تناولت هذه الأطروحة أخبار العراق في الفضائيات العربية بوصفها نموذجا للأخبار الساخنة والمستمرة التي تتناولها الفضائيات العربية وغير العربية منذ الغزو الأميركي للعراق في مارس /آذارعام 2003. وهو ما استدعى ظهور أنماط جديدة من أساليب تحرير وكتابة الأخبار الصحفية المتعلقة بالعراق. العنوان:
ونتيجة الكم الهائل والمتغير سريعا في أخبار العراق أصبحت عملية إعداد هذه الأخبار صناعة متقنة ومعقدة تجاوزت الوصف الاعتيادي للأحداث الجارية لتصبح عملية دقيقة لها وسائلها وأساليبها وفلسفتها الخاصة، إذ لم يعد الخبر وصفا لحدث آني يحظى بالاهتمام، بل بات نافذة يطل كل منها برأيه لتوظيف اتجاهاته مع أو ضد هذا الطرف أو ذاك أو لصالح هذه العملية أو تلك مما جرى ويجري في العراق خلال سني الاحتلال.
أخبار العراق في الفضائيات العربية(تحليل مضمون لأخبار العراق في قناتي الجزيرة والعربية)
الباحث: فارس حسن شكر المهداوي
إشراف: د حارث عبود
الجامعة:مجلس كلية الآداب والتربية، الأكاديمية العربية المفتوحةالدنمارك
السنة:2009
وتحلل الأطروحة مضمون أخبار العراق في قناتين فضائيتين هما قناة "الجزيرة" وقناة "العربية" اللتين جرى اختيارهما بصورة قصدية. وتكونت عينة الأطروحة من (74) نشرة أخبار تم اختيارها بصورة عشوائية من مجموع النشرات الإخبارية التي بثتها القناتان في فترة محددة.
وتتمحور الإشكالية التي تتناولها الأطروحة:
حول الجدل الذي يثار عن مهنية الفضائيات العربية في نقل أخبار العراق وبشكل خاص قناة "الجزيرة" الفضائية وقناة "العربية" الفضائية، من حيث درجة الالتزام بالموضوعية والتوازن في انتقاء أخبار العراق وطريقة عرضها خلال عام 2007. أما أسئلة البحث التي حاولت الأطروحة الإجابة عليها فهي على النحو التالي:
- ما هي الأشكال الفنية التي اعتمدتها قناتا "الجزيرة" و"العربية" لأخبار العراق؟
- ما مدى الأهمية التي أولتها القناتان الفضائيتان لأخبار العراق خلال فترة الدراسة؟
- ما حدود الموضوعية والتوازن الإخباري الخاص بأخبار العراق في كل من القناتين؟
واعتمدت الأطروحة التي تصنف ضمن الدراسات الوصفية منهج المسح للحصول على المعلومات الخاصة بالقناتين، ومسح المرجعية النظرية التي تؤسس لفهم الخلفيات العلمية والتاريخية لموضوع الدراسة.
ولغرض الحصول على نتائج محددة ومكملة لتساؤلات البحث فقد استخدم الباحث طريقة تحليل المضمون، لتحليل العينة المفحوصة من النشرات الإخبارية للقناتين.
عينة البحث:
بلغ عدد النشرات الإخبارية لعينة الدراسة 37 نشرة لكل قناة بواقع نشرة واحدة لكل عشرة أيام من كل قناة. وقد استخدم أسلوب العينة العشوائية المنتظمة، إذ اختير اليوم الأول من الأسبوع الأول من العام 2007 بشكل عشوائي، ثم احتسبت بقية الأيام، مع الحفاظ على مسافة متساوية قدرها عشرة أيام بين نشرة وأخرى في العينة، فكانت نشرات اليوم الأول 3 يناير تليها نشرات يوم 13 ثم 23.. الخ.
وقد بلغ عدد الأيام التي أخضعت للدراسة 37 يوما من مجموع 366 يوما، وبلغت نسبتها 10% من مجموع البحث لكل قناة، وهي نسبة تعد كافية في هذا النوع من البحوث. وعلى هذا الأساس فقد كانت عينة الدراسة التي أخضعت لتطبيق أداة التحليل مكونة من (74) نشرة أخبار.
وخلصت الأطروحة إلى عدد من النتائج:
وتؤشر نتائج تحليل المضمون الذي كان محور هذه الدراسة أن كلا القناتين تعاملتا باهتمام كبير مع أخبار العراق، لكن القناتين اختلفتا بالتفاصيل وبالتالي في مقدار تعاطي كل منهما مع تساؤلات الدراسة الثلاثة التي سعى التحليل إلى الإجابة عليها.
أولا: القوالب الفنية
أشارت نتائج تحليل المضمون إلى أن قناتي "العربية" و"الجزيرة" استخدمتا كل القوالب الفنية المعروفة في العمل التلفزيوني الإخباري، لكنهما تفاوتتا في نسب استخدام كل قالب منها، إذ اشتركتا في تقديم المقابلة التلفزيونية على ما عداها من قوالب فنية وبفوارق كبيرة نسبيا. كما اشتركتا في تسلسل القالبين الثاني والثالث، إذ جاءت التقارير ثانيا والصور الحية ثالثا. لكن قناة "العربية" تفوقت على قناة "الجزيرة" في نسبة التقارير التلفزيونية، بينما تقاربت معها في نسبة الصور الحية.
ويرى الباحث أن تفوق قناة "العربية" على "الجزيرة" في الزمن المخصص للتقارير أمر طبيعي ومتوقع، ويعود إلى وجود مكتب للعربية في بغداد يقوم بمتابعة الحدث العراقي وإنجاز التقارير من داخل العراق فضلا عن التقارير المعدة في داخل مقر القناة بدبي، والتي غالبا ما تكون الصور الحية فيها خاصة بالقناة من مكتبها ببغداد، في حين أن قناة الجزيرة أعدت كل تقاريرها الخاصة بالعراق في داخل مقر القناة في الدوحة بسبب إغلاق مكتبها في بغداد.
واعتمدت على الصور المستقاة من وكالات الأنباء أو من مكاتب إعلامية خاصة داخل العراق، إلى جانب تقارير حول العراق من خارجه حاولت قناة الجزيرة أن تستعيض بها عن غيابها عن الميدان في داخل العراق، وتناولت فيها موضوعات سياسية تتعلق بعلاقات العراق الخارجية أو قضايا اللاجئين العراقيين وغير ذلك.
وقد جاءت الصور الثابتة في المرتبة الرابعة في قناة "العربية"، تلاها الجرافيك في المرتبة الخامسة. أما في قناة "الجزيرة" فقد احتل الجرافيك المرتبة الرابعة في حين جاءت الصور الثابتة في المرتبة الخامسة.
ثانيا: أهمية خبر العراق
قام الباحث بقياس الأهمية التي أولتها القناتان لأخبار العراق من خلال ثلاث فئات رئيسة في استمارة تحليل المضمون:
- الزمن الذي خصصته كل من القناتين لأخبار العراق ضمن الزمن الكلي لنشرات الأخبار.
- تسلسل أخبار العراق ضمن النشرات الإخبارية.
- ورود خبر العراق ضمن العناوين الثلاثة التي تسبق كل نشرة أخبار.
" منحت الجزيرة لأخبار العراق زمنا أكبر، وأوردته بتسلسلات أكثر تقدما ضمن سياق النشرات، كما أنها وضعته كعنوان رئيس بعدد أكبر سواء من حيث الإجمال أو من حيث السبق على العناوين الرئيسة الأخرى " |
وقد جاءت درجة الاهتمام في كل من القناتين على النحو الآتي:
منحت القناتان وقتا متقاربا نسبيا لأخبار العراق يتراوح بين ما يقرب من 15% من المساحة الكلية للأخبار بالنسبة لقناة "العربية" إلى ما يزيد عن 16% من مساحة الأخبار الكلية بالنسبة لقناة الجزيرة.
والملاحظ أن "الجزيرة" كانت أكثر اهتماما بأخبار العراق، ومنحته مساحة زمنية أكبر من قناة "العربية" برغم إغلاق مكتبها في بغداد، وبالتالي صعوبة حصولها على المادة الخام من معلومات أو صور حية على عكس قناة "العربية". ولا يتوقف اهتمام "الجزيرة" بأخبار العراق عند حدود الزمن المخصص لها، بل إن خبر العراق كان موجودا في جميع نشرات العينة حتى لو حظي بوقت محدود، في حين أن هذا الخبر كان غائبا في عدد من نشرات العينة في قناة "العربية".
![]() |
يحدد موقع الخبر في الصحيفة أو تسلسله ضمن النشرة التلفزيونية أهميته في وعي الجمهور، حيث بات تحديد موقع الخبر في وسائل الإعلام وطريقة تقديمه وإبرازه فضلا عن مساحته أو الوقت المخصص له من القرارات التحريرية الجوهرية التي ترسم الأجندة الإخبارية.
وقد وجد الباحث أن نشرات العينة تتضمن من 9 إلى 15 خبرا وردت أخبار العراق فيها ضمن المراتب السبع الأولى في جميع نشرات العينة الـ37 للقناتين، وهو مؤشر أولي على الاهتمام. لكن القدر الأبرز من هذا الاهتمام تمثل بإيراد خبر العراق كخبر أول في قناة "الجزيرة" في أكثر من 50% من مجموع نشرات العينة وبنحو 37% من هذه النشرات في قناة "العربية".
كما بينت النتائج أن قناة "الجزيرة" أولت خبر العراق اهتماما أكبر فيما يتعلق بتسلسله ضمن النشرة، إذ ورد في المراتب الأربع الأولى بشكل يفوق قناة "العربية" التي ورد فيها في التسلسل السابع 6 مرات مقابل 3 مرات لنفس التسلسل في "الجزيرة" في حين أن "الجزيرة" وضعت أخبار العراق في التسلسل الأول 14 مرة مقابل 11 في "العربية".
- ورود خبر العراق في العناوين الرئيسة:
تقدم كل من "الجزيرة" و"العربية" ثلاثة عناوين مركزة منتقاة في مستهل النشرات الرئيسة، وهذه العناوين التي يمكن أن نسميها تقديمية أو تمهيدية تماثل العناوين الرئيسة (أو المانشيتات في الصحف) التي ترمز للأهمية وتحدد الأجندة الإخبارية للمؤسسة الصحفية.
وقد ورد خبر العراق كعنوان رئيس ضمن العناوين الثلاثة التي تسبق النشرات في القناتين في نحو 60% من النشرات الإخبارية في قناة "العربية"، ونحو 68% من النشرات الإخبارية في قناة "الجزيرة".
وفي داخل هذه العناوين ذاتها وردت العناوين الخاصة بالخبر العراقي كعنوان أول في نحو 36% من النشرات في قناة "العربية" مقابل 48% في قناة "الجزيرة"، وجاءت عناوين هذه الأخبار ثانية في نحو 23% من النشرات بقناة العربية مقابل 28% في الجزيرة، وجاءت بالمرتبة الثالثة والأخيرة في نحو 41% من النشرات في قناة العربية مقابل 24% في قناة الجزيرة.
بعبارة أخرى، كان حضور خبر العراق أقوى في قناة "الجزيرة"، إذ ورد كعنوان أول في نحو نصف نشرات العينة مقابل ما يزيد على ثلث النشرات في "العربية".
وخلاصة نتائج البحث في ما يتعلق بالسؤال الثاني هو أن أخبار العراق حظيت باهتمام كبير في القناتين، إلا أن الجزيرة اهتمت بالخبر العراقي بشكل أكبر في جميع الفئات الثلاث التي جرى تحليلها. فقد منحت الجزيرة لأخبار العراق زمنا أكبر، وأوردته بتسلسلات أكثر تقدما ضمن سياق النشرات، كما أنها وضعته كعنوان رئيس بعدد أكبر سواء من حيث الإجمال أو من حيث السبق على العناوين الرئيسة الأخرى.
ثالثا: - الموضوعية والتوازن:
لا يمكن قياس الموضوعية والتوازن في ميدان الأخبار بشكل مطلق بسبب كثرة المتغيرات التي تؤثر على قرارات النشر أو البث، وبالتالي لن يكون من الموضوعية العلمية إطلاق أحكام نهائية حول هذا الجانب من مجرد عدد من الحيثيات البحثية، حتى لو كانت مستندة إلى منهج علمي سليم. لكن في النهاية تبقى لهذا المنهج قدرة الوصول إلى حالة التعميم كما في الدراسات الإنسانية عموما. وقد اعتمد الباحث في استمارته على فئتين: فئة الشخصيات التي تجري استضافتها للتعليق على الأخبار العراقية، وفئة محاور الأخبار الخاصة بالعراق.
" يظهر من خلال النتائج أن قناة "العربية" كانت أكثر اهتماما بالشخصيات الحكومية في حين كانت "الجزيرة" أكثر اهتماما بالشخصيات المعارضة، فيما اشتركت القناتان بوضع الشخصيات المحايدة في المرتبة الثالثة " |
1- المقابلات:
قام الباحث بتقسيم الشخصيات المستضافة إلى ثلاث فئات فرعية، هي الشخصيات الحكومية والشخصيات المعارضة والشخصيات المحايدة، ووضع معيار تحديد كل فئة على أساس تقديم القناة للضيف وليس على أساس ما هو معروف عنه.
وقد أظهرت نتائج التحليل أن قناة "العربية" خصصت ما يقرب من نصف زمن المقابلات للشخصيات الحكومية تلتها الشخصيات المعارضة بفارق واضح، إذ حظيت الأولى بنسبة 49.28% من الزمن المخصص للمقابلات فيما حظيت الشخصيات المعارضة بأقل من 38% من هذا الزمن، وجاءت أخيرا الشخصيات المحايدة بنحو 13%.
أما قناة "الجزيرة" فقد حظيت الشخصيات المعارضة فيها بالنصيب الأوفر، إذ بلغ مجموع ما خصص لها أكثر من 47% من الزمن الكلي للمقابلات، مقابل أكثر من 39% للشخصيات الحكومية ونحو 12% للشخصيات المحايدة.
![]() |
" كانت قناة "العربية" أكثر تركيزا على المحور السياسي على حساب المحور الأمني بينما ركزت قناة "الجزيرة" على المحور الأمني على حساب المحور السياسي " |
2- محاور الأخبار:
قسم الباحث محاور الأخبار إلى محور أمني ومحور سياسي ومحور إنساني واجتماعي، وأخيرا محور الاقتصاد والإعمار. وتوضح النتائج أن تناول الأخبار الأمنية والسياسية في القناتين جاء متفاوتا.
ففي حين منحت قناة "العربية" ما يقرب من 40% من أخبار العراق للمحور السياسي منحت "الجزيرة" 36% لهذا المحور. أما في ما يخص أخبار الأوضاع الأمنية فقد خصصت قناة "العربية" زمنا أقل حيث منحت لها نحو 30% بينما منحت "الجزيرة" وقتا أطول تجاوز 36%.
أما القضايا الاجتماعية والإنسانية فقد حظيت في القناتين بنسبة قليلة مقارنة بالمحورين الأمني والسياسي، مع الملاحظ أن قناة "العربية" منحت وقتا أكبر تجاوز نسبة 13% فيما لم تعط قناة "الجزيرة" أكثر من 8% لهذا المحور.
وقد خلص الباحث في إجابته على سؤال الموضوعية والتوازن إلى أن القناتين لم تكونا ملتزمتين بالموضوعية والتوازن في عرض هذه الأخبار من ناحية الشخصيات المستضافة حيث غلب على قناة العربية استضافة الشخصيات الحكومية والضيوف المؤيدين للعملية السياسية في العراق أو المنتقدين للمقاومة في حين غلب على قناة الجزيرة استضافة الشخصيات المعارضة. وكان ذلك بالطبع على حساب الشخصيات المحايدة.
كما يرى الباحث أن القناتين افتقدتا للموضوعية والتوازن فيما يخص المحاور الثلاثة المذكورة، فكانت قناة "العربية" أكثر تركيزا على المحور السياسي على حساب المحور الأمني بينما ركزت قناة "الجزيرة" على المحور الأمني على حساب المحور السياسي.
ومن خلال العودة إلى ما ذكر في الفصل النظري لهذه الدراسة فإن قناة "الجزيرة" لا تمتلك مكتبا لها في العراق بسبب قرار الإغلاق الذي أصدرته الحكومة العراقية بحقها فيما تمتلك قناة "العربية" سبعة مكاتب في عموم العراق، وهذا بحد ذاته يرتب على "العربية" مسؤولية أكبر في توازنها الإخباري وموضوعية تناولها أو تغطيتها لهذه الأخبار.
التوصيات:
- الاختلاف في مضامين القناتين يعود إلى عوامل مهنية وأخرى أيديولوجية وسياسية، فالمهنية منها تتعلق بخلل في بعض مفاصل العملية التحريرية تؤثر في النهاية على النتائج الكلية ربما من غير أن تفطن القناتان إلى هذا الخلل بسبب زحمة العمل وعدم تحليل مضامينها بشكل علمي، لذلك يوصي الباحث بمنح غرف الأخبار قدرا أكبر من العلمية والمهنية في اختيار القائمين عليها.
- ضرورة قيام كل من القناتين وبقية وسائل الإعلام ولاسيما الكبرى منها، بتأسيس مراكز بحوث تقوم بتحليل مضامين الأخبار. وهو ما يجعل العمل الإعلامي معتمدا على الحقيقة دون ربطه بأجندات معينة أو بأية عوامل غير موضوعية.
- على القائمين على وسائل الإعلام أن يدركوا أن التلفزيون أهم وسائل الإعلام التي تقوم بصناعة الرأي العام ، لذلك فإن الحرية الإعلامية لا تعني منح البعض فرصة إبراز وجهة نظره على حساب الآخر.
- إن قناتي "العربية" و" الجزيرة" ومن خلال عينة الدراسة قد سعتا إلى بث أخبار العراق بشكل شامل نسبيا ولكن ذلك لا يعني الموضوعية، فطبيعة الأحداث المركز عليها دون غيرها وشكل معالجتها وطبيعة الأشخاص المستضافين لإثرائها كلها مؤشرات توحي بأن هذه القنوات كانت تركز على زوايا معينة. لذلك يجب التعامل مع الأخبار بشكل غير انتقائي.