في ندوة لمركز الجزيرة للدراسات: سد النهضة بات أمرًا واقعًا ومن مصلحة الجميع التوصل إلى حلول عبر التفاوض

41c13ed45390415e8de19003ac2408d3_18.jpg
المشاركون في الندوة من اليمين: بدر الشافعي، عبد الفتاح فايد، عبد الوهاب الأفندي، والمذيع مصطفى عاشور، وعبر القمر الصناعي محمود درير. (الجزيرة)

خلصت ندوة حوارية نظَّمها مركز الجزيرة للدراسات بالتعاون مع قناة الجزيرة مباشر، يوم الأربعاء، 30 أكتوبر/تشرين الأول 2019، بالعاصمة القطرية، الدوحة، تحت عنوان "إشكالات سد النهضة الإثيوبي والخيارات المطروحة"، بمشاركة نخبة من الباحثين والخبراء، إلى أنَّ هذا السد -وهو يوشك أن يدخل مرحلة التشغيل العام القادم- قد أصبح حقيقة واقعة، وأنَّ على الأطراف الثلاث؛ سواء دولة المنبع، إثيوبيا، أو دولتا المصب، السودان ومصر، التعاملَ معه، والبحث عن حلول عملية تقلِّل الأضرار المحتملة، وتحقق المنافع المرجوَّة. 

كما انتهت الندوة إلى أنَّ مصر بحاجة إلى تحسين علاقاتها بالسودان، وحل مشكلة الخلاف الحدودي بشأن حلايب وشلاتين، ودعم التحول الديمقراطي في هذا البلد كي ينعم بالاستقرار، وبذلك تجد القاهرة في الخرطوم سندًا وداعمًا في موضوع مهم كالمياه، خاصة أنَّ مصر -بحسب ما جاء في الندوة- تستفيد من المياه الفائضة عن حصة السودان والبالغة 18 مليار متر مكعب، بحسب اتفاقية 1959، وأنها ستكون في أشد الحاجة للمحافظة على هذه الكمية بعد تقليل الوارد إليها عقب تشغيل سد النهضة. 

وأشارت الندوة كذلك إلى المبالغة في الخطر المتوقع من السد بحسب وصف بعض المتحدثين، وأوضح الجانب الإثيوبي المشارك في الندوة أنَّ الاتفاق تمَّ مع القاهرة على أنه إذا ما كان المطر غزيرًا وماء الفيضان وفيرًا فسيتم ملء الخزان في فترة وجيزة لأنه -في هذه الحالة- لن يترتب ضرر على مصر، أمَّا إن كان ثمَّة "سنوات عجاف" فإنَّ إثيوبيا لن تملأ الخزان إلَّا على فترة زمنية معقولة لا ينجم عنها إلحاق الضرر بمصر. 

وأوضحت نقاشات الندوة أخيرًا أنَّ مشكلة سد النهضة قد تعدت الجدل التقني ودخلت في خانة التوظيف السياسي من قِبَل نظامي الحكم في مصر وإثيوبيا، وأنهما يستغلان هذا الخلاف لتصفية حسابات داخلية وتحقيق مكاسب سياسية.

مبالغة في الخطر

وكانت الندوة سابقة الذكر قد انعقدت مساء أمس الأربعاء في مسرح معهد الجزيرة للإعلام بالدوحة، واستهلها الدكتور عبد الوهاب الأفندي، أستاذ العلوم السياسية بمعهد الدوحة للدراسات العليا بالقول: إنَّ ثمَّة مبالغة لدى المصريين في توقع الأضرار الناجمة عن سد النهضة، وإنَّه لو كانت مصر قد تعاونت مع إثيوبيا في مشاريع تنموية لكان ذلك أفضل للبلدين. 

وأشار إلى أنَّ حصة مصر لا تأتي فقط من النيل الأبيض بل ومن النيل الأزرق أيضًا، وأنَّ هذه الملاحظة يجب ألَّا تغيب عن الذهن أثناء الحديث عن موضوع حصص المياه. 

وأكد على أهمية التوجه نحو البحث عن حلول عملية لحلحلة الأزمة قائلًا: في رأيي أنَّ ثمَّة نقطة مهمة طلبتها مصر بتدخل جهات دولية على خط الوساطة، والغرض منها هو البحث عن دعم دولي يُقدَّم لها ولإثيوبيا على حدٍّ سواء يعوضهما ويساعد في حل الخلاف بينهما. وأوضح الأفندي مقصده بالقول: إنَّ المجتمع الدولي يمكن أن يقدم دعمًا ماليًّا لإثيوبيا يعوضها عن الخسارة الناجمة عن مدة السنتين اللتين يدور الخلاف بشأنهما فيما يتعلق بفترة ملء الخزان، وكذلك يمكن للدول الداعمة تقديم العون لمصر، سواء أكان عونًا ماليًّا أو فنيًّا يجبر الضرر الناجم عن نقص المياه، وقد يكون ذلك في صورة مشاريع لاستخدام المياه الجوفية أو تعويض الفلاحين المتضررين أو ما شابه. 

وأشار الأفندي إلى أنَّ سدَّ النهضة بالنسبة للسودان له منافع جمَّة من بينها التزود بالكهرباء بأسعار اقتصادية، وحل مشكلة الطمي التي تسد الترع والقنوات وتستلزم مالًا لتطهيرها، فضلًا عن ضبط جريان المياه أثناء فيضان النيل ومنع ما يسببه من خسائر. 

واختتم الأفندي مداخلته بالقول: إنَّ مصر بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد الدبلوماسي والفني على السواء من أجل إقناع العالم بالضرر الناجم عن السد -إنْ كان ثمَّة ضرر- لأنَّ الخطاب المصري حتى الآن غير مقنعٍ للمجتمع الدولي، سواءً في شقِّه الدبلوماسي أو الفني.

التوظيف السياسي

وانتقل الحديث إلى المشارك الثاني في الندوة؛ عبد الفتاح فايد، محرر الشؤون المصرية بقناة الجزيرة، والذي أشار إلى أنَّ سد النهضة ليس أول السدود التي بُنيت على النيل ولن يكون آخرها، وأنَّ المشكلة ليست في منع المياه لأنه من المستحيل منع تدفقها وحبسها إلى الأبد، وإنما في فترة ملء الخزان التي إذا أصرَّت إثيوبيا على أن تكون خمس سنوات وليست عشرًا أو سبعًا كما تريد مصر، فإنَّ ذلك سوف يتسبب في بوار قرابة مليون فدان من الأراضي الزراعية، وإفقار أكثر من خمسة ملايين مصري يعملون بالزراعة في هذه المساحة المتضررة، فضلًا عن تأثيره السلبي الكبير على بحيرة ناصر، وإضراره بالسد العالي وذلك لقلَة المياه التي ستصل إليه من أجل تشغيل توربيناته المولِّدة للكهرباء. 

وأكد عبد الفتاح فايد أنَّ الجزء الأكبر من بناء السد قد تمَّ، وأنَّ هذا السد قد أصبح أمرًا واقعًا، ولذا فمن المتوقع الوصول إلى تسوية عبر المفاوضات، التي قال إنَّه لا مناص منها ولا بديل عنها، بعد استبعاد العمل العسكري. وأشار فايد في هذا الصدد إلى جهود الوساطة التي تقوم بها روسيا وتلك التي أعلنت الولايات المتحدة وإسرائيل أنهما مستعدتان للقيام بها من أجل حل هذه المشكلة. 

واختتم فايد مداخلته بالقول: إنَّه من الأفضل لإثيوبيا أن يكون خطابها أكثر لينًا وأقل حدة للوصول إلى حل، وألَّا تتعامل مع المياه على أنها سلعة كالنفط، وإنما كحق إنساني على المشاع، تمامًا كالهواء الذي لا يمكن لدولة أن تحتجزه أو تتاجر فيه.

أوراق مصرية

ولم يبتعد الخبير في الشأن الإفريقي، الدكتور بدر الشافعي، في مداخلته كثيرًا عمَّا قاله عبد الفتاح فايد، فبعد أنْ أشار إلى الأضرار المتوقعة لهذا السد على مصر، سيَّما أنَّ حصة الفرد في مصر من المياه قد وصلت إلى حوالي 700 متر مكعب سنويًّا في حين أن حد الفقر المائي الذي حددته الأمم المتحدة هو 1000 متر مكعب سنويًّا، خلص إلى القول: إنَّ الحصة الإجمالية لمياه النيل الواصلة إلى مصر والبالغة حوالي 55 مليار متر مكعب تكاد تفي بالحد الأدنى بل وأقل من الأدنى خاصة إذا علمنا أن تعداد السكان وصل إلى 100 مليون نسمة. غير أنه أشار إلى أنَّ الإحساس بوطأة بناء السد وخطورة شح المياه الناجمة عنه ربما لن تظهر عقب تشغيله مباشرة، وذلك لوجود احتياطي مائي متمثل في بحيرة ناصر، وإنما ستظهر في غضون عامين أو ثلاثة حينما يقل منسوب المياه في هذه البحيرة، وتقل المياه العابرة للسد العالي، فحينها سوف يشعر الجميع في مصر بمشكلة سد النهضة. 

واستعرض بدر الشافعي الاتفاقيات الدولية المنظِّمة لجريان مياه النيل والسياقات التاريخية لتوقيعها، وخلص إلى أنها مُلزمة وأن إلزاميتها مستمرة حتى الآن، وأنَّ القول بتوقيعها في عهد الاستعمار إنما هو قول لا يُعتد به، لأنَّ الاتفاقيات التي وُقِّعت في عهد الاستعمار يجب أن تُحترم كما تحترم -على سبيل المثال- اتفاقيات ترسيم الحدود بوضعها الحالي حتى لا تفتح القارة الإفريقية على نفسها بابًا من الحروب والنزاعات الحدودية لا ينغلق. 

وأشار الشافعي إلى أنَّ نظام الحكم في مصر إبان عهد الرئيس، حسني مبارك، كان يُصرُّ على ما درجت عليه الخارجية المصرية طوال عقود وهو عدم السماح لدول حوض النيل ببناء سدود إلَّا بالتشاور والموافقة المسبقة، بينما وقَّعت مصر في عهد الرئيس، عبد الفتاح السيسي، على اتفاق "إعلان مبادئ" فتح المجال أمام إثيوبيا لبناء السد باعتباره -كما تعتقد- عملاً من أعمال السيادة الوطنية، ولاعتقادها أنه لن يُلحق الضرر بغيرها، وقد تسرَّعت مصر بتوقيع هذا الاتفاق دون استكمال المشاورات اللازمة وبعد الانتهاء من الدراسات المتعلقة بأضراره المتوقعة. وخلص الشافعي بعد هذا الاستعراض إلى أنَّ البرلمان المصري بإمكانه الآن رفض اتفاق إعلان المبادئ هذا وعدم التصديق عليه. 

واختتم الشافعي مداخلته بالتأكيد على ضرورة قيام مصر بتحسين علاقتها مع السودان بشتى الطرق، وحل المشكلات العالقة معها، وعلى رأسها المشكلة الناجمة عن النزاع الحدودي بشأن مثلث حلايب وشلاتين، فضلًا عن دعم عملية التحول الديمقراطي في هذا البلد حتى ينعم بالأمن والاستقرار ما يعود عليه وعلى مصر بالنفع ومن ثمَّ تجد الخرطوم في الوقوف بجوار مصر في مفاوضات سد النهضة ما يعوضها عن الفوائد الناجمة عن بناء هذا السد.

كما أشار إلى استفادة مصر من الفائض المائي لدى السودان وأن هذه الكمية من المتوقع بعد بناء السد أن تتأثر سلبًا، وقال: إنَّ حصة السودان من مياه النيل تبلغ 18 مليار مكتر مكعب وفق اتفاقية العام 1955، وإنَّ مصر تستفيد بما يُقدَّر بحوالي 6 مليار متر مكعب كل عام من هذه الكمية، لذلك فإنَّ القاهرة بحاجة إلى تحسين علاقتها مع جارتها الشقيقة من أجل استمرار تدفق هذه الكمية المهمة إليها.

رؤية إثيوبية

أما المداخلة الأخيرة في الندوة فكانت من العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، عبر القمر الصناعي، وفيها تحدث السفير، محمود درير غيدي، مستشار وزير الخارجية الإثيوبي، عن موقف بلاده من موضوع سد النهضة، وقال: إنَّ حصص المياه التي ذكرتها المعاهدات والاتفاقيات الدولية إنما أُبرمت في عهد الاستعمار وإنها لم تأخذ مصالح إثيوبيا بعين الاعتبار رغم أن 80% من مياه النيل تسقط فوق أراضيها ولها حق أصيل في استخدامها. 

وذكَّر السفير الإثيوبي المشاركين في الندوة بأنَّ السودان ومصر بنيتا سدودًا على النيل دون استشارة إثيوبيا، وخلص إلى أنَّ من حق إثيوبيا أن تبني سد النهضة دون استشارة أحد طالما أنه لا يسبِّب ضررًا للغير. 

وأشار درير إلى المنافع المتوقعة من بناء السد بالنسبة لبلاده وللسودان على حدٍّ سواء، أمَّا بالنسبة لمصر ومخاوفها حال تقليل وصول المياه إليها؛ فقال: إننا سبق وأن أبلغنا الجانب المصري أنه في حال سقوط المياه بغزارة ومجيء فيضان النيل بمنسوب مرتفع فإننا سنملأ الخزان في فترة زمنية معقولة تعود بالنفع علينا، لأنه في هذه الحالة لن تصاب مصر بالضرر، أمَّا في حال قلة الأمطار وقلة منسوب الفيضان وأثناء "السنوات العجاف" فإننا اتفقنا مع القاهرة على أن تكون فترة ملء الخزان أطول مما قررناه سلفًا لتجنب الضرر. 

وعن تلميحات رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، الأخيرة والتي أشار فيها إلى أنه إذا ما فكرت مصر في شنِّ حرب على إثيوبيا فإنَّ بلاده قادرة على حشد الملايين على خط المواجهة؛ فقد قال السفير الإثيوبي: إنَّ الترجمة الخاصة بكلام آبي أحمد لم تكن دقيقة، وإنَّ الجانبين؛ المصري والإثيوبي، قد اتفقا في مدينة سوتشي وبرعاية روسية على العودة إلى طاولة المفاوضات، مؤكدًا أنَّ بلاده تتعامل مع كل دول حوض النيل بشفافية ووضوح، وأنها قدَّمت الوثائق المتعلقة بسد النهضة إلى الجانب المصري، وأنَّ وزيرًا من وزراء الحكومة المصرية قد زار موقع المشروع ليطَّلع بنفسه على مجرياته، واختتم حديثه بالقول: إنَّ الحل الوحيد هو المفاوضات ثم المفاوضات، ودون إعاقة، وإننا سوف نستمر في هذا المسار.