المحليات الجزائرية في أفق الرئاسيات: استمرار في ظل الثبات

الانتخابات المحلية مؤشر مهم لقياس عدة معطيات في مجال الحكامة الانتخابية كوعي المواطن وشفافية العملية ودقة التنظيم، وهي متغيرات إذا نُزِّلَت على الواقع الجزائري يظهر أن هناك قطيعة بين مناضلي الأحزاب وقادتها وبين الأحزاب نفسها، وبينها وبين إدارة العملية المنظمة للمسار المرتبط بالاقتراع.
be2b5e09e2db45008061f8f9831f1ee4_18.jpg
الحملة الانتخابية تلاقي قلة اهتمام بالشارع الجزائري (الجزيرة)

مقدمة

تحظى الانتخابات المحلية باهتمام جوهري؛ فالبلديات هي الركيزة الأساسية للتنمية ومنها تنطلق العملية التنموية المحلية لصانع القرار وهي أيضًا أداة لضبط حراك المواطن المحلي في الاستحقاقات السياسية القادمة. وتتشكل الهيئات المحلية اللامركزية في الجزائر من 1541 بلدية و48 ولاية/محافظة منتشرة عبر تراب القُطر الجزائري. على أنها تحظى بخصوصيات مختلفة بحسب موقعها الجغرافي وقدرتها على تمويل التنمية من الناحية المحلية والوطنية؛ لذلك تعد بعض البلديات في الجزائر ذات أهمية استراتيجية من الناحية الأمنية والاقتصادية للجزائر على اعتبار أن كثيرًا من البلديات الحدودية تتعرض لمختلف التهديدات الصلبة واللينة كتجارة السلاح وتهريب الوقود وتزوير العملة وانتشار الأمراض وتهريب البشر والهجرة غير الشرعية خصوصًا أن الحدود البرية الجزائرية تتجاوز 6343 كلم وأكثر من 1200 كلم على الساحل. ولأجل ذلك، شهدت الحملة الانتخابية التي سبقت الانتخابات المحلية خطابًا باهتًا ورتيبًا متميزًا بخصوصيات البلدية أو الولاية التي تكون محلًّا للتجمعات السياسية والحملات الانتخابية بين مختلف الفاعلين السياسيين. وقد اشتعل التنافس السياسي بين مختلف الفاعلين للظفر وتعزيز المواقع في الخارطة السياسية المحلية باعتبارها نقطة الانطلاق لمواعيد انتخابية مستقبلية ومفصلية.

ومن زاوية أخرى، تعد الانتخابات المحلية مرحلة مهمة إذ ستليها أيضًا انتخابات التجديد النصفي لأعضاء مجلس الأمة، الغرفة الأولى، ومعلوم أنه من الناحية الإجرائية والدستورية فإن ثلثي أعضاء مجلس الأمة يتم انتخابهم من طرف المنتخبين المحليين لجميع المجالس المحلية المنتخبة.

اعتُبرت الانتخابات المحلية للمجالس البلدية والولائية نقطة انعطاف محورية لهيكلية سياسية تُعد بعناية فائقة على اعتبار أن هذه الانتخابات هي مرحلة استعداد محلي وإجرائي للانتخابات الرئاسية لسنة 2019 والتي بدأ الحديث عنها مبكرًا، بل إن كثيرًا من النخب السياسية تعتبرها -بوصلة سياسية وانتخابية- لما ستكون عليه الجزائر لما بعد انتخابات الرئاسة حال ترشح بوتفليقة لعهدة جديدة.

فالمجالس المحلية هي من سيُعهد إليها متابعة وتهيئة مشاهد السيناريو الانتخابي المقبل لرئاسيات لذلك وقع الاحتراب السياسي بين أحزاب عُرفت تقليديًّا بكونها أحزاب الموالاة، مثل: حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي والأحزاب التي عُرفت تاريخيًّا بكونها معارضة كطيف الاتجاه الإسلامي بتشكيلاته وبعض الأحزاب الاشتراكية والوطنية على غرار التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وجبهة القوى الاشتراكية.

كما إن الواقع الرسمي لأداء السلطة السياسية لم يكن ليسمح بأن تكون نتيجة الاقتراع ضعيفة خصوصًا أن الدولة مقبلة على انتخابات رئاسية يتم تهيئة الظروف لها بشكل حثيث لتكون نسبة الاقتراع فيها مرتفعة على اعتبار العلاقة بين شرعية النظام السياسي ونسبة المشاركة السياسية المنتظرة.

إن المجالس المحلية البلدية والولائية في الجزائر تحظى بخصوصية كبيرة فقد أفردها المشرِّع الجزائري بعدد من القوانين الخاصة باعتبارها، أي المجالس المحلية: البلديات والولايات، هي الهياكل القاعدية لتطبيق اللامركزية الإدارية، فقد اعتبرها التعديل الدستوري الجزائري الأخير، في مارس/آذار 2016، بمثابة الأداة القاعدية لتكريس الديمقراطية التشاركية والحراك الجواري القائم على ترسيخ المواطنة وتعزيزها.

المشهد الانتخابي بالأرقام

مكَّنت الإدارة الالكترونية التي تبنتها وزارة الداخلية والجماعات المحلية بالجزائر من عملية تطهير كبيرة للهيئة الناخبة في الجزائر والتي تجاوزت 23 مليون ناخب؛ فقد سجَّلت عملية المراجعة الاستثنائية للقوائم الانتخابية قبل موعد الاقتراع ما يقارب 691727 مسجَّلًا جديدًا، حسبما أكده المدير العام للحريات والشؤون القانونية بوزارة الداخلية والجماعات المحلية وتهيئة الإقليم، منهم 49170 بلغوا سِنَّ الـ 18 و210579 مسجَّلًا غيَّروا مقرَّ سكناهم بالإضافة إلى 412.774 بلغوا السن القانونية ولم يسبق لهم التسجيل.

 عدد المترشحين للانتخابات البلدية بلغ 165000 مترشح منهم 51,5% دون سنِّ الـ 40، و4,5% تزيد أعمارهم عن 60 سنة و25% من ذوي المستوى الجامعي، و59% ذوي مستوى ثانوي، و16بالمئة من ذوي المستوى الابتدائي، في حين بلغ عدد المترشحين لهذا الموعد من العنصر النسوي 18%.

 بشأن انتخابات المجالس الشعبية الولائية، فقد "بلغ عدد المترشحين فيها 16600 مترشح، 48% منهم تقل أعمارهم عن 40 سنة و4.8% تزيد أعمارهم عن 60 سنة و28% من المترشحين من العنصر النسوي"، لافتًا إلى أن "34,5% من المترشحين من ذوي مستوى جامعي، و52,5 ذوي مستوى ثانوي وأساسي، و13% ذوي مستوى ابتدائي"(1). 

العملية الانتخابية لمحليات نوفمبر/تشرين الثاني 2017: قراءة في دلالات النتائج

بلغت نسبة المشاركة في انتخابات البلديات نسبة 46.83% وفي الولائية نسبة 44.26%؛ فقد فاز حزب جبهة التحرير الوطني بأكبر عدد من المجالس الشعبية البلدية والولائية يليه التجمع الوطني الديمقراطي، وصنعت جبهة المستقبل المفاجأة بحلولها كقوة سياسية ثالثة في البلديات ورابعة في المجالس الولائية، وتمكنت جبهة القوى الاشتراكية من استعادة قوتها خصوصًا في منطقة القبائل.

وحسب ما أظهرته هذه النتائج الأولية، فقد حافظ حزب جبهة التحرير الوطني على مكانته كقوة سياسية أولى في البلاد، حيث تمكن من الفوز برئاسة 603 بلديات على المستوى الوطني، ما يعني نسبة 30.56% من مجموع بلديات القُطر الـ1541، وجاء التجمع الوطني الديمقراطي في المرتبة الثانية بـ451 بلدية وبنسبة 26.21%، واحتلت جبهة المستقبل المرتبة الثالثة برئاسة 71 بلدية وبنسبة 06.02%، ثم جبهة القوى الاشتراكية بـ64 بلدية، فالحركة الشعبية الجزائرية بـ62 بلدية،، ثم حركة مجتمع السلم بـ49 بلدية، والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية بـ37 بلدية، ثم الأحرار بـ35 بلدية، فتحالف تاج بـ31 بلدية، وجاءت بعد ذلك الجبهة الوطنية الجزائرية بـ27 بلدية، فحزب العمال بـ17 بلدية.

وقد بلغ عدد المصوِّتين في انتخابات المجالس الشعبية البلدية عشرة ملايين و579719 ألف ناخب، وبلغ عدد الأصوات الصحيحة 9.490.217، أما عدد الأوراق الملغاة فقد بلغ مليونًا و89.502، أي ما يمثل نسبة 10.30%، وفي انتخابات المجالس الولائية بلغ عدد المصوِّتين عشرة ملايين و141.693 ناخبًا، وبلغت الأصوات الصحيحة ثمانية ملايين و653.673 ألف صوت.

وبالنسبة للمجالس الشعبية الولائية، فقد جاء حزب جبهة التحرير الوطني في المرتبة الأولى أيضًا بمجموع 711 مقعدًا، أي ما يمثل نسبة 35.48%، يليه التجمع الوطني الديمقراطي بـ527 مقعدًا بنسبة 26.30%، ثم حركة مجتمع السلم بـ152 مقعدًا وبنسبة 7.58%، ثم جبهة المستقبل فقد حصلت على نسبة 6.54% من المقاعد، فتحالف تاج بـ91 مقعدًا، فالحركة الشعبية الجزائرية بـ68 مقعدًا، ثم جبهة القوى الاشتراكية بـ63 مقعدًا، وجاءت الجبهة الوطنية الجزائرية بعدها بـ51 مقعدًا، فالأرسيدي (التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية) بـ33 مقعدًا، ثم الأحرار بـ31 مقعدًا، وحزب العمال بـ28 مقعدًا، ثم الجبهة الوطنية للعدالة الاجتماعية بـ14 مقعدًا، وعهد 54 بـ13 مقعدًا.

وبلغت الهيئة الناخبة خلال هذا الاستحقاق اثنين وعشرين مليونًا و883.772 ناخبًا، أما عدد مكاتب التصويت فقد بلغ خمسة وخمسين ألفًا و818 مكتبًا، منها 2892 مكتبًا جديدًا، وبلغ عدد مراكز التصويت اثني عشر ألفًا و443 مركزًا، منها 267 مركزًا جديدًا، أما الذين أطَّروا العملية فقد بلغوا تسعمئة وثلاثة وعشرين ألفًا و234 ناخبًا، أما عدد المراقبين الذين كلفتهم الأحزاب بالوقوف على العملية فقد بلغ، حسب نور الدين بدوي، 271 ألفًا، أي ما يمثِّل نسبة 76%، وقد تنافس مئتان وتسعة آلاف و944 مرشحًا على أربعة وعشرين و891 مقعدًا في 1541 بلدية عبر القُطر الوطني، كما تنافس اثنان وثلاثون ألفًا و555 مرشحًا على 2004 مقاعد في 48 مجلسًا شعبيًّا ولائيًّا(2).

والملاحظ أن جبهة التحرير فقدت عدد معتبرًا من البلديات مقارنة بمحليات 2012 غير أن الرابح الأكبر من تراجع حزب الرئيس لم يكن خصومه الإسلاميين، بل التجمع الوطني الديمقراطي، بقيادة رئيس الوزراء، أحمد أويحيى. حيث رفع الحزب عدد البلديات التي فاز بها بـ100 بلدية مقارنة بـ2012، ليصل إلى 451 بلدية (ما يعادل 26.21%)، في حين حصل على 527 مقعدًا في المجالس الولائية.

لم يكن أكثر المحللين تشاؤمًا يتخيل قبل انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2017، أن تتدحرج الأحزاب الإسلامية، أمام أحزاب حديثة النشأة محسوبة على السلطة، وأخرى توصف بالصغيرة والمجهرية، مما يعكس الوضعية الصعبة التي وصلوا إليها بعد أن فازوا في 1990 بأكثر من نصف عدد المقاعد المحلية.

فـ"حركة مجتمع السلم" وهي أكبر حزب إسلامي بالجزائر، فقدت المرتبة الثالثة بعد حزبي السلطة التقليديين، لتنزل إلى المرتبة السادسة من حيث عدد البلديات.

وقد عززت أحزاب جبهة المستقبل وتاج من مواقعها رغم حداثة نشأتها على اعتبار أنها تضم مناضلين سابقين في أحزاب حُسبت على أطياف التيار الوطني أو على مناضلين سابقين في الأحزاب الإسلامية على اعتبار أن حزب غول هو في الأصل تشكيل سياسي منشق من حركة حمس في حين يُعد عبد العزيز بلعيد، زعيم جبهة المستقبل، مناضلًا سابقًا في حزب جبهة التحرير الوطني.

وعلى الرغم من أن الأمين العام الجديد لحركة مجتمع السلم، الوزير الأسبق عبد المجيد مناصرة، حاول تبرير وقع الهزيمة على أنصاره بأنهم بقوا في المرتبة الثالثة من حيث عدد الأصوات (650 ألف صوت) والمقاعد في المجالس الولائية (152 مقعدًا/ 7.58%)، فإن النتائج من حيث عدد البلديات التي فاز بها، لم تتجاوز 49 بلدية، حسب النتائج الأولية المعلنة من وزارة الداخلية. وتجلَّت مأساة الانقسام داخل العائلة السياسية الإسلاموية الواحدة، في المرتبة التي وصل إليها ائتلاف ثلاثة أحزاب إسلامية (النهضة، وجبهة العدالة والتنمية، التي يرأسها الشيخ عبد الله جاب الله، وحركة البناء بقيادة مصطفى بلمهدي).

فقد حصلت الأحزاب الثلاثة مجتمعة على المرتبة الخامسة عشر، بـ8 بلديات فقط، في الوقت الذي كانت حركة النهضة بقيادة زعيمها المؤسس، عبد الله جاب الله، لوحدها، القوة الرابعة في البلاد في تشريعيات 1997، بل إن حزبه الجديد (حركة الإصلاح الوطني حينها) فاز بالمرتبة الثالثة في تشريعات 2002، ورغم ذلك لا تزال ذراع الإخوان في الجزائر، حركة مجتمع السلم، القوة السياسية (الثالثة) في البلاد بحسب تصريح رئيسها لكونها تتحكم في 51 بلدية وموجودة في 373 أخرى وفي 23 مجلسًا ولائيًّا بأكثر من 650 ألف صوت.(3)

الانتخابات: اتهامات التزوير ولغة الاحتراب السياسي.. أي مشهد مستقبلي؟

عند قراءة نتائج الانتخابات المحلية وما صاحبها من حراك ومظاهر شغب تلت الاعلان عن نتائجها تستوقفنا عدة ملاحظات: 

  • أولًا: هناك ادعاءات بالتزوير ووجود خروقات شابت العملية من طرف جميع التشكيلات السياسية بما فيها الأحزاب الرائدة على غرار حزب جبهة التحرير الوطني وحزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي هدد باللجوء للقضاء لاسترجاع ما فقده من بلديات. كما أن هناك احتجاجاتٍ مسَّت مختلف محافظات القُطر بما فيها تلك المحسوبة على المؤسسة الرسمية والتي تُصنَّف بكونها محافظة وهادئة وبلغت أعمال العنف حرق مؤسسات عمومية كالذي وقع في تندوف وبشار وورقلة ومستغانم وباتنة وتلمسان والعاصمة وأغلب مدن الشرق الجزائري.
  • ثانيًا: انتشار لغة التخوين التي تتهم الإدارة الرسمية بالإشراف المباشر على عملية تغيير الخارطة الانتخابية لصالح تشكيلة الحزب الأقوى. هذا الاتهام جعل وظيفة الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات محل مساءلة وتشكيك في دورها رغم استقلاليتها وحداثة إنشائها، وهي تسهم بالإشراف على ثاني استحقاق انتخابي خلال أقل من سبعة أشهر بعد الانتخابات التشريعية التي جرت في مايو/أيار 2017، ورغم أن صلاحيتها تنتهي بمجرد إعلان النتائج من طرف وزير الداخلية إلا أن الناخب والمحلل يعتبرها أداة رقابية غير فاعلة باعتبار أن الوظيفة القضائية من اختصاص المحاكم الإدارية المختصة بموجب المادة 170 من قانون الانتخاب 16-10 للفصل في الطعون واعتراضات الأحزاب، وعلى اعتبار أن الذي يضبط النتائج ويتلوها هو وزير الداخلية والجماعات المحلية.

إن الحديث عن التزوير بلغ مداه في هذه الانتخابات أكثر منه في الانتخابات التشريعية السابقة، وبهذا الصدد يرى بعض المحللين -أن معارك الاستيلاء على البلديات خارج إرادة الشعب من طرف الأحزاب قد تستمر شهورًا بعد إجراء العملية الانتخابية، والسبب هو التزوير كما يقولون، وبذلك تصبح الانتخابات لا تحل المشاكل بل تعقِّدها –حسب اتجاهات معسكر المعارضة- فأحزاب المعارضة الشكلية قالت: إن التزوير بدأ عندما قام حزبا السلطة، حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، بحذف المترشحين الجديين والأكْفاء من قوائم المرشحين في الأحزاب "المعارضة"، ومع ذلك لم تنسحب هذه الأحزاب من الانتخابات. ورغم الانتفاضة الصامتة أحيانًا والصارخة أحيانًا أخرى من طرف قواعد هذه التشكيلات السياسية، إلا أن القيادات تقول إنها لن تستجيب لطلب القواعد هذه المرة لأمور تتعلق بالمصالح العليا للدولة والأحزاب غير أن النقد الموجه من طرف أحزاب المعارضة لأحزاب السلطة لا يجد له تفسيرًا ولم يجد له تفسيرًا بعد انطلاق حرب التحالفات للظفر باللجان ورئاسة المجالس الشعبية الولائية(4).

وفي نفس الاتجاه، يذهب الباحث في علم الاجتماع السياسي، ناصر جابي، إذ يرى أن الانتخابات المحلية الجزائرية تكررت في تفاصيلها واتجاهاتها العامة، في نسخة 2017، فقد أكدت هذه النسخة على أن المواطن ما زال غير مهتم بها، فلم يشارك فيها أكثر من نصف المسجلين في قوائمها، وإن أكثر من مليوني صوت قد تم إلغاؤها في الاقتراعين (البلدية/الولائية) بعد أن أصبح من الشائع أن «يُفرَض» على بعض المواطنين، لاعتبارات مهنية أو اجتماعية، الذهاب إلى مكاتب التصويت، من دون قناعة، ما يجعلهم يقررون التعبير، عن طريق أوراق بيضاء.

المشاركة في الانتخابات التي ما زالت رغم ضعفها أكثر حضورًا في المناطق الريفية وفي الهضاب العليا والصحراء. ليتأكد مرة أخرى من ذلك القانون السوسيولوجي الذي تُعرَف به الانتخابات في الجزائر، كلما كانت الكثافة الديمغرافية عالية، قلَّت نسبة المشاركة، كما هو حاصل في المدن الكبرى والمتوسطة التي يعيش فيها أكثر من 67% من الجزائريين والمتميزة كسلوك انتخابي بضعف مشاركتها في هذه الانتخابات المملة. الشيء نفسه على مستوى النتائج، فقد أكدت هذه الانتخابات على أنها لم تُنظَّم لتغيير الخريطة السياسية، أو إحداث التغيير السياسي المطلوب من غالبية من الجزائريات والجزائريين؛ فقد فاز حزبا السلطة، جبهة التحرير والتجمع الوطني الديمقراطي، بنسب عالية من المجالس البلدية (%39.13 و29.27% على التوالي). لتتقاسم الأحزاب الأخرى (خمسون حزبًا مشاركًا) ما تبقى من مجالس بلدية. أحزاب أكَّد الكثير من الاستحقاقات الانتخابية، على نتائجها المتواضعة المتحصل عليها، في مشهد سياسي متكرر(5). وبهذا الصدد، نشير إلى أن أكثر من 12 مليونًا لم يصوِّتوا يوم الاقتراع وهو ما اعتُبر نوعًا من الصيام الانتخابي أو الامتناعية كمذهب سلوكي سياسي ملحوظ.

  • ثالثًا: إن ما وقع من عنف شهدته مختلف المحافظات يعد مؤشرًا جديدًا على مرحلة ما بعد الانتخابات، وهي تؤرِّخ لتصور سياسي جديد للناخب المحلي الذي انتقل من مرحلة اللاتسيُّس إلى التسيُّس المناطقي والعشائري والفئوي الضيق، كما لوحظ تعاظم ظاهرة التجوال السياسي بشكل غير عادي وفي مدد بسيطة فكثير من الذين ترشحوا في الانتخابات البرلمانية ولم يسعفهم الحظ أعادوا ترشحهم تحت لافتات سياسية جديدة. وقد سجَّل المتابعون أحداث عنف بين مناضلي التشكيلات السياسية وقوات الأمن المسخَّرة من طرف الولاة على اعتبار أنهم المسؤولون عن حفظ النظام العام في مثل هذه الحالات ووصل الأمر لحرق مؤسسات على غرار المحكمة الإدارية في تندوف الحدودية وبعض المؤسسات العمومية وهو ما جعل زعيمة حزب العمال، لويزة حنون، تحمل الآفلان والأرندي مسؤولية إجهاض إصلاحات الرئيس في تصريح اعتبرت فيه الجزائر البلد الأخير في إفريقيا الذي تُزوَّر فيه الانتخابات.
  • رابعًا: تعود مسالة الرقابة القضائية والمجتمعية الخاصة بمراقبة الانتخابات على محك الاختبار الحقيقي؛ تحظى الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات بصلاحيات دستورية مهمة ترتبط بالإشراف على التحضير والإعداد للعملية الانتخابية ولم يعطها صلاحيات النظر في الطعون لمرحلة ما بعد الاقتراع، وهو ما يجعلها محل مساءلة من طرف الفاعلين السياسيين والنخب المعارضة تحديدًا، ولعل صعوبة تحكمها في مختلف مراكز التصويت من خلال العدد المحدود من أعضائها يصعِّب من مسؤوليتها على اعتبار أن المشرِّع في قانونها العضوي مكَّنها فقط من تسخير المحضرين والموثقين فقط، ونظرًا للنقص الفادح في هذه الفئة التي تتميز بالضبطية العمومية فإن مهمة المتابعة والإشراف والفرز والإحصاء تصبح أكثر غايةً في الصعوبة. وبهذا الصدد، دعا رئيس الهيئة، عبد الوهاب دربال، إلى المطالبة بمنح الهيئة حق تحريك الدعوى على مخالفي القانون وذلك في حوار مع يومية الشروق.
  • خامسًا: يبدو القانون العضوي للانتخابات محل إشكال قانوني كبير؛ فالقانون يحوي ثغرات كبيرة من حيث الجزاءات والمخالفات المرتبطة بمدونات أخلاقيات الحملة الانتخابية كما أنه يتضمن ثغرات إجرائية تتعلق بالأساس بتنظيم عمليات ضبط قوائم المترشحين وآجالها إضافة إلى إغفاله مسألة إعلان النتائج وآليات الطعون عليها وهو ما جعل التشكيلات السياسية تطالب بإعادة النظر فيه رغم حداثة صياغته، 2016، غير أن الأمل في تعديله مستبعد كليًّا في الوقت الراهن باعتراف وزير الداخلية اللذين أقرَّا بتعديله في 2019، وهي السنة التي تُعقَد فيها الانتخابات الرئاسية المقبلة.
  • سادسًا: تبقى الانتخابات المحلية بوصلة سياسية حقيقية تقيس عدة مؤشرات في مجال الحكامة الانتخابية وجودة الرقابة والإشراف ودرجة الوعي السياسي المحلين وهي متغيرات أظهرت تجلياتها قطيعة كبيرة بين مناضلي التشكيلات السياسية وقادتها وبين التشكيلات السياسية فيما بينها وبين هذا الكل وإدارة العملية المنظمة للمسار المرتبط بالاقتراع. 

نبذة عن الكاتب

مراجع

 

(1) انظر: الانتخابات المحلية: 691.727 مسجَّلًا جديدًا في القوائم الانتخابية، موقع الإذاعة الجزائرية، 20 سبتمبر/أيلول 2017، (تم التصفح في 10 ديسمبر/كانون الأول 2017):

   http://www.radioalgerie.dz/news/ar/article/20170925/122081.html 

(2) انظر: الانتخابات المحلية ابتسمت «للعائلة الوطنية»: الأفلان يحافظ على الريادة والأرندي يتقدم، موقع النصر أونلاين، 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، (تم التصفح في 10 ديسمبر/كانون الأول 2017):

https://www.annasronline.com/index.php/2014-08-09-10-33-20/2014-08-23-11-15-15/84255-2017-11-24-21-03-59 

(3) انظر: مصطفى دالع، قراءة متأنية في مسرحية الانتخابات المحلية الجزائرية، موقع Algeriatimes.net، 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، (تم التصفح في 7 ديسمبر/كانون الأول 2017):

https://algeriatimes.net/algerianews40469.html 

(4) انظر: سعد بوعقبة، التزوير خطر على التزوير، موقع Algeriapress.com، 1 ديسمبر/كانون الأول 2017، (تم التصفح في 5 ديسمبر/كانون الأول 2017):

https://algeriepress.com/archives/13627   

(5) انظر: ناصر جابي، قراءة في نتائج الانتخابات المحلية الجزائرية، 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، (تم التصفح في 7 ديسمبر/كانون الأول 2017):

http://www.alquds.co.uk/?p=833793

 

ملحق

أولًا: نتائج انتخابات المجالس الشعبية البلدية بالأرقام:

الأحزاب

عدد المقاعد

جبهة التحرير الوطني

603 بلدية 

التجمع الوطني الديمقراطي

451 بلدية 

جبهة المستقبل

71 بلدية 

الحركة الشعبية الجزائرية

62 بلدية 

حركة مجتمع السلم

49 بلدية 

جبهة القوى الاشتراكية

64 بلدية 

تجمع أمل الجزائر "تاج"

31 بلدية

الجبهة الوطنية الجزائرية

27 بلدية 

الأحرار

35 بلدية

حزب العمال

17 بلدية

التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية

37 بلدية

حزب الحرية والعدالة

9 بلديات

حزب الفجر الجديد

12 بلدية

تكتل النهضة والعدالة والبناء

8 بلديات

التحالف الوطني الجمهوري

9 بلديات

حزب الكرامة

7 بلديات

حزب الشباب

3 بلديات

حزب عهد 54

4 بلديات

الجبهة الوطنية للحريات

4 بلديات

حركة الوفاق الوطني

4 بلديات

حركة الانفتاح

بلديتان (2)

تحالف الفتح

4 بلديات

اتحاد القوى الديمقراطية والاجتماعية

3 بلديات 

الجبهة الوطنية للعدالة الاجتماعية

3 بلديات

حزب التجديد الجزائري

بلدية واحدة (1)

طلائع الحريات

5 بلديات

جبهة النضال الوطني

بلديتان (2)

جبهة الجزائر الجديدة

بلديتان(2)

حزب النور الجزائري

بلديتان (2)

الحزب الوطني للتضامن والتنمية

بلدية واحدة (1)

تحالف تاج

3 بلديات

الحركة من أجل الشباب والديمقراطية

بلدية واحدة (1)

الجبهة الديمقراطية الحرة

بلدية واحدة (1)

الاتحاد الوطني من أجل التنمية

بلديتان (2)

الحزب الاشتراكي للعمال

بلدية واحدة (1)

Source : Ministère de l’Intérieur des Collectivités Locales et de l’Aménagement du Territoire

 

ثانيًا: نتائج انتخابات المجالس الشعبية الولائية بالأرقام

الأحزاب

عدد المقاعد

جبهة التحرير الوطني

711 مقعدًا

التجمع الوطني الديمقراطي

527 مقعدًا

حركة مجتمع السلم

152 مقعدًا

جبهة المستقبل

131 مقعدًا

تجمع أمل الجزائر (تاج)

91 مقعدًا

الحركة الشعبية الجزائرية

68 مقعدًا

جبهة القوى الاشتراكية

63 مقعدًا

الجبهة الوطنية الجزائرية

51 مقعدًا

التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية

33 مقعدًا 

الأحرار

31 مقعدًا

حزب العمال

28 مقعدًا

الجبهة الوطنية للعدالة الاجتماعية

14 مقعدًا

عهد 54

13 مقعدًا

حزب الحرية والعدالة

12 مقعدًا

حركة الانفتاح

11 مقعدًا

الجبهة الوطنية من أجل الحريات

11مقعدًا 

حزب النور الجزائري

8 مقاعد

التحالف الوطني الجمهوري

6 مقاعد

حزب الكرامة

6 مقاعد

حزب الشباب

5 مقاعد

تحالف "تاج"

5 مقاعد

حزب الفجر الجديد

5 مقاعد

الحزب الوطني للتضامن والتنمية

5 مقاعد

جبهة الحكم الراشد

5 مقاعد

تحالف الفتح

4 مقاعد

Source : Ministère de l’Intérieur des Collectivités Locales et de l’Aménagement du Territoire