اقتصاد الهند.. الدور والمستقبل في نظام عالمي جديد

يحاول معدا هذه الدراسة مقاربة الدور الذي يمكن أن يلعبه الاقتصاد الهندي في عالم جديد يتجه نحو التعددية القطبية، وكيف يمكن لبقية القوى الكبرى في العالم وبخاصة في أميركا وأوروبا أن تعيد بناء تحالفاتها الإستراتيجية وفقا لهذا الدور.
1_898950_1_34.jpg







العمالة الهندية المدربة رفعت من مكانة الهند الاقتصادية عالميا (رويترز-أرشيف)


بيتراس أوستريفيشيوس وجون بوزمان


تمهيد:
لأول مرة على مدار قرن مضى، تسهم الاقتصاديات الناشثة بأكئر من نصف إجمالى الناتج العالمي الخام، قياسا بمؤشر القدرة الشرائية. وستؤدى تغيرات من هذا النوع إلى تحولات فى الأمن الاقتصادى الدولي. الأمر الذي يدعونا إلى مراجعة تأثير ذلك على القوة النسبية لاقتصاديات أخرى استقرت لها مفاتيح الهيمنة والسيطرة على العالم مثل أميركا الشمالية وأوربا، تلك القوة التى تتعرض للتراجع أمام هذه الاقتصاديات الناشئة، وما سيخلفه ذلك من آثار بليغة على الطريقة التى يتشكل بها النظام الدولي، وإمكانات استمراره أميركيًا وأوربيًا.


رحلة الاقتصاد الهندي 
اتجاهات الاقتصاد الكلي
العلاقة بين الحكومة والسوق 
الهند ونموذج التنمية البديل

اقتصاديات الطاقة
الأبعاد الجيوسياسية


تقدم الهند* بشكل مطرد إشارات تدل على أنها قد تلعب فى القريب العاجل نفس الدور الذي تلعبه الصين حاليا. وليس من المستغرب تاريخيا أن تتقدم هاتان الحضارتان نحو ريادة الاقتصاد العالمى. وقد أشار بعض المؤرخين الاقتصاديين إلى أنه على مدار 18 قرنا التي سبقت الاستعمار البريطاني للهند، كانت الهند والصين تسهمان معا بنحو 80% من إجمالى الناتج العالمي الخام .


وبحلول عام 1950 تناقصت هذه الحصة بشكل متوال، لكنها عادت لتشهد صعودا من جديد خلال الخمس عشرة سنة الماضية. وبحسب إحصاءات عام 2007 ينمو الاقتصاد الصينى بمعدل 11.4% والاقتصاد الهندي بمعدل 9.4%. وإذا ما استمر الاتجاه الحالي لاقتصاد هذين العملاقين بهذا المعدل المتسارع، وفى غيرهما من الاقتصاديات الناشئة، فإن العالم الثالث سيسهم بنحو ثلثى إجمالي الناتج العالمي خلال العقدين المقبلين.


والسؤال الذي يطرح نفسه على راسمي الاستراتجيات وخبراء الجيو-إستراتيجية هو: هل تحضر هذه الدول نفسها للسيطرة على اقتصاد العالم؟ هذا هو السؤال المهم الذي يطرح نفسه اليوم بقوة.


ولعل في هذا التحول النسبى فى القوى الاقتصادية إشارة إلى أن دول منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية ستجد نفسها فى نظام عالمى يستدعي منها أن تولى عناية أكبر لهذه القوى الصاعدة. فدول مثل الهند والصين والبرازيل لاتنمو بمعدلات أسرع من الدول النامية فحسب، بل إنها تمضي فى هذا النمو من خلال تعميق تكاملها فى أسواق العالم التجارية والمالية.


وقد ارتفع الوزن النسبى لهذه الدول فى النظام الاقتصادى، وكان ذلك واضحا فى مؤتمر الدوحة للتنمية الذى عقدتة منظمة التجارة العالمية فى عام 2001.


رحلة الاقتصاد الهندي


على مدار معظم القرن الماضى، اتسم الاقتصاد الهندى بمعدل نمو بطيء للغاية لم يتجاوز 0.8 % سنويا، ويعزى هذا المعدل بشكل مباشر إلى نمو السكان وعدم القدرة على استغلال طاقاتهم الإنتاجية بالشكل الأمثل. وعلى مدار عقود متوالية لم تحقق الهند إنجازات فى تحسين معدل الدخل الفردى.


لقد فتح الاستقلال (1947) أبواب أمل جديدة وواعدة نحو المستقبل، وطرح المهاتما غاندي نموذجًا تنمويًا بديلا للهند حين كان يحلم بمغزل في كل بيت هندى. قامت فكرة غاندى على أن الهند يجب أن تنمى قدراتها الصناعية بطريقة تضمن استغلال قوتها العمالية الضخمة لا أن تتجه إلى تصنيع عالي التقنية يؤدي إلى الاستغناء عن  الأيدي العاملة (وهى فكرة شبيهة بنموذج هيكشر -أوهلين Heksrher-Ohlin عن التخصص فى العمل تبعا للوفرة النسبية في عوامل الإنتاج).وقد زاوج غاندى هذه الفكرة مع رؤية خاصة بالقيم الروحية والتقليدية "الهندوستانية".


وبدوره أرسى جواهر لال نهرو وحلفاؤه السياسيون ديموقراطية قائمة على القيم الاشتراكية الفابية(نسبة إلى فابيوس كونكتاتورد).وبغية التوافق مع النموذج التنموي السائد فى عصره، ذهب نهرو إلى أن الدولة يجب أن تكون الفاعل الأساسي في الحياة الاقتصادية. وردد نهرو مقولة "إن الهند قد دفنت على مدى أكثر من قرن تحت سيطرة بريطانية مباشرة وآن الأوان كي تخرج إلى الحياة وتحقق لنفسها مكانا ومكانة"، فأثار هذا القول الشعور الوطني للهنود مما ساعد نهرو في  إستراتيجيته الساعية إلى تحقيق الاكتفاء الذاتى.


وكانت الفكرة الأساسية في عملية التنمية الهندية آنذاك هي مركزية الدولة والاقتصاد الموجه والسعي إلى الاكتفاء الذاتي ووضع قيود حمائية، ولتحقيق ذلك فرضت الدولة ضوابط هائلة على الاقتصاديات الصغيرة والوضعيات المالية. وهو ما ضمن تكوين بيروقراطية ذات تدريب جيد مكنت النظام الحاكم من إدارة العمليات الصناعية والتحديثية والتنموية.





أثبت الزمن أن الاعتقاد بأن نخبة صغيرة من التكنوقراط بوسعها تطوير دولة ضخمة مثل الهند، متنوعة، ومتأخرة، وذلك من خلال إعادة توزيع الموارد من المركز إلى الأطراف، أمر خاطئ
وقد طورت الهند نظاما متميزا من التعليم الجامعي، تمكن من تخريج العديد من العلماء والاقتصاديين على درجة عالية من التأهيل. لكن فى المقابل، لم تحقق الهند تقدما مماثلا في الإدارة الاقتصادية، وإن كان مشروع بناء الدولة قد شحن الأمة بالشعور بأن للهند رسالة، وهو ما نجح في بث العافية في جسد تلك الدولة الوليدة الواهنة.
وقد أسهم نهرو بنفسه في فكرة التخطيط، ورأى فى نموذج الخطة الخمسية السوفيتية وسيلة لتعزيز تنمية بلاده. وفيما بعد تم إرساء نظام محكم تحت إشراف الدولة يراقب الاستثمار، والانتاج، وطاقة المصانع، وأسعار المخرجات، وحجم رأس المال، ويحدد القطاعات الصناعية التي يجب الاحتفاظ بها للمنتجيين الصغار.

وفى الوقت الذى رحبت فيه النخبة السياسية الهندية بالقطاع الصناعي الخاص، أخضعت هذا القطاع لإطار دقيق من الضبط والتنظيم. ووفق طريقة التنظيم هذه، خضع هذا القطاع للصناعات الحكومية الكبرى التى وجد فيها نهرو العوامل الحيوية للتنمية الوطنية. كما تبنت الحكومات الهندية النظرية التنموية التي اشتهرت آنذاك باسم "الصناعة الخام" والتى تفترض أن التصنيع والتحديث وبلوغ التنمية الاقتصادية والاجتماعية سيتحقق فقط من خلال الحمائية التجارية. فالحواجز التجارية ستهيئ من الناحية النظرية، لمؤسسات التصنيع المحلية،مجالا للازدهار والاستعداد للانطلاق.


ويعترف الاقتصاديون الهنود اليوم بأن نظام نهرو أصبح مرهقا للغاية بمرور الوقت، خاصة حين تم تعزيز الحواجز التجارية في الوقت الذي كان يجب فيه التخلص منها. وقد أثبت الزمن أن الاعتقاد بأن نخبة صغيرة من التكنوقراط بوسعها تطوير دولة ضخمة متنوعة، ومتأخرة، وذلك من خلال إعادة توزيع الموارد من المركز إلى الأطراف، أمر خاطئ .


لقد فشل هذا الاعتقاد فى إدراك أنه ليس بوسع سلطه مركزية امتلاك المعلومات الضرورية لتدبير وإدارة اقتصاد دولة بهذه الشساعة، خاصة حينما يؤدى هذا النوع من التدخل الحكومى إلى خلل فى آليات السوق والأسعار النسبية. وكانت خلاصة التجربة نشوء نظام معقد قام في النهاية على ثلاثية "السماح -والترخيص- وتوزيع الحصص".


وربما كان لحواجز التعريفات الجمركية تأثير ضار على الاقتصاد الهندى بقدر فاق الضرر الذي سببته الإجراءات التنظيمية الداخلية. وعلى الرغم من أن سياسة الحمائية الهندية قد منحت الصناعات المحلية ضمانات فتح الأسواق، إلا أنها لم تقدم شيئا يضمن فاعلية هذه المؤسسات الصناعية، وذلك لأن السوق الهندى مجزأ بطريقة مفتعلة وخاضع لسيطرة شديدة.


وبافتقادها المنافسة المحلية والدولية اشتهرت المؤسسات الصناعية الهندية بعدم الفاعلية. ومن ثم انتقص هذا النظام من المكاسب الفاعلة التى كانت المنافسة والتجارة كفيلتان بضمانها. زد على هذا أن الدولة فاتها أن تحجز لنفسها موقعًا فى الثورة العارمة التى شهدها العالم فى فترة مابعد الحرب العالمية الثانية في ميدان التجارة الدولية التى وفرت ثروات هائلة لعدد من الدول. هكذا أصبحت القاعدة الصناعية الهندية أكثر تضخما، واكتفت بغض الطرف والرضي عن النفس.


لقد تحددت الأسعار بناء على الاحتكار الحكومى، وبناء على سياسات احتكار الصناعات الصغيرة. وقد أدى ذلك الاحتكار إلى تصادم المحفزات القليلة التي كانت تحاول الاستجابة لفرص السوق. وفى نفس الوقت أدى التدبير الحكومي للقطاع الخاص إلى فرض إجراءات صارمة على مستوى ضبط الأسعار والإنتاج والاستثمار بشكل لم يكن له نظير فى العالم الثالث.


وقد قوض ذلك من إنتاجية القطاع الخاص وقلل من قدرته على الاستجابة لفرص السوق. فعلى سبيل المثال كان لزاما على أية شركة تتجاوز قدرتها المالية 20 مليون دولار  أن تعرض كل قرراتها الاستثمارية الكبرى على الدولة قبل التصديق عليها، علما بأن مستوى دينامية الجهاز الحكومي كان بطيئا للغاية.


وعلى مدى ثمانينيات القرن العشرين تزايد الاقتراض الهندى وأوشكت المؤسسات المملوكة للدولة على الإفلاس وافتقدت إلى رأس المال ومحفزات الاستثمار والابتكار. وفى حقيقة الأمر كان من الأسهل لهذه المؤسسات أن تعيش على الإعانات الحكومية، تلك الإعانات التى ضمنت أن يصبح النظام الاقتصادى فى كنف السلطة السياسية .


وبعد 40 سنة من الاستقلال نما القطاع العام في الهند بقوة مع تبني خلفاء نهرو لسياسته الاقتصادية. فأنديرا غاندي إبنة نهرو -والتى حكمت الهند بين عامي 1966 - 1977 ثم بين عامي 1980- 1984 (قبل اغتيالها) كانت هي الأخرى تطمح إلى تحويل الهند إلى جمهورية اشتراكية. لقد عطلت أنديرا غاندي الديموقراطية لفترة قصيرة من الزمن، وضخمت فيما بعد من قدرات الحزب الحاكم فى الإشراف على الاقتصاد، وعززت مكانته في زيادة مركزة سلطة الدولة على الولايات الفدرالية.


لم يبدأ الوضع فى التغير سوى مع حكومة راجيف غاندى، الذى جاء ببرنامج إصلاح اقتصادى. تمكن راجيف من تنفيذ مستوى معتدل من التحرر من قيود الإصلاحات الضريبية رغم المقاومة السياسية الشديدة داخل حزبه تجاه هذه الخطوات الليبرالية الجديدة. ولكن حكومة راجيف لم تدم طويلا، واضطر للإستقالة في عام 1989.






بدأت الإصلاحات الاقتصادية أوائل التسعينيات بخفض قيمة العملة الوطنية (الروبية) وتقليص الإعانات التجارية، وخفض التعريفات الجمركية، والحواجز غير الجمركية، كما تم إسقاط المراسيم البالية والقوانين التى لم تؤد سوى إلى نتائج عكسية


أما ناريسما راو، الذى جاء خلفا لراجيف فقد كان مناصرا لحزب المؤتمر من الطراز القديم مع ميول طفيفة للاستمرار في نهج الإصلاحات التى بدأها راجيف. وقد ورث راو أزمة مالية وخللا في ميزان المدفوعات لم تترك له خيارا آخر سوى الاستمرار في الإصلاحات التي لم تحظ بتأييد شعبى فضلا عن سياسة التشقف التى بدأها راجيف. وبحلول عام 1991 وصل العجز لدى الحكومة  إلى8  % من إجمالي الناتج المحلى، وكانت الخزانة خاوية تقريبا.

وفى أثناء مواجهته لكارثة مالية لاحت فى الأفق، اختار راو لمنصب وزير المالية مانموهان سينغ، الاقتصادي المتخرج من جامعة أوكسفورد وصاحب التوجهات الليبرالية القوية، كما اختار بالانيبان تشيدامبارام وزيرا للتجارة، والذى كان بدوره قد تلقى تدريبا فى جامعة هارفارد. وقد أصبح سينغ وتشيدامبارام المهندسين البارزين للإصلاحات التى شهدها الاقتصاد الهندي.


يشغل مانموهان سينغ اليوم منصب رئيس وزراء الهند، وأصبح  بي تشيد امبرام وزيرا للمالية، ويشكل سينغ وتشيد امبرام إلى جانب "مونتيك سينغ أهلواليا" الذي يشغل منصب الرئيس المفوض للجنة التخطيط القومي، ما يسميه الإعلام الهندى " فريق الاحلام الاقتصادي".


ولعله ليس من قبيل المصادفة أن جهود الإصلاحات الاقتصادية قد بدأت فى الهند فى الوقت الذي كان نموذج التخطيط المركزي على النمط السوفيتى يلفظ أنفاسه الأخيرة. إذ أن هذه الجهود قد قام بها نفس الأشخاص الذين أوكل اليهم قيادة الاقتصاد المخطط. وقد تم تبنى إصلاحاتهم بطريقة تسمح بالحد من الصدمات التى لايتحملها الاقتصاد الهندى الضعيف. كما كان وجود هؤلاء المسؤولين داخل الدولة حافزا لإعادة الثقة لدى الكثير من المتشككين.


وسرعان ما قام سينغ وتشيد امبرام بخفض قيمة العملة الوطنية (الروبية) وتقليص الإعانات التجارية، وخفض التعريفات الجمركية، والحواجز غير الجمركية، كما تم إسقاط تلك المراسيم البالية والقوانين التى لم تؤد سوى إلى نتائج عكسية، ووقفت عائقا، لفترة طويلة، دون تمكن مديرى الأعمال من تنمية أعمالهم. وقد وضعت هذه التغييرات البلاد على طريق لم تحد عنه كافة الحكومات الهندية اللاحقة.


وقد قام حزب الشعب الهندوسى ذو التوجه اليميني، والذى قاد الحكومة خلال الفترة من 1999 إلى 2004، بتبني جهود الإصلاح السابق ذكرها، بل سرع من خطواتها فى بعض المجالات. فقد تم خلال تلك الفترة الحد من القيود التى فرضت على التجارة والاستثمار الأجنبى، وهو ما أدى إلى التوسع الكبير فى التجارة، وزيادة الاستثمار الأجنبى، وتحقيق نهضة في مجالي التكنولوجيا المتقدمة والخدمات. وأصبحت الهند فى النهاية بطل رواية الاقتصاد العالمى، الأمر الذي أدى إلى طفرات شاملة في مسارها التنموي.


لقد تجلت محصلة هذه الاصلاحات فى دعم قوي لسلطة اتخاذ القرار لدى أصحاب المشروعات التجارية والمديريين، وفي تخلى الدولة عن التدخل -ولو جزئيا- فى عملية إدارة الاقتصاد. كما خفت القيود التى كانت تفرضها الدولة على طبقة رجال الأعمال، فانتعشت هذه الطبقة من بين صفوف التكنوقراط ذوي التعليم العالي. وبعد عقود من الإرتهان لإمكانات الطبقة الوسطى، أصبح القطاع الخاص، الآن، يشكل العمود الرئيسي لنمو الناتج القومي الهندي. كما توسعت العديد من الشركات الهندية، وأصبح بعض منها علامة تجارية عالمية.


ويشهد السوق الهندي اليوم أكثر من مائة شركة يبلغ رأس مال كل منها بليون دولار، كما ازدهر سوق الأسهم فى السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ. وصار قطاع البنوك فى أفضل حالاته عما كان عليه قبل عقد مضى، رغم أن الهند لم تقدم على خصخصة البنوك المملوكة للدولة. ويشهد القطاع الخاص بصفة عامة نموا ملحوظا، ويجتذب هذا القطاع -خلافا لما هو في الصين- نحو 18% من إجمالى القروض البنكية فى الهند.


ورغم ذلك، فلن نفاجأ إذا وجدنا أن نسبة القروض المعدومة في الهند أقل بكثير مما هى عليه فى الصين. فقبيل الأزمة المالية الحالية، كانت مثل هذه القروض تشكل 2% فقط من القروض غير المسددة، وهى نسبة ضئيلة للغاية مقارنة بنظيرتها فى الصين التى تقترب من 20%.


وكان من المتوقع أن يضع رئيس الوزراء الهندى مانموهان سينغ الاصلاحات الاقتصادية فى بؤرة أجندة حكومته حين ترأس الحكومة عام 2004، رغم أن كثيرين قد راهنوا على أن عودة حزب المؤتمر إلى السلطة هى بمثابة رفض لسياسه التحرير الاقتصادى. ويبدو سينغ، فى حقيقة الأمر، سجينا لهدفين متعارضين، فمن ناحية عليه أن يمضي في النهج الإصلاحي، ومن ناحية أخرى عليه أن يلبي تطلعات حزبه (حزب المؤتمر) والتحالف الحاكم اللذين يدافعان عن بعض آليات التدخل الحكومي في السوق، تلك الآليات التي أعاقت لفترة طويلة نمو اقتصاد الهند .





خلال الفترة من 1999 إلى 2004 تم الحد من القيود التى فرضت على التجارة والاستثمار الأجنبى، وهو ما أدى إلى التوسع فى التجارة، وزيادة الاستثمار الأجنبى، وتحقيق نهضة في مجالي التكنولوجيا المتقدمة والخدمات
إن الأكثرية من الناخبين الذين أوصلوا حزب المؤتمر للسلطة هم في الأساس من الفقراء الذين لم يستفيدوا عمليا من عملية التحرر الاقتصادي . وتحظى فكرة حماية سوق العمالة بتقدير مقدس في الهند، وتعد من تراث حزب المؤتمر، ومن المسلمات التى يصعب تغييرها. ومازال شائعا فى منهج حزب المؤتمر السعى إلى برنامج خلق وظائف جديدة، رغم أن هذه البرامج لم تقدم الكثير لتطوير إنتاجية الدولة أو تنميتها على المدى الطويل، أو حتى لتحقيق زيادة حقيقية فى الوظائف الجديدة. ومع ذلك يتم الدفاع عن هذه البرامج باعتبارها أحد اشكال مواجهة الفقر.

وفي المقابل يرى أصحاب التوجه الليبرالى أن مثل هذه البرامج عقبة تربك القطاع الخاص المتسم بدينامية تسمح له ـ حين تصبح الظروف مواتية ـ بخلق وظائف أكبر مما يمكن للحكومة تحقيقه. لكن برامج التوظيف الحكومية مع ذلك تظل ذات أهمية رمزية فى مجتمع لم تجن ثمار الاصلاحات الليبرالية فيه سوى قطاعات بعينها وأقاليم دون غيرها، مقارنة ببقية شرائح وأقاليم البلاد. ويجب أن نلاحظ هنا أن 90 % من العمال الهنود يعملون فى القطاع غير الرسمي.


اتجاهات الاقتصاد الكلي


من الجدير بالملاحظة أن الهند امتلكت، ولفترة طويلة نسبيا، قطاعا صناعيا حديثا. وقد بنيت أولى المصانع فى الهند فى خمسينيات القرن التاسع عشر. ومع الاستقلال صنفت الهند كسابع أكبر دولة صناعية فى العالم. ولعل هذا يجعلنا ننظر إلى النجاح الذى حققته الهند برؤية مغايرة. فالإنجازات الاقتصادية ليست جديدة على الهند، وإن كان معدل نموها هو الذى يبدو اليوم متسارعا، جاعلا منها لاعبا عالميا.


يبلغ حجم الطبقة الوسطى فى الهند اليوم نحو 250 مليون نسمة، إضافة إلى عدة ملايين أخرى تنتشل نفسها من الفقر للارتقاء إلى تلك الطبقة. كما يتراجع الإنفجار السكانى الذى كانت الهند قد شهدته من قبل، خاصة بتناقص معدل النمو السكانى من 2.2 % سنويا إلى 1.7 %. مما ساعد في رفع نصيب الفرد من الدخل القومي، فقد ارتفعت قيم الدخل الفردى من 1.178 دولار فى عام 1980 إلى 3.051 فى عام 2006، قياسا بمكأفىء القدرة الشرائية.


كما استفادت الأوضاع الديموغرافية من التغيرات الاقتصادية بأن توفرت للأسر الهندية فرص أكبر للاستثمار فى تعليم أبنائها، وهو مصدر حيوي آخر للتنمية الاقتصادية المستدامة. وبحسب الصحفي داز جورشران فان ما بين 30 إلى 40 % من مقدار النمو الهندى يمكن إرجاعه إلى الاستغلال الفعال لعوامل الانتاج.


فقد نمى الاقتصاد الهندى بمعدل 6 % سنويا فيما بين 1980 و2000 وبنحو 8.6 %بعد عام 2000 ، وخلال السنة المالية لعام 2007 قفز المعدل إلى 9.4 % (*). وتضع هذه الأرقام الهند بين أسرع دول العالم نموا خلال الربع الأخير من القرن الماضي. ومع ارتفاع الاستثمار بنسبة تبلغ نحو 30 %  ـ توافقا مع إرتفاع إجمالى الناتج المحلى ـ ترسي الهند بذلك قاعدة متينة لتوسع اقتصادى مطرد، على الرغم من أن طريق النمو سيعتمد على العديد من العوامل فى مقدمتها حالة الاقتصاد العالمى، وتطور الأزمة المالية الحالية، ومدى قدرة الحكومة الهندية على التقدم بالاصلاحات الاقتصادية إلى الأمام.


لقد زادت الصادرات الهندية من 100 مليون دولار فى عام 1990-1991 إلى نحو 100 بليون فى عام 2007، أو بزيادة نسبتها 30 % من قيمة إجمالى الناتج المحلي(**). وحتى وقت قريب جدا ظهرت علامات على تدهور الاقتصاد، وهو ما تطلب توفير دعم متواصل. واضطرت المؤسسات لأن تعمل فوق طاقتها القصوى، وارتفع العجز التجارى وعجز ميزان المدفوعات، وبلغت نسبة التضخم 7 %. ورغم نمو الصادرات، فإن العجز في الحساب الجارى قد تفاقم فى السنوات الأخيرة، وبالمثل تزايدت نسبة الدين العام بالنسبة لإجمالي الناتج المحلى.


كما أدى ازدهار الائتمان إلى ارتفاع في أسهم وأسعار العقار. لكن هذا التوجه يشهد تباطؤا ملحوظا نتيجة أزمة القروض العالمية. وفى السنوات الأخيرة اعتمدت الهند، بشكل كبير، على التدفق القصير الأمد لرؤوس الأموال.


وقد يؤدى ذلك إلى تعرض الهند -كغيرها من الاقتصاديات الناشئة- لارتفاع في معدلات الفائدة، وربما لهروب رؤوس الأموال فى ظل ما يعيشه العالم اليوم من أوضاع بالغة الاضطراب. ولعل القيود المفروضة على الاستثمار المباشر الطويل الأمد تعد أحد الأسباب التى تجبر الهند اليوم على الاعتماد على تدفقات رؤوس الأموال القصيرة الأمد.


وعلى نحو ما أشرنا إليه سابقا، ليست الهند محصنة ضد تداعيات الأزمة المالية العالمية الراهنة، فاندماجها المتزايد فى النظام العالمى يجعلها أكثر عرضة للتغيرات الخارجية مما لو كانت تعمل بنظام أكثر اعتمادا على الذات. وعليه، فليس غريبا أن يتباطأ النمو في الأشهر الأخيرة.


كما أدى تراجع الدولار إلى تخفيض أسعار الفائدة عليه نظرا لأنها تقوض من المنافسة التصديرية. وبشكل متزايد تحولت الشركات الهندية أيضا إلى السوق المحلى من أجل الحصول على مصادر إقراض جديدة. وفى ضوء هذا التوجه نفهم مثلا عرض شركة هندية مثل تاتا في يناير /كانون الثاني  2008، لسيارة لايعدو سعرها الألفي دولار. و هذا دليل على أن المؤسسات الهندية الأكثر دينامية ما زالت مستمرة فى الحفاظ على استراتيجية إبداعية وطليعية.


العلاقة بين الحكومة والسوق


من بين ما ورثته الهند في رحلتها الاقتصادية جهازا حكوميا مترهلا وغير فعال. ويحتفظ هذا الجهاز بسلطة قوية تخوله التدخل في السوق وإعاقة المشروعات التجارية وعرقلة قدرة الاقتصاد على خلق وظائف جديدة.





تنتج الهند ثروة ضخمة فى صناعة التكنولوجيا المتقدمة والخدمات من خلال قطاع صغير من القوى العاملة، لكنه قطاع على درجة عالية من التدريب والكفاءة والخبرة 
ففي واقع الأمر تتوقع النظرية الاقتصادية النيوكلاسكية، وبوجه خاص نظرية هيكشر- أوهلين، أن الدول سوف تتخصص فى إنتاج سلع تصديرية تتطلب توفر مداخل للإنتاج وبغزارة مفرطة. وفى الحالة الهندية تعتبر القوى العاملة هى أكثر مداخل الإنتاج وفرة، ومع هذا فإن الهند تنتج ثروة ضخمة فى صناعة التكنولوجيا المتقدمة والخدمات من خلال قطاع صغير من القوى العاملة، لكنه قطاع على درجة عالية من التدريب والكفاءة.

وأخذا في الاعتبار المستوى التدريبى العالى لهذا القطاع فمن الممكن اعتباره عامل انتاج عالي الكثافة في رأس المال. ويرى الاقتصاديون في هذا الوضع تناقضًا إلى حد ما، خاصة وأن الهند لم تعرف ثورة تصنيع كثيفة في الأيدي العاملة بما يقدم تفسيرا لحالة البطالة المرتفعة التي تعانيها. فنسبة القوى العاملة فى قطاع العمل الرسمى لا تتجاوز 11.3 %، نصيب القطاع الخاص الرسمى منها 3 %. 


ورغم أن العديد من مظاهر "مملكة التصاريح" القديمة التى اتسم بها النظام الاقتصادى الهندى لم تعد موجودة اليوم. إلا أن عددا من التنظيمات والضوابط ما زالت تعيق مرونة القطاع الصناعى الهندى.


وعلى مدى سنوات عدة، وقفت الحكومة الهندية حائلا دون دخول المؤسسات التجارية فى عدد من قطاعات الأعمال تاركة السوق يختار "الصناعات الصغيرة" ومن ثم حالت الدولة دون ظهور شركات كبرى منافسة كان بوسعها دفع هذه الصناعات نحو المنافسة العالمية.


كما تعرضت أسواق التجزئه أيضا للحماية الفاعلة أمام المنافسين الأكثر دينامية، سواء كانوا محليين أو أجانب. ولعل بقاء هذا النوع من التنظيمات الحكومية ـ والتى تحظى بدفاع مستميت من المنتفعين ومن ممثليهم السياسيين ـ يشكل حاجزا منيعا أمام النمو الاقتصادى والتنمية.


وتجرب الهند ممارسة التحرير الاقتصادى عبر نظام المناطق الاقتصادية الخاصة، التي تتمتع بقدر من الاعفاءات الضريبية، وغيرها من المنافع التى يحظى بها المستثمرون فى الهند. ويدور حول هذه البرامج جدل اقتصادى خاصة أنها تتسبب فيما يعرف باسم "تشويه الأسعار النسبية".


كما أن لهذه البرامج آثارا وتداعيات اجتماعية، حيث تؤدى إلى تهميش المجتمعات غير المرتبطة بنمط إنتاج المناطق الاقتصادية الخاصة وذلك من خلال إنكار هذه البرامج حق تلك المجتمعات فى الحصول على عائدات الضرائب الممكنة، فضلا عن تشريدها لملاكي الأراضي الصغار.


وليس هناك ارتباط وثيق بين المناطق الاقتصادية الخاصة وبقية الاقتصاد الهندى. وهناك مخاوف من أن تؤدى الامتيازات التى تحصل عليها تلك المناطق الاقتصادية إلى إضعاف مصادر الدخل الحكومى وفتح الأبواب أمام الفساد.


وتظل التحديات التي تواجه التنمية الهندية هائلة فى حجمها. فنحو ربع سكان الهند يعيشون دون خط الفقر الوطني، مع تباين كبير في درجة الفقر على مستوى الأقاليم. وبحسب مؤشر التنمية البشرية الصادر عن الأمم التحدة لعام 2007 ـ والذى يقارن بين 178 دولة من حيث قدرتها على توفير الاحتياجات الأساسية لمواطنيها من خلال قياس عدة مؤشرات في مقدمتها معدل الحياة، ومحو أمية الكبار، وتمدرس الأطفال، ونصيب الفرد من إجمالى الناتج المحلى ـ فإن الهند تحتل المرتبة 128 من بين 178 دولة.


ويتحتم على الهند أن تحافظ على معدل نموها البالغ 8 % خلال العقد القادم من أجل النهوض بمستوى الشعب الهندى ككل ونقل التنمية إلى ما وراء الأقاليم الغنية التى جنت بالفعل ثمار التنمية. (***)


ورغم النمو السريع الذى شهدته البلاد خلال الخمس عشرة سنة الماضية، لم يتحسن معدل الحد من الفقر سوى بـ 1 % سنويا، ولعل هذا أحد أشكال التناقض الأخرى فى الاقتصاد الهندى خاصة أن النمو الاقتصادى هو المحرك الأول الفاعل في الحد من الفقر.
 



تجرب الهند ممارسة التحرير الاقتصادى عبر نظام "المناطق الاقتصادية الخاصة"، التي تتمتع بقدر من الاعفاءات الضريبية. ويدور حول هذه البرامج جدل اقتصادى خاصة أنها تتسبب فيما يعرف باسم "تشويه الأسعار النسبية"
ويتسم النظام التعليمي في الهند بتناقض مماثل. فمدارس التدريب الفني تخرج عناصر قادرة على المنافسة الدولية خاصة مع تقدم الهند بشكل مزدهر فى مجالات التكنولوجيا الحيوية وتكنولوجيا الفضاء. وفى نفس الوقت نجد أن معدلات الأمية فى الريف الهندي مازالت مرتفعة للغاية نتيجة ضعف فاعلية الدعم الحكومى فى التعليم الابتدائى. وتبدو المشكلة بالغة السوء بالنسبة للفتيات، اللائي يعد تعليمهن أمرا حيويا من أجل إتمام عملية التنمية. ويمثل الضغط على الميزانية جزءا آخر من المشكلة. فعلى عاتق الدولة يقع عبء ثقيل من تمويل الديون، والإنفاق العسكري، فضلا عن دعم السوق. 

ويتنازع هذا النوع من الإنفاق الحكومى مع الإنفاق على تنمية الريف والتعليم. وكما أشرنا من قبل، فإن هناك جماعات ضغط محلية تدافع عن أولويات الإنفاق الحالية. مما يجعل أحد التحديات الأساسية الملقاة على عاتق  الدولة عقد توافق شعبي عام حول أولويات الإنفاق الجديدة الأكثر فائدة للمجتمع.


ومنذ نيلها الاستقلال، حظيت الزراعة في الهند بأولوية خاصة لدى صانع القرار السياسي- الاقتصادي. وقد حكمت المجاعات التى عانتها الهند فى الماضى توجهات السياسة الزراعية فى حقبة ما بعد الاستقلال، وخاصة التركيز على تأمين الغذاء.


وقد سعت الثورة الخضراء إلى تحقيق درجة من الاكتفاء الذاتي من الطعام عبر اعتماد عدد من الوسائل التقنية والتنظمية، كتطوير بذور فائقة القدرة الوراثية، والزراعة المحصولية المركبة، والاستعانة بالمخصبات الزراعية، وتوسيع الرقعة الزراعية، واعتماد أنظمة ري حديثة.


وقد تضمن البرنامج أيضا عددا من المبادرات التشريعية من أجل ضمان عدم سيطرة الأهداف الربحية التجارية على إنتاج الطعام. وقد أدى هذا البرنامج الممول جزئيا من طرف البنك الدولي، إلى زيادة مبهرة فى الإنتاج الزراعى الهندى، وهو ما ساعد فى جعل الهند تصبح واحدة من أكبر دول العالم إنتاجا للغذاء مع نهاية عقد السبعينيات.


وهناك مع ذلك انتقادات مهمة بحق الثورة الخضراء، فى مقدمتها تناقص التنوع الحيوى، وزيادة التباين فى الدخل فى المجتمع الريفى، وفقدان فرص العمل نتيجة إدخال المكننة الزراعية التي استغنت عن شريحة من الأيدى العاملة، وزيادة الفجوة بين الأراضى الزراعية الجيدة الري والقائمة على المحاصيل النقدية(ذات القيمة الاقتصادية العالية)، ونظيرتها من الأراضي الجافة المهملة، فضلا عن الإفراط فى استخدام المبيدات الزراعية. ويبقى القطاع الزراعى الهندي محدود الفعالية، بل في بعض الأحيان يقف حجر عثرة أمام التحديث والعصرنة.


وتتمتع معظم الأراضي الهندية بخصوبة تربتها ووفرة مياه الري وبالمناخ الملائم للزراعة، الأمر الذى يجعل كثيرا من مواطني الهند قادرين على توفير المتطلبات الأساسية للحياة بفضل الزراعة التي يعمل بها 50 % على الأقل من القوى العاملة الهندية ( تبلغ هذه النسبة الثلثين طبقا لتقدير حديث لمجلس العموم ) ومع ذلك لا تنتج هذه النسبة سوى 17 % من إجمالي الناتج المحلي.


ولا يحصل الفلاحون الهنود سوى على 20 إلى 30 % من سعر التجزئة النهائى لبيع الفواكه والخضروات، وهو سعر أدنى بكثير مما يحققه المزارعون الأوربيون من أرباح. ويعود ذلك جزئيا إلى السياسات الزراعية والغذائية، التى تتبناها الحكومة الهندية. إذ يرى البعض أن القطاع الزراعى يعوزه التحديث، وهو ما يشكل أولوية كبرى بوسعها تشجيع قطاع الأعمال الزراعي، واستثمار رأس المال الخاص، وتحقيق الابتكار الزراعى فى الأقاليم الريفية. غير أنه يجب أولا التخفيف من قيود التوزيع، وبالمثل يجب التخلص من الضوابط التى تحول دون إقامة اتصال مباشر بين المزارعين وتجار التجزئة.


ويمكن للمزارع الكبرى أن تدعم الإمكانات التصديرية للزراعة الهندية، لكن ذلك يتطلب جهدا لتعميم المهارات والتقنيات الزراعية الحديثة فى الريف الهندى لجعله أكثر قدرة على الإنتاج. وتتمثل إحدى السبل المواتية أمام الهند لتحفيز تجربتها التنموية فى سحب شريحة من عمالها في القطاع الزراعي ودفعها إلى قطاعيّ التصنيع والخدمات، وإن لم يخل ذلك السبيل من مخاطر اجتماعية.


وتتمثل إحدى هذه المخاطر فى أن التصنيع لم يتطور بعد في الهند بالدرجة الكافية التى تؤثر بشكل إيجابى على المنظومة العامة لسوق الشغل. وتبعا لذلك قدر البنك الدولى أن الهند فى حاجة إلى تركيز أكبر في مجهودها الإبتكارى كى تتمكن من امتصاص عدد أكبر من العمالة فى عملية التحول نحو التصنيع.


ولقد تحكمت المصالح الزراعية أيضا فى إستراتيجيات تفاوض الهند مع منظمة التجارة العالمية. فقد لعبت الهند أحيانا دور الجسر الواصل فى تلك المفاوضات، حيث كانت الهند واحدة من الدول الرائدة فى كتلة مجموعة G33 المؤلفة من 33 دولة نامية، فى الوقت الذى لعبت فيه دورا فاعلا آخر فى مجموعة الأربعة الكبار G4 المؤلفة من البرازيل والولايات المتحدة والاتحاد الأوربي والهند. وقد عملت هذه النخبة من الدول على التوصل إلى تسوية بشأن عدد من القضايا المهمة فى تلك المفاوضات.
   



حققت الهند اكتفاءا ذاتيا من الطعام عبر اعتماد عدد من الوسائل التقنية والتنظمية، كتطوير بذور فائقة القدرة الوراثية، والزراعة المحصولية المركبة، والاستعانة بالمخصبات الزراعية، وتوسيع الرقعة الزراعية، واعتماد أنظمة ري حديثة
وتبدو الهند في هذا الصدد لاعبا أساسيا تمكن من أن يطرح على طاولة التفاوض مصالحه القومية الخاصة فى القضايا الأربع موضوع التفاوض وهى: الزراعة التسويقية، فتح الأسواق أمام المنتجات غير الزراعية، وتجارة الخدمات، والقواعد الإجرائية لمكافحة إغراق السوق، والرسوم التعويضية. ولم تكن موافقة الهند ذات أهمية محورية لأي اتفاق نهائي فحسب، بل كانت في ذات الوقت اللاعب الرئيسى فى فشل تلك المفاوضات!

وقد زجت الهند نفسها بقوة من أجل الولوج إلى الأسواق الزراعية الغربية، وسعت أيضا إلى الحفاظ على آلية الضمانات الخاصة من أجل حماية مزارعيها من تحرير التجارة المفاجئ. وقد التزم التحالف الحاكم فى الهند بتحسين الأوضاع المستقبلية للفقراء فى الريف الهندي. وتبلغ نسبة التعريفات الجمركية ( الحد الأقصى من الجمارك الذي تسمح به منظمة التجارة العالمية) التى تفرضها الحكومة الهندية على السلع الزراعية المستوردة 114 %، مقارنة بـ 12 % فقط فى الولايات المتحدة، ومقارنة بـ 62 % كمتوسط عالمي، بل إن هناك تعريفات جمركية تتجاوز هذه النسبة.


وما يزال المسؤلون الهنود يعترضون على التنظيمات والقوانين الزراعية الداعمة للغرب. فقد أشار وزير التجارة والصناعة الهندى شري كمال ناث إلى أن "خفض الدعم المشوه للتجارة فى الدول المتقدمة قضية لا يمكن المساومة عليها، لأنها تؤثر بشكل عكسي على حياة الملايين من المزارعين الفقراء في بلادنا".


ويزداد القلق الهندي أيضا بشأن أسعار الغذاء عالميا. ففى الشهور الأخيرة، فرضت الهند بعض الضوابط التصديرية على الأرز فى محاولة لحماية المستهلكين من ارتفاع أسعار الأرز عالميا. وتتهم الولايات المتحدة نيودلهي بإتباع سياسة تضر بجيرانها في جنوب آسيا، وترفع من الأسعار العالمية، وتربك الأسواق الدولية.


وتسعى الهند إلى الوصول إلى الأسواق الكبرى لاقتصاديات الدول المتقدمة، لكنها تريد فى ذات الوقت الحفاظ على مرونة التوصل إلى سياسات تجارية استراتيجية وليست سياسات قائمة على مبدأ "دعه يعمل" المتعلق بحرية التجارة. فقد عارضت الهند التصديق على قانون التجارة المتعلق بحقوق الملكية الفكرية، ومعايير العمل، والمعايير البيئية التى طرحتها منظمة التجارة العالمية بحجة أن هذه وسائل حمائية تفرضها الدول المتقدمة على الدول النامية. كما عارضت الهند بقوة سياسات الولايات المتحدة لدعم القطن تحت ذريعة أن ذلك سيؤدى إلى خفض أسعار القطن الهندى بشدة، وهو المحصول النقدي التاريخي في البلاد.


وفى قطاع الخدمات، سعت الهند للوصول إلى الأسواق الكبرى، لكنها مع ذلك تريد حماية مناطقها الخاصة. وهنا نجد أن موقف الهند قريب بشكل عام من موقف الاتحاد الاوربى والولايات المتحدة. وفى مجال التفاوض على فتح الأسواق أمام السلع غير الزراعية تريد الهند تخفيضا فى عدد من الحواجز غير الجمركية الغربية، فى الوقت الذى تقاوم فيه، وباستماتة، مطالب الاتحاد الأوربى والولايات المتحدة بالبدء فى إزالة بعض حواجزها الحمائية المتبعة أمام تجارة السلع المصنعة. كما تمثل اتفاقية حقوق الملكية الفكرية قضية شائكة، ذلك لأن الملكية الفكرية قد تبدو من المنظور الهندي شكلا من أشكال الحمائية المقنعة. فلدى الهند صناعة دوائية خلاقة، توفر الدواء للعديد من دول العالم الثالث.


كما تندفع الهند نحو إحداث تغيرات فى إجراءات مواجهة الإغراق والرسوم التعويضية. وقد استخدمت الهند موقفها الدبلوماسى المنيع فى جنيف لمقاومة أية تنازلات في الاتفاقات الزراعية وحقوق الملكية الفكرية دون أن تنال في المقابل ما تريده من تنازلات من قبل الدول المتقدمة على القوانين والخدمات.


وبحسب كبير مفاوضي الهند فى جنيف راول خولار فإنه " فى المفاوضات الزراعية فان مصالحنا دفاعية...وسنتخلى فى نهاية المطاف عن بعض إجراءات الحماية دون أن نكسب الكثير. وفى مجال حقوق الملكية الفكرية فإن التعريفات الجمركية فى الدول المتقدمة منخفضة لدرجة لا يمكن معها جنى كثير من المكاسب. وفى مجال التبادل يمكن أن تكون هناك مكاسب للجميع. وما يشغلنا هو تحقيق مكاسب عبر فتح مزيد من أسواق الدول المتقدمة أمام السلع الهندية المتخصصة، فضلا عن ترشيد القوانين الضابطة.


الهند ونموذج التنمية البديل


ساعد صعود شرق آسيا فى إعادة صياغة كلا من نظريتي التنمية الاقتصادية والوصفة السياسية لعدد من الدول التى كانت تسعى لتدعيم مسارها التنموي. لم يكن الدرس غائبا عن مخيلة زعماء الهند. فخلال زيارة قام بها مانموهان سينغ فى 1989 لكوريا الجنوبية صدمت الرجل حقيقة كون تلك الدولة كانت تقف تقريبا عند نفس مستوى التنمية في الهند عام 1945 ولكنها تمكنت خلال 40 سنة من مضاعفة معدل الدخل الفردى ليتجاوز نظيره الهندى بنحو 10 مرات.



تسعى الهند إلى الوصول إلى الأسواق الكبرى لاقتصاديات الدول المتقدمة، لكنها تريد فى ذات الوقت الحفاظ على مرونة التوصل إلى سياسات تجارية استراتيجية وليست سياسات قائمة على مبدأ "دعه يعمل" المتعلق بحرية التجارة
وتجنى الهند اليوم ثمار منهجها فى التحرر الاقتصادى وفتح الأسواق، ومن المحتمل أن تصبح بدورها نموذجا لدول نامية أخرى مازالت مكبلة فى مصيدة الفقر. ومنذ نهاية الحرب الباردة، ربطت الهند بشكل واعٍ بين مسارها التنموى ومثلها الديموقراطية. ففى 1999، أصبحت الهند واحدة من عشر دول مؤسسة لمبادرة التجمع القومي، وقد أعرب مانموهان سينغ عقب توليه منصب رئاسة الوزراء بالقول " لو أن هناك فكرة تصور الهند وتعرفها لكانت هي تلك الفكرة التي تقدم الهند كمجتمع شامل يتمتع بالانفتاح والتنوع الثقافى والتعدد العرقي واللغوي، لدينا في الهند التزام نحو تاريخ الإنسانية بأن نضمن فاعلية هذا التنوع. ولعل الديمقراطية الليبرالية هي النظام الطبيعي للتنظيم السياسي لعالمنا المعاصر. فكل الانظمة البديلة، شمولية كانت أو جماهيرية باختلاف درجاتها، ليست سوى انحراف عن الطريق القويم".

تمتلك الهند ديموقراطية أصيلة نسبيًا مقارنة ببقية العالم النامي، ويتمتع الشعب الهندى بحق الاقتراع منذعام 1951. وقد توقع الكثيرون فى مستهل الديموقراطية الهندية أن تلك الديموقراطية الضخمة لايمكن أن تستمر طويلا، غير أن ذلك كان مخالفا لما أثبته الشعب الهندى الذي ازدهرت ديمقراطيته يوما بعد يوم.


ويعتقد المفكر الاقتصادي الهندي الأصل والحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 1998 "أمارتيا سن" أن التقاليد الديموقراطية الهندية أقدم من نظيرتها الأوربيه وتتمتع بسمات فريدة مميزة.


فبنية الديموقراطية الهندية سهلت عملية التفاوض والتعبير عن وجهات النظر المختلفة بين الأطراف المتعددة المساهمة فى السياسات الوطنية للبلاد. وقد تمكنت هذه القيم الديموقراطية العريقة في الهند من إكساب الثقافة السياسية المميزة فى البلاد قدرة عالية على التوحد والتماسك.


وبالتعبيرات الديموقراطية يمكننا القول إن الهند قد استوفت كل المسوغات اللازمة. فلديها نظام برلمانى مستقر ونظام اقتراع منتظم، حر ونزيه؛ كما أن نسبة مشاركة الناخبين فى الاقتراعات عالية، وهناك تداول سلمي للسلطة. وتتمتع الدولة بسلطات راسخة، كما أن الصحافة حرة ونابضة بالحياة.


لكن في ذات الوقت تتسم صناعة القرار الهندى ببطء شديد، ولم تحقق الاصلاحات تقدما كبيرا على نحو ما يأمل الكثيرون. ولعل إحدى المشكلات التحليلية للسياسة الاقتصادية فى الهند تكمن في ضرورة إدراك أنها دولة فدرالية تتمتع بقدر عالٍ من اللامركزية. فالمجالس البرلمانية على مستوى الولايات تمارس سلطاتها بشكل فعال، وقد يؤدى ذلك إلى توتر كبير مع السلطات المركزية وهو ما ينتج عنه قدر من الارتباك السياسي. ولعل الأهم بالنسبة لأغلبية المواطنين فى الهند هو توزيع الثروة، ويؤدي ذلك إلى تعقيد عملية الإصلاح وأحيانا يحول المداولات الديموقراطية إلى صراع من أجل اقتسام الغنائم. ويحتاج ذلك كله إلى تسوية بطريقة ديمقراطية.


كما يؤدى التطور السياسى الحديث للهند إلى المزيد من التعقيد في تفاصيل القصة. فحزب  المؤتمر عرف تراجعا في نصيبه من أصوات الناخبين في السنوات الأخيرة، مما جعله يبحث عن شركاء لتكوين حكومة ائتلافية. وعلى مستوى الولايات ظهر عدد من الأحزاب ذات المرجعية الإقليمية والطبقية. وفى مقدمة ذلك التحول صعود حزب الشعب الهندوسي ـ ذو التوجهات الهندوسية والقومية المغالية ـ ليصبح ثانى أكبر الأحزاب السياسية فى الهند. ومن ثم فإن بعض الأقاليم الهندية لاتوجد بها مطلقا تمثيلية لحزب المؤتمر، رغم أنه الحزب الحاكم اليوم.


وينتقل القرار السياسي في الهند من رئيس الوزراء إلى عدد لانهائي من المؤسسات داخل وخارج الولايات، كما أن الائتلاف الحاكم الآن يضم أعضاء من الحزب الشيوعى والحزب الاجتماعى الجماهيرى. ويسود بعض القلق حول سلطة الحكم في البلاد، والطريقة التى يتم بها تعقيد عملية اتخاذ القرار نتيجة توزع السلطة بين المركز والولايات.


ولا تقدم القيم الديموقراطية للهند سمة أيديولوجية لهذه الدولة تميزها عن منافسيها الإقليميين فى الصين وباكستان فحسب، بل إن هذه القيم تؤكد أيضا على الأساس المشترك للتفاهم مع الغرب. ولا تزال الهند ممانعة في التخلي كلية عن دورها التاريخى كرائدة لحركة عدم الانحياز، كما لاتندفع نحو إقامة تحالفات جديدة يمكن أن تؤثر سلبا على مكانتها الدولية التقليدية. وقد صار من البديهيات فى الغرب القول بان إصلاحات السوق تمضي يدا بيد مع الإصلاحات الديموقراطية. وتبدو هذه العلاقة التلازمية جلية في دول وسط وشرق أوربا، وتحظى هذه الروابط دون شك بدعم من خلال الإشارات التي يرسلها كل من الاتحاد الأوربي وحلف النيتو مرحبا بانضمام هذه الدول إليه.


ومع هذا فإن الربط بين عملية الدمقرطة والتحرر الاقتصادي ليس ربطا آليا مباشرا. ويتضح ذلك في النموذج الصيني، حيث ما زال  الحزب الشيوعي يمارس سيطرة شاملة على الحياة السياسية، رغم  أنه يقدم ضمانا لقوى السوق كي تعمل بشكل مستقل ذاتيا. وروسيا حالة أخرى ملفتة للإنتباه، حيث تزايدت عملية الدمقرطة بالموازاة مع وحشية السوق الحر، ومن ثم يبدو كل منهما (الديموقراطية والسوق) مشوها لسمعة الآخر في عيون كثير من المواطنين الروس. بينما تقدم الهند بديلا بالغ الأهمية لكل من النموذجين الصيني والروسي.


ولم تقم غالبية الدول الأوربية، والدول المسماة بالنمور الآسيوية، بإرساء نظام اقتراع إلا بعد أن أرست قاعدة تصنيعية. ولعل هذا النهج الخاص من التنمية يحد من المقاومة السياسية للتغيرات الاجتماعية والاقتصادية المفاجئة، تلك المقاومة النابعة من شرائح اجتماعية قد تعاني في المدى القصير والمتوسط من حدة مثل هذه التغيرات. أما الهند فقادرة في المقابل على إدارة هذا النوع من الاضطراب بقدر كبير من الديموقراطية. فكفاءة الهند لإرساء توافق ديمقراطي عام ربما يفسر بطء مسارها الإصلاحي.


ومن الجدير بالملاحظة أن التفاوت الكلي في توزيع الثروة أقل من نظيره في حالة الصين. فحسب مؤشر جيني Gini Index -والذي يقيس عدم التساوي في الدخل اعتمادا على مقياس يترواح بين صفر و100 درجة- فإن المعدل يبلغ في الهند 33 مقارنة بـ 45 في الصين. ويشير هذا إلى أن سياسات إعادة توزيع الثروة التي تتبعها الهند -والتي تؤدي إلى تباطؤ النمو- قد تحدث أيضا زيادة متوسطة في التفاوت في الدخل، ومن ثم ترفع من الحد الأدنى للتوافق الوطنى العام في مجتمع يتميز حكامه بقدر كبير من الديموقراطية. وبناء على هذا، فإن إصلاح السوق في الهند يمثل حلا وسطا فريدا من نوعه بين المدافعين عن حرية السوق وأولئك المهتمين بسياسات رعاية الفقراء. وربما تتمكن الديموقراطية من التوصل إلى أرضية مشتركة لتحقيق توزان بين هذين المطلبين.


وتجد المجتمعات الديمقراطية المتسارعة النمو نفسها مضطرة للاستجابة للضغوط السياسية من أجل جبر فجوة الثروة التي عادة ما ترافق مراحل الانطلاق الاقتصادي الناجح. وتعمل النخبة السياسية الهندية من أجل احتواء هذه الفجوة، وإن كان الوصول إلى عدالة متوازنة في ظل الدينامية الاقتصادية  مهمة صعبة في واقع الأمر. وقد أظهرت دراسة أجراها المسح القومي الانتخابي في عام 2004 أن الغالبية الأكثر فقرا في الهند تعتقد أن الإصلاحات الاقتصادية أفادت الأثرياء في المقام الأول.


ويذهب البعض إلى أن الفقراء يرون بأن الإصلاحات الاقتصادية تستثنيهم بينما تفيد الآخرين. ويقترح بعض الاقتصاديين تبني الليبرالية الجديدة، إلى جانب حكامة رشيدة، لتحقيق جزء، على الأقل، من حل طويل الأمد لمشكلة الفقر في الهند. لكن الفقراء ومن يمثلهم سياسيا لديهم على ما يبدو تحفظات كثيرة على الإصلاحات الاقتصادية، ولهؤلاء نفوذ كبير في ديموقراطية الهند.


وربما يعبر ذلك بدقة عن سبب سعي الحزب الحاكم في الهند لتحقيق توازن في النمو مع عدالة في التوزيع، وذلك من خلال دفاعه عن بعض مبادئ النظام الاقتصادي القديم القائم على تدخل الدولة في السوق. ومن الناحية السياسية يبدو من المخاطرة إلحاق ضرر ولو قصير الأمد بحق مجموعات سكانية فقيرة لإرساء قواعد قد تحقق مكاسب عامة على المدى الطويل. ففي حقيقة الأمر لا تعمل الدورات السياسية والاقتصادية بطريقة متزامنة، وتشعر المؤسسة الحاكمة في الهند بحدة هذا التناقض، خاصة مع نزوع هذه المؤسسة إلى التحرك بسرعة نحو إصلاح سوق العمالة والخصخصة والتحرر من القيود.





الفقراء ومن يمثلهم سياسيا لديهم تحفظات على الإصلاحات الاقتصادية، ولهؤلاء نفوذ كبير في ديموقراطية الهند، وهذا سبب سعي الحزب الحاكم في الهند لتحقيق توازن في النمو مع عدالة في التوزيع، وذلك من خلال دفاعه عن بعض مبادئ النظام الاقتصادي القديم القائم على تدخل الدولة في السوق
وربما يكون ذلك ثمن الإصلاحات الاقتصادية المتجذرة في الديموقراطية الهندية، وإن كان من المحتمل أيضا أن تصبح هذه الإصلاحات مصدر قوة في ذات الوقت لو تمت إدارتها في النهاية من أجل بناء توافق شعبي عام أكبر وأشمل حول الأسواق ودورها في توسعة رقعة الرفاهية.

وتشتهر الهند بتنوع بالغ، وقد لعبت دورا رئيسيا في دعم تماسك طوائفها العرقية المختلفة والإبقاء عليها داخل المسار الوطني الرئيسي للحياة السياسية والاقتصادية. غير أن سجل العلاقة بين هذه الطوائف لا يتسم دوما بالانسجام، فهناك حالات من التطاحن والصدام. ويمثل الصعود الحديث للقومية الأصولية الهندوسية ذات التوجه الراديكالي أخطر التهديدات التي تحيق بالرؤية العلمانية الدستورية التي تتسم بها الليبرالية الهندية. ويعد اتساع فجوة الثروة بين السكان المسلمين والهندوس أحد المصادر الدائمة الباعثة على القلق خاصة مع تدهور الحالة الاقتصادية للمسلمين، وإن كانت هناك عوامل أخرى إلى جانب ذلك.(****) 


وتعد موجه العنف التي شهدتها ولاية جوجارات في عام 2002 – حين لقي 2000 مسلم حتفهم ردا على احتراق 58 هندوسيا في عربة قطار تحمل حجاجا هندوسيين ـ نموذجا من تلك الأحداث التي يمكن أن تثير قدرا كبيرا من الاضطراب وعدم الاستقرار. ولهذا السبب يحاول قادة الهند الحيلولة دون تمكن السياسات الطائفية من تعطيل نجاح الجهود الساعية إلى تعزيز الحوار الوطني الداخلي. وتقدم المؤسسات الديموقراطية في الهند وسيلة فاعلة لتعزيز مثل هذا الحوار، وتشجيع الوصول إلى تسوية سلمية.


ولا يمكن للمرء أن ينكر العامل الديموقراطي حين يقارن الهند بالصين. فالهندسة السياسية في البلدين تشكل أعمدة بناء الاقتصاد، فضلا عن صياغة التوجهات التي تحدد السياسات الاقتصادية. ففي الديموقراطيات الرشيدة، لا يمكن للسلطة المركزية أو حكومات الولايات فرض إصلاحات فوقية دون التشاور مع الشعب، صاحب الأصوات الانتخابية. إذ ليس أمام مثل هذه الحكومات سوى السعي لتحقيق قدر من التوافق الوطني العام بين الأطراف المعنية. وفي مجتمع مثل الهند غني في تنوعه العرقي واللغوي والديني، تتسم عملية التوافق الوطني العام ببطء شديد، وتتعرض لمد وجزر بين الاخفاق والنجاح. 


وتتم المداولات الديموقراطية في الهند عبر تركيبات سياسية متشعبة، تضم الأحزاب السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، ووسائل الإعلام، والمسؤولين المنتخبين محليا، والعديد منهم من النساء. وتساعد هذه العملية في تحديد المشكلات، وتحاط الدولة علما كي تجد لها حلاً. ولعل في ذلك دلالة واضحة على ديموقراطية الهند. ففي واقع الأمر يعد العامل الديموقراطي ـ أكثر من أي عامل آخر ـ المسؤول عن لم شمل تلك الدولة ذات الأطراف الشاسعة، و التنوع الشديد و الفقر الكثير.


ويتمثل التحدي الذي يواجه الهند اليوم في بناء مؤسسات اقتصادية بديلة قادرة على التوافق مع مجتمع عالمي موحد وأكثر ديموقراطية، والحفاظ، في نفس الوقت، على حوار ديمقراطي نابض بالحياة.


وتكمن خطورة هذا التحدي في أن الدولة ما تزال غير فاعلة ومتشبثة بطرق بالية في تنظيم الحياة الاقتصادية، خاصة أن هناك مدافعين أشداء عن سياسة الوضع الراهن في الهند اليوم.  


وينعكس نمو الدخل الهندي على ارتفاع حجم الاستهلاك، والذي بلغ في 2005 ما يعادل نحو 64 % من إجمالي الناتج المحلي. وهو أعلى من نظيره في أوربا (58 % ) وفي الصين (42 %). ولعل النمو الاقتصادي المدعوم بالطلب الداخلي يمكن أن يساعد في حماية الهند نسبيا من تراجع الاقتصاد العالمي، ويدحض الإدعاء الذي يقدمه البعض من أن نموذج التصدير الشرق آسيوي هو المسار الوحيد للازدهار التنموي. 


وقد تمثل الهند مسارا تحديثيا أكثر أمنا من الناحية السياسية، وذلك لأنها تجمع بين ميزة التكامل والاندماج في الاقتصاد العالمي إلى جانب صغر حجم فجوة الثروة في اقتصادها. وهناك بالطبع تفسير آخر لذلك الانجاز. فالسوق الهندي الداخلي ضخم للغاية ومن ثم فهي في وضع أفضل من دولة مثل سنغافورة، ولديها القدرة بالتالي على تركيز معظم طاقتها الاقتصادية لتلبية حاجة مستهلكيها المحليين.


ويلعب مستثمرو القطاع الخاص دورا مركزيا في التنمية الهندية المتسارعة. في الوقت الذي تمثل فيه الشركات المملوكة للدولة والمؤسسات الأجنبية محركات الدفع الأساسية في حالة الاقتصاد الصيني القائم على النموذج التصديري. وما تزال مؤسسات الإقراض الصينية تفضل التعامل مع الشركات المملوكة للدولة، بينما لا تتلقى الشركات الخاصة سوى 10 % من القروض المسجلة المتاحة. ويصل هذا الرقم في الهند إلى 80 %. غير أن هذه الأرقام قد لا تظهر بوضوح الحقيقة كاملة، أخذا في الاعتبار النزوع الصيني نحو التعامل مع شبكات التمويل الذاتي أو الشبكات الأسرية وذلك من أجل رفع حجم رأس المال المستثمر.


ومن الجدير بالذكر أيضا أنه في الوقت الذي تستحوذ فيه الشركات الهندية المملوكة للقطاع الخاص على معظم تجارة الهند الخارجية، تخرج معظم الصادرات في الصين من شركات غير صينية. ويعبر هذا جزئيا عن القيود التي يستمر فرضها على عمل الشركات الأجنبية في الهند. وإن كان ذلك يكشف الكثير أيضا عن طبيعة قطاع الأعمال الهندي الأقرب إلى نظام المقاولات.


حققت الصين نجاحها المدوي في عالم التصدير اعتمادا على انخفاض تكلفة الأيدي العاملة وبراعتها التنظيمية واستخدامها لعواملها الإنتاجية بشكل أكثر فاعلية مقارنة بالهند. لقد أصبحت الصين واحدة من دول العالم الأولى في التصنيع من خلال مراكز التجميع الصناعي و قدرتها على استقدام عشرة ملايين عامل من الريف إلى المدن سنويا.





تشير الدراسات إلى أن المهندسين في الهند أكثر كفاءة من الناحية التدريبية من نظرائهم في الصين، وأن معين الهند الذي لا ينضب من الخريجين المؤهلين يعادل تقريبا ضعف القدرات الصينية في هذا المجال
في المقابل تتميز الهند بنمو القيمة المضافة في مجال التصدير بقطاع التكنولوجيا والخدمات. كما تخلق الهند العديد من الوظائف التصنيعية، وإن كان هذا القطاع ما زال أقل فاعلية وأدنى انتشارا من نظيره في الصين. وتشير الدراسات إلى أن المهندسين في الهند أكثر كفاءة من الناحية التدريبية من نظرائهم في الصين، وأن معين الهند الذي لا ينضب من الخريجين المؤهلين يعادل تقريبا ضعف القدرات الصينية في هذا المجال.

وتعاني أكثر من نصف النساء في الهند من الأمية، بينما تصل هذه النسبة إلى 14 % فقط في الصين. وهذه المشكلة هي عنق الزجاجة في مسيرة التنمية الهندية، حيث يشير الاقتصاديون إلى أن مفتاح التنمية الهندية في المستقبل مرهون بالتعليم في الريف.


وكما اشرنا من قبل، فإن عدد الوظائف التي يتيحها مجال صناعات المعرفة والخدمات ضئيل بالنسبة للمخزون الضخم من سوق العمالة في البلاد. فعلى سبيل المثال يوظف قطاع البرمجيات أقل من 0.5 % من العمالة الهندية بينما يسهم في إجمالي الناتج المحلي بنحو 5 %. وتعد العمالة الهندية المختصة في تقنية المعلومات ذات كفاءة عالية، تلقى جزء كبير من أفرادها درجات علمية من الغرب، و هم أبطال قصة النجاح السريع في الهند.


وسرعان ما أدركت شركات تقنيات المعلومات والخدمات الأجنبية أن في الهند ميزة التكلفة الأقل، كما لمست بالمثل الكفاءة العالية للعمالة المختصة في مجال هندسة العلوم والخدمات. وقد أقامت 125 شركة كبرى، من أصل 500 شركة على مستوى العالم، مراكز أبحاث وتنمية على الأراضي الهندية. في المقابل دفعت الصين نفسها للأمام عن طريق البدء أولا بإتقان الحد الأدنى من دورة الإنتاج، رغم أنها تتحرك الآن بخطى سريعة نحو الإنتاج المعقد والمتقدم، ويعود الفضل في ذلك جزئيا إلى قدراتها التنظيمية العالية وقوتها العاملة دائمة التطور المهاري. 


اقتصاديات الطاقة


تمثل الهند اليوم، بحجمها السكاني الضخم واقتصادها الآخذ في التوسع السريع، سادس أكبر مستهلك للطاقة في العالم. وحتى تحافظ الهند على معدل نمو مقداره 6 % سنويا خلال العقدين المقبلين، ستضطر لزيادة استهلاكها من الطاقة بنحو 5 % سنويا. وإذا كانت تستورد اليوم 70 % من إجمالي ما تستهلكه من النفط، فسيرتفع هذا الرقم في عام 2020 إلى 90 % بحسب مؤشرات الاستهلاك الحالية. ومن ثم أصبحت الهند فاعلا أساسيا في أسواق الطاقة العالمية، ويسهم طلبها المتزايد على الطاقة في تحديد الأسعار العالمية لهذه الموارد الاقتصادية.





تمثل الهند سادس أكبر مستهلك للطاقة في العالم. وحتى تحافظ على معدل نمو مقداره 6 % سنويا خلال العقدين المقبلين، ستضطر لزيادة استهلاكها من الطاقة بنحو 5 % سنويا. وإذا كانت تستورد اليوم 70 % من إجمالي ما تستهلكه من النفط، فسيرتفع هذا الرقم في عام 2020 إلى 90 % بحسب مؤشرات الاستهلاك الحالية
وتصطدم الهند باختناقات حقيقية في إمدادات الطاقة، وستحتاج إلى زيادة طاقتها الإنتاجية بشكل عاجل. كما أنها تعاني من ارتفاع كلفة إنتاج الطاقة الكهربائية، خاصة وأن إمدادات الكهرباء لا يمكن الاعتماد عليها بشكل كامل في كثير من الأحيان. والهند مثل الصين مضطرة لتأمين مصادر طاقة قادرة على تأمين احتياجات نموها المتسارع. وقد مضت الهند في سعي محموم لشراء الطاقة لتأمين احتياطات دائمة منها. وذلك عن طريق تركيز معظم جهودها في آسيا الوسطى وإيران، على نحو ما فعلته مثلا من خلال المشاركة في تطوير استخراج النفط من حقول كازاخستان. 

وكان للسياسة التي نهجتها الحكومة الهندية بتوفير الدعم للوقود تأثير سلبي على سوق الطاقة الداخلي. حيث أدت سياسة الدعم هذه -والتي يفترض أنها تقدم حلا ولو جزئيا لعلاج مشكلة الفقر- إلى الإفراط في استهلاك الوقود في البلاد. مما زاد من تعقيد مهمة الجهات الاقتصادية المسئولة عن اتخاذ خطوات فعلية بناء على مؤشرات أسعار الطاقة، خاصة في ظل الارتفاع الحاد في أسعار النفط والغاز خلال السنوات الأخيرة. 


وقد ألقى ذلك بضغوط شديدة على ميزان المدفوعات، رغم أن الهند تحتفظ باحتياطي نقدي مقداره نحو 300 بليون دولار.  ومن الناحية الشكلية استخدمت الحكومة سياسة الدعم في أفق تبني سياسة الرفع التدريجي، المدروس بدقة، لأسعار الوقود. ولعل السبب الحقيقي من وراء تلك السياسة كون المواطن الهندي غير مستعد لقبول الزيادة المفاجئة في أسعار الطاقة. ويعد الدعم في كل الأحوال بالغ الكلفة وليس مثاليا من الناحية الاقتصادية. وقد قلصت الحكومة مؤخرا من الدعم بنسبة 10 %، وهي خطوة أثارت ردة فعل قوية من قبل اليسار واليمين على السواء.


وعلى المستوى المحلي، أدى خفض الدعم عن الوقود الى ارتفاع أسعار البنزين بمقدار 5 روبيات لكل لتر، والديزل بمقدار ثلاث روبيات لكل لتر. وتحول النسبة المرتفعة للضرائب المفروضة على البنزين من وصول الدعم فعليا إلى المستهلك. وفي الواقع فإن أسعار البنزين في الهند أعلى من نظيرتها في الولايات المتحدة، في حين يباع الديزل بأسعار منخفضة بشكل غير واقعي. وما تزال الشركات النفطية المملوكة للدولة تتكبد خسائر تكلف الحكومة ما قيمته 2-3 % من إجمالي الناتج المحلي. والخط الذي تنتهجه الحكومة يعتبر أن الدعم يقدم مظلة واقية لفقراء البلاد من سطوة الاقتصاد العالمي، غير أن الدلائل تشير إلى أن الأكثر انتفاعا من هذه السياسة هم ملاك السيارات من الأثرياء ومن الطبقة الوسطى.


ويتوجه جزء كبير من الدعم الحكومي عموما للصناعات ذات العمالة الكثيفة والتي تخلق فرص عمل جديدة. كما أن الخلل الواقع بين أسعار الديزل والكيروسين مقابل أسعار البنزين يؤدي إلى عملية خلط الوقود ذات الأثر السلبي على البيئة. ولاشك أن إعادة ضبط أسعار الوقود ستقدم الكثير للصناعة الهندية وتجعلها أكثر شفافية وترفع من الرصيد الحكومي الذي يمكّن الدولة من الإنفاق على برامج الحد من الفقر. وإذا كان ذلك يواجه بمشاعر متعاطفة فلا بأس من الإبقاء على دعم الوقود استجابة لكون "الدعم" رمزا من رموز التزام الدولة تجاه الفقراء.


ويعمل نظام تسعير الغاز الطبيعي في الهند وفق بنية مختلفة عن تسعير أسعار الوقود النفطي. فأسعار البترول العالمية تختلف تبعا لاختلاف أسعار النفط الخام، وتعدل الحكومة الهندية نظام الدعم الذي تقدمه من أجل الحفاظ على أسعار محلية ثابتة للنفط. في حين ليس هناك حد ثابت للأسعار العالمية للغاز الطبيعي، ويتحدد السعر عادة على المستوى الإقليمي وحسب المفاوضات الجارية بين الموردين والمستهلكين. 


وتقدم الهند عادة دعما لأسعار الغاز الطبيعي تبعا لآلية حكومية لتحديد الأسعار، وتنتج الهند معظم الغاز الطبيعي المستهلك محليا.  وقد شهدت السنوات الأخيرة، عموما، زيادة الطلب على الغاز الطبيعي بما يفوق قدرة الآلية الحكومية لتحديد الأسعار على توفير الإمدادات محليا.


وفي عام 2000، قدمت الحكومة الهندية مخططا للترخيص باستكشافات جديدة للغاز الطبيعي، وتقوم هذه السياسة على تشجيع استثمار القطاع الخاص في مشروعات جديدة للغاز الطبيعي مع وعد بترك السوق يحدد أسعار الغاز.


ومع زيادة الإنتاج من خلال استكشاف المزيد من الحقول في أحواض كريشنا-جودافاري ومهانادي، تتراجع قدرة الآلية الحكومية لتحديد الأسعار على التحكم في سعر الغاز الطبيعي، وتزداد في المقابل فرص تحديد السوق لسعر الغاز. وما تزال الهند مع ذلك تحتفظ بحصة الحكومة في تحديد الأسعار المدعمة للغاز في القطاعات المركزية مثل قطاع الطاقة الكهربائية وإنتاج المخصبات الزراعية، والتي تستهلك 70 % من إمدادات الغاز الطبيعي في البلاد.


وكانت الحكومة قد أعلنت في مايو/أيار 2005 عن رفع أسعار الغاز بنسبة 12 % في القطاعات المدعمة المشار إليها سابقا، كخطوة يتوقع منها أن ترفع الإيرادات الحكومية وتحقق نقلة في سياسة الاستكشافات الجديدة ومنح حقوق التنقيب وتحديد الأسعار بناء على آلية السوق.


ومنذ نهاية عام 2007 دفع التضخم وارتفاع أسعار الوقود بالآلية الحكومية لتحديد الأسعار إلى رفع الأسعار بشكل لا يمكن تحمله، لكن الحكومة تواجه معارضة قوية تجاه محاولاتها إعادة هيكلة الأسعار، خاصة أن الوعد بوقود رخيص يعد نقطة السبق الأساسية التي تغازل بها الأحزاب اليسارية جموع الناخبين من فقراء الهند.


وقد انتشرت المعارضة في كافة أنحاء الهند بعد رفع أسعار غاز الطهي بنسبة 25 % عن أسعاره المدعومة من قبل الدولة، في ظل عدم الاستقرار في تحالف الجبهة اليسارية المتحدة الذي بلغ ذروته خلال إعادة هيكلة سياسات مجلس الشعب الهندي (لوك صابحا) وذلك في أعقاب التصويت على اقتراع بالثقة على الاتفاقية النووية مع الولايات المتحدة، أجري في 22 يوليو/تموز 2008.





تتفاوض الحكومةالهندية مع دول آسيا الوسطى من أجل استغلال مخزون النفط والغاز في تلك المنطقة، هذا على الرغم من أن أية خطوط للأنابيب ستأتي من آسيا الوسطى لابد أن تمر، بالضرورة، عبر أفغانستان؛ من هنا يمكن تفسير أحد أسباب الاهتمام الهندي المتزايد بأفغانستان
وسعيا منها إلى تأمين الوصول إلى موارد جديدة للطاقة، استثمرت الهند في مشروعات بناء سدود ضخمة على الأنهار من أجل توليد الطاقة الكهربائية مثل مشروع ساردار ساروفار في وادي نارمادا، والذي يثير جدلا بسبب فرضه تهجير السكان المحليين من شعب الأديفاسي من موقع البناء. كما تتفاوض الحكومة مع دول آسيا الوسطى من أجل استغلال مخزون النفط والغاز في تلك المنطقة، هذا على الرغم من أن أية خطوط للأنابيب ستأتي من آسيا الوسطى لابد أن تمر، بالضرورة، عبر أفغانستان؛ ومما سهّل التفاوض بين الطرفين موقع الهند كعضو مراقب في منظمة شنغهاي التي تضم ضمن عضويتها دول آسيا الوسطى.

يرتبط النمو الاقتصادي السريع في الهند بحزمة جديدة من التحديات المناخية، ويلقي بظلاله في ذات الوقت على القضايا البيئية العالمية محل الاهتمام، وفي مقدمتها قضية التغير المناخي. فارتفاع الطلب على الطاقة يرتبط بشكل وثيق بالتصنيع والنمو السكاني، لكن لاستخدام تلك الطاقة تداعيات بيئية ومناخية بالغة التأثير على أقاليم بعينها وطبقات اجتماعية دون الأخرى. ومن ثم يتحتّم على الهند أن توازن بين النمو الاقتصادي وحماية البيئة. وقد قاومت الحكومة الهندية بشجاعة أي نوع من المساومة بين السياسة التجارية والبيئة.


ومع ذلك يمثل التدهور البيئي تحديا خطيرا للاقتصاد الهندي والتنمية المستقبلية المستدامة. فاجتثاث الغابات في الهيمالايا تمثل نموذجا للمعضلات التي يواجهها زعماء الهند على المستوى الوطني والمحلي. لأن إنتاج الأخشاب والزراعة في المرتفعات الجبلية الهندية يسهمان بشكل مباشر في وقوع كوارث الفيضانات في الأراضي السهلية المنخفضة. فقطْع غابات الهيمالايا يتسبب في فيضانات ذات كلفة بشرية مرهقة نظرا لما تلحقه من خسائر في المحاصيل، وحياة البشر والممتلكات. ورغم وعي الحكومة بالأبعاد المعقدة للمشكلة إلا أن حاجتها لمنافع قصيرة الأمد ولاستخراج الموارد لتلبية الحاجة المتزايدة للنمو الاقتصادي يحول دون قيامها بتدابير فعلية لحل المشكلة.


وقد عالج بعض المحللين النمو الاقتصادي الهندي بمعايير منحنى كوزنيتس Kuznets curve، الذي تظهر عليه المستويات المتدنية والعالية من التنمية في علاقة بالظروف البيئية والصحية، بينما المنطقة الواقعة على هذا المنحنى بين المستويين، والتي تعيشها  الهند اليوم، تدل على تدهور بيئي شديد. ويتضح هذا النمط أيضا في مشكلة التلوث الهوائي. وتعتمد جودة مياه الشرب على عدد من العوامل المحلية. ففي ولاية كيرلا على سبيل المثال ترتبت مشكلة تدهور جودة مياه الشرب وتدمير غابات المنجروف (شجر الشورى) عن الاعتماد على تقنيات متدنية كالألياف المتعفنة المصنوعة من ثمار جوز الهند. في حين يمكن أن يؤدي الاعتماد على وسائل أفضل في هذه المنطقة إلى تحسين جودة المياه.


وقد عارضت الهند على الدوام فرض قوانين بيئية من خلال مفاوضات منظمة التجارة العالمية. وتزعمت تحالفا من الدول النامية لمقاومة محاولات الدول المتقدمة جعل المعايير البيئية ضمن العناصر الأساسية لشروط الاتفاقات التجارية.


كما رفضت الهند المقترحات التي قدمتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي للحد من الرسوم الجمركية على السلع المتوافقة مع البيئة، نتيجة اعتبارها الأمر محاولة مكشوفة لتسهيل وصول سلع الاتحاد الأوربي والسلع الأميركية إلى الأسواق العالمية، واعتبرت الهند المقترحات المطروحة لفرض حظر على دعم المصائد السمكية من أجل حماية المخزون السمكي الطبيعي بمثابة تهديد لحياة الصياديين الفقراء في الهند. وقد أعرب عدد من الدول المتقدمة عن أسفه لعدم توقيع الهند على اتفاقية كيوتو. وتدافع الهند عن موقفها على أساس أن معدل الفرد لديها من انبعاث الملوثات الصناعية لا يتجاوز ربع المعدل العالمي، وأن انبعاث الملوثات من مصادر إنتاج الغذاء في الهند لا يمثل سوى 4.5 % من حجم ما يصدر عن الدول المتقدمة في هذا الصدد، وفي مقدمتها الولايات المتحدة.


الأبعاد الجيوسياسية


يلقي القلق الهندي حول أمن الطاقة بظلال ثقيلة على موقف البلاد من الأمن الجيوسياسى، فانشغال البلاد بقضايا الطاقة عمّق من التحالفات العسكرية فى الإقليم، ودفع بالهند نحو إرسال تمثيل عسكري صغير إلى طاجيكستان، وإلى توقيعها اتفاقية مع إيران لإقامة محطة تسييل الغاز الطبيعى، ومدّ خط للأنابيب. وانصبّ الحوار مع إيران بشكل مباشر على الاتفاق الأمنى، بما فى ذلك إجراء مناورات عسكرية بحرية مشتركة، واتفاقات صيانة وتدريب عسكري. هذا التقارب مع إيران قد يؤثر سلبا على علاقة الهند ببعض الدول الاوربية، كما أنه أثار قلق بعض أعضاء الكونجرس الأميركي.
 



يلقي القلق الهندي حول أمن الطاقة بظلاله على موقف البلاد من الأمن الجيوسياسى، فانشغال البلاد بقضايا الطاقة عمّق من التحالفات العسكرية فى الإقليم، ودفع بالهند نحو إرسال تمثيل عسكري صغير إلى طاجيكستان، وإلى توقيعها اتفاقية مع إيران لإقامة محطة تسييل الغاز الطبيعى، ومدّ خط للأنابيب
ولدى الهند رغبة عارمة فى فرض موقف مؤثر على النظام العسكرى فى بورما، على الرغم من أن رغبتها هذه لا تلقى استحسانا من الغرب. وتندفع الهند فى ذلك الاتجاه نتيجة تنافسها مع الصين للهيمنة على تلك الدولة، إضافة إلى رغبتها فى تأمين نصيب من مخزون الغاز الطبيعى فى بورما التي تضم نحو 10 تريليون قدم مكعب من الغاز، فضلا عن احتياطيات محتملة من المياه الجوفية.

وتصارع الهند من أجل اللحاق بالصين فى سباق الطاقة المحموم. كما يقاوم زعماء الهند برباطة جأش الجهود الغربية لتبنى معايير صارمة جدا تجاه انبعاث غازات الاحترار العالمي. ويرى قادة الهند أن دولة نامية مثل دولتهم لا يمكنها الوفاء بهذه الالتزامات الصارمة. وعليه، فليس غريبا أن يسعى الموقف الهندي إلى الإبقاء على المعايير البيئية بعيدة عن المشاورات التجارية المتعدة الأطراف، رغم الآثار المدمرة التى يمكن أن تضرب أجزاءً من الهند نتيجة مشكلة الاحترار العالمي.


ويمر أكثر من نصف النفط العالمى عبر المحيط الهندي، وتلعب الهند دورا متناميا فى ضمان أمن الطاقة فى هذه المياه. ويرحب الغرب بهذا الدور الهندي. ولعل أحد الأسباب التى دفعت الولايات المتحدة لإقامة علاقات تجارية نووية مع الهند تكمن في أن تنمية قطاع الطاقة النووية الهندي يقدم وسيلة فعالة للحد من الآثار المتوقعة للنمو الاقتصادى الهندى على أسواق النفط والغاز العالمية والتي تتعرض للتقلص يوما بعد يوم.


وسيبقى قطاع المواصلات الهندى شديد الاعتماد على واردات النفط، وستستمر محطات توليد الطاقة "غير النظيفة" المعتمدة على الفحم تنتج معظم احتياجات الكهرباء فى الهند لسنوات مقبلة. وإن كان من المتوقع أن تقلل الطاقة النووية، فعليا، من استهلاك الهند الشره للخامات الهيدروكربونية، وهذا من شانه أن يحد من حجم المواد المنبعثة الضارة بالمناخ العالمي.


وإذا لم توسع الهند برنامجها النووي المدني، فستحتاج إلى استيراد وحرق ما قيمته 1.6 بليون يورو من الفحم سنويا وذلك بحلول عام 2050.


ولعل فى تغيير النظام العالمي ونمو الاقتصاد الهندي السريع ما يؤدى إلى دعم موقف الهند فى إعادة رسم مكانتها في المنطقة وفي العالم ككل. فالهند تتقدم اليوم إلى مائدة التفاوض الدبلوماسي وهي غير مكبلة بأوضاع اقتصادية متأخرة، بل راضية بمكانتها الاقتصادية الآخذة في الازدهار. ويعطي ذلك للهند ثقلا تحتاجه القوى العظمى لتولي الهند عناية واهتماما في العلاقات الدولية.


وفي الختام فإنه من المفيد الانتباه إلى أن القيادة الهندية تواجه صعوبات كبيرة للحفاظ على تماسكها ووحدتها، خاصة في مجتمع بالغ التنوع والتعدد، ويعاني من توترات على المستوى الإقليمي والديني والطبقي والأيديولوجي والفئوي، وهي توترات كفيلة بأن تحد من عملية الإصلاح الاقتصادي وقد لا تسمح بتمريرها إلا بشق الأنفس.


وفي النهاية، يمكننا القول إن الهند، مثل الصين، قدمت فصلا من ملحمة التغير الأسطوري في ميزان الاقتصاد العالمي والذي سيشكل المستقبل الإنساني على مستوى الوظائف والاستثمار وسوق الطاقة والوضع البيئي العالمي والتوازن العسكري. وفي هذا العالم الجديد ليست هناك بوابات للنجاح سوى الانفتاح والمرونة، وهي القيم التي يجب أن تحافظ عليها دول أوربا وأميركا الشمالية، فضلا عن دول الاقتصاديات الناشئة، والهند في مقدمتها.


___________
بيتراس أوستريفيشيوس، باحث ليتواني وأكاديمي وسفير سابق وله العديد من المؤلفات في اقتصاديات القوى الصاعدة. أما جون بوزمان فهو سياسي وباحث أميركي وله أيضا عدة كتب وبحوث في اقتصاديات القوى الصاعدة وبالأخص الصين والهند والبرازيل. ترجم النص من الإنجليزية إلى العربية عاطف معتمد عبد الحميد.


ينشر مركز الجزيرة للدراسات هذه الدراسة بترتيب خاص مع مجلس برلمان الناتو NATO Parliamentary Assembly.


(*) وصل معدل نمو الاقتصاد الهندي عام 2008 إلى 7.8% وبسبب الركود الذي صاحب الأزمة المالية العالمية في 2009 هبط المعدل إلى 6.7%. (المحرر)
(**) وصل معدل الصادرات الهندية في 2008 – 2009 إلى ما نسبته 28% من إجمالي الناتج المحلي.
(***) لمزيد من التفاصيل حول التحديات التي تواجه التنمية الهندية انظر "ثغرات في قصة التنمية بالهند، محمد ضياء الحق، في الملف نفسه عبر الرابط التالي: http://www.aljazeera.net/NR/exeres/68EE0D5A-DA7C-4478-A709-B42616A9939D.htm?


(****) لمزيد من التفاصيل حول أوضاع المسلمين في الهند ودورهم في التنمية، انظر لمسلمون في الهند.. عقبة مانعة أم قوة دافعة، عاطف معتمد عبد الحميد، في الملف نفسه عبر الرابط التالي:


http://www.aljazeera.net/NR/exeres/B8C7BA0C-E5D5-4BF8-B4EC-A3F201DE8F31.htm?

المصادر:


Afghanistan News.Net, “India committed to aiding fghan reconstruction”, 13 March 2008


“An economic introduction to India”, House of ommons Library research Paper 07/40, 2 May 2007


China’s nuclear exports and assistance to Pakistan, James Martin Center for Non-Proliferation Studies,” http://cns.miis.edu/research/india/china/npakpos.htm


Ashton Carter, “Seeing the Big Picture,” Foreign Affairs July/August 2006 Vol. 85, Issue 4


“Crude measures,” The Economist, 29 May 2008


Deo Bardhan and Cynthia Kroll, The New Wave of Outsourcing, University of California, Berkeley: Fischer Center for Real Estate and Urban Economics


Eric Bellman and Jackie Range, “India’s acquisition strategy: buy and learn”, Wall Street Journal, 25 March 2008


“Doha Round of Trade Negotiations: India’s Current Negotiating Strategy,” http://www.cuts-international.org/pdf/India_CPP.pdf


“Don’t blame it on the scriptures,” The Economist, 30 November 2006


Rafiq Dosani and Martin Kenney, “The next wave of globalization: Exploring the Relocation of Service Provision to India,” Working Paper 156, Berkeley Roundtable on the International Economy, 13 September 2004


Mark A. Dutz and Carl Dahlman, “The Indian context and enabling environment,” The World Bank, http://siteresources.worldbank.org/
SOUTHASIAEXT/Resources/223546-1181699473021/3876782-1191373775504/indiainnovationchapter1.pdf


“EIU lowers India GDP growth to 7.5%”, Times of India, 25 August 2008


Sumit Ganguly, “Will Kashmir stop India’s Rise?” Foreign Affairs July/August 2006 Vol. 85, Issue 4


Government of India, “India: Addressing energy security and climate change”, October 2007


Das Gurcharan, “The India Model,” Foreign Affairs July/August 2006 Vol. 85, Issue 4


“India at 60,” South Asia Monitor, CSIS, Number 108, July 2007


“India in Afghanistan: a presence under pressure”, Open Democracy, 11 June 2008


“India, Malaysia cut subsidies, increase gas prices, The Wall Street Journal Digital Network, 4 June, 2008


“India on fire,” The Economist, 1 February 2007


“India outsmarts China,” Foreign Policy, January/February 2006


“India Overheats,” The Economist, 1 February 2007


Shada Islam, “EU and India: Progress, ambitions, realities,” European Policy Centre, Policy Brief, November 2007


“India’s N-deal with US”, DAWN editorial 27 July 2008


Rose Kerves, “India and the Doha Round of WTO Negotiations”, http://www.truthabouttrade.org/content/view/11020/51/


Joe Leahy and Amy Yee, “Backlash as India increases fuel prices”, Financial Times, 5 June 2008


Graham Lee, “India and China compete for Burma’s Resources,” World Politics Review, August 2006, http://www.worldpoliticsreview.com/article.aspx?id=129


“Macroeconomic and Monetary Developments: Third Quarter Review 2007-08,” Reserve Bank of India, Mumbai, 29 January 2008


Edward Markey and Ellen Tauscher, “Don’t loosen Nuclear Rules for India, “The New York Times, 20 August 2008


“More ITBP troops for missions in Afghanistan.” The Economic Times, 15 July 2008


Sachin Nagdive and Hitendra Patel, “The practical insight to gas pricing in India”, Hydrocarbon Asia, September/October 2007


NATO PA Secretariat Report, ESC Visit to Tokyo and Osaka, Mission Report, 11-15 June 2007, http://www.nato-pa.int/Default.asp?SHORTCUT=1259


NATO PA Secretariat Report, 126 ESCTER 08, Visit to London, Mission Report 23-25 April 2008, http://www.nato-pa.int/Default.asp?SHORTCUT=1560


Udit Misra, “India doesn’t want post-dated cheques on Services and Rules,” Live Mint—The Wall Street Journal, February 7, 2008. http://www.livemint.com/2008/02/06232954/India-doesn8217t-want-post.html


Pramit Mitra, “India at the Crossroads: Battling the HIV/AIDS Pandemic,” The Washington Quarterly, Autumn 2004-05


C. Raja Mohan, “An Impossible Ally?” Foreign Affairs July/August 2006 Vol. 85, Issue 4


C. Raja Mohan, “Balancing Interests and Values: India’s Struggle with Democracy Promotion,” The Washington Quarterly, Summer 2007


C. Raja Mohan, “What if Pakistan Fails? India Isn’t Worried…Yet,” The Washington Quarterly, Winter 2004-5


NATO PA Secretariat Report, ESC Visit to Tokyo and Osaka, 11-15 June 2007, http://www.nato-pa.int/Default.asp?SH  ORTCUT=1259


“Natural gas prices up 12 percent for power, fertiliser units”, Times of India, 28 May 2005


OECD Briefing to the NATO PA Economics and Security Committee, February 2008


Harry Patil, “A 30% rise in cooking gas, 25% rise in gasoline ready to send shock waves through the Indian middle class economy”, India Daily, May 26 2008


The People’s Commission on Environment and Development India,
http://www.pcedindia.com/peoplescomm/coastal-ecosystem_1a.htm


George Perkovich, “Is India a Major Power?” The Washington Quarterly, Winter 2003-04


The Pew Global Attitudes Project, 27 June 2007 http://pewglobal.org/reports/pdf/256.pdf


V.R. Raghavan, “The Double-Edged Effect in South Asia,” The Washington Quarterly, Autumn 2004


Suda Ramachandran, “India promotes good will naval exercises”, Asia Times, 14 August 2007


Jackie Range, “India focuses on taming inflation,” The Wall Street Journal, 30 January 2008


Subroto Roy “The Dreamteam: A Critique,” The Statesman, 6-8 January 2006. http://independentindian.com/2006/01/08/the-dream-team-a-critique/


Arundhati Roy, The Algebra of Infinite Justice, Flamingo, 2002


Amartya Sen, Poverty and Famines: An Essay on Entitlement and Deprivation, Oxford University Press, 1983


Amartya Sen, The Argumentative Indian: writings on Indian history, culture and identity, Penguin,2006


Thakur Raghu Nath Singh, “Degradation of Himalayan forests”, The People’s Commission on Environment and Development India,
http://www.pcedindia.com/peoplescomm
/himalayanecology_3a.htm#a1


Joseph E. Stiglitz, Globalization and its Discontents, W. W. Norton & Company, 2002


Sundeep Tucker and Joe Leahy, “Sino-India trade wave captures banks’ attention”, Financial Times, 4 August 2008


“The World Economy: Surprise,” The Economist, 14 September 2006


Ashutosh Varshney, “India’s Democratic Challenge,” Foreign Affairs, March/April 2007, Vol. 86 Issue 2.


2007/2008 UN Human Development Index Ratings, http://hdr.undp.org/en/statistics/


“US Congressman attack India’s relations with Iran,” The Hindu, 6 May 2007, http://www.hindu.com/2007/05/06/stories/
2007050604280800.htm


“What was the Green Revolution,” http://www.indiaonestop.com/Greenrevolution.htm


WTO, “India etc versus US: ‘shrimp-turtle’”,
 http://www.wto.org/
english/tratop_e/envir_e/edis08_e.htm


Amy Yee, “Engaging India: mystifying malfunctions”, Financial Times, 9 January 2008


Daniel Yergin and Joseph Stanislaw, The Commanding Heights: The Battle between Government and the Marketplace that is remaking the Modern World, Simon and Schuster, 1998


Under Economic Reforms: An Indian Case Study”, UNU/IAS Working Paper No. 106, October 2003


عودة إلى الصفحة الرئيسية للملف