بعد هجوم الجماعات الجهادية على النيجر.. على من سيكون الدور؟

العملية الفرنسية في مالي محفوفة بالمخاطر من بدايتها والمقاربة الفرنسية القائمة على القضاء على ظاهرة التسلح الإسلامي الجهادي بالقوة ليست مصيبة، وما نشهده اليوم من تدهور أمني في شمال النيجر ليس سوى تفاقم وتجسيد لاختلالات المقاربة الفرنسية في التصدي للظاهرة الجهادية بمنطقة الساحل.
26 مايو 2013
201352715342080734_20.jpg
المصدر: (الجزيرة)

تطورت الأوضاع الأمنية مؤخرا في شمال النيجر، إحدى أفقر دول غرب إفريقيا، في أعقاب مقتل أزيد من عشرين شخصا من بينهم على الأقل 18 جنديا نيجريا في انفجار سيارتين مفخختين استهدفتا صبيحة الخميس 23 مايو/ ايار 2013 ثكنة عسكرية في أغاديز، أهم مدن صحراء النيجر، كما استهدفت موقعا لاستخراج اليورانيوم بأرليت تابعا لمجموعة "أريفا" الفرنسية، وقد تم احتجاز طلبة في الثكنة من قبل أحد المهاجمين قبل أن يتم افتكاكهم وقتل هذا الشخص بموقع أرليت بعد قتل أربعة مهاجمين آخرين في ثكنة أغاديز العسكرية.

منجم أرليت واختيار الجهاديين لأهدافهم

تبنت حركتان جهاديتان مسؤوليتهما عن الهجومين اللذين لم يفصل بينهما سوى ثلاثين دقيقة، وأكدتا أنهما نسقتا معا هذه العملية التي قام بها كل من حركة التوحيد والجهاد بغرب إفريقيا ومجموعة مسلحة تطلق على نفسها "الموقعون بالدم" يقودها الجزائري أبو العباس مختار بلمختار أو بالأعور الذي أشرف بنفسه على التفجيرين، وقد هددت جماعته بشن هجمات جديدة داخل النيجر.

أطلق على هذا الهجوم، الذي استهدف بشكل متزامن المصالح الفرنسية الاقتصادية بأرليت والجيش النيجري بأغاديز، اسم الجهادي والقائد السابق في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي عبد الحميد أبو زيد، الذي أودى في فبراير/ شباط 2013 نتيجة قصف الطيران الفرنسي لمرتفعات جبال آدرار أيفوغاس شمال مالي حيث انسحبت التنظيمات الجهادية التي كانت تبسط نفوذها على إقليم أزواد قبل التدخل العسكري الفرنسي.

ولاستهداف الهجوم على موقع أرليت، الذي يبعد 240 كلم إلى الشمال من مدينة أغاديز، أكثر من هدف؛ ففي أرليت يوجد أكبر منجم لليورانيوم في إفريقيا وهو منجم سهل الاستخراج لأنه مكشوف وعمقه ما بين الخمسين إلى السبعين مترا. ومنذ أربعين سنة تحتكر مجموعة الطاقة النووية الفرنسية "أريفا" (Areva) استخراج اليورانيوم بأرليت وتصدريه إلى فرنسا وإلى غيرها من الدول، وتتولى شركة "سومايير" وهي أحد فروع أريفا استخراج واستثمار هذا المنجم.

وتعتبر مجموعة أريفا ثاني أكبر منتج عالمي لليورانيوم بعد كازاخستان وتستخرج 37% من إنتاجها من النيجر. وفي سنة 2012 انتجت من منطقة أرليت 3065 طنا من اليورانيوم. ويغطي اليورانيوم النيجري ثلث احتياجات فرنسا من هذه المادة الطاقوية. وتمتلك شركة "أريفا" الفرنسية 64% من حقوق استغلال منجمها الغني باليورانيوم بينما تعود ملكية 36% الباقية لدولة النيجر.

يعتبر هذا الهجوم، غير الجديد من نوعه، ضربة قوية للاقتصاد النيجري وللمصالح الفرنسية الاستراتيجية في المنطقة؛ حيث تأتي هذه العملية، وقد مرت ثلاث سنوات على اختطاف مسلحين منتمين لتنظيمات الجهادية لسبعة رهائن بأرليت ومن بينهم خمسة فرنسيين، مما يعني مزيدا من استهداف المصالح الفرنسية بمنطقة الساحل وبغرب إفريقيا.

وسيكون تأمين استخراج اليورانيوم من منجم أرليت حاجة ملحة وحيوية بالنسبة لفرنسا التي تعتمد إلى حد كبير في توفير طاقتها المنزلية وتوفير الطاقة لمصانعها وغير ذلك على اليورانيوم بالنيجر. وسيظل عدم الأمن في صحراء النيجر أمرا مقلقا بالنسبة لباريس خصوصا وأن هنالك اكتشافا لليورانيوم أعلن عنه في يونيو/ حزيران 2010؛ وهو معدن إمورارن العملاق الواقع بشمال النيجر. وتخطط مجموعة أريفا، التي رصدت لهذا الاكتشاف أكثر من مليار يورو على البدء في استخراجه في صيف 2015. وسيتضاعف إنتاج أريفا ليصير خمسة آلاف طن من اليورانيوم في السنة وهو ما يرشحها أن تكون الأولى عالميا في إنتاج هذه المادة الطاقوية المتميزة التي ظلت كازاخستان الدولة الأولى عالميا من حيث إنتاجه.

ومن المفارقات أن هذا الهجوم يأتي في الوقت الذي أعلنت فيه مجموعة أريفا عن زيادة في ميزانية تأمين الموقع المنجمي، وعن استكتاب مزيد من الجنود النيجريين وغيرهم من موظفي شركات التأمين الفرنسية الخاصة.

رسائل لباريس ولدول منطقة الساحل

تأتي عملية الهجوم على منجم أرليت لليورانيوم بالنيجر وقد مرت أربعة أشهر وأسبوع على الهجوم المماثل على منشأة عين أميناس للغاز في الجزائر، وبعد مرور فترة مقاربة من الهجوم الفرنسي المعزز بدعم دول غرب إفريقيا على شمال مالي، لتؤكد عزم المسلحين الجهاديين تحويل تهديداتهم اللفظية إلى أفعال. فقد وجه قادة هذه التنظيمات في أكثر من مناسبة توعدا قويا إلى فرنسا وإلى دول الساحل التي شاركت إلى جانب الجيش الفرنسي في طرد التنظيمات الجهادية المسلحة من منطقة أزواد بشمالي مالي منتصف يناير/ كانون الثاني 2013.

جاء التنسيق المشترك لتدبير هذا الهجوم بين حركة التوحيد والجهاد بغرب إفريقيا ومجموعة "الموقعون بالدم" ليؤكد أن التنظيمات الجهادية، ولو فرقتها التسميات والتكتيكات الآنية، فإن لها هدفا استراتيجيا موحدا يجعلها تخطط بشكل مشترك وتنفذ معا وتحت إشراف قائد واحد. كان لإشراف بلمختار على هذه العملية أكثرُ من معنى خصوصا وأن دولة تشاد كانت قد أشاعت أن جنودها قد قتلته في تفجير مدمر في شهر فبراير/ شباط 2013 وهو أمر تحفظت عليه فرنسا في ذلك الوقت كما أثبتت هذه العملية عدم صحته. فهذا هو بلمختار يخطط وينفذ عملياته في قلب صحراء النيجر حيث تضع فرنسا بثقلها الأمني والاستثماري، وحيث يُدير أحد أكبر أذرعها في مجال الطاقة في العالم أعظم منجم لليورانيوم في القارة الإفريقية. بل إن هذا الهجوم يشكل اختراقا واضحا للمجال الأمني للطيران الفرنسي الذي كادت استطلاعاته تغطي بشكل يومي ومستمر شمال مال والنيجر فضلا عن الطائرات الأمريكية بدون طيار التي تعمل بشكل منتظم في نفس المنطقة. فبلمختار وحلفاؤه في جماعة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا قد أكدوا على أن عناصرهم بإمكانها الوصول إلى قوات النيجر الخاصة وإلى عناصر شركات التأمين الفرنسي العالية التدريب والكفاءة والتي تتولى تأمين شركة "أريفا" الفرنسية في منطقة أرليت وفي ثكنات أغاديز وأن تضرب المصالح الفرنسية بشكل مؤثر.

صورة لمكان أحد التفجيرين اللذين وقعا الخميس 24 مايو/أيار الجاري في أغاديز بالنيجر (الفرنسية)

يوحي اختيار اسم القيادي عبد الحميد أبو زيد لهذا الهجوم بالانسجام التام بين مختلف مكونات التنظيمات الجهادية بمنطقة الساحل وبشمال إفريقيا؛ حيث ذكر أكثر من مصدر إعلامي أنه كانت هنالك قطيعة بينه وبين بلمختار قبل مصرعه، وأن بلمختار لم يؤسس كتيبته الخاصة به "الموقعون بالدم" إلا بعد أن انفصل عن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وأصبح على منأى عن قادتها ومن بينهم عبد الحميد أبو زيد. فبلمختار بإطلاقه اسم رفيقه بالأمس في التنظيم إنما يؤكد على التواصل بينه وبين تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.

ومع تأكيد المصادر الفرنسية والنيجرية على القضاء على من تبقوا من المهاجمين أثناء تدخل مشترك بين القوات الفرنسية والنيجرية فإن الدمار الذي تركه الهجومان كان شديدا فالسيارتان كانتا تحملان كمية كبيرة جدا من المتفجرات حسب صحيفة لوفيغارو الفرنسية(1) وهو ما أعطى للعملية وقعا إعلاميا وجعل بعض المصادر تصفها بالنوعية.

على من سيكون الدور في المرحلة القادمة؟

بات من شبه المؤكد أن أغلب دول الساحل بل ودول شمال إفريقيا ستكون معنية أكثر من أي وقت مضى بما حدث في النيجر؛ فالمسلحون الجهاديون ما فتئوا يتوعدون في بياناتهم المنشورة كل الدول التي دعمت فرنسا في تدخلها العسكري في مالي. كما أكدوا على أن الهجوم على النيجر جاء نتيجة مشاركة نيامي في التدخل العسكري في أزواد من جهة ونتيجة إعانتها من جهة ثانية لنيجيريا في تعقب مسلحي تنظيم بوكو حرام من جهة أخرى، حيث كانت أبوجا قد طلبت هذا الشهر من النيجر مساعدتها في التصدي لمسلحي بوكو حرام كما أوردت وكالة رويترز(2).

ولو نظرنا في طبيعة العناصر الجهادية المشاركة في عملية الهجوم على منجم أرليت بشمال النيجر لتبين لنا أن هنالك تنوعا في الجنسيات التي نفذت هذه العملية ففضلا عن الجزائر تم ذكر عناصر ينتمون إلى السودان وإلى الصحراء الغربية، وإلى مالي، وربما تكون هنالك جنسيات أخرى من القارة الإفريقية وربما من غيرها خططت للهجوم أو نفذته.

وستجد الدول التي أرسلت جنودها إلى مالي كالتشاد ونيجيريا والسنغال والتوغو وبوركينافاسو وغانا وليبيريا والسيراليون نفسها مطالبة بالتفكير مليا في ضرورة تدعيم وتقوية احتياطاتها الأمنية وسيكون الأمر صعبا خصوصا وأن أغلب هذه الدول فقيرة وليست لها من الإمكانات اللوجستية ووسائل الكشف والتحري والتعقب ما يجعلها قادرة على مواجهة خصم متخف ينفذ ضرباته بشكل مباغت وسريع. ولن تكون موريتانيا والجزائر، وهما دولتان معنيتان أكثر من غيرهما بأزمة شمال مالي، بمعزل عن هذا الوضع الأمني الجديد الذي نتج عن الهجوم على موقع أرليت. فلا موريتانيا ولا الجزائر دفعتا لحد الساعة بجنودهما إلى الساحة الأزوادية، لكنهما سعتا إلى نشر قواتهما البرية والجوية على طول الحدود مع الجارة مالي لمراقبة وحماية حوزتهما الترابية. وستكونان أكثر حذرا في الوقت الراهن كما ستأخذان بجدية التوعدات والتحذيرات التي ما فتئ قادة التنظيمات الجهادية بمنطقة الساحل يطلقونها من وقت لآخر.

ويتفق الكثير من المراقبين على أن الدول التي شاركت بقواتها قد يكون أهدافا في المستقبل لهجمات مشابهة لما وقع في شمال النيجر؛ مما يعني مزيدا من التوتر الأمني في منطقة الساحل وربما ينجر إلى دول المغرب العربي المرتبطة أمنيا وجغرافيا واستراتيجيا بالساحل.

خاتمة

لا شك أن العملية الفرنسية في مالي كانت محفوفة بالمخاطر منذ بدايتها، ولعل اعتقاد الفرنسيين أن القضاء على ظاهرة التسلح الإسلامي الجهادي بالقوة كان وهماً، وما نشهده اليوم ليس سوى تفاقم وتجسيد لاختلالات المقاربة الفرنسية.

ومما يعقد هذه الوضعية المعقدة أصلا تأكيد رئيس النيجر محمدو إيسوفو على أن العناصر التي هاجمت منجم أرليت كانت قد تسللت من ليبيا، وهذا ما يعني أن فرنسا ستفكر بجد في رؤيتها الأمنية في المنطقة خصوصا وأن هجوم أرليت يأتي بعد شهر يوما بيوم من تفجير سفارة فرنسا بليبيا يوم 23 إبريل/ نيسان 2013.

ولعل التطورات الأمنية داخل ليبيا والمواقف الليبية المتباينة من فرنسا أمور مرتبطة مع ما يحدث بشمال النيجر، ففي ظل تشابك العلاقات وتعددها بين الجنوب الليبي وبين منطقة الساحل وخصوصا شمال النيجر وشمال تشاد فإن الوضع الأمني بهذه المنطقة سيظل مقلقا.
_____________________________________
د. سيدي أحمد ولد أحمد سالم - منسق وحدة الدراسات الإفريقية بمركز الجزيرة للدراسات

الإحالات
1- للاطلاع إضغط هنا.
2- للاطلاع إضغط هنا.

نبذة عن الكاتب