الشباب الكشميري: نحو إعادة تعريف تقرير المصير

إن الشباب الكشميري بات أكثر وعيًا بأساليب النضال من أجل قضيته في مواجهة الاحتلال الهندي، وفي تشابُه مع شباب الربيع العربي يعمل على تسخير وسائل الاتصال الاجتماعي والاحتجاج المدني وما عرفه من أساليب جرَّاء احتكاكه بالغرب والعالم، في سبيل صياغة خطاب جديد من أجل التحرر والاستقلال.
49e796edb1fc454c86508dd8fc6303d1_18.jpg
يعتمد الشبان الكشميريون في احتجاجاتهم على إلقاء الحجارة على قوات الأمن المحلية والهندية، وواجهتهم هذه الأخيرة بالرصاص الحي وقنابل الغاز. ويتعرض هؤلاء الشبان دوريا للاعتقال وبعضهم دون سن 18، بمقتضى "قانون الأمن العام" سيء السمعة. (أسوشيتد برس)

يُناقش هذا التقرير الديناميات المحلية الخاصة بالصراع في كشمير، ويُركِّز على المقاومة التي يقودها الشباب ضد الدولة الهندية منذ نهاية العقد الأول من الألفية الثالثة. كما يروي التقرير الطريقة التي يتحرك على منوالها الشباب الكشميري خارج الفضاء السياسي الرسمي عبر استخدامهم للتكنولوجيا وغيرها من الوسائل من أجل زيادة الوعي بالقضية الكشميرية. ورغم هذه التطورات فإن الفعالية السياسية لهذه المجموعات من الشباب الكشميري لا تزال محدودة بسبب ازدياد قمع الدولة الهندية ورقابتها.

مقدمة

 

قرَّر كل من الهند وباكستان، بعد انقطاع لثلاث سنوات، البدءَ مجددًا في حوار ثنائي شامل سيبلغ أَوْجَهُ عبر زيارة رفيعة لرئيس الوزراء الهندي، مودي، إلى باكستان خلال قمة رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي- SAARC في سبتمبر/أيلول 2016(1). وبينما من المؤكد أن يكون الصراع بشأن جامو وكشمير إحدى النقاط في المحادثات، غير أنه يبدو مرة أخرى أن المصالح القومية لكلا البلدين ستطغى على أصوات ومطالب الشعب في المنطقة، وخاصة ما يتعلق منها بالأغلبية المسلمة في وادي كشمير. ويضع هذا التقرير المحادثات بين كلٍّ من الهند وباكستان في سياق الحقائق المتغيرة  على الأرض في وادي كشمير، مناقشًا أنه من غير الممكن إحراز أي تقدم دون الأخذ بعين الاعتبار مقاربة تركز على القضية الكشميرية.

 

نبذة عن تاريخ الصراع

 

تعود جذور الصراع في كشمير إلى عام 1947 عندما قُسِّم شبه القارة الهندية بناءً على حدود دينية إلى الهند التي تضم أغلبية هندوسية، وإلى الباكستان التي تضم أغلبية مسلمة. وفي الفترة اللاحقة أدَّى تولِّي المهراجا الهندوسي للحكم في كشمير وبشكل غامض، بالأغلبية في إمارة كشمير إلى الاندماج في الاتحاد الهندي(2). كما أن المطالب المحلية بإجراء استفتاء لتقرير مستقبل كشمير تم تجاهلها خلال النصف الثاني من القرن العشرين(3). وتورطت كشمير منذ نهاية الثمانينات وحتى أوائل الألفية الثالثة في انتفاضة عنيفة قادها المقاتلون الكشميريون والأجانب ضد الدولة الهندية، وهي انتفاضة دعمتها باكستان. غير أن الدولة الهندية تمكَّنت من سحق هذه الانتفاضة من خلال زيادة حدَّة القمع وعمليات القتل وانتهاكات حقوق الإنسان، وإقحام مجموعات عسكرية ضد التمرد مثل "الإخوان"، إضافةً إلى تبنِّي سياسة فَرِّقْ تَسُدْ التي أفضت بفعالية إلى قتال داخلي في صفوف المناصرين والمطالبين بالتحرر(4).

 

وخلال معظم العقد الأول من الألفية الثالثة، بدا أن الحركة الكشميرية من أجل تقرير المصير قد تحولت إلى حركة قد انفرط عقدها في ضوء إبراز المحلِّلين الهنود والدوليين وبشكل كبير "العودة إلى الوضع الاعتيادي" وخيبة الأمل من المقاومة المسلحة في أوساط السكان المحليين(5). ومع ذلك، وفي بداية عام 2008، نشأت بشكل واسع موجة جديدة من المظاهرات السلمية تصدَّرها الجيل الذي ترعرع خلال زعامة المقاومة المسلحة. وقد تنوعت أسباب هذه المظاهرات من الاستيلاء على الأراضي والقتل خارج القانون من قِبل الدولة الهندية، وحتى قتل وتعذيب الشباب الكشميري(6). ويحدِّد هذا التقرير الدور الحاسم للجيل الجديد من الشباب في إعادة تعريف الحركة الكشميرية من أجل تقرير المصير، فضلًا عن الظروف الاجتماعية والسياسية غير المستقرة التي ينشطون فيها. 

 

التحول في الأنشطة الاحتجاجية

 

وفي تشابه كبير مع شباب الربيع العربي، يتسلح الشباب الكشميري اليوم بالتكنولوجيا، وبالمزيد من المنابر والفرص الاجتماعية والثقافية، بالإضافة إلى خطاب تواصلي وعالمي أساسه المقاومة يتراوح بين فلسطين وفيرغسون(7). فالعديد من الطبقة المتوسطة في كشمير باتوا يذهبون إلى الخارج لتلقي تعليمهم، سواءً في الجامعات الهندية أو البريطانية أو الأميركية؛ حيث يختبرون أساليب جديدة في التفكير والاحتجاج. كما أن أعدادًا متزايدة من بينهم يدرسون العلوم الإنسانية والاجتماعية، وهو ما يجعلهم في المحصلة أكثر إدراكًا ووعيًا لتاريخهم ولمكانة كشمير وسط غيرها من النضالات التحررية حول العالم. وقد نتج عن ذلك مزيد من الفنانين، والناشطين، والكتَّاب، والصحفيين، وصانعي الأفلام والأكاديميين بين الشباب الكشميريين، والذين ينتجون الفن والأدب والعلم. وتمثَّلت أهمية هذا التحول في مظاهرات الطلاب في الجامعات الهندية، في فبراير/شباط 2016، في أعقاب قمع حكومة مودي للمعارضة الطلابية. وفي هذا السياق تحدَّى الطلاب الكشميريون، وإلى جانبهم عدد من الشبان الهنود من طيف متنوع من الأقليات الاجتماعية والدينية، خطابَ الدولة الهندية وما يتعلق منه بكشمير وبالإعدام المُسيَّس لـ "أفضل غورو"، وهو مسلم كشميري اتُّهِم بالتآمر في الهجوم على البرلمان الهندي عام 2001(8).

 

والجدير بالذكر أن الحراك والإنتاج الثقافي الكشميري الذي يتصدره الشباب أفضى إلى خطاب جديد، والذي رغم استناده إلى مرجعيات ودوافع متعددة ومتوازية، إلا أنه وثيق الصلة بالحاجة إلى تحقيق العدالة في كشمير.

 

وأحد الأمثلة على ذلك تجسِّده سيرة ذاتية مصورة لرسام الكاريكاتير الكشميري، "مالك سجاد"، والتي نُشِرت في عام 2015 تحت عنوان: "مونو: فتىً من كشمير". ويروى سجاد، الذي بدأ في سن مبكرة رسم الكاريكاتير السياسي للصحف الكشميرية، قصة نشوئه في منطقة سريناغار باتمالو خلال المقاومة المسلحة؛ حيث شهد أساليب القمع القاسية التي مارستها الدولة الهندية وقوات الأمن. ويجمع سجاد وببراعة بين الفن المصور الحديث وفن التطريز الكشميري التقليدي، كما يعتمد على أيقونات الثقافة المعاصرة إلى جانب الفولكلور والتقاليد التاريخية الغنية في كشمير. ومن خلال استخدامه للغة السيرة الذاتية، وحقوق الإنسان، والتصوف الإسلامي، والنقد السياسي لا يقدم سجاد تحية إجلال وإكبار لأيٍّ من الأحزاب السياسية أو الأيديولوجيات، غير أنه يُظهِر النضال اليومي وحسرات الحياة في ظل الاحتلال العسكري(9). ويجسد عمل سجاد كلاًّ من العالمية في المواضيع التي يتناولها، إضافةً إلى خصوصية السياق الكشميري، وهو ما يجذب القارئ. ويُعد سجاد واحدًا من كثير من الشبان الكشميريين الذين يختبرون صيغًا ثقافية متعددة إلى جانب الإنترنت، ووسائل التوصل الاجتماعي من أجل لفت الأنظار لقضية كشمير.

 

ويشير نشاط الجيل الجديد من الشباب الكشميري إلى تحول مهم يحدث في كشمير، وتحديدًا في مجال السياسة الموجودة خارج الأحزاب الكشميرية المنادية بالتحرر(10).

 

ومنذ نهاية الثمانينات من القرن الماضي، هيمنت القيادات المنادية بالتحرر، والمكوَّنة من جماعات، مثل: ائتلاف حريات وجبهة تحرير جامو وكشمير، على المقاومة ضد الدولة الهندية. وبسبب تورط هذه الجماعات في المكائد السياسية، والاقتتال الداخلي ودعاوى الفساد فإن تأثيرها قد تضاءل في السنوات الأخيرة. ورغم دعم الكثيرين في كشمير أهدافَها النهائية، إلا أنهم بدأوا بالتساؤل حول أساليبها في المقاومة، منتقدين استخدامها المفرِط لـ"حرتال" أو الإضراب  العام، وكذلك عدم قدرتها على أن تفعل أكثر من "مجرد الإبقاء على جذوة النضال"(11). كما أن بعض الشباب يستشعرون ضيق المساحة المتاحة لهم للعمل في هذه الأحزاب؛ وذلك على عكس الأحزاب الموالية للهند التي تترك فضاءً معتبرًا للشباب من أجل لعب دور أكبر.

 

يذكر الناشط الكشميري، "مزمل تاكور"، الذي يرأس المعهد الكشميري للشؤون الدولية ويدير عددًا من المشاريع التنموية في الوادي: "لا يبدو أن هناك لجنة من الأشخاص المؤهلين الذين بإمكانهم المضي بالحركة قُدُمًا، وتزويدنا باستراتيجية عمل. كم من قادتنا لديهم خلفية ودراية في المفاوضات والنظرية السياسية؟ أين الاستراتيجيات الجديدة؟ فنحن إمَّا لدينا إضرابات عامة تدعو إليها القيادات المنادية بالتحرر، أو حظر للتجول تفرضه الحكومة! كما أن الكثير من الشباب بدأ يستجوب القيادات: ما الذي نجحتم في الحصول عليه من أجلنا؟ فالشعور السياسي وحده لن يدفعنا إلى الأمام؛ إذ علينا أن ندفع قدمًا باستراتيجية حقيقية"(12)

 

وعلى الرغم من ذلك، لا يتفق الجميع على أن هذا هو سبب تناقص تأثير الجماعات المنادية بالتحرر؛ حيث يوضح "وجاهات أحمد"، مدرِّس علم الاجتماع في جامعة أو. بي. جِنْدَل العالمية: "لا يلتحق الشبان بائتلاف حريات أو جبهة تحرير جامو وكشمير ليس لأن هذه الأحزاب غير مرحَّب بها، ولكن بسبب الحقيقة القاسية المرتبطة بالجماعات المنادية بالاستقلال والتي تعني الاعتقال، والضرب، وفقدان الوظيفة في مجتمع يراعي الفروق الطبقية مثل مجتمعنا، وصولًا إلى أزمة في الهوية. ومن هنا، فإن الشبان من الطبقة المتوسطة والذين هم صحفيون، ورسامو كاريكاتير، وكُتَّاب، وأكاديميون، وناشطون في مجال حقوق الإنسان لا يلتحقون عن وعي وإدراك بالأحزاب المنادية بالاستقلال، لأنهم يعلمون كُلفة الالتحاق الرسمي بهذه الأحزاب. ترحب الأحزاب المنادية بالاستقلال بقبول الشباب في عضويتها، ولكن مَنْ بين هؤلاء بإمكانه الجلوس في مكتب ائتلاف حريات طوال اليوم ويترك عمله أو شهادته الجامعية مقابل راتب شهري يعادل بضعة آلاف من الروبيات والمغامرة بالاعتقال أو الضرب أو تحرش قوات الأمن بأحد أفراد عائلته"(13).  

 

وبصرف النظر عن الموقف الذي يمكن أن يتخذه أحدهم من الأحزاب المنادية بالتحرر، فإن الكثير من الشبان الكشميريين يُقرُّون الدور الذي لعبته منذ نهاية الثمانينات والصعاب التي واجهتها جرَّاء التقييدات التي فُرِضت عليها من قِبَل الدولة الهندية.

 

ورغم افتقار القاعدة الشعبية للحركة التي يقودها الشباب إلى القيادة أو التنظيم الرسمي، فإنها شكَّلت مساحات جديدة للنقاش حول كشمير خارج فضاء الأحزاب السياسية المتنوعة. وهو ما أفضى إلى رؤية أوسع لآزادي (الحرية)(14) وللنقاشات العنيفة بشأن طبيعة الصراع الكشميري. وبذلك بات الشباب الكشميري يشكِّل الجبهة الأمامية في تعريف ما تُشكِّله الحرية "آزادي"، ويتحدى وجهات النظر القائمة منذ أمدٍ بعيد حول دور الدِّين، والاقتصاد، والثقافة، والتعليم. وبينما ارتبطت وجهات النظر هذه بمشاعر التهميش للمسلمين نتيجةً للحرب العالمية على "الإرهاب"، فإن الخطابات الجديدة لا تعتمد ببساطة على الهوية الدينية للمسلمين الكشميريين، وإنما أيضًا على نقد الإمبريالية، والقومية الدينية، والرأسمالية العالمية. وعلى سبيل المثال، يوجِّه الكثير من الشبان النقد لدور باكستان في كشمير وأخذوا ينتقدون البنى التقليدية التي نسجتها المخيلة القومية للتعامل مع هذه القضية، حتى من أولئك الذين يقطنون في كشمير.

 

الدولة المهيمِنة

 

ورغم هذه التحولات المهمة، فإن الشباب الكشميري يتصدر خطوط النار حيث يواجهون حَنَق الحكومة الهندية والجماعات اليمينية؛ فضلًا عن الأجهزة الأمنية في كشمير. وهو ما دفع الكثيرين، وخاصة من الطبقة المتوسطة، إلى الامتناع عن المشاركة السياسية بشكل صاخب، مُتخوفين من العواقب التي يمكن أن تلحق بهم أو بعائلاتهم. هذا بالإضافة إلى وجود جهود منسَّقة من قِبَل أجهزة الدولة لتشجيع الشباب على الالتحاق بالوظائف الحكومية الإدارية وغيرها من الوظائف؛ حيث تتقيد قدرتهم على الانخراط في العمل السياسي(15).

 

وبينما تلعب التكنولوجيا دورًا تغييريًّا في نشاط الشبان، فإنها تُستغَل أيضًا من قِبل وكالات الدولة المتنوعة كطريقة إضافية للرقابة؛ فالتكنولوجيا مكَّنت الدولة من أن تكون ذات حضور طاغٍ أكثر؛ حيث توظِّف قراصنة الحواسيب لاسترجاع المعلومات حول تنظيم الشباب عبر الإنترنت، كما تُوظِّف أفرادًا لإنشاء حسابات مزيفة للتصيُّد في المنتديات الإلكترونية والمبادرة بالمعارضة خلال المحادثات المباشرة لاكتشاف مَنْ يمكن أن يُشكِّل تهديدًا محتملًا للدولة(16). وحسب ديلانز بوغا، وهي صحفية تغطي قضايا الشباب في كشمير، فإن "هناك الكثير من الأموال التي ضُخَّت في هذا المجال. فالدولة بمقدورها أن تتحكم في الأصوات الشبابية من خلال اكتشاف معلومات عنهم تعمل على استغلالها ضدهم في وقت لاحق، ومن ضمنها معلومات عن حياتهم العائلية والشخصية"(17). كما تؤكد أن موقع فيس بوك يُستخدم لأغراض متعددة؛ إذ "تستطيع الدولة أن تراقب التفضيلات والتعليقات، كما توظِّف أفرادًا من أجل تحريض الشبان. ومن خلال هذه الاستراتيجية، فإن الدولة بمقدورها وبشكل جوهري أن تكتشف الراغبين بالموت من بينهم"(18).

 

وفي أوقات الأزمات الحادة، مثل مناسبات إحياء ذكرى القتلى أو في أعقاب مقتل الشبان، فإن الدولة تعطِّل شبكات الاتصال لأيام أو لأسابيع أحيانًا في كل مرة، ومن ضمنها وسائل التواصل الاجتماعي. ونتيجة لذلك، لا يستطيع الشبان التحرك أو تشكيل زخم جماهيري حول قضايا محددة. ومن هنا فإن هذا التكميم ضيق الأفق وغير الديمقراطي للتعبير يهدف إلى تقليص المعارضة.

 

يعتمد الشبان الكشميريون على إلقاء الحجارة على قوات الأمن المحلية والهندية كنوع من الاحتجاج، وتعرض جرَّاء ذلك الكثيرُ منهم لإطلاق الرصاص الحي أو قنابل الغاز، وسقط عدد غير محدد منهم قتلى وجرحى (19). كما أن الدولة تعتقل وبشكل دوري الشبان المنخرطين في إلقاء الحجارة أو "إثارة الرأي العام" ضد الدولة الهندية، والكثير من بينهم لم يتجاوز سن الثامنة عشرة، وذلك وفقًا لـ"قانون الأمن العام" سيء السمعة، الذي يلاحقهم وبفاعلية طوال حياتهم، حتى وإن أُطلق سراحهم. هذا وقد أوضحت منظمة العفو الدولية، عام 2011، أن "قانون الأمن العام" يفتقر إلى أدنى معايير القانونية، وأنه أسلوب تنتهجه الحكومة للتحايل على حكم القانون(20). واللافت أنه لما أبدت وسائل الإعلام الاهتمام بهذا القانون وأخذت تفضح سلبياته، زادت عمليات الاعتقال غير القانونية للشبان ومن خارج قانون الأمن العام في محاولة لتفادي الرقابة الإعلامية؛ وبهذا بات المعتقلون يتعرضون للتعذيب ويُجبَرون على "الاعتراف" تحت الإكراه(21).

 

وازداد تعاطي المخدرات في كشمير، وخاصة في مناطق مثل ترال، وبولواما، وإسلام آباد، وسوبور حيث تُعَدُّ المقاوَمة للحُكم الهندي أبرز وضوحًا(22). ولا يبدو أن الأمر محض صدفة بالنسبة للكشميريين؛ إذ يعتقد الكثيرون منهم أن المخدرات يتم ضخها إلى كشمير عبر تجار في السوق السوداء، كما كانت عليه الحال في البنجاب، من أجل لفت أنظار الشبان عن الانخراط في النشاط السياسي؛ علمًا بأن الكثير منهم أدمن المخدرات خلال اعتقالهم في السجون(23).

 

يذهب القمع في كشمير إلى أبعد من استهداف الشبان الذين يثيرون الرأي العام ضد الدولة الهندية؛ فالجسم الطلابي السياسي بكامله يُنظر إليه بوصفه مشبوهًا. كما لا يتمتع الطلاب بهامش للتنظيم أو التحرك السياسي، ولا يُسمح لهم بالنشاط في الجامعات إذا لم يؤيدوا سياسات أيٍّ من الأحزاب الهندية الرئيسية مثل حزب المؤتمر أو حزب بهاراتيا جاناتا. ونتيجة لذلك، فإن اتحاد طلاب الجامعات الكشميريين يعمل في الخفاء في السنوات الأخيرة. كما أن حرية التعبير مقيدة؛ وفي الواقع فإن فيس بوك يعمل مع الحكومة الهندية من أجل إزالة أو وقف أي منشور تراه الأخيرة مثيرًا للجدل. فمير سهيل، وهو رسام كاريكاتير سياسي، تم إزالة رسمه الكاريكاتيري الذي يُحيي ذكرى إعدام أفضل غورو، كما أُوقِف حسابه على فيس بوك لمدة ثلاثة أيام(24).

 

وبمقدور الدولة أن تستغل المخاوف من التهديد الإسلامي العالمي عبر نسج روابط بين الشبان وبين جماعات مثل الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" كمحاولة لتقويض وإخماد معارضتهم. وبينما رُفعت أعلام تنظيم الدولة الإسلامية خلال المظاهرات، فإن الخبراء يجادلون في أن ذلك يجسِّد حركة للاستهزاء بقوات الأمن الهندية ولا يوجد أي دليل يثبت أن هؤلاء الشبان تم تجنيدهم من قِبل التنظيم أو حتى إنهم يعتنقون أيديولوجيته(25).     

 

وقد أدَّى ازدياد القمع والعنف الذي تمارسه الدولة الهندية، وخاصة منذ مقتل ما يزيد على 120 شابًّا في صيف عام 2012، إلى ازدياد أعداد الشبان الكشميريين الذين يلتحقون بصفوف المقاومة المسلحة. وعلى خلاف سابقيهم الذين جُنِّدوا في أواخر الثمانينات أو التسعينات من القرن الماضي فإن الكثير من بين هؤلاء الشبان قد تلقى تعليمًا عاليًا. ويُعدُّ برهان واني، وهو كشميري من منطقة ترال انضم إلى المقاومة المسلحة عندما كان في سن الخامسة عشرة، مصدر إلهام للجيل الجديد من المقاومة المسلحة(26). وتُقدِّر قوات الأمن أن برهان تمكَّن من تجنيد ما يزيد على ثمانين شابًّا في السنوات الأخيرة(27). ويُشار إلى أن الكثير من الشبان التحقوا بالمقاومة المسلحة في إثر تعرضهم للتحرش على أيدي قوات الأمن أو مشاهدتهم لمقتل فرد في العائلة أو صديق.

 

الخلاصة 

 

يدرك الشبان الكشميريون، وبشكل جيد، أن قضيتهم لا تحظى إلا بالقليل من الاهتمام الدولي، ومع ازدياد السلطوية ونشاط الأحزاب اليمينية في الهند واستمرار التدخلات الجيوسياسية في باكستان، لا تُعد كشمير وببساطة أولوية سياسية دولية، ولا تزال تستعصي على المجتمع الدولي، ولكن هذا من شأنه أن يخلق فرصًة للكشميريين ليملكوا زمام أمرهم. ويبدو أن ثورة كشمير الأولى قد عادت إلى نقطة البداية مع جيل جديد يختبر طرقًا جديدة في المعارضة، ويمتلك روايته الخاصة، ويوسِّع من شبكاته وقاعدة التضامن معه من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من الوسائط. وفي الختام، ربما من المرجَّح أن تستمر الدولة الهندية في رقابتها وقمعها، ولكن في المقابل، مقاومة الشباب الكشميري مرشحة للتمدد والاستمرار. 

 ___________________________________

حفصة كنجوال: متخصصة في تاريخ جنوب آسيا الحديث.

 

ملاحظة: النص أُعدَّ في الأصل باللغة الإنكليزية لمركز الجزيرة للدراسات، ترجمه عبد الحميد الكيالي إلى اللغة العربية. 

مراجع

1-   (2015)‘After 3 years of silence, India-Pakistan dialogue back on the rails; PM Modi will visit Islamabad next year’, FirstPost, 10 Dec, http://www.firstpost.com/politics/india-pakistan-break-logjam-on-comprehensive-dialogue-talks-to-include-kashmir-terrorism-2539478.html  (accessed 17 Feb. 2016(

2-     خاض كلٌّ من الهند وباكستان حربًا حول كشمير مباشرة بعد التقسيم، وقد نتج عنها استيلاء باكستان على ثلث إمارة جامو وكشمير، والتي تسميها "آزاد كشمير". ويقتصر هذا التقرير على ذلك الجزء من كشمير الذي تديره الهند.

3-   V. Schofield (1996) Kashmir in the Crossfire (London: IB Tauris(

4-    N. Haksar (2015) The Many Faces of Kashmiri Nationalism: From the Cold War to the Present Day (Delhi: Speaking Tiger(

5-               G Pandey (2008) ‘ Kashmiri Youth Seek Peace and Normalcy’, South Asia One World, 2 July, http://southasia.oneworld.net/news/kashmir-youth-seek-peace-and-normalcy#.VsXGKHR97UQ  (accessed 17 Feb, 2016(

6-  S. Kak ed. (2011) Until my Freedom Has Come: The New Intifada in Kashmir (Delhi: Penguin Books India

7-     U. Falak (2015) ‘Poem: PalestineKashmir’, The Electronic Intifada, 18 November, https://electronicintifada.net/content/poem-palestinekashmir/15016  (accessed 17 Feb. 2016(

8-       D. Palumbo-Liu (2016), ‘India’s Crackdown on Anti-Nationalism on Campus and How it Can Affect Universities Here,’ The Huffington Post, 17 Feb, http://www.huffingtonpost.com/david-palumboliu/indias-crackdown-on-anti-nationalism-on-campus-and-how-it-can-affect-universities-here_b_9251262.html  (accessed on 17 Feb 2016(

9-   M Sajad (2015) ‘Munnu: A Boy from Kashmir’ (London: Harper Collins(

10-       M Faysal (2016) ‘Walking downtown, Trying to Breathe,’ Kashmir Reader, 19 Feb, http://kashmirreader.com/walking-downtown-trying-to-breathe/  (accessed on 19 Feb 2016(

11-    تدعو القيادات المنادية بالتحرر عادة إلى الإضراب (حترال) في أعقاب حدوث خروقات لحقوق الإنسان من قِبل الحكومة الهندية؛ ولذلك يُغلق معظم الأعمال والبنوك والمدارس والمكاتب الحكومية، كما تُقيَّد وسائل النقل العام. وتركِّز الانتقادات الموجهة إلى الإضرابات على الضرر الذي تلحقه بالاقتصاد الكشميري ومنع الأطفال من الذهاب إلى مدارسهم. غير أن القيادات تدافع عن هذا النوع من الحراك بوصفه الصيغة الوحيدة من المقاومة التي يمكن للكشميريين اللجوء إليها في ضوء منع الدولة للمظاهرات والتجمعات العامة الكبيرة.

12-  مقابلة مع مزمل تاكور أُجريت في 7 فبراير/شباط 2016.

13-  مقابلة مع وجاهات أحمد، جامعة أو. بي. جِنْدَل العالمية، الهند أجريت في 27 فبراير/شباط 2016.

14-           تعني كلمة آزادي: الحرية في اللغة الفارسية، وتُستخدم بنفس المعنى في الكشميرية الأوردو، وتمثِّل مطالب الكشميريين في حق تقرير المصير وإنهاء الاحتلال العسكري الهندي.

15-مقابلة مع وجاهات أحمد.

16- مقابلة مع دينلاز بوغا، صحفية وصانعة أفلام أُجريت في 15 فبراير/شباط 2016.

17-  المصدر السابق.

18-   المصدر السابق.

19-  A Hussain (2015), ‘Police fire tear gas to quell anti-India protests in Kashmir,’ Associated Press, 25 Sept, http://bigstory.ap.org/article/8cb5ad76f3cd4e7fa87c0d14a1a51015/police-fire-tear-gas-quell-anti-india-protests-kashmir  (accessed on 19 Feb, 2016(

20-             Amnesty International (2011) ‘A ‘Lawless’ Law: Detentions Under the Jammu and Kashmir Public Security Act’, http://www.amnestyusa.org/sites/default/files/asa200012011en_11.pdf  (accessed on 19 Feb 2016)

21-  مقابلة مع دينلاز بوغا.

22-  D Boga (2010), ‘Kashmir Valley’s Spiraling Drug Abuse,’ Counter Currents, 10 June, http://www.countercurrents.org/boga100610.htm  (accessed on 19 Feb 2016(

23- المصدر السابق.

24- A Saha (2016), ‘Kashmiri Artist says Facebook Deleted Cartoon on Afzal Guru,’ Hindustan Times, 9 Feb, http://www.hindustantimes.com/india/kashmiri-artist-says-fb-deleted-cartoon-on-afzal-guru/story-Bo4uw56Mz4NwVYvKsdjZiP.html  (accessed on 19 Feb 2016)

25- مقابلة مع دينلاز بوغا.

26- J Burke (2013) ‘Kashmir Conflict Ebbs as New Wave of Militant Emerges’ The Guardian, 11 Aug, http://www.theguardian.com/world/2013/aug/11/kashmir-conflict-new-wave-militants  (accessed on 19 Feb 2016(

27- B Masood (2015), ‘Guns ‘n’ Poses: The New Crop of Militants in Kashmir,’ Indian Express, 26 July, http://indianexpress.com/article/india/india-others/big-picture-guns-n-poses/  (accessed on 19 Feb 2016(