هل يتنامى دور إيران في آسيا الوسطى؟

تبحث هذه الورقة في قضية التقارب الحالي بين الولايات المتحدة وإيران، وتأثير ذلك على تنامي الدور الإيراني في آسيا الوسطى، وتدخل الورقة في صلب القضية من خلال مناقشة أسئلة كثيرة حول الدور المتزايد الذي يمكن أن تؤديه الأخيرة في أفغانستان وآسيا الوسطى.
201433172215658371_20.jpg
(الجزيرة)

ملخص
تبحث هذه الورقة في قضية التقارب الحالي بين الولايات المتحدة وإيران، وتأثير ذلك على تنامي الدور الإيراني في آسيا الوسطى، وتدخل الورقة في صلب القضية من خلال مناقشة أسئلة كثيرة حول الدور المتزايد الذي يمكن أن تؤديه الأخيرة في أفغانستان وآسيا الوسطى (كازاخستان، قيرغيزستان، وطاجكستان، وتركمنستان، وأوزبكستان).

ويرى الباحث أنه على رغم كل ما هو ظاهر للعيان، فينبغي عدم المبالغة في تقدير التقارب الملحوظ بين طهران وواشنطن، حتى لو بدت عليه علامات النجاح، فإن هذا التقارب سيكون عملية طويلة الأمد من الناحية النسبية؛ ومع ذلك فإن التقدم في هذا الاتجاه يُثير ثلاثة أسئلة: 

  1. إلى أي مدى سوف يساهم دور إيران المتزايد في تعديل الوضع الجيوسياسي في المنطقة؟ 
  2. هل تأمل إيران في أن تستثمر مزيدًا من نفوذها في المنطقة فيما يتعلق بالتجارة الاقتصادية؟ 
  3. هل يشكل نفوذ إيران السياسي الديني خطرًا على دول آسيا الوسطى وأفغانستان، كما يزعم بعض القادة السياسيين من أبناء المنطقة، وكما يرى عدد من المحللين المحليين والغربيين؟

وتخلص الورقة إلى أن الدولة الإيرانية تقدم نفسها كشريك براغماتي؛ لديه إرادة في أن يضع جانبًا خلافاته الأيديولوجية مع أفغانستان ومع جيرانه في وسط آسيا، فيما يتعلق بالموقف من إسرائيل والطبيعة العلمانية للأنظمة؛ وذلك من أجل تشجيع التعاون الإقليمي، وعلى الأرجح فإن إيران لن تضيع أي فرصة لفرض نفسها أكثر على المسرح الإقليمي.

يثير التقارب الحالي بين الولايات المتحدة وإيران أسئلة كثيرة حول الدور المتزايد الذي يمكن أن تؤديه الأخيرة في أفغانستان وآسيا الوسطى (كازاخستان، قيرغيزستان، وطاجكستان، وتركمنستان، وأوزبكستان)؛ حتى هذه اللحظة تمثل إيران "الحلقة المفقودة"، التي لا غنى عنها في التكامل الإقليمي في المنطقة؛ ولكن العقوبات التي فرضها عليها المجتمع الدولي عرقلت تطوير علاقات إيران السياسية والاقتصادية مع جيرانها، كما أعاقت إسهامها في إعادة إعمار أفغانستان واستقرارها.

بيد أن إيران لم تَدَّخِرْ جهدًا في محاولة فرض نفسها على المشهد الإقليمي؛ فبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، شاعت قراءة متحيزة فيما يتعلق بوسط آسيا؛ ركزت تلك القراءة على "إعادة اكتشاف" هوية تلك المنطقة الثقافية الإسلامية، وإلى حدٍّ ما على هُويتها اللغوية وعلاقتها بإيران (وتركيا)، وسيطرت تلك القراءة على الأطر المرجعية في كل من الغرب وعلى الفاعلين المعنيين أنفسهم؛ ومع ذلك سرعان ما ضَعُفتْ احتمالات حصول اندماج سريع لوسط آسيا في العالم الإسلامي، وعلى الرغم من أن إيران تمكنت من بناء نفوذ مداه بعيد، وشراكات براغماتية مع جيرانها، فقد بدا أن علاقاتها مع آسيا الوسطى كانت تخبو، بسبب مخاوف أبدتها بعض بلدان آسيا الوسطى وهي ترى تعزيز حضور "الإسلام السياسي" على أراضيها، وصاحبَ ذلك بداية التوترات الروسية الأميركية في حوض قزوين؛ حيث حاولت روسيا إعادة التأكيد على مكانتها كقوة عظمى، فضلاً عن وصول الصين لمناطق آسيا الوسطى، وأخيرًا وبعد كل شيء الضغوطات الأميركية لعرقلة كل المشاريع واسعة النطاق، التي لها علاقة بالتعاون مع طهران؛ ففي أفغانستان حاولت إيران كسب النفوذ؛ ولكن يعيقُ تلك المحاولة اللعبةُ الجيوسياسية، خاصة الضغوطات التي تمارسها واشنطن.

وعلى الرغم من كل ما هو ظاهر للعيان، فينبغي عدم المبالغة في تقدير التقارب الملحوظ بين طهران وواشنطن، حتى لو بدت عليه علامات النجاح، فإن هذا التقارب سيكون عملية طويلة الأمد من الناحية النسبية؛ إذ يجب أن يتم التغلب على عقبات عديدة؛ (من هذه العقبات معارضة بعض الدوائر السياسية وترددها، سواء في إيران أو في أميركا؛ بل وفي بعض الدول؛ مثل: إسرائيل، وتركيا، وروسيا، والصين.. إلخ)، ومع ذلك فإن التقدم في هذا الاتجاه يثير ثلاثة أسئلة: 

  1. إلى أي مدى سوف يساهم دور إيران المتزايد في تعديل الوضع الجيوسياسي في المنطقة؟ 
  2. هل تأمل إيران في أن تستثمر مزيدًا من نفوذها في المنطقة فيما يتعلق بالتجارة الاقتصادية؟ 
  3. هل يشكل نفوذ إيران السياسي الديني خطرًا على دول آسيا الوسطى وأفغانستان، كما يزعم بعض القادة السياسيين من أبناء المنطقة، وكما يرى عدد من المحللين المحليين والغربيين؟

1- نحو عملية إعادة تعريف جيوسياسية إقليمية؟

حتى اليوم لم تتمكن إيران من استعادة دورها وحضورها الجيوسياسي في المنطقة، ويعود ذلك إلى أسباب داخلية وخارجية؛ فبالنسبة إلى إيران فقد غير اختفاء الاتحاد السوفيتي كقوة موازية للنفوذ الأميركي بيئتَها الجيوسياسية تجاه جيرانها الإقليميين على نحو حادٍّ؛ فإنه إبان الحقبة السوفيتية كان يُنظر إلى إيران على أنها دولة عازلة بين الاتحاد السوفيتي من جهة، وبين باكستان وتركيا المواليتان للغرب من جهة أخرى؛ ومع ذلك فقد انقلبت قواعد اللعبة الجيوسياسية رأسًا على عقب في التسعينات من القرن الماضي؛ ذلك أن أنقرة وإسلام أباد اللتين قدمتا أنفسهما في حينه على أنهما سدًّا منيعًا في وجه انتشار الأفكار الإيرانية الثورية في آسيا الوسطى والقوقاز(1).

إضافة إلى ذلك، وعلى الرغم من قرون طويلة من القُربْ، فليس لدى القادة الإيرانيين أفكار محددة بشأن ما يودون تحقيقه في آسيا الوسطى المستقلة، ولم يعتبروها يومًا منطقة ذات أولوية بالنسبة إليهم؛ فقد كانت اهتمامات إيران الرئيسية تركز على الوضع الداخلي؛ بعد أن خرجت من عقد قضته حربًا مع العراق، كان الوضع الاقتصادي والاجتماعي متوترًا، ولم تصبح المنطقة ضمن أولويات السياسة الخارجية الإيرانية إلا في عام 2001؛ حينما أعلن ذلك وزير الخارجية الإيراني كمال خرازي(2).

أما بالنسبة إلى دول وسط آسيا، فقد كانت تلك الدول تحاول من خلال شراكتها مع إيران أن تتخلص من النفوذ السوفيتي، كما كانت تحاول الحصول على حق استخدام البحار المفتوحة في الجنوب؛ ولكنهم كانوا حذرين بشأن توطيد علاقتهم مع النظام الإسلامي، كما كانت لديهم خشية من احتمالية وجود حرص لدى إيران على تصدير الثورة الإسلامية، في ذلك الوقت واجهت الحكومات المحلية ضغطًا متزايد من واشنطن، حرصت من خلاله الأخيرة على الحيلولة دون تحول إيران إلى قوة إقليمية.

وفي نهاية تسعينات القرن الماضي، حاولت إيران تمتين مكانتها في المؤسسات الدولية؛ مثل منظمة المؤتمر الإسلامي؛ ولكن العلاقات مع إسرائيل سرعان ما شكلت نقطة نزاع مع حكومات آسيا الوسطى؛ فقد أدت الضغوطات التي مارستها إيران -وكان هدفها في حينه تبني قرارات ضد إسرائيل خلال رئاستها لمنظمة المؤتمر الإسلامية (1997-2000)- إلى أن تنأى دول آسيا الوسطى بنفسها عن المنظمة؛ وذلك من أجل علاقاتها الطيبة مع تل أبيب، ثم حرصت إيران على أن يكون لها دور ريادي في منظمة التعاون الاقتصادية، وهي المنظمة الكبيرة الوحيدة التي تنتمي لها إيران(3)، ومرة أخرى رفضت دول آسيا الوسطى محاولات إيران تسييس المنظمة، الأمر الذي كان بإمكانه أن يضع هذه الدول في مواجهة مع الولايات المتحدة، وبالتأكيد فقد فشلت المنظمة في الإقلاع، ولا تؤدي اليوم سوى دورًا هامشيًّا في تطوير العلاقات بين إيران وآسيا الوسطى(4).

وعلى الرغم من أن إيران لم تدخر جهدًا في محاولات الانضمام إلى منظمات جديدة في السنين الأخيرة، فإن موقعها في الترتيبات الجيوسياسية الجديدة في الإقليم ليس مستقرًّا الآن؛ ففي عام 2003، ثم في عام 2008، دعمت طهران بقوة فكرة اتحاد آسيوي، ودعت روسيا والهند والصين ودولاً أخرى من آسيا إلى الانضمام؛ وكان الهدف هو جمع الموارد العالمية من النفط والغاز؛ بل حتى الشعوب في تكتل واحد، وتشكيل جسم موازٍ للولايات المتحدة(5)، وحازت في عام 2005 على عضوية دولة مراقبة في منظمة شنغهاي للتعاون، وحاولت طهران ترويج تشكيلة إقليمية لغتها الفارسية، وروج محمد أحمدي نجاد مؤتمر الدول الفارسية، الذي جمع رؤساء إيران، وأفغانستان، وطاجكستان في إبريل/نيسان 2010(6).

وربما تُمَكِّنُ العلاقات الآخذة في الدفء بين إيران وأميركا طهرانَ من تعزيز دورها في المنظمات الإقليمية، وقد يكون ذلك السيناريو وسيلة أميركية للحد من دور الصين المتنامي في أفغانستان وآسيا الوسطى، ولعل إيران ليست بحاجة ماسة إلى الاعتماد على الصين في فرض نفسها؛ بينما السياق الجديد يمكن أن يشعل توترات بين البلدين، ويظل تأثير منظمة التعاون الاقتصادي ومنظمة المؤتمر الإسلامي ضعيفًا في آسيا الوسطى، حتى اللحظة لم تستطع أي منظمة إقليمية أخرى إثبات نفسها؛ فيما يتعلق بالتنمية الاقتصادية والحفاظ على الأمن الإقليمي، من ناحية أخرى ربما يتضح أن بعض الفاعلين الإقليميين (الصين وتركيا) يترددون في إعطاء الفرصة لهذا البلد في أن يتمتع بنفوذ؛ ومن ثم يفرض نفسه كمنافس ذي شأن على المستوى الاقتصادي والسياسي في المشهد الإقليمي، أخيرًا؛ فإن جمهوريات آسيا الوسطى ستواصل علاقاتها الودية مع تل أبيب، وسوف تسبب أي سياسات إيرانية ضد إسرائيل غضب حكومات آسيا الوسطى.

ومع تقليل أعداد قوات الناتو في أفغانستان عام 2014، ينظر المجتمع الدولي باهتمام متزايد تجاه تأثير أفغانستان -سواء استقرت أو لم تستقر- على عموم المنطقة بما فيها آسيا الوسطى، ويتم التركيز عادة على تهديدات الإسلام الراديكالي والمتطرفين الأفغان، الذين يمكن أن يعملوا على زعزعة الاستقرار في آسيا الوسطى، كما أن إمكانية التقارب بين واشنطن وطهران يمكن أن تؤثر على الترتيبات الإيرانية تجاه أفغانستان؛ لأن إيران لاعب رئيس في مستقبل أفغانستان؛ فالتطورات الداخلية في أفغانستان لها أثر مباشر على إيران، وعلى عكس باكستان فإن مصالح إيران في أفغانستان تُشَبَّه بمصالح المجتمع الدولي في أفغانستان؛ فلن تربح طهران شيئًا عندما ترى نظام طالبان في السلطة في كابول، ويمكن لإيران أن تساهم أكثر في إعادة إعمار البلد؛ الأمر الذي تتمناه دول آسيا الوسطى ودول أخرى من جيران أفغانستان مثل الهند؛ بل ويمكن للولايات المتحدة أن ترى في إيران ممرًا محتملاً إلى أفغانستان بدلاً من الممر الباكستاني المحفوف بالمخاطر، أو الممر الشمالي الباهظ التكلفة، الذي يمر من خلال آسيا الوسطى، ويمكن لعملية إتمام تركيب خط أنابيب الغاز بين إيران وباكستان أن يمنح إيران تأثيرًا أكبر على باكستان؛ ومن ثم يقلل تأثير الأخيرة السلبي على أفغانستان.

ويمكن لعلاقات إيران وأفغانستان -المشوبة بالتوتر الشديد في غالب الأحيان- أن تتحسن؛ فقد اتهمت أفغانستان الإيرانيين في مناسبات كثيرة أنهم يتدخلون في شئونهم الداخلية (السياسية والاقتصادية والثقافية)، ولدى البلدين خلافات متكررة بشأن توزيع المياه، وتزعم أفغانستان أن إيران تعرقل محاولات أفغانستان لتحقيق مشاريع بناء جسور كهرومائية، ولقد استخدمت إيران قضية اللاجئين الأفغان على أرضها (عددهم حوالي مليون) من أجل تعطيل كل تعاون مع الولايات المتحدة، وتصرح أنها مستعدة لطرد أعداد كبيرة من اللاجئين إذا رفضت كابول الانصياع، وتظل أفغانستان قابلة للتعاون مع إيران بهدف التنمية والاستقرار، وهو تعاون يمكن أن يتطور بشكل أفضل في ظل هذا السياق الجديد.

2- المصالح الكامنة في إعادة توجيه التبادل الاقتصادي ومحدوديته

لم تنتصر الجغرافيا حتى الآن في تنافسها مع الجيوسياسية، كما أن استبعاد المجتمع الدولي لطهران قد كلف الاقتصاد في دول آسيا الوسطى الكثير؛ إذ حرمها من الاستفادة من قربهم من إيران، هل يمكن لإنهاء المشكلة النووية أن يؤدي إلى صعود العلاقات الاقتصادية، والإقليمية والثنائية؟ إذا كانت إيران تأمل في القيام بدور اقتصادي أكبر في المنطقة، فإن حضورها سيبقى ثانويًّا؛ لأن السياق قد تغير بشكل كبير في آسيا الوسطى منذ تسعينات القرن الماضي(7)، وعلى الرغم من تماسها الجغرافي مع وسط آسيا -من خلال تركمنستان- فإن العلاقات الاقتصادية ما زالت محدودة، وأحيانًا تكون في حالة انهيار؛ ففي نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين مثلت طهران أقل من 3% من مجموع التجارة الخارجية لبلدان آسيا الوسطى، ولا تستطع المنتجات الإيرانية، التي دخلت أسواق آسيا الوسطى في بداية التسعينات من القرن الماضي، أن تُحبط المنافسة الصينية مما يحتم اختفاءها.

ومع ذلك؛ فلو تم إعادة دمج إيران فعلاً في المشهد الدولي، فإن الشراكة مع آسيا الوسطى يمكن أن يتسع مداها: فهناك قطاعات تعاون جديدة تتخلق، ويمكن لخبرة إيران فيها أن تكون موضع تقدير؛ وتشمل هذه قطاعات؛ مثل: الكهرومائية، والمعادن، والمعالجة الصناعية للزراعة، والنسيج، وإنتاج السيارات. موقع إيران الجغرافي يمنحها قيمة حقيقية في أعين دول آسيا الوسطى، التي تحرص في الغالب على تأمين حقها في استخدام البحار الجنوبية، وحوض البحر الأبيض المتوسط. عديدة هي المشاريع التي صممت لربط طريق آسيا الوسطى وشبكات سككها الحديدية مع طريق وشبكات السكة الحديد في كل من إيران وتركيا وأفغانستان؛ ولكنها لم تكن واقعية؛ وذلك بالنظر إلى السياق الجيوسياسي، وحركة المرور المتواضعة التي تتم في المناطق، التي تم تمديد تلك الشبكات والطرق فيها؛ ومع ذلك، فإن دور إيران الاستراتيجي كمنطقة مرور من القارة الأوراسية -على المحور الشرقي الغربي والمحور الشمالي الجنوبي- يصب في صالحها على المدى البعيد.

إذا تأكد تحسين العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران، فإن تطوير العلاقات التجارية بين إيران وأوربا يصبح ممكنًا، وخاصة في مجال الهيدروكربونات، كما يمكن أن يكون لهذا التطور تداعيات على الدول النفطية في المنطقة؛ ذلك أنه ربما يزيد من قلق أذربيجان وكازاخستان فيما يتعلق بالمنافسة، وليس من المحتمل بالمرة أن يكون لدى كازاخستان قلق بشأن إيجاد دول وكيلة تصدر نيابة عنها؛ حيث تظل الصين زبونًا رئيسًا؛ ومع ذلك فإن هذا قد يضع أستانا في وضع أكثر استقلالية فيما يتعلق بجارة الصين؛ وذلك في وقت يتعرض نفوذ بيجين لمزيد من المنافسة داخل البلد(8)، وإذا تم دمج أفضل لنفط إيران في دوائر التوزيع العالمي، فيمكن أن يؤدي هذا إلى هبوط أسعار الذهب الأسود، وبالتالي سيحصل نقص في حصص النفط الكازاخستانية التي تعتمد عليها السلطات الكازاخستانية، فيما يتعلق بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية؛ ومن ثم يؤثر على الاستقرار؛ ومع ذلك فإن هذا السيناريو غير متوقع في المدى القصير؛ لأنه يتطلب تنظيم البنية التحتية للمواصلات، وكنتيجة سيتطلب استثمارًا معتبرًا فترات تمديد طويلة.

بعيدًا عن اللعبة السياسية الإقليمية، هناك علاقات ثنائية يمكن النظر فيها من جديد، وتأتي كازاخستان في المرتبة الأولى في هذه العلاقات، تتبعها مباشرة تركمنستان، وتعد إيران سادس أكبر شريك تجاري لتركمنستان، كما تعد سابع أكبر شريك تجاري لطاجكستان؛ ولكنها أقل أهمية بكثير بالنسبة إلى بقية البلدان، وهنا ينبغي ألا تخدعنا الأرقام؛ فباستثناء الصادرات التركمانية والطاجيكية، فإن إيران لا تمثل سوى 0.3 إلى 6.7% من صادرات وواردات المنطقة(9).

وقد اعتبرت إيرانُ تركمنستانَ -التي تشترك معها في حدود طولها 900 كم- حليفها الرئيسي في آسيا الوسطى، وتحولت علاقاتهم بسرعة إلى تبادل تجاري، ولا يحتمل أن تكون إيران مستعدة للتنازل لمطالب شريكتها الشمالية، التي تعرف المفاوضات معها أنها صعبة؛ فقد غيرت تركمنستان بانتظام تعريفات تصدير الغاز الذي تبيعه لإيران، ومارست سياسة اضطهاد ضد الأقلية الشيعية، ودعمت نظام طالبان في أفغانستان(10)؛ ومع ذلك تستطيع إيران تجاهل عشق أباد؛ لأنها شريك في الغاز، وتعد بوابة جوهرية إلى آسيا الوسطى.

أما بالنسبة إلى كازاخستان، فعلى الرغم من إرادتها تطوير علاقاتها مع إيران، فقد كان عليها إظهار الاعتدال؛ كي لا تثير شريكها الأميركي، وقد يُمَكِّنُ أيُّ سياقٍ جديد كازاخستانَ من إعادة تدشين عدة مشاريع خاصة، ومنحها قوة أكبر، خاصة في قطاع نقل البضائع وتبادل النفط، وهذه عمليات كثيرة؛ ولكن كان يعرقلها تهميش إيران؛ إضافة إلى ذلك أصبحت كازاخستان واحدة من أكبر مصدري الحبوب إلى إيران، وتأمل في أن تزيد من حضورها من خلال المواصلات البحرية، وبناء محطات لتوزيع الحبوب في أكاتو وفي الموانئ الإيرانية(11)، وليست إعادة توجيه المسار تلك دون مخاطر على المنطقة، فكازاخستان -التي تتمتع بحضور خاص في سلة وسط آسيا من الخبز- تنتج أكثر من 90% من صادرات قمح جمهوريات آسيا الوسطى، ولم تُخفِ أستانا أنها تبحث عن وكلاء أكثر قدرة على التفاهم من الجمهوريات الفقيرة في طاجكستان وقيرغيزستان، ويثير هذا التطور أسئلة بشأن مشكلة الأمن الغذائي في المنطقة، التي تتميز بهشاشتها، وأخيرًا؛ بالنسبة إلى أستانا فإن إيران -التي هي قوة نووية سلمية صاعدة- ربما يتم اختيارها كشريك؛ فالسابقة لم تُخْفِ اهتمامها -نظريًّا- في مساعدة البرنامج النووي الإيراني؛ وذلك من خلال بيع وقود اليورانيوم؛ بل وعرضت في عام 2009 أن تستضيف على أراضيها بنك وقود يمكن لإيران استخدامه لأهداف سلمية(12).

وتظل أوزبكستان في أنها أكثر دولة ترددًا في تطوير علاقاتها مع إيران، ويعود ذلك لعدة أسباب: فالنظام الأوزبكي يشك في أي قوة إقليمية منافسة؛ كما أنه تأسس على الخوف من محاولات التمرد الإسلامي؛ وحتى عام 2005 فقد روج النظام الأوزبكي نفسه على أنه الحليف الأهم للولايات المتحدة في المنطقة(13)؛ ولذلك إن حصل أي تغيير فربما يؤدي ذلك إلى إقناع طشقند بتحسن علاقاتها مع طهران، وربما يكون ذلك بطريقة معتدلة جدًّا، وليس هناك أهمية كبيرة للعلاقات مع قيرغيزستان وطاجكستان، حتى لو مثلت الأخيرة بوابة لتسلل النفوذ الإيراني في آسيا الوسطى(14).

3- هل هناك خطر من انتشار الإسلام الشيعي السياسي في المنطقة؟

بعيدًا عن بعض التداعيات الجيوسياسية والاقتصادية فإن هذا الوضع قد يكون حافزًا لاندماج إيران في تيار التجارة العالمي، كما قد يؤدي إلى خطر انتشار الإسلام السياسي، وهي قضية تؤرق سلطات آسيا الوسطى؛ فمنذ منتصف التسعينات من القرن الماضي ساعد الخوف من الإسلام السياسي في عرقلة العلاقات الناشئة بين إيران ودول آسيا الوسطى؛ وإن استنكار تهديد الإسلام السياسي الذي ينطلق من الدول العربية (الوهابية من العربية السعودية والإسلام الشيعي الثوري من إيران) أصبح لحنًا تعزف عليه دول في آسيا الوسطى؛ إذ هي تصر على الحفاظ على شخصيتها العلمانية، وما زالت الشكوك فيما يتعلق بتوجه إيران الديني كثيرة.

لقد حدثت أحداث كثيرة جعلت من إيران دولة مشتبه بها في أعين حكومات آسيا الوسطى، وعلى الأرجح فقد مولت إيران حزب الإحياء الإسلامي في طاجكستان على الأقل في بداياته، كما شاركت بشكل غير مباشر في الإطاحة بحكومة رحمن نابييف في عام 1992، التي تلتها حرب أهلية(15)؛ ومع ذلك فقد أنكرت طهران على الدوام أن لها دورًا مباشرًا في الصراع الطاجيكي المسلح، وتدعي أنها تنظر إلى الحاصل هناك على أنه حرب أهلية بين قبائل محلية، وليست حربًا مقدسة باسم الإسلام؛ غير أن إيران تبنت سياسة مرنة في آسيا الوسطى، وفرت لها فرصًا لتوسيع نفوذها في المستقبل، وبحسب بعض التقارير فإن مخابرات الجمهورية الإسلامية تعمل بنشاط في المنطقة؛ وتستضيف الجامعات الإيرانية طلابًا من آسيا الوسطى كل عام؛ كما أن بعض المجموعات السنية تتلقى دعمًا ماديًّا من طهران؛ وتشكلت في طاجكستان بعض الحركات الشيعية الجديدة التي لها علاقات مع إيران، ومولت طهران -تحت رعاية السفارات- افتتاحَ عدة مراكز ثقافية، كما افتتحت أقسامًا للدراسات الإيرانية في عدة جامعات في آسيا الوسطى.

وتستخدم إيران بطاقة التضامن الشيعي في أفغانستان أكثر من آسيا الوسطى، ويمكن للتقارب أن يلطف من سياسة إيران، التي لديها مصالح متضاربة في ذلك البلد حتى الآن؛ أولاً: ليس للأطراف المدنية والدينية في الحكومة الإيرانية أي مصالح في أن تعود طالبان التي تدعمها باكستان والسعودية إلى الحكم، وبالتالي فلإيران علاقات امتيازية مع الهزارة، الذين يسيطرون على المشهد الشيعي في أفغانستان(16)، ويشكلون ثالث أكبر مجموعة دينية في البلاد (أقل من 10% من السكان)؛ وعلى الرغم من ذلك، فقد دعمهم الحرس الثوري كونهم معارضين للأجندة الأميركية؛ وفي هذا السياق الجديد يمكن لإيران أن تدعم الشيعة المقيمين في أفغانستان بشكل أكبر؛ بينما يمكن أن يؤدي هذا إلى إثارة مزيد من التوتر مع البشتون من جهة أخرى، وسوف تحافظ إيران على أن يظل شركاؤها منخرطين في أفغانستان، كما ستتخلص من أي حلفاء محتملين في البلاد؛ فالمساعدات التي تعرضها طهران -خاصة عن طريق مؤسسات المساجد الخيرية؛ مثل: إعادة إعمار أماكن العبادة، وتوفير الإرشاد الديني، والنصوص الدينية- غالبًا ما تشترط دعمًا متواصلاً للأيديولوجية الخمينية.

حتى لو فشلت إيران في التأثير على توجهات المنطقة الإقليمية؛ فإن طهران تنظر إلى المنطقة على أنها مفترق للصراع مع تيارات الأصولية السنية القادمة من شبه الجزيرة الهندية والخليج العربي، التي تتكاثر في آسيا الوسطى؛ ولا تريد طهران أن تشتبك مع الفكر السني التقليدي، الذي تعتنقه الشعوب في أفغانستان وآسيا الوسطى؛ ولكنها قلقة بسبب انتشار النظريات السلفية، التي تعتبرها تعريبًا أيديولوجيًّا ضارًا بالتوازن في الشرق الأوسط(17)؛ هذا الوضع قاد إيران إلى تبني استراتيجية متناقضة في وسط آسيا؛ فمنذ (2001 - 2003) فإن الدولة الإيرانية كانت على سبيل المثال تحرص على توسيع اتصالاتها مع أجهزة المخابرات في دول آسيا الوسطى؛ بينما هي في الوقت نفسه تدعم المجموعات الإسلامية المحلية هناك، التي تنادي أن تصبح دول آسيا ملتزمة بالإسلام في سلوكها اليومي وفي علاقاتها الخارجية، وذلك بالتحول إلى الجبهة الناقدة للحضور الغربي (الأميركي، والروسي، والأوربي)؛ بينما في الوقت نفسه تحرص على إيقاف الراديكالية السنية؛ ولكن هذين التوجهين متناقضين؛ لأن المجموعات الأولى تهتدي بهدي السلفية.

ويحتمل أن يثير تحسين العلاقات مع إيران مزيدًا من التوترات والرقابة على النشاطات السياسية الإيرانية، التي يمكن أن تنشط في مناطق آسيا الوسطى. وتتهم كل من أوزباكستان وطاجكستان بانتظام أجهزة المخابرات الإيرانية، أو مجموعات دينية متعددة، أنها تريد أن تزعزع استقرار الأنظمة العلمانية(18)، فالشيعة الاثنا عشرية -التي تعتنقها الأقليات الآذرية في آسيا الوسطى وبجوار (أيرونس) في منطقة بخارى وسمرقند- تخضع للاضطهاد بشكل منتظم، وترتبط الفكرة الشيعية بالأقليات الوطنية، وهي المعادل للفكرة الإسلامية؛ وبالتالي فهي مرتبطة بخطر الإرهاب أو التمرد، ويُنظر إليها على أنها وكيل للنفوذ الإيراني(19).

ولكن ليس هناك أي مجموعة إيرانية تحرص على تحويل أهل السنة في آسيا الوسطى إلى شيعة، وليس هناك غير طاجكستان التي تشهد ميلاً بسيطًا نحو المذهب الشيعي؛ ولكن هذا الميل محدود خاصة في بعض المناطق (ختلان وكولاب)؛ حيث إن تأثير حزب الإحياء الإسلامي الطاجيكي له وزن وأهمية؛ ولكنها الدولة الوحيدة في آسيا الوسطى التي يتم فيها التعبير عن العواطف الإيرانية، حيث ينظر البعض إلى إيران على أنها نموذجًا يُحتذى(20)، وفي كثير من الأحيان يبالغ البعض في تقدير نفوذ إيران الديني والسياسي في آسيا الوسطى، وبوجه عام فإن ثمة مبالغة بشأن القلق من توسع الإسلام السياسي، الذي يلهمه نموذج إيران الشيعية، ولم تحاول طهران أن تستخدم بطاقة المزايدة الدينية في آسيا الوسطى كما فعلت في لبنان وسورية وفلسطين، ولم تحرص على تعبئة الأقلية الشيعية في المنطقة.

خاتمة

تقدم الدولة الإيرانية نفسها كشريك براغماتي لديه إرادة في أن يضع جانبًا خلافاته الأيديولوجية مع أفغانستان، ومع جيرانه في وسط آسيا؛ فيما يتعلق -على سبيل المثال- بالموقف من إسرائيل والطبيعة العلمانية للأنظمة؛ وذلك من أجل تشجيع التعاون الإقليمي، وعلى الأرجح فإن إيران لن تضيع أي فرصة لفرض نفسها أكثر على المسرح الإقليمي، وعلى الرغم من ذلك، فليس هناك أي احتمال أن يتغير الحال قريبًا؛ إذ تظل طهران ودول المنطقة مدركين هشاشة أي تطور؛ ومع ذلك فإن كان حدوث هذا السيناريو ممكنًا، فإن المنطقة والمجتمع الدولي بالتأكيد لديهم الكثير من المكاسب نتيجة لانخراط إيران في إعادة بناء أفغانستان، وإسهامها في التكامل (السياسي والاقتصادي) في آسيا الوسطى، وتحقيق مزيد من المساواة بين الفاعلين الإقليميين والتقليل من حجم وثقل بعض الفاعلين الإقليميين مثل الصين وروسيا، على الرغم من أن ثقلهما بالطبع شرعي؛ ولكنه يطمح للسيطرة.
_____________________________________
سِباستين بَايروس - باحث ببرنامج آسيا الوسطى، معهد الدراسات الأوربية والروسية والأوراسية، كلية إليوت للشئون الدولية، جامعة جورج واشنطن.

ملاحظة: ترجم النص إلى العربية المترجم محمود محمد الحرثاني - محاضر الدراسات الثقافية والترجمة بجامعة الأقصى، غزة، فلسطين.

الهوامش والمصادر
(1) S. Hunter, (2003) “Iran's Pragmatic Regional Policy,” Journal of International Affairs vol. 56 (2), pp. 133-147.
(2) V. Mesamed (2002), “Iran: Ten years in post-Soviet Central Asia,” Central Asia and the Caucasus, no. 1, p. 28.
(3) K.V. Markov, “Iran i postsovetskie respubliki Tsentral’noi Azii: tochki pritiazheniia i ottalkivaniia”.
(4) M.R. Djalili (2008) “L'Iran et la Turquie face à l'Asie centrale,” Journal for International & Strategic Studies, no. 1, pp. 13-19.
(5) N. Swanström (2005) “An Asian Oil and Gas Union: Prospects and Problems,” The China and Eurasia Forum Quarterly vol. 3 (3), pp. 81-97.
(6) R. Muzalevsky (2010) “The ‘Persian Alliance’ and Geopolitical Reconfiguration in Central Asia,” Eurasia Daily Monitor 7, no. 161, September 9, http://www.jamestown.org/single/?no_cache=1&tx_ttnews percent5Btt_news percent5D=36799 (accessed November 12, 2010).
(7) M. Laruelle, S. Peyrouse (2013) Globalizing Central Asia. Geopolitics and the Challenges of Economic Development (Armonk, M.E. Sharpe).
(8) M. Laruelle, S. Peyrouse (2012) The ‘Chinese Question’ in Central Asia. Domestic Order, Social Changes and the Chinese Factor (New York, Columbia University Press).
(9) EU Bilateral Trade and Trade with the World, 2011 http://ec.europa.eu/trade/policy/countries-and-regions/ (accessed December 12, 2012).
(10) V. Mesamed (2007) “Iran – Turkmenistan: prodolzhaetsia li aktivnyi dialog?” [Iran-Turkmenistan: is the active dialogue still continuing?], Iimes.ru, August 19, http://www.iimes.ru/rus/stat/2007/19-08-07c.htm (accessed January 10, 2008).
(11) “Iran i Kazakhstan podumyvaiut postroit’ NPZ” [Iran and Kazakhstan discuss the possibility of building an oil refinery], Rosinvest.com, December 14, 2006, http://www.rosinvest.com/news/251441/ (accessed December 08, 2011).
(12) V. Ivanov 2009 “Iadernyi skandal. Pod zanaves goda Kazakhstan obvinili v nezakonnoi sdelke po uranu s Iranom” [A nuclear scandal. Kazakhstan accused of illegal selling uranium to Iran], Delovaia Nedelia, December 31.
(13) Mesamed, “Iran: Ten years in post-Soviet Central Asia,” op. cit, p. 30.
(14) “Vizit prezidenta Rakhmonova v Iran mozhno nazvat’ istoricheskim” [President Rakhmon’s visit in Iran can be called historic], Analitika.org, February 12 2006, http://www.analitika.org/article.php?story=20060212035915491 (accessed December 9, 2011).
(15) M. Mesbahi (1997) “Tajikistan, Iran and the international politics of the ‘Islamic factor’,” Central Asian Survey vol. 16 (2), pp. 141-158.
(16) S. A. Mousavi (1997) The Hazaras of Afghanistan. An Historical, Cultural, Economic and Political Study (Richmond: Palgrave Macmillan), pp. 23-25.
(17) M. Luomi 2008 “Sectarian Identities or Geopolitics? The Regional Shia-Sunni Divide in the Middle East,” FIIIA Working Paper, no. 56; R. Shanahan (2008) “Bad Moon Not Rising: The Myth of the Gulf Shi‘a Crescent,” Lowy Institute Analysis Paper.
(18) “Tajikistan and Iran: Is Dushanbe Distancing Itself from Cultural Cousin?,” Eurasianet, March 7, 2011, http://www.eurasianet.org/node/63021 (accessed December 11, 2011).
(19) S. Peyrouse (2009) “Shiism in Central Asia: The Religious, Political, and Geopolitical Factors,” Central Asia and Caucasus Analyst, May 20, 9-11.
(20) Authors’ interviews with Tajik experts, Dushanbe, March 2008, June 2010.

عودة للصفحة الرئيسية للملف

نبذة عن الكاتب