ندوة تداعيات أزمة الخليج ومستقبلها

c673941d46854c10a42f13ef70a68ae6_18.jpg
الجلسة الافتتاحية، من اليمين: أحمد يوسال، مريم البلوشي، عرفات شكري (باحث أول بمركز الجزيرة للدراسات)، عبد العزيز آل إسحاق، ياسين التميمي، د. صلاح الدين الزين (مدير مركز الجزيرة للدراسات) (الجزيرة)

مقدمة 

بعد مرور خمسة أشهر على اندلاع الأزمة الخليجية، في 5 يونيو/حزيران 2017، إثر الحصار البري والبحري والجوي الذي فرضته السعودية والإمارات والبحرين ومصر على دولة قطر، بدأ يتكشَّف حجم الكُلَف وأيضًا التأثيرات المباشرة وغير المباشرة للأزمة اجتماعيًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا واستراتيجيًّا على الواقع الخليجي أولًا ثم محيطه الإقليمي والدولي. وعلى الرغم من التحركات السياسية لأطراف دولية مختلفة وأيضًا الجهود الدبلوماسية والوساطة الكويتية المدعومة دوليًّا وإقليميًّا لإيجاد حلٍّ سريع لتفادي تلك الكُلَف والتداعيات، فإنها لم تتمكن من الوصول إلى المخرج المنشود. 

وللإحاطة بخطورة أبعاد الأزمة غير المسبوقة في تاريخ العلاقات الخليجية-الخليجية، والوقوف على تأثير إدارة الصراع في الساحات الإعلامية والدبلوماسية على مسار الأزمة، واستشراف مآل الوساطة الكويتية والمساعي الإقليمية والدولية الرامية لإيجاد مخرج لها، والسيناريوهات المتوقعة لمساراتها على المدى القريب والمتوسط والبعيد والبدائل المتاحة للخروج منها، والأدوار المنتظرة من أطراف الأزمة وأيضًا اللاعبين الإقليميين والدوليين، نظَّم مركز الجزيرة للدراسات، يوم السبت 21 أكتوبر/تشرين الأول 2017، ندوة لمناقشة هذه القضايا خلال ثلاث جلسات بحثية بمشاركة نخبة من الأكاديميين والباحثين المتخصصين في الشأن الخليجي والخبراء المتابعين للتحولات الجارية في المنطقة. 

سياقات الأزمة في ضوء تاريخ العلاقات الخليجية-الخليجية 

عرفت العلاقات الخليجية-الخليجية في الماضي عددًا من الأزمات، لعبت فيها السياقات الداخلية، والبينية، والإقليمية والدولية في كل مرة أدوارًا رئيسة من حيث توقيت حدوثها وأطرافها ورهاناتها وصيغ تسويتها، مما يعطي كل أزمة تفرُّدًا يُميِّزها عن الأزمات السابقة لها. ولفهم الأزمة الراهنة، كان لابد من تحديد مميزات تفرُّدها واختلافها عن الأزمة السابقة. وفي هذا السياق، حاولت الجلسة الأولى من أعمال الندوة مقاربة الخلفيات والأسباب الكامنة محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا وراء تفجُّر هذه الأزمة، والبحث في الأسباب التي جعلت مؤسسات وأطر التعاون الخليجي والعربي والإسلامي تعجز عن تفادي وقوعها أو على الأقل الحد من تفاقمها وتصاعدها. 

ولعل هذا التصعيد، أو ما سمَّاه أحد المشاركين في الندوة بـ"الحرب الدافئة"، هو ما جعل مريم البلوشي، التي عملت باحثًا مساعدًا في مركز البحوث الإنسانية بجامعة السلطان قابوس، ترى أن منطقة الخليج تمرُّ حاليًّا بمنعطف تاريخي خطير يُعدُّ الأشد منذ نشوء مجلس التعاون الخليجي، في مايو/أيار 1981، وإِنْ كان انفجار الأزمة لا يبدو أمرًا مُستغربًا وسط الباحثين والمحللين السياسيين؛ لأنها "جاءت نتيجة صراعات طويلة بين دول الخليج العربي تعود تاريخيًّا إلى ما يزيد عن عشرين عامًا كما تشير السعودية في الكثير من تصريحاتها". وترى البلوشي أن الأزمة بلغت أوجها بعد اندلاع ثورات الربيع العربي التي شهدتها المنطقة العربية في العام 2011، خاصة عندما أخذت هذه الثورات منعطفًا يتناقض مع اتجاهات دول مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، كما برز في الحالة المصرية؛ حيث "بدأت تلك الدول تخاف على مصالحها الخارجية ومن ثم انطلقت مرحلة الصراع بين الدول". 

مريم البلوشي، باحثة في الشؤون الخليجية، سلطنة عُمان (الجزيرة)

وتعزو الباحثة العُمانية تفجُّر الأزمة إلى ما أسمته بـ"المشروعين المختلفيْن" للسعودية والإمارات من جهة، ودولة قطر من جهة ثانية، فـ"نحن أمام مشروعين بارزين في منطقة الخليج العربي، هما: المشروع السعودي-الإماراتي والمشروع القطري. هذان المشروعان متجاوران، تضيف الباحثة، ولكن لن يستطيعا أن يتساكنا أو يتقاطعا أصلًا كونهما يحملان وجهتي نظر مختلفتين. فالمشروع السعودي-الإماراتي يريد أن يتخلَّص من كافة البِنَى السياسية والفكرية التي قامت على إثر ثورات الربيع العربي، أما المشروع القطري فهو يدعم التحول الديمقراطي في المنطقة العربية وليس الإسلام السياسي فقط".

وتتوقَّع البلوشي أن "الأزمة ستأخذ منحنى تصعيديًّا وستدخل أيضًا في وضع حرج وأعمق"؛ لأن الإجراءات والآليات التي تتبعها دول الخليج لحلِّ مشكلاتها تظل مؤقتة مثلما حصل في أزمة سحب السفراء عام 2014؛ إذ كانت الوساطة الكويتية عبارة عن تدابير إجرائية مُؤَقَّتَة فقط ومُسَكِّنَة للأزمة، كما أن الوضع الراهن يدل على أن الاتفاق لم يكن له أي وقع كبير على مجريات وتطورات الأحداث. 

ويُقدِّم الإعلامي القطري، عبد العزيز آل إسحاق، مقاربة تاريخية للأزمات التي عرفتها دول الخليج؛ مُتَتَبِّعًا سياقاتها من خلال الرجوع إلى بعض الحقائق التاريخية في العلاقات الخليجية-الخليجية، ومحاولًا استكشاف جذورها المتأصِّلة في إدارة الحكم الخليجي؛ إذ اعتبر أن "الأزمات كانت دائمًا تُدار في الغرف السياسية المغلقة، وتنتهي بالطريقة القبلية المعروفة التي يُطلق عليها في الخليج "حب الخشوم" دون إشراك الشعوب الخليجية فيها".   

وفيما يخص العلاقات السعودية-القطرية، أرجع آل إسحاق تاريخ الأزمات بين البلدين إلى العام 1926 منذ تولي الملك عبد العزيز الحكم في المملكة العربية السعودية، ثم وقوف المملكة بجانب البحرين في أزمة جزر حوار؛ حيث وصل الأمر إلى تهديد قطر بالغزو في ذلك الوقت، ثم أزمة الخفوس، في العام 1992، إثر تدخل عسكري في الأراضي القطرية واحتلال المركز الحدودي، ثم أزمة 1996، عندما قادت المملكة العربية السعودية انقلابًا عسكريًّا ضد قطر وكان مركزه في البحرين بمشاركة الإمارات ومصر، ثم أزمة 2014 التي كانت تشمل تدخلًا عسكريًّا عبر تمرين (زايد 1) الذي أُرِيد له أن يكون تمهيدًا لتدخل عسكري في الدوحة. وفي العام 2017، اندلعت الأزمة الخليجية؛ حيث رسَّخ الملك سلمان بن عبد العزيز اليوم فكرة الغزو في القيادة السعودية. وتوقف آل إسحاق أيضًا عند تاريخ الأزمات في العلاقات السعودية-الكويتية، والعلاقات السعودية-العُمانية، والعلاقات السعودية-الإماراتية، واعتبر أن الصراع التاريخي بين الدول والأسر الحاكمة بدول الخليج لم يُطرح سابقًا في وسائل الإعلام حفاظًا على النسيج الاجتماعي الخليجي. 

عبد العزيز آل إسحق، إعلامي قطري (الجزيرة)

وفسَّر آل إسحاق "مشكلة المملكة العربية السعودية بكونها دولة كبرى لا تقبل بدول تلعب أدوارًا لا تستطيع هي القيام بها أو لا تملك هذه الأدوار"، معتبرًا أن "المملكة العربية السعودية لم تكن يومًا شقيقة كبرى لدول الخليج إلا بالمساحة.؛ فمفهوم الشقيقة الكبرى جاملنا فيه المملكة العربية السعودية كثيرًا"، لماذا؟ يتساءل المتحدث؛ لأنها "إما كانت طرفًا رئيسيًّا في النزاع، وإما طرفًا منحازًا لأحد أطراف هذا النزاع، ولم نعرف يومًا أن الدبلوماسية السعودية تتحرَّك كالنحل في المنطقة لحل أزمة سياسية خليجية، بل دائمًا كانت جزءًا من الصراع أو طرفًا فيه. فخلال أزمة قطر والبحرين التي انتقلت إلى محكمة العدل الدولية كان انحياز المملكة العربية السعودية واضحًا مع البحرين، وفي الأزمة العُمانية-الإماراتية على إثر عملية انقلابية داخل سلطنة عُمان التزمت السعودية الصمت وكأن الأمر لا يعنيها". 

واعتبر الإعلامي القطري أن ما تُسمَّى بـ"الشقيقة الكبرى" لم تقم يومًا بتقدير المصلحة الاستراتيجية لمنطقة الخليج؛ فكل المناطق التي تحيط بدول الخليج قرَّرت السعودية التحكم بقرار التدخل فيه لكنها خسرتها لمصلحة إيران أو دول أخرى، ورأى أن مشكلة السعودية تكمن أساسًا في أن قطر تستقل بقرارها السيادي ولا تقبل بتدخل المملكة فيه، وهذا ما لا تريده السعودية. 

وفي إطار البُعد الإقليمي الذي اتخذته الأزمة الخليجية من حيث السياقات والديناميات المحرِّكة لها، لاحظ المحلِّل السياسي اليمني، ياسين التميمي، أن الساحة اليمنية شكَّلت ميدان اختبار حقيقي للمواجهة بين دول الحصار وقطر، "ويجب أن نتفهَّم أن اليمن ساحة مهمَّة جدًّا لعبت دورًا أساسيًّا في تصاعد حدة الخلاف بين أطراف الأزمة؛ يقول المتحدث، حيث ربما رأى البعض في اليمن ساحة لاختبار تجربته المراهِقة ولا يريد أن يُؤثِّر في طموحه طرف آخر مثل قطر على الرغم من أن الدوحة كانت حاضرة في المشهد اليمني عبر السلطة المركزية والشرعية المعترف بها طيلة الفترة الماضية. فقد كانت قطر سندًا مهمًّا، وعندما كان الرئيس عبد ربه منصور هادي يقع في مأزق بسبب السياسات غير الحكيمة التي مورست ضده من المهيمنين على اليمن اليوم سياسيًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا كان يلجأ إلى قطر فيحصل على الحلول، خصوصًا الحلول المالية التي كانت تُخرج البلد من مآزق شديدة ولم تكن قطر لاعبًا بأجندة سياسية". لذلك اعتبر التميمي أن "الأزمة الراهنة ليس لها أساس أخلاقي؛ إذ لم تستطع دول الحصار أن تُثبت أنها على حق ويمكنها حسم الجولة والعالم يصفق لها". 

وتوقف المتحدث عند تأثير الأزمة على اليمن الذي اعتبره الخاسر الأكبر مما يجري اليوم، فـ"هناك حالة انشقاق في المشهد اليمني؛ تُغَذِّي عملية انقلاب ثانية تقوم بها دول الحصار للإطاحة بالسلطة الشرعية؛ فالرئيس عبد ربه منصور هادي يوجد اليوم عمليًّا تحت الإقامة الجبرية ولا يستطيع أن يزور مدينة عدن، ولا يمكنه أيضًا ممارسة صلاحياته الدستورية في اليمن"، كما تسعى دول الحصار إلى إعادة هندسة السلطة، يضيف المتحدث، حتى تضمن هذه الدول التحكُّم في مقاليد الأمور والسيطرة عليها. وأوضح التميمي أن الإمارات العربية المتحدة تموِّل الانقسام وتُغذِّيه، وتكرِّس واقعًا انفصاليًّا على الساحة اليوم، مثلما يحصل في محاولتها للاستحواذ على باب المندب الذي تشرف عليه محافظة تعز المحسوبة على الشطر الشمالي، في الوقت الذي يتذرَّع فيه التحالف العربي بحماية المنطقة من النفوذ الإيراني. 

وهذا السلوك السياسي والعسكري يدحض، برأي التميمي، ما أعلنه التحالف بشأن إنقاذ اليمن، فهو "لا يقوم بمهمة إنقاذية لليمن بل يُنَفِّذ مهمة خاصة تتعلق بالمصالح الخاصة"، مشيرًا إلى وجود مشروعين سياسيين متصارعين حتى في إطار ما تبقى من التحالف العربي في اليمن. ولذلك، يتوقَّع المتحدث "أن يدفع اليمن ثمنًا غاليًّا نتيجة الطيش السياسي والترتيبات والإجراءات المرتبطة بالتحكُّم في المشهد السياسي اليمني وهندسة السلطة، وهو ما يصطدم مع الأولويات الاستراتيجية لليمنيين وخياراتهم الوطنية في بناء دولة ديمقراطية". 

وحاول أحمد يوسال، مدير مركز الدراسات الإيرانية (إيرام) في أنقرة، تأطير الأزمة الخليجية في سياق التحولات الإقليمية التي تعرفها المنطقة، معتبرًا أن الحصار الذي تفرضه السعودية والإمارات والبحرين ومصر على قطر هو امتداد للانقلابات التي شهدتها بعض دول المنطقة، مثلما جرى في 30 يوليو/تموز 2013 بمصر، والفوضى العارمة في الإقليم، وعزا الحصار إلى اللوبي الأميركي الذي شجَّع عليه.   

وأبرز يوسال الجهود الدبلوماسية التركية لحل الأزمة وتفاعل تحركاتها السياسية مع تطور ديناميات هذه الأزمة؛ حيث رأت أنقرة في الحصار تخريبًا للعلاقات الخليجية، لذلك دعت إلى الوحدة بين دول مجلس التعاون الخليجي واعتماد الحوار سبيلًا لحل الصراع بدل التفتت. كما لجأت إلى الدبلوماسية الهاتفية لاستيعاب تداعيات الأزمة وطالبت برفع الحصار على قطر باعتباره إجراء مخالفًا للقانون وتعاليم الشريعة الإسلامية.    

أحمد يوسال، مدير مركز الدراسات الإيرانية (إيرام) في أنقرة (الجزيرة)

إدارة الأزمة وانعكاساتها على الخليج والمحيط العربي والإسلامي 

بعد مرور خمسة أشهر على اندلاع الأزمة، بات واضحًا حجم كُلَفِها وتداعياتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والاستراتيجية بالغة الخطورة على الواقع الخليجي ومحيطه الإقليمي والدولي. وقد سعت الوساطة الكويتية المدعومة دوليًّا وإقليميًّا لإيجاد حل سريع لتفادي تلك التداعيات، إلا أنها -وإن نجحت في تفادي تصاعد الأزمة الى مستوى المواجهة العسكرية- لم تتمكن بعد من إيجاد المخرج المنشود. فما الأبعاد الحقيقية لتداعيات الأزمة خليجيًّا وإقليميًّا ودوليًّا؟ وكيف أثَّرت إدارة الصراع في الساحات الإعلامية والدبلوماسية على مسار الأزمة؟ وما مصير الوساطة الكويتية والمساعي الإقليمية والدولية الرامية لإيجاد مخرج للأزمة؟ 

في محاولة للإجابة عن هذا الحقل الاستفهامي، استهل الباحث المتخصص في الشؤون الخليجية، ناصر التميمي، مداخلته خلال الجلسة الثانية، بتحديد إطار الأزمة الخليجية التي تُصَنَّف اليوم برأيه في ما سمَّاه بـ"صراعات المغارم" أو "الأزمة الصفرية"، بينما لا يوجد فيها أي رابح، بل إن الجميع خاسر. كما أن توقيت الأزمة واستمرارها حتى الآن يتناقض مع المنطق السياسي والعقلانية الاقتصادية؛ "وفي الوقت الذي تواجه فيه المنطقة حرائق إقليمية تمتد من سوريا وصولًا إلى اليمن، فضلًا عن وضع اقتصادي سيء في معظم الدول العربية، وتراجع أسعار النفط وتأثيرها على اقتصاديات دول الخليج، جِئْنَا بأزمة جديدة لتتراكم الخسائر ليس فقط على الدول وإنما أيضًا على الأفراد والشركات". وإذا كانت التداعيات الاقتصادية والسياسية سلبية على منطقة الخليج، يقول المتحدث، فـ"ربما تكون سلبية بالذات على المملكة العربية السعودية التي ينبغي أن تتَّبع سياسة صفر مشاكل والتركيز على التنمية الاقتصادية للبلاد، وهو ما يتطلب -في نظر الباحث- الاتجاه نحو تهدئة إقليمية في اليمن وفي الأزمة السياسية الراهنة مع قطر بل ومختلف الملفات الإقليمية". 

وفي سياق التداعيات الاقتصادية للأزمة، يشير التميمي إلى تراجع الاستثمارات في منطقة الخليج إلى أدنى مستوى لها منذ العام 2007، بينما هناك حاجة ماسَّة إلى استقطاب هذه الاستثمارات لتوفير فرص عمل للشباب وتنشيط الاقتصاد ورفع نسب النمو في هذه البلدان. وعلى الصعيد السياسي، لاحظ الباحث أن هناك تصدعًا في الجبهة الخليجية؛ حيث أصبحت جهودها في اليمن وغيرها من الدول مُشتَّتة وأحيانًا متضاربة بدل أن يكون الموقف الخليجي مُوحَّدًا في هذه الملفات. بينما تسجِّل إيران نقاطًا إضافية في سوريا والعراق وصولًا إلى الأزمة الخليجية كما تُحقِّق مكاسب اقتصادية في إطار علاقتها الآن مع قطر وتركيا، بالإضافة إلى تحسُّن موقفها السياسي مع تشتت الموقف الخليجي. 

ويرى التميمي أن الأزمة أضعفت الموقف السعودي أيضًا، وسواء حُلَّت الأزمة قريبًا أو استمرت، فإن الموقف السعودي سيضعف بل أصبح أكثر هشاشة، كما يبدو لكثير من المراقبين. في المقابل، أشار الباحث لما اعتبره تعاملًا إيجابيًّا في إدارة قطر للأزمة، فهناك: 

  • الدعوة إلى حل وسط في إطار الوساطة الكويتية وفي إطار مجلس التعاون الخليجي، وهو ما يجب أن يستمر.
  • البقاء في منظومة مجلس التعاون رغم السلبيات التي قد ترافق مسيرته والخلافات السياسية الموجودة.
  • غياب ردود الفعل الانتقامية من قبل الحكومة القطرية في قضية الغاز مع الإمارات؛ إذ غلَّبت الدوحة الاعتبارات الاقتصادية؛ وهذا توجه إيجابي ينبغي أن يستمر حتى لو تأزمت الأمور أكثر. 

كما دعا التميمي إلى مزيد من الانفتاح السياسي في قطر، ومعالجة الشأن القطري في وسائل الإعلام القطرية، خاصة في قناة الجزيرة، والمراكز البحثية، وهو ما سيقوِّي، في نظره، الموقف القطري. 

ناصر التميمي، باحث متخصص في الشؤون الخليجية (الجزيرة)

وقد أثار حديث التميمي عن حلٍّ وسط للأزمة وانفتاح قناة الجزيرة على الشأن القطري، ردودَ فعل الحضور المشارك في الندوة؛ إذ تساءل المدير العام لشبكة الجزيرة بالوكالة، مصطفى سواق، عن ماهية "الحلِّ الوسط إذا اعتبرنا الشروط المعلنة من قِبَل دول الحصار شروطًا تعجيزية، والحل الوسط عمومًا أن تأخذ وتعطي وأن تتنازل، إذًا ما الذي يمكن أن تتنازل عنه قطر وشروط الجهات الأخرى تمسُّ السيادة؟ بصراحة هذه من النقاط التي تحيِّرني أحيانًا: كيف نبحث عن حلٍّ وسط مع شخص يريد أن ينزع منك سيادتك؟ الحل في رأيي هو تراجع هذه الجهات عن هذه الشروط... لا أرى أن قطر لديها شيء يمكن أن تتنازل عنه من أجل حلِّ الأزمة. أما بخصوص تغطية الجزيرة للشأن القطري، فإن السؤال المطروح: هل يجب أن نبحث عن شيء ناقص وقصور ما في السياسة القطرية من أجل انتقاده؟ أُشير إلى هذا الموضوع؛ لأنه يمس السياسة التحريرية للجزيرة. عندما لا نتعامل مع القضايا القطرية فهذا معناه أنه ليس هناك قضايا تحتاج إلى معالجة حقيقية لجمهورنا العالمي؛ فقضايا قطر هي قضايا محلية بالدرجة الأولى والجزيرة ليست قناة محلية، لكن الآن وفي ظل هذه القضية الكبرى التي يهتم بها العالم تقوم الجزيرة بتقديم ما يجري وتطرح وجهات النظر المختلفة وتستضيف من يساندون دول الحصار بشكل واضح. من الصعب أن نختلق موضوعًا وننتقد في سياقه دولة قطر حتى نظهر وكأننا لا نحابي قطر". 

وبخصوص إدارة الأزمة قانونيًّا، أشار عميد كلية القانون وأستاذ القانون الخاص المشارك في كلية القانون بجامعة قطر، محمد بن عبد العزيز الخليفي، أن هناك بُعدين رئيسيين يجب الوقوف عندهما:

  1. الأحكام القانونية الدولية المرتبطة بوقائع الأزمة.
  2. الإجراءات أو الرأي القانوني المناسب الذي يجب أن تسلكه الدول إِنْ كان لها حق في ذلك. 

فيما يتعلق بالمبادئ السامية للقانون الدولي، لاحظ الخليفي أن هناك خرقًا واضحًا لسلسلة من المبادئ والأعراف الدولية المتعارف عليها بين دول العالم من بينهما مخالفة إجراءات الحصار لمبادئ أساسية حاكمة للعلاقات بين الدول. فالحصار البري والجوي والبحري على قطر، يوضح الخليفي، يُعدُّ في القانون الدولي من التدابير القسرية التي اتبعتها دول الحصار "ولا نقصد بالتدابير القسرية عمومًا التدخل العسكري أو القوة العسكرية بل يدخل ضمنها ما يُسمِّيه بعض الفقهاء بالضغوط الاقتصادية والسياسية التي وُجِّهَت بهدف أغراض معينة ومصالح خاصة، وهذا مخالف لصريح القانون الدولي". كما أن الحصار يمثِّل إخلالًا بسلسلة طويلة من المبادئ والأحكام الدولية، من ضمنها: مبدأ المساواة في السيادة، ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدولة الجارة، وأيضًا إخلالًا بمجموعة من المبادئ والأحكام المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة والمتصلة بالطرق السلمية لفض المنازعات الدولية. 

ويرى المتحدث أن هذه الطرق السلمية لم تلتفت إليها دول الحصار، سواء في هذه الأزمة أو الأزمات السابقة، خصوصًا فيما يتعلق باستخدام الأساليب المنصوص عليها في المادة 33 من ميثاق الأمم المتحدة والمتصلة بفضِّ المنازعات الدولية بالطرق السلمية، من بينها: الوساطة والتفاوض والمساعي الحميدة...إلخ. كما يخالف قرار الحصار سلسلة من الحريات وحقوق الإنسان، مثل: حرية التنقل وحرية التعليم وعدم إرغام الطلبة على مغادرة البلاد دون الرجوع إلى سياسات أكاديمية متصلة بها، وعدم تفريق الأسرة، وحرية التعبير عن الرأي التي تم تضييقها أيضًا على مواطني دول الحصار. 

أما الآليات التي يمكن أن تسلكها قطر لحل الأزمة، فيرى الخليفي أن السوابق التاريخية تشير إلى أن كثيرًا من الدول تميل إلى اللجوء للأساليب السلمية لفض المنازعات من ضمنها الحوار الذي طالبت به قطر منذ تفجُّر الأزمة؛ حيث ناشدت دول الحصار للجلوس على طاولة الحوار، لكن أحد أساسيات الحوار أن تكون هناك مساواة بين الأطراف على طاولة الحوار. كما تعد الوساطة من الأساليب والإجراءات الدولية لحل الأزمات، وفي هذا السياق، يرى الخليفي أن هناك جهودًا حقيقية تقوم بها الوساطة الكويتية، وأشار أيضًا إلى لجنة المطالبة بالتعويضات التي شكَّلتها قطر لدفع الضرر عن الأفراد والمؤسسات في دولة قطر جرَّاء تبعات الحصار. ويرى أن هذه الإجراءات مهمة ويجب أن يكون عمل هذه اللجنة غير محكوم بتطورات الأزمة؛ لأنها تتصل بحقوق الأفراد الذين تضرَّروا من الحصار. 

محمد بن عبد العزيز الخليفي، عميد كلية القانون بجامعة قطر (الجزيرة)

وبخصوص الدور السلبي للمنظمات الإقليمية والعربية والإسلامية في هذه الأزمة، يعتبر الخليفي أن هناك تلاحمًا قويًّا بين القانون والعلاقات الدولية؛ فإذا غاب القانون عمَّت الفوضى هذه المنظمات الدولية وساد الانحراف عن الحق واختلَّ ميزان العدالة وأصبحت الممارسات في هذه المنظمات دون ضوابط أو أحكام. وأضاف: "إذا كان النظام الحاكم لهذه المنظمات عبارة عن حبر على ورق فلن نصل إلى نتيجة"، ويرى أن الهدف الرئيسي لقطر هو اللجوء إلى المنظمات الدولية وهو الخيار الذي يعتبره أنفع وأفضل؛ لأن هذه المؤسسات أكثر حيادية. أما اللجوء إلى محكمة العدل الدولية فإن هذا المسار له أحكامه وإجراءاته الخاصة ويغلب عليه الطابع الاتفاقي. وقد يكون الأمر شبه مستحيل في هذه المرحلة.  

وحول تأثيرات الأزمة الخليجية على دول الشمال الشرقي لإفريقيا (القرن الإفريقي)، اعتبر هاري فرهوفين، أستاذ بكلية الشؤون الخارجية في جامعة جورج تاون بقطر، أن تداعيات الأزمة تهدد استقرار المنطقة؛ حيث تضغط السعودية والإمارات على الدول الإفريقية لقطع علاقاتها مع قطر أو على الأقل مهاجمتها، وهذ يُمثِّل جزءًا أو نمطًا أوسع من العَسْكَرَة في الجانب الأمني يمس كل الدول. وأشار إلى جهود الإمارات التي ستنشئ أول قاعدة عسكرية لها بمدينة بربرة فيما يسمى بجمهورية "أرض الصومال"، وأيضًا التدريب العسكري لوحدات عسكرية مختلفة في الصومال من قِبَل بعض الدول الخليجية ونفوذها في السودان والحرب بالوكالة في ليبيا. 

ويفسر فرهوفين سبب عدم الشعور بالأمن في المنطقة بغياب الدور القيادي العالمي الذي كانت تقوم به الولايات المتحدة في القرن الإفريقي والحفاظ على السلام وتقريب وجهات نظر الأطراف المختلفة؛ إذ تخلَّت إدارة دونالد ترامب عن هذا الموقف الاستراتيجي مما دفع كثيرًا من الأطراف إلى ملء هذا الفراغ وجعل الناس تشعر بقلق شديد، وهناك أيضًا الهيمنة الإقليمية التي تفرض على هذه المناطق؛ فالسعودية وإيران كلاهما لديهما طموحات قوية لفرض هيمنتهما على دول المنطقة؛ "وما نراه على الأرض، يقول فرهوفين، هو أن عددًا من الدول في إفريقيا ستحاول أن تُشجِّع بعض الفصائل وتُدَرِّب بعض الميليشيات المتنازعة في الصومال وغيره؛ وهذا يمكن أن يؤدي إلى الإخلال بالاستقرار". كما أن تمويل هذه الفصائل وخلق مجموعات مسلحة سيجعل الحدود ضعيفة وهشة. 

هاري فيرهوفين، أكاديمي في جامعة جورج تاون بقطر (الجزيرة)

من جانبه توقف أستاذ الاقتصاد السياسي والعلاقات الدولية بالمدرسة العليا للتجارة بباريس وأوروبا، يونس بلفلاح، عند الوضع السياسي والدبلوماسي الذي أدى إلى الأزمة، واستراتيجية قطر لإدارتها وانعكاساتها على الاقتصاد القطري ودول الخليج، وأشار إلى الوضع الخليجي الجديد مع اندلاع ثورات الربيع العربي التي بيَّنت أن هناك اختلافًا في التوجهات السياسية بين قطر التي ساندت الثورات وكان مشروعها متناسقًا خلافًا للسعودية التي ساندت الثورة في سوريا بينما كانت شريكة في مشروع الثورة المضادة في عدد من الدول وخاصة في مصر. أما الإمارات، يقول بلفلاح، فربما ساندت الثورة فقط ضد نظام القذافي بليبيا في البداية، لكن اتضح أن مشروعها موجَّه ضد الثورات العربية. وميَّز المتحدث بين الأهداف الاستراتيجية للسعودية والإمارات، وقال: إن السعودية لها هدف سياسي هو الحفاظ على النظام العربي الحالي كي تظل قوة عربية أساسية، وإضعاف الدول الأخرى عبر دعم الاستبداد والفساد في هذه الدول، في حين أن الإمارات تحاول أن تقوم بنسخ تجربتها الاقتصادية على المستوى السياسي؛ أي أن تقوم بوساطات كما هي الحال في الاقتصاد؛ ويظهر ذلك جليًّا في وساطة محمد بن زايد لتقديم ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إلى الإدارة الأميركية وتضخيم جهود الدولة من خلال مناورات عسكرية مع قوى غربية كبيرة، مثل: بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا. 

ورأى بلفلاح أن الأزمة بدأت إعلاميًّا من خلال التصريحات المفبركة للأمير، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، لكن قطر تعاملت باستراتيجية محكمة مع الأزمة. فقد كان هناك شق دبلوماسي سياسي نشيط وكان الرد القطري سريعًا غير متسرع فاعلًا غير منفعل واستراتيجيًّا غير تكتيكي، أي لم تتخذ قطر قرارات مشابهة للقرارات التي اتخذتها السعودية والإمارات ولم تلجأ إلى المعاملة بالمثل وهو مبدأ دبلوماسي معروف في العلاقات الدولية، بل حاولت أن تواجه الاتهامات التي تعرضت لها بالتفنيد والدحض مثل اتهام قطر بالتقارب مع إيران في الوقت الذي تُمثِّل فيه الإمارات أول دولة شريكة في الاقتصاد الإيراني بمنطقة الخليج؛ إذ تتجاوز مبادلاتها التجارية مع إيران 15 مليار دولار سنويًّا كما أن 27% من الواردات الإماراتية مصدرها إيران، وفيما يخص تهمة الإرهاب فإن توقيع قطر مذكرة التفاهم مع واشنطن بهذا الشأن أغلق هذا الملف بشكل نهائي.   

أما الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها قطر لمواجهة الأزمة، فلاحظ بلفلاح أن هناك إجراءات ظرفية وأخرى بنيوية، وتمثَّلت الإجراءات الظرفية في تخفيض سعر الفائدة الرئيسي وتخفيض معدل التضخم أيضًا؛ الأمر الذي أسهم في امتصاص أعباء الأزمة على المستوى الاجتماعي، وإعطاء إشارات على قوة الاقتصاد القطري من خلال زيادة إنتاج الغاز بـ30%، والإعلان عن شراء حصة كبيرة في شركة طيران أميركية ثم تُوِّجت هذه الإجراءات بافتتاح مشروع ميناء حمد الدولي. وبالنسبة للإجراءات البنيوية، فقد حاول الصندوق الاستثماري القطري دعم الاقتصاد القطري في استثمارات بكبرى الشركات العالمية مثل مجموعة أكور الفندقية وشركة إيرباص وشركة فولكس فاجن.. وهذا ما جعل الاقتصاد القطري قويًّا كما يشير تقرير صادر عن منتدى الاقتصاد العالمي؛ حيث جاء القطاع المالي القطري الأول عربيًّا والتاسع عالميًّا كما صنَّف قطر من بين أول 30 دولة من حيث مناخ الأعمال والقابلية لاستقبال الاستثمارات الأجنبية والتي تفوق 120 مليار دولار في دولة قطر.   

وفي المقابل، كانت لهذه الأزمة انعكاسات كبيرة على اقتصاديات دول الحصار، يقول بلفلاح، ففي الوقت الذي سعت فيه هذه الدول لتركيع قطر بدأت منطقة جبل علي بالإمارات تعرف خسائر كبيرة سواء في القطاع المالي الذي تراجع خلال الشهور الخمسة الماضية بما يقارب 15%، وتوقف بعض المشاريع لشركات إماراتية كبرى في قطر خاصة في قطاع العقار والقطاع السياحي ناهيك عن الخسائر التي عرفتها السعودية في قطاع الفلاحة كما أنها تفقد اليوم مصداقيتها الاقتصادية على المستوى العالمي بحكم أزماتها الإقليمية سواء مع قطر أو شن الحرب ضد اليمن، وتوجه سياسة الإنفاق إلى الأمن والدفاع بدل التنمية الاقتصادية والاجتماعية. 

آفاق المستقبل 

باتت التأثيرات المباشرة وغير المباشرة للأزمة بالغة الخطورة على الواقع الخليجي، وبلغت تداعياتها مجالات إقليمية ودولية واسعة، خاصة بعد الاستعصاء والعقبات التي تعرفها التحركات السياسية والجهود الدبلوماسية لإيجاد حل للأزمة، إذًا، ما السيناريوهات المتوقَّعة لمساراتها على المدى القريب، والمتوسط، والبعيد؟ وما البدائل المتاحة للخروج منها؟ وما الأدوار المنتظرة من أطراف الأزمة ومن اللاعبين الإقليميين والدوليين؟ 

تلك كانت الأسئلة التي ناقشها المشاركون في الجلسة الثالثة من أعمال الندوة، وهنا ربط عماد آبشناس، وهو أستاذ بجامعة طهران، حلَّ الأزمة الخليجية بالدور الذي يمكن أن تلعبه أميركا التي تملك القدرة على الضغط على دول الحصار للرجوع عن قراراتها، وإِنْ كان يرى أن هذا الأمر مستبعد في الوقت الراهن؛ لأن إدارة دونالد ترامب تستثمر في إيجاد الخلافات بين الدول الإسلامية واستغلالها ماليًّا ولن يحدث الحل إلا بتغيير الإدارة الأميركية الفعلية أو تغيير سياساتها. 

وفسَّر استعصاء الحلِّ بما تواجهه السعودية اليوم من أزمات داخلية تتعلق بانتقال السلطة إلى الأمير محمد بن سلمان، كما أنها لا تريد التراجع عن أية خطوة قامت بها خلال السنوات الأخيرة كي لا يؤثِّر ذلك على الانتقال السلس للسلطة. وهكذا تصر السعودية، في نظر المتحدث، على استمرار الأزمة في اليمن والبحرين وقطر وكذلك خلافاتها مع إيران. ويرى أن الحل سيظل رهينًا بالانتقال السَّلِس للسلطة؛ إذ قد تفضِّل القيادة الجديدة الخروج من الأزمات وتُؤَمِّن استقرارًا داخليًّا بدل دفع المشاكل الداخلية باتجاه الخارج. 

ويلاحظ آبشناس أن تواتر الأحداث الدولية وتوازن القوة بين الجانبين أدى إلى برودة الأجواء الدولية لحل هذه الأزمة ودخول التحركات السياسية والوساطة مرحلة الجمود، ويرى أن أفضل طريقة للخروج من الأزمة هو إيجاد توازنات وتحالفات دولية سياسية واقتصادية تضغط على دول الحصار وإجبارها على التفكير في الجلوس على طاولة الحوار. وإذا ما أحست هذه الدول بأن هذا التحالف يمكن أن يكون مع إيران أو أن تتجه قطر إلى التخلي عن البيت الخليجي نحو بناء علاقات وطيدة مع إيران سوف تشعر بالانزعاج وتفكر بالتحرك لحل الأزمة. 

عماد أبشناس، أستاذ العلوم السياسية في جامعة طهران (الجزيرة)

بينما ربط رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الكويت، عبد الله الشايجي، في بداية مداخلته، تعقيد الأزمة واستعصاءها بـ"الخلاف الاستراتيجي" بين أطراف الأزمة، أو ما سمَّاه "الحرب الباردة" بين الدول الخليجية الثلاث إضافة إلى مصر، معتبرًا أن الأزمة الراهنة لم تنشأ صغيرة كالأزمات السياسية التي تبدأ بتدرج ثم تصل إلى حل أو إلى مواجهة عسكرية، بل إن هذه الأزمة مغايرة في كل الظروف والمعايير. فهناك مواجهة مفتوحة بين الطرفين في مصر واليمن وليبيا، يضيف المتحدث، وهذا الخلاف الاستراتيجي هو الذي يدفع الطرف الآخر لأن يجبر قطر على تغيير سلوكها وإعادة حساباتها. لذلك، فإن جميع المطالب التي قُدِّمت كانت "مبررات أمامية" وكثير منها يتعارض مع السيادة. 

وأشار الشايجي إلى أن موقف قطر واضح، فهي مستعدة للحوار والانفتاح وترفض الإخضاع وسياسة الأمر الواقع والتعدي على السيادة الذي أرسته اتفاقية ويستفاليا في العام 1648. والمشكلة الأساسية لقطر، يقول المتحدث، كونها دولة صغيرة بالمقاييس الجيوستراتيجية وتلعب دورًا أكبر من حجمها في محيطها الإقليمي والعربي. ولهذا السبب تحولت قطر إلى ضحية الجغرافيا والطموح الاستراتيجي الكبير الذي تصادم مع توجه لمشروع آخر يرى أن قطر تُشكِّل عبئًا وعقبة أمام بلورته، متسائلًا: ما الحلول؟ 

يرى الشايجي أن الأزمة وصلت الآن إلى طريق مسدود، فهناك ضغط اقتصادي وسياسي واجتماعي، وليس هناك رابح/رابح بل خاسر/خاسر، داعيًا إلى حلٍّ دبلوماسي عبر دعم المبادرة الكويتية رغم الدور الأميركي الذي يُشكِّل عقبة حتى الآن في ظل ازدواجية موقف الإدارة بين دونالد ترامب، ووزير خارجيته، ريكس تيلرسون، والمؤسسة الحاكمة (وزارة الخارجية والدفاع والاستخبارات ومجلس الأمن الوطني). ويعتبر المتحدث أن "أميركا مرتاحة" للوضع الحالي طالما:

  • لا يؤثِّر على مصادر النفط ومنابعه وطرق إمداده.
  • ولا يؤثر أيضًا على قاعدة العديد.
  • ولا يؤثر في الحرب على الإرهاب ومواجهة إيران وحلفائها. 
عبد الله الشايجي، رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الكويت (الجزيرة)

وبالموازاة مع ذلك، دعا الشايجي إلى تفعيل ما سمَّاه بـ"دبلوماسية المسار الثاني" التي يشارك فيها وزراء ونواب ومسؤولون سابقون في دول الخليج يجتمعون مع أكاديميين وباحثين ومتخصصين لبلورة وجهات نظر وحلول وسط للأزمة