء وتعز عام 1957.
    3. إنشاء كلية الطيران عام 1958.
    4. إنشاء مدرسة ضباط الصف عام 1958.
    5. إنشاء مركز تدريب المدفعية عام 1958.
    6. إنشاء كلية الشرطة في تعز عام 1959, وتخرجت الدفعة الأولى منها هناك.
    7. ستقدام بعثة تدريبية– تعليمية سوفياتية
    8. استقدام بعثة تدريبية– تعليمية مصرية.
    9. استقدام بعثة تعليمية عسكرية سوفياتية.
    10. تشكيل وحدات جديدة هي:
    • الجيش الوطني, وتشكلت له إمارة مستقلة أسوة بالجيشين المظفر والدفاعي، وكان  أميره هو العقيد محمد حميد.
    • فوج البدر, وهو أول وحدة مدرعات في الجيش اليمني.
    • أنشأ ولي العهد (البدر) مكتبا خاصا يتبعه مباشرة ومهمته الإشراف والسيطرة المباشرة على إمارات الجيش, وكان ذلك المكتب هو بمثابة المقدمة لتشكيل قيادة عامة للقوات المسلحة التي ظلت تدار بواسطة إمارات الجيوش (المظفر, الدفاعي, الوطني, فوج البدر).

     حجم الجيش قبيل الثورة

    مع بداية العقد السادس من القرن العشرين، وبعد تلك الإضافات الكمية والنوعية التي تمت في الجيش اليمني خلال المراحل المختلفة لنشوئه، فإن تعداد قوامه البشري قبيل ثورة السادس والعشرين من سبتمبر/أيلول 1962م، وبحسب سجلات كل من الجيش المظفر والوحدات التابعة له ومنها الطوبجية والرشاش، الجيش الدفاعي والوحدات التابعة له، الجيش الوطني، وفوج البدر، قد بلغ (40447) فردا من مختلف الرتب، موزعين على وحدات على النحو التالي:

    1. الجيش المظفر: (22090) فردا من مختلف المستويات التراتبية.
    2. الجيش الدفاعي: (15990) فردا من مختلف المستويات التراتبية.
    3. الجيش الوطني (1396) فردا من مختلف المستويات التراتبية.
    4. فوج البدر: (971) فردا من مختلف المستويات التراتبية.

     العسكريون والحكم

    كان تنظيم الضباط الأحرار، كما سبق القول قد اقتصر في عضويته على صغار ومتوسطي الضباط، وكان التنظيم في ما يتعلق بمسألة الحكم، كما يقول بعض قادته (مقتنعا تمام الاقتناع) بعدم تحمل المسؤولية السياسية الجسيمة في الحكم، تاركا تلك المسؤوليات السياسية للآباء من العسكريين والمدنيين الذين سبق لهم أن خاضوا تجارب سياسية كثيرة، على أن تسير الأمور وفقا لأهداف الثورة الستة التي أعدها التنظيم، وعلى أن يمثل التنظيم في مجلس قيادة الثورة شخصان من اللجنة القيادية هما الرئيس (النقيب) عبد اللطيف ضيف الله والملازم علي عبد المغني، وبقية عناصر التنظيم تتفرغ لبناء الجيش الوطني القادر على حراسة البلاد وحماية الثورة ومكاسبها. ويعلل الضباط السبتمبريون ذلك بقولهم: "إن الثورية التي تمنح أصحابها حق الاستبداد بالحكم دون فسح المجال للخبرات والكفاءات الوطنية لا تعتبر ثورية وإنما انتهازية" (9).

    الجيش الحديث عقب ثورة السادس والعشرين من سبتمبر

    إن أهداف الثورة السبتمبرية الستة, بمحتوياتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية قد كانت في مجموعها، كما سبق الإيضاح، أهم أسس التغيير الاجتماعي، ومن ضمنها كان الهدف الثاني الذي نص على: "بناء جيش وطني قوي لحماية البلاد وحراسة الثورة ومكاسبها" من أهم أهداف الثورة.

    على الرغم من أن معظم وحدات الجيشين المظفر والدفاعي ووحدات التدعيم التابعة لهما، كانت تعاني من تدهور أوضاعها العامة، إداريا وعسكريا، ومن تناقص قدراتهما من القوى البشرية الفاعلة، بفعل شيخوخة الكثير من منتسبيها، ووفاة الكثيرين منهم دون إحلال البديل، وتعاني من سوء أوضاعها المعيشية، وغير ذلك، وعلى الرغم من أن أحوال كل من الجيش الوطني، وفوج البدر، حديثي التشكيل كانت أقل سوءً من المظفر والدفاعي، فإن الهجوم الخارجي على الثورة اليمنية لم يكن ليسمح بوضع الخطط العلمية اللازمة لإعادة بناء تلك التي كانت تسمى مجازا "جيوشا"، فاضطرت القيادة الثورية إلى الزج بها، بكل تشكيلاتها، في ميادين القتال منذ اليوم الثاني للثورة، لملاحقة الإمام البدر الهارب، أولا، ثم لخوض المعارك الدفاعية في مواجهة الهجمة التي تعرضت لها الثورة من قبل القوى المعادية لها على المستويين المحلي والإقليمي، فلم يكن ثمة مجال للعمل على إعادة تنظيم ذلك الجيش، بكل فروعه، فالحاجة داعية له في الميدان، وفي نفس الوقت فإنه بأوضاعه تلك لم يكن قادرا على أن يخوض حربا تقودها وتمولها وتعد لها قوى إقليمية ودولية, بإمكانيات حديثة وبأسلوب معاصر، جمع بين أسلوبي الحرب النظامية وحرب العصابات، فكان لا بد من العمل الفوري، وبجهد مواز للحرب، على البدء في إنشاء الجيش اليمني الحديث القادر على مواجهة الأعداء بكفاءة واقتدار بالأدوات والأساليب القتالية المعاصرة.

    لقد فُتحت أبواب التجنيد العام للتطوع في القوات المسلحة في كل المحافظات، وفُتحت لذلك الغرض معسكرات الاستقبال ومراكز التدريب، وبوشر إعداد النواة الأولى للجيش الثوري المعاصر بشكل ومضمون ثوريين معاصرين، بالإضافة إلى قوات الحرس الوطني الذي زج بالمتطوعين فيه دون تدريب كاف، في ميادين القتال من الأسبوع الأول للثورة، فاستشهد منهم الآلاف في معارك الدفاع عن الثورة.

    وقد لعب المصريون في عملية بناء الجيش الوطني الحديث دورا مشهودا، سواء من خلال إحضار الكوادر المتخصصة المتمثلة في" هيئة الخبراء العرب" للمشاركة الفعالة في إعداد وبناء الجيش اليمني في الداخل، أو من خلال فتح أبواب الكليات والمعاهد ومراكز التدريب وهيئات التخصص العسكرية في الجمهورية العربية المتحدة لمنتسبي القوات المسلحة الثورية الجديدة، حيث تم تدريب وإعداد أربع ألوية مشاة كاملة التشكيل في معسكرات وهيئات الجيش المصري، أما الألوية فهي على التوالي:

    1. لواء الثورة.
    2. الكتيبة الأولى من لواء النصر.
    3. لواء الوحدة.
    4. لواء العروبة.

    بالإضافة إلى عشرات البعثات التدريبية التخصصية في مدارس: المشاة، الصاعقة، المظلات، الإشارة، التدريب المهني، الخدمات الطبية، والكتبة العسكريين، والتدريب المهني، المركبات، المدرعات، التربية الرياضية. وفي تلك المعاهد، تم تأهيل كوادر من القوات المسلحة اليمنية من مختلف الرتب العسكرية، بالإضافة إلى مدرسة ضباط الصف.

    ومع حلول منتصف مارس/آذار 1966، بعد أن عاد من ميادين التدريب في الجمهورية العربية المتحدة آخر لواء مشاة تم إرساله إلى هناك، ونعني به "لواء العروبة"، فإنه قد كانت في الميدان النواة الأولى للجيش اليمني الثوري المعاصر.

    وفي ظل الاضطرابات والفوضى التي شهدتها العديد من ميادين القتال، بسبب غياب القيادة العسكرية الموحدة، فإن الخطوة الأولى لقيادة الثورة قد تمثلت في تشكيل قيادة موحدة للجيش تمثلت في "هيئة أركان حرب القوات المسلحة ورئاستها"، فتم إنشاء الهيئات القيادية التالية(10):

    1. هيئة العمليات الحربية برئاسة النقيب عبد اللطيف ضيف الله وزير الداخلية.
    2. هيئة إدارة الجيش.
    3. هيئة الإمداد والتموين.
    4. هيئة التسليح العسكري العام.

    وقد كانت هيئة العمليات الحربية هي أعلى سلطة عسكرية، بعد القائد الأعلى للقوات المسلحة عبدالله السلال، بعد الثورة.

    وقد كانت من أولى إجراءات القيادة، إعادة فتح الكلية الحربية وكلية الشرطة، وافتتاح معهد عسكري في مدينة تعز هو المركز الحربي الذي تولى تأهيل الضباط في مختلف التخصصات، بخبرات سوفياتية في الغالب.

    ومن أول ما قامت به الهيئة، إعادة النظر في تنظيم القيادة العسكرية للجيش، فصاغت تنظيما جديدا لقيادة القوات المسلحة، كان على رأسه القائد العام للقوات المسلحة, يليه رئيس هيئة أركان حرب القوات المسلحة والفروع التابعة له التي تمثلت في:

    1. فرع العمليات الحربية.
    2. فرع الإدارة والتنظيم.
    3. فرع الشؤون الإدارية.
    4. الفرع المالي.
    5. فرع المشاة.
    6. فرع الاستطلاع.
    7. فرع الشرطة العسكرية.
    8. فرع المدفعية.
    9. فرع المدرعات.
    10. فرع الإشارة.
    11. فرع المهندسين.
    12. فرع المنشآت التعليمية.

    وقد تم إعداد الهيكل التنظيمي العام للقيادة العامة للقوات المسلحة ورئاسة الأركان، والهياكل التنظيمية للفروع، وتحديد مهامها وواجباتها، وتعيين قياداتها. وتم تعيين المقدم حمود بيدر رئيسا لأركان حرب القوات المسلحة. وكان قد عُيِن في هذا المنصب من قبله، لفترة زمنية قصيرة، العميد أحمد الآنسي. أما القائد العام للقوات المسلحة فقد كان (العميد) عبدالله السلال.

    ثم أعقب ذلك تقديم مقترح بأن يكون حجم الجيش اليمني الحديث عشرين ألف مقاتل. ووضعت الخطط اللازمة للتنفيذ، فبوشر محليا في تشكيل وحدات نوعية تمثلت في إنشاء:

    1. لواء المظلات.
    2. لواء الصاعقة.
    3. 3 كتائب مدفعية مستقلة.
    4. 3 كتائب مدرعات.
    5. كتيبة شرطة عسكرية واحدة.
    6. كتيبة إشارة.
    7. كتيبة مهندسين

    ثم تقرر إعادة تنظيم القوات المسلحة لتكون على النحو التالي:

    1. سلاح المشاة ويضم كل ألوية المشاة.
    2. سلاح المدفعية.
    3. سلاح المدرعات.
    4. سلاح الطيران.
    5. سلاح البحرية.
    6. سلاح المهندسين
    7. سلاح الإشارة.

    وتغيرت تسمية وحدات: الصاعقة، المظلات، الشرطة العسكرية إلى أسلحة.

    واستمر البناء العسكري في إطار هذه التشكيلات في الجمهورية الأولى حتى بداية العام 1967، حيث تم تشكيل لواء جديد أطلق عليه حينها اسم: اللواء العشرين حرس جمهوري، وتعين لقيادته المناضل المرحوم المقدم طاهر الشهاري. وبعد انقلاب الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام، تغيرت تسميته إلى: اللواء العاشر مشاة، وظلت قيادته كما هي، مع تطعيمه بعدد من الضباط المختارين بعناية الذين يتوافقون مع التوجهات الجديدة. وفي نفس الوقت، تم إنشاء القوات الجوية اليمنية، وكان للاتحاد السوفياتي دور مشهود في سرعة تزويد هذه القوة الجديدة بعدد من الطائرات المقاتلة والقاذفة والنقل والطائرات المروحية، كما تم تزويد القوات البحرية بعدد من القطع البحرية متعددة الأنواع والأغراض لتتولى حماية المياه الإقليمية والسواحل اليمنية. تبع ذلك، عقب انتصار القوى الجمهورية الشابة، وحصار القوى الملكية المعادية لصنعاء الشهير بحصار السبعين، تشكيل لواء العاصفة في منطقة السخنة بلواء الحديدة بقيادة العقيد علي سيف الخولاني، وتم نقله إلى صنعاء في أوائل عام 1968.

    ذلك في ما يخص بناء الجيش الجديد، أما ما يتعلق بالجيش النظامي والدفاعي وكل التشكيلات السابقة للثورة فقد قررت القيادة العسكرية العربية (المصرية) تشكيل إمارة خاصة بها تحت مسمى" إمارة الجيش النظامي.

    قبيل حركة الثالث عشر من يونيو/حزيران 1974 التي قادها العقيد إبراهيم الحمدي نائب القائد العام للقوات المسلحة آنذاك، تشكلت وحدات عسكرية جديدة هي:

    1. لواء العمالقة.
    2. لواء المغاوير.
    3. لواء الاحتياط.
    4. لواء أمن القيادة.

    بعد عام من حركة التصحيح، أي في 1975، جرت إعادة تنظيم واسعة للقوات المسلحة، وتم عزل عدد من كبار القادة واستبدل بهم قادة من الشباب الموالين للتوجه الثوري الجديد الذي يقوده إبراهيم الحمدي، حيث تم دمج عدد من الوحدات لتتشكل منها أربع قوى رئيسة على النحو التالي:

    1. لواء العمالقة+ الوحدات النظامية، وتشكلت منهما قوات العمالقة.
    2. لواء العاصفة+ لواء الاحتياط، وتشكلت منهما قوات الاحتياط العام.
    3. سلاح الصاعقة+ سلاح المظلات + لواء المغاوير وتشكلت منهم قوات المظلات.
    4. سلاح الشرطة العسكرية+ أمن القيادة، وتشكلت منهما قوات الشرطة العسكرية.

    عقب اغتيال إبراهيم الحمدي والرئيس الغشمي، جرت عملية تغيير واسعة في القوات المسلحة اليمنية شملت الكم والكيف والإعداد القتالي والمعنوي والولاء السياسي، والشكل والمضمون القيادي، وتمحورت عملية التغيير حول تسليم أهم المناصب القيادية على مستوى القوى والمناطق والوحدات العسكرية لأقرباء الرئيس السابق صالح وأبناء قبيلته، وتم إنشاء وحدات عسكرية جديدة أهمها: اللواء الثامن صاعقة، الدفاع الجوي، الدفاع الساحلي، واتسعت أفقيا ألوية المشاة وتسلم قيادة معظمها أقرباء وأبناء قبيلته وتشكلت أربع مناطق عسكرية، وصار الرأس القائد لتلك التكوينات على النحو التالي:

    1. القوات الجوية، الرائد (لواء في ما بعد) محمد صالح الأحمر، أخ غير شقيق للرئيس السابق صالح.
    2. الدفاع الجوي، محمد علي محسن الأحمر من قرية الرئيس السابق صالح.
    3. الحرس الجمهوري الذي أصبح جيشا قائما بذاته، بقيادة الرائد (لواء في ما بعد) علي صالح الأحمر، أخ غير شقيق للرئيس صالح. ثم تم عزله وتسلم قيادة الحرس الجمهوري ابن الرئيس السابق صالح الذي تخرج من الكلية العسكرية الأردنية برتبة عقيد، وأنشئت تحت قيادته أيضا القوات الخاصة وقوات مكافحة الإرهاب التي حظيت بدعم أميركي مباشر وقوي.
    4. الفرقة الأولى مدرع، الرائد علي محسن صالح الأحمر، من قبيلة وقرية الرئيس السابق   صالح. اللواء الثالث مشاة مدعم بقيادة الرائد عبدالله القاضي، من قبيلة صالح.
    5. اللواء 130مشاة مدعم، بقيادة الرائد عبدالله فرج من قبيلة صالح.
    6. معسكر خالد، وفيه قوة عسكرية ضاربة بقيادة الرائد أحمد فرج ثم الرائد صالح الظنين، والاثنين من قبيلة صالح.
    7. اللواء الثامن صاعقة، بقيادة الرائد محمد إسماعيل، من قبيلة صالح.
    8. اللواء 56 المقدم، بقيادة أحمد إسماعيل علي أبو حورية من قبيلة صالح.
    9. اللواء الأول مشاة، بقيادة الرائد مهدي مقولة, من قبيلة صالح، ثم تولى أركان حرب الشرطة العسكرية ثم قيادة الحرس الرئاسي الخاص.
    10. قوات الأمن المركزي، وهي قوة ضاربة تتشكل من أكثر من عشرة ألوية، تسلم قيادتها المقدم محمد عبد الله صالح شقيق الرئيس السابق صالح، وورثه ابنه العقيد يحيى محمد عبدالله صالح.
    11. وأخيرا تشكل الأمن القومي وهو أمن عائلي، بقيادة عمار يحيى محمد عبدالله صالح. ابن أخ الرئيس السابق صالح.

    وحين تشكلت المناطق العسكرية كانت قياداتها على النحو التالي:

    1. المنطقة الشمالية الغربية المقدم علي محسن صالح.
    2. المنطقة المركزية المقدم علي صالح الأحمر.
    3. المنطقة الجنوبية المقدم محمد علي محسن، بعد ما جرى دمج الدفاع الجوي بالقوات الجوية بقياد محمد صالح الأحمر.
    4. المنطقة الجنوبية، المقدم محمد إسماعيل قائد اللواء الثامن صاعقة، ثم سلمت لمحمد علي محسن الأحمر الذي سلم قيادة المنطقة الجنوبية للعميد مهدي مقولة، وتسلم منه قيادة الحرس الخاص العميد طارق محمد عبدالله صالح.
    5. وكان آخر القادة من أسرة صالح، الخريج من سانت هيرست البريطانية العقيد خالد علي عبدالله صالح، الذي تسلم قيادة ثلاثة ألوية مشاة جبلية تتمركز في أهم الجبال المحيطة بصنعاء. والقائمة تطول حيث هناك قادة من المستوى الثاني والثالث وعلى مستوى الكتائب والسرايا، بل والفصائل، كانوا من قبيلة صالح وقريته بالإضافة إلى المناصب المفصلية في الدوائر والوحدات المساعدة، أما القادة الذين لم يكونوا من قبيلة صالح فكان يشترط فيهم الولاء المطلق.

     القوات المسلحة بعد سقوط صالح

    بدأت تجري للقوات المسلحة اليمنية، وبصعوبة بالغة، عملية إعادة هيكلية، مبتدئة بإعادة النظر في بعض القيادات العسكرية الرئيسة، شملت حتى الآن (مايو 2012) قائد القوات الجوية، وقائد الحرس الخاص وآخرين والبقية في الطريق، وتستهدف العملية برمتها إخضاع القوات المسلحة والأمن للوزيرين المختصين اللذين هما تحت السيطرة المباشرة لرئيس الوزراء، بمعنى إخضاع المؤسستين الدفاعية والأمنية مباشرة للسلطة المدنية إخضاعا تاما، شأنهما في ذلك شأن مثيلتيهما في البلدان الديمقراطية التعددية، وهذا أمر لا رجعة عنه وهدف رئيس وأول من أهداف الثورة وحكومة الوفاق الوطني والقيادة السياسية العليا ممثلة في الرئيس المنتخب شعبيا عبد ربه منصور هادي.
    _______________________________
    العميد المتقاعد محسن خصروف - محلل وكاتب يمني

    الإحالات
    1 - الموسوعة العسكرية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، تاريخ النشر: 01/08/1977، ص 471.
    2 - المرجع نفسه.
    3 - أمين الريحاني: ملوك العرب.. رحلة في البلاد العربية، دار النـشر: دار الجيل – بيروت، الطبعة الثامنة - 1987م، ص 153.
    4 - سلطان ناجي: التاريخ العسكري لليمن، الناشر: الجيل الجديد، ص. ص 127- 128.
    5- سلطان ناجي المرجع نفسه.
    6 - انظر المراجع التالية:
    - هيئة العمليات الحربية : مطبوعة، الورقة الثالثة.
    - سيف الدين آل يحيى: اليمن في عيون البعثة العسكرية العراقية، الدار العربية للموسوعات، 1940-1943م، الطبعة الأولى، ص. ص 281- 282.
    - سلطان ناجي: مرجع سابق، ص 122.
    - أحمد قائد الصايدي: ال?من في ع?ون الرحالة ا?جانب، الطبعة: ا?ول?، 2011 ، إخراج: ا?فاق للطباعة والنشر، الناشر: مرکز الدراسات والبحوث ال?مني، ص 41.
    - عبد الله السلال، عبد الرحمن الإرياني ، عبد السلام صبرة: وثائق أولى، عن الثورة اليمنية، مركز الدراسات والبحوث اليمني، دار الآداب، بيروت، 1985، ص 84 .
    7 - إخباريون من مناطق: خولان، همدان، حاشد، حبيش، صبر.
    8 - يشمل مفهوم العسكريين (الضباط) ضباط الأمن الذين انخرطوا في تنظيم الضباط الأحرار ومارسوا العمل السياسي التنظيمي، واشتركوا في التنفيذ عند قيام الثورة.
    9 - انظر: عقيد ركن/ ناجي علي الأشول: الجيش والحركة الوطنية في اليمن 1919 ـ 1969م، دراسة تاريخية عسكرية سياسية، مطابع دار الصحافة والطباعة والنشر- 1988م، ص. ص 208- 209. وانظر كذلك: المقدم الرحومي وآخرون: أسرار ووثائق الثورة اليمنية، مركز الدراسات والبحوث اليمني، ص. ص 18 -19.
    10 - ناجي علي الأشول: المرجع السابق، ص ص 250-251.