(الجزيرة) |
شهد مطلع العام 2014 تطورًا نوعيًّا غير مسبوق في العلاقات الخليجية-الخليجية، تمثل في سحب ثلاث دول خليجية، هي: المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين سفراءها من دولة قطر، وهو ما هدد بتداعيات بالغة الخطورة على مستقبل مجلس التعاون الخليجي، كمنظمة إقليمية رائدة في العالم العربي.
وعلى الرغم من انفراج تلك الأزمة الخليجية-الخليجية بعد اجتماع القادة الخليجيين في قمة الرياض التشاورية في السادس عشر من نوفمبر/تشرين الثاني 2014، وعودة السفراء إلى العاصمة القطرية، الدوحة، قبل انعقاد القمة الخليجية الخامسة والثلاثين فيها في التاسع من شهر ديسمبر/كانون الأول 2014، إلا أن تلك الأزمة الدبلوماسية غير المسبوقة بين عدد من أعضاء المنظومة الخليجية منذ تأسيسها قبل أكثر من ثلاثة عقود، أبرزت الحاجة الملحَّة لتقييم مسيرة التعاون الخليجي، بعد أكثر من 33 عامًا من تأسيسه، وذلك بالنظر إلى كون هذه الأزمة قد سلَّطت الضوء على عدد من مظاهر التباينات الجليَّة بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي إزاء العديد من الملفات الإقليمية والدولية، لاسيما فيما يتعلق بتبعات ما بات يُعرف بثورات الربيع العربي، وبشأن قضايا جوهرية أخرى ذات علاقة بالمأمول أن يكون عليه مستقبل المسيرة الخليجية في التكامل والتنسيق والتعاون الجماعي على مختلف المستويات السياسية، والاقتصادية، والأمنية، والعسكرية، فضلًا عن السياسة الخارجية.
لا شك بأنَّ التحديات والتهديدات الأمنية التي تحدق بمنطقة الشرق الأوسط بشكل عام، وبمنطقة الخليج بشكل خاص، والمتأتِّية من الجوار الإقليمي، قد لعبت دورًا مهمًّا في التوصل إلى تسوية بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، والوصول إلى نقطة طي صفحة الخلاف التي أدت إلى عودة السفراء الخليجيين إلى الدوحة؛ وقد تمثلت أهم التطورات الجيوسياسية التي شهدتها المنطقة خلال الربع الأخير من العام 2014، في الثلاثية التالية:
-
تمدد ما يُعرف بتنظيم الدولة الإسلامية في شمال الجزيرة العربية وتحديدًا في كل من سوريا والعراق، وتهديده بالوصول إلى عمق الخليج العربي.
-
تمكُّن جماعة الحوثي من السيطرة على مفاصل الدولة اليمنية في جنوب شبه الجزيرة العربية.
-
سيرورة المفاوضات بين مجموعة 5+1 (روسيا، الصين، فرنسا، بريطانيا، الولايات المتحدة الأميركية+ألمانيا) من جهة وإيران من جهة ثانية، والنتائج المحتمل التوصل إليها خلال الأشهر القادمة، والتي قد لا تكون بالضرورة في صالح دول مجلس التعاون الخليجي من حيث التوازنات الإقليمية.
بناء على ما تقدم، يسعى هذا الملف الذي يقدمه مركز الجزيرة للدراسات إلى تقديم رؤية تقييمية لمسيرة التعاون الخليجي على مدار أكثر من ثلاثة عقود، كما يحاول استشراف السيناريوهات المحتملة لمساره المستقبلي، في ضوء التطورات الإقليمية، والدولية.
يتضمن هذا الملف خمسة محاور رئيسة، تناولها بالبحث مجموعة من الباحثين والخبراء بالشأن الخليجي، وقد جاءت على النحو التالي:
المحور الأول: مجلس التعاون الخليجي: دواعي التأسيس، مرتكزات الوحدة، المعطيات الإقليمية والدولية
-
أسباب ودواعي تأسيس المجلس وفقًا لوجهة النظر الرسمية.
-
فكرة الوحدة الخليجية في الرأي العام الخليجي "غير الرسمي".
-
السياق الإقليمي والدولي الراهن وإعادة تعريف المبادئ الحاكمة للعلاقات الخليجية-الخليجية.
وتمَّ تناول هذا المحور في ورقتين:
حيث تناول الدكتور/ عمر الحسن، بالبحث أسباب ودواعي تأسيس مجلس التعاون الخليجي من وجهة النظر الرسمية للدول الأعضاء في المجلس.
كما رصد الباحث/ غسان الشهابي، موقف الخليجيين من فكرة الاتحاد الخليجي وكيف لعب الإعلام المحلي في الدول الخليجية دورًا مهمًّا في صناعة الرأي العام لمواطني دول الخليج من الوحدة الخليجية.
المحور الثاني: تحديات مسيرة التعاون الخليجي خلال العقود الثلاثة الماضية
-
التعاون والتكامل الاقتصادي الخليجي: إنجازات مؤثرة.
-
التعاون الأمني والعسكري الخليجي: نتائج محدودة.
وقد تمَّ البحث في هذا المحور من خلال ورقتين أيضًا:
يحاول الدكتور/ خالد شمس عبد القادر، في ورقته المعنونة "التعاون والتكامل الاقتصادي بين دول مجلس التعاون: الإنجازات والعقبات"، أن يغوص في أعماق ذلك التعاون في واحد من أهم مجالات التعاون بين الدول "الاقتصاد"؛ ليرصد بالتحليل ما تمَّ تحقيقه فعلًا، ويشير بالبنان إلى العقبات التي أعاقت الوصول إلى التعاون والتكامل التام بين الدول العضاء في المجلس.
أما الدكتور/ ظافر العجمي، فقد حاول في بحثه أن يجيب على سؤال طرحه بدايةً كعنوان لورقته "التعاون العسكري الخليجي: إنجازات ملموسة أم نتائج محدودة؟".
المحور الثالث: التعاون الخليجي: بين تعميق التكامل وتوسعة العضوية
-
ضرورات ودوافع ومستقبل الاتحاد الخليجي.
-
توسعة عضوية مجلس التعاون: الخيارات والمحددات.
تناول كل من الباحثين، الدكتور/ يحيى الزهراني، والدكتور/ سعود التمامي هذا المحور؛ حيث سعى الدكتور/ الزهراني من خلال ورقته إلى أن يجيب على تساؤل مفاده "هل الاتحاد الخليجي ضرورة أم خيار؟".
أمَّا الدكتور/ التمامي فقد تناول قضية "توسعة عضوية مجلس التعاون الخليجي: الخيارات والمحددات"، وذلك في ضوء السياق الإقليمي الضاغط على دول مجلس التعاون الخليجي العربية، والذي يدفعها بشكل دوري إلى محاولات إعادة تموضعها الإقليمي بغرض تحسين مكانتها الجيوسياسية وتجنيبها مخاطر التحديات والتهديدات المحتملة.
المحور الرابع: العلاقات البينية: تنافس المصالح وتباين الرؤى
تناول الباحث/ إسلام خالد حسن مسألة الخلافات الخليجية-الخليجية، لاسيما الأزمة الدبلوماسية التي هزت أركان مجلس التعاون الخليجي خلال العام 2014، والتي أدت إلى سحب سفراء كل من السعودية والإمارات والبحرين من الدوحة، وحاول أن يبحث في أسبابها وآليات حلها.
المحور الخامس: الخليج والتحديات المستقبلية
تشارَك في أوراق هذا المحور ثلاثة من الخبراء الخليجيين، هم: الدكتور/ أحمد الأزدي، والدكتور/ طه الفرَّاء، والدكتور/ جاسم حسين؛ حيث تطرق الدكتور/ الأزدي، إلى قضية في غاية الأهمية ألا وهي "أثر الطائفية السياسية والإرهاب على الأمن الوطني والجماعي لمنظومة مجلس التعاون الخليجي"، بينما تناول الدكتور/ الفرَّاء مسألة "أمن الموارد المائية في دول مجلس التعاون الخليجي: الواقع والمستقبل". وأخيرًا، سعى الدكتور/ حسين إلى البحث في "بدائل الطاقة ومستقبل النفط والغاز في منطقة الخليج".
ونختم هذا الملف بمجموعة من النتائج والتوصيات بناءً على أهم ما تضمنته الأوراق البحثية التي جمعها هذا الملف الخليجي.
_____________________
د. جمال عبد الله - باحث في مركز الجزيرة للدراسات
عودة للصفحة الرئيسية للملف |