السعودية وإيران: هل تفلح دعوات الحوار في وقف التوتر؟

تبحث هذه الورقة إشكاليات العلاقات الإيرانية-السعودية على ضوء دعوات الحوار التي صدرت عن الطرفين مؤخرًا، وتقدم قراءة في التوجهات نحو هذه العلاقات، وتناقش نظام الأمن الإقليمي الذي تقترحه إيران ومحاوره الرئيسية.
3 أكتوبر 2019
b2dbefc965354b90bc9a824c01a91a8b_18.jpg
الرئيس الإيراني، حسن روحاني، وولي العهد السعودي، محمد بن سلمان (الجزيرة)

يبدو أن رغبة المملكة العربية السعودية في الحوار مع الجمهورية الإسلامية باتت تتخذ مسارات أكثر جدية، فقد أرسلت الرياض رسائل واضحة بهذا الخصوص، وردَّت إيران مُرَحِّبة في سلسلة تصريحات صادرة عن مسؤولين بارزين. ومع هذه الدعوات تنشط وساطات ذات بعد إقليمي إسلامي، تتمثَّل في العراق وباكستان. ويؤكد مسؤولون إيرانيون قابلتهم الباحثة أنه على الرغم من قطع العلاقات إلا أن الاتصالات لم تنقطع طوال الفترة الماضية بين إيران والسعودية، التي أرسلت أكثر من مرة رسائل تقول برغبتها في الحوار وحل المشكلات بين البلدين(1) .

وبالعودة إلى تصريحات الطرفين فمن الواضح أن اليمن وكذلك أمن الخليج سيكونان محور المحادثات ومحكها الأساسي.

والأبواب المفتوحة من قبل إيران للحوار، والتي تحدث عنها رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني، يعتقد أن من شأنها أن تُسهِّل حوارًا سعوديًّا إيرانيًّا يمكنه حلَّ الكثير من مشاكل المنطقة الأمنية والسياسية، ومن هنا فإن طهران توصي الحوثيين بقبول أي وقف لإطلاق النار مع السعودية. وكان الموضوع فرصة للحديث عن ضرورة تشكيل نظام أمني جماعي خاص بالخليج بمشاركة جميع الدول الخليجية. لكن السؤال الملح اليوم: هل يضمن اللجوء إلى الحوار من باب الاضطرار إمكانية نجاحه في حل المشكلات أم أنه سيقود إلى خفض محدود للتوتر مع بقاء المشكلات الجوهرية وتأجيل مواجهتها؟ تقدم هذه الورقة، والتي هي تحديث لورقة سابقة للمركز حملت عنوان: في قراءة النخب الإيرانية: هل من أفق للتعاون مع السعودية؟، قراءة في أبعاد العلاقات وتحدياتها، وتناقش نظام الأمن الإقليمي الذي تقترحه إيران.

الخليج بين طرفي التوتر 

لا يمكن لمنطقة الخليج وكذلك الحال في الوطن العربي أن يبقى بمنأى عن تعقيدات العلاقة بين إيران والسعودية، كما لا يمكن للعالم الإسلامي أن ينجو من التبعات والتأثيرات العميقة للتوتر الحاصل في علاقة البلديْن المسلميْن. وتعتبر إيران والسعودية لاعبيْن رئيسيين في منطقة غرب آسيا؛ حيث يلعب العامل الجيوسياسي دوره المحوري في تشكيل العلاقة بالنظر إلى سياسات ومواقف كل دولة، كما لا يمكن إسقاط العامل المذهبي في تنافس الدولتين. تاريخيًّا شهدت العلاقات الإيرانية-السعودية فترات تراجع وازدهار، وقبل الثورة الاسلامية، وخلال العهد البهلوي، كان البلدان، وحسب نظرية نيكسون "الركيزتين التوأمين"، يشكِّلان محوري النفوذ والسيطرة للولايات المتحدة، حيث مثَّلت إيران المحور العسكري فيما مثلت السعودية المحور الاقتصادي. وقد أطاح انتصار الثورة الاسلامية بأحد محوري تلك النظرية.

وبالإضافة إلى التحولات التي أحدثتها الثورة الإسلامية في الموازنات الإقليمية، فقد أوجدت تحولات جادة في موازين القوى بين البلدين. وكانت التوجهات والمقاربات المختلفة للبلدين تجاه القضايا الإقليمية والعالمية، وتحولهما إلى قطبين مذهبيين، سني وشيعي، والمواقف حيال الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وغير ذلك من القضايا، سببًا في ألا تسود علاقات جيدة بين البلدين. رافق ذلك تصاعد حدة التوتر في حالات متعددة، والأمثلة على ذلك كثيرة، لعل أبرزها: أزمة الحجاج الإيرانيين عام 1987، وفاجعة منى عام 2015، وإعدام الشيخ النمر في السعودية، ومهاجمة السفارة السعودية في طهران، والذي أدى في النهاية إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، والحرب في اليمن وتطوراتها الأخيرة التي شكلت تهديدًا أمنيًّا مباشرًا للعربية السعودية وآخرها الهجوم الذي استهدف آرامكو، وتعقيدات الاتفاق النووي الإيراني.

ومنذ العام 2005، تتصاعد حدَّة المنافسة ممثَّلة بصراع محوري "المقاومة" و"الاعتدال"، وهما المحوران اللذان لم يسلما من مجريات الثورات العربية. أخذ هذا الصراع أبعادًا جديدة مع هذه الثورات التي انطلقت شرارتها في تونس 2011، وازداد حدَّةً مع الثورة السورية، فضلًا عن القلق الذي رافق توقيع إيران لاتفاق نووي مع الغرب في 2015.

تعاظمت حدَّة التنافس والصراع مع الأزمة اليمنية وتحالُف "عاصمة الحزم" ضد الحوثيين بهدف "مواجهة المدِّ الإيراني في اليمن". واعتُبرت "عاصفة الحزم" "تخطِّيًا لتقليد عدم المواجهة المباشرة بين الدولتين"(2)، عقب قناعة بدأت تتشكَّل وسط صفوف صانعي القرار في السعودية بأن سياسة المواجهة غير المباشرة مع طهران باتت غير مجدية.

ومع تلك الأزمات وكذلك الأزمة مع قطر، بدأ الصراع القائم بين البلدين يأخذ أشكالًا وأبعادًا أكثر تعقيدًا، في الظاهر والباطن. 

هذه الإشكاليات وضعتها مؤسسة الدراسات المستقبلية للعالم الإسلامي في إيران قيد الدراسة من خلال استطلاع استهدف النخبة العلمية والسياسية الإيرانية وناقش أرضيات وأسباب التوتر، وسأل حول أفق العلاقات بين البلدين، وقد تكون هذه الدراسات هي الأولى من نوعها التي بحثت هذه القضية بصورة أكاديمية كمية. ونناقش تالياً أهم نتائج هذا الاستطلاع مع مقارنات بنتائج دراسات أجراها مركز الجزيرة للدراسات وتناولت العلاقات العربية-الإيرانية والعلاقات الإيرانية-السعودية.

لفهم العلاقة

يساعد في فهم وتفسير العلاقات الإيرانية- السعودية الرجوع إلى نظرية الدور. إن ما يسميه هولستي (K. Holsti) القيام بالدور؛ ينطلق بصورة أساسية من طبيعة ما تحمله النخبة السياسة في كل بلد من تصورات للدور الوطني، ويأتي ذلك محكومًا بعدد من الخصائص الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للدولة(3).

وقد يسهم في الفهم أيضًا اللجوء إلى نظريات سلوك الدولة (Theories of state behavior)، ونظريات العلاقات الدولية التي تسعى لفهم سلوك الدولة وشرح دوافع ومحركات هذا السلوك الخارجي، الذي يرتبط بصورة كبيرة بالمحيط الذي يحيط بتلك الدولة وتتحرك داخله ومن خلاله. ويمكن المزج بين أكثر من نظرية لتأطير السلوك السياسي لدى الدولتين خاصة فيما يتعلق بالطرف الإيراني، وتبدو نظرية الواقعية الكلاسيكية Classical Realism، مفيدة على هذا الصعيد خاصة فيما يتعلق بالهدف، فهي تجادل بأن البحث عن القوة والأمن هو هدف كل الدول(4)، وهو المحرك الأساسي لسلوك الدولة. ولتحقيق هذا الهدف تسعى الدول إلى زيادة في قوتها بالتزامن مع إيجاد وسائل تساعدها في إضعاف الخصوم والأعداء، وعليه فإن مجمل أداء الدولة يأتي في إطار جمع ومضاعفة عناصر القوة.

يجري النظر إلى كل دولة من الدول الأخرى كمنافسين باعتبار أن القوة إذا لم تكن في يد الدولة ذاتها فهي خطر عليها .لا يعني ذلك بالضرورة الوقوع في الحرب، فحالة السلم ممكنة، لكن حالة السلم المستقر ترتكز على نظام مستقر لتوازن القوى (stable balance of power)؛ وهذا يعني أن اللاعبين الكبار يملكون مصادر متقاربة للقوة بحيث لا يفكر واحد منهم في ربح الحرب إذا اندلعت وهذا ما يؤدي إلى عدم اللجوء إليها كطريقة لحل الصراعات(5)

وسعيًا لنموذج تفسير مركب، فإن نظرية الواقعية الجديدة(6) التي تحوي كثيرًا مما ورد في "الواقعية الكلاسيكية"، تساعد في فهم السلوك السياسي الإيراني والسعودي خاصة خلال الأعوام الأخيرة، ونجد تجليات ذلك في الساحتين السورية واليمنية، فهي تُرجع سبب كل الصراعات إلى القوة، فالنظام الدولي الذي تغيب عنه حكومة عالمية تظهر فيه الفوضى، وفوضى النظام الدولي هذه تسمح للدول باللجوء إلى كافة السلوكيات التي تمكِّنها من الحصول على زيادة في القوة، وهو ما يخلق حالة من المنافسة بين الدول تؤدي إلى حالة من التهديد بحيث تحاول كل دولة ضمان أمنها سواء بالدفاع أو بالمبادرة بالهجوم(7).

ويلتقي ذلك أيضًا مع ما يُطلق عليه: المصلحة الذاتية للدولة التي تصاغ بعبارات دينية مألوفة يتعلق بعضها بـ"القانون الإلهي" ويتعلق بعضها الآخر بـ"القانون الطبيعي"(8). ويدخل في نموذجنا التفسيري المركب أيضًا، النظريات الإدراكية(9)، وهي النظريات التي تشرح دور العمليات النفسية(10)، مثل: الإدراك(11) وسوء الإدراك(12)، ونظم الاعتقاد أو الأنظمة القيمية(13) في رسم السلوك(14)، ومن ذلك سلوك السياسة الخارجية للدولة، الذي قد يأتي على مستوى الدولة أو المنظمة أو الفرد، ومن بين ذلك سلوك صانع القرار(15).

 

المصدر: Pajares (2002). Overview of social cognitive theory and of self-efficacy. 12-8-04.

http://www.emory.edu/EDUCATION/mfp/eff.html 

نموذج هارلد وسبـراوت (Harold & Margaret Sprout) (16): يساعد هذا النموذج في تفسير أبعاد السياسة الخارجية الإيرانية من خلال بحث مجموعة من العوامل التي تؤثر في الدولة موضوع البحث. ويفترض هذا النموذج أن استجابة صنَّاع السياسة الخارجية للبيئة تتوقف على مدى إدراكهم إياها. كما يُفيدنا ما قدمه هارلد ومارغريت سبراوت في تفسير السياسة الخارجية الإيرانية، وكيف تؤثر البيئة النفسية والعملية لصناع القرار في بناء السياسة الإيرانية تجاه منطقة الخليج والنتائج التي تتركها هذه السياسة (17). ويمكن توسيع نموذج الدور، بحيث يشمل المستويين الداخلي والخارجي، حيث يتم في الأول بحث الأدوار السياسية في إطار الأنساق السياسية من الداخل وبحث هيكل الأدوار وتوزيعاتها وتفاعلاتها فيما يتعلق بالأنساق الفرعية أو بالنسق الكلي. وربط ذلك بالمستوى الثاني، بحيث يجري بحث الأدوار السياسية في إطار النسق السياسي الدولي/الخارجي، والتركيز على الأدوار التي يشغلها السياسيون/الدول/الجماعات(18). ويمكن إجراء ذلك بالنظر بصورة مماثلة إلى بنية السلطة وصناعة القرار في إيران، وصراعها وتنافسها وأثر ذلك كله على السياسة الخارجية الإيرانية.

 

المصدر : David Criekemans Manuel Duran, Mental maps, geopolitics and foreign policy analysis

http://www.wiscnetwork.org/porto2011/papers/WISC_2011-644.pdf 

تحديات الأمن والطاقة

حاججت إيران دائمًا بأن واشنطن بقيت تسعى لإيجاد جو نفسي وسياسي معاد لإيران ونواياها في منطقة الخليج، واستخدمت ذلك بفعالية لمنح المشروعية لحضورها العسكري المكثف، وكان عنوان "التهديد الإيراني" وسيلة الولايات المتحدة لتعزيز روابطها الأمنية والعسكرية مع الدول العربية وعبَّر ذلك عن نفسه بعدد من الاتفاقيات الدفاعية الثنائية..(19). ولذلك، كانت الدعوة إلى خارطة طريق إيرانية في آسيا، وركَّزت على ضرورة الوصول إلى حل أمني لمواجهة تهديد القواعد العسكرية الغربية في منطقة الخليج.

وعند النظر إلى قضية الأمن المستقبلي لمنطقة الخليج، نجد أن المنطقة ما زالت تتصدر قائمة أولويات السياسة الخارجية الأميركية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وتعاظمت هذه الأمنية عقب هجمات سبتمبر/أيلول 2001، وبعد احتلال العراق عام 2003، على الرغم من الحديث عن انسحاب أميركي من المنطقة نحو الباسيفيك(20). إن احتواء المنطقة على احتياطيات كبيرة من الطاقة كان سببًا في زيادة التواجد العسكري الغربي .

وفي الوقت الذي سعت فيه واشنطن إلى توظيف المنطقة لخدمة أهدافها العسكرية والأمنية، فإن الجمهورية الإسلامية بوصفها من أكثر دول المنطقة تأثيرًا مارست سعيًا مماثلًا، وأولت أهمية كبرى لبحث الخيارات الأمنية الموجودة لانتخاب أنسب الطرق المتاحة لتعزيز أمن المنطقة والحفاظ على مصالحها، وحاولت السعودية محاصرة التفوق الإيراني في المنطقة والذي جاء على حساب نفوذها ومصالحها.

تدعو إيران إلى ترتيبات أمنية لمنطقة الخليج(21)، بالتركيز على موضوع الطاقة والأمن كمفاتيح أساسية واستراتيجية لهذا التحرك خاصة أن التحولات الكبرى التي شهدتها في السنوات الأخيرة وخاصة في العراق ضاعفت من أهميتها. وفي بحث ترتيبات أمن الخليج، لا يمكن إغفال دور إيران بوصفها لاعبًا أساسيًّا. وكذلك الحال فيما يتعلق بالعربية السعودية مع ملاحظة أن الجمهورية الإسلامية والمملكة العربية السعودية كانتا في العقود الأخيرة عامودي أمن المنطقة وشكَّلت تحولات العراق العامل الأساسي المؤثر على حاضر الخليج ومستقبله؛ إذ بعد 2003 بدأت الكفة تميل إلى صالح إيران على حساب العربية السعودية.

ولا يمكن على هذا الصعيد إغفال دور الطاقة وأثرها على أمن منطقة الخليج مستقبلًا، ووفقًا للتقديرات فمنطقة الخليج تحوي ثلثي احتياطي النفط وثلث احتياطي الغاز في العالم(22)، والطلب على الطاقة في نمو متسارع وخاصة من قبل الدول الآسيوية وبشكل كبير من قبل الصين والهند، وستكون الطاقة وفق ما تتحدث عنه التقارير الاستراتيجية الإيرانية عاملًا مؤثرًا على التحولات الجيوسياسية والاقتصادية لمنطقة آسيا ومنطقة الخليج بشكل خاص(23). وسيكون لعامل الاستقرار في الخليج أثره الكبير على سوق الاقتصاد العالمية، فدول الخليج تنتج يوميًّا 23 مليون برميل من النفط مما يعادل 27% من الإنتاج العالمي، وتتوقع الأرقام العالمية حتى العام 2025 ستُصدِّر منطقة الخليج 36 مليون برميل من النفط يوميًّا(24)، وستعتمد اقتصادات الدول وخاصة النامية في آسيا على طاقة الخليج بشكل حيوي وستؤثر أية توترات سياسية صغيرة كانت أم كبيرة على هذا الجانب بصورة واضحة(25).

مجتمع الدراسة 

جاء مجتمع الدراسة ليضم النخب المؤسساتية والعلمية ذات العلاقة في مجال السياسة الخارجية، وجرى استطلاع المعنيين بمجال السياسة الخارجية في وزارة الخارجية وأساتذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية والجغرافيا في جامعات طهران والشهيد بهشتي وتربية مدرس، وعدد من الباحثين المختصين. وفي المجمل جرى استطلاع 75 شخصًا، جاء توزيعهم كالتالي: 

23 بالمئة مسؤولون تنفيذيون.

77 بالمئة من الباحثين وأساتذة الجامعات.

وفيما يتعلق بالتحصيل العلمي، فإن:

85 بالمئة من المشاركين متخصصون في مجال العلوم السياسية والعلاقات الدولية.

15 بالمئة متخصصون في سائر العلوم (الجغرافيا السياسية، والحقوق، وغيرها من التخصصات). 

54 بالمئة من المشاركين يحملون شهادة الدكتوراه، و37 بالمئة يحملون الماجستير، و9 بالمئة يحملون البكالوريوس.

تحليل النتائج

أهمية العلاقات الإيرانية-السعودية لدى النخب الإيرانية: نجد أن النخبة الإيرانية تولي أهمية كبيرة جدًّا (%62) وكبيرة (24%) لهذه العلاقات، بينما أولى ما نسبته (%13) أهمية متوسطة، فيما لم يقل أحد من المستطلعين بأهميتها القليلة أو القليلة جدًّا.

رأي النخبة بأهمية العلاقات الإيرانية-السعودية

التكرار

النسبة

أهمية قليلة جدًّا

0

0

أهمية قليلة

0

0

أهمية متوسطة

10

13.3

أهمية كبيرة

18

24

أهمية كبيرة جدًّا

47

62.7

المصدر: إعداد الباحث

أهم أسباب الخلاف بين البلدين: السعي للتحول إلى القوة الأولى في المنطقة

وفيما يتعلق بالخلافات الجوهرية بين إيران والسعودية في مجالات عديدة، يمكن الإشارة إلى أربعة تباينات أساسية:

1- قراءات مختلفة عن الإسلام السياسي ونوع الحكم.

2- التباينات المذهبية، الشيعية والسنية.

3- التباينات القومية، العرب والعجم.

4- السعي للتحول إلى القوة الأولى في المنطقة.

وقد رتبها المستطلعة آراؤهم وفق التالي:

وضع 75 بالمئة من المشاركين (سعي الطرفين للتحول إلى القوة الأولى في المنطقة) في المرتبة الأولى كسبب للخلافات الجوهرية في علاقات إيران والسعودية، فيما وضع 11 بالمئة فقط الخلافات المذهبية والطائفية في المرتبة الأولى، كما أن 9 بالمئة اعتبروا التباين في شكل الحكم واختلاف القراءة عن الإسلام السياسي سببًا أولًا للخلاف، و5 بالمئة أرجعوا ذلك إلى التباين القومي (العرب والعجم). وبذلك، فإن خيار (السعي للتحول إلى القوة الإقليمية الأولى) حصل من بين الخيارات الأربعة على الأولوية الأولى بواقع 75%، فيما وضعه 8 بالمئة في المرتبة الثانية، و12 بالمئة في الثالثة، و5 بالمئة في الرابعة، ليكون على رأس الخلافات بين إيران والسعودية من وجهة نظر النخب الإيرانية.

الخلافات الطائفية (الشيعة والسُّنَّة): اصطفت في المرتبة الثانية بالنسبة للمجموع، مقسمة على: 11 بالمئة من المشاركين في الاستطلاع يرون أنها تأتي في المرتبة الأولى، و45 بالمئة في المرتبة الثانية، و33 بالمئة في المرتبة الثالثة، و11 بالمئة في المرتبة الرابعة.

وجاء في المرتبة الثالثة (نوع الحكم والقراءة المختلفة للإسلام السياسي) والتي تعود بشكل أو آخر إلى الخلافات الطائفية الشيعية السنية، وتقترب من الأولوية الثانية من حيث النوع، حيث جاءت بفارق ضئيل عنها في المرتبة الثالثة حيث صوَّت 9% من المشاركين في الاستطلاع لوضعها في المرتبة الأولى، و37 بالمئة في المرتبة الثانية، و11 بالمئة في المرتبة الثالثة، و43 بالمئة في المرتبة الرابعة.

الخلاف القومي (عرب وعجم) حصل على المرتبة الرابعة في قائمة أسباب الخلافات الجوهرية بين إيران والسعودية، حيث اعتبره 5 بالمئة من المشاركين في المرتبة الأولى، و10 بالمئة في المرتبة الثانية، و44 بالمئة في المرتبة الثالثة، و41 بالمئة في المرتبة الرابعة. وبناء على ذلك، فإن قائمة أسباب الخلافات الجوهرية جاءت مرتَّبة كالتالي:

1- محاولة البلدين للتحول إلى القوة الأولى في المنطقة.

2- الخلاف المذهبي (السني الشيعي).

3- القراءات المتباينة للإسلام السياسي ونوع الحكم.

4- الخلافات القومية (العرب والعجم).

وتجدر الإشارة إلى أن هذه النتائج تلتقي في بعض جوانبها فيما تتباين في جوانب أخرى مع النتائج التي خرجت عن استطلاع الرأي الذي أجراه مركز الجزيرة للدراسات بعنوان: إيران في ميزان النخبة العربية، وكان من بينها النخبة في السعودية.

ونجد فيما يتعلق بأهم المشكلات التي تواجه العلاقات العربية-الإيرانية أن 39% من المستجيبين يرون الصراع على الدور السياسي والنفوذ هو أهم مشكلة تواجه العلاقات، يتلوها التدخل الإيراني في شؤون الدول العربية بنسبة (%29)، ثم المشكلة الطائفية بنسبة (%25) فالتدخل الخارجي الغربي بنسبة 7%. وكانت نسبة الذين لم يُبدوا رأيًا أو رفضوا الإجابة 2%.

المصدر: إعداد الباحث

سوريا: أهم ساحة للصراع بين البلدين

طُرح على المشاركين، سؤال عن الدولة التي يرون أنها تشكِّل أهم ساحة منافسة وصراع إقليمي بين إيران والسعودية: سوريا، أو العراق، أو اليمن، أو البحرين، أو لبنان، أو سائر دول الخليج.

وجاءت نتائج الاستطلاع لتُظهر أن سوريا تحتل المكانة الأولى من وجهة نظر النخب الإيرانية؛ إذ إن 51 بالمئة من المشاركين اعتبروا أن سوريا تمثل أهم ساحة صراع، فيما اختار 28 بالمئة اليمن، كما وضع 15 بالمئة العراق في المرتبة الأولى، وأربعة بالمئة لبنان، وواحد بالمئة البحرين، وواحد بالمئة اختار سائر بلدان الخليج.

وتعطي هذه النتائج مؤشرًا متفاوتًا مقارنة بنتائج دراسة تحليل المضمون التي أجرتها الباحثة ونشرها مركز الجزيرة للدراسات بعنوان: توجهات السياسة الخارجية الإيرانية عقب الاتفاق النووي.. الأولويات والأدوار، والتي حلَّلت مضمون ما يزيد عن 1400 تصريح صادر عن مختلف مؤسسات صنع قرار السياسة الخارجية في إيران، وذلك في الفترة التي أعقبت سريان تطبيق الاتفاق النووي، وجاءت لتغطية طوال عام 2016 والربع الأول من العام 2017. وتشير النتائج إلى أن الموضوعات الرئيسية التي تناولتها التصريحات الإيرانية مؤشر على الإشكاليات التي تقوم عليها العلاقة بين إيران والسعودية، وبالنظر التي النتائج المتعلقة بالعام 2016، نجد أن موضوع اليمن تقدَّم هذه الموضوعات بنسبة وصلت إلى 23%، تلاه موضوع العلاقات الثنائية بنسبة 21%، ثم موضوع الحج والعمرة بنسبة وصلت إلى 19%، ثم سوريا بنسبة وصلت إلى 10%، وجاء الصراع بالمنطقة بنسبة 8%، وجاء موضوع الإرهاب بنسبة 7%، ثم الملف النووي الإيراني بنسبة 6%، وجاء الموضوع البحريني بنسبة 2% تقريبًا، والاستقلال وعدم التبعية والقدرات العسكرية الإسرائيلية بنسبة 1% لكل منها. ويشير ذلك إلى أن علاقات البلدين تواجه بطبيعتها مشكلة لا يستهان بها، وتتأثر بشكل كبير بالمشكلة في اليمن، وموضوع الحج.

وشهدت هذه الموضوعات وفق دراسة مركز الجزيرة للدراسات بعض التغير حيث تشير نتائج الربع الأول من العام 2017 إلى حلحلة بعض القضايا كالحج والعمرة وتراجع الحديث بشأنها إلى 3%، لكن بقيت العلاقة محكومة بالتوتر الحاصل في عدد من الموضوعات، والتي تم تناولها بالنسب التالية:

- العلاقات الثنائية 35%.

- الصراع في المنطقة35 %.

- اليمن 15%.

- سوريا 9%.

- الإرهاب 6%.

اللوبي السعودي يقلق طهران

ورأت النخبة الإيرانية، وفق دراسة مؤسسة الدراسات المستقبلية للعالم الإسلامي، في قدرة السعودية على تشكيل جماعات الضغط "اللوبيات" في الولايات المتحدة الأميركية أكبر تهديد لإيران.

تم طرح سؤال على المشاركين في الاستطلاع حول أهم تهديد سعودي لإيران، وفق الخيارات التالية: 

  • القوة العسكرية الكبيرة وصفقات التسلح.

  • القدرة على تشكيل مجموعات الضغط في أميركا.

  • العلاقة مع الكيان الصهيوني.

  • القوة الاقتصادية والتدخل في سوق النفط.

  • تحريض ودعم المعارضة في الخارج.

  • تحريض ودعم الاضطرابات في الداخل.

ورأى 47% بالمئة من المشاركين أن قدرة السعودية على تشكيل اللوبيات في الولايات المتحدة ضد إيران تمثل أهم تهديد سعودي لإيران، فيما اعتبر 37 بالمئة أنها تمثل التهديد الثاني، ما يعني أن 84 بالمئة من المصوِّتين وضعوا قدرة السعودية على تشكيل جماعات الضغط في المرتبة كأولوية أولى وثانية في أهم تهديدات السعودية لإيران.

أما موازنة القوة عسكريًّا وصفقات التسلح، فقد جاءت ثانية بالنسبة للتهديدات السعودية لإيران، حيث اعتبر 27 بالمئة من المشاركين أنها تأتي في المرتبة الأولى، و17 بالمئة في المرتبة الثانية، و20 بالمئة في المرتبة الثالثة، و13 بالمئة في المرتبة الرابعة، و13 بالمئة في المرتبة الخامسة، وحوالي 10 بالمئة في المرتبة السادسة.

وحصلت العلاقة مع الكيان الصهيوني على المرتبة الثالثة، والقوة الاقتصادية والقدرة على التأثير على سوق النفط ضد إيران على المرتبة الرابعة، وجاءت القدرة على تحريض ودعم المعارضة في الخارج لتغيير النظام في المرتبة الخامسة، والقدرة على تحريض ودعم الاضطرابات في الداخل في المرتبة السادسة، وفق الجدول التالي:

نفوذ إيران الإقليمي، أهم تهديد للسعودية

سُئل المشاركون في الاستطلاع: ما أهم تهديد تمثله إيران للسعودية؟، وطُرحت عليهم الخياراتُ التالية: 

  • القدرات النووية الإيرانية.

  • القدرات الصاروخية الإيرانية.

  • النفوذ والسيطرة الإيرانية في المنطقة.

  • التحسن في العلاقات الإيرانية-الأميركية. 

واعتبر ما يزيد عن نصف النخب الإيرانية المشاركة في الاستطلاع، أن السيطرة والنفوذ الإقليمي لإيران يشكل أهم تهديد للسعودية، حيث إن 56 بالمئة من المشاركين وضعوا هذا الخيار في المرتبة الأولى، و23 بالمئة في المرتبة الثانية، و20 بالمئة في المرتبة الثالثة، وواحد بالمئة في المرتب الرابعة كأهم تهديد إيراني للسعودية.

وحصلت القدرات الصاروخية الإيرانية على المرتبة الثانية فيما حل خيار تحسن العلاقات الإيرانية-الاميركية في المرتبة الثالثة، وحلَّت القدرات النووية الإيرانية رابعة في جدول أولويات التهديد الإيراني للسعودية.

السعودية والاتفاق النووي 

وطُرح على النخبة الإيرانية المشارِكة في الاستطلاع سؤال حول مدى تأثير دور السعودية في انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وطُلب الإجابة عن ذلك عبر معيار "ليكرت"، ليختاروا إجاباتهم من بين الخيارات:

1. ضعيف جدًّا /لا دور لها.

2. ضعيف.

3. متوسط.

4. كبير.

5. كبير جدًّا.

وجاءت النتائج كالتالي:

  •  40 بالمئة اعتبروا أن دور السعودية كان متوسط التأثير على القرار الأميركي.

  •  24 بالمئة من المشاركين اعتبروا أن السعودية كان لها دور كبير جدًّا في انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي.

  •  21.3 بالمئة من المشاركين اعتبروا أن دور السعودية كان كبيرًا في خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي. 

  •  8 بالمئة وصفوا دورها بالضعيف في انسحاب الإدارة الاميركية من الاتفاق. 

  •  6.7 بالمئة رأوا أن دور السعودية كان ضعيفًا جدًّا أو لم يكن لها دور في ذلك.

الترتيب

النسبة

التعداد

ضعيف جدًّا/ لا دور لها

6.7%

5

ضعيف التأثير

8%

6

متوسط التأثير

40%

30

كبير التأثير

21.3%

16

مؤثر جدًّا

24%

18

الجمع

100%

75

المصدر: إعداد الباحث

وفي المجموع، فإن النتيجة تشير إلى أن النخبة الإيرانية تقول بقدرة السعودية على التأثير في القرار الأميركي فيما يتعلق بالانسحاب من الاتفاق النووي.

السعودية لا ترغب في التفاوض 

تعتقد النخبة الإيرانية، وفق هذه الدراسة، أن السعودية لا ترغب في الحوار مع الجمهورية الإسلامية، وجاءت إجابتهم على السؤال المتعلق بالرغبة السعودية في الحوار موزعة كالتالي:

  • 26.7 بالمئة من المشاركين "ضعيفة جدًّا"/ لا رغبة لديها.

  •  39 بالمئة تقريبًا قالوا: إنها "ضعيفة".

  •  33 بالمئة: "رغبة متوسطة".

  •  1 بالمئة قالوا: إنها "رغبة كبيرة".

وبذلك، فإن نسبة كبيرة تصل إلى 65 بالمئة من النخب الإيرانية ترى أن السعودية لا رغبة تُذكر لديها للتفاوض مع إيران، كما يوضح المنحنى المرفق:

 المصدر:إعداد الباحث

إيران لديها رغبة أكبر للتفاوض

وفي المقابل، سُئل المشاركون في الاستطلاع عن مدى الرغبة الإيرانية في التفاوض مع السعودية، وكشفت النتائج أن:

- 6.7 بالمئة من المشاركين اختاروا: ضعيفة جدًّا/لا رغبة.

- 17.3 بالمئة صوتوا لخيار رغبة قليلة أو ضعيفة.

- 33.3 بالمئة: رغبة متوسطة.

- 34.7 بالمئة: رغبة كبيرة.

- 8 بالمئة صوَّتوا لخيار "رغبة كبيرة جدًّا". 

بعبارة أخرى، فإن 76 بالمئة من النخب الإيرانية المشاركة في الاستطلاع اعتبروا أن رغبة إيران في التفاوض مع السعودية تزيد عن المتوسط، و42.7 اعتبروا رغبة إيران كبيرة وكبيرة جدًّا في ذلك. وفق ما يوضحه الرسم البياني المرفق:

المصدر:إعداد الباحث

وفيما يتعلق بالسؤال عن مدى إمكانية عقد مفاوضات ثنائية مباشرة بين البلدين (من دون وسيط) في ظل الظروف الراهنة، رأى 25 بالمئة من المشاركين أن احتمال التفاوض المباشر قليل جدًّا، فيما اعتبره 43 بالمئة احتمالًا قليلًا، و27 بالمئة رأوا أنه متوسط، و4 بالمئة قالوا بوجود احتمال كبير، وواحد بالمئة فقط قالوا بوجود احتمال كبير جدًّا. وبناء عليه، فإن 67 بالمئة من المشاركين في هذا الاستطلاع اعتبروا أن احتمال التفاوض المباشر بين البلدين قليل، وفق ما يُظهره الرسم البياني المرفق:

المصدر: إعداد الباحث

عُمان: مرشح مقترح للوساطة

سُئل المشاركون في الاستطلاع عن أنه لو توفرت إمكانية لحل الخلاف بين البلدين عبر وسيط ثالث: ما هو البلد الأفضل للقيام بدور الوسيط من بين البلدان التالية: (روسيا، الصين، فرنسا، تركيا، الكويت، عُمان، باكستان، أو سائر الدول)؟ ورأى 33 بالمئة تقريبًا أن عُمان الخيار الأفضل للقيام بدور الوسيط، فيما اعتبر 20 بالمئة روسيا الأنسب لذلك، و13 بالمئة اختاروا فرنسا، وفق الرسم البياني التالي:

 

المصدر:إعداد الباحث

العلاقات السعودية-الإسرائيلية

من المتغيرات المهمة في دراسة العلاقات الإيرانية-السعودية، تأثير العلاقات مع سائر الأطراف، على العلاقات بين البلدين، في هذا الاستطلاع جرى بحث دور أهم اللاعبين المعادين لإيران، أي الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، وطُرح السؤال عن مدى تأثر المواقف المعادية للسعودية بالعلاقات السعودية-الأميركية، وتم تكرار نفس السؤال أيضًا بخصوص العلاقات بين السعودية والكيان الصهيوني.

وبيَّنت النتائج أن تأثير العلاقات السعودية مع الولايات المتحدة الأميركية أكبر من تأثير العلاقات السعودية مع إسرائيل من وجهة نظر النخبة المشاركة في الاستطلاع. وقالت النتائج: إن 27 بالمئة تقريبًا يعتقدون أن تأثير علاقات السعودية مع الولايات المتحدة في اتخاذ مواقف عدائية حيال إيران كبير جدًّا، ورأى 24 بالمئة أن هذا التأثير كبير، فيما اعتبره 37.3 بالمئة تأثيرًا متوسطًا، و8 بالمئة رأوا أنه تأثير ضعيف، و4 بالمئة أنه ضعيف جدًّا. وبناء عليه، فإن 12 بالمئة فقط لا يرون تأثيرًا للعلاقات السعودية مع الولايات المتحدة على المواقف المعادية حيال إيران أو يصنفونه بأنه تأثير قليل جدًّا، لكن من وجهة نظر 88 بالمئة، فإن دور هذه العلاقات مؤثِّر (بصورة متوسطة وأكثر) في المواقف السعودية تجاه إيران، و51% بالمئة تقريبًا يرون أن تأثيرها كبير وكبير جدًّا.

أما فيما يتعلق بمدى تأثير العلاقات السعودية مع الكيان الصهيوني على المواقف السعودية المعادية لإيران، اعتبر 12 بالمئة تأثيره كبيرًا جدًّا، و24 بالمئة صنَّفوه ضمن فئة كبير، و30.7 بالمئة قالوا: إنه تأثير متوسط الدرجة، و21.3 بالمئة ضعيف، و12 بالمئة ضعيف جدًّا. في المحصلة، اعتبر 66.7 بالمئة تلك العلاقات مؤثرة (بدرجة متوسطة وأكثر)، لكن على خلاف العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية، فإن أقل من نصف المشاركين في الاستطلاع، أي حوالي 36 بالمئة، يرون أن للعلاقة بين السعودية والكيان الصهيوني تأثيرًا حقيقيًّا (كبيرًا وكبيرًا جدًّا) في اتخاذ السعودية مواقف معادية لإيران، وقد تساعد المقارنة بين النتائج في فهم أفضل للموضوع.

 المصدر:إعداد الباحث

المصدر:إعداد الباحث

السياسات السعودية وخلق التوتر 

وبَحَثَ الاستطلاع نظرة النخبة الإيرانية إلى دور السياسات السعودية وما إذا كانت تسهم في زيادة التوتر بين البلدين، وجاء السؤال وفق الخيارات ما بين ضعيف جدًّا/لا تأثير لها، وكبير جدًّا. وبالنظر إلى النتائج، فإن 64 بالمئة من المشاركين ألقوا باللوم على السعودية في خلق أجواء التوتر والشحن بين البلدين، وقيَّم 24 بالمئة دور السياسات السعودية بالكبير جدًّا، و40 بالمئة وصفوه بـالكبير، ووضع 22.7 بالمئة تأثير السياسات السعودية ضمن المتوسط، و10.7 بالمئة اعتبروه ضعيفًا، و2.6 بالمئة اعتبروه ضعيفًا جدًّا.

 

المصدر : إعداد الباحث

وبالرغم من أن العلاقات الإيرانية-السعودية لم تخل من التوتر، على فترات من تاريخها لكن يبدو أنه في مرحلة الحكام الحاليين (الملك سلمان، وولي عهده، محمد بن سلمان)؛ فإن مواقف السعودية أصبحت أكثر حدة من الماضي، وهو ما جرى سؤال النخبة الإيرانية عنه، وقال 93% بالمئة من المشاركين في الاستطلاع: إن دور الحكام الحاليين في السعودية (متوسط وكبير) في تصعيد العداء ضد إيران. ومن مجموع كل الآراء، رأى 33% من المشاركين في الاستطلاع أنه دور كبير جدًّا، و33 بالمئة كبير، و27 بالمئة متوسط.

 المصدر: إعداد الباحث

وبحث الاستطلاع أيضًا تأثير تحسن العلاقات الإيرانية-السعودية على علاقات إيران مع سائر الدول العربية؛ حيث أفادت النتائج بأن النخبة الإيرانية ترى أن العربية السعودية لاعب مهم في العالم العربي، خاصة أن لها موقع الأبوية أو الشقيق الأكبر حيال بعض الدول العربية الصغيرة.

وبالعودة إلى النتائج كما يُظهرها الرسم البياني التالي، فكل المشاركين تقريبًا (98.7 بالمئة) قالوا بتأثير تحسن العلاقات بين إيران والسعودية على تحسين العلاقات مع سائر الدول العربية بدرجة (متوسطة وأكثر)، و88 بالمئة رأوا لذلك تأثيرًا جديًّا (تأثير كبير وكبير جدًّا)، وهو ما يؤكد -وفق ما يشير إليه تقرير الاستطلاع- ضرورة السعي لتحسين العلاقات مع السعودية من أجل تحسين العلاقات مع العالم العربي عمومًا.

المصدر:إعداد الباحث

السعودية: منافس قابل للتعاون

بحث الاستطلاع، بغضِّ النظر عن التحديات الراهنة بين إيران والسعودية، مجموعة من الخيارات المتعلقة بإمكانيات العلاقة وفق الخيارات التالية: هل السعودية هي:

  • دولة مسلمة وشقيقة ويجب الاتجاه إلى الوحدة معها؟

  • السعودية العدو الإقليمي الأساسي لإيران؟ 

  • السعودية بلد لا يبيِّت نوايا طيبة تجاه إيران، ويجب التعامل معها بحذر؟

  • السعودية منافس إقليمي ورغم الخلافات يمكن التعاون معها؟

تُظهر النتائج أن 73.3 بالمئة من النخبة الإيرانية المشاركة في الاستطلاع، يصنفون السعودية دولة منافسة إقليميًّا، ورغم وجود الخلافات يمكن التعاون معها. و6.7 بالمئة من المشاركين كانت لهم نظرة إيجابية حيال السعودية واعتبروا أنها دولة مسلمة وشقيقة ويجب الاتجاه نحو الوحدة معها، فيما رأى 16 بالمئة من المشاركين في الاستطلاع أن السعودية لا تبيِّت نوايا خيِّرة تجاه إيران، ويجب التعامل معها بحذر، كما رأى 4 بالمئة أن السعودية العدو الرئيس لإيران في المنطقة.

المصدر: إعداد الباحث

عن أي نظام أمن إقليمي تتحدث إيران؟ 

لم تكن مبادرة الأمل التي طرحها الرئيس الإيراني، حسن روحاني، في خطابه أمام الأمم المتحدة، جديدة. فقد سبق طرحها في فترات سابقة، واليوم تجد طهران الظروف الأمنية التي تشهدها منطقة الخليج ملائمة لإحياء المقترح الإيراني. إن ما تقترحه إيران للتوصل إلى اتفاق أمني في منطقة الخليج مرهون بطبيعة وتركيبة النظام المقترح وطريقة تعامل الأعضاء فيما بينهم، وإن كانت التوصيات تميل لترجيح نموذج الإدارة المشترك من قبل إيران ودول الخليج. وترى أنه قادر على رفع حالة عدم الاستقرار من داخل دول المنطقة وتمكينها من الوقوف في وجه التهديدات الخارجية، وللوصول إلى ذلك لابد من فتح حوارات أمنية منظمة ودورية، متوسطة وعالية المستوى(26). وهذه الحوارات تُعَدُّ خطوة أولى في صياغة الإطار العام الذي سيؤدي لعقد اتفاقيات ثنائية ومتعددة(27). ولابد أن ترافق المحادثات إجراءات بناء الثقة والتعبير عن حسن النوايا، وهذا لن يكون ما لم يتم الوصول إلى المستوى الذي يتم فيه تبادل المعلومات الأمنية وإجراء المناورات العسكرية وتبادل المراقبين، والوصول في النهاية إلى توافق بشأن الحد من التسلح وإيجاد منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، وأن لا ينحصر تلك المحادثات في الجوانب الأمنية بل أن تصل إلى محادثات على الصعد البيئة والمائية والطقس وتأمين حركة السفن بين مضيق هرمز وعمان وبين عمان والإمارات العربية المتحدة(28) ، لكن غياب الوحدة عن الصف الخليجي جعل إيران تنتهج سياسة الاتفاقيات الثنائية، وتتعامل مع كل دولة على حدة وفقًا لموقفها وعلاقاتها مع طهران، فتُوقع اتفاقيات أمنية مع عمان، وتفتح محادثات سرية مع الإمارات، وترسل رسائل بمضامين سياسية واقتصادية إلى الكويت وقطر.

وتبرز ثلاثة أهداف محورية في سبيل الوصول إلى نموذج مناسب للبدء بمشاورات للوصول إلى اتفاق أمني لمنطقة الخليج وهي: 

- بناء الثقة واعتماد المشورة.

- انتهاج الدبلوماسية الوقائية.

- ابتكار طرق مناسبة لحل الخلافات. 

ولابد أن تنص الترتيبات الأمنية المقترحة على دور حيوي للمنظمات غير الحكومية، وخاصة في مجال الاستماع لآراء الخبراء وذوي الاختصاص ودور مراقب لعدد من الدول. وبصورة كلية فإن الترتيبات المقترحة تسعى لتحقيق الأهداف التالية:

- تعزيز قدرة دول المنطقة على مواجهة الأخطار التي تهدد استقرارها.

- تهيئة آليات العمل المناسبة لإيجاد حلول سلمية في مسائل الخليج الخاصة.

- تشخيص المنافع والمصالح المشتركة لدول المنطقة.

- إزالة حواجز انعدام الثقة.

ولعل موضوع الثقة هو الأصعب على هذا الصعيد. فضلًا عن العامل الأميركي الذي تحاول إيران كفَّ يده عن التدخل في النظام الإقليمي الذي تقترحه، أو أن يبارك هذا النظام.

خلاصة 

- تبدو الحاجة ملحة لنظام أمن إقليمي مشترك يدفع نحو استقرار منطقة الخليج، وضمان استمرار تدفق النفط، وقد يكون هذا الهدف دافعًا لتخفيف حدة التوتر بين إيران والسعودية، كما أن تصاعد التهديد الحوثي للسعودية والذي صار تحديًّا أمنيًّا قد يدفع السعودية لمحاورة إيران بحثًا عن مخرج جدي، ضمن تسوية تضمن للطرفين مستوى مقبولًا من النفوذ الجيوسياسي والجيواستراتيجي، وقد يكون العامل الاقتصادي وأسعار النفط سببًا آخر للتقارب بعد أن وظف هذا العامل في الصراع. لكن نجاح ذلك واستمراريته مرهون بظروف جيوسياسية لعل أهمها ضرورة التوازن في ميزان القوى الإقليمي، مما يؤشر إلى احتمال آخر يرى أنه ومع استمرار التهديد، والتنافس الشديد على شكل ومستقبل المنطقة، قد تنتهج الدول سياسة ذات أبعاد صراعية أعمق، وستواصل دعمها للجماعات المسلحة واللاعبين غير الحكوميين. ولعل هذه المعطيات تحذر من الإسراف في التفاؤل بإمكانية سلم مستقر بين الطرفين.

يبدو أن النخبة الإيرانية قلقة من قدرة السعودية على بناء جماعات الضغط في الغرب، في حين ترى أن النفوذ الإقليمي الإيراني هو المهدِّد الأكبر للسعودية، ولذلك فنقطة القوة السعودية تأتي من خارج الإقليم في حين تقوم نقاط قوة إيران من داخله. وهناك إقرار إيراني بدور وتأثير للسعودية على القرار الأميركي فيما يتعلق بالاتفاق النووي. فيما تحمل النخبة الإيرانية قناعة بعدم وجود رغبة حقيقية سعودية للحوار مع إيران. 

ما زالت عُمان هي الدولة المرشحة للوساطة بين البلدين، في حال فتح الباب لذلك، لكن دولًا أخرى دخلت على خط الوساطة مثل العراق وباكستان.

هناك تيار سياسي إيراني يقول بإمكانية التعاون بين البلدين، على الرغم من اعتبار السعودية منافسًا إقليميًّا لإيران، لكن هذا التعاون رهن بمواقف صانعي القرار في البلدين وتوجهاتهم تجاه العلاقة. ولعل ذلك يستدعي الحديث عن الدور، وهنا نعود إلى نتائج تحليل المضمون الذي أجراه مركز الجزيرة للدراسات حيث نجد أن هاجس الدور حكم مواقف المسؤولين الإيرانيين في التصريحات التي طالت العربية السعودية خلال العام 2016 وكذلك الربع الأول من العام 2017؛ حيث وصلت نسبة الحديث أو الإشارة إلى الدور الإيراني في العام 2016 إلى 79%، وارتفعت إلى 85% في الربع الأول من العام 2017.

إذا كانت طبيعة الدور وشروط التنافس هي محددات أساسية في العلاقة، فلا يبدو أن العلاقة في طريقها إلى الانفراج في المدى القريب، على الرغم من إمكانية تهدئة بعض الملفات، وفي الواقع لا يقدِّم المسؤولون الإيرانيون نظرة مستقبلية متفائلة بالنسبة للعلاقة مع السعودية بالنظر إلى هذه القضايا؛ إذ تشير النتائج المتعلقة بالعام 2016، إلى مستقبل يقوم على التوتر والصراع بنسبة تصل إلى 68%، مقابل 10% تقول بأن العلاقات ستشهد تعزيزًا وتطويرًا بشأن بعض القضايا، و9% ترى مستقبلًا يقوم على حل سياسي وتسويات، وتحدثت ما نسبته 7% من التصريحات عن مستقبل يقوم على مواجهة مسلحة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*فاطمة الصمادي، باحث أول في مركز الجزيرة للدراسات متخصصة في الشؤون الإيرانية.

نبذة عن الكاتب

مراجع

1- من جلسات مغلقة عقدتها الباحثة مع مسؤولين إيرانيين خلال زيارتها البحثية إلى إيران في الفترة (15-19 أيلول/سبتمبر 2019)

2- أحمديان، حسن، الموقف الإيراني من تطورات اليمن: وجهة نظر إيرانية، مركز الجزيرة للدراسات، 25 يونيو/حزيران 2015، (تاريخ الدخول: 25 يونيو/حزيران 2015):

http://studies.aljazeera.net/reports/2015/06/20156257592656750.html 

3- K. J. Holsti, “National Role Conceptions in the Study of Foreign Policy”, International Studies Quarterly, Vol. 14, No. 3 (Sep., 1970), pp. 233-309:

http://maihold.org/mediapool/113/1132142/data/Holsti.pdf 

4- ديفيد باوتشر، النظريات السياسة في العلاقات الدولية، ترجمة رائد القاقون، المنظمة العربية للترجمة، ط 1، بيروت، 2013، ص 29.

5 -Peter Toledo, Classic Realism and the Balance of Power Theory, Glendon Journal of International Studies, Vol 4 (2005),pp52-62:

http://pi.library.yorku.ca/ojs/index.php/gjis/article/viewFile/35205/31924 

6-Neo- realism

7-Jo Jakobsen, Neorealism in International Relations – Kenneth Waltz, popular social science, November 6th, 2013: http://www.popularsocialscience.com/2013/11/06/neorealism-in-international-relations-kenneth-waltz/ 

8- ديفيد باوتشر، النظريات السياسة في العلاقات الدولية، ترجمة رائد القاقون، مرجع سابق، صص 275- 276.

9 - cognitive theories

-10psychological processes

11- perception

12- misperception

13-belief systems

14 - A.Bandura, (2001). Social cognitive theory: An agentive perspective. Annual Review of Psychology, 52,2001, 1-.

15-jhon G. gunnel, Are we Losing Our Minds? Cognitive Science and the study of politics, political theory, vo. 35, number 6, dec 2007, 704-731: :http://mfs.uchicago.edu/public/institutes/2013/cognition/prereadings/gunnellarewelosingourminds.pdf 

16-Pajares. F. “Overview of social cognitive theory and of self-efficacy”, emory.edu, 2002, (Visited on 10 July 2018):  http://www.emory.edu/EDUCATION/mfp/eff.html

17 -David Criekemans, Manuel Duran, Mental maps, geopolitics and foreign policy analysis: "basic analytical framework and application to sub-state diplomacy in the Mediterranean”,WISC 2011, Porto (Portugal(pp. 5-12:http://www.wiscnetwork.org/porto2011/papers/WISC_2011-644.pdf 

18- Ebere Richard Adigbuo,(2007) Beyond IR Theories: The Case for National Role Conceptions,Politikon, South African Journal of Political Studies,pp 83-97

19- امين روان بد، "همکاري‌هاي‌ نظاميـ امنيتي ايالات متحده و کشورهاي شوراي همکاري خليج‌ فارس چالش‌ها و راهبردهاي جمهوري اسلامي ايران"،( التعاون العسكري بين الولايات المتحدة و دول مجلس التعاون الخليجي : التحديات والاستراتيجيات لجمهورية إيران الإسلامية) التقرير الاستراتيجي رقم 196 الصادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية التابع لمجمع تشخيص مصلحة النظام، بهمن1386( 2007)، ومنشور أيضا على الموقع الرسمي لمركز الأبحاث التابع لمجلس الشورى، (تاريخ الدخول: 2 تشرين أول/ أكتوبر 2019): https://rc.majlis.ir/fa/report/show/732948 

20- ديدگاه‌ هاي گوناگون در خصوص آينده امنيت در منطقه خليج فارس و راهکارهاي ج.ا. ايران، (وجهات نظر مختلفة فيما يتعلق بمستقبل أمن منطقة الخليج الفارسي واستراتيجيات جمهورية إيران الإسلامية)، قسم أبحاث الأمن والإرهاب، مجمع تشخيص مصلحة النظام، شهريور 1385، (2006).

21- محمود واعظي، ترتيبات امنيتي خليج ‌فارس، (الترتيبات الأمنية في الخليج)، دائرة أبحاث السياسة الخارجية، مركز أبحاث مجمع تشخيص مصلحة النظام، شهريور 1385، (2006).

22-إلهام فرهادي، إيران و امنيت انرژي (إيران وأمن الطاقة)، دائرة أبحاث السياسة الخارجية في مجمع تشخيص مصلحة النظام، التقرير الاستراتيجي، العدد 326، ص 8.

23- محمود واعظي، ديپلماسي انرژي ايران و قدرت بزرگ در خليج فارس، (دبلوماسية الطاقة الإيرانية والقوى العظمى في الخليج الفارسي)، قسم أبحاث السياسة الخارجية، مركز الدراسات التابع لمجمع تشخيص مصلحة النظام، آذر 1389، (ديسمبر/كانون الأول 2010)، ص ص 123-130.

24- إلهام فرهادي، إيران و امنيت انرژي، (إيران وأمن الطاقة)، مرجع سابق،ص8-9

25- علي رضا قنبري ومحمد أمين نادريان،"دگرگونيهاي امنيت انرژي وفرصت هاي پبشروي ايران" )التغيرات والفرص التي تواجه أمن الطاقة في إيران)، دورية "اطلاعات سياسي اقتصادي"، العدد 265 – 266، 1388 (2009)، ص 77.

26- محمود واعظي، ديپلماسي انرژي ايران و قدرت بزرگ در خليج فارس، (دبلوماسية الطاقة الإيرانية و القوى العظمى في الخليج الفارسي)،قسم أبحاث السياسة الخارجية، مركز الدراسات التابع لمجمع تشخيص مصلحة النظام، آذر 1389(ديسمبر 2010)، ص ص 123- 130.

27- فاطمة الصمادي، إيران و وثائق ويكيليكس: الجيران القلقون والدولة الطامحة، ظاهرة ويكيليكس: جدل الإعلام والسّياسة بين الافتراضيّ والواقعيّ، مجموعة مؤلفين، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2012، ص ص 526-529.

28- ايران و اعراب، دورية مركز أبحاث مجمع تشخيص مصلحة النظام، العدد 21، مرداد 1388.