الجزيرة للدّراسات ومعهد حوار الحضارات: "إعادة تشكيل الحوار الحضاري وتجسير الفجوة بين الخطابات"

ad8dad42d6f74dac8bb6fa8679717839_18.jpg

ينظّم مركز الجزيرة للدّراسات ومعهد أبحاث حوار الحضارات في برلين، بالشّراكة مع مؤسّسة إل بي إتش، ندوة دولية حول موضوع "إعادة تشكيل الحوار الحضاري: تجسير الفجوة بين الخطابات" في رودس باليونان يوم 13 أكتوبر تشرين الأول 2019. وتشكّل هذه الندوة المناظرة الثانية ضمن مسار تونس الذي يتوخّى تأسيس حوار مثمر حول مسارات التفاعل الحضاري بين أوروبا والعالمين العربي والإسلامي، وتطوير مبادرات كفيلة بالتعامل مع عدة معضلات معقدة، منها الإقرار بمظالم الماضي والخشية من الآخر، والتّهديدات المتخيّلة، وتفكيك الصّور النمطية، وتخفيف مشاعر الإحباط لدى الجاليات المسلمة، وتحديد ما ينبغي القيام به من أجل إعادة بناء علاقات شمال/جنوب، وبناء الثقة بين العرب والمسلمين والأوروبيين، وخلق تضامنات جديدة، وصياغة رؤية مشتركة.

تشمل الجلسات المقرّرة مشاركة متحدّثين من عدّة دول عربية وأوروبية سيركزون على بحث ثلاثة محاور من زوايا تستند إلى التجارب الأوروبية والعربية والروسية وتجارب دول آسيا الوسطى:

1. ما نريد تحقيقه من حوار الحضارات (كتغيير الخطابات السائدة، وبناء الثقة، وابتكار علاقات تضامن جديدة...)

2. من سينفذ المبادرات التي تتناول القضايا المذكورة أعلاه (مثل المنظمات الشعبية والحكومات المحلية والمؤسسات الدولية وقطاع الشركات والجهات المؤثرة)؟

3. كيف يمكن تنفيذ السياسات السليمة والتعليم وإنتاج المعرفة وتبادلها وتبادل الشباب وغيرها؟ وكيف يمكن للمبادرات أن تخلق بيئة مواتية لتصحيح وبناء مسارات مشتركة؟

تعدّ ندوة رودس الثانية ضمن سلسلة من ثلاثة مؤتمرات وحلقات النقاش في مسار تونس، وتستهدف إيجاد مساحة للإبداع المشترك من أجل تحديد الاختلافات التي ينبغي التغلب عليها، وإيجاد مسارات ممكنة لمشاركتها بين المسلمين وغير المسلمين. وتمّ استيحاء هذه العملية من إرادة العمل وإيجاد حلول بدلاً من نشر أو تعزيز أفكار دوغماتية تتشبع بها وجهات نظر متداولة في العالمين الإسلامي والغربي، وذلك بطريقة متعددة التخصصات وبروح الانفتاح والرغبة في فهم بعضنا بعضا. وهي مبادرة مستقلة تماما لا تتوافق مع توجيهات أو أجندات خاصة بمصالح محدّدة لأي منظّمة كانت.

تمّ تنظيم الندوة الأولى "الإسلام وأوروبا: التغلب على الاختلافات وتقاسم المسارات" في تونس يومي 28 و 29 يونيو 2019، بمشاركة 39 باحثا قادمين من بلدان مثل تونس، والجزائر، والمغرب، وموريتانيا، وقطر، والأردن، وفرنسا، وألمانيا، وبريطانيا، والولايات المتحدة. وبغية التنوع في وجهات النظر، تمّت دعوة المشاركين من مجموعة متنوّعة من الخلفيات، ومنهم مسؤولون حكوميون سابقون وممثلون عن المجتمع المدني وأكاديميون وإعلاميون وشخصيات مؤثرة، ممّا ساهم في إثراء النقاش العام حول العلاقة بين الإسلام وأوروبا.

ساعدت نتائج الندوة في تونس المنظمين في تطوير أهداف ندوة رودس بناءً على فكرة ما بعد الاعتراف "بجراح الماضي" (الاستعمار ، وما إلى ذلك). ويتعيّن الآن المضي قدمًا في تجسير الفجوة بين الخطابات في أوروبا والعالم العربي والإسلامي، وتطوير المبادرات التي تساعد على الابتعاد عن التحيزات والخوف والمفاهيم الخاطئة التي طال أمدها. تعمل العديد من السرديات السائدة في كلّ من الدّول ذات الغالبية المسلمة وفي أوروبا على توسيع الفجوة بين هذه المجتمعات، وتواصل عرقلة التأسيس المشترك لمستقبل مشترك. وتنطلق النّدوة من قناعة أساسية وهي تفكيك المفاهيم الخاطئة التي تفاقمت بسبب كراهية الأجانب والتطرف الإيديولوجي واستبعاد "الآخر"، والحاجة لخلق مسارات شاملة يتعين أن تكون في صميم المبادرات من المستوى الشعبي إلى السياسة الدولية. عندها فقط يمكن تطوير المبادرات الملموسة التي ستكون لها آثار مجدية ودائمة.

أظهرت ندوة تونس أيضا أن التوتّرات الدينية والإيديولوجية والحاجة لإقامة مسارات مشتركة بين المسلمين وغير المسلمين لا تقتصر على أوروبا والدول العربية المسلمة فحسب، بل تكشف الديناميات في روسيا وآسيا الوسطى العديد من أوجه التشابه مع الوضع بين أوروبا وشمال إفريقيا والمشرق العربي. تبعا لذلك، سيناقش المشاركون في ندوة رودس الموضوع من منظوري روسيا ودول آسيا الوسطى. وغالبًا ما يُنظر إلى أوروبا وروسيا على أنهما "قطبين" منفصلين في النظام العالمي، لكنهما يتعاملان مع تحديات دمج الفئات المسلمة وتوفيق العلاقات مع جيرانهم المسلمين في الجنوب. هذا المنظور المزدوج للعلاقات الإسلامية وغير الإسلامية هو ما يجعل ندوة رودس فريدة من نوعها ضمن مسعاها لبلورة حلول إبداعية قابلة للتطبيق على نطاق أوسع.

تنطوي أهمية منظّمات المجتمع المدني النشطة على ضرورة قصوى في جميع المناطق عندما يتعلق الأمر بالحوار بين الأديان بسبب مشاركتها المباشرة مع مختلف الأطراف. وعندما يمكن أن تساهم السياسات الحكومية في التغيير، فإنها في كثير من الأحيان تظل على المستوى الجزئي حيث يمكن أن يحدث التأثير الأقوى. وتعد مشاركة الشباب في هذا المشروع أمرًا مهمًا أيضًا لأن استعدادهم ورغبتهم في التوفيق بين الاختلافات والمضي قدمًا قد يكون أقوى من الأجيال الأكبر سناً.

بعض المشاركين في ندوة تونس (28-29 يونيو/حزيران 2019)