مجلس التعاون الخليجي: دواعي التأسيس من وجهة النظر الرسمية

تمثل دول مجلس التعاون الخليجي تركيبة سياسية متجانسة، تجمعها التجربة التاريخية، ويربطها الموقع الجغرافي والحدود المشتركة. عليه، فقد برزت أهمية وجود كيان جماعي يعبِّر عن المصالح المشتركة لتلك الدول ويتفاعل مع الأحداث الإقليمية والدولية المحيطة تأثيرًا وتأثرًا.
201511491055897734_20.jpg
(الجزيرة)

ملخص
تمَّ الإعلان عن إنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية خلال اجتماع قادة دول الخليج الست (المملكة العربية السعودية، الكويت، الإمارات العربية المتحدة، قطر، البحرين، عُمان) في العاصمة الإماراتية أبو ظبي خلال الفترة (25-26) مايو/أيار 1981، وأُطلق على هذا الاجتماع "قمة التأسيس"؛ حيث تم خلاله التوقيع على النظام الأساسي للمجلس، والذي هدف إلى تحقيق التعاون بين دول الخليج الست وتنمية علاقاتها، وتحقيق التنسيق والتكامل والترابط والصلات القائمة بين شعوبها في مختلف المجالات.

لقد سيطر الدافع الأمني على إنشاء هذا التتنظيم، رغم ذلك، فإنَّ متابعة التصريحات الرسمية تكشف عن وجود تنوع في دواعي التأسيس؛ حيث يذهب بعض التصريحات إلى أن نشأة المجلس جاءت نتيجة لتوافر مقومات وخصائص مشتركة محفزة للتكامل، فيما تشير تصريحات أخرى إلى أن النشأة تمثل استجابة لما شهدته فترة السبعينات وبداية الثمانينات من أحداث وتحديات.

يمكن لتحليل البيئة الإقليمية والدولية أن يوصلنا إلى الدور الذي لعبته في تأسيس مجلس التعاون الخليجي، حيث وقفت بعض الاعتبارات المحلية والإقليمية والدولية وراء إنشائه، ومن أهم هذه الاعتبارات: "الثورة الإسلامية" وتطور الأوضاع الداخلية الإيرانية؛ الحرب العراقية-الإيرانية؛ تماثل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بين دول المجلس؛ فكرة الأمن الجماعي الإقليمي؛ دخول منطقة الخليج في إطار الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفيتي؛ التغيرات التي حدثت على الصعيد الدولي وخاصة في مجال العلاقات الاقتصادية العالمية؛ والتي نتجت عن انتقال السيادة النفطية من شركات ودول الاستهلاك الكبرى إلى المنتجين أنفسهم؛ انقسام العالم العربي بشدة إزاء خطوات السلام المصري-الإسرائيلي؛ الصراع في أفغانستان والآثار السلبية الناتجة عن الاحتلال السوفيتي والتي يمكن أن تنعكس على منطقة الخليج.

يرى الباحث أنه قد فُرض على مجلس التعاون الخليجي أن يضع قضية الأمن والدفاع في مقدمة أولوياته، رغم أن البيان الأول للمجلس الأعلى لمجلس التعاون والذي صدر في أبو ظبي في مايو/أيار 1981 لم يتحدث عن الأمن بصورة مباشرة.

من أهم الخلاصات التي تخلص إليها هذه الورقة هي أنَّ هاجس الأمن لم يمنع دول مجلس التعاون الخليجي من التركيز على الجوانب المختلفة للتعاون فيما بينها، اقتصاديًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا، سعيًا إلى تحقيق هدف أساسي وهو قيام الوحدة فيما بينها. كما أنه و رغم تأكيد دول المجلس على أن أمن الخليج يضمنه أبناؤه، فقد ميزت هذه الدول بين أمن دول الخليج العربية والأمن الإيراني، ما نتج عنه وقوفها إلى جانب العراق في حربه ضد إيران خلال عقد ثمانينات القرن الماضي، كما أكدت دول المجلس على أن الأمن الخليجي هو جزء من الأمن القومي العربي، وليس منفصلاً عنه، كما حاولت إيران أن تروج لذلك.

مقدمة

تعد منطقة الخليج العربي من إحدى أهم المناطق الحيوية والاستراتيجية في العالم استنادًا إلى عدة اعتبارات كموقعها الاستراتيجي، وأهميتها الاقتصادية المتمثلة في معدّلات التبادل التجاري مع دول العالم، فضلاً عن كون المنطقة أهم مستودع للنفط في العالم؛ إذ تمتلك أكثر من ثلثي الاحتياطي العالمي من النفط؛ بما يحمله ذلك من تأثير على النمو الاقتصادي العالمي.

ومن ناحية أخرى، تمثل دول مجلس التعاون الخليجي تركيبة سياسية متجانسة، تجمعها التجربة التاريخية، ويربطها الموقع الجغرافي والحدود المشتركة.

وانطلاقًا من أهميتها وارتباطها ببعضها البعض برزت أهمية وجود كيان جماعي يعبِّر عن المصالح المشتركة لتلك الدول ويتفاعل مع الأحداث الإقليمية والدولية المحيطة تأثيرًا وتأثرًا، واستجابة لبعض المتغيرات والمعطيات الإقليمية والدولية(1).

وبالفعل، فقد تمَّ الإعلان عن إنشاء المجلس خلال اجتماع قادة دول الخليج الست (المملكة العربية السعودية، الكويت، الإمارات العربية المتحدة، قطر، البحرين، عُمان) في أبو ظبي خلال الفترة (25-26) مايو/أيار 1981، وأُطلق على هذا الاجتماع قمة التأسيس؛ حيث تم خلاله التوقيع على النظام الأساسي للمجلس والذي هدف إلى تحقيق التعاون بين دول الخليج الست وتنمية علاقاتها، وتحقيق التنسيق والتكامل والترابط وتعميق وتوثيق الروابط والصلات القائمة بين شعوبها في مختلف المجالات، وإنشاء المشاريع المشتركة، ووضع أنظمة متماثلة في جميع المجالات بما يخدم مصالحها ويقوي قدرتها على التمسك بعقيدتها وقيمها(2).

وإذا كان من المتعارف عليه في الوسط العلمي البدء بوضع الإطار النظري أولاً ليتم التطبيق عليه بعد ذلك، فإن طبيعة الدراسة التي نحن بصددها تقتضي أن ننهج نهجًا مختلفًا؛ وذلك بسبب الاختلاف الظاهري بين الدواعي التي ساقها قادة دول مجلس التعاون لإنشاء المجلس وبين تلك التي دفعت إليها الظروف الإقليمية والدولية، وبالتالي تم تقسيم الدراسة إلى ثلاثة محاور: يعرض الأول لدواعي تأسيس مجلس التعاون من وجهة النظر الرسمية الخليجية، فيما يحلل الثاني دوافع تأسيس المجلس في ضوء الظروف والعوامل الداخلية والإقليمية والدولية، أما المحور الثالث فيسعى لتفسير تأسيس مجلس التعاون في ضوء نظريات العلاقات الدولية، وذلك للموازنة بين النظرة الرسمية وغير الرسمية لدواعي التأسيس، وهو ما يساهم في الخروج ببعض الخلاصات في هذا الشأن.

دواعي تأسيس مجلس التعاون من وجهة النظر الرسمية الخليجية

تكشف الاقتراحات التي قدمتها الدول الأعضاء لتشكيل المجلس عن سيطرة الدافع الأمني على فكرة إنشائه؛ فمن بين ثلاثة اقتراحات قُدِّمت، كان الطابع الأمني مسيطرًا على اثنين منها، وهما الاقتراحان السعودي والعُماني؛ حيث دعا الأول إلى إنشاء منظمة خليجية تهدف إلى توحيد مصادر السلاح لدول الخليج، وإقامة تعاون واسع النطاق بين قوات الأمن الداخلي في الدول المعنية، بدلاً من إنشاء حلف عسكري، مع استبعاد فكرة الأحلاف العسكرية تمامًا مع الدول الأجنبية، كما طالب الاقتراح السعودي باشتراك القوات المسلحة النظامية في تأكيد سيادة كل دولة، وتسهيل المحافظة على القوانين والنظام الداخلي فيها، وتشجيع دول الخليج العربي على تحقيق الاستقلال الذاتي. فيما دعا الاقتراح العُماني إلى إنشاء قوة بحرية مشتركة لحماية مضيق هرمز والدفاع عنه بوصفه شريان الحياة في المنطقة.

أما الاقتراح الثالث والذي تقدمت به الكويت فرغم أنه لم يتحدث عن الجوانب العسكرية والأمنية، وركَّز على الجوانب الاقتصادية والثقافية والسياسية(3)، إلا أنه نابع في الأساس من مبادرة بحرينية نتيجة إدراك أمير البحرين الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة -رحمه الله- لضرورة مواجهة التهديدات الإقليمية ضد دول الخليج؛ ما دفعه إلى تكليف وزير الخارجية البحريني آنذاك الشيخ محمد ابن مبارك بنقل مقترح إلى ملك المملكة العربية السعودية في حينه الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- بإنشاء منظمة إقليمية تضم دول الخليج العربية تحت مظلة واحدة، وهو المقترح الذي حظي بتأييده وطلب نقله إلى أمير الكويت المرحوم الشيخ جابر الأحمد الصباح؛ الذي بارك بدوره الفكرة وأحالها إلى جامعة الكويت التي قامت بدراستها وتقدمت بمشروع إنشاء المجلس.

ورغم ذلك لم تُشِر ديباجة النظام الأساسي لمجلس التعاون -الذي وقَّعه قادة الدول الست في 25 مايو/أيار 1981- إلى البُعد الأمني، وإنما أشارت إلى عوامل قيام المجلس بالقول: ".. إدراكًا منها لما يربط بينها من علاقات خاصة وسمات مشتركة وأنظمة متشابهة أساسها العقيدة الإسلامية... وإيمانًا بالمصير المشترك ووحدة الهدف التي تجمع بين شعوبها... ورغبة في تحقيق التنسيق والتكامل فيما بينها بما يخدم الأهداف السامية للأمة العربية... واستكمالاً لما بدأته من جهود في مختلف المجالات الحيوية التي تهم شعوبها وتحقق طموحاتها نحو مستقبل أفضل وصولاً إلى وحدة هدفها... وتمشيًا مع ميثاق جامعة الدول العربية الداعي إلى تحقيق تقارب أوثق وروابط أقوى... وتوجيهًا لجهودها إلى ما فيه دعم وخدمة القضايا العربية والإسلامية، وافقت فيما بينها على إنشاء هذا المجلس"(4)، وفي هذا الإطار حدد النظام الأساسي أهداف مجلس التعاون الأساسية فيما يلي(5)

  • تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها.
  • تعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون القائمة بين شعوبها في مختلف المجالات.
  • وضع أنظمة متماثلة في مختلف الميادين بما في ذلك الشؤون الاقتصادية والمالية، والشؤون التجارية والجمارك والمواصلات، والشؤون التعليمية والثقافية، والشؤون الاجتماعية والصحية، والشؤون الإعلامية والسياحية، والشؤون التشريعية والإدارية. 
  • دفع عجلة التقدم العلمي والتقني في مجالات الصناعة والتعدين والزراعة والثروات المائية والحيوانية، وإنشاء مراكز بحوث علمية وإقامة مشاريع مشتركة وتشجيع تعاون القطاع الخاص.

وبعيدًا عن هذا وذاك، أي: طبيعة المبادرات التي طُرحت لإنشاء المجلس وما تضمنته ديباجة النظام الأساسي للمجلس، تكشف متابعة التصريحات الرسمية هي الأخرى عن وجود تنوع في دواعي التأسيس؛ حيث يذهب بعض التصريحات إلى أن نشأة المجلس جاءت نتيجة لتوافر مقومات وخصائص مشتركة محفزة للتكامل، فيما تشير تصريحات أخرى إلى أن النشأة تمثل استجابة لما شهدته فترة السبعينات وبداية الثمانينات من أحداث وتحديات.

فالعاهل السعودي الراحل الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- أشار إلى أن "إقامة مجلس التعاون لدول الخليج العربية يمثل الاستجابة العملية لمطلب وضرورة إقليمية أمْلتها متطلبات العصر، فضلاً عن توفر عنصر التجانس ومقومات التقارب بين دوله الست"(6)، وهو ما ذهبت إليه أيضًا الدكتورة "بهية الجشي" النائب الثاني لرئيس مجلس الشورى البحريني من أن "تشكيل مجلس التعاون لدول الخليج العربي كان أمرًا حتميًّا، نظرًا لامتلاك المنطقة الكثير من المقوِّمات المشتركة، والروابط الدينية والثقافية، إلى جانب تشابهها في الخصائص السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وصلات القربى التي تجمع العائلات الخليجية تبعًا للروابط بسبب التصاهر والتزاوج والنظام القبلي"(7).

في حين رأى السفير "عبدالله بشارة" الأمين العام الأول لمجلس التعاون أن "فكرة تأسيس المجلس جاءت من استياء تولَّد لدى قادة الخليج من الأساليب غير المعتادة وغير الأخلاقية، التي اتبعها بعض العواصم لتأمين الموافقة الخليجية على البرنامج الذي وضعته بغداد ضد مصر، إضافة إلى نجاح الثورة الإيرانية، وما رافقها من صخب ثوري شعاراتي، موجَّه ضد دول الخليج، وانفجار الحرب العراقية-الإيرانية في سبتمبر/أيلول 1980، والوضع المتوتر بين سلطنة عُمان واليمن الجنوبي، والتبدلات التي شهدتها الساحة الدولية، على إثر غزو الاتحاد السوفيتي لأفغانستان، والتهديد الذي رافقه لاستقرار باكستان"(8).

الظروف الإقليمية والدولية الدافعة لتأسيس مجلس التعاون

بعد رصد المواقف الرسمية، من المهم تحليل البيئة الإقليمية والدولية للتعرف على دورها في إنشاء مجلس التعاون الخليجي. وانطلاقًا من هذا، هناك بعض الاعتبارات المحلية والإقليمية والدولية التي وقفت وراء إنشائه، ويمكن إجمالها بالتالي:

أولًا: الاعتبارات الخاصة بمنطقة الخليج وتتمثل بـ:
1. الثورة "الإسلامية" وتطور الأوضاع الداخلية الإيرانية
شهدت الأوضاع الداخلية في إيران في منتصف العام 1978 تطورًا كبيرًا بسقوط حكم الشاه وإعلان قيام الجمهورية الإسلامية في فبراير/شباط 1979. وقد أدَّت هذه الثورة إلى تعقد الوضع الجيوستراتيجي المجاور لدول الخليج العربي، وصنعت تحولاً نوعيًّا بالغ التأثير في دول المجلس، مثَّل دافعًا لها لتأسيس المجلس بعد انهيار نظام الشاه في إيران، لكن هذا التحول الديناميكي في إيران استبدل بهاجس الخوف من نظام الشاه الخوف من زحف المؤثرات الشيعية إلى دول الخليج العربية، وطالت تهديداته مباشرة دولاً مثل الكويت والبحرين والمملكة العربية السعودية(9).   

2. الحرب العراقية-الإيرانية
اندلعت الحرب العراقية-الإيرانية في سبتمبر/أيلول 1980 واستمرت حتى عام 1988، وقد جاء اندلاع تلك الحرب قبل تأسيس مجلس التعاون الخليجي بنحو ثمانية أشهر ليسرِّع من اتجاه دول الخليج الست نحو تنفيذ توجهها المعلن بإنشاء المجلس، وذلك في ضوء ما ترتب على قيام الحرب من إشكاليات أمنية خطيرة للدول الخليجية التي وجدت نفسها أمام خيارات صعبة بين القوتين الرئيستين في المنطقة، وهما: العراق وإيران، وفي ظل إدراك دول المجلس لما يمكن أن تؤدي إليه الحرب بين البلدين من بروز مخاطر كبيرة، علاوة على أضرارها ليس فقط على طرفيها، وإنما أيضًا على كافة دول المنطقة(10).

3. تماثل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بين دول المجلس
تتميز دول الخليج العربية الست بتماثل الوضع الاقتصادي إلى حد كبير وكذلك تماثل التركيبة السياسية والاجتماعية، مع تطلع كل منها إلى تقليل الاعتماد على النفط، وتنويع مصادر الدخل والرغبة "الجادَّة" في إيجاد قاعدة صناعية قوية ومتنوعة. ويؤكد بعض الدراسات أن قرار إنشاء المجلس لم يكن وليد اللحظة، بل كان تجسيدًا مؤسسيًّا لواقع تاريخي واجتماعي وثقافي ممتد؛ حيث تتميز دول المجلس بعمق الروابط الدينية والثقافية، والتمازج الأسري بين مواطنيها، وهي في مجملها عوامل تقارب وتوحد عززتها الرقعة الجغرافية عبر البيئة الصحراوية الساحلية التي تحتضن سكان هذه المنطقة، والتي يسَّرت الاتصال والتواصل بينهم وخلقت ترابطًا بين سكان هذه المنطقة وتجانسًا في الهوية والقيم(11).    

ثانيًا: الاعتبارات الإقليمية
وتتمثل في الضعف الذي أصاب جامعة الدول العربية، بعد الجدل الذي أُثير حول معاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية، وانتقال الجامعة إلى تونس، وبالتالي تفكك عنصر الأمن القومي العربي الجماعي؛ مما أثار شعورًا بالفراغ الأمني داخل العالم العربي، فكان السعي الخليجي للتوصل إلى إطار لأمن منطقة الخليج التي تواجه تحديات كبيرة.

ويُرجع بعض الباحثين تأسيس مجلس التعاون للحاجة إلى الأمن الجماعي الإقليمي؛ حيث تم تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية في مايو/أيار 1981، وشكَّل الأعضاء المنتمون إليه قوة عسكرية للدفاع المشترك هي الأولى من نوعها في تاريخ المنطقة، لتعطي البُعد الخارجي للأمن الجماعي نتيجة لازدياد الصراع العسكري في المنطقة، واندلاع الحرب العراقية-الإيرانية التي أدت إلى فقدان كل من إيران والعراق أهليتهما للقيام بدور "شرطي" الخليج؛ ما أدى إلى تغيرات بنيوية في النظام الإقليمي، ودفع بدول الخليج العربية إلى تركيز الاهتمام على مسألة الاستقرار والأمن في المنطقة(12)
 
ثالثًا: الاعتبارات الدولية
وتتلخص في دخول منطقة الخليج في إطار الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفيتي، وفي هذا السياق جاء ردُّ "بريجنيف" على مبدأ "كارتر" بشأن أمن الخليج واستغلال الاتحاد السوفيتي لعلاقاته القوية مع العراق وبعض دول الخليج الأخرى في تقوية نفوذه بالمنطقة في مواجهة الولايات المتحدة الأميركية؛ مما أضفى نوعًا من التوتر على التفاعلات السياسية بها، خاصة مع اقتراب الاتحاد السوفيتي من المياه الدافئة في الخليج بعد غزوه أفغانستان عام 1979.

يُضاف إلى هذه الظروف عوامل عديدة أخرى، أهمها التغيرات التي حدثت على الصعيد الدولي، وخاصة في مجال العلاقات الاقتصادية العالمية، والتي نتجت عن انتقال السيادة النفطية من شركات ودول الاستهلاك الكبرى إلى المنتجين، في ضوء نظام اقتصادي جديد، يسعى إلى ترتيب العلاقات بين الشمال والجنوب، ويحاول أن يجعلها متكاملة ومتجاورة بدلاً من بقائها معتمدة على إحدى الجهات دون غيرها.

ويشير بعض الدراسات إلى أن فكرة التجمع الخليجي تعود إلى منتصف الثلاثينات؛ حيث شجَّعت بريطانيا فكرة إقامة اتحاد بين بعض الإمارات، كما تعددت المحاولات لتأسيس هذا التجمع. ويجد هذا التجمع مقوماته الأساسية في عوامل عدة يأتي في مقدمتها الاعتبار الأمني والشعور بالتهديد الخارجي، ويعضدها تماثل القيم الاجتماعية والثقافية المشتركة لشعوب المنطقة بتقارب قيمها وعاداتها وتراثها الثقافي. ويمثل العامل الجغرافي أهمية خاصة في هذا التجمع بحكم مقومات الارتباط المكاني، وبحكم الموقع، وكذلك العامل الاقتصادي الذي يتمحور حول النفط، وتشابه مشاكل أقطار المنطقة وطموحاتها من أجل التنمية والتحديث، بالإضافة إلى كونها أقطارًا قليلة السكان تعتمد إلى حد كبير على العمالة الوافدة التي تفوق نسبتها في أكثر هذه الأقطار نسبة العمالة المواطنة. وعلاوة على هذا، فإن التجانس السياسي يضيف بعدًا مهمًا؛ إذ تتبع هذه الأقطار أنظمة حُكم متشابهة، وفلسفة اقتصادية متقاربة، كما تتشابه إلى حد كبير في ارتباطها الوثيق بالمعسكر الرأسمالي الغربي(13)

إجمالًا، يمكن إرجاع دوافع تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية إلى جملة من الظروف، أهمها(14)

  • الصراع في أفغانستان، والآثار السلبية للاحتلال السوفيتي التي يمكن أن تنعكس على منطقة الخليج، وما أبدته موسكو من اهتمام بأمن المنطقة وعزمها على المشاركة في شؤونه، وقد أدى هذا الموقف إلى دخول دول الخليج لأول مرة دائرة الحرب الباردة عندما رد "بريجينيف" على نظرية "كارتر" حول أمن الخليج، خاصة وأنه كان لموسكو صداقة مع العراق وعلاقات متطورة مع الكويت جعلت الخلاف حول دور موسكو والعلاقات معها موضع جدل بين دول الخليج العربية.
  • قيام الثورة "الإسلامية" في إيران في فبراير/شباط 1979، وسياسات إيران التي أثارت شكوك دول الخليج خاصة تلك المتعلقة بعزم إيران على تصدير ثورتها إلى دول الخليج، وبداية الجدل بين الشيعة والسنة في المنطقة، وبين النظم الجمهورية والنظم الملكية، مما خلق جوًّا من التوتر والريبة على ضفتي الخليج. 
  • تجدد المنازعات والتوترات بين العراق وإيران حول قضايا ثنائية وخليجية؛ حيث رغبت القيادة العراقية حينها في تعديل اتفاق الجزائر لعام 1975 حول شط العرب، وأثارت في نفس الوقت عددًا من المنازعات "الخامدة"، وإن كان مفهومًا أن إيران الثورة كانت ترغب في إعادة النظر في مجمل المصالح والسياسات والتوازنات في الخليج وأكبر دوله العراق. ولا شك أن الصراع السياسي ثم العسكري بين العراق وإيران، أقوى دولتين في الخليج، يعرِّض أمن دول الخليج العربية لمختلف المخاطر، ويجعل من الضروري اتخاذ موقف موحد متزن يقلِّل مضار اشتعال فتيل الأزمة في المنطقة، وربما يعطي هذه الدول فرصة القيام بدور المنطقة العازلة السياسية والمحايدة أو دور الوسيط لتسوية الصراع. 
  • انقسام العالم العربي بشدة إزاء خطوات السلام المصري-الإسرائيلي؛ مما عرَّض مفاهيم الأمن القومي العربي للخطر، ودور الجامعة العربية التي عانت هي الأخرى من تلك الظروف، وأثار ذلك شعورًا بالفراغ الأمني وجعل الحاجة ملحَّة إلى إطار للتشاور ودراسة المواقف والمصالح بين دول الخليج العربية. 

إنَّ هذه العوامل والظروف أدخلت الخليج في نطاق الثنائية الدولية؛ مما ألحق الضرر وجلب التوتر والقلق لدول الخليج نفسها؛ ذلك أن الصراع في أفغانستان كان إلى حد كبير سوفيتيًّا-أميركيًّا قريبًا من الخليج، ومثيرًا لقلق الدولتين العظميين على مصالحهما فيه، كما أن الاهتمام الأميركي بالمصالح البترولية والسياسية في الخليج وإزاء إسرائيل قد أبرزه قلق واشنطن من سياسات الثورة الإسلامية في إيران وتصديها لها، فجمعت واشنطن بين مساندة "المجاهدين" ومناهضة إيران لأسباب متناقضة بالطبع.

النظريات المفسرة لتأسيس مجلس التعاون الخليجي

تتعدد النظريات المفسرة في حقل العلاقات الدولية لتأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ومنها:

النظرية الليبرالية الجديدة (منظور الاعتماد المتبادل)
يشير "الاعتماد المتبادل" إلى موقف يؤثر فيه الأشخاص أو الأجزاء المتعددة في الأجزاء المختلفة من نظام معين على بعضهم البعض؛ أي: تعني الاعتماد المشترك(15). ويشير الاعتماد المتبادل في العلاقات الدولية إلى الوضعية التي تتميز بالتأثيرات التبادلية بين الدول أو بين فاعلين من دول مختلفة(16).

وترى النظرية الليبرالية الجديدة أن المؤسسات (الإقليمية-الدولية) تنظم المصالح بين الدول وتضعها في ترتيبات تعاونية فيما بينها، كما أنها تساعد في التخفيف من الفوضى في النظامين الإقليمي والدولي، وتؤدي مشاركة الدول في المنظمات الدولية إلى تشجيع التعددية والتعاون كوسيلة لتأمين المصالح الوطنية وتساعد في التغلب على معوقات تحقيق الاعتماد المتبادل(17).

وتكشف الليبرالية الجديدة عن صعوبة تحقيق التعاون في حالة عدم وجود مصالح متبادلة بين الدول، فالدول تتعاون من أجل تحقيق مكاسب مطلقة، والمشكلة الرئيسة أو العقبة الكبرى تتمثل في وجود عدم امتثال والتزام بالتعاون من جانب بعض الدول، ومن ثمَّ ووفقًا لليبرالية الجديدة فإنه يمكن إقناع الدول والفاعلين الآخرين بالتعاون إذا أصبح لديهم ثقة في أن جميع الدول سوف تلتزم بالقواعد، وأن هذا التعاون سيفضي إلى تحقيق مكاسب مطلقة. وتشير النظرية أيضًا إلى أن هناك مجالات يكون فيها التعاون أكثر سهولة كالتعاون والتواصل والمبادرات الاقتصادية والثقافية، أما التعاون في مجال الأمن والأمور العسكرية فنجد الليبراليين الجدد أقل تفاؤلاً بشأنه(18). وترى الليبرالية الجديدة أن درجة عالية من الترابط تؤدي إلى تعاون أكبر بين الدول مما يدعم الاستقرار في النظامين الدولي والإقليمي(19).

ويكشف بعض الدراسات توقف الاعتماد المتبادل على عدة مؤشرات، أهمها(20):

  • حجم المعاملات التي تتم بين الفاعلين الرئيسيين في النظام.
  • درجة حساسية الفاعلين الدوليين للتغيرات التي تحدث في النظام. 
  • قابلية الفاعلين للتأثر بالعوامل الخارجية.
  • توافر أطر مؤسسية للتفاعل بين الوحدات الدولية.

ووفقًا لهذه النظرية؛ فإن تأسيس مجلس التعاون جاء لتنظيم المصالح بين دول الخليج الست ووضعها في ترتيبات تعاونية فيما بينها، كما أنه يمثل وسيلة لتأمين المصالح الوطنية لتلك الدول، ويساعد في التغلب على معوقات تحقيق الاعتماد المتبادل بين الدول الست. وترجع سهولة التعاون بين تلك الدول وفقًا للنظرية إلى وجود مصالح متبادلة فيما بينها، فالدول اتجهت إلى التعاون وتأسيس المجلس من أجل تحقيق مكاسب مطلقة مع وجود قدر من الثقة في امتثال والتزام الدول الست بقواعد التعاون. وقد سار مجلس التعاون في تأسيسه إلى المجالات التي يكون التعاون فيها أكثر سهولة كالتعاون والتواصل والمبادرات الاقتصادية والسياسية والثقافية، مع تأجيل "أو عدم إعلان" التعاون في مجال الأمن والأمور العسكرية في البداية.

نظريات التكامل الإقليمي
نشأت نظريات التكامل الإقليمي لتفسير عملية التكامل بين الدول المختلفة من حيث الدوافع والقوى المحركة والآليات مع التنبؤ بمستقبل هذه العملية. ويُعرَف التكامل الإقليمي بأنه "عملية ينتج عنها بروز كيان فوق قومي تؤول إليه مسؤولية أداء الاختصاصات الوظيفية التي كانت تتحملها الحكومات الوطنية في السابق، وهذا الكيان الدولي الجديد والموسع يصبح بمثابة النواة المركزية التي تحاول أن تستقطب كل الولاءات والتوقعات والأنشطة السياسية للأطراف القومية التي أوجدته، وهو بأجهزته ومؤسساته يستطيع أن يمد سلطاته إليها...إلخ".

وتعد "النظرية الوظيفية" واحدة من أهم نظريات التكامل المفسرة لتأسيس مجلس التعاون. وترتبط هذه النظرية بإسهامات "ديفيد ميتراني"، وتقوم فكرة النظرية على ضرورة الفصل بين الجوانب السياسية والجوانب الوظيفية في عملية التكامل، والتركيز على التكامل الوظيفي في القطاعات الفنية المختلفة، والتخلي عن فكرة الاتحاد السياسي. ويضرب "ميتراني" مثالاً بعصبة الأمم التي انهارت بعد الحرب العالمية الأولى في حين استمرت منظمة العمل الدولية -وهي منظمة وظيفية- في أداء عملها. والتصور النهائي لعملية التكامل لدى "ميتراني" يقوم على إنشاء تنظيمات وظيفية دولية، وتقوم الدول بنقل جزء من سيادتها في هذه القطاعات الفنية إلى المؤسسات الدولية "الإقليمية" مع الاحتفاظ بسيادتها السياسية.

كما يقوم نموذج التكامل الوظيفي على رفض مبدأ الاندماج الدستوري الكامل بين الوحدات القومية الأعضاء في تلك الترتيبات التعاونية، ويفضل عليها التقدم التدريجي المحسوب والمدروس على طريق التكامل، وذلك من خلال التركيز على قطاعات محددة، ويفترض النموذج الوظيفي أن الدول حتى وإن تشابهت ظروفها أو تلاقت مصالحها، فإنها لا تستطيع أن تحقق الاندماج الفوري والشامل الذي يمكن أن يمتد إلى مختلف جوانب الحياة فيها؛ فالتكامل الإقليمي بأسلوب الإنجاز المرحلي يمكن أن يقود إلى التوسع المستمر لإطار العملية التكاملية، بحيث تشمل في النهاية كل هذا معًا.

وتحدد نظريات التكامل مجموعة من المتطلبات الأساسية التي يستلزمها تحقيق التكامل الإقليمي، وأهمها: 

  • التماثل الاجتماعي: ويعد من الشروط المسبقة لتحقيق التكامل الإقليمي، باعتباره المحرك الاجتماعي في خلق الدافع إلى التكامل كما يسميه "كارل دويتش"، ويقصد به ضرورة توافر اتجاهات فوق قومية مشتركة لدى أطراف عملية التكامل. وثمة اتفاق بين الباحثين على أن هناك حدًّا أدنى من المتطلبات لا يمكن النزول عنه إذا ما أُريد لهذه العملية التكاملية أن تبدأ وتستمر، ومن أبرز هذه المتطلبات: غياب مشاعر التعصب الثقافي القومي، ووجود علاقات ودية بين الحكومات المعنية، والاتفاق المشترك على أهداف السياسية الخارجية. 
  • التشارك في القيم: وخاصة بين النخب؛ إذ تعزز قوة الدفع في عملية التكامل. فبالنسبة للتكامل الاقتصادي مثلاً، قد يتحقق الانتماء القيمي المشترك من خلال الارتباط بالأيديولوجية الرأسمالية أو الاشتراكية. وبالنسبة للتكامل السياسي، قد يتحقق عامل التشارك في القيم من خلال اعتناق المبدأ الديمقراطي... إلخ.
  • المنافع المتبادلة: إن توقع المنافع على أساس متبادل هو أيضًا من أهم المتطلبات المسبقة لتحقيق التكامل الإقليمي، فهي توفر الحافز للتنازل عن بعض صلاحيات السيادة القومية، وبدون هذا التوقع فإن الدول تتردد في الارتباط بعمليات تكاملية مقيدة لسلطتها. 
  • علاقات تاريخية ودية: ويقصد بها أن يكون السجل التاريخي للعلاقة بين أطراف عملية التكامل يصب في اتجاهات تعزز الطابع السلمي للتعامل المشترك؛ إذ لا يمكن تصور أن ينطلق التكامل من حصيلة متراكمة من التفاعلات السلبية أو الانطباعات العدائية حتى وإن كان قد طرأ على تلك العلاقة في خطوطها العامة بعض التحسن النسبي فيما بعد. 
  • المؤثرات الخارجية: ويقصد بها المؤثرات الخارجية المحفزة لأطراف العملية التكاملية، وقد يتمثل التأثير الخارجي في صورة: تهديدات العدوان، أو الحرب الموجهة ضد هذه الأطراف، أو الشعور بالتهديد الاقتصادي الخارجي... إلخ.
  • ووفقًا لنظريات التكامل، فإن تأسيس مجلس التعاون جاء متسقًا مع الطرح الوظيفي القائم على إنشاء تنظيمات وظيفية دولية مع احتفاظ الدول بسيادتها السياسية ورفض مبدأ الاندماج الدستوري الكامل بين الدول الأعضاء في المجلس.

كما سعت الدول الست إلى التقدم التدريجي المدروس على طريق التكامل من خلال التركيز على قطاعات محددة؛ أي من خلال اتباع أسلوب الإنجاز المرحلي بما يؤدي إلى التوسع المستمر لإطار العملية التكاملية وصولاً إلى الوحدة، وهو ما أكد عليه النظام الأساسي لمجلس التعاون.

كما كشف الواقع عن توافر المتطلبات الأساسية التي يستلزمها تحقيق التكامل وفقًا لنظريات التكامل الإقليمي في دول مجلس التعاون الست، ومنها: التماثل الاجتماعي، والتشارك في القيم، والمنافع المتبادلة، والعلاقات التاريخية الودية، والمؤثرات الخارجية المتمثلة في النزاعات القريبة من تلك الدول. وفي إطار هذه النظريات المفسرة وانطلاقًا من الظروف والعوامل الداخلية والإقليمية والدولية، تقرر الإعلان عن قيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية في مايو/أيار 1981.

خاتمة

بعد استعراض وجهات النظر الرسمية ورؤى المحللين والنظريات المفسرة لإنشاء مجلس التعاون لدول الخليج يمكن القول: إن نشأة المجلس جاءت في مرحلة تاريخية كان الخليج العربي يضطرب فيها أمنيًّا وعسكريًّا، فرضت على مجلس التعاون أن يجعل قضية الأمن والدفاع في مقدمة أولوياته رغم أن البيان الأول للمجلس الأعلى لمجلس التعاون في أبو ظبي في مايو/أيار 1981 لم يتحدث عن الأمن بصورة مباشرة؛ حيث أشار إلى أن أسباب ودواعي تأسيس مجلس التعاون تتمثل فيما يربط تلك الدول من علاقات تاريخية وطيدة وسمات مشتركة وأنظمة متشابهة.

ولعل ذلك نابع من إدراك واضعي النظام الأساسي، أن مفهوم الأمن الداخلي والخارجي لن يكون محل إجماع في تلك اللحظة؛ ولذا أكد نظامه الأساسي على هدف أولي، وهو قيام الوحدة بين أعضائه من خلال مراحل التعاون والتنسيق وتقريب وجهات النظر، ودمج المؤسسات وتوحيد السياسات وتأكيد مظاهر الاختلاف، لتتوازى معها مرحلة قطع فيها المجلس شوطًا طويلاً في توحيد مفهوم الأمن الجماعي وتشكيل قوات درع الجزيرة التي كانت نواة لجيش خليجي قام بدور عملي ومعنوي في تحرير الكويت عام 1991(21)، اقتناعًا بأن "الحديث عن فراغ القوة في المنطقة والثروة التي ليس لها صاحب يمكن أن ينتهي إلى الأبد، إذا قام أصحاب البيت بعزم ثابت وأكيد بدورهم الجماعي"(22).

وأخيرًا، يمكن الخروج بالخلاصات التالية:

  1. لم يمنع "هاجس الأمن" دول مجلس التعاون من التركيز على الجوانب المختلفة للتعاون فيما بينها، اقتصاديًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا، سعيًا إلى تحقيق هدف أساسي وهو قيام الوحدة فيما بينها.
  2. ساهمت الظروف والعوامل الخارجية (الإقليمية-العالمية) بدور أكبر في تأسيس مجلس التعاون، وبدرجة تفوق دور العوامل الداخلية، وقد استمر المجلس رغم اختفاء معظم العوامل الخارجية، وبالتالي فثمة تمييز بين العوامل والظروف المؤدية لقيام المجلس، والعوامل التي تبرر استمرار المجلس. 
  3. رغم تأكيد دول المجلس على أن أمن الخليج يضمنه أبناؤه، فقد ميزت بين أمن دول الخليج العربية والأمن الإيراني، ولذا كان وقوفها إلى جانب العراق في حربه مع إيران، كما أكدت على أن الأمن الخليجي هو جزء من الأمن القومي العربي، وليس منفصلاً عنه، كما حاولت إيران أن تروج لذلك. 
  4. أدت النشأة سالفة الذكر لمجلس التعاون إلى تمتعه بصفة الاستمرارية والبقاء فيما فشل كثير من تجارب الوحدة العربية الأخرى على الرغم من التحديات الكثيرة التي أحاطت به منذ إنشائه، وكانت كفيلة بوأده وتعطيل أعماله، كالخلافات الحدودية بين عدد من أعضائه، والحرب العراقية-الإيرانية على حدوده، إضافة إلى الثورة الإيرانية واتجاهاتها، وأخيرًا الغزو العراقي للكويت في 2 أغسطس/آب 1990.

_________________________________
عمر الحسن - رئيس مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية-لندن
 
الهوامش
1) الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، مجلس التعاون لدول الخليج العربية: عشرون عامًا من الإنجازات، يناير/كانون الثاني 2002، ص3. 
2) د. عبد الله بن عبد الله العبيد، السياسات الزراعية المشتركة للتجمعات الإقليمية "تجربة مجلس التعاون لدول الخليج العربية"، ورقة مُقدمة إلى ورشة العمل حول متطلبات تهيئة السياسات الزراعية للدول العربية لإقامة الاتحاد الجمركي العربي، عمّان، الأردن، 29-31 ديسمبر/كانون الأول 2007، ص4.
3) K. J. Holsti, "Change in the international system: Interdependence, Integration and Fragmentation", In: Ole R. Holsti, R. Siverson, A. George (eds.), Change in the International System, (Colorado: Westview Press, 1980), PP.2-24.  
4) نزيرة الأفندي، الاعتماد المتبادل لمجابهة العولمة، السياسة الدولية، العدد 141، يوليو/تموز 2000، ص142-144. وانظر أيضًا:
- Robert O. Keohane, Joseph S. Nye: Power and Interdependence: World Politics Transition, (Boston: Little Brown Co., 1977).
5) Charles W. Kegley Jr.: The Neoliberal Challenge to Realist Theories of World Politics: An Introduction, in: Charles W. Kegley Jr. (Ed.): Controversies in International Relations Theory: Realism and The Neoliberal Challenge, (New York: St. Martin's Press, 1995), P.4.
6) Stanely J. Michalak: Theoretical Perspectives for Understanding International Interdependence, World Politics, Vol.32, No.1, Oct., 1979, PP.136-150.
7) Fred Bergoten, Robert Keohane, J. Nye, International Economic and International Politics: A Framework for Analysis. International Organizational Economic System, In: Fred Bergsten (ed.), The Future of International Economic Order: An agenda for Research, (Virginia: Lexington Books, 1973, P.147. 
8) د. سعيد النجار، الاعتماد المتبادل وعالمية الاقتصاد بالإشارة إلى الواقع العربي، مقاربة نظرية، (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1990)، ص16.
9) د. سيد إبراهيم الدسوقي، مجلس التعاون الخليجي: دراسة قانونية تحليلية في ضوء القواعد العامة للمنظمات الدولية، (القاهرة: دار النهضة العربية، 2004)، ص36-38.
10) النظام الأساسي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، موقع الأمانة العامة لمجلس التعاون:
http://www.gcc-sg.org/indexfc7a.html.
11) المادة الرابعة، النظام الأساسي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، مرجع سابق.
12) بيان الملك فهد بن عبدالعزيز، صحيفة الشرق الأوسط، 5 سبتمبر/أيلول 1997.
13) بهية الجشي، الوسط البحرينية، العدد 4355، 10 أغسطس/آب 2014.
14) السفير عبد الله بشارة، عبدالله بشارة.. بين الملوك والشيوخ والسلاطين: يوميات الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية 1981-1993، (الكويت: المركز الدبلوماسي للدراسات الاستراتيجية، 2005)، ص24-25.
15) د. سعيد حارب المهيري، مسيرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية: الأهداف-الأداء-الإنجازات، سلسلة محاضرات الإمارات، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، العدد 29، 1999، ص10. 
16) د. مصطفى علوي، ثلاثون عامًا على مجلس التعاون الخليجي، مجلس الفكر العربي، (القاهرة: مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية،2010).
17) مجلس الفكر العربي، مجلس التعاون لدول الخليج العربية في عيده الثلاثين: تقييم الأداء ومقترحات للتفعيل، (القاهرة: مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية، 2011)، ص32-33.
18) د. مصطفى عبد العزيز مرسي، الأهمية النسبية لخصوصية مجلس التعاون لدول الخليج العربية ومتطلبات التكامل، دراسات استراتيجية، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، العدد 96، 2004، ص7-18. 
19) د. جمال سند السويدي، مجلس التعاون لدول الخليج العربية على مشارف القرن الحادي والعشرين، (أبو ظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، ط2، 1999)، ص23.
20) د. أسامة عبد الرحمن، مجلس التعاون الخليجي: توجه نحو الاندماج أم نحو الانفراط؟، المستقبل العربي، العدد 218، إبريل/نيسان 1997، ص14-15. وأيضًا: محسن عوض، محاولات التكامل الإقليمي العربي في الوطن العربي، المستقبل العربي، العدد 121، مارس/آذار 1989، ص77-78.
21) د. عبد الله الأشعل، تطور العلاقات الدولية لمجلس التعاون الخليجي في ضوء المتغيرات الإقليمية والعالمية، (القاهرة: مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية، 1999)، ص10-12.
22) د. عمر الحسن، مجلس التعاون بعد 25 عامًا من إنشائه، مجلة شؤون خليجية، مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية، العدد 46، صيف 2006، ص6.

عودة للصفحة الرئيسية للملف

نبذة عن الكاتب