وثيقة حماس وتأثيراتها على القضية الفلسطينية

أعلنت حماس وثيقة سياسية جديدة تضمنت بندًا يعترف بدولة وطنية فلسطينية على أراضي 1967 ولكن دون الاعتراف بإسرائيل، وتناقش الورقة هذه الوثيقة وما قد تأتي به من تأثيرات سواء على المستوى الوطني أو الإقليمي والدولي.
f0f0ae728c2340d58dba8058ebbdd479_18.jpg
وثيقة حماس الجديدة أظهرت تجديدًا في خطابها وتحولًا في رؤيتها للعديد من القضايا، وقد تكون محطَّ انتقاد كثيرين، حتى من أبناء الحركة. (الجزيرة)

حاولت هذه الورقة تسليط الضوء على انعكاسات وثيقة المبادئ والسياسات العامة لحركة حماس في ضوء المتغيرات التي يشهدها الواقع الفلسطيني والإقليمي والدولي. كما حاولت استشراف المواقف التي قد تنشأ في المستقبل، لاسيما من الناحية السياسية وتأثير ذلك على بيئة حماس الداخلية وعلى علاقات الحركة على الصعيد الفلسطيني والإقليمي والدولي. ثمة تحولات كبيرة في وثيقة حماس الجديدة التي أبرزت رؤية الحركة في المرحلة المقبلة حول العديد من القضايا الرئيسة بلغة سياسية براغماتية تشير إلى تجديد في الخطاب السياسي للحركة شكَّل افتراقًا مع بعض ما جاء في سابقه من قضايا كانت محطَّ انتقاد الكثيرين، حتى من أبناء الحركة نفسها.هذه الوثيقة ليست مبادرة سياسية وليست موجهة إلى جهة بعينها، ومن غير المتوقع أن تُحدث اختراقًا كبيرًا في علاقات حماس مع الأطراف الرئيسية، على الأقل في المناخ الحالي؛ إلا أن هذا التغيير، الذي انتظره الكثير من حلفاء حماس والمتعاطفين معها قد يفتح لها آفاقًا جديدة، لكن هذا يعتمد بشكل أساسي على قدرة حماس على تسويق هذه الوثيقة وإقناع الأطراف بأن ثمة تغيرًا جوهريًّا يمكن البناء عليه.

مقدمة 

بعد قرابة الثلاثين عامًا على تأسيسها، أقدمت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على خطوة مهمة أعادت فيها تعريف نفسها عبر وثيقة المبادئ السياسية العامة للحركة، والتي عبَّرت عن تطور مهم في المشهد الحمساوي نفسه وكذلك في المشهد الفلسطيني والإقليمي والدولي. وعلى عكس ما احتواه ميثاقها الأول الذي لم يقدِّم رؤية سياسية بالمعنى الحزبي المجرد بقدر ما قدَّم رؤية شكَّلت مزيجًا من الخطاب الديني والصياغات الأدبية التي طالما استفاد منها مناوئو حماس على الساحة الدولية في الحطِّ من الحركة والتحريض عليها، جاءت هذه الوثيقة بلغة سياسية واضحة ومحددة، وبجهد جماعي، وعُرضت وأُنضجت في مؤسسات الحركة الرئيسية لمدة أربع سنوات، وتم إقرارها في مجلس الشورى العام للحركة(1)، لتعيد طرح حماس وفكرها بشكل أكثر اتساقًا مع حركات التحرر العالمية. 

أعادت الوثيقة، التي أعلن عنها خالد مشعل رئيس الحركة قبيل نهاية ولايته بأيام، التعريف بحماس نفسها وبالقضية الفلسطينية وأبرزت رؤية الحركة في المرحلة المقبلة حول العديد من القضايا الرئيسة بلغة سياسية براغماتية تشير إلى تجديد في الخطاب السياسي للحركة شكَّل افتراقًا مع بعض ما جاء في سابقه من قضايا كانت محطَّ انتقاد الكثيرين حتى من أبناء الحركة(2). والتغير اللافت هو إعلان القبول بدولة فلسطينية على حدود العام 1967 دون الاعتراف بإسرائيل كما ورد في البند 20 من الوثيقة، وعدم إتيانها على ذكر جماعة الإخوان المسلمين وتقديم نفسها للعالم على أنها حركة تحرر وطني لا علاقة لها بالإرهاب وهي لا تعادي اليهودية بل إن معركتها هي مع الصهيونية ومفرزاتها خلافًا لما نصَّ عليه الميثاق السابق والذي حدد طبيعة المعركة باعتبارها مع اليهود "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود....إلخ"، مستفيضًا في الحديث عن السيطرة اليهودية على العالم وبروتوكولات حكماء صهيون. وهي بذلك توجه رسائل متعددة إلى الأطراف المحلية والإقليمية والدولية. فهل تصل رسائل حماس إلى الأطراف المعنية؟ وإلى أي مدى يمكن أن تؤثِّر هذه الوثيقة على مواقف الأطراف تجاه حماس؟ وما التحولات السياسية التي تنتج عن الوثيقة على الصعد كافة؟ هذه الورقة تحاول تسليط الضوء على انعكاسات الوثيقة الجديدة على المشهد الفلسطيني والإقليمي والدولي، واستشراف المواقف التي قد تنشأ في المستقبل، لاسيما من الناحية السياسية وتأثير ذلك على بيئة حماس الداخلية وعلى علاقات الحركة على الصعيد الفلسطيني والإقليمي والدولي.

أولًا: المشهد الفلسطيني الداخلي 

1- على صعيد البيئة الداخلية لحماس

على عكس الميثاق التأسيسي لحماس، والذي يُعتقد أنه قد كُتب من قبل شخص واحد، وفي أحسن الأحوال مجموعة أشخاص، وحمل تعبيرات انطباعية أدبية ولم يُناقَش ولم تكن الحركة "في ذلك المستوى من النضوج"(3)؛ فقد عُرضت هذه الوثيقة على الأطر الحركية الرسمية، ولم يكن هناك اعتراض واضح عليها من قبل أقطاب الحركة الرئيسيين في الداخل والخارج، وقد تجلَّى ذلك في إعلان رئيس الحركة السابق عن الوثيقة وبحضور معظم قياداتها في غزة والخارج. غير أن الخشية من حدوث تأثيرات سلبية نتيجة هذه الوثيقة تبقى حاضرة؛ سترى فئة أن هذه الوثيقة هي نوع من التراجع في المواقف، وأنها تمثِّل قطيعة مع الإرث العقائدي والجهادي لحماس وخطابها السابق، وأنها تخشى في الجانب الآخر من إعادة استنساخ تجربة منظمة التحرير الفلسطينية في المشروع السياسي، وأنه لا يوجد ما يضمن عدم تجاوز هذه الوثيقة(4). غير أن الحركة وفي هذه المرحلة تقوم بشرح الوثيقة إلى قواعدها بغية تجنب سوء الفهم والتفسيرات الخاطئة لنصوصها(5). وعلى الرغم من أن المواقف من الأحداث السابقة كاتفاق أوسلو والانتخابات عام 1996 وانتخابات 2006 وغيرها لم يكن لها بُعد ديني وكانت مواقف سياسية بصرف النظر عن بعض المواقف الدينية المتفرقة من الأحداث، والتي لم تكن جزءًا من القرار الرسمي داخل أروقة الحركة، فالوثيقة السياسية جاءت تتويجًا "لممارسات الحركة على مدى ثلاثين عامًا وما قالته وفعلته حماس مفرَّقًا جاء جملة واحدة في هذه الوثيقة، دون المساس بالثوابت الوطنية أو الشرعية"(6). جهد حماس الداخلي في شرح الوثيقة لقواعدها يأتي بهدف إعادة إنتاج صورتها في أذهان أبنائها وأذهان الآخرين بأنَّ ما أقدمت عليه حماس عبر وثيقتها هو تحويل الممارسات السياسية إلى سياسات واضحة ساعدها على ذلك التجربة والاحتكاك والانفتاح على الآخرين(7). 

 الذي يبدد هذه المخاوف أو يعززها في النهاية هو السلوك السياسي الذي سيرافق تسويق الوثيقة لدى الأطراف المختلفة والتفسيرات المرتبطة بالبند 20 من الوثيقة تحديدًا، والذي يقبل ضمنًا بدولة على حدود 67 وفقًا للشروط التي بيَّنتها الوثيقة، على اعتبار أن هذه صيغة توافقية وطنية مشتركة مع باقي فصائل العمل الوطني(8). 

2- منظمة التحرير وحركة فتح

ستعزِّز الوثيقة إشكالية حماس مع منظمة التحرير؛ فمن جانب، لم تعترف الوثيقة بمنظمة التحرير كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني؛ حيث قالت الوثيقة بشكل واضح: إن "المنظمة" هي إطار وطني للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج يجب المحافظة عليه بل وإصلاحه وإعادة بنائه على أسس ديمقراطية تضمن مشاركة جميع القوى الفلسطينية مع تأكيد بـ"ضرورة الحفاظ على الحقوق الفلسطينية". ومن جانب آخر، أكَّدت الوثيقة أن المشاركة في المؤسسات الوطنية تكون وفق برنامج يستند إلى استراتيجية التمسك بـ"الحقوق والمقاومة" دون الإشارة إلى أشكال المقاومة التي يمكن التوافق عليها، ما يعني ضمنًا أن المشاركة إذا حصلت فستكون أقرب إلى رؤية حماس منها إلى رؤية فتح التي تقود منظمة التحرير في الوقت الحالي. 

وعلى الرغم من ترحيب بعض قادة فتح بالوثيقة(9)، إلا أن الموقف الرسمي لحركة فتح كان رافضًا للوثيقة لاعتبارات أخرى، وعلى رأسها مخاوف حركة فتح من تقديم حماس نفسها للعالم كبديل لمنظمة التحرير. وقد عبَّر عن ذلك الناطق باسم حركة فتح صراحة عبر بيان أكَّد على "أنه كان الأولى أن تذهب حماس أولًا إلى منظمة التحرير الفلسطينية وتُخرج موقفها في إطار وحدة وطنية حقيقية، وليس من خلال محاولات فاشلة لتقديم أوراق اعتماد"(10). وعلى الرغم من جهد حماس لتطمين الآخرين وتبديد مخاوفهم بهذا الشأن(11)، إلا أن الموقف الحاد من قبل حركة فتح تجاه الوثيقة كان واضحًا وعبَّر عن هذا الموقف المجلس الثوري لحركة فتح؛ حيث اعتبر أن وثيقة حماس "محاولة مكشوفة لتقديم نفسها وتنظيمها الدولي للعالم كبديل لما هو وطني بالمنطقة، وكبديل لمنظمة التحرير الفلسطينية ومشروعها الوطني الجامع والمقاوِم للاحتلال والمطالب بالاستقلال والسيادة"(12). ولم يجد الرئيس الفلسطيني محمود جديدًا في وثيقة حماس بل اعتبرها مليئة بالتناقضات وأن لا بديل عن المبادرة العربية للسلام؛ ما يشير بشكل واضح إلى أن المشكلة مع فتح ومنظمة التحرير تتفاقم(13).           

3- الانقسام بين غزة والضفة

لن يوثِّر صدور الوثيقة إيجابيًّا على ملف المصالحة؛ فموضوع المصالحة له علاقة بتعقيدات أخرى مرتبطة بإدارة قطاع غزة وهي إشكالية مركبة ولها جوانب أخرى غير البرنامج السياسي. المحتوى السياسي الذي قدمته الوثيقة الجديدة لحماس كان قد تم التوافق عليه بين الحركتين في السابق عبر وثيقة الأسرى في العام 2005. هذه الوثيقة تمت صياغتها في السجون ووقَّع عليها القيادات الأسيرة بمن فيهم قيادات حماس والجهاد الإسلامي؛ وهو موجود ومتوافَق عليه منذ فوز حماس في الانتخابات التشريعية وقيادتها لحكومة الوحدة الوطنية التي كانت حركة فتح ومعظم الفصائل الفلسطينية ممثَّلة فيها(14). وقد أشار الناطق باسم حركة فتح في برنامج السلطة الخامسة المذاع على التليفزيون الألماني (DW) إلى أن وثيقة حماس ستعزِّز الانقسام الفلسطيني معتبرًا أنه كان يتوجب على الأخيرة أن تخرج هذه الوثيقة في منظور الوحدة الوطنية وأن يتوجهوا إلى منظمة التحرير وحركة فتح من أجل تكريس الوحدة الوطنية والخروج ببرنامج موحد خصوصًا في ظل اقتراب برنامج حماس السياسي من برنامج فتح الذي أعلنت عنه عام 1988 من الجزائر. أكدت فتح أيضًا في بيان لها يُعد تعقيبًا على الوثيقة أن "كل المؤشرات لا تشير لا من قريب أو بعيد إلى أن حماس متجهة نحو الوحدة الوطنية"(15). 

4- الجهاد الإسلامي وقوى اليسار

ستراوح العلاقة بين حماس والجهاد الإسلامي من جهة وبين حماس وفصائل اليسار الفلسطيني من جهة أخرى مكانها؛ فعلى الرغم من عدم ارتياح حركة الجهاد الإسلامي لوثيقة حماس نتيجة لرفضها بعض محتوياتها خصوصًا البند 20 من الوثيقة الذي عدَّته الحركة مساسًا بالثوابت الفلسطينية وهو إعادة لإنتاج تجربة منظمة التحرير عبر الحلول المرحلية، فيما أكدت أن الصيغة الواردة في الوثيقة الجديدة فيما يخص هذه القضية هي صيغة "غير موفقة ولا تعبِّر عن الواقع"(16)، إلا أن هذا الموقف لن يؤثِّر على العلاقة بين الحركتين اللتين تحتفظان بعلاقة طيبة منذ وقت طويل نظرًا للتقارب الكبير في المواقف السياسية؛ فكلا الطرفين يعتبر شريكًا للآخر في "مشروع المقاومة". وقد عبَّر عن هذا الموقف زياد النخالة، نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي؛ حيث قال: "برغم أي تباين في الرأي، نحن نثق بحماس، ونرجو أن لا تتعجل، وتُبقي رهانها على شعبنا وأمتنا، وليس على من يناصبنا العداء"(17). أما اليسار الفلسطيني كالجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية فلم يصدر عنهما بيانات رسمية بهذا الشأن لكن كُتَّابا قريبين من الجبهتين تراوحت آراؤهم بين مرحِّب ومعاتِب ومنتقِد. حاول البعض إيجاد مقارنات وتقاطعات مع برنامج النقاط العشرة المبني على الحل المرحلي والذي توافقت عليه فصائل منظمة التحرير عام 1974(18). لكن موقف اليسار عمومًا أقرب إلى حماس من موقف فتح؛ حيث يوجد الكثير من التقاطعات السياسية وقد صدر مؤخرًا بيان مشترك بين الجبهتين وحماس بشأن انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني وفيه معارضة شديدة لتوجهات فتح والرئيس محمود عباس. 

ثانيًا: البيئة الإقليمية 

ستوفر هذه الوثيقة لكلٍّ من قطر وتركيا ما تدافعان به عن حماس فيما لن تتخذ الدول العربية خصوصًا مصر والسعودية والأردن مواقف جديدة؛ إذ إن مشكلتهم الأساسية مع حماس هي في ارتباطاهم الفعلي بجماعة الإخوان المسلمين وفي السلوك على الأرض ومنه الموقف من المبادرة العربية للسلام. أما إيران التي لم يصدر عنها موقف رسمي حول الوثيقة فالموقف يعتمد على التطورات الإقليمية وخارطة التحالفات المقبلة خصوصًا بعد زيارة ترامب للمنطقة. وفيما يلي تفصيل المواقف: 

1- قطر وتركيا

يمكن لموقف قطر التي تستضيف قيادة حماس السياسية وتقدم لها الكثير من الدعم السياسي والمالي الإنساني أن يتعزز أكثر وستوفر الوثيقة لقطر غطاءً جيدًا للدفاع عن حماس في المحافل المختلفة. أما تركيا التي رحَّب رئيسها، رجب طيب أردوغان، بالوثيقة(19) فتربطها أيضًا علاقات جيدة بحماس وترغب في تغيير الصورة السائدة عن حماس عبر إدماجها في العملية السياسية من خلال نهج سياسي أكثر اعتدالًا فهي معنية بعدم عزل حماس والتضييق عليها بل وتقديمها للعالم على أنها طرف مهم يمكن أن يلعب دورًا في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة. هذا، وقد هنَّأ وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، السيد إسماعيل هنية بفوزه برئاسة المكتب السياسي لحماس وأشاد بـ"الحالة الديمقراطية لحركة حماس" وكذلك بإصدارها الوثيقة السياسية(20). وكان وزير الخارجية التركي قد صرَّح في وقت سابق بأن "الجميع يعلم الفرق بين خط حماس السياسي السابق والحالي" معتبرًا "تركيا من أكثر الدول التي ساهمت في إحـــداث ذلك الفرق"(21). 

في هذا السياق تجدر الإشارة إلى قول السيد خالد مشعل خلال المؤتمر الصحفي لإعلان الوثيقة: إنها "ستريح" حلفاء حماس، ومع ذلك من المستبعد أن تتمكن كل من تركيا وقطر من إحداث تغيير جوهري في الوضع الحالي تجاه حماس في ظل الأجواء السائدة في المنطقة والإقليم. 

2- إيران وحزب الله

لم يصدر عن إيران موقف رسمي تجاه الوثيقة غير أن الوثيقة هوجمت من وسائل الإعلام الإيرانية ومن كُتَّاب ونشطاء مقربين من النظام الإيراني. وقد اختلفت دوافع مهاجمي الوثيقة حسب توجهاتهم (محافظين متشددين/محافظين معتدلين وإصلاحيين متشددين/إصلاحيين معتدلين)؛ فقد عبَّر فريق عن الاستياء المتراكم تجاه حماس نتيجة مواقفها من القضايا الإقليمية وعلى رأسها موقف حماس من النظام السوري، أما دوافع الفريق الآخر فتمحور حول القلق على مستقبل "مشروع المقاومة" وفريق ثالث استغل الموضوع لتصفية حسابات داخلية ليس لها علاقة بفلسطين ولا بحماس(22). أما حزب الله فقد عبَّر عن موقفه نائب الأمين العام، قائلًا: "إنَّ الحزب ليس مع المقاومة التي تمهِّد للتسوية، كما أنه ليس مع المقاومة التي تقسِّم فلسطين إلى دولتَيْن أو المقاومة التي تُبادل الدم بالأرض"، وإن الحزب مع المقاومة التي لا تقبل إلا بتحرير الأرض كاملة بلا قيود أو شروط. إحداث اختراق في العلاقة بين حماس من جهة وإيران وحزب الله من جهة أخرى مرتبط أيضًا بالتطورات الحاصلة في الإقليم وبمواقف حماس وقيادتها الجديدة تجاهها. وفي كل الأحوال، لن تشكِّل الوثيقة عائقًا أمام تطوير علاقات حماس بكلٍّ من إيران وحزب الله. 

ثالثًا: البيئة الدولية 

على الرغم من الاختلاف في حدَّة المواقف من اللاعبين الدوليين الرئيسيين تجاه حماس إلا أنها جميعًا تتفق على أن تغيُّر الموقف تجاه حماس مقرون بالتزام الأخيرة بشروط الرباعية الدولية للحديث مع حماس. ولقد أكدت اللجنة الرباعية الدولية عقب فوز حماس بالانتخابات التشريعية وتشكيلها للحكومة الفلسطينية العاشرة أن أعضاء اللجنة، المكونة من الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، لن تُجري أية حوارات مع حكومة حماس قبل الإعلان عن قبول شروطها الثلاثة، وهي: "نبذ الإرهاب"، و"الاعتراف بـإسرائيل"، و"القبول بالاتفاقات الموقَّعة بين إسرائيل ومنظمة التحرير"، وهي شروط رفضتها حماس رفضًا باتًّا وعبَّرت عن ذلك صراحة ما أدى إلى عزل حكومتها وحصارها منذ عشر سنوات. لم تحمل الوثيقة تغييرًا في موقف حماس من شروط الرباعية، بل على العكس أكدت على موقفها السابق الرافض للشروط الثلاثة. بالإضافة إلى ذلك، فإن البنود المطروحة في الوثيقة كانت حماس قد عبَّرت عنها في لقاءاتها الرسمية وغير الرسمية، المعلنة وغير المعلنة مع الأطراف الدولية منذ فوز حماس في الانتخابات وحتى الآن. وعليه، فإن الموقف الدولي من حماس سيبقى على ما هو عليه. لكن تبقى حسابات الأطراف في التعامل مع حماس ترتبط بالتطورات والمصالح، فروسيا التي تربطها بحماس علاقة مسبقة، ولم تقاطع حماس رغم رفضها شروط الرباعية، ربما تحاول الاستفادة من حماس كورقة تأثير في سياستها في الشرق الأوسط. أما الاتحاد الأوروبي، المنشغل حاليًّا بقضاياه الداخلية وإعادة هيكلة علاقته بالولايات المتحدة في ظل رئاسة ترامب، فلن يكون قادرًا على التعاطي مع متغيرات الشأن الداخلي الفلسطيني على الأقل في البيئة الدولة الحالية، وإن أي تغير في الموقف مرهون بتحقيق مصالحة كاملة والتحاق حماس بمنظمة التحرير الفلسطينية وفق الشروط الدولية(23). 

رابعًا: الآفاق المستقبلية للانفتاح على حماس 

لطالما كان بعض ما جاء في الميثاق التأسيسي عبئًا ثقيلًا على حماس وقد استغله خصومها وأعداؤها للتحريض عليها وعلى سياستها، على أنها حركة معادية للسامية، بالإشارة إلى تلك المواد التي تناولت اليهود واليهودية. الوثيقة التي أعادت طرح حماس كحركة تحرر وطني وأعادت تعريف معركتها بأنها سياسية وليست دينية وأنها لا تعادي اليهود لدينهم نقطة في غاية الأهمية. وقد تحدثت الصحافة الغربية عمومًا باهتمام عن وثيقة حماس وأبرزت الجوانب التي شملها هذا التغيير على أنها تخفيف من شروطها تجاه مزيد من الاعتدال. الزخم الذي حظيت به الوثيقة في الصحافة الغربية، وتحديدًا في كل من الصحافة البريطانية والأميركية يشير إلى الاهتمام بالتغيير الحاصل في حماس وأن هذا التغيير قد يشكِّل مدخلًا جيدًا للمتعاطفين مع حماس في الغرب من البرلمانيين والمؤسسات البحثية القريبة من مؤسسات الحكم ومنظمات المجتمع المدني للدفاع عنها وفتح قنوات للحوار معها مع الدوائر الرسمية(24). 

على الرغم من أن الوثيقة ليست مبادرة سياسية وليست موجهة إلى جهة بعينها، إلا أن هذا التغيير، الذي انتظره الكثير من المتعاطفين مع حماس خصوصًا في الغرب، قد يفتح آفاقًا جديدة للحركة. 

خاتمة 

ثمة تحولات جوهرية في وثيقة حماس الجديدة؛ فهي من جانب أعادت تعريف حماس كحركة تحرر وطني على استعداد للحل المرحلي على حدود الرابع من يونيو/حزيران 67، والانفتاح على الصعيد الفلسطيني وعلى العالم بلغة سياسية وخطاب مختلف. لن تُحدث الوثيقة اختراقًا كبيرًا في علاقات حماس مع الأطراف المحلية والإقليمية والدولية على الأقل في المناخ الحالي؛ ومع ذلك من المحتمل أن تساعد الوثيقة حماس في المستقبل على فتح قنوات حوار أفضل مع الأطراف الفاعلة في القضية الفلسطينية لكن هذا يعتمد بشكل أساسي على قدرة حماس على تسويق هذه الوثيقة وإقناع الأطراف أن ثمة تغيرًا جوهريًّا قد حدث وأن هناك ما يمكن البناء عليه. لم تكن مشكلة حماس يومًا في أدبياتها أو وثائقها بشكل أساسي بل كانت المشكلة على الدوام في حملها للسلاح وانتهاجها نهج المقاومة المسلحة. ميثاق حماس التأسيسي الذي سبَّب لها مشكلة في الكثير من المراحل، بل وتجاوزته عمليًّا من خلال خطابها السياسي والإعلامي وفي رسائلها المعلنة وغير المعلنة إلى كل الأطراف على مدار ثلاثين عامًا، لم يكن سببًا في تصنيفها كحركة إرهابية، أو اتخاذ المواقف الرسمية تجاهها، بقدر ما كان الأمر متعلقًا بحملها للسلاح وتبنيها لخيار المقاومة.

______________________

وائل عبد العال، باحث وأكاديمي- غزة

نبذة عن الكاتب

مراجع

1- البردويل، صلاح، عضو المكتب السياسي لحركة حماس، مقابلة مع الباحث عبر الهاتف 15 مايو/أيار2017.

2- حسب عزام التميمي، مؤلِّف كتاب "حماس.. الفصول غير المكتوبة"؛ فإن هذه الوثيقة صدرت بعد سنوات من الجدل داخل الحركة حول الميثاق التأسيسي وإن الكثير من أبناء الحركة وأنصارها طالبوا بإلغاء الميثاق التأسيسي للتخلص من الأخطاء التي شابت الميثاق.

انظر: عزام التميمي: "حماس" حركة مؤسسات لن يضرها تغيير القيادة، مقابلة وكالة الأناضول التركية، 9  مايو/أيار 2015، (تاريخ الدخول: 11 مايو/أيار 2017):

https://goo.gl/sswNem

3- البردويل، مقابلة عبر الهاتف، مرجع سابق.

4- انظر: الزعاترة، ياسر، "عن وثيقة حماس الجديدة وأسئلتها"، صحيفة العرب القطرية، 30 أبريل/نيسان 2017، (تاريخ الدخول: 15 مايو/أيار 2017):

 https://goo.gl/7h4do2

5- البردويل، مقابلة عبر الهاتف، مرجع سابق.

6- المرجع السابق.

7- المرجع السابق.

8- حركة المقاومة الإسلامية حماس، وثيقة المبادئ والسياسات العامة لحركة حماس، البند 20، مايو/أيار 2017، (تاريخ الدخول: 12 مايو/أيار 2017)، الوثيقة كاملة على الرابط التالي:

 https://goo.gl/3yzCTy

9- عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، جبريل الرجوب، رحَّب بوثيقة حماس الجديدة معتبرًا أن إقرار وثيقة حركة حماس السياسية يعبِّر عن الواقعية السياسية والوطنية الفلسطينية. الرجوب قال لإحدى الإذاعات المحلية: إن وثيقة حماس تُعتبر "تحولًا براغماتيًّا" و"إنجازًا للمشروع الوطني" لكن الموقف الرسمي لحركة فتح كان مختلفًا سواء ما عبَّر عنه الناطقون الإعلاميون للحركة أو البيان الصادر عن المجلس الثوري لحركة فتح. طالع تفاصيل الخبر على موقع صحيفة دنيا الوطن الإلكترونية، 2 مايو/أيار 2017، (تاريخ الدخول: 13 مايو/أيار 2017):

https://goo.gl/KseKLQ

10- انظر بيان حركة فتح: "فتح: حماس لم تأت بشيء جديد"، وكالة الأنباء الفلسطينية وفا، 2 مايو/أيار 2017، (تاريخ الدخول: 12 مايو/أيار 2017):

 https://goo.gl/Ut7kak

11- البردويل، مرجع سابق.

12- المرجع السابق.

13- رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، محمود عباس، مقابلة تليفزيونية، روسيا اليوم، 8 مايو/أيار 2017، (تاريخ الدخول: 11 مايو/أيار 2017):

 https://goo.gl/p5W2q4

14- النص الكامل لوثيقة الأسرى الفلسطينيين للتوافق الوطني التي توصل إليها قادة الأسرى الفلسطينيين في معتقلات الاحتلال في شهر مايو/أيار 2006،  في موقع الجزيرة نت، 26 مايو/أيار 2006،(تاريخ الدخول: 13 مايو/أيار 2017):

https://goo.gl/EenZww

15- وكالة فلسطين اليوم للأنباء،  "ماذا قالت حركة فتح عن وثيقة حماس؟"، 2 مايو/أيار 2017، (تاريخ الدخول:  13 مايو/أيار 2017):

https://goo.gl/fUaDS1

16- النخالة، زياد، مقابلة شاملة أجرتها معه وكالة فلسطين الإخبارية. طالِعْ نص المقابلة كاملة على الموقع، 6 مايو/أيار 2017، (تاريخ الدخول: 11 مايو/أيار 2017):

 https://goo.gl/XBMmqX

17- المرجع السابق.

18- "برنامج النقاط العشر لمنظمة التحرير الفلسطينية 1974"، الجزيرة نت، 7 أكتوبر/تشرين الأول 2007، (تاريخ الدخول: 11 مايو/أيار 2017)، انظر النقاط كاملة على الرابط:

 https://goo.gl/7FgZ9e

19- اعتبر الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وثيقة حماس السياسية الجديدة خطوة مهمة سواء من أجل القضية الفلسطينية أو التوافق بين حركتي حماس وفتح، موقع سي إن إن، (تاريخ الدخول: 13 مايو/أيار 2017):

 https://goo.gl/bQQHzA

20- انظر: وزير الخارجية التركي يهنئ هنيَّة بانتخابه رئيسًا للحركة، وكالة شهاب للأنباء، 14 مايو/أيار 2017، (تاريخ الدخول 15 مايو/أيار 2017)

 https://goo.gl/a8dlJX

21- انظر: وزير الخارجية التركي: حماس كانت ستعترف بإسرائيل في إطار حل الدولتين، صحيفة القدس العربي، 13 يناير/كانون الأول 2015، (تاريخ الدخول 13 مايو/أيار 2017)

 http://www.alquds.co.uk/?p=278637

22- عنبري، صابر، "الموقف الإيراني من وثيقة حماس"، عربي 21، 6 مايو/أيار 2017، (تاريخ الدخول: 13 مايو/أيار 2017):

 https://goo.gl/JZo9UZ

23- Pace, Michelle, Professor of political science at Roskile University Denmark, Expert in EU\MENA relations, Personal interview, 5 May 2017.

24- Look at this example: Baconi, Tareq: Why now is the time to talk to Hamas, the Guardian newspaper, 2 May 2017, (Visited on 13 May 2017):

https://www.theguardian.com/commentisfree/2017/may/02/hamas-charter-antisemitism