تبعات الاتفاق النووي الإيراني على الصين وروسيا

إن الصين وروسيا سيستفيدان من الاتفاق النووي الإيراني بالإجمال، لأنه سيحقق لهما مكاسب على أكثر من صعيد، للصين على الصعيد الاقتصادي وروسيا على الصعيد السياسي والأمني، إلا أن موسكو ستتضرر من الاتفاق من جهة أنه سيجعل إيران منافسًا حقيقيًّا لها في مجال الطاقة.
21 سبتمبر 2015
2015921102529882580_20.jpg

(الجزيرة)

ملخص
تتناول الورقة موقف الصين وروسيا من الاتفاق النووي الإيراني؛ حيث يحرص البلدان على الاستفادة منه لتعزيز علاقاتهما مع إيران في مواجهة واشنطن وتعزيز نفوذهما الجيوبوليتيكي في منطقة الشرق الأوسط. ولكن كانت الصين أشد حرصًا على إنجاح المفاوضات واقترحت إطارًا تفاوضيا يقوم على التنازل المتبادل خطوة بخطوة؛ ذلك أن بكين ستكون الأكثر استفادة من إنجاز الاتفاق سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي ولن يترك أي تداعيات سلبية واضحة عليها. في حين أن روسيا رغم المكاسب التي قد تحققها من مبيعات الأسلحة ومن الحلف السياسي مع إيران إضافة إلى مزايا أخرى جراء الاتفاق، إلا أن هذا الأخير سيعزز من قدرات إيران التنافسية على صعيد الطاقة وهو ما تخشاه روسيا؛ لذلك تخلص الورقة إلى أنه من المحتمل بسبب هذا الأخير أن تتحول موسكو إلى لعب دور سلبي بخصوص الاتفاق واستكمال تنفيذه.

مقدمة

يُعد كل من الصين وروسيا جزءًا أساسيًّا من مجموعة (E3) -أي: الاتحاد الأوروبي إضافة إلى كل من الولايات المتحدة وروسيا والصين- أو (5+1) التي شاركت في المفاوضات التي أدت إلى ولادة الاتفاق النووي الإيراني في 14 يوليو/تموز الماضي في فيينا. لقد رحَّب البلدان بهذا الاتفاق؛ حيث اعتبر وزير الخارجية الصيني وانغ يي هذا اليوم تاريخيًّا(1)، فيما أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بيانًا رحَّب فيه بالاتفاق مؤكِّدًا على الدور الذي لعبته روسيا للتوصل إليه(2).

وعلى الرغم من أن الصين تعتبر الدولة الأكثر استفادة على الإطلاق من مفاعيل هذا الاتفاق (بعد إيران)، الا أن الأمر قد يبدو مختلفًا إلى حدٍّ ما بالنسبة إلى روسيا. ويظهر التمايز بين الجانبين الصيني والروسي من خلال الموقف والسلوك الذي اتبعه كل منهما قبل وأثناء وبعد المفاوضات، وكذلك الأمر بالنسبة إلى التوقعات المتعلقة بمفاعيل الاتفاق وانعكاساته على كل منهما خلال وبعد فترة تنفيذه.

من هذا المنطلق تناقش هذه الورقة موقف ودور كل من الصين وروسيا في الاتفاق النووي الإيراني، والانعكاسات الإيجابية والسلبية التي قد يتركها الاتفاق على مصالح البلدين مستقبلًا.

موقف ودور الصين في الاتفاق النووي الإيراني

أسهمت الصين خلال المراحل المختلفة للمفاوضات بجهود حثيثة لحل الخلافات بين واشنطن وطهران لاسيما خلال المرحلة النهائية الأكثر تعقيدًا، وقامت بكين بعد التوصل إلى خطة العمل المشتركة (JPOA) في نوفمبر/تشرين الثاني من العام 2013، بطرح إطار تفاوضي للوصول إلى الحل الشامل يقوم على خمس نقاط، هي(3):

  • الالتزام بالحوار بين مجموعة (5+1) وإيران.
  • السعي نحو حلٍّ شامل وعادل ومناسب وطويل المدى.
  • اتباع مبدأ الحل خطوة خطوة وبشكل تبادلي.
  • خلق مناخ مناسب للحوار والتفاوض.
  • اتباع نهج شامل لمعالجة الأعراض والأسباب الجذرية للموضوع.

وفي ختام المرحلة ما قبل النهائية، أي قبل حوالي ثلاثة أشهر من المهلة النهائية للتوصل إلى اتفاق شامل مع إيران، طرح وزير الخارجية الصيني في 13 مارس/آذار 2015، اقتراحًا يقوم على أربع نقاط، هي(4):

  • حل القضية يتطلب قرارًا سياسيًّا وليس الاعتماد فقط على الحلول التقنية، على اعتبار أن الموضوع يحمل طابعًا سياسيًّا-أمنيًّا.
  • كل الأطراف يجب أن تلاقي بعضها في منتصف الطريق وهذا يتطلب القبول بتسويات.
  • اتباع مبدأ الحل خطوة خطوة وبشكل تبادلي.
  • التفكير خارج الصندوق لتقديم حل متكامل وشامل.

من الواضح من خلال هذه المبادرات أن هناك اهتمامًا وحرصًا صينيًّا على الوصول إلى اتفاق بين واشنطن وطهران، ولاشك أن جزءًا من الاهتمام الصيني يعود إلى التصورات الموجودة عن الانعكاسات الإيجابية المنتظرة لهذا الاتفاق على الصين. أمَّا النقطة الأهم بالنسبة إلى دور الصين في التوصل إلى الاتفاق فهي طرح إعادة تصميم قلب مفاعل أراك للمياه الثقيلة(5). هذه المنشأة قادرة على إنتاج البلوتونيوم الذي يُستخدم عادة لصنع القنبلة النووية أي للاستخدامات العسكرية، وقد كان مفاعل أراك يشكِّل عقبة جدية أمام تقدم المفاوضات إلى أن طرحت الصين فكرة إعادة تصميم قلب المفاعل لكي يصبح غير قادر على إنتاج البلوتونيوم للأغراض العسكرية.

بموجب نص الاتفاق هناك الكثير من المسؤوليات المشتركة الملقاة على عاتق الدول التي شاركت في المفاوضات (5+1) للتوصل إلى الاتفاق النووي لاسيما في مجال التعاون النووي السلمي والمساعدة التقنية والفنية لإيران. عدا ذلك فإن الدور الأبرز للصين يكمن في قبولها بأن تقوم بالفكرة التي كانت قد طرحتها سابقًا خلال المفاوضات وهي إعادة تصميم قلب المفاعل، وسيكون للصين دور قيادي في هذا المشروع. وبموجب الاتفاق فقد عقد كل من الصين وإيران والولايات المتحدة اجتماعًا ثلاثيًّا قبل أيام لمناقشة هذه المسألة(6) واتفقوا في نهايته على شكل ونوع التعاون التقني الذي سيُعتمد لإنجازه(7). وستقوم الصين أيضًا ببناء مفاعلين نوويين صغيرين بطاقة 100 ميغاواط لكل منهما، بالإضافة إلى أن الحكومة الإيرانية ستنظر في إمكانية منح الصين مشروع بناء مفاعلين نووية كبيرين بحجم 1000 ميغاواط لكل منهما(8).

الانعكاسات المحتملة للاتفاق على الصين

أمَّا بخصوص الانعكاسات الإيجابية والسلبية الأخرى المحتملة للاتفاق على الصين، فيمكن إيجاز أبرزها على الشكل التالي:

أ‌- الانعكاسات الإيجابية

1) استيراد المزيد من النفط والغاز الإيراني الرخيص
بموجب الاتفاق، تتضمن المرحلة الأولى من مراحل رفع العقوبات عن إيران رفع الحظر المفروض على تصدير النفط والتعاملات المالية مع البنك المركزي وبعض العقوبات ذات الصلة بالاستيراد والتصدير. ومن المتوقَّع في حال حصول تقدم في تنفيذ الاتفاق النووي أن تُرفع العقوبات عن تصدير إيران للنفط مع حلول نهاية هذا العام (2015) أو الربع الأول من العام القادم (2016). سيؤدي ذلك بالتأكيد إلى زيادة كمية الإنتاج والتصدير وسيؤثِّر ذلك بدوره على أسعار النفط الأمر الذي سيتيح للصين بطبيعة الحال استيراد المزيد من النفط من إيران وبأسعار رخيصة، وهذا بحد ذاته مكسب للصين التي تأتي في المرتبة الأولى في قائمة الدول المستوردة للنفط الإيراني.

2) رفع حجم التعاون الاقتصادي والتجاري
سيمكِّن الاتفاقُ النووي الصينَ من الحصول على حصة كبيرة من الكعكة الإيرانية سواء في مجال المال أو الأعمال أو الاقتصاد أو التجارة. وفقًا لنائب الرئيس الإيراني، ورئيس منظمة الطاقة النووية الإيرانية علي أكبر صالحي، من المتوقع أن تقوم الصين ببناء مفاعلين من أصل 4 مفاعلات نووية جديدة سيتم إنشاؤها في إيران خلال السنتين إلى الثلاث سنوات القادمة(9). هذا بالتأكيد إضافة إلى التواجد الصيني الكبير في إيران خلال العقد الماضي لاسيما في مجال البنى التحتية ومشاريع الطاقة والإنشاءات. كما سيزيل الاتفاق العقبات التي كانت مفروضة سابقًا على رفع حجم التبادل التجاري بين البلدين سيما مع وجود طموح برفعه إلى حدود 200 مليار دولار بحلول عام 2024، أي بفارق 164 مليار عن حجم التبادل التجاري الحالي بين البلدين(10).

3) إزالة عامل توتر بين الصين وأميركا
قبل الاتفاق، كانت الصين -كما غيرها من الدول- تحاول أن تجاري العقوبات المفروضة على إيران، لكن بكين كانت حريصة جدًّا على تحقيق مصالحها من خلال الموازنة الدقيقة بين ما يترتب عليها بموجب القانون الدولي وبين الطلبات التي تُقدَّم إليها من الجانب الأميركي. وسمحت لها هذه المعادلة ببناء علاقات تجارية واستثمارية مع طهران وبالاستفادة كذلك من النفط الإيراني على الرغم من العقوبات المفروضة على الأخيرة. لقد تسبَّب الموقف الصيني في كثير من الأحيان في زيادة عوامل التوتر المتأتِّية من قضايا مختلفة مع واشنطن، أمَّا وقد تم الاتفاق اليوم على الملف النووي الإيراني، فسيُسهم ذلك بالتأكيد في إزالة عامل من عوامل التوتر بين واشنطن وبكين وربما يفتح بابًا من أبواب التعاون كما هو الشأن في ملف مفاعل أراك.

4) تعزيز نفوذها الجيوبوليتكي بالشرق الأوسط
للاتفاق انعكاسات جيوبوليتيكية على وضع ودور الفاعلين الإقليميين والدوليين لاسيما في منطقة الشرق الأوسط. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن الاتفاق قد يُعدُّ في أحد جوانبه انعكاسًا لسياسة الانسحاب الأميركي من المنطقة بالإضافة إلى كونه عاملًا مهمًّا من عوامل تعزيز العلاقات الثنائية الصينية-الإيرانية سياسيًّا واقتصاديًّا وتجاريًّا وأمنيًّا، فإن ذلك يعني تعزيز موقع ودور الصين في الشرق الأوسط، ومن ذلك أن العلاقات الممتازة مع إيران ستخدم أيضًا سياسة أمن الطاقة الصيني سواء عبر البر أو البحر.

5) طريق الحرير الجديد
موقع إيران الجغرافي على طريق الحرير القديم يُعد عاملًا حاسمًا في مبادرة طريق الحرير الجديد الصينية التي تختصر بمدلول (حزام واحد، طريق واحد)؛ وذلك لتعزيز التعاون الاقتصادي بين منطقة شرق آسيا وأوروبا عبر الشرق الأوسط من خلال إقامة سلسلة من مراكز الطاقة والتجارة والاستثمار على طول هذا الخط.

ب‌- الانعكاسات السلبية
من غير الواضح إلى الآن وجود انعكاسات سلبية للاتفاق على المصالح الصينية، وهو ما يؤكد مقولة: إنها تعد الرابح الأكبر من الاتفاق بعد إيران نفسها. لكن الاتفاق قد يخلق مستقبلًا حالة من عدم التوازن في العلاقة بين المثلث الصيني-الإيراني-الروسي لاسيما في مناطق آسيا الوسطى والشرق الأوسط، وهذا سيعتمد بطبيعة الحال على ملفات التعاون المستقبلية وكيفية إدارة إيران لعلاقاتها مع هذه الدول لتحقيق التوازن المطلوب.

موقف ودور روسيا في الاتفاق

يحمل الاتفاق مؤشرات مختلطة بالنسبة إلى روسيا؛ فهناك إيجابيات من دون شك ولكن هناك سلبيات أيضًا. على الرغم من أن منع إيران من التحول إلى قوة عسكرية نووية يعد أمرًا حيويًّا بالنسبة للأمن القومي الروسي، إلا أن بعض الروس يشير إلى أن إيران حليفة للغرب وللولايات المتحدة تحديدًا تشكِّل خطرًا أكبر على روسيا من إيران نووية(11).

من هذا المنطلق، يرى البعض أنه، وعلى عكس الدور الصيني في المفاوضات، لا يوجد دلائل حتى الآن على أن موسكو ساعدت في حلِّ بعض القضايا المعقدة أو اقترحت ما من شأنه أن يسهِّل هذه المفاوضات، بل هناك من يؤكد على أن موسكو حاولت خلال مراحل مختلفة من المفاوضات عرقلتها أو تعقيدها من خلال بعض الممارسات غير المفهومة من حيث التوقيت، ومنها على سبيل المثال(12):

  • في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2014، أعلنت موسكو عن توقيعها اتفاق ضخم مع الجانب الإيراني لإنشاء مفاعلين إضافيين في بوشهر مع إمكانية التوسع ليصل العدد إلى 6 مفاعلات لاحقًا، علمًا بأن الموعد النهائي لمفاوضات فيينا في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2014 قد تم تفويته آنذاك.
  • في منتصف إبريل/نيسان 2015، أعلنت موسكو عن رفع الحظر الأحادي المفروض عام 2010 على تسليم إيران منظومة الدفاع الصاروخية (إس-300)، وشجَّعت بهذه الخطوة إيران على اتخاذ مواقف أكثر تشددًا في المرحلة النهائية من المفاوضات.
  • في بداية يونيو/حزيران 2015، أعلنت موسكو عن أن اتفاق تبادل النفط مقابل السلع مع الجانب الإيراني سيتم وضعه موضع التنفيذ خلال أسبوع، علمًا بأن الموعد النهائي المفترض الذي تم تحديده لمفاوضات فيينا في 30 يونيو/حزيران قد تم تفويته أيضًا آنذاك.

لكن من الواضح أن الحسابات النهائية الروسية من هذا الملف كانت تأخذ دومًا بعين الاعتبار الكيفية التي من الممكن من خلالها تفادي عرقلة الاتفاق دون إتاحة الفرصة لإيران بالتحول إلى حليف للولايات المتحدة الأميركية. في المقابل، هناك من يشير إلى أن أبرز إسهامات موسكو في الاتفاق هو عدم الإصرار على إفشاله(13)، لكن ذلك قد لا يكون نابعًا من قناعة روسيَّة بقدر ما يتمثَّل في مشكلة محدودية الخيارات المتاحة أمام موسكو لناحيتين:

  • محاولة عرقلة الاتفاق قد لا تثير غضب الولايات المتحدة فقط وإنما الصين أيضًا التي تُعتبر المستفيد الأكبر من الاتفاق. العامل الصيني في الحسابات الروسية في هذا الموضوع لا يمكن الاستهانة به(14)؛ فموسكو تعاني سياسيًّا وماليًّا بسبب موقفها من أوكرانيا وبسبب العقوبات الغربية، ونتيجة لذلك يشهد اقتصادها حالة انكماش؛ إذ أشار تقرير لصندوق النقد الدولي في مايو/أيار الماضي إلى تراجع الناتج المحلي الإجمالي الروسي بنسبة 1.5% في حين ارتفعت نسبة التضخم إلى حوالي 15% مع توقعات بأن ينكمش الاقتصاد هذا العام بنسبة 3.4%(15). لذا ليس هناك مصلحة روسية في الإضرار بالصين خاصة في وقت تعتمد فيه موسكو بشكل كبير على بكين للتخفيف من أضرار العقوبات الغربية ومحاولات العزل الأوروبية والأميركية لها.
  • عرقلة الاتفاق عمليًّا وإفشاله قد ترفع من أسهم الخيار العسكري الأميركي في مواجهة إيران وهذا ليس في صالح روسيا في هذه المرحلة بالتحديد على وجه الخصوص(16).

الانعكاسات المحتملة للاتفاق على روسيا

أمَّا بخصوص الانعكاسات الإيجابية والسلبية المحتملة للاتفاق على روسيا، فيمكن إيجاز أبرزها على الشكل التالي:

أ‌- الانعكاسات الإيجابية

1) تصدير المزيد من الأسلحة لإيران
يُشير بعض التقديرات إلى أن الإنفاق الدفاعي الإيراني يساوي حوالي خُمس ما تنفقه دول الخليج العربي مجتمعة في هذا المجال(17)؛ ما يعني أن قدرات إيران العسكرية التقليدية ضعيفة مقارنة بمثيلتها الخليجية كميًّا ونوعيًّا. يتيح الاتفاق النووي للنظام الإيراني الحصول على مئات المليارات سواء من الأموال المجمدة في الخارج أو من زيادة صادراتها أو من فتح اقتصادها على الاستثمارات الخارجية والتجارة، بما يرفع من نسبة الإنفاق العسكري الإيراني لتحديث قدرات طهران العسكرية التقليدية. ويعد هذا الأمر من أهم المكاسب لموسكو إذ من المتوقع أن يكون أغلب هذه المشتريات من روسيا.

وعلى الرغم من أن الاتفاق النووي لا يرفع العقوبات المرتبطة بالتسلح عن إيران إلا خلال خمس سنوات وفي بعض الحالات خلال ثماني سنوات، إلا أن إيران تتجاهل هذا الأمر وفي بعض الأحيان تمتلك تفسيراتها الخاصة بها حوله؛ إذ شرعت بالفعل، وفق تأكيدات الإعلام الإيراني والروسي في شهر أغسطس/آب الماضي، في التحضير لحملة مشتريات وشراكات عسكرية مع موسكو عبر صفقات شراء وإنتاج طائرات هليكوبتر(18)، وشراء طائرات مقاتلة (سوخوي- إس يو 30)(19)، وطائرات مدنية نوع (سوخوي-سوبر جيت 100)(20)، ناهيك عن نظام الدفاع الصاروخي (إس-300) والتعاون العسكري والتقني المرتقَب مع روسيا(21).

2) تعزيز موقع ودور موسكو في الشرق الأوسط
إيران تعتبر بوابة مهمة أيضًا للنفوذ الروسي إلى الشرق الأوسط، وأي تقارب إيراني-غربي سيُنظر إليه في موسكو على أنه عامل سلبي. إيران تعي ذلك تمامًا وهي تحاول أن توازن انفتاحها على الغرب بزيادة تعاونها مع موسكو لاسيما في المجالات الدفاعية والأمنية. أضف إلى ذلك أن الاتفاق النووي سيُقوِّي من موقف موسكو ضد منظومة الدرع الصاروخية الأميركية في أوروبا خاصة أن واشنطن كانت تتذرع بالخطر الإيراني لتبرير نشر الدرع وفق الرؤية الروسية(22).

3) دور أكبر في المشاريع النووية الإيرانية
لا شك أن الاتفاق سيعزِّز من موقع موسكو في الصناعة النووية الإيرانية؛ إذ سيكون لموسكو دور في تطوير منشأة فوردو وتحويلها إلى مركز أبحاث، كما ستستمر روسيا في تزويد إيران بالوقود اللازم لمفاعل بوشهر، وسيكون هناك التزامات بتعاون تقني وفني وعلمي في الطاقة النووية السلمية مع إيران بموجب الاتفاق. وتقوم روسيا الآن بالتحضير لاستكمال مشاريع بناء مفاعلات نووية في إيران ومن المتوقع أن تحصل لاحقًا على عدد من المشاريع الضخمة في هذا المجال، ناهيك عن أن موسكو وقَّعت بالفعل خلال الفترة القليلة الماضية على عدد من الاتفاقات لإنشاء مفاعلات نووية في عدد من دول الشرق الأوسط.

ب‌- الانعكاسات السلبية
مكمن القلق الأكبر بالنسبة إلى موسكو هو الانعكاسات التي ستنجم عن رفع العقوبات عن إيران لاسيما في مجال النفط والغاز، لأن رفعها إضافة إلى فتح الباب واسعًا أمام الاستثمارات الأجنبية لدخول هذا القطاع سيجعل من إيران قوة معتبرة في مجال الطاقة، ومن التداعيات المحتملة لهذه التطورات على موسكو:

1) تقويض موقع روسيا في سوق الطاقة
الاتفاق سيجعل من إيران منافسًا حقيقيًّا لروسيا في مجال الطاقة(23)؛ إذ تمتلك إيران رابع أكبر احتياطي مثبَت من النفط في العالم، وهي في المرتبة الأولى عالميًّا على صعيد الاحتياطات المثبتة من الغاز الطبيعي. وإذا ما أضفنا ذلك إلى موقعها الجيوستراتيجي في منتصف الخط الفاصل بين أكبر مستهلكي الطاقة في العالم في شرق آسيا وأوروبا، فهذا يعني أن إيران ستتمتع بالأفضلية على روسيا مستقبلًا.
 
2) التأثير على أسعار النفط والغاز
تعاني روسيا الآن من جرَّاء العقوبات الغربية المفروضة عليها ومن انخفاض سعر العملة المحلية "الروبل". وقد أشارت تقارير نهاية العام الماضي إلى أن العقوبات تكلِّف روسيا خسائر بقيمة حوالي 40 مليار دولار سنويًّا فيما يؤدي انخفاض أسعار النفط إلى تكبيد روسيا خسائر بقيمة حوالي 100 مليار سنويًّا(24). ومن المتوقع أن تؤدي عودة إيران إلى أسواق النفط وزيادة حجم إنتاجها إلى انخفاض أكبر في الأسعار(25)، وهذا سيؤثِّر بشكل سلبي طبعًا على العائدات الروسية ويزيد من أعبائها المالية نتيجة تراكم الخسائر لاسيما إن بقيت العقوبات الغربية مفروضة عليها.

3) تقويض سياسة الابتزاز بالطاقة الروسية
تشير التوقعات إلى أن رفع العقوبات عن إيران سيجعلها من أهم مزودي الاتحاد الأوروبي بالغاز مع تقديرات بإمكانية أن يستورد الاتحاد الأوروبي منها حوالي 30 مليار متر مكعب من الغاز سنويًّا بحلول العام 2030، أي ما يساوي حجم ما يستورده الاتحاد من منطقة شمال إفريقيا(26). من شأن ذلك أن يؤدي إلى منافسة روسيا على أسواق استهلاك الغاز من جهة، وأن يخفف اعتماد الاتحاد الأوروبي على الغاز الروسي من جهة أخرى؛ الأمر الذي سيقوِّض من قدرة موسكو على استخدام الغاز كسلاح سياسي واقتصادي.

4) ضياع حصة من كعكة الاستثمارات في قطاع الطاقة الإيراني
وفقًا لنائب وزير النفط لشؤون التجارة والعلاقات الدولية "حسين زماني نيا"، بعد إزالة العقوبات من الممكن لإيران تطوير حوالي 50 مشروعًا للنفط والغاز بقيمة 185 مليار دولار حتى العام 2020(27)، ومن المتوقع أن تذهب الحصة الأكبر من هذه المشاريع إلى الدول الأوروبية لأن الشركات الروسية لا تمتلك القدرة على منافسة مثيلاتها الغربية، خاصة أن إيران بحاجة الآن إلى التكنولوجيا لزيادة الإنتاج وتوسيع الاستثمار في هذا القطاع.

5) تحول إيران إلى قوة إقليمية
الاتفاق قد يقوِّي من وضع إيران كقوة إقليمية؛ وهذا قد يفيد روسيا في بعض النواحي لكن قد يضرها أيضًا إذا ما قررت إيران الاستفادة من هذا الوضع في خصومات تتعلق بدورٍ ما في آسيا الوسطى أو في تقاسم حصص بحر قزوين.

خاتمة

من الواضح أن حجم المكاسب الصينية المتأتية من هذا الاتفاق حال المضي قُدمًا في تنفيذه، يعد أحد أهم أسباب حرص بكين مستقبلًا على تنفيذ الاتفاق وتأكيد ضرورة التزام جميع الأطراف بما جاء فيه، لكن في المقابل، فإن المكاسب المحدودة لروسيا من هذا الاتفاق تجعل من إمكانية تحول موسكو إلى لعب دور سلبي فيه مستقبلًا أمرًا محتملًا خاصة؛ وهو الأمر الذي قد يدفع بعض اللاعبين الأساسيين في الاتفاق إلى تعويضها بمكاسب جيوسياسية في مناطق معينة لمساعدتها على تجاوز السلبيات التي قد يحملها الاتفاق لها.
__________________________
علي حسين باكير/ باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية

ملاحظة: مصطلح E3 يعني الاتحاد الأوروبي إضافة إلى كل من الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والصين، بمعنى آخر: مجموعة الخمس الكبار+ألمانيا. نص الاتفاق يستخدم مصطلح E3؛ لذلك فضَّلت الورقة استخدامه أيضًا على الشكل الوارد في الاتفاق.

المصادر
1- China Welcomes Iran Nuclear Deal Reached ‘Through Dialogue’, The New York Times, 14/7/2015. (A:10/9/2015)
www.nytimes.com/live/iran-nuclear-deal-live-updates/china-welcomes-iran-nuclear-deal/
2- Statement by President of Russia Vladimir Putin following completion of negotiations on Iran's nuclear programme, Kremlin, 14/7/2015.(A:10/9/2015)
http://en.kremlin.ru/events/president/news/49957
3- China's Five Principles for a Comprehensive Solution of the Iranian Nuclear Issue, Ministry of Foreign Affairs of the People's Republic of China, 19/2/2014. (A: 10/9/2015)
www.fmprc.gov.cn/mfa_eng/wjb_663304/zzjg_663340/jks_665232/jkxw_665234/t1129941.shtml
4- Wang Yi Raises Four-point Proposal on Negotiation on Iranian Nuclear Issue, Ministry of Foreign Affairs of the People's Republic of China, 1/4/2015. (A: 10/9/2015)
www.fmprc.gov.cn/mfa_eng/wjb_663304/zzjg_663340/jks_665232/jkxw_665234/t1129941.shtml
5- Harold Pachios, Let’s look at China’s role in the Iran nuclear deal, The Hill, 21/8/2015. (A:10/9/2015)
http://thehill.com/blogs/congress-blog/foreign-policy/251657-lets-look-at-chinas-role-in-the-iran-nuclear-deal
6- Iran, US, China discuss re-designing Arak reactor, IRNA, 14/9/2015. (14/9/2015)
www.irna.ir/en/News/81759499/
7- China, US, Iran reach broad consensus over Tehran's n-reactor, Business Standard, 15/9/2015. (A:15/9/2015)
www.business-standard.com/article/news-ians/china-us-iran-reach-broad-consensus-over-tehran-s-n-reactor-115091500753_1.html
8- Li Jing, China is taking charge of a key element in Iran's nuclear deal, Business Insider, 29/8/2015. (A:10/9/2015)
www.businessinsider.com/chinas-role-in-iran-nuclear-deal-2015-8
9- Michelle FlorCruz, Iran Nuclear Deal: China To Build 2 Nuclear Power Plants For Islamic Republic Following Landmark Agreement, International Business Times, 22/7/2015. (A:10/9/2015)
http://www.ibtimes.com/iran-nuclear-deal-china-build-2-nuclear-power-plants-islamic-republic-following-2020102
10- Elizabeth Rosenberg and Alexander Sullivan, Why China likes the Iran deal, CNN, 31/7/2015. (A:11/9/2015)
http://edition.cnn.com/2015/07/31/opinions/rosenberg-sullivan-china-iran-deal/
11- Karoun Demirjian, Russia-Iran relationship is a marriage of opportunity, The Washington Post, 18/4/2015.(A:10/9/2015)
www.washingtonpost.com/world/russia-iran-relationship-is-a-marriage-of-opportunity/2015/04/18/5de80852-e390-11e4-ae0f-f8c46aa8c3a4_story.html
12- Pavel K. Baev, The China factor in Russian support for the Iran deal , Brookings, 21/7/2015. (A:11/9/2015)
http://www.brookings.edu/blogs/order-from-chaos/posts/2015/07/21-china-russia-support-for-iran-deal-baev
13- Jonas Bernstein, Russia's Stake in Iran Nuclear Deal , Voice of America, 18/7/2015. (A:11/9/2015)
www.voanews.com/content/russias-stake-in-iran-nuclear-deal/2867710.html
14- Pavel K. Baev, Op.cit.
15- Lana Clements, Russia's economy hit hard by falling oil prices and Western sanctions, express, 4/8/2015.(A:11/9/2015)
www.express.co.uk/finance/city/595977/Russia-s-economy-hit-hard-by-falling-oil-prices-and-Western-sanctions
16- Galiya Ibragimova, Iranian nuclear deal for Russia: victory or failure?, Russia Direct, 16/7/2015. (A: 11/9/2015)
www.russia-direct.org/debates/iranian-nuclear-deal-russia-victory-or-failure
17- Anthony H. Cordesman, The Conventional Military , The Iran Primerm, USIP, (A:12/9/2015)
http://iranprimer.usip.org/sites/iranprimer.usip.org/files/PDF%20Military_Cordesman_Conventional%20Military.pdf
18- Iran, Russia Reach Initial Agreement on Joint Helicopter Manufacturing, Fars News, 26/8/2015.(A:12/9/2015)
http://english.farsnews.com/newstext.aspx?nn=13940604001301
19- Iran to buy Russian fighter-jets, Mehr News, 28/8/2015. (A:12/9/2015)
http://en.mehrnews.com/news/109576/Iran-to-buy-Russian-fighter-jets
20- Tehran in Talks with Moscow to Purchase Sukhoi Superjet 100, Fars News, 26/8/2015. (A:12/9/2015)
http://english.farsnews.com/newstext.aspx?nn=13940604001302
21- Iran says negotiating with Russia for Sukhoi fighter jets, Press T.V., 30-8-2015. (A:12/9/2015)
www.presstv.ir/Detail/2015/08/30/426971/Iran-Russia-Dehqan-s300-Sukhoi-p51
22- DAVID M. HERSZENHORN, Russia Quickly Maneuvers to Capitalize on Iran Nuclear Deal, The New York Times, 14/7/2015. (A:15/9/2015)
http://www.nytimes.com/2015/07/15/world/europe/russia-quickly-maneuvers-to-capitalize-on-iran-nuclear-deal.html?_r=1
23- Galiya Ibragimova, Op. Cit.
24- Oil price slide and sanctions 'cost Russia $140bn, BBC, 24/11/2014. (A:15/9/2015)
http://www.bbc.com/news/business-30174650
25- Iran Nuclear Deal Seen Cutting Oil Prices by $15 a Barrel, Bloomberg, 7/4/2015. (A:15/9/2015)
http://www.bloomberg.com/news/articles/2015-04-07/iran-deal-may-cut-eia-oil-price-forecast-by-as-much-as-15
26- EU sees Iran as major gas supplier, IRIB, 14/9/2015. (A:15/9/2015)
http://english.irib.ir/news/economy/item/215682-eu-sees-iran-as-major-gas-supplier
27- Shadia Nasralla and Maria Sheahan, Iran eyes $185 billion oil and gas projects after sanctions, Rueters, 23/7/2015. (A:15/9/2015)
www.reuters.com/article/2015/07/24/us-iran-nuclear-industry-idUSKCN0PX0XQ20150724

نبذة عن الكاتب