الأيديولوجيا الناعمة لـ"الإسلام السياسي" ومستقبله بعد الربيع العربي

تُقدِّم هذه الورقة ملخصًا لدراسة موسعة نُشرت في العدد الثاني من مجلة لباب، الصادرة عن مركز الجزيرة للدراسات، وتبحث في مستقبل تحولات الإسلام السياسي من خلال نموذج معرفي مقترح يراجع السمات الأساسية للأيديولوجيا الإسلامية، وما توفره من قوة ناعمة في علاقة الإسلاميين بالجمهور.
17 June 2019
637f8afe3ce549598ba2526bb8801e9f_18.jpg
سيتعزز لدى حركة الإخوان شرعية التغيير الديمقراطي في إطار الدولة، إذ لأول مرة تدفع الحركة في مصر ثمنًا كبيرًا وبوضوح من أجل حماية شرعية سلطة منتخبة (غيتي)

تصاعد الحديث عن نهاية عموم التيارات الإسلامية، لاسيما "الإسلام السياسي" منها -أو التيار الإسلامي الرئيسي كما قد يُسمَّى، أو يُشار إليه في الدراسة- وذلك لأسباب عدة، أهمها البيئة السياسية الإقليمية والدولية خاصة في العقد الأخير أو ما يزيد قليلًا، حيث يمكن تمييز توجهين رئيسين في حقبتين زمنيتين حَكَمَا الموقف من التيارات الإسلامية وتركا أثرهما على الإسلاميين أنفسهم، وكذلك على الوجهة التي اتخذتها الدراسات والأبحاث في تناول عموم التيار الإسلامي. 

التوجه الأول في الحقبة الأولى، وكان في ظل إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، (2009 -2017)، وأصبح جزءًا مما سمي "الأوبامية"، حيث كان الحديث عن صعود الإسلاميين وأنهم المستقبل في المنطقة ما يحتِّم محاورتهم هو التوجه السائد، الأمر الذي عكسه خطاب أوباما بالقاهرة، في 4 يونيو/حزيران 2009، وتعزز بعد أن انطلقت ثورات الربيع العربي عام 2011 ووصلت الذروة عام 2012، ليبدأ هذا التوجه بالتراجع نسبيًّا مع تراجع الربيع نفسه بالانقلاب على الرئيس المصري المنتخب، محمد مرسي، في 3 يوليو/تموز 2013. أما التوجه الثاني فبدأ مع ما سُمِّي "الثورة المضادة"، وجله في الحقبة الثانية التي بدأت مع إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وشهدت تصعيدًا ضد الإسلاميين وما زالت، وهو ما يعكسه أول خطاب لترامب بعد تنصيبه رئيسًا، في 20 يناير/كانون الثاني 2017، وهي حقبة تشجع أي تحرك في المنطقة ضد الإسلاميين وكافة أطيافهم السياسية بما يصل إلى حد الاستئصال. 

وبسبب هذا التحول الأخير والتوجه الثاني، يغلب الحديث عن المستقبل القاتم لتيارات "الإسلام السياسي"، وأنها تتراجع على الأقل أو أنها تتفسَّخ أو مُقْبِلة على التفسخ. وأصبح من الشائع تداول مرحلة ما بعد "الإسلام السياسي" إيذانًا بمرحلة جديدة لن يكون الإسلاميون فيها إسلاميين كالسابق، أو على الأقل بمعايير إسلامية أقل من ذي قبل بكثير، وهو ما تشهد له الأزمات التي تتعرض لها كل هذه التيارات.

لاشك أن هذه القراءة تستند إلى حقائق في الواقع السياسي الراهن وقد تجيب على عدد من الأسئلة المتعلقة بواقع ومستقبل الإسلاميين، ومن الطبيعي أن تأخذ السياق السياسي والتطورات الميدانية في إجابتها عن أسئلة المستقبل، ولكن من الملاحظ تاريخيًّا أن الحركات الإسلامية بتأثير من الضغوط أو الاستهداف كانت تضعف أو تتحول في طريقة عملها أو في ترتيب أولوياتها لكنها لم تمت أو تندثر، فهي تعيد تجديد نفسها ولو بشروط أخرى لتبقى وتستمر بدفع من قواها الذاتية، حتى إنها تعود وتزدهر لدى أية محطة ديمقراطية تشهدها المنطقة، ومثال الربيع العربي ليس عنَّا ببعيد. 

ولأن أية إجابة عن مستقبل الإسلاميين لن تكون كاملة إلا باستقصاء الإمكانات والخيارات التي تختزنها القوى الإسلامية، والتي تعود في جلها إلى الأيديولوجيا التي تعتنقها، فإن الدراسة تبحث في مستقبل تحولات الإسلام السياسي من خلال نموذج معرفي مقترح، يسمح بمراجعة السمات الأساسية التي تمتاز بها الأيديولوجيا الإسلامية، وما توفره من قوة ذاتية للإسلاميين أو قوة ناعمة في علاقتهم مع الجمهور، وتصلح لأن تكون مؤشرًا على اتجاه هذه التحولات في المستقبل. 

ويتركز موضوع الدراسة على التيار الرئيسي في الحركات الإسلامية، الذي من أهمه راهنًا على الأقل "حركة الإخوان المسلمين" ومن يدور في فضائها أو يشبهها، الذي يقبل "الديمقراطية" أو أهم مقتضياتها مثل الانتخابات البرلمانية وتداول السلطة و"الحكم المدني" وما إلى ذلك، لأنه "امتداد لمسار اجتماعي وسياسي عميق الجذور، ولا يملك أيديولوجيا مغلقة" بقدر التيارات الإسلامية الأخرى لاسيما "الجهادية" وبعض "السلفية" منها. 

ورغم أن مناط البحث في الدراسة هو الجانب الأيديولوجي، وليس السياق التاريخي، فإنها تستصحب بعض هذا السياق بما يكفي لضبط مسارها، ولتوضيح اختلاف مسار التيار الإسلامي الرئيسي عمَّا سواه من بقية الجماعات، وذلك في ثلاث نقاط أساسية:

1- أن التيار الإسلامي الرئيسي، بغضِّ النظر عن الحكم عليه، هو جزء من المسار التاريخي الطبيعي للمنطقة التي كانت تحتكم للإسلام وتعود إليه سياسة واجتماعًا وثقافة وليس "مؤامرة" أو دخيلًا عليها أو على المجتمعات الإسلامية فيها، كما قد يصوره خصومه أو عموم الإعلام الغربي.

2- أن "الإسلام السياسي"، "جزء من ظاهرة عالمية أكبر للإحياء الديني، وانعكاس لعلاقة المسلمين بالإسلام"، وموضع هذا الأخير من المجال العام وعلاقته بالدولة، وقد تعززت هذه الأسئلة بعد سقوط الخلافة الإسلامية. وكذلك هو جزء من أجوبة المسلمين على تحدي الحداثة وما تمثله من قوى، وتحمله من قيم للمجتمع المسلم، وتعود تاريخيًّا جذور هذا التحدي إلى منتصف القرن التاسع عشر، إلى فترة التنظيمات العثمانية التي قامت على فكرة المماهاة مع التحديث، والتي أثارت اعتراضًا حول تراجع الشريعة -التي هي أسلوب عيش المسلمين- في الدولة، ومن أشخاص هم جزء من آلية الدولة نفسها. 

3- أن الحركات الإسلامية، تسعى منذ سقوط الخلافة الإسلامية إلى البحث في شرعية الحكم وحتى شرعية ممارسة السياسة، ولكن هي أيضًا وعلى عكس الأصولية البروتستانتية، ليست تعبيرات عن "حقيقة مقدسة"، ولا تنظر إليها الجماهير المسلمة على أنها "بيوريتانية" طهرانية معادية للحداثة، وخاصة تيارات الإسلام السياسي، وإن كان هناك بعض الجماعات الإسلامية "الهامشية"، تتصرف أو تدعي أنها كذلك. 

ولإتمام صورة الأيديولوجيا الناعمة للتيار الإسلامي الرئيسي وتأثيراتها فيه وما تقدمه له، تتناول الدراسة أيضًا التيارات الأخرى، لاسيما الجهادية والسلفية، وذلك من باب المقابلة والمقارنة حيث يجب التمييز أحيانًا، ولتداخل تأثيراتها أحيانًا أخرى، حيث تعود جميعها لنص ديني واحد، وإن كانت مختلفة في فهمها له فضلًا عن ظروف وجذور نشأتها التاريخية.

أما فرضية البحث فتقوم بالأساس على الصلة الوثيقة بين الإرث الإسلامي العلمي والبناء الأيديولوجي للإسلاميين؛ ما يستدعي اعتماد المنهج الوصفي التفسيري لدراسة العلاقة الجدلية بينهما، وما يعني ذلك من شرح العلاقات بين الظواهر الاجتماعية والربط بين العوامل والعناصر المكونة لها، والوقوف على الأسباب الكامنة وراءها. فضلًا عن تفكيك وإعادة تركيب هذه العلاقة، بغرض المقارنة وبيان أوجه الاختلاف والاتفاق، وصلة ذلك ببناء منظور قادر على تفسير أسباب القوة الناعمة لأيديولوجيا الإسلام السياسي، وهو ما ينطبق أيضًا -وإن بتفاوت وببعض الاستثناء- على بقية التيارات الإسلامية الأخرى.

وتتضمن الدراسة لتحقيق غاياتها ثلاثة محاور رئيسة: الأول يحدد المقصود بـ"الأيديولوجيا الإسلامية الناعمة"، والثاني -ويمثِّل صلب الدراسة- يطرح "النموذج المعرفي" لتحولات الإسلاميين و"سُلَّمه الأيديولوجي" ليكون الإطار المرجعي لفهم الأيديولوجيا وكيفية عمل قوتها الناعمة، ويبحث الثالث تحديات المستقبل، وقدرة الإسلام السياسي على "التكيف الأيديولوجي" للاستمرار والبقاء، أو حتى للنهوض والازدهار أحيانًا.

وخلصت الدراسة في بحثها لهذه المحاور أن حركة الإخوان المسلمين تواجه تحديات باتجاه تعزيز أيديولوجيتها الناعمة أو من حيث تأثير الأخيرة على مستقبلها، ويمكن إجمالها في:

أولًا: أثبتت تجربة الربيع العربي أن التيارات الإسلامية تمتلك من التناقضات خاصة حين الاختلاف بين بعضها بعضًا، ما يفسد من قدرة قوى "الإسلام السياسي" على التلاؤم مع الواقع السياسي، أو يعرقل قدرتها على التطور بالتوازي مع المحافظة على قوة التوثيق الديني لمقولاتها الرئيسية، لأنها تستهدف أساس أيديولوجيتها الناعمة، أي خطابها الديني وبالتالي تضعف شرعيتها. كما هي خصومة التيار السلفي أو الجهادي لها، وهذا فضلًا عما تتعرض له قوى "الإسلام السياسي" من تحديات سياسية محلية أو إقليمية أو دولية سواء لاستهدافها لذاتها، أو في سياقات أخرى كما هو الشأن في سياق الربيع العربي. 

فحركات "الإسلام السياسي" تحديدًا باتت تدرك أنها معنية بتعزيز شرعيتها من "النص"، بما يتجاوز الاجتهادات التقليدية المتصلة بالشأن السياسي في السردية الإسلامية، وفي المرحلة الراهنة لا يبدو أنها تملك مراجع علمية معتبرة، خاصة في إطارها التنظيمي، وإن كانت تعتمد على آخرين من الفقهاء المعتبرين ومن خارجها في قضايا عامة، أمثال الشيخ يوسف القرضاوي.

وتلاحظ الدراسة أن الإخوان سيواصلون تعزيز شرعية وجودهم السياسي من خلال التأكيد مجددًا على "وجوب الدعوة" كوظيفة دينية اجتماعية وسياسية، تتطابق مع النص الديني، التي كانوا قد أوجبوا معها مجموعة من الإجراءات التنظيمية مثل "الحلقات الدعوية" أي التثقيف الدعوي، و"البيعة" أو ما يشبهها من صيغ التعاقد، و"السمع والطاعة" للجماعة، و"الإصلاح السياسي"، وسواها. وهذه موثقة توثيقًا عاليًا ومباشرًا من النص الديني، وستكون هذه الأكثر استعصاء في أيديولوجيا الإسلام السياسي، في مواجهة محاولات استئصالها وإلغائها، ما يعطي الجماعة قوة على الاستمرار والصمود، وإن كانت بعض الإجراءات المتصلة بهذه الأيديولوجيا قابلة للتغير. لهذا ارتفعت أصوات إخوانية بعد تراجع المد الثوري للمراجعة، ودعت لالتزام "الدعوة" كما كان الشأن قبل الثورات، أي العودة إلى الملاءمة بين الدعوي والسياسي ولكن مع تقديم الأولى ودون الانخراط في سياسات تغيير الحكم. ويبدو أن بعض الانشقاقات التي شهدتها الحركة الإسلامية في الأردن على سبيل المثال استحضرت مثل هذه الآراء. لكن هذا الاتجاه هو الأقل حضورًا راهنًا ويبدو أنه في طور الانحسار. 

ثانيًا: من الواضح أن حركات الإسلام السياسي عامة، باتت تدرك حاجتها لشرعية أخرى أكثر من الشرعية الدينية لتكون جزءًا من قوتها الناعمة، فهي منذ النشأة تسعى للتغيير في العصر الذي تعيشه عبر أدواته، أي من خلال الطرق السياسية، كالبرلمان والعمل الحكومي وما إلى ذلك بغية تطبيق الشريعة في الدولة الحديثة. وما تغير أنها بعد الربيع العربي، باتت تعتمد على الإنجاز السياسي بقدر أكبر من السابق، وأخذ يتعزز الاعتقاد لدى شرائح واسعة في "الإسلام السياسي" بأن الدور الديني فيها تضخَّم على حساب غيره وأكثر مما تدعو له الحاجة، أو للحاجة الماسَّة فيها لأدوار أكثر تخصصية كما هي الدعوات راهنًا، لاسيما تلك المتصلة بالأدوار السياسية والتنظيمية. ولهذا أخذت تتصدر حركات "الإسلام السياسي" دعوات لفصل السياسي عن الدعوي، وبادرت "حركة النهضة" إلى تسريع تحولها من جماعة إسلامية نهضوية شاملة ترى في تغيير المجتمع سبيلًا لتغيير السلطة إلى حزب سياسي يعترف بالدولة الحديثة ككيان شرعي لممارسة التغيير أو رعايته، وهو ما انتهى إلى إعلان الحركة فصل العمل السياسي عن الدعوي من باب تخصصها بالأول -وترك الأخير للمجتمع المدني- ولتصبح الدولة هي المطلب الأول والأولوية القصوى للعمل السياسي لهذه الحركات، وهو ما تختصره إحدى تصريحات راشد الغنوشي عند حديثه عن مؤتمر حركته العاشر (عُقد في مايو/أيار 2016) وما يحمل من تغييرات: "نريد أن ننتقل من جماعة غلب على منهجها الاحتجاج إلى حركة تقود الدولة وتؤسس فكر الدولة. نريد لهذا المؤتمر أن يقدم رسالة واضحة أن تاريخ الصراع مع الدولة قد انتهى". وهذا الإجراء، بغض النظر عن طريقة تطبيقه، سيصل صداه إلى كل التنظيمات المحسوبة على التيار الإسلامي الرئيسي، وفي كل الدول، ولكن ستعوزه الملاءمة المناسبة ليكون جزءًا من أيديولوجيتها الناعمة، لأنه لا يحظى بتوثيق عال من النص على أنه جزء مباشر أو على صلة مباشرة بواجبات المسلمين الدينية اليومية، وإن كان لا يخرج عنها. وهو تحد سيعيد الإسلاميين إلى المربع الأول، إلى البحث عن فقهاء لديهم القدرة على الاستفادة من القفزة التي حققوها على صعيد ثورات "الربيع العربي" لتأسيس منظومة سياسية جديدة ذات صلة مباشرة بالسردية الإسلامية في وعي الجمهور، وذلك بانتظار فرصة جديدة لقفزة أخرى نحو "الفعالية السياسية". 

ثالثًا: على الرغم من حاجة حركة الإخوان المرحلية إلى الفصل التام بين "الدعوي والسياسي" لصالح الأخير، وعلى الرغم من قوة مؤيدي هذا التوجه، إلا أنه يبدو من الصعب أن تلجأ إلى هذا الخيار، لأن التخلي عن "الدعوة" كأساس لأيديولوجيتها يعني التخلي عن أساس قوتها الناعمة والتخلي عن تأييد أصل ديني "لدعوتها" فضلًا عما يعنيه ذلك من التخلي عن الإرث والتكيف التاريخي للحركة مع هذا الأصل الذي يكاد يساوي جوهر وجودها. فالأقرب إلى حركة الإخوان المسلمين بشكل عام أن تتجه نحو مزيد من التمييز ما بين "الدعوي" والسياسي" تنظيميًّا دون أن تتحدد صورته النهائية على الأقل في المنظور القريب، وهو جزء من المراجعات التي تعصف بالحركة وفروعها، لأن هذا التوجه الجديد يتطلب من الحركة جهدًا جديدًا لملاءمة جديدة أكثر صعوبة من ذي قبل، ولأنه سيعيد الحركة إلى مناقشة علاقة الديني بالسياسي مرة أخرى، ولكن من منظور نقاش: إسلامي/إسلامي حول كيفية الملاءمة بين الدين والسياسة في الواقع الراهن -وليس نقاش إسلاميين في مقابل علمانيين أو قوميين- وسيعتمد على تأويل النصوص أو تحقيق مقاصدها وهو منحى أصبح واضحًا في معظم إنتاج الإسلاميين في الفترة الأخيرة، وستجد الحركة نفسها مضطرة لأن تبرر نفسها أمام جمهورها أو لتوعيته فضلًا عن جمهور المسلمين بارتباط مجموعة من القيم الحديثة بالدين ارتباطًا ضروريًّا ومباشرًا، كالحريات وحقوق الإنسان والمواطنة ومقاومة الاستبداد وما يشبهها، في حين أن القوى الأخرى ستراها تنازلًا من الإسلاميين لصالح توجه لطالما نادوا به، سواء من الليبراليين أو اليساريين وسواهم، ولكن بمعزل عن الدين. 

إن ملاءمة هذه القيم مع الدين في بيئات أكاديمية أو حتى لدى جمهور الإسلاميين يبدو ممكنًا وأحيانًا قد يكون مهمة سهلة، ولكن حتى تصبح جزءًا من أيديولوجيا الإسلاميين الناعمة فلابد أن تكون على صلة مباشرة بدلالة النص وبتأييد من السردية الإسلامية، وأحيانًا تبدو هذه المهمة صعبة عندما يراد تقديمها لعموم المسلمين، إلا أن ما يخدمها أنها ارتقت خلال الربيع العربي وثوراته الشعبية أكثر من ذي قبل إلى كونها مشتركات إنسانية تحقق مقاصد الشريعة، لكنها لم تصبح مسلَّمات و"إجماعًا" لدى المجتمعات الإسلامية. 

وترى الدراسة أن التغيير "الدولتي" في سياق الدولة القُطرية، سيتعزز أكثر لدى حركة الإخوان المسلمين وما يشبهها، فهي لأول مرة تدفع ثمنًا كبيرًا وبوضوح من أجل المحافظة على سلطة شرعية في دولة قطرية -دولة المركز مصر- أو بسببها، فالقتل الذي تعرضت له الحركة وأنصارها في "ميدان رابعة" (14 أغسطس/آب 2013)، وما رافقه أو تلاه من اعتقالات لرموزها ولرئيس شرعي منتخب ويمثلها، فضلًا عن انخراطها في عموم ثورات "الربيع العربي"، أصبح جزءًا من رؤية الحركة ومن هويتها الجديدة التي هي قيد الصياغة، وسيسهم في تكريس شرعية الدولة العربية الحديثة في خطابها الإسلامي، وقد يصبح مفهوم "الخلافة" بالنسبة إليها واقعة تاريخية ذات قيم مُلْهِمَة أو حاكمة أكثر مما هو حقيقة دينية واجبة الوجود بذاتها. 

ومن الواضح أن مسار الإسلاميين بعد الربيع العربي لن يكون مثل ما قبله، ستسعى عموم القوى الإسلامية من غير الإسلام السياسي لتعزيز ما تظنه يشكِّل قوة ناعمة لأيديولوجيتها، وستبحث عن الرواية التي تتلاءم معها رفضًا أو قبولًا، وستصوِّب على "الإسلام السياسي"، لأنه اعتاد أن يستفيد من تراجع سواه حتى وهو يتراجع، ولكن ينتظر الجميعَ بلا استثناء مسار من المراجعات. 

وتتوقع الدراسة أن يحتفظ الإخوان بالدعوة كأساس لحركتهم وأن يتأوَّلوا الفصل الذي يقصدونه وهو أسهل من أن يتأوَّلوا النص لأساس جديد لأيديولوجيتهم الناعمة خاصة في هذه المرحلة، وسيسعون لأن تكون قيم "الربيع العربي" هي التفسير السياسي لها، لما دفعوه من ثمن، وسيدفعون ثمنًا إضافيًّا لتأكيدهم على أنهم في صراع بين ثورة وثورات مضادة، لاسيما أن العالم العربي يشهد ما قد يسمى "الموجة الثانية من ثورات الربيع العربي"، أي "الحراك" السوداني والجزائري، وهذه الأخيرة ستكون الاختبار الأهم للتيار الإسلامي الرئيسي، لأن فعاليته السياسية التي جاءت بها موجة الثورات الأولى، تكرست بالصناديق وخطاب الحريات ولا تزال سارية، لكن هذا التيار لم يتصدر المشهد مرة أخرى بعد. 

للاطلاع على النص الكامل للدراسة (اضغط هنا) وللاطلاع على عدد المجلة كاملًا (اضغط هنا)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*د. شفيق شقير، باحث في مركز الجزيرة للدراسات، متخصص في شؤون المشرق العربي، والحركات الإسلامية.

ABOUT THE AUTHOR