كلمة السيد/ خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس

3a47350220bb4278af921ff96f6ad075_18.jpg
كلمة خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس (الجزيرة)

مقدمة 

ألقى رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل، كلمة رئيسية في جلسة خاصة عن المقاومة الفلسطينية وتحولات الربيع العربي في إطار ندوة "التحولات في الحركات الإسلامية"، التي نظَّمها مركز الجزيرة للدراسات يومي 24 و25 سبتمبر/أيلول 2016. ونظرًا لأهمية هذه المشاركة فقد قام المركز بتفريغها مع تصرُّف طفيف اقتضته طبيعة النص المكتوب (للاستماع إلى الكلمة يُرجى العودة إلى الفيديو المرافق). 

في مستهل كلمته، نوَّه مشعل إلى صعوبة الحديث في موضوع المقاومة الفلسطينية وتحولات الربيع العربي، مشيرًا إلى أن كلمته ستحكمها جملة من المحددات، أبرزها: إرضاء الضمير، واحترام العقل، والانتصار للأمة، وعدم التأثير سلبًا على الحركة والقضية، وعدم الاشتباك مع الدول أو العاملين في الحقل الإسلامي. وفي ما يلي نص الكلمة: 

كلمة السيد مشعل 

بداية، ولكي لا يحصل التباس، فإن الحديث عن المقاومة الفلسطينية ليس كالحديث عن تحولات الإسلاميين في ظل الربيع العربي وثوراته والثورة المضادة، فحماس كنموذج للمقاومة الفلسطينية ليست هي نمط الحركات الإسلامية المعروف في البلاد العربية، والتي كانت تتحرك في مسرح الثورات العربية والثورة المضادة. لأنها في أصلها حركة مقاومة، حركة تحرر وطني، معركتها الأساسية ضد "الاحتلال الصهيوني" على أرض فلسطين، هي مقاومة احتلال لكن بلا شك لها وجه سياسي، وذات فكر سياسي إسلامي ولها أداؤها السياسي. وإن كانت الحالة الفلسطينية لا ينطبق عليها الحديث عن السُّلطة الحقيقية ولا تجربة الدولة، ولكن قد فُرض علينا نمط السلطة منذ أوسلو، واخترنا أن نشارك فيها لنزاحم وندافع ونصلح ونخدم شعبنا ونشكِّل سياجًا حاميًا للمقاومة؛ ومن هذه الزاوية سأتناول الموضوع في نقطتين: 

الأولى: كيف تعاملت حماس مع ثورات الربيع العربي ثم مع الثورة المضادة، وكيف أثَّرت وتأثرت.

الثانية: ملاحظات على أداء الإسلاميين في مرحلة الربيع العربي. وسأطبِّق ذلك على حماس باعتبار أن لنا تجربة في الشأن الوطني الفلسطيني الداخلي. 

القسم الأول: كيف تعاملت حماس مع ثورات الربيع العربي ثم مع الثورة المضادة، وكيف أثَّرت وتأثرت.

1- أولًا: مسألة التأثر والتأثير، بدون مكابرة، نعم تأثَّرنا، ومن لا يتأثر؟! فالربيع العربي ثم الثورة المضادة، وهذه الحالة المعقدة في الأمة اليوم زلزلت دولًا وكيانات، فكيف لا تتأثر بها حركات؟!

2- أيضًا تأثرت حماس مع اختلاف الموقع في تعاملها مع الربيع العربي، بين حركه لديها قضية نضالية كما قلنا ومحاطة بهذه البيئة، وبين الحركات الإسلامية التي كانت مسرح ثورات الربيع والثورة المضادة على أرضها وساحاتها. مع ملاحظة أن انتخابات 2006 التي شاركت فيها حماس وفازت بالأغلبية، ربما كانت خطوة مبكِّرة في تحولات الربيع العربي، وأيضًا قدَّمت نموذجًا مصغرًا "للثورة المضادة" التي من الممكن أن تواجه مثل هذا التغيير.

3- وزاوية ثالثة في التأثر والتأثير بلا ادِّعاء من حماس أو من الشعب الفلسطيني، فلا شك أن المقاومة الفلسطينية كانت ملهِمة لشعوب المنطقة، فهي أثَّرت ولم تتأثرْ فقط، وأنا رأيت هذا رأي العين حين زرت العواصم العربية، وحماس أثَّرت بنموذجها أو المقاومة. واسمحوا لي الآن بالخلط: المقاومة الفلسطينية أكبر من حماس، لكن تبقى حماس النموذج، خاصة وأنا أتحدث عن حركة أستطيع أن أتحدث عن معاييرها وعن رؤيتها، ولا أستطيع أن أدَّعي ما لدى الآخرين، لكن بالتأكيد أحترم المقاومة الفلسطينية بكل تلاوينها، وحماس نموذج في المقدمة منها بلا شك؛ فالمقاومة الفلسطينية قدمت نموذج المقاومة العسكرية بكل بطولاتها، وخاصة أن تعمل في الظروف الصعبة وأن تنتصر في حروب، وقدمت النموذج الشعبي وكيف يواجه الطفل الفلسطيني بصدره العاري الدبابة، هذا طوَّر المخيال الشعبي في الأمة. إن هناك قدرة في أن تواجة موازين القوى المختلة، وأن تواجه القمع، قمع السلطة كما في فلسطين قمع احتلال.

4- ملاحظة رابعة وأخيرة في التأثُّر والتأثير: لا شك أننا نتأثَّر سلبًا وإيجابًا ونحن جزء من محيطنا العربي والإقليمي والإسلامي والدولي، ولكن هناك ميزة للشعوب عامة وللشعب الفلسطيني خاصة، وهي أن مقاومته ذاتية، هي مرتبطة بوجود الاحتلال، حَسُنت الظروف حولنا أو ساءت سنظل نقاوم، بمعنى أن مقاومتنا ليست موسمية ولا عالة على الظروف الدولية والإقليمية، وإنْ كنَّا نتأثر بها، وكلما تحسن الظرف من حولنا خدمنا هذا أكثر، لكننا نعمل في شتى الظروف، وأسوق لذلك أمثلة: الثورة الفلسطينية المعاصرة انطلقت في ظل الوضع العربي البائس في الخمسينات والستينات، ويُحسب لحركة فتح والجبهات الفلسطينية أنها انطلقت في هذه الظروف الصعبة. الانتفاضة الأولى جرت بعد أن جُرِّدت الثورة من بندقيتها في لبنان وبعد أن أصبحت القضية الفلسطينية مهمَّشة؛ ففاجئ الشعب الفلسطيني العالم، بأن نقل مركز الحدث إلى الداخل بعد أن كان في الخارج. والانتفاضة الثانية سنة 2000 كذلك كانت القضية الفلسطينية تُقسَّم وتُذبح في كامب ديفيد الثانية، ويُتآمر على الأقصى فوق الأرض وتحت الأرض، وإذا بالانتفاضة الثالثة تفاجئ الجميع بعد أن ظنوا أن مرحلة أوسلو هي خاتمة النضال الفلسطيني. ثم جاءت ثلاث حروب على قطاع غزة لتعطي بتلاوينها المختلفة نموذجًا للقدرة على العمل في كل الظروف؛ فالحرب الأولى 2008-2009 كانت حيث كان محور الممانعة في أوجِهِ. والحرب الثانية 2012 حيث كان الربيع العربي في بداياته المبشرة وحيث مصر احتضنت...وسأقول بعد ذلك هذا الكلام، ثم جاءت الحرب 2014 في ظل "الثورة المضادة" وقيل: إن حماس فقدت حليفها القديم ولم تجد حليفًا جديدًا. 

إذًا، هذا دليل على أن الشعب الفلسطيني قادر على أن يفعل المستحيل، فحيث يجد حليفًا يستقوي به ويأخذ السلاح والدعم السياسي منه، وحيث لا يجد يصنع سلاحه ويتغلب ويقهر كل المعوقات. 

كيف تأثَّرت المقاومة الفلسطينية بثورات الربيع العربي؟ وكيف تعاملت وتفاعلت معها؟ 

أولًا: مرحلة ما قبل الربيع العربي: كان الوضع مريحًا شكلًا أو سهل الفهم، هناك محور ممانعة واضح المعالم ومحور اعتدال واضح المعالم، وفي السنوات الأخيرة مع اقتراب تركيا وقطر من محور الممانعة دون أن تفقد صلتها بدول الاعتدال، شُكِّلت حالة لا شك أنها على الأقل للمقاومة الفلسطينية كانت معقولة وليست نموذجية. 

تعاملنا مع هذا الواقع بالتركيز على قضيتنا بالاستفادة من حلفائنا وأصدقائنا في محور المقاومة والممانعة ودعمونا دعمًا كبيرًا بلا شك، وانفتحنا على دول الاعتدال العربي ولم نحصر أنفسنا في محور، بعكس بعض القوى ظروفها كانت تجعلها في إطار محور واحد، حماس انفتحت على كل الدول وطرقنا باب الجميع فمنهم مَنْ فَتَحَ ومنهم من أغلق ومنهم من تردَّد، لأننا نؤمن بأن قضية فلسطين للأمة، ونحن لسنا جزءًا من تقسيمات الدول العربية ونريد للأمة أن تنخرط معنا جميعًا. وفي هذه المرحلة، كما قلت، أثَّرنا على رُوح الشعوب وألهمناها بأدائنا المقاوم والمنتفض. 

الآن جاءت مرحلة ثورات الربيع العربي: شهدت نجاحات سريعة لثورات في ساحات معروفة، ولا شك أن هذا ألهب شعور الجميع، وأعطى رسالة للشعب الفلسطيني بأن تغيرًا مهمًا طرأ وسيكون سندًا للمقاومة لأنه في ضمير الفلسطيني والفلسطيني بطبيعتة متمرد وعاشق للحرية ووجد نفسه مع الاحتلال، وبالتالي ليس مقموعًا بحيث فقد إرادته وهو يعلم أن الأمة عندما تنهض وعندما تملك حريتها تكون عونًا له. 

وبدأت بعض الدول تترقب رياح التغيير خاصة عندما اقتربت منها وتحاول أن تحول بينها وبين وصول رياح التغيير إليها، ودول قلقة رغم إدراكها أن سقف التحرك الثوري العربي هو مع الإصلاح في تلك الدول خاصة ذات الطبيعة الوراثية، وبالتالي ليس مقلقًا لكن يبدو أن حتى الإصلاحات ليست أمرًا سهلًا تأتي إليه الحكومات والأنظمة، إلا من وفقه الله إلى ذلك. 

المهم أنه تشكَّل مشهد في 2011 و2012 لا شك مشهد جديد مبشِّر؛ فبرزت دول وحكومات وقيادات وأنظمة ذات رصيد شعبي وديمقراطي وأمَّلنا فيها كثيرًا. 

كيف تعاملت حماس مع هذه المرحلة؟ 

استبشرت واستفادت سياسيًّا واستفادت أيضًا في دعم خيار المقاومة، واستفادت في إيجاد الظهير للمقاومة، وكانت حرب 2012 أنموذجًا كبيرًا ومميزًا لذلك: أن تجد ثلاثة قادة من مصر..من تركيا..من قطر، في القاهرة يسندون المقاومة في فلسطين، يرسلون الأمين العام للجامعة العربية أثناء الحرب، ورئيس وزراء مصر، أكبر دولة عربية ووزير خارجية تركيا، والجميع يسأل: ما شروط المقاومة لوقف الحرب؟ ويضغطون على الطرف الآخر وليس العكس، هذا تحول كبير، وتأتي هيلاري كلينتون كوزيرة خارجية، لتحاول إنقاذ إسرائل التي كانت على شفا انتخابات وتريد حسم الحرب بسرعة، فكانت حرب 2012 قصيرة ونموذجية في أهدافها التي تحققت وفي صورة المقاومة ونموذج مصغر كيف يكون النضال الفلسطيني يوم أن يجد ظهيرًا عربيًّا وإسلاميًّا قويًّا. 

في هذه المرحلة أيضًا، نصَحْنا بعض أصدقائنا في قوى الممانعة ودول الممانعة، حرصًا منَّا عليها ووفاءً لها، كيف تتعامل مع هذا الوافد (رياح التغيير العربي)، ونصحْنا رموزًا وقوى ثورية في تلك الساحات، وتقديري -وقد خضت تفاصيل...وهذه قصة قد تُذكَر في التاريخ- أنه كان هناك إمكانية لأن تنجو دول الممانعة مما جرى لغيرها لو قدَّمت حزمة من الإصلاحات معقولة وكانت الشعوب تقبل بمثل هذه الحزمة. 

ظللنا منفتحين على دول الاعتدال في هذه المرحلة ولم نتكبر عليها، هي أيضًا بادلتنا بعض الانفتاحات الجديدة ونحن بادلناها بمزيد من الانفتاح، ونصَحْنا بعضهم وبعضهم طلب نُصحنا، وأيضًا حاولنا أن ننصح الحركات الإسلامية في تلك الدول كي تتعامل بواقعية أكثر وتُحسن قراءة وتقدير الموقف، أظن أننا نصحنا للأمة نصحًا كبيرًا. 

في هذه المرحلة، مرحلة الحالة المبشِّرة للربيع العربي وعلى صعيد موقف حماس، اجتهدنا أن نصوغ هذا الموقف بمحدِّدات دقيقة لم تكن سهله علينا، خلاصتها التالي: 

أولًا: نحن حركة مقاومة مجال عملنا فلسطين والمقاومة الفلسطينية ومقاومة الاحتلال. 

ثانيًا: نسعى للمحافظة على بقاء القضية الفلسطينية وقضية القدس والأقصى، عنوانًا جامعًا للأمة بكل مكوِّناتها، ولا نُدخل هذه القضية في الصراعات والتجاذبات الجارية. 

ثالثًا: عدم التدخل في الصراعات الجارية في المنطقة لكن مع وضوح موقفنا المبدئي والأخلاقي بلا التباس، إننا مع الشعوب ومع حقوقها وتطلعاتها؛ نألم لآلامها، ونحن في ذات الوقت مع وحدة الأمة وأمنها ومصالحها. وهذا موقف طبيعي من حماس ومن الشعب الفلسطيني بالمجمل، فنحن حركة شعبية، فمن الطبيعي أن لا نقف ضد الشعوب، ونحن حركة صاحبة قضية عادلة فمن الطبيعي أن لا نقف مع الظلم. 

وحين أراد البعض منَّا في هذه المرحلة أن نقف معه ضد شعبه رفضنا، وأيضًا لأننا مقتنعون دون أن نتدخل في شؤون الأمة، بأن الأمة التي تملك قرارها وإرادتها وحريتها هي القادرة على تحقيق النهضة لصالح شعوب الأمة، وهي الأقدر على الانتصار لقضية فلسطين والانتصار في معارك الأمة الخارجية لتحقيق الاستقلال الحقيقي والتخلص من التبعية السياسية والاقتصادية. 

رابعًا: الاجتهاد في إدارة علاقتنا السياسية مع دول المنطقة وقواها، انطلاقًا من هذه المعادلة بما يمكِّننا من الجمع بين مصالحنا وضروراتنا (ضعوا مليون سطر تحت ضروراتنا) كحركة مقاومة وبين مبادئنا وقيمنا الأخلاقية، فإذا تعارضت المصالح والمبادئ انحزنا إلى مبادئنا، وهذا ما حصل بالفعل في أكثر من موقف ودفعنا ثمن موقفنا هذا حين أراد البعض أن نقف معه في مواجهة الشعوب، أحيانًا شهدنا جدلًا عميقًا تحت ذريعة وجود مقاومة ومحور مقاومة وهل هذا يبرر ما يجري في مواجهة الشعوب.

انتهينا من مرحلة الربيع العربي في أوجها ومبشراتها. 

مرحلة الثورة المضادة: وجدنا أنفسنا أمام متغيرات كبيرة، دول تغيرت، وانقُلِب على ديمقراطيات، منع هنا وتغيير هناك، بل اجتهد البعض أن ينقلب على ديمقراطيات عريقة في المنطقة لا علاقة لها بالربيع العربي، لأنه يراها سندًا لشعوب الربيع العربي والمقاومة الفلسطينية. وجدنا أنفسنا في هذه المرحلة أمام ظواهر خطيرة:

  • أن الصراع السياسي في المنطقة تحول لصراع دموي وقتل وتهجير وتدمير ممنهج. 
  • استقطاب طائفي، تمزيق الأمة والصراع على أساس هذا البُعد الطائفي، والطائفية ليست صنعة الشعوب فالشعوب متسامحة، لكنها صنعة أنظمة وصنعة قوى دولية أرادت توظيفها، إضافة إلى جماعات متشددة لا تملك الوعي السياسي ولا الفهم الحقيقي للإسلام.
  • وأيضًا وجدنا ظاهرة التطرف، بصورة غير مسبوقة، يقف خلفها تشدُّد وجهل من بعض الذين لا يفقهون الإسلام، وممارسات تسيء للوجة الإسلامي والعربي، مستفيدين من حالة القمع السلطوي والإقصاء الطائفي وضرب الديمقراطيات، بحيث أصبح مطروحًا: ما قيمة الديمقراطيات؟ فأعطتهم وقودًا لهذا التطرف، مع خطط لأنظمة إقليمية ودولية، أرادت أن توظف ظاهرة التطرف لخدمة أجنداتها ولتغيير الأولويات في المنطقة وإشغال الشعوب بها.
  • ثم وجدنا مزيدًا من التدخل الخارجي حتى بات العرب مسرحًا للصراعات والمنافسات الدولية، ووجدنا مشاريع التقسيم والتفتيت تطل برأسها، ووجدنا أيضًا، في ظل هذا وانشغال الناس بالصراعات على أسس طائفية، ظاهرة مؤسفة وهي عودة التطبيع والهرولة نحو إسرائيل، وبدل التعامل مع إسرائيل كعدو، يتم الاستقواء بها في مواجهة خصومها هنا وهناك. وأصبح نتنياهو يفتخر بعلاقاته الظاهرة والباطنة مع أنظمة عربية عديدة. 

ونحن نقول: لا يجوز وليس منطقًا للأمة رغم انشغالها في قضاياها أن تجد في إسرائيل حليفًا وصديقًا لها، ولا أن تقلِّل ليس من خطورة إسرائيل على الفلسطينيين، ولكن من خطورة إسرائيل على ثورات الربيع العربي وعلى تحولات الأمة. ولعل تأخير حصول الشعوب على حريتها، كان لإسرائيل يدٌ طولى فيه، فضلًا عمَّا تفعله حتى للأنظمة التي تقمع إرادة الشعوب، كما تفعل إسرائيل في آسيا وفي إفريقيا، وتحاصر السياسة والدبلوماسية والمصالح العربية في كل مكان. 

وأمام هذا الوضع وجدنا صورة: إسرائيل مرتاحة بهذه المعادلة، كما شرحت، وقضية فلسطين مهمشة، ليس فقط مهمشة بالانشغال عنها، بل تحوَّل الأمر الى محاولة خفض السقوف الفلسطينية كطرح التطبيع قبل التسوية، ودفع فواتير على حساب القضية لصالح إسرائيل حتى تخدم البعض هنا وهناك، بل أخيرًا التحول إلى محاولة فرض قيادة فلسطينية جديدة والضغط لتأجيل المصالحة وتأجيل الانتخابات إذا كانت تخدم حماس أو الإسلام السياسي في فلسطين أو تعزز شرعية المقاومة. 

ورأينا في ظل هذا كيف تتعامل القوى مع حماس، رأت في حماس زاوية المقاومة وهذا يزعجها لأن متطلبات المرحلة السلام والتسوية سابقًا، وإرضاء إسرائيل والانفتاح عليها لاحقًا، ورأت في حماس وجهًا من وجوه الإسلام السياسي، لا يجوز إعطاؤه أي شرعية جديدة، ولذلك كان مزيدًا من الانحسار على كل الصعد. 

كيف تعاملت حماس مع هذه المرحلة؟ البعض قلق، نجحت حماس فيما مضى فهل تنجح فيما هو قادم؟ نعم نجحت وستنجح، رغم الثمن الدقيق ورغم أننا نسير على حدِّ السيف. 

تعامُلنا مع هذه المرحلة الصعبة:

أولًا: الالتفات إلى الذات ومضاعفة القدرة الذاتية على الصمود ومواجهة المخاطر وتوفير البدائل للمقاومة وكيف نعمل ونتكيف في أصعب الظروف. 

وأقول لكم: ما لدينا من سلاح للمقاومة اليوم، هو أضعاف أضعاف ما كان لدينا في مراحل أسهل، بل ما كان لدينا في حرب (العصف المأكول) قبل عامين، رغم أننا محاصرون ولا نملك من يعطينا، لكن الإرادة الفلسطينية العظيمة قادرة على قهر المستحيل. 

ثم تعاملت حماس في هذه المرحلة ثانيًا: بالحرص على ترتيب البيت الفلسطيني. 

وحين اتُّهمت حماس والإسلاميون بصورة عامة بأن الديمقراطية لديهم هي سُلَّم لمرة واحدة، تنازلت حماس عن الحكومة، وأخونا أبو العبد -إسماعيل هنية- تركها وأصبح رئيس وزراء سابقًا، وليس لديه مشكلة في هذا، وقدَّمنا الكثير من التنازلات من أجل لَمِّ البيت الفلسطيني، وحين زايد البعض علينا في الانتخابات قلنا: مرحبًا، أُخِذ قرار الانتخابات بدون التشاور معنا، وقررنا المشاركة فلما قرَّرنا أجَّلوا الانتخابات. 

ثالثًا: أخذنا العبر مما يجري، فليست كل العوامل التي تؤثِّر علينا سلبًا هي من العوامل الموضوعية، فبعضها نابعٌ منَّا ذاتيًّا وعلينا أن نتعلم من الدروس. 

ثم رابعًا: بقينا على سياسة عدم التدخل، وحرصنا على محاولة التخفيف من خطورة الاستقطاب الطائفي وتحذير الأمة لئلا تقع فيه، هذا رغم إدراكنا للمعاناة التي تعانيها الشعوب وأنها ضحية الاستقطاب الطائفي واستعمال الطائفية والقمع والتدخلات الخارجية والتواطؤ الدولي السافر، غير المسبوق على الشعوب العربية، وفي مقدمتها الشعب السوري البطل. 

وظللنا ندير علاقتنا السياسية بانفتاح ودقة وحذر، بما يمزج بين تحقيق المصالح ودرء المفاسد والانحياز الدائم لقيمنا الأخلاقية ولمبادئنا مع الحرص على أن نقول للأمة: قضية فلسطين ستظل هي القضية المركزية، ونوضح خطورة إسرائيل على الجميع، مع احترام حق الشعوب في أن تركِّز على أولوياتها وهمومها وأن تدافع عن نفسها، فلا يتعارض هذا مع مركزية القضية الفلسطينية. 

القسم الثاني: ملاحظات على تعامل الإسلاميين مع مرحلة الربيع العربي

اسمحوا لي أن أقول: قناعاتي لا أُلزم بها أحدًا، الإسلاميون، وأحب دائمًا التوازن في تشخيص الأشياء، الإسلاميون بصورة عامة أصحاب الخط الوسطي المعتدل يؤمنون بالديمقراطية ويمارسونها -بل وقد عَرَفْتُ الساحةَ العربية الإسلامية جيدًا عند الإسلاميين وغير الإسلاميين- الإسلاميون هم أكثر الحركات ممارسة للديمقراطية في أنفسهم، وإن أصاب البعضَ الترهلُ وفقدان اللياقة والحيوية الديمقراطية الداخلية، لكنهم ما زالوا متقدمين في ذلك، وبالتالي لا ينبغي أن يُطرح عليهم سؤال: أنتم مع الديمقراطية أم لا؟ بل هم ضحايا تغييب الديمقراطية، ولا يعفيهم هذا من بعض الأخطاء. 

لكن في المقابل، أرى أن الاختبار الحقيقي عند الإسلاميين ليس هذا، هل مع الديمقراطية أم لا؟ ولكن كيف يظل الإسلاميون متمسكين بالديمقراطية والرضى بنتائجها والاحتكام لصناديق الاقتراع على مستوى الوطن، حتى وإن رأوا سياسة الإقصاء لهم وعدم الاعتراف بشرعيتهم، وأن يظلوا حريصين على الشراكة والتوافق حتى وإن ملكوا الأغلبية؟ هذا هو  التحدي. ولذلك هنا أسمح لنفسي وأطبِّق هذا أيضًا على حماس، فنحن جزء من الحالة الإسلامية مع أصل وجود حماس كحركة مقاومة. 

لا شك أن هناك عوامل موضوعية وكبيرة وساحقة، يعني لا ينبغي أن نجلد ذاتنا زيادة عن اللزوم، وكأن الإسلاميين أو غير الإسلاميين -من القوميين والوطنيين في الأمة- أُعطوا فرصة العمل الديمقراطي وهم قصَّروا فيه والظروف كانت مواتية. لا. وُضِعنا في مراجل ومؤامرات داخلية وإقليمية ودولية، ولا شك أن الاختبار الصعب يكشف العلِل أسهل، حتى العلل الخفية كما في المنتج الصناعي، فالظروف العالية والحرارة العالية والضغط القاسي يفرز أدق السلبيات. 

هذه حالة طبيعية، ولذلك على الإسلاميين أن يتحملوا نقد الآخرين لهم، فهم اليوم في صدارة المشهد، وعلى غير الإسلاميين، ولهم الاحترام، أن يدركوا العوامل الأخرى ولا يبالغوا في جَلدهم. 

هناك خطآن أرى أن الإسلاميين وقعوا فيهما في تعاملهم مع ثورات الربيع العربي:

أولًا: المبالغة في تقدير الموقف بالنسبة للواقع العربي وسلوك القوى المتضررة من هذا الربيع على المستوى المحلي والإقليمي: وهذا ناشئ عن قلة الخبرة وغياب المعلومة الدقيقة، بل الوقوع في كثير من الأحيان في فخ تضليل الطرف الآخر والاعتماد على تشكيل الصورة الانطباعية، والمبالغة في الرهان على القوى الذاتية لمجرد وجود تنظيم قوي وشعبية وأغلبية وفق صناديق الاقتراع. 

هذا الخطأ الأول، لذلك وجدنا ثورة مضادة وساخطين محليًّا وإقليميًّا وهناك ازدواجية معايير عند المجتمع الدولي الى آخره. 

ثانيًا: هناك خلل ونقص في التعامل مع شركاء الوطن: ثبت بالتجربة العملية (أن) الأغلبية في صناديق الاقتراع مهمة، لكنها لا تكفي لكي تزهد في الشراكة مع شركاء الوطن، وأن تنفرد بالقرار وبوزنك في مؤسسات القرار السياسي. 

أيضًا ثبت أنه لا يكفي أن تعرض الشراكة على الآخر، فإذا كان سلبيًّا للغاية، أن تزهد فيه، ونحن في حماس وقعنا في هذا الخطأ، حين فزنا في 2006، عرضنا على القوى الفلسطينية، وكان واضح أنهم يريدون أن يضعونا في التسلل حتى نصبح وحدنا، فتصبح ذريعة استهدافنا إقليميًّا ودوليًّا مبرَّرة، وأقول بكل أمانة، وأنا رئيس الحركة، شاهدٌ على ذلك: لقد استسهلنا أن نحكم وحدنا والحكم بين قوسين، لأن لا يوجد حُكم في فلسطين لكنها تجربة سياسية، ظننَّا أن ذلك أمر ميسور واكتشفنا أن ذلك صعب. 

أيضًا هناك خطأ يحصل هو الشعور بزهو القوة وشرعية الأغلبية (والذي) يُزهِّد أحيانًا في الحرص على التوافق، ثم اكتشفنا نحن الحركات السياسية والثورية -مثل الكائن الحي يتطور ويتعلم من أخطائه- واكتشفنا أن نظرية البديل نظرية خاطئة، بمعنى أن تأتي حركة سواء في مسرح وطني ثوري مثل فلسطين أو مسرح سياسي، تجد نفسها بديلًا عن الآخر لأن الآخر فشل برنامجه السياسي أو فشل برنامجه النضالي أو فقد شرعيته أو ترهَّل أو فسد، وبالتالي أقول: أنا البديل؛ فهذا خاطئ والحقيقة المنهج الصحيح هو الشراكة والتوافق. 

أختصر هذا في قصة: زارني يومًا ما عضو لجنة مركزية من حركة فتح أيام كنَّا في سوريا، وكان الانقسام في أَوْجِهِ، وبشفافية قلت له: يا فلان، دعنا نُصِبِ الحقيقة، أخطأتم في حقِّنا وأخطأنا في حقِّكم. قال: "صحيح". قلت: سأبدأ بخطئنا، قلت: أخطأنا حين ظننَّا أن زمن فتح ولَّى وأننا البديل ولم ندرك أن التفاعلات بالمجتمعات أكثر تعقيدًا من ذلك، وأنتم أخطأتم حين ظننتم أن الوافد الجديد على الساحة الفلسطينية (حماس)، يكفيه أن تتعامل معه من مدخل الكوتة وتعطيها كم مقعد، ولم تدرك أن حماس من قماشة مختلفة وأنها شريكٌ لك. فكان محترِمًا لنفسه، وأقررنا أن هذه علَّة، وكيف نتجاوز ذلك. لذلك أرى أن علينا أن ننزع إلى مسألة الشراكة والتوافق وليس إلى البديل، وثبت أيها الأخوة والأخوات، أننا محتاجون إلى الديمقراطية ولكن بعد ممارسة الاقتراع الحر، بعد ذلك نذهب الى الشراكة في تحمُّل المسؤولية وبناء المؤسسات السياسية في كل بلد، والى التوافق الوطني سياسيًّا ونضاليًّا، قلنا للإخوة: لنطبِّقْ هذا على فلسطين، من الناحية السياسية، ما هو البرنامج السياسي المشترك، لا برنامجنا ولا برنامجكم، نضاليًّا: ما هو القاسم المشترك في برامج النضال؟ 

قال لي أحدهم: في ساحتنا الفلسطينية، هل يحق لحماس أن تنفرد بقرار الحرب، قلت له: لا، كما ليس لكم الحق بأن تنفردوا بالقرار السياسي، القرار السياسي والنضالي قرار وطني، وهذا ما ثبَّتناه في وثيقة الوفاق الوطني عام 2006، لكن للأسف لا تطبيق لهذا، وبالتالي حماس تؤمن بهذا، حماس تراجع ذاتها، وقعنا في أخطاء، لكننا أيضًا حقَّقنا منجزات كثيرة، على صعيد النضال، على صعيد شعبنا، على صعيد كيف نكسر الحصار، قدمنا نماذج غير مسبوقة: أن تخوض ثلاث حروب وأنت محاصَر، وأن تطوِّر سلاحك وأنت محاصر، وأن تكسر الحصار وأنت محاصر، وأن تظل قريبًا من شعبك، ولا شك أن غزة أيقونة في ذلك. وفي ظل أصعب الظروف انتفاضة القدس والأقصى، بمجموعة قليلة من المرابطين والمرابطات في ساحات الأقصى، منعوا تقسيم الأقصى، في وقت أن هذه مسؤولية الأمة العربية والإسلامية. 

وهذا المنهج في أن نقر أخطائنا، هو منهج القرآن، ربنا سبحانه وتعالى بعد هزيمة أحد قال في سورة آل عمران: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى? هَ?ذَا ? قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ ? إِنَّ اللَّهَ عَلَى? كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). 

هذا لا يصرفنا عن أهمية العوامل الموضوعية وحجم التآمر، ولكن أبدأ بنفسي، وعند ذلك يحصل الاجتهاد إن شاء الله في التصويب.

لذلك أختم بهذه الجملة: أرى أننا في هذه المرحلة محتاجون الى القراءة الدقيقة لواقعنا في مراحلة المتلاحقة وأن نطور أنفسنا، وأنا مع التطوير، خاصة في الورقة التي أُرسلت لي في عناوينها، بمعنى أن يكون هناك التحدي يفرض استجابة. أن يكون هناك استجابة في التطوير الفكري والتطوير السياسي والتطوير التنظيمي. 

لكنني بقدر حرصي على التغيير والانفتاح والتطوير، بقدر مَقتي للخضوع لضغوط الآخرين ولتمييع المواقف، وتستطيع أن تخلق معادلة دقيقة، كيف تظل منفتحًا متطورًا تجدِّد أدواتك لكن دون أن تفقد أصالتك وهويتك الفكرية، وأن تظل -حماس- لديك علاقات إقليمية ودولية، لكن دون أن نخضع لشروط الرباعية، ليس المدخل الوحيد أن تلعب السياسة هو أن تخضع لشروط الآخرين؛ افرضْ شروطك، وهذا يستلزم شرطين: أن تكون قويًّا، وثانيًا: أن يكون عقل السياسي منفتحًا. وشكرًا لكم والسلام عليكم ورحمة الله. 

الرد على التعقيبات والأسئلة 

طرح الحضور جملة من التعقيبات والمداخلات والأسئلة، ومن أبرزها الآتي:

1- عن استمرار علاقة حماس مع إيران والقدرة على الموازنة فيها ما بين المبادئ وضرورات السياسة، في ظل تدخل هذه الأخيرة عسكريًّا في المنطقة العربية ومع تصاعد الوجه المذهبي للصراع.

2- كيف يمكن تحقيق  "التوافق" في فلسطين مع من لا يؤمن بالقتال ضد المحتل؟

3- تساؤل حول ضرورة وجود نظرة لدى حماس لتسيير الشأن الدولي والعلاقات الدولية.

4- سؤال عن موقف حماس من علاقة تركيا مع إسرائيل.

5- تساؤل عن سبب السعي للتوافق بينما الديمقراطية تقول حتى عند الغربيين بأن يستلم الفائز الحكم أي رئاسة الوزراء.

6- والسؤال الأخير كان عن استمراره، أي مشعل، في منصبه كرئيس للمكتب السياسي لحماس، لاسيما أن انتخابات الحركة ستكون في العام المقبل. 

1. العلاقة مع إيران

أكَّد مشعل على أن موضوع علاقة حماس مع إيران "متداخل مع الوضع العربي وصراعاته واستقطاباته". 

أما السؤال حول قدرة حماس على التوازن في علاقاتها مع إيران والجمع بين الضرورة والمبادئ، فقد أقرَّ بأن هناك صعوبة في الأمر كانت وما زالت، وأن الحركة ستظل على هذه السياسة في التوازن، مستدركًا: "لكن دون أن نفقد جملة من المبادئ، أهمها: أننا مع الشعوب وإرادتها وأننا لا نقبل التغول على المنطقة". ومما قاله في هذا الشأن: 

"هناك محطات حماس مضطرة أن يكون تعليقها على الأحداث في المنطقة محدودة، فنحن لسنا حَكَمًا ولسنا دولة عظمى حتى نُدلي بموقف في كل مسألة، نحن أصحاب قضية ويكفينا القليل من الحديث والكثير من السلوك العملي...وأنا أعرف طبعًا بيئة المنطقة وأعرف حجم الاستقطاب الطائفي وأعرف ما هي آلام الشعوب التي تدفع ثمن هذا الاستقطاب وهذه التدخلات كما يجري في سوريا والعراق واليمن. أعلم ذلك لكن ألا يكفي هذه الشعوب سلوك حماس العملي أنها دفعت ثمنًا باهظًا، لأنها لم توافق أن تقف مع من يطعن الشعوب، وأنها خسرت كثيرًا من دعمها لأنها لم تتجاوب مع هذه الأطراف الداعمة. 

إذن، حسبكم كثير من فعلنا وسلوكنا وما دفعناه من أثمان فعلية ويكفيكم القليل من تصريحاتنا. تأتي بعض المحطات، مثل قضية اليمن، فسجلنا موقفًا: أنه إذا كان هناك التباسات في بعض الدول، فلا يوجد التباس أن يكون هناك سُلطة منتخبة وجاءت بعد الربيع العربي وبتوافق وطني يمني، ثم يأتي من يعطي لنفسه الحق (في) أن ينقلب عليها. فنحن عبَّرنا بتعبيرات وأننا مع الشرعية في كل بلد وأننا مع الأمة، ونحن جزء من هذه الأمة، لسنا طائفيين ولا نقبل العزف على وتر الطائفية، ولكن متألمون أيضا، أنه بسبب الضعف العربي اليوم، كل الناس لها قيادات ولها مشاريع ولها برامج، العرب غائبون ومغيَّبون واستُضعفوا وأصبحت بلادهم ملعبًا للسياسات الإقليمية والدولية، هذا يؤلمنا، نحن عرب ونحن سُنَّة لكننا لسنا متعصبين، لست متعصبًا ضد الآخر ولا أقبل أن يطغى الآخر عليَّ بدعوى أننا لا نريد طائفية. 

فالحديث في هذه القضايا لا شك أنها منعرجات صعبة ودقيقة، لكن حماس أظن أنها قدمت موقفًا دقيقًا ويُقدَّر لها وهي قادرة أن تواصل. 

تخيلوا بدون أن نذكر أسماء، تخيلوا مسألتين:

حماس حركة مقاومة محتاجة إلى كل مصدر سلاح، ومع ذلك هي لا تدفع أثمانًا من مواقفها ولا من مبادئها وتظل منحازة لأمتها، مهما كان ثمن ذلك ولو مُنع عنَّا السلاح. وفي ذات الوقت في السياسة: هناك أطراف مزاج الأمة غاضب منها، ومع ذلك يطرقون بابنا في السياسة، وبينما أُمتنا التي ننحاز لها توصد أبوابها لنا في السياسة، وبعضهم يتآمر علينا، ومع ذلك لا ننكأ الجراح ولا نُسيء للناس. 

يكفي أمثالكم من المخلصين والواعين، أن تدافعوا عن إخوانكم في فلسطين أمام هذه الشبهات، ولا نحتاج أن نصرِّح تصريحات تفصيلية، حتى تكون علاجًا لتلك الشبهات، والغموض البنَّاء مطلوبٌ في مثل هذه الحالات. حتى في ظل التطبيع على الضفة الأخرى، هناك عربٌ ومن بيئتنا ومع ذلك يهرولون نحو إسرائيل، ويرون التطبيع معها مخرجًا وموضع استقواء، نحن نرفض التطبيع بكل أشكاله وضد العلاقة مع إسرائيل، لكننا لا نفتح معركة مع هذا الطرف أو ذاك...أنا كحماس وفلسطيني محاط بدول عربية معروفٌ ما هي علاقاتها مغ إسرائيل، هل أنا وظيفتي أن أخوض معركة مع أولئك الذين يصنعون علاقات مع إسرائيل؟! أنا أقول: نحن نركز على قضيتنا ونقبل من العرب والمسلمين أي قدرٍ من الدعم ونقول لهم: شكرًا، ولكن أيضًا نقول لهم: نرجوكم لا تطعنونا في ظهرنا ولا تُميِّعوا الصراع مع إسرائيل وتجعلوه فلسطينيًّا-إسرائيليًّا...ولا تتدخلوا في شأننا الفلسطيني لتضعفوا شأننا سياسيًّا، أو تفرضوا قيادة أو تمنعوا انتخابات أو تعطِّلوا مصالحة أو غير ذلك. 

نحن نعض على جراحنا..والبعض أصلًا حاول في سياق الثورة المضادة أن يقلب الوضع الفلسطيني وكانت غزة نموذجًا فلم يفلح. 

2. التوافق مع من لا يؤمن" بقتال المحتل"

أكد مشعل، في حديثه عن كيفية التوافق مع من لا "يؤمن بقتال المحتل"، على ضابط أساسي لحركة حماس مع استعداد الحركة للتركيز على خيارات أكثر من سواها في سبيل التوافق: 

"هناك مبدأ لا نساوم عليه، لكن في الأدوات والمقاربات والتكتيكات أمرٌ مشروع، على سبيل المثال: في السياسة، ثوابت حماس معروفة لا تعترف بإسرائيل ولا تتنازل عن شبر من فلسطين، لكن هل هذا يعني أنه لا يوجد إمكانية للتوافق على برنامج سياسي مشترك نقترب فيه من بعض دون أن نخل بهذه الخطوط الحمر أو الثوابت؟ استطعنا أن نفعل ذلك، في العسكرية أو المقاومة الآن توجد انتفاضة في الضفة الغربية، انقسمنا عليها كفلسطينيين لذلك ظلَّت تراوح بين الإقدام والإحجام، قلت لبعض شركائنا الفلسطينيين: نحن نؤمن بالمقاومة بكل أشكالها وعلى رأسها المقاومة المسلحة طالما هنالك احتلال، وأنتم تؤمنون بالمقاومة الشعبية، تعالوا نتقاطع في مفهوم المقاومة الشعبية ونقوم بانتفاضة شعبية ونحن مستعدون، ونؤجِّل خيار المقاومة المسلحة إلى مرحلة لاحقة. 

دعونا في مرة نتفق على مقاومة شعبية وفي