مؤتمر "فلسطينيو الداخل" يرسم ملامح استراتيجية نضال ضد التمييز العنصري الإسرائيلي

(الجزيرة)

نظَّمَ مركز الجزيرة للدراسات، بالتعاون مع قناة الجزيرة مباشر، مؤتمرًا بحثيًّا، عبر تقنية التواصل المرئي، بعنوان "فلسطينيو الداخل ومؤسسة الحكم الإسرائيلية"، خلال الفترة من 26-28 أغسطس/آب 2023، شارك فيه نخبة من الباحثين والسياسيين والأكاديميين، وأداره المذيعان، سالم المحروقي وروعة أوجيه.

سلَّط المؤتمر الضوء على أوضاع الفلسطينيين في الداخل الإسرائيلي، وبالأخص التحديات التي تواجههم والفرص المتاحة أمامهم، وفي هذا السياق استعرض المتحدثون العديد من التحديات والتي من أبرزها التمييز والعنصرية، وتصاعد قوة اليمين المتطرف وتمكنهم من مكامن الدولة الإسرائيلية، وافتقاد فلسطينيي الداخل الآليات التي تعزز عملهم الجماعي للحصول على كامل حقوقهم السياسية والمدنية، فضلًا عن المخاوف التي تنتابهم من الذوبان وتآكل الهوية.

كما ناقش المؤتمر الفرص المهيأة أمام فلسطينيي الداخل وكيفية تعظيم الاستفادة منها، والتي من أبرزها قوتهم الديمغرافية، وتكوينهم العلمي والمهني المميز، وزيادة الوعي الدولي بقضيتهم.

وخلص المتحدثون في المؤتمر إلى جملة من النقاط، أبرزها:

التمييز العنصري (الأبارتهايد)

يعاني فلسطينيو الداخل من العنصرية على مستوى الدولة والمجتمع رغم أنهم مواطنون إسرائيليون يحملون بطاقات الهوية الإسرائيلية، وتتجلى هذه العنصرية في تقليل الميزانيات المخصصة للمدن والبلدان ذات الأغلبية العربية، فلا توجد مستشفى ولا جامعة ولا محطة قطار في مدينة عربية، كما أن قرابة 150 ألف فلسطيني (إسرائيلي) يعيشون في قرى بصحراء النقب لا تتوافر فيها الخدمات الأساسية من كهرباء ومياه وصرف صحي، فضلًا عن حرمان فلسطينيي الداخل من الترقي في الوظائف الحكومية العليا ذات الـتأثير في رسم السياسات واتخاذ القرارات، بالإضافة إلى العنف اللفظي والجسدي ضد الشخصيات البارزة، والمحاولات المستمرة، أمنيًّا وقانونيًّا، للتضييق على العمل السياسي للأحزاب العربية.

واقترح المتحدثون في المؤتمر عدة اقتراحات للتعامل مع هذا التمييز، من أهم هذه المقترحات الاتفاق على توصيف الحالة سابقة الذكر على أنها صادرة من "نظام فصل عنصري" يشبه نظام "الأبارتهايد" في جنوب إفريقيا إبان حكم البيض لهذا البلد، ومن ثمَّ فالصورة التي سوف يحصل عليها فلسطينيو الداخل أمام المجتمع الدولي هي صورة أقلية عرقية تحمل "اسميًّا" لقب "مواطنين" لكنها لا تتمتع بحقوق المواطنة وتطالب بالعدالة والمساواة.

وشدَّد المتحدثون في المؤتمر على ضرورة بلورة الخطاب السياسي والإعلامي والحقوقي لفلسطينيي الداخل على هذا الأساس، وتوحيد جهودهم لتفكيك منظومة الفصل العنصري الإسرائيلي (الأبارتهايد) كاملة وعدم اقتصار الدعوات على إنهاء الاحتلال فقط.

ملامح إستراتيجية تحرر وطني جديدة

قدَّم المتحدثون في المؤتمر رؤيتهم لكيفية التعامل مع التحديات التي تواجه فلسطينيي الداخل مما سبقت الإشارة إلى بعضها، وأكدوا على حاجة القضية الفلسطينية عمومًا لبناء إستراتيجية تحرر وطني، تقوم دعائمها الأساسية على فكرة "حل الدولة الواحدة الديمقراطية العلمانية" التي يتمتع فيها الفلسطينيون داخل الخط الأخضر والضفة الغربية وقطاع غزة، جنبًا إلى جنب مع اليهود، بحقوق المواطنة الكاملة دون تمييز أو إقصاء. وبرَّر أغلبية المشاركين في المؤتمر التوجه نحو فكرة حل الدولة الواحدة بـ"الاستحالة العملية لفكرة حل الدولتين" بعد أن قضى الاستيطان على الأراضي الفلسطينية فلم يتبق منها سوى 3.5% فقط من مساحة فلسطين التاريخية.

وأشار المتحدثون إلى صعوبة تحقيق فكرة حل الدولة الواحدة، خاصة في ظل تصاعد التوجه داخل إسرائيل نحو التطرف، لكنهم في المقابل أوضحوا أن كل حلم يبدو صعب المنال لكن بالعمل والمثابرة يمكن تغيير موازين القوى وإجبار إسرائيل على القبول بهذا الحل.

وفي سياق المساعي الرامية لبناء إستراتيجية تحرر وطني، ذكر المتحدثون أن المقاومة بكافة صورها وأشكالها، سواء السلمية منها أو المسلحة، والتي تتناسب وظروف كل تجمع فلسطيني سواء داخل الخط الأخضر أو الضفة وغزة أو في الشتات، ستبقى خيارًا للشعب الفلسطيني لتحقيق أهداف تلك الإستراتيجية.

كما أوصوا في هذا الصدد بتكثيف التواصل بين كل مكونات الشعب الفلسطيني سابقة الذكر، وضرورة الإسراع في إنشاء المؤسسات الفلسطينية المنتخبة للتحدث باسم الشعب الفلسطيني وللتعبير عن مطالبه كما يراها هو لا كما تمليها مصالح بعض القيادات والنخب.

وأوصى المتحدثون كذلك بأهمية العمل على تعزيز الهوية الوطنية والقومية للشعب الفلسطيني داخل الخط الأخضر، رغم التحديات التي تواجههم في هذا الصدد، وبالأخص المتعلق منها بالمناهج التعليمية التي تُدَرَّسُ للطلاب العرب، والتي تقدم فقط السردية الإسرائيلية وتستعمل في هذا السياق المفردات والمصطلحات الإسرائيلية-الصهيونية، ولا تتم الإشارة إلى الرواية الفلسطينية وما حلَّ بهم وبأرضهم.

وأوصى المتحدثون أيضًا بتعزيز الحضور العربي في المجتمع الإسرائيلي عبر الانخراط في مؤسسات الدولة الإسرائيلية للاستفادة من هذا الحضور اقتصاديًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا، ولاستقطاب الشرائح الإسرائيلية غير المتطرفة التي تؤمن بفكرة حل الدولة الواحدة القائمة على العدل والمساواة، وأكدوا أن ذلك سيكون في مصلحة الجميع؛ اليهود والعرب على السواء.

تعزيز آليات العمل الجماعي

نظر المتحدثون في المؤتمر إلى تعدد الأحزاب السياسية العربية التي تعمل وسط فلسطينيي الداخل على أنه عامل إيجابي يعكس التنوع والثراء، لكنهم شددوا على أهمية تعزيز آليات العمل الجماعي بين هذه المكونات وذلك بالاتفاق على قواسم مشتركة، وأدوات عمل موحدة يستطيعون من خلالها زيادة تأثيرهم في منظومة الحكم الإسرائيلية والحصول على مكاسب سياسية ومدنية أكبر. وفي هذا الصدد أعرب المتحدثون عن تفاؤلهم بمستقبلهم ومستقبل قضيتهم، وعزوا هذا التفاؤل إلى ما وصفوه ببداية تفكك المشروع الصهيوني على إثر تصاعد موجات التطرف الديني، وإلى عدم قدرة إسرائيل حاليًّا ومستقبلًا على التعامل مع المعادلة الديمغرافية التي تميل لصالح الفلسطينيين، وكذلك إلى عدم قدرة دولة الاحتلال الإسرائيلي على نزع صفة "الأبارتهيد" عن نفسها، ولا قدرتها على إمكانية إيقاف المقاومة والنضال الوطني الفلسطيني، وخلصوا إلى أن هذه العوامل إنما هي عناصر قوة وأمل وثقة في المستقبل.

يمكن مشاهدة جلسات المؤتمر الثلاث من خلال الروابط التالية:

الجلسة الأولى

الجلسة الثانية

الجلسة الثالثة