الهنود العاملون في الخارج.. ذراع جديدة للنمو الاقتصادي

ثمة ما يزيد عن 25 مليونا من أصل هندي ينتشرون في كافة أرجاء العالم، وبشكل خاص في أميركا الشمالية والمملكة المتحدة ودول الخليج. وتسهم العمالة الهندية في الخارج في تقدم الدول التي يعملون فيها بنفس القدر الذي تسهم فيه بدعم الوطن الأم






العمالة الهندية في الخليج (رويترز-أرشيف)

زوشما راماتشاندران

ثمة ما يزيد عن 25 مليونا من أصل هندي ينتشرون في كافة أرجاء العالم، وبشكل خاص في أميركا الشمالية والمملكة المتحدة ودول الخليج. وتسهم العمالة الهندية في الخارج في تقدم الدول التي يعملون فيها بنفس القدر الذي تسهم فيه بدعم الوطن الأم عند المستويين الاقتصادي والثقافي. 


في بعض البلاد التي هاجروا إليها شارك الهنود بفاعلية في الحلبة السياسية، ووصل بعضهم إلى الحكومة. ويمثل الهنود العاملون في الخارج (أو ما يعرف اصطلاحا بالهنود غير المقيمين NRI) أهمية كبيرة للهند، الأمر الذي تم تقديره مؤخرا من خلال تشكيل وزارة شؤون الهجرة. وهدفت هذه الخطوة إلى الحفاظ على قدر من التواصل بين الهنود المهاجرين ووطنهم، وفي سبيل ذلك تم تقديم عدة تسهيلات وحوافز هدفت إلى تشجيعهم على الاستثمار في مجال البنية الأساسية الصناعية كي يتمكنوا من الإسهام في مستقبل الهند، لا أن يشعروا أنهم غرباء عن وطنهم.


مقاصد الهجرة


ينتشر الهنود المهاجرون في عديد من الدول، وإن كان العدد الأكبر في الولايات المتحدة، وكندا، والمملكة المتحدة، ودول الخليج، وإقليم البحر الكاريبي، وماليزيا. وقد بدأت أولى موجات الهجرة الهندية في القرن التاسع عشر، وذلك بعد إلغاء الرق في المملكة المتحدة. وفي تلك الفترة تم استقبال أعداد كبيرة من الهنود كعمالة وافدة إلى دول البحر الكاريبي مثل ترينيداد، وتوباجو، وجامايكا، وجيانا، وجزر المحيط الهندي مثل موريشيوس، فضلا عن استقدام هذه العمالة إلى  مناطق كانت آنذاك جزءا من الإمبراطورية البريطانية، كما وصل الهنود إلى أماكن أبعد في أرجاء هذه الإمبراطورية مثل جزر فيجي في المحيط الهادئ.






قد يظن المرء خلال مراجعته لإحصاءات هجرة العمالة الهندية في الخارج أن الإسهام الأكبر في الاقتصاد الهندي يأتي من العمالة الماهرة، لكن الحقيقة تخالف هذا الظن، فالمكاسب المالية الأكبر تأتي من العمالة غير الماهرة ونصف الماهرة خاصة تلك التي تعمل في دول الخليج 


وبدأت الموجة الثانية من هجرة الهنود للخارج في خمسينيات القرن العشرين، حين توجهت أعداد كبيرة منهم إلى المملكة المتحدة حيث تم استيعابهم في مهن متدنية. أما الهنود الذين سافروا إلى شرق إفريقيا في مطلع القرن العشرين فقد اختاروا الجنسية البريطانية رغبة في الالتفاف على سياسة التمييز التي مارسها ضدهم زعماء أفارقة مثل عيدي أمين في أوغندا.

وفي ستينيات القرن العشرين استمرت موجة الهجرة إلى الدول الأوربية، وخاصة المملكة المتحدة، نتيجة الروابط الاستعمارية السابقة. وقد تغيرت نوعية المهاجرين الهنود في تلك الفترة فأصبحوا ممن تلقوا تعليما عاليا، وذوي مستوى مهاري مرتفع. فالأطباء الهنود على سبيل المثال توجهوا بأعداد كبيرة إلى المملكة المتحدة في الخمسينيات والستينيات.


كما هاجرت أعداد كبيرة من الهنود إلى الولايات المتحدة في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، وكان هؤلاء المهاجرون ممن تلقوا تعليما راقيا وذوى مهارات عالية. ويعيش اليوم في الولايات المتحدة ما يقرب من ثلاثة ملايين من أصل هندي، ويتفوق معدل التعليم بينهم على المعدل الأميركي العام.


وقد تألفت موجات الهجرة التي شهدها النصف الثاني من القرن العشرين من المهندسين والأطباء والعلماء الذين كانوا يبحثون عن مستقبل اقتصادي أفضل. وفي السنوات الأخيرة أصبح الهنود من مصممي البرامج الحاسوبية جزءا من اقتصاد المعرفة القائم في الغرب، وتم توظيف عدد كبير منهم في شركات وادي السيليكون في الغرب الأميركي. كما شملت موجات الهجرة التي توجهت إلى الولايات المتحدة العديد من المهاجرين من سكان ولاية غوجرات بغرب الهند، المعروفين بمهاراتهم في قطاع الأعمال والتجارة. وقد اشتهرت هذه الجالية في الولايات المتحدة بنجاحها في قطاع الخدمات السياحية وتجارة التجزئة.


كما سافرت جالية صغيرة من غوجرات أيضا إلى مدينة أنتفيرب في بلجيكا، وأصبح لهؤلاء الهنود دورا كبيرا في صناعة الماس، وذلك لمهاراتهم في التعامل مع الأحجار الكريمة البالغة الصغر بعد أن كانت الصناعات هناك ترفض الاعتماد على هذا النوع من الأحجار.
كما توجهت هجرة هندية إلى كندا، وقد بدأت في مطلع القرن العشرين مع موجات من هجرة السيخ. وقد تبع ذلك أن استقدم هؤلاء السيخ أسرهم من الهند إلى كندا، ومن ثم فهناك اليوم جالية هندية كبيرة في مقاطعتي فانكوفر وأونتاريو. ويقدر عدد الهنود في كندا بنحو 1.5 مليون.


وهناك نوع آخر من الهجرة الهندية غير الماهرة ونصف الماهرة توجهت إلى دول الخليج بعد ارتفاع أسعار النفط في سبعينيات القرن العشرين، وما تبع ذلك من ازدهار اقتصادي، وبصفة خاصة في الإمارات والكويت والسعودية، وهناك لعب المهاجرون الهنود دورا بارزا في حل مشكلة نقص العمالة. ويبلغ عدد العمالة الهندية في الخليج اليوم نحو خمسة ملايين عامل. وينتمي 70 % من هذه العمالة إلى فئة العمالة غير الماهرة أو نصف الماهرة، أما النسبة الباقية فتشمل المتخصصين من الأطباء والمهندسين والمعماريين وموظفي البنوك والمحاسبين.


في المقابل ينتشر المهاجرون الهنود في جنوب شرق آسيا في كل من ماليزيا وميانمار وسنغافورة وإندونيسيا وبروني وتايلاند. وقد توجه معظم المهاجرين إلى هذه المناطق في القرن التاسع عشر، وذلك من خلال تنفيذ اتفاقات استقدام القوى العاملة، والتي أقرها آنذاك الحكم البريطاني، واستمرت هذه القوانين في القرن العشرين.


وفي تلك الأثناء، كان تدفق العمالة الهندية يأتي على السواء من فئات الياقات البيضاء والزرقاء. وكانت هذه الموجة من الهجرة مدفوعة بروابط ثقافية ودينية، يعود عمرها إلى قرون عديدة وذلك مع انتشار المعتقدات الهندوسية في دول مثل تايلاند وإندونيسيا، فضلا عما لعبه انتشار البوذية من الهند إلى تلك الأقاليم وما كان له من أثر كبير في توثيق الروابط الثقافية.


ويجب ألا تغيب عنا الجالية الهندية الكبيرة في جنوب إفريقيا، فمن هناك أطلق المهاتما غاندي حركته المعروفة باللاعنف والتي أدت في النهاية إلى إخراج البريطانيين من درة تاج الإمبراطورية. وحين ذهب غاندي إلى جنوب إفريقيا في عام 1893، كان آنذاك محاميا تلقى تعليمه الحقوقي في إنجلترا. ورغم تعليمه البريطاني إلا أنه تعرض في جنوب إفريقيا للاضطهاد والتمييز العنصري لكونه هنديا. ومن هنا بدأ غاندي حركة الدفاع عن حقوق الهنود، وهي الحركة التي تكللت في النهاية بتشكيل حزب المؤتمر الوطني الهندي.





تحويلات الهنود المقيمين في الخارج بلغت في عام 2008 نحو 43.5 بليون دولار. ومن هذا الرقم يأتي 18 بليون دولار من العمالة الهندية في دول الخليج، وهو ما يجعلهم رافدا اقتصاديا مهما
وحين عاد غاندي إلى الهند فيما بعد، استخدم نفس الأسلوب في تشكيل حركة اللاعنف التي شملت كافة أرجاء البلاد، وأجبرت البريطانيين في النهاية على الخروج من الهند. ويقيم في جنوب إفريقيا اليوم نحو مليون هندي، تعود جذور معظمهم إلى أجيال بعيدة. ولذلك فإن هذه الجالية تحمل من السمات الجنوب إفريقية الكثير، وإن كانت هناك روابط وثيقة بين هذه الجالية وبعضها البعض، وبصفة خاصة ترابطها مع عائلة المهاتما غاندي.

وإلى جانب ذلك، كانت الحكومة الهندية قد اتخذت مواقف متشددة ضد الحكومة العنصرية التي كانت تحكم جنوب إفريقيا سابقا، ولكن العلاقات عادت اليوم إلى الدفء مع الحكومة الحالية. وقد سعت الهند وجمهورية جنوب إفريقيا إلى تمتين العلاقات الاقتصادية البينية اعتمادا على ما لدى الدولتين من مكانة في الاقتصاديات الناشئة، وتعاونتا معًا في السنوات الأخيرة في عدد من المنتديات الاقتصادية متعددة الأطراف. 


السياسات الحكومية


على نحو ما أشرنا سابقا، تعيش العمالة غير الماهرة ونصف الماهرة في الخليج ظروفا صعبة. وفي مقدمة هذه الصعوبات احتفاظ الكفيل بجوازات سفرهم بمجرد وصولهم إلى تلك الدول. كما يتعرض هؤلاء العمال للغرامة والعقوبة بل والحبس لأية مخالفات حتى ولو كانت صغيرة. ولأن جوازات سفرهم لدى الكفيل ولا يستطيعون التحرك أو السفر، فإنهم يصبحون أحيانا عرضة للإساءة والاستغلال من قبل أرباب العمل.


ولمواجهة هذه التجاوزات اتخذت الحكومة الهندية عدة خطوات لضمان عدم تعرض مواطنيها لمثل هذه المشكلات خلال عملهم في دول المهجر. ومن المعروف أن حماية العمال الهنود في الخارج رهينة بتعاون حكومات الدول المضيفة لهم. ومن ثم عقدت حكومة الهند اتفاقات بشأن حقوق العمال مع الأردن وقطر في الثمانينيات. وفي أعقاب تشكيل وزارة شؤون الهجرة في عام 2004 بذلت الحكومة الهندية جهودا أخرى لتوقيع مذكرات تفاهم مشتركة مع دول غرب آسيا من أجل حماية حقوق العمال الهنود الذين يعملون في تلك الدول.





الهند، على خلاف دول أخرى، تنظر إلى تصدير القوى العاملة كمصدر قوة للاقتصاد، حتى لو كان هؤلاء العمال من ذوي المهارات الاحترافية العالية وهذا يعكس ثقتها في منظومتها التعليمية القادرة على إمداد السوق المحلي والخارجي بمثل هؤلاء باستمرار
وقد تم توقيع مثل هذه المذكرات مع الإمارات العربية المتحدة والكويت في عامي 2006 و2007 على التوالي. كما تم التوقيع على بروتوكول إضافي بشأن العمالة الهندية مع قطر في نوفمبر/تشرين الثاني 2007 لتلبية المصالح المشتركة. 

وفي عام 2008 تم توقيع مذكرة تفاهم مشتركة مع سلطنة عمان، وتم التوصل إلى مذكرة أخرى مع ماليزيا في 2009. وهناك مذكرة مشابهة أخرى تم الانتهاء من صياغتها مع البحرين وسيتم توقيعها قريبا. كما تبذل جهود أخرى للتفاوض بشأن توقيع مذكرة تفاهم مع المملكة العربية السعودية واليمن.


وتتضمن مذكرات التفاهم السابق الإشارة إليها إعلان نوايا مشتركة، يضمن دعم فرص العمل والتعاون الثنائي بين الجانبين، وحماية حقوق العمال. وتلزم هذه المذكرات الدول المضيفة بأخذ التدابير اللازمة لحماية العمال وضمان حقوقهم، وخاصة في القطاع غير الحكومي، كما تتضمن هذه المذكرات بيانا بالإجراءات العامة التي سيتبعها رب العمل في الدول المضيفة تجاه استخدام العمالة الهندية. 


وتضع هذه المذكرات شروطا حول استخدام العمالة بحيث تتفق مع قوانين العمل في كلتا الدولتين. كما تمخضت هذه المذكرات عن تشكيل مجموعات عمل مشتركة تضطلع بتنفيذ بنود مذكرات التفاهم، بحيث تلتقي هذه المجموعات بشكل منتظم بحثا عن حلول لمشكلات العمال بين الجانبين.


وستوقع الهند قريبا مذكرات تفاهم مشتركة مع الدول الرئيسية في استخدام العمالة الهندية في كل من شرق ووسط أوروبا وآسيا، وذلك بحثا عن شراكات ثنائية لتوسعة سوق العمالة الهندية في الخارج وبصفة خاصة العمالة الماهرة التي تحتاجها أسواق هذه الدول. 


ومع الدور الذي تلعبه وزارة شؤون الهجرة، يتزايد الاعتراف بالعمالة الهندية كعامل مهم لتنمية اقتصاد الهند، وقد بدأت الحكومة تولي أهمية للهجرة الخارجية واعتبرتها أحد الأبعاد المهمة التي تؤثر على العلاقات الاقتصادية بين الدول النامية والمتقدمة. ومن ثم قررت الحكومة في 2006  تشكيل شعبة السياسات الخارجية في وزارة شؤون الهجرة، وذلك لتسهيل وتعزيز حركة الهجرة من الهند إلى أسواق العمل الخارجية.


وتم تشكل هيئة حكومية مستقلة لمعالجة كافة القضايا السياسية المرتبطة بهجرة العمالة الهندية. وتشمل المسؤوليات الأساسية لوزارة الهجرة صياغة سياسات تضمن إدارة فاعلة للهجرة، كما تم التقدم باقتراح تغييرات تشريعية جديدة، وتنفيذ الإصلاحات المتعلقة بشؤون الهجرة، فضلا عن صياغة برنامج لتحقيق رخاء المهاجرين، ودعم الاتفاقات الثنائية والمتعددة الأطراف المتعلقة بالتعاون الدولي في شؤون الهجرة.


وإضافة إلى ما سبق، تحاول وزارة شؤون الهجرة اتباع وسائل أكثر فاعلية، وتحويل نظام الهجرة إلى نظام يمكّن العمالة الهندية من السفر إلى الخارج من خلال نظام منهجي محلي ودولي وعبر وسائل تعاونات ثنائية ومتعددة الأطراف.


وفي مقدمة هذه الوسائل صياغة مسودة تشريع جديد للهجرة يحل محل قانون الهجرة الصادر عام 1993، إضافة إلى إعداد برامج لتنمية مهارات العمالة الهندية وتأهيل تلك الشرائح من العمالة التي تستعد للسفر للخارج، فضلا عن بناء إطار منهجي للتحقق من وجود حياة كريمة للعمالة في الدول المضيفة، وإقامة مراكز في تلك الدول ترعى شؤون المهاجرين الهنود. 


ومن المنتظر أيضا أن تقوم وزارة شؤون الهجرة بتبني أفضل السبل التي اتبعتها دول أخرى في المنطقة لديها تجارب مشابهة في تحقيق رخاء مهاجريها مثل الفلبين، وذلك من خلال مراجعة وتنقيح نظام استخدام العمالة الهندية في الخارج حتى يصبح أكثر احترافا ومسؤولية.


وفي سبيل ذلك تم تأسيس مجلس قومي لحسن توظيف العمالة المهاجرة بهدف دعم اتخاذ القرار الحكومي في هذا الصدد، ولطرح استراتيجيات وممارسات فاعلة لإدارة هجرة العمالة الهندية من خلال إجراء عدد من البحوث والدراسات. كما تم إدراج نظام تراخيص السفر والهجرة في نظام إليكتروني وبرامج حاسوبية. وأيضا فإن مشروعا آخر قيد الإعداد لتحقيق تنفيذ شامل للحكومة الإليكترونية بما يجعل إدارة عملية الهجرة أسهل وأكثر دقة وشفافية، وذلك من خلال جعل كافة الأطراف المسؤولة والمشاركة في عملية الهجرة على دراية بكافة التفاصيل وعلى أرضية مشتركة من المعرفة.


كما تبذل وزارة شؤون الهجرة جهودا أخرى من أجل تنويع سوق العمل المفتوح أمام الهنود وذلك من خلال توقيع عدة اتفاقات شراكة بشأن العمالة المهاجرة مع دول ينتظر أن تفتح أسواقها للعمالة الهندية في المستقبل. وتسعى الحكومة الهندية إلى توقيع اتفاقات ثنائية مع الدول المتقدمة بشأن الأمن الاجتماعي لحماية مصالح المهاجرين الهنود الذين يعملون في مهن عالية الاحتراف في تلك الدول.


كما تتعاطف الدولة بشكل تدريجي مع الجهود التي يبذلها المهاجرون الهنود في الخارج للارتباط بالوطن الأم. فقد أطلقت الحكومة في يناير 2006 مشروع "بطاقة المواطنة للمهاجرين في الخارج" استجابة لمطالب معلقة منذ فترة طويلة بشأن حصول الهنود غير المقيمين على المواطنة الهندية.


وقد حقق هذا المشروع نجاحا كبيرا، فبحسب وزير شؤون الهجرة فايلار رافي تم إصدار 90.000 بطاقة منذ الإعلان عن هذا المشروع قبل ثلاث سنوات مضت. ويمكن للأشخاص ذوى الأصل الهندي الذين يعيشون في دول تسمح بالجنسية المزدوجة بالتقدم للحصول على هذه البطاقة.


ويتمتع حامل هذه البطاقة بكافة مزايا المواطنة للهنود المقيمين في الهند، باستثناء حق التصويت الانتخابي، وحق الترشح للمناصب الدستورية مثل منصب الرئيس أو نائب الرئيس أو قاضي قضاة المحكمة الدستورية أو المحاكم العليا في الدولة.


ومن المشروعات الأخرى المتاحة للمهاجرين الهنود في الخارج الحصول على بطاقة "شخص من أصل هندي" والتي تعطي لحاملها مزايا خاصة في الدولة التي يعيش فيها. وأغلب الذين يحصلون على هذه البطاقة هم ممن هاجروا عبر نظام العقود البريطانية إلى كل من فيجي وسورينام وإقليم البحر الكاريبي وذلك خلال القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين.


ويضاف إلى كل ما سبق فإن الحكومة الهندية تنظم مؤتمرا سنويا خاصا بالهنود غير المقيمين في الوطن. ويتم تنظيم هذا المؤتمر من خلال التعاون بين كل من الحكومة واتحاد الغرف الصناعية. ويعرف يوم عقد هذا المؤتمر باسم "يوم الهنود المقيمين في الخارج" “Pravasi Bharatiya Divas” ويعقد في يناير/كانون الثاني من كل عام.


ويهدف هذا اليوم إلى الاعتراف بإنجازات الجالية الهندية المهاجرة، وبصفة خاصة تقديم التقدير لأولئك البارزين في مجال تخصصهم. وقد صار هذا الحدث مناسبة سنوية لمناقشة قضايا تشغل الجالية الهندية، وقضايا أخرى متعلقة بتنمية وتطوير الهند. وعقد أول مؤتمر من هذا النوع في الفترة من 9 إلى 11 يناير/كانون الثاني من عام 2003.


وعادة ما يعقد هذا المؤتمر على مدار ثلاثة أيام. ويتغير عنوان القضية الأساسية للمؤتمر من عام لآخر. وفي عام 2009 أعلنت وزارة شؤون الهجرة أنها تهدف إلى الاستماع لخبرات الهنود المقيمين في الخارج في مضمار التنمية، في محاولة لتحقيق المصالح المشتركة بين الطرفين.


وعلى الرغم من أن يوم الهنود المقيمين في الخارج حديث العهد، إلا أنه صار حدثا بارزا في مسيرة التنمية الهندية.  فعلى سبيل المثال، حين عقد المؤتمر الثالث في 2005 في أعقاب التدمير الذي سببته موجات التسونامي للساحل الجنوبي للهند، تمكن المؤتمر من الحصول على ملايين الدولارات من تبرعات الهنود في الخارج لمساعدة الضحايا. كما تطرق المؤتمر لقضايا هامة مثل الجنسية المزدوجة وحقوق الانتخاب للهنود المقيمين في الخارج وغير ذلك من الموضوعات التي لقيت مناقشة جادة وعميقة بأكثر مما حظيت به في المؤتمرات السابقة.


وفي هذا الصدد، من المهم الإشارة إلى أن الهند، على خلاف دول أخرى، تنظر إلى تصدير القوى العاملة كمصدر قوة للاقتصاد الهندي. ففي الوقت الذي تحاول فيه بعض الدول مثل الصين منع مواطنيها من السفر للعمل في الخارج، لم تضع الهند أية عقبات أمام سفر القوى العاملة، حتى لو كان هؤلاء العمال من ذوي المهارات الاحترافية العالية. 


ورغم النقد الذي وجه في الماضي لهجرة ذوي الكفاءة العالية، فيما يعرف اصطلاحا بـ"نزيف العقول"، لم تضع الهند أية عراقيل أمام هجرة الأطباء أو المحاسبين رغم ما أنفقته الدولة من قبل لتعليم وتأهيل هؤلاء المهاجرين. ويشير العائد النهائي لإنتاج هؤلاء المهاجرين إلى أنهم أصبحوا عنصرا أساسيا في اقتصاديات الدول التي يعملون فيها.


الدور والأهمية


ولأن الهنود قد تركوا وطنهم بسبب عوامل اقتصادية في المقام الأول، فلابد إذن من تشجيعهم ودعمهم للاستمرار فيما يقومون به من "إرجاع" مدخراتهم للنهوض بذلك الوطن، خاصة مع اتجاه بعض الهنود للعودة للهند والرغبة في الاستقرار في الوطن الأم، وذلك مع الركود الاقتصادي العالمي، أخذا في الاعتبار أن الوضع في الهند ليس بنفس السوء الذي تعانيه عدة دول في العالم. ويقتصر هذا التوجه على المهاجرين من الجيل الأول ممن يحتلون قمة قطاع الاقتصاد المعلوماتي، خاصة وأن الهند صارت مركزا عالميا في هذا المجال. 





القوى العاملة الهندية في الخارج والتي تقدر رسميا بـ 25 مليون نسمة، لا تتوقف أهميتها على الجانب الاقتصادي فقط، وإنما يمتد تأثيرهم إلى المجال السياسي أيضا حيث أصبحوا يلعبون في البلدان التي يقيمون فيها دورا سياسيا متزايدا خاصة من قبل أؤلئك المهرة ذوي المناصب المهمة
قد يظن المرء خلال مراجعته لإحصاءات هجرة العمالة الهندية في الخارج أن الإسهام الأكبر للاقتصاد الهندي يأتي من العمالة الماهرة المتعلمة التي تشكل النسبة الأكبر بين الجالية الهندية في الولايات المتحدة. لكن الحقيقة تخالف هذا الظن، فالمكاسب المالية الأكبر التي تجنيها الهند من مهاجريها في الخارج تأتي في المقام الأول من العمالة غير الماهرة ونصف الماهرة في دول الخليج ممن يرسلون تحويلات هائلة إلى وطنهم.

ويرسل هؤلاء العمال بمعظم رواتبهم لأسرهم في الهند من أجل توفير مدخرات كافية للمستقبل. وقد كان لهذه التحويلات أهمية محورية في تعزيز احتياطي النقد الأجنبي في ثمانينات وتسعينيات القرن العشرين بعدما كان هذا الاحتياطي قد وصل إلى أدنى مستوى له في سبعينيات ذلك القرن.


وتأتي معظم العمالة الهندية في الخليج من ولاية كيرلا بجنوب غرب الهند. وتتميز الولاية بمعدل تعليمي مرتفع حيث لا تتجاوز نسبة الأمية في الولاية 1 %، وقد صنفها عالم الاقتصاد الهندي الشهير أمارتيا سين بأنها من أكثر ولايات الهند تقدما في مجالي الرعاية الطبية والتعليم، وهي خدمات متاحة لكافة شرائح المجتمع في الولاية.
ورغم أن الولاية قد خضعت بالتناوب لحكم الحزب الشيوعي وحزب المؤتمر إلا أنهما لم ينجحا في تحقيق فرص عمل كافية للسكان. وكنتيجة لهذا هاجر كثير من سكان كيرلا إلى الخليج بحثا عن فرص عمل خلال سبعينيات وثمانينات القرن العشرين.


وبحسب وزير شؤون الهجرة فايلار راي في حوار له مع صحيفة هندية اقتصادية يومية فإن تحويلات الهنود المقيمين في الخارج بلغت في عام 2008 نحو 43.5 بليون دولار. ومن هذا الرقم يأتي 18 بليون دولار من العمالة الهندية في دول الخليج. وقد أشار "راي" إلى أن هذا الرقم قد تحقق رغم الكساد الاقتصادي العالمي حتى أنه قد تخطى تحويلات عام 2007 التي بلغت 27 بليون دولار.


وتعزى الزيادة في أرقام عام 2008 إلى أنه مع انهيار النظام المصرفي العالمي اتجه كثير من الهنود المقيمين في الخارج إلى وضع ثقتهم في النظام المالي الهندي. كما أشار الوزير في حوار آخر إلى أن أكثر من 150 ألف عامل هندي قد عادوا من الإمارات العربية المتحدة خلال عام 2008-2009 نتيجة تداعيات الأزمة المالية العالمية.


وبحسب تقرير للبنك الدولي، تتصدر الهند دول العالم في حجم تحويلات المغتربين. وفي التقرير الذي يحمل عنوان "الكتاب الإحصائي للهجرة والتحويلات المالية من الخارج لعام 2008" تأتي الصين في المرتبة الثانية بحجم تحويلات مقدارها 25.7 بليون دولار، تليها المكسيك التي حصلت على 25 بليون دولار، ثم الفلبين 17 بليون دولار، وفرنسا 12.5 بليون دولار.


يلعب الهنود في المملكة المتحدة دورا بالغ الأهمية، فالأطباء ذوي الأصول الهندية يمثلون العمود الفقري لنظام الرعاية الطبية العامة في البلاد. كما أن المبرمجين الهنود الذي سافروا إلى الولايات المتحدة للعمل في شركات البرمجيات قد صاروا عاملا فاعلا في تطور تلك التقنيات المتقدمة. أما وادي السيلكون الشهير في كاليفورنيا فينتشر فيه الهنود، حتى صار مألوفا أن ترى النساء ترتدين الساري الهندي في شوارع سان خوسيه، حيث المركز الأكبر لشركات التقنيات المتقدمة.


وبالمثل، حين تزايد الطلب على العمالة غير الماهرة ونصف الماهرة في دول الخليج لم تقم الدولة بإعاقة هجرة العمالة الماهرة لتحقيق توازن في حجم التدفق للخارج. ففي حالة العمالة غير الماهرة، كان هناك دوما فائض في الهند ومن ثم لم يكن هناك خوف من خلل ما في سوق العمالة الداخلية، وهو ما شجع الدولة على السماح لهذا النوع من العمالة بالبحث عن فرص توظيف خارج البلاد.


وبالنسبة للحرفيين نصف المهرة، فيأتي أغلبهم من ولايات مثل أوتار براديش وبيهار، وعادة ما يكونون من عائلات احترفت أعمال النجارة والدهانات والسمكرة. ورغم أن هذا النوع من العمال كان بوسعه الحصول على عمل في الهند إلا أن فرق الأجور في الخارج مشجع للغاية خاصة في الدول الخليجية الثرية بالنفط في غرب آسيا التي احتاجت لهذه العمالة لإتمام مشروعات البناء والتشييد.


أما المتخصصون من المهندسين والأطباء الذين وجدوا طريقهم إلى الولايات المتحدة الأميركية فقد ذهبوا أيضا بحثا عن أجور ورواتب أعلى، ومستوى معيشي أكثر رفاهية. وتعد اللغة الإنجليزية التي يتقنها هذا النوع من المهاجرين ميزة كبرى يتفوقون بها على غيرهم من القوميات الأخرى في الولايات المتحدة والذين يتحدثون بـ 36 لغة.


وقد جاء كثير من مهندسي البرمجيات الهنود الذين توجهوا إلى الولايات المتحدة من جنوب الهند، حيث اللغة الإنجليزية هي لغة المناهج الدراسية مقارنة بأي إقليم آخر، فضلا عن أن جنوب الهند يولي عناية أكبر للرياضيات والعلوم في المراحل التعليمية مقارنة بأي إقليم آخر في البلاد.


لكن ما من شك أن المتخصصين المحترفين من الأطباء والمهندسين الذين هاجروا إلى الولايات المتحدة قد جاءوا من كافة أرجاء الهند وسجلوا تميزا مهنيا. وكنتيجة لهذا، فإن متوسط دخل المهاجر الهندي في الولايات المتحدة يتفوق على المتوسط العام للدخول في هذه الدولة.


وما يزال الهنود في الخارج يحافظون على روابط وثيقة مع الوطن الأم. فقد أنشؤوا تنظيمات إقليمية خاصة بهم وجلبوا للمجتمعات التي هاجروا إليها معالم ثقافية هندية من أطعمة وأزياء وطقوس وغير ذلك. كما انخرط كثير من الهنود في قطاع الخدمات، على نحو ما يدير الوافدون من ولاية غوجرات سلسلة فنادق الموتيلات في الولايات المتحدة. وتشتهر ولاية غوجرات بتفوق أبنائها في مجال التجارة والأعمال، واستغل الهنود تلك المهارات في أجواء السوق الرأسمالي المفتوح بأميركا الشمالية.


ولعل إحدى المزايا التي قدمها الهنود ذوي التعليم العالي والمهاجرون للدول الغربية أنهم لفتوا انتباه العالم الخارجي إلى حقيقة أن الهنود المتخصصين يتقنون اللغة الإنجليزية، ومن ثم فقد أدى ذلك إلى تشجيع عدد من المؤسسات الصناعية والتجارية على إقامة مراكز لها في المدن الهندية. وقد توسع هذا الأمر بالتدريج ليشمل تخصصات متقدمة للغاية مثل الأدوية والخدمات المتخصصة.


وقد ساهم ذلك في عمليات توظيف هائلة في الداخل الهندي على نحو ما شهدت مدن مثل دلهي ومومباي وبانجالور وتشيني. وقد امتد ذلك إلى المدن الصغيرة حيث وجدت الشركات الأجنبية أشخاصا يجيدون التحدث بالإنجليزية ويتقاضون رواتب أقل.


وإضافة إلى ما سبق، هناك اليوم هجرة عكسية يعود من خلالها الهنود المقيمون في الخارج للبحث عن فرص عمل في الهند التي تعتبر واحدة من أسرع اقتصاديات العالم نموا مثلها مثل الصين. وقد نما هذا الاتجاه في العام الماضي مع حالة الكساد التي أصابت الاقتصاد العالمي وانكماش فرص التوظيف في اقتصاديات الدول المتقدمة، في الوقت الذي شهدت فيه الهند استمرارا في ارتفاع الطلب على المديرين المتخصصين والخبراء الماليين.


وما تزال الهند، إلى جانب الصين، واحدة من أسرع الاقتصاديات نموا في العالم، في الوقت الذي تصارع فيه بقية دول العالم للإفلات من الكساد العالمي. وقد أشارت أحدث توقعات المجلس الاستشاري الاقتصادي لرئيس الوزراء مانموهان سينغ إلى أن نمو الناتج المحلي الإجمالي سيتراوح بين 6.25% و 7.25 % خلال العام المالي ( أبريل/نيسان 2009 وحتى مارس/آذار 2010).


وقد أدى انتشار المهاجرين الهنود حول العالم إلى تحسين العلاقات الإستراتيجية مع بعض الدول، وإن كانت علاقات الهند تقوم في المقام الأول على روابط تقليدية قديمة قدم التاريخ. فعلاقة الهند دوما وثيقة بدول الخليج العربي بسبب العلاقات التجارية والثقافية التاريخية بين الطرفين.


ومما يزيد هذه العلاقة وثوقا أن الدين الإسلامي الذي تعتنقه دول الخليج يعد حلقة وصل أساسية مع سكان الهند المسلمين. ومن ثم فإنه حتى قبل هجرة العمالة الهندية إلى دول الخليج كانت العلاقة بين الطرفين علاقة محورية للغاية. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن الهند تضم ثاني أكبر تجمع سكاني إسلامي في العالم، بعد إندونيسيا.


وفي كل عام يتوق كثير من مسلمي الهند لأداء فريضة الحج في مكة بالمملكة العربية السعودية. وتقدم الحكومة الهندية دعما ماليا خاصا للحجاج المسلمين المتجهين لأداء تلك الفريضة. ولهذه الأسباب تميزت الروابط التي تجمع الهند بالعالم الإسلامي في الخليج بشدة أواصرها.


وقد أسهم كثير من دول الخليج باستثمارات كبرى في قطاع البنية الأساسية في الهند. وربما لهذا السبب رحبت دول الخليج بالعمالة الهندية في أعقاب الطفرة النفطية في سبعينيات القرن العشرين حين سعت هذه الدول إلى إرساء بنية أساسية في أراضيها.


وما من شك في أن الحكومة الهندية قد أولت عناية كبيرة لتوثيق علاقاتها بدول الخليج في أعقاب تدفق أعداد كبيرة من العمالة الهندية إليها. ويحرص وزير شؤون الهجرة الهندية فايلار رافي على زيارة دول الخليج مرتين سنويا لتنشيط العلاقات مع تلك الدول وتذليل العقبات المرتبطة بالعمالة الهندية هناك. كما تحسن الحكومة الهندية اختيار سفرائها إلى تلك المنطقة من بين أولئك القادرين فعليا على تأمين علاقات وثيقة ومتينة هناك.


وتعد جمهورية جنوب أفريقيا من المراكز المهمة التي يعتني بها الديبلوماسيون الهنود، ويعود ذلك إلى أن هذه الدولة تتخذ طريقها لتصبح قوة اقتصادية فضلا عن العلاقات الوطيدة بينها وبين الهند التي تمتد لأكثر من قرن، وبصفة خاصة منذ عهد المهاتما غاندي.
ويعد تدعيم وتقوية هذه العلاقات أساس محوري لسياسة الهند الخارجية، حيث للجالية الهندية في جنوب أفريقيا أهمية كبيرة في العلاقات بين البلدين، رغم أن هنود جنوب إفريقيا هم من الجيل الرابع والخامس الذين اندمجوا كلية في المجتمع الجنوب أفريقي.


ومن جانب آخر تقوم علاقات الهند المتنامية مع الولايات المتحدة على أسس من المصلحة المشتركة دون أن تكون الجالية الهندية سببا في ذلك. ومع ذلك لا يمكن إنكار التأثير الفعال للجالية الهندية في الولايات المتحدة في دفع العلاقات بين الطرفين إلى مزيد من التقارب. وقد عين الرئيس الحالي باراك أوباما العديد من الشخصيات ذات الأصل الهندي في مناصب مهمة في إدارته. ولعل أرقى تلك المناصب اختيار د. راجيف شاه لمنصب رئيس صندوق الإعانة الأميركية USAID.


وقد اندمج الهنود في المجتمع الأميركي بشكل عميق، ويدخلون الحلبة السياسية يوما بعد يوم. ولعل الصعود المدوي للسياسي بوبي جيندال، ذي الأصل الهندي، من الحزب الجمهوري حين تم انتخابه حاكما لولاية لويزيانا هو الحالة الأكثر شهرة اليوم. وبالمثل، هناك العديد من الشخصيات الهندية الأصل في القضاء الكندي. وقد توثقت العلاقات الهندية الأميركية في السنوات الأخيرة، وبصفة خاصة بعد اتفاق الطاقة النووية بين الجانبين.


وفي حالة المملكة المتحدة، فإنه ما من شك أن وجود جالية هندية كبيرة ومؤثرة يفسح المجال لهذه الجالية للعب دور كبير في توثيق العلاقة مع الهند. فالعلاقات الهندية مع المملكة المتحدة تدعمت وتوثقت لأسباب عديدة في مقدمتها روابط التركة الاستعمارية، وحقيقة أن الهند ما تزال جزءا من مجموعة دول الكومنولث. وقد أصبحت الجالية الهندية في المملكة المتحدة جزءا متكاملا من المجتمع البريطاني إلى درجة أن أصبحت وجبة دجاج تيكا المعروفة باسم “Chicken Tikka Masala” ذات الأصل الهندي، طبقا وطنيا في البلاد. 


لقد أصبح الهنود أعضاء بارزين في المجتمع البريطاني وفي كل من مجلسي اللوردات والعموم. وبالمثل، فإن رجال الصناعة قد حفروا أسمائهم في المجتمع البريطاني، وفي مقدمتهم السير سواراج باول. وتتدعم هذه الروابط من خلال السياحة الهندية إلى المملكة المتحدة، فكثير من الحركة الهندية إلى المملكة المتحدة تتم اليوم ليس بدافع الهجرة، بل رغبة في الترفيه والتسوق والاستمتاع بالريف الإنجليزي والاسكتلاندي.


ولم تتطور العلاقة الإستراتيجية مع المملكة المتحدة كثيرا من خلال الروابط الاقتصادية، وذلك لأن كثيرا من الشركات البريطانية لها وجود تقليدي في الهند. وهناك اليوم هجرة عكسية للاستثمارات تتجه من الهند إلى المملكة المتحدة، ومن أمثلة ذلك قيام شركة السيارات الهندية "تاتا" بشراء شركتي "جاجوار" و" لاند روفر" إضافة إلى شركة "كوروس" للصلب.  وقد لا يكون هذا مدفوعا بشكل مباشر من قبل الجالية الهندية في المملكة المتحدة، لكن إتقان الهنود للغة الإنجليزية يجعل من السهل على هذه الشركات التعامل مع كل من الاقتصاد الهندي والبريطاني على حد سواء.


وأخذا للدور الاقتصادي للجالية الهندية في الخارج في الاعتبار، تجدر الإشارة إلى الآثار الناتجة عن هذه الهجرة على صناعة السينما. فالسينما الهندية المعروفة باسم "بوليوود" والقائمة على إنتاج أفلام ناطقة بالهندية من مدينة مومباي تلقى ترحيبا وانتشارا ليس فقط في السوق الهندي الداخلي بل في دول الخليج ومصر والمغرب ودول جنوب شرق آسيا.


وتعرض هذه الأفلام اليوم أيضا في المملكة المتحدة والولايات المتحدة وكندا تلبية لحاجة الجالية الهندية المهاجرة في تلك الدول. وكنتيجة لهذا، فإن معظم الأرباح التي تجنيها صناعة السينما الهندية تأتي من توزيعها في مجتمعات المهاجرين في الخارج. وينعكس ذلك اليوم في أن معظم الموضوعات التي تتناولها هذه الأفلام تقوم على عرض حياة الهنود المقيمين في الخارج، كوسيلة لجذب المشاهدين الهنود حول العالم.


وقد صار مألوفا أن تقوم الأفلام الهندية بتصوير بعض المشاهد وأحيانا كل المشاهد خارج الهند، وذلك لتقديم معالم تحظى باهتمام وشغف المشاهدين الهنود المقيمين في المهجر. وبهذا الشكل تسهم الجالية الهندية في المهجر بعائدات متزايدة لصناعة السينما الهندية، وهو ما يصب في النهاية في تقدم الاقتصاد الهندي. ويزداد هذا الوضع أهمية إذا عرفنا أن صناعة السينما الهندية تنتج العدد الأكبر من الأفلام في العالم.


وفي الختام يبقى أن نقول أن القوى العاملة الهندية في الخارج والتي تقدر رسميا بـ 25 مليون نسمة، وإن كانت أكبر من ذلك بحسب التقديرات غير الرسمية، يتزايد دورها الذي تلعبه لصالح الوطن الأم وهي تتحول بالتدريج إلى ثروة كبرى من حيث الدور والمكانة والتحويلات المالية السنوية التي تنعش ميزانية الدولة، فضلا عن تأثيرها السياسي المتنامي في البلدان التي تقيم فيها.
_____________
زوشما راماتشاندران، كاتبة وباحثة هندية. ترجم النص من الإنجليزية إلى العربية عاطف معتمد عبد الحميد.