مقدمة
إذا كان الاتصال يوسَمُ في كل عصر من عصوره بأبرز الوسائل الاتصالية التي ظهرت في حقبة أو حقب معينة، فإن هذا العصر هو عصر الشبكات الاجتماعية بامتياز. فحالة الاندماج أو التقارب الحاصل بين وسائل الإعلام اليوم، والترابط الشبكي بين وسائل الاتصال القديمة والجديدة، أفرزا اتصالًا شَبَكِيًّا ومُشْتَبِكًا في الوقت نفسه على نحو غير مسبوق، وهذا التوجُّه هو سمة العصر، وآخذ في التنامي على نحو مُطَّرِد، فهو السمة الدَّامِغَة لوسائل الاتصال الحالية والمستقبلية؛ حيث يولد الأحدث من رحم الحديث، جرَّاء التطور التكنولوجي لوسائل الاتصال، كما تَوَلَّد الجديد من رحم القديم بالأمس القريب.
وقد اقتحمت شبكات التواصل الاجتماعي مختلف المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإعلانية والتسويقية والترويجية وغيرها من جوانب الحياة وأنشطتها المختلفة، كما جذبت إلى استخدامها كافة أفراد المجتمع، وفئاته المختلفة، بما في ذلك النخب الفكرية والسياسية وغيرهم من مكونات المجتمع الأخرى، فضلًا عن المؤسسات والهيئات الرسمية والشعبية، وأصبحت هذه الشبكات جزءًا أساسيًّا من أنشطة الحياة اليومية، نظرًا للميزات العديدة التي تتمتع بها، وقدرتها على تلبية الاحتياجات على نحو فردي وجمعي بسرعة وكفاءة عاليتين. فالفعل الاتصالي الذي يتم على شبكات التواصل الاجتماعي يقوم بدور في إنتاج معرفة تختلف عن نمط المعرفة التقليدية؛ حيث تتسم بالانتقائية، والمرونة، والتكاملية النسبية، والواقعية(1). كما أن شبكات التواصل الاجتماعي، أصبحت منصات لعرض القضايا، وخاصة السياسية، وإدارة النقاش والجدل حولها(2)، وإتاحة المشاركة الفعَّالة والتحاور مع الآخرين، من أجل حل المشكلات، وتقريب وجهات النظر حول القضايا المختلفة، بما يُسهم في تعزيز السلم الاجتماعي(3). وقد أدى هذا الوضع إلى أن أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي مفهومًا محوريًّا في الدراسات الإعلامية، والخطاب العام الذي تمتاز به منصات هذه الشبكات، مثل: الفيسبوك، وتويتر، ويوتيوب، وويكيبيديا، و"وورد برس"، والمدونات وغيرها(4)، وأصبح لهذه الشبكات تأثير على طبيعة عمل الإعلاميين، ومصادر معلوماتهم، وأساليب معالجتها(5).
كما برزت شبكات التواصل الاجتماعي واحدة من أدوات التواصل الفعَّال إبَّان الأزمة الخليجية على إثر الحصار الذي فرضته كلٌّ من السعودية، والإمارات، والبحرين، ومصر، على قطر في 5 يونيو/حزيران 2017، مما أحدث شرخًا في البيت الخليجي لم تشهده المنطقة منذ تأسيس منظومة مجلس التعاون الخليجي، في 25 مايو/أيار 1981. وقد اسْتُخْدِمَت شبكات التواصل الاجتماعي؛ وبخاصة بواسطة قادة الرأي الخليجيين على نحو جلي وفاعل، لتحقيق أغراض مختلفة، وإنجاز وظائف اتصالية عديدة، منها ما يندرج ضمن الإعلام والإخبار والتوعية، والشرح والتحليل والتوظيف، وتبادل المعلومات والآراء والأفكار، والنقاشات العقلانية والعاطفية، ناهيك عن التفاعل الذي يميز هذه الشبكات على نحو فريد، وأخرى تقع ضمن الدعاية، والتحريض، وذلك في إطار الهجوم والصد، والهجوم المضاد.
وتُوَلِّد شبكات التواصل الاجتماعي نوعًا جديدًا من قيادة الرأي العام، فإذا كان مصطلح الرأي العام يشير إلى شيء من الحكم العام المبني أساسًا على مداولات ونقاشات عقلانية ومستنيرة، إذ هو العملية أو المنتج الذي يتوَلَّد عن أشكال من النقاشات السياسية التي تُسهم في تكوين الإجماع حول القضايا بين مجموعة من الناس(6)، فإن قادة الرأي في شبكات التواصل الاجتماعي هم الناس الذين لديهم تأثير كبير على اعتراف (acknowledgment) الآخرين، أو تبنيهم للمنتجات، أو الخدمات في عملية نشر المبتكرات التكنولوجية(7)؛ حيث إن مصداقية التغريدات المنشورة على تويتر، ترتفع بين المبحوثين حين يُغَرِّد أو يعيد تغريدها أحد قادة الرأي المفضَّلين(8)، كما أكد يونغ سانغ شو (Youngsang Cho) وزملاؤه أن قادة الرأي هم أفضل خيارات التسويق من حيث سرعة الانتشار والوصول إلى الحد الأقصى من المتبنين، والنشر السريع للمبتكرات المستحدثة(9).
واعتمادًا على تصنيف قادة الرأي ضمن المتبنين الأوائل لكل جديد، فهم يحرصون على الاستفادة من شبكات التواصل الاجتماعي، وبخاصة في فترات الصراع السياسي، وأوقات الأزمات، وهو ما برز على نحو واضح إبَّان الأزمة الخليجية، حيث ظهر دور هذه الشبكات -ضمن وسائل الاتصال الجماهيري التقليدية- كقوة ناعمة، ودبلوماسية شعبية في هذه الأزمة على نحو ملحوظ، كما يقوم قادة الرأي بدور مهم في عملية تبني الأفكار الجديدة، فهم عادة القوى المحرِّكة لإثارة القضايا سلفًا، ثم الدفع بها على السطح، وقد غدت شبكات التواصل الاجتماعي، بوصفها إحدى تجليات الإعلام الجديد، واحدة من المنصات المهمة التي يقوم من خلالها قادة الرأي بهذه الوظيفة. فالإعلام الجديد أحدث تغييرًا جذريًّا فيما يتعلق بتنظيم وسائل الإعلام، واستخداماتها، ومَفْهَمَتِها(10).
1- الإطار المنهجي للدراسة
أ. مشكلة الدراسة
في ضوء تنامي انتشار شبكات التواصل الاجتماعي كوسيلة اتصال وتواصل جماهيري، وانخراط مختلف فئات المجتمع في استخدام هذه الشبكات، وبخاصة قادة الرأي العام، لتحقيق وظائف وأغراض متعددة، وبناء على التأثيرات المتنوعة لهذه الشبكات في مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها، تبرز ضرورة دراسة هذه الشبكات التي أفرزت قادة رأي عام جددًا، وقدَّمت لقادة الرأي العام التقليديين -من القادرين على التعاطي مع هذه الشبكات- مزايا مكَّنتهم من ممارسة دورهم القيادي للوصول إلى متابعيهم على نحو أسرع، وتحقيق انتشار أوسع، واتصال أكثر فعالية. ومن ثم؛ فإن مشكلة الدراسة تتمثَّل في محاولة تقصي استخدامات قادة الرأي العام الخليجي لشبكات التواصل الاجتماعي، خاصة في سياق الأزمة الخليجية التي اندلعت إثر الحصار الذي فرضته السعودية والإمارات والبحرين ومصر على قطر، والبحث في أشكال التفاعل المختلفة التي تتولَّد عن النشاط الاتصالي الذي يقوم به هؤلاء القادة.
ب. أسئلة الدراسة
تحاول الدراسة الإجابة عن الحقل الاستفهامي الآتي:
- ما أهم شبكات التواصل الاجتماعي التي يستخدمها قادة الرأي الخليجي؟
- ما مدى انتظام قادة الرأي العام الخليجي في استخدام شبكات التواصل الاجتماعي؟
- ما الإشباعات الطقوسية والمنفعية المتحققة لقادة الرأي الخليجي باستخدام شبكات التواصل؟
- ما أهم الاستخدامات الدينية لشبكات التواصل الاجتماعي من قبل قادة الرأي الخليجي؟
- ما أبرز الموضوعات التي ينتجها قادة الرأي الخليجي عبر هذه المنصات الاجتماعية؟
- ما مدى استفادة قادة الرأي الخليجي من خصائص شبكات التواصل الاجتماعي كمنصات تجمع بين تجليات الإعلام القديم والجديد؟
- ما أبرز وظائف شبكات التواصل الاجتماعي في ظل الحصار على دولة قطر؟
- ما مدى تكامل وسائل الإعلام القديم والجديد في تعاطي قادة الرأي الخليجي مع الحصار المفروض على دولة قطر؟
ج. أهمية الدراسة
ترجع أهمية الدراسة إلى جملة من العوامل، أهمها:
- ضرورة دراسة قادة الرأي بوجه عام، وتعاظم استخدامهم لشبكات التواصل الاجتماعي بوجه خاص، والتي مكَّنتهم من التواصل والتفاعل مع فئة واسعة من المستخدمين.
- أهمية رصد مظاهر استخدام قادة الرأي لشبكات التواصل الاجتماعي عامة، وأثناء الأزمات خاصة.
- اختبار مدى صلاحية المداخل التقليدية لدراسة شبكات التواصل الاجتماعي، والنظريات الحديثة الأنسب لدراسة هذه الشبكات.
د. أهداف الدراسة
يتمثَّل أهم أهداف الدراسة في:
- رصد أهم شبكات التواصل الاجتماعي التي يستخدمها قادة الرأي الخليجي.
- معرفة مدى انتظام قادة الرأي الخليجي في استخدام شبكات التواصل الاجتماعي.
- توضيح مدى تَحَقُّق مفهوم "الإعلام الهجين" في استخدام قادة الرأي الخليجي لشبكات التواصل الاجتماعي عامة، وأثناء الحصار المفروض على قطر خاصة.
- تحديد الإشباعات المتحققة لقادة الرأي الخليجي عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
- رصد أبرز الموضوعات التي تناولها قادة الرأي الخليجي عبر هذه الشبكات.
- معرفة كيفية توظيف قادة الرأي الخليجي لشبكات التواصل الاجتماعي للتعاطي مع الحصار المفروض على قطر.
ه. مجتمع البحث وعينته
يتمثَّل مجتمع البحث في قادة الرأي العام الخليجي ممن لهم حسابات نشيطة على شبكات التواصل الاجتماعي أثناء إجراء هذه الدراسة؛ وذلك من خلال اختيار عينة عمدية بلغت 18 فردًا من قادة الرأي في المجال الصحفي، والديني، والأكاديمي، والسياسي؛ حيث تم تحليل أنشطتهم الاتصالية على هذه الشبكات خلال شهر أغسطس/آب 2017.
و. المقاربة النظرية والمنهجية
تعتمد الدراسة على منهج المسح الذي يعتبر نموذجًا معياريًّا لخطوات جمع البيانات من المفردات البشرية في العملية الإعلامية، والتي تشمل مجموع القائم على الاتصال في مجموع الوسائل الإعلامية(11)، وهي شبكات التواصل الاجتماعي. ويصبح من المناسب توظيف هذا المنهج وأدواته في جمع البيانات عن مجموع القائم على الاتصال في نوعيات وسائل الإعلام أو كلها في المجتمع، ووصف خصائصه وسلوكه(12)، ويُمثِّلون في هذه الدراسة قادة الرأي الخليجي.
وفي إطار منهج المسح، تم استخدام أسلوب تحليل المحتوى، والذي يعتبر المنهج المناسب لوصف نظام المعلومات في وسائل الإعلام بكافة عناصره وتحليلها، ابتداء من وصف المحتوى ودلالاته وارتباطاته المتعددة بالاتجاهات المختلفة للنشر(13). وقد تم استخدام تحليل المحتوى بشقيه: الكمي والكيفي؛ حيث يركِّز الأسلوب الكمي على وصف المحتوى فقط، ويقصر التعامل على وحدات المحتوى الظاهري، دون تجاوز ذلك إلى المعاني الكامنة لهذه الوحدات وعلاقاتها، في حين يذهب الأسلوب الكيفي إلى الكشف عن المعاني الكامنة، والاستدلال على الأبعاد المختلفة لعملية الاتصال(14).
وسنهتم في تحليلنا للمضامين التي ينتجها قادة الرأي العام الخليجي عبر شبكات التواصل بــ:
- وحدات التحليل: وهي الوحدات التي يتم عليها العدُّ أو القياس مباشرة(15)، وتتمثل وحدات التحليل في هذه الدراسة في مفردات النشر على شبكات التواصل الاجتماعي، وهي التغريدة على تويتر، أو المنشور على الفيسبوك، أو الفيديو على يوتيوب، أو إنستغرام، أو سناب شات، بالإضافة إلى وحدات اللغة المستخدمة، وتشمل: فصحى العصر، أو لهجة من اللهجات الخليجية، أو مزيجًا منهما.
- فئات التحليل، أو ماذا قيل؟: وتشمل فئة الموضوعات السياسية، والدينية، والاقتصادية، والاجتماعية.. وغيرها من الموضوعات الأخرى.
- فئات الشكل، أو كيف قيل: وهي الطريقة التي تم من خلالها تناول الموضوع، وتتفرع إلى تغريدات/منشورات دون مواد مصاحبة لها، أو بمواد مصاحبة (فيديوهات، صور فوتوغرافية، رسوم توضيحية، رسوم معلوماتية، روابط، الرموز التعبيرية..).
وتعتمد الدراسة في مقاربة المشكلة المطروحة أطرًا ومداخل نظرية تتَّسق مع تحولات البيئة الاتصالية الجديدة التي يكتسب فيها الاتصال دورًا محوريًّا في تشكيل طبيعة العلاقات الاجتماعية، وتهيمن فيها شبكات التواصل الاجتماعي التي ترتكز على التفاعلية واللامركزية في إنتاج المضامين الإعلامية، وتُمثِّل اليوم إحدى منصات المجال العام التي يستخدمها المواطن العادي وقادة الرأي لتقديم خطاب بديل؛ يُعنى بمختلف الموضوعات والقضايا التي تهمُّ المجتمعات وتؤثِّر في تكوين الرأي العام. وتشمل هذه الأطر والمداخل:
1- نظرية الإعلام الجديد
في العام 1990، نشر مارك بوستر (Mark Poster) كتابه "زمن وسائل الاتصال الثانية" (The Second Media Age) والذي أعلن بداية مرحلة جديدة تقوم فيها تكنولوجيات التفاعل والاتصالات الشبكية، وبالتحديد شبكة الإنترنت، بتغيير المجتمع. وترصد فكرة الوسائل الثانية، والتي تطورت منذ حقبة الثمانينات إلى الوقت الراهن، تغيرات مهمة في نظرية الإعلام، أولها: تفكيك مفهوم "الميديا" من مفهوم قائم على الاتصال الجماهيري إلى وسائل متنوعة تتراوح من نطاق واسع إلى نطاق شخصي. ثانيًا: هذا المفهوم يجذب انتباهنا إلى أشكال جديدة من استخدام وسائل الاتصال، والذي يمكن أن يتراوح ما بين معلومات فردية ومعرفة مكتسبة، إلى تفاعل. ثالثًا: نقل نظريات الاتصال في حقبة الستينات من مفهوم يكتنفه شيء من الغموض إلى انتشار متجدد في حقبة التسعينات وما بعدها(16).
فإذا كان الزمن الأول لوسائل الإعلام، وعنوانه البث، يتميز بالإنتاج المركزي (قِلَّة تخاطب الكَثْرة)، وهو اتصال من طرف واحد، وعرضة لتحكُّم الدولة، كما أنه أداة لتنظيمات طبقية وغير متكافئة، والمشاركون فيه يتَّسمون بالتجزئة في حين يوصفون بأنهم جمهور، كما يُؤثِّر هذا الاتصال في الوعي، فإن عصر وسائل الاتصال الثانية، وعنوانه التفاعلية، على العكس من ذلك؛ يمكن وصفه بأنه غير مركزي (كثرة تتحدث إلى كثرة)، وهو اتصال ثنائي الاتجاه، ويخرج عن نطاق سيطرة الدولة، وديمقراطي؛ يُسَهِّل المواطنة العالمية، ويُبْقِي المشاركين فيه على فرديتهم، كما أنه يؤثِّر على الخبرة الفردية في الزمان والمكان(17).
وهناك رؤيتان تهيمنان على الفروق بين زمن الوسيلتين، فالأولى تركز على البث، في حين أن الثانية تركز على الشبكات، وتقوم الأولى على مدخل التكامل الاجتماعي، في حين أن الثانية تقوم على مدخل التفاعل الاجتماعي. ووفقًا لهذا المدخل، فإن وسائل الاتصال أقرب إلى نمط التفاعل الذي يحدث في الاتصال المواجهي، في حين أن الأشكال القديمة من وسائل الإعلام القائمة على النشر تركز على نقل المعلومات، والذي يُقلِّل من التفاعل. وهذه الوسائل يُنظر إليها على أنها إعلامية، ومن ثم فهي وسيط في نقل الحقائق بالنسبة للمستهلك، خلافًا لوسائل الإعلام الجديد، الذي هو أكثر تفاعلية، وتخلق إحساسًا جديدًا بالتواصل الفردي(18).
بالطبع، وسائل الإعلام الجديد ليست مماثلة للتفاعل الذي يتولَّد عن الاتصال المواجهي، ولكنها توفر أشكالًا جديدة من التفاعل الذي يعيدنا إلى التواصل الشخصي، والذي لا تستطيع وسائل الإعلام التقليدية تحقيقه. فوسائل الإعلام الجديد تسمح بشيء يبدو تفاعليًّا، ولكنه ليس مماثلًا للتواجد الفعلي وجهًا لوجه، فهناك درجة كبيرة من التفاعل، ولكنها مع جهاز الكمبيوتر تحاكي التواجد الجسدي، وهذه الفكرة تدعمها "نظرية معادلة وسائل الإعلام" (media-equation theory) والتي ترى أننا نعامل الميديا مثل الأشخاص، ونتفاعل مع الميديا نفسها كما لو أنها أشخاص(19).
2- نظرية المجال العام
تقوم الأطروحة الأساسية لنظرية المجال العام باعتباره بناء يعمل على استدامة التحرر المستمر للعملية للديمقراطية(20). ووفقًا ليورغن هابرماس (Jürgen Habermas)، فإن الناس من جميع الفئات، والنوع، والأجناس يرغبون في أن تكون لديهم المقدرة على إيصال وجهات نظرهم، والمجال في حدِّ ذاته يُسَهِّل الحوار الذي يمكن أن يُقلِّل من الحجج أو وجهات النظر الخاطئة، فالمجال العام يتوسَّط بين المجتمع المدني والدولة(21). وقد أدى انتشار الإنترنت على نطاق واسع في التسعينات، ووجودها في كل مكان خلال السنوات العشرين التالية، إلى مجموعة من الأفكار الجديدة حول العلاقات المتبادلة بين وسائل الإعلام والمجال العام والديمقراطية(22). كما تعتبر شبكات التواصل الاجتماعي اليوم إحدى منصات المجال العام لتقديم خطاب بديل، يُعنى بمختلف الموضوعات والقضايا التي تهم المجتمعات والبلدان. فقد أثبت الإعلام المستقل والإنترنت وغيرهما من أدوات الاتصال الحديثة، في أكثر من حالة، قدرة عالية على تمكين الخطاب البديل، بل وتقويض دور النظام الحاكم في فرض مفرداته على المجال العام، وبخاصة في ظل تأثير العولمة التي زادت من وتيرة الاتصال، وفتحت آفاقًا جديدة لقنوات التعبير عن الرأي، يصعب على النظام الحاكم -صاحب الخطاب المفروض- التحكُّم في محتوى المادة المتداولة من خلال هذه القنوات المتعددة(23).
3- نموذج قبول التكنولوجيا
يهتم هذا المدخل بإدراك النفع المتحقق من استخدام التكنولوجيا، ومدى سهولة استخدامها، وتأثيرهما على اتجاه الفرد نحو استخدام النظام الخاص بهذه التكنولوجيا. ويذهب هذا النموذج إلى أن استخدام نظام المعلومات له علاقة مباشرة بالسلوك المزمع، فهناك عاملان مستقلان يوضحان الموقف المبدئي للشخص فيما يتعلق بمدى قبوله استخدام التكنولوجيا وتبنيه لها، وهما: العائد المدرك، وسهولة الاستعمال(24)، وهذه إحدى نقاط قوة شبكات التواصل الاجتماعي، فهي سهلة الاستعمال، وتحقق لمستخدميها منافع عدَّة: إخبارية، ومعلوماتية، وتواصلية..وغيرها.
4- انتشار المبتكرات
تصف هذه النظرية كيفية انتشار المبتكرات بين المجتمع، وتُستخدم على نحو واسع لشرح تبني المبتكرات في مجال تقنية المعلومات في المجتمع. والانتشار يعني الخطوات التي يتم بموجبها تبني الشيء المبتكر وقبوله، وهناك أربعة عناصر رئيسة تتحكَّم في مدى انتشار المبتكر ذاته، وهي:
- خصائص المبتكر بحد ذاته.
- كيفية إيصال المعلومات الخاصة بهذا المبتكر.
- وقت إيصال المعلومات.
- طبيعة النظام الاجتماعي الذي يتم فيه إدخال المبتكر.
كما تتحدد نسبة انتشار هذه المبتكرات بخمس خصائص، وهي: القيمة النسبية، والملاءمة، والتعقيد، والقابلية للتجريب، والملاحظة(25)، وقد أضاف غراي مور (Gary C. Moore)، وإسحاق بنباسات (Izak Benbasat) عنصرين إلى هذه العناصر الخمسة التي قدَّمها روجرز إيفريت روجرز (Everett Rogers)، وهي: الصورة الذهنية والجلاء(26).
2- قادة الرأي الخليجي وشبكات التواصل الاجتماعي: التفاعل والتأثير
يتناول هذا القسم النشاطَ الاتصالي لقادة الرأي العام الخليجي عبر شبكات التواصل الاجتماعي، راصدًا أشكال تفاعل العينة البحثية مع المنصات الاجتماعية، ومُسْتَكْشِفًا الموضوعات والقيم التي ينتجها هؤلاء القادة في سياق الأزمة الخليجية التي أعقبت الحصار الذي فرضته السعودية والإمارات والبحرين ومصر على دولة قطر.
1.2. النشاط الاتصالي لقادة الرأي العام الخليجي عبر شبكات التواصل
أ. شبكات التواصل الاجتماعي التي يستخدمها قادة الرأي الخليجي
أتاحت شبكات التواصل الاجتماعي في الفترة الأخيرة إمكانية قيام المستخدم بربط الحسابات ببعضها على هذه المنصات، ومن ثم فإن أي منشور يوضع على الفيسبوك، يظهر على تويتر، والعكس صحيح، ويبقى التفاوت في عدم محدودية المساحة المتاحة للمنشور الواحد على الفيسبوك، مقارنة بـ140 حرفًا على تويتر، ويُلاحَظ استفادة عينة الدراسة من قادة الرأي الدينيين وبعض السياسيين الخليجيين من هذه الخاصية، خلافًا لعدد من الصحفيين والإعلاميين الخليجيين ممن شملتهم هذه الدراسة، والذين لم يُفَعِّلوا هذه الخاصية بين حساباتهم، ومنهم من حسابه غير منشط على الفيسبوك، وهذا يعود إلى شعبية تويتر في دول الخليج، وميل الجمهور إلى استخدام تويتر أكثر من الفيسبوك، ومن ثم فإن قادة الرأي يجدون أنفسهم مجبرين على الذهاب إلى الوسيلة التي يقبل عليها الجمهور، ويهتمون بها أكثر من غيرها، مما يشير إلى أننا أمام سلطة جديدة، هي سلطة الجمهور، فرضت نفسها على نحو غير معهود.
ب. حجم تفاعل قادة الرأي الخليجي مع شبكات التواصل
من خلال متابعة نشاط قادة الرأي الخليجيين على شبكات التواصل الاجتماعي، يتضح أن هناك تفاوتًا في مدى انتظامهم في استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، ويبدو الصحفيون أكثر انتظامًا وكثافة من غيرهم في استخدام هذه الشبكات، وبخاصة إبَّان الحصار الذي فرضته السعودية والإمارات والبحرين ومصر على قطر، وبلغ هذا الانتظام في معدلات الاستخدام وكثافته امتدادًا لأنشطتهم الإعلامية في وسائل الإعلام التقليدية، من صحف وتليفزيون وإذاعة، من خلال كتابة المقالات والتحليلات، واستضافتهم في المقابلات التليفزيونية والإذاعية، فضلًا عن متابعتهم النشيطة لما يبثه عدد من الصحفيين من دول الحصار، ورصد تغريدات الطرف الآخر، حدًّا وصل إلى التنويه -والتساؤل أحيانًا- عن تلك التي تم حجبها أو حذفها لأي سبب من الأسباب.
كما أن هناك انتظامًا من قادة الرأي الديني في استخدام شبكات التواصل الاجتماعي؛ حيث يبدو نشاطهم على هذه الشبكات امتدادًا لوظيفتهم الدعوية من خلال منبر المسجد وغيره من المنابر التقليدية للخطاب الديني، فيوظفون منصات التواصل الاجتماعي منابر افتراضية للبلاغ الديني، والتحفيز على العمل، والحث على الإيجابية، وتعزيز عدد من القيم الدينية، كما سيتضح لاحقًا في معرض الحديث عن صنوف استخدام هذه الشبكات، والموضوعات والقضايا التي تناولتها.
في حين يبدو قادة الرأي الخليجيون من السياسيين والأكاديميين الذين شملتهم الدراسة أقلَّ انتظامًا وكثافة من نظرائهم الآخرين في استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، غير أن معدل الانتظام وكثافته قد يكون -في بعض الأحيان- أقلَّ دلالة، إذا ما أخذنا في الحسبان ما يتعلق بمدى قوة بعض رسائل قادة الرأي وجرأتها، ورجع الصدى الذي يتولَّد عنها، والذي قد يصل -في ساعات- إلى آلاف التفاعلات اللحظية، ما بين إعجاب بالرسائل، أو إعادة تمريرها تمريرًا يتبعه تمرير، أو تعليقًا يتبعه تعليق، اتفاقًا أو اختلافًا، لتدور "كرة الثلج" وتكبر على نحو غير معهود من اتساع دائرة انتشار الرسالة الاتصالية، على غرار إحدى تغريدات الدكتور عبد الله النفيسي عن محمد دحلان وأنه "مشروع إسرائيلي بامتياز يتخذ من الإمارات قاعدة لوجستية له مقابل أن ينتقل بعدها للرئاسة الفلسطينية ليسوق الشعب الفلسطيني للمجهول"، والتي ولَّدت خلال ساعتين من بثها 1900 إعجاب، و6500 إعادة تغريد، و4300 رسالة خاصة، مما يثير تساؤلًا عن مدى قدرة قادة الرأي على التفاعل المباشر مع هذا الفيض الغزير من الرسائل، ومن ثم؛ فكثير من قادة الرأي، يكتفون بنشر مشاركة معينة على صفحاتهم، ويتركون التفاعل لمتابعيهم، فيبرز تفاعل مع النص (مشاركة، إعجاب، تعليق..) من ناحية؛ وتفاعل بين المتابعين من ناحية أخرى، اتفاقًا أو اختلافًا، بصرف النظر عن مدى مراعاة أدب الحوار والاختلاف من عدمه، وكثيرًا ما يتشعب النقاش بين المشاركين، ويخرج عن الموضوع الأساس للتغريدة أو المنشور، وقد يتحول النقاش إلى مهاترات، أو تبادل الاتهامات، والألفاظ الجارحة..، وبخاصة في ضوء استعمال عدد من الأعضاء لأسماء وصفات مستعارة، ومن هم مدفوعون لهذا النوع من النقاش في إطار استراتيجية التوظيف الإلكتروني للشبكات الاجتماعية لخدمة أطراف معينة، تعمد إلى تشغيل عدد من المؤسسات والأفراد، ممن باتوا يُعرفون بـ"الخلايا الإلكترونية"، أو "الجيوش الإلكترونية"، أو "الذباب الإلكتروني" وتُسخِّر لهم موازنات مالية لنشر فكر أو خطاب أو وجهة نظر معينة، أو لتصفية الحسابات مع الخصوم، وتشويه المجال العام الشبكي، وإشاعة نوع من الفوضى على الأثير الإلكتروني.
ج. الإعلام الهجين: تكامل لا تعارض
الإعلام الشبكي إعلام هجين في معظم تجلياته، وهو ما بدا جليًّا في الفعل الاتصالي لقادة الرأي الخليجي من خلال منصات شبكات التواصل الاجتماعي؛ حيث يجتمع القديم والجديد، في مزيج اتصالي فعَّال، يُوظِّف أكثر من وسيط، كالجمع بين المواد المكتوبة والمصورة، وقد تتم الاستعانة بالرسوم المعلوماتية لإيصال الرسالة الإعلامية، بما في ذلك تغريدات قادة الرأي الدينيين على شبكة تويتر. كما يحرص الصحفيون خاصة في كثير من الحالات على وضع فيديوهات قصيرة (أقل من دقيقتين غالبًا)، مختارة بعناية من الحوارات التليفزيونية التي قد تصل إلى نصف ساعة أو أكثر لتعزيز المادة المكتوبة، والتأكيد على رسائل معينة، بالإضافة إلى الفيديوهات المُعَدَّة خصيصًا لشبكات التواصل الاجتماعي على غرار نموذج الجزيرة بلس(+AJ)، ويتم نشرها على هذه المنصات، ويتداولها الجمهور إما من خلال المشاركة أو التعليق عليها اتفاقًا أو اختلافًا، تأييدًا أو معارضة، ليتسع مجال دوران كرة الثلج على هذه المنصات.
وهذا السلوك الاتصالي، يعكس في مجمله إدراك قادة الرأي الخليجيين لطبيعة شبكات التواصل الاجتماعي، باعتبارها وسيطًا اتصاليًّا تعدديًّا وتفاعليًّا في الوقت ذاته، ويُلبِّي حاجات الجيل من الشباب وصغار السن خاصة الذين يفضِّلون مشاهدة المواد القصيرة، ويميلون أكثر إلى تصفح الرسائل المختصرة، والتفاعل معها بالتعليق على نحو مقتضب، كما يشير إلى توفر مهارات استخدام هذه الوسائط، سواء أتم ذلك بواسطة القائمين على الاتصال على هذه الشبكات أنفسهم، أو من خلال توظيف متخصصين في هذا المجال، فالمهم في نهاية المطاف هو إنجاز فعل اتصالي مقنع وفعَّال، بما يمكِّن من الاستفادة من السمات المختلفة التي تتمتع بها هذه الشبكات.
كما برزت التغريدات المصورة، والتي تشبه قالب الحديث التليفزيوني المباشر، لكنها هذه المرة قصيرة (دقيقة وأقل من دقيقتين عادة)، تتناسب وجمهور شبكات التواصل الاجتماعي، وبخاصة بين الشباب، ففي هذا النوع من الإنتاج المرئي القصير، يخاطب المغردون مجموعة من الناس، أو يتناولون موضوعًا معينًا، أو ينتقدون شخصًا بعينه، وقد برز هذا النمط من النشاط الاتصال في سياق تعاطي بعض الصحفيين القطريين مع أزمة الحصار المفروض على بلادهم.
د. سلطة الاتصال الجديدة لقادة الرأي الخليجي
بالرغم من تنوع قادة الرأي الخليجي الذين شملتهم هذه الدراسة بين سياسيين، وصحفيين، وإعلاميين، وأكاديميين، وعلماء دين، إلا أنهم يشتركون جميعًا في استخدامات تكاد تكون موحدة لشبكات التواصل الاجتماعي.
1. يستخدم معظم هؤلاء القادة المنصات الاجتماعية وسيلة للترويج للذات، ونشر الأخبار الخاصة بالأنشطة الشخصية التي يقومون بها في الحياة العامة، مثل:
- التنويه عن مقالات صحفية منشورة في إحدى الصحف الورقية، أو المواقع الإلكترونية، واللقاءات الرسمية وغير الرسمية، بالإضافة إلى التنويه عن إصداراتهم العلمية، مثل الكتب، أو الموسوعات،..إلخ.
- الإشارة إلى المشاركة أو القيام بأنشطة إعلامية تمت أو ستتم -أو حتى مجرد الحضور- كالندوات، والمحاضرات، والمقابلات التليفزيونية، والبرامج التليفزيونية الحوارية، والحوارات الصحفية، ونقل خطبة الجمعة عبر تويتر والفيسبوك.
- الترويج لحساب شخصي آخر على شبكة من شبكات التواصل الاجتماعي، أو على قناة يوتيوب أو تليغرام، أو موقع شخصي على شبكة الإنترنت، بالإضافة إلى التنويه عن مشاركة أخرى تم نشرها على حساب آخر على إحدى هذه الشبكات، كتسجيل فيديو قصير، ونشره على سناب شات، والترويج له على تويتر، ونشر بيان عن محاولة اختراق الحساب الشخصي على إحدى شبكات التواصل الاجتماعي.
- إعادة نشر مقطع من مادة تليفزيونية بثتها قناة تليفزيونية أخرى، ونشر صور لزيارات سابقة إلى بلدان خارجية، ومنها ما تم منذ سنوات خلت.
2. بث الأخبار العاجلة أولًا بأول، ومنها ما قد يتعلق بالأحداث العالمية.
3. إجراء استطلاع رأي لمعرفة اتجاهات المتابعين حول موضوع من الموضوعات، أو قضية من القضايا، ويوفر هذا الأسلوبُ الحصولَ على نتائج فورية؛ إذ تُمكِّن شبكات التواصل الاجتماعي من فرز فوري للمشاركين، مثل: الاستطلاع الذي أجراه أحد الصحفيين القطريين بعد بثِّ هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" لفيلم وثائقي عن اختفاء أمراء سعوديين، وآخر قام به أحد قادة الرأي الديني، نهاية شهر ذي القعدة 1438هـ الموافق نوفمبر/تشرين الثاني 2017، حول أحب الأعمال في العشر الأوائل من شهر ذي الحجة. أما عدد المشاركين في هذه الاستطلاعات، فيختلف بحسب عدد المتابعين لصاحب الحساب، فقد بلغ عددهم -مثلًا- في الاستفتاء الأول 6703 مشاركين خلال يومين، في حين تجاوز العدد 22 ألف مشارك بالنسبة للاستفتاء الثاني خلال يوم واحد، وهي أعداد دالَّة في كل الأحوال، مع الأخذ بعين الاعتبار إمكانية أن يكون معظم المشاركين في هذا النمط من الاستطلاعات من المؤيدين للتوجه الفكري لصاحب الحساب، ولكنها في نهاية المطاف تظل أداة مهمة وسريعة، وتعطي -على الأقل- مؤشرات عن آراء مجموعة من الناس حول موضوع أو قضية معينة، وفي وقت محدد.
4. تُمكِّن شبكات التواصل الاجتماعي قادة الرأي الخليجي من ممارسة عملية الاتصال في مختلف مراحلها: قبل بث الرسالة الاتصالية، وأثناءها، وبعدها. فقبل البث يتم التنبيه إلى موعد بث الرسالة، وأثناء البث قد تقوم القناة أو أحد المتابعين بالتنويه عن ذلك، إذا كان البرنامج مباشرًا، وإذا كان مسجلًا فيتم التنويه عنه على حساب المشارك نفسه على هذه الشبكات، أما في مرحلة ما بعد الرسالة، فقد يقوم قائد الرأي بشكر متابعيه على متابعتهم، والتذكير برسائل معينة، والتأكيد عليها، فضلًا عن وضع الرابط الخاص بالمادة الإعلامية، سواء أكانت مرئية، أو مسموعة، أو مكتوبة. كما يبرز استخدام ضمير المتكلم -مثل: تابعوني، بعد قليل سأظهر على...، أو سأكون ضيفًا في...، أو سأشارك في...- مما يشير إلى حميمية التواصل بين طرفي العملية التواصلية التي تتم عبر منصات شبكات التواصل الاجتماعي.
5. بالرغم من غلبة الرسائل المباشرة التي تحملها تغريدات ومنشورات عينة الدراسة، إلا أن هناك رسائل ضمنية، أو إشارات من طرف خفي أحيانًا، وقد تأتي الرسالة على هيئة تساؤل، حين يتعلق الأمر بالموضوعات السياسية التي تتسم بشيء من الحساسية، على غرار تغريدات الدكتور عبد الله النفيسي عمَّا أسماها: جماعة "نِحِن".
6. تسجِّل الرموز المصوَّرة والوسوم حضورًا في عدد من الرسائل التي ينشرها قادة الرأي الخليجي على اختلاف تخصصاتهم، وتنوع مشاربهم الفكرية، مما يشير إلى إدراك هؤلاء القادة لمزايا هذه الشبكات التي تعتبر الرموز غير اللفظية جزءًا من مزيجها الاتصالي، وإدراكهم لسمات الاتصال الشبكي، فضلًا عن مهاراتهم في استخدام هذا النوع من الاتصال.
7. على الرغم من غلبة مستوى اللغة العربية "فصحى التراث" على مشاركات قادة الرأي الدينيين، و"فصحى العصر"(27) على منشورات قادة الرأي الصحفيين والسياسيين الذين شملتهم هذه الدراسة، إلا أن عددًا من مفردات اللهجة الخليجية كانت حاضرة في بعض الأحيان، وهو ما قد يجعل فهمها عسيرًا على المتابعين من غير أبناء منطقة الخليج العربي، بالإضافة إلى إعادة تغريد بعض المقالات باللغة الإنجليزية.
وفي ضوء الإطار النظري المؤسس للمرجعية التحليلية لهذه الدراسة، يتضح مدى قدرة شبكات التواصل الاجتماعي على تفكيك مفهوم "الميديا"، وإعادة صياغة مفاهيم الاتصال والإنتاج من نطاق جماهيري ومركزي إلى نُطُق شخصية، ونقاط إنتاج متعددة، وفرض سلطة اتصالية جديدة، تقوم على التفاعل الاجتماعي بين أفراد الجمهور، الذي ليس بالضرورة أن يفضي دومًا إلى التكامل الاجتماعي، وبما يحقق في نهاية المطاف استدامة التحرر للعملية للديمقراطية، وفقًا لنظرية المجال العام.
ه. الموضوعات التي ينتجها قادة الرأي الخليجي
تفاوتت الموضوعات التي تناولها قادة الرأي الخليجي الذين شملتهم الدراسة من الأكاديميين والسياسيين والصحفيين وفقًا لتوجهاتهم واهتماماتهم السياسية، فيبدو -مثلًا- الأكاديمي الكويتي، د.عبد الله النفيسي، مهتمًّا في المقام الأول بالشأن الإيراني وتطوراته، واتهام إيران بدور تآمري في البحرين، ثم يأتي حديثه على دور الإمارات وطموحاتها في المنطقة العربية، وقيادتها للثورات العربية المضادة للربيع العربي، ودورها في ليبيا، وأطماعها في اليمن، وجهودها لتقويض الشرعية وتقسيم اليمن، وعلاقتها بالانقلاب التركي الفاشل في 15 يوليو/تموز 2016، بالإضافة إلى دور السعودية والإمارات في حرب اليمن، وسلوك -من أسماها- جماعات "نِحِن" الانتهازي في البحرين، و"دحلان" وأدواره المشبوهة في المنطقة، وعلاقته بأجهزة الاستخبارات العالمية، وقضية الروهينغيا.
وبالرغم من تعدُّد الموضوعات والقضايا التي تناولها قادة الرأي الخليجي أثناء فترة الدراسة وتشعبها وثرائها جرَّاء النشاط الملموس لقادة الرأي من الصحفيين على وجه الخصوص؛ إلا أنه يمكن بلورة هذه الموضوعات في فئات رئيسة، جاء في مقدمتها:حصار قطر وتداعياته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وهنا برز الحديث بمرارة عن أسباب فرض الحصار وتوقيته، وعدم مراعاته لحرمة شهر رمضان المعظم، ولا لأواصر القربي والنسب، وإضراره البالغ بالنسيج الاجتماعي الخليجي، جرَّاء استمرار ما أسماه أحدهم بـ"مشاريع الفُجْر في الخصومة"، وإجراءات دول الحصار ضد الشعب القطري من ناحية، وشعوبها من ناحية أخرى؛ حيث جرَّمت حتى مجرد التعاطف مع المظلومية القطرية، ورفضت المواقف الحيادية في مقاطعة قطر، كما برز الحديث عن تماسك الجبهة الداخلية القطرية ضد محاولات الاختراق، وخاصة من خلال توظيف القبيلة، وتلاحم الشعب القطري خلف قيادته، والفشل في إحداث شرخ بين النسيج الاجتماعي القطري، فضلًا عن قيادته.
أما بالنسبة للتداعيات الاقتصادية، فقد ركَّز قادة الرأي بدول الحصار على الحديث عن تأثر الاقتصاد القطري والخسائر التي لحقت به جرَّاء الحصار، بل فسَّر هؤلاء إعفاء قطر مواطني 80 دولة من تأشيرة الدخول إليها باعتباره مؤشرًا على "الأوضاع الصعبة التي تعيشها" البلاد، وأنها "لا تتمتع بأي مقومات سياحية جاذبة؛ الأمر الذي يقلِّل من الاستفادة من هذا القرار".
وفي المقابل، أوضح قادة الرأي من الصحفيين القطريين كيف تصدَّت قطر للحصار المفروض عليها من أول يوم عبر اتخاذ تدابير أمَّنت الاحتياجات الأساسية لمواطنيها والمقيمين على أرضها على حدٍّ سواء، وافتتاحها لعدد من المشاريع الاقتصادية، يأتي في مقدمتها "ميناء حمد" الدولي، والملاعب الرياضية استعدادًا لاستضافة كأس العام 2022، فضلًا عن استمرار أعمال البنية التحية بوتيرة عالية، وفي طليعتها مشروع "المترو"، ومن ثم فقد استطاعت التغلب على الحصار، وتحجيم آثاره، ولم تتخلَّ قطر عن دورها الإغاثي رغم ظروف الحصار، كما أبرز الصحفيون القطريون التهديد الخاص بإسقاط الطيران القطري إذا دخل المجال الجوي لدول الحصار، بالإضافة إلى الحديث عن الأزمات الاقتصادية في السعودية، وإبراز الأضرار والخسائر التي لحقت بالاقتصادين: الإماراتي والسعودي جرَّاء الحصار الذي أدى إلى توقف تدفق منتجاتهما الاقتصادية إلى دولة قطر، ورأوا أن دول الحصار سقطت في كل الأصعدة، وتبحث عن مخرج مشرِّف أمام شعوبها، وأصبحت بحاجة إلى من يخرجها من الحصار.
وفيما يتعلق بالتداعيات السياسية، فقد بدأت بالحديث عن قرصنة موقع وكالة الأنباء القطرية، ثم موقع بي إن سبورت، والقبض على عدد من المتهمين بالقرصنة، ومطالب دول الحصار من قطر، وأنها غير منطقية بل وتعجيزية، والتأكيد على فشل دول الحصار في تقديم دليل على اتهام قطر بالإرهاب، وثبات مواقف الدوحة، وجهودها الدبلوماسية لمواجهة الحصار، وعملها مع المجتمع الدولي لمكافحة الإرهاب، مثل توقيع قطر مذكرة تفاهم مع أميركا لمحاربة الإرهاب وتمويله. كما تم التأكيد على استقلال القرار القطري، ورفض تبعيته للخارج، بالإضافة إلى إبراز خطاب أمير دولة قطر بعد مضي 80 يوم على الحصار، وعودة السفير القطري إلى إيران ودلالته، والضغوط السعودية على بعض الدول الإفريقية لمقاطعة قطر، واختفاء أمين عام مجلس التعاون الخليجي وصمته إزاء الأزمة الخليجية، ومن ثم تساءل البعض عن جدوى استمرار مجلس التعاون الخليجي، كما برز الحديث عن تجاهل علماء الدين السعوديين للحصار المفروض على قطر، وتخلَّل هذا الجدل المحتدم المناداة بحل الأزمة الخليجية بواسطة الحوار، والنأي بالشعوب الخليجية عن الخلافات السياسية، ورفض التصعيد الإعلامي بين دول الخليج، والتأكيد على أن حل الأزمة الخليجية يجب أن يكون خليجيًّا، والحث على الحفاظ على مجلس التعاون الخليجي.
وربما تكون التداعيات الإعلامية هي الأكثر حدة في الأزمة الخليجية بسبب التجاوزات الأخلاقية للحملات الإعلامية لدول الحصار، وخروج عدد منها عن أخلاقيات الممارسة الإعلامية المهنية، ومنها ما وصل إلى الخوض في الأعراض، وانتهاك الحرمات، والقذف والسب، وغيرها مما يقع تحت طائلة المساءلة القانونية، ومن ذلك اتهام قطر بمحاولة قلب نظام الحكم في البحرين، وحملات التشويه ضد قطر، واتهام قناة الجزيرة بالكذب، وممارسة خطاب إعلامي يبث الفتنة. وفي الجانب الآخر؛ برز الحديث عن أكاذيب دول الحصار وفبركاتها، والإشادة ببرنامج "الحقيقة" -الذي يبثه تليفزيون قطر- الذي فضح كذب إعلام دول الحصار، وفبركات قناة العربية ووسائل الإعلام السعودية ضد قطر، والإشادة بتعدد الآراء في قناة الجزيرة مقابل أحادية الرأي في العربية.
ومثَّلت قضية تسيس الحج قراءة متناقضة من قادة الرأي الخليجي؛ حيث ذهبت تغريدات الصحفيين في دول الحصار إلى اتهام قطر بتسييس الحج، ومنعها المواطنين من أداء مناسك الحج، وأبرزوا جهود السعودية في خدمة ضيوف الرحمن، وتذليلها السبل أمام الحجاج القطريين، بما في ذلك إعفاءهم من التصاريح الإلكترونية، وعرضها نقلهم بواسطة الخطوط السعودية مجانًا، وجاهزية المخيمات المخصصة لهم، وإبراز زيارة الشيخ عبد الله بن علي آل ثاني للتوسط للحجاج القطريين. وفي المقابل، أوضحت تغريدات الصحفيين القطريين أن السعودية هي من عملت على تسييس الحج، ومنعت القطرين من الحج هذا العام، ودفعت بعدم تعاونها مع مقاولي الحج في قطر وعدم تسيير حملات الحج، ما أدى إلى غياب حجاج قطر عن الحج لأول مرة في التاريخ الإسلامي.
ويلاحظ شيوع ظاهرة إعادة التغريدات من قِبَل عدد من الصحفيين الذين شملتهم هذه الدراسة، مع حرص كل طرف من أطراف الأزمة الخليجية على إعادة التغريد بالموضوعات والمنشورات والمقابلات التليفزيونية والمقالات المكتوبة وغيرها من المواد الإعلامية الأخرى التي تساند الموقف الرسمي لدولته، بالإضافة إلى التغريد بما تنشره الوسيلة الإعلامية التي يعمل بها الصحفي نفسه، لتتكامل الحسابات الشخصية، مع الحسابات الرسمية للمؤسسات الإعلامية.
و. الاستخدامات الدينية لشبكات التواصل الاجتماعي
تعددت استخدامات قادة الرأي الديني الخليجي لشبكات التواصل الاجتماعي، وبتحليل أنشطتهم على هذه الشبكات خلال فترة الدراسة، نلاحظ الآتي:
1- أدرك قادة الرأي الدينيون الذين شملتهم هذه الدراسة، أهمية شبكات التواصل الاجتماعي كوسيلة دعوية منذ وقت مبكر، ويمكن اعتبارهم ضمن المتبنين الأوائل لهذا النوع من الوسائط التكنولوجية الحديثة، بما في ذلك استخدامها في البث المباشر لخطب الجمعة والمحاضرات الدينية، فقد انضموا إلى شبكة تويتر في وقت مبكر من ظهورها وذيوع انتشارها في العالم العربي، ويتراوح تاريخ انضمامهم إليها ما بين 2009 و2011، ويأتون في مقدمة أفراد العينة من قادة الرأي الخليجي من حيث عدد متابعيهم، ويحتلون المراكز الستة الأولى ممن شملتهم هذه الدراسة، ويتراوح عدد متابعيهم ما بين حوالي 19 مليون إلى أكثر من ستة ملايين، كما تجاوز عدد تغريدات بعضهم منذ إنشاء هذه الحسابات 50 ألف تغريدة.
جدول رقم (1) يوضح تاريخ إنشاء حسابات بعض أفراد عينة الدراسة على تويتر وثراء المحتوى*
م |
صاحب الحساب
|
الصفة |
تاريخ الحساب |
عدد المتابعين |
عدد التغريدات |
عدد الصور ومقاطع الفيديو |
1 |
محمد العريفي |
داعية إسلامي سعودي |
نوفمبر/تشرين الثاني 2010 |
18.925.621 |
35.277 |
9.004 |
2 |
عائض القرني |
مؤلِّف وداعية إسلامي سعودي |
يناير/كانون الثاني 2011 |
16.947.100 |
52.743 |
11.500 |
3 |
مشاري راشد العفاسي |
قارئ وداعية إسلامي كويتي |
أبريل/نيسان 2010 |
13.069.197 |
27.673 |
2.728 |
4 |
سلمان العودة |
داعية إسلامي سعودي |
سبتمبر/أيلول 2009 |
13.935.421 |
51.156 |
2 |
5 |
نبيل علي العوضي |
داعية إسلامي كويتي |
يناير/كانون الثاني 2011 |
10.009.525 |
29.956 |
3.748 |
6 |
يوسف القرضاوي |
داعية إسلامي مصري-قطري |
مايو/أيار 2011 |
1.654.744 |
7.184 |
793 |
2- يتفق قادة الرأي الدينيون مع غيرهم من قادة الرأي الآخرين في استخدام شبكات التواصل الاجتماعي لتحقيق عدد من الاستخدامات الطقوسية، مثل: التهاني بأنواعها المختلفة، ومن أبرزها التهنئة بتولي منصب معين، وفي الأعياد والمناسبات، والتعزية والمواساة لوفاة داعية إسلامي، أو موت صديق، وغيرها من المناسبات الاجتماعية الأخرى.
3- يتفاوت انتظام نشاط قادة الرأي الدينيين على شبكات التواصل الاجتماعي، فمنهم من يغرِّد أو يضع منشورًا، أو ينشر فيديو، أكثر من مرة خلال اليوم الواحد (قد يتجاوز العشر مرات أحيانًا)، وبخاصة في المناسبات الدينية (كيوم عرفة خاصة، وموسم الحج عامة)، وهؤلاء يمكن أن يُطلَق عليهم: كثيفو النشاط، وآخرون يكتفون بنشر مشاركة أو ثلاث مشاركات في اليوم.
4- يتفاوت استخدام شبكات التواصل الاجتماعي بين قادة الرأي الدينيين الذين شملتهم هذه الدراسة، ففي الوقت الذي يتفقون فيه جميعًا على استخدام هذه الشبكات لأغراض دعوية، فإن قلَّة منهم من يكرسون هذه الشبكات لمشاريع خيرية، يصل نفعها إلى المحتاجين، مثل: كفالة اليتيم، وجمع التبرعات لإغاثة المحتاجين والمتضررين من إحدى الكوارث الطبيعية، ومشروع التعريف بالدين الإسلامي والدعوة إليه، وسقيا الحجاج. أما بالنسبة للإعلانات التجارية، فقد رصدت الدراسة إعلانين على أحد حسابات قادة الرأي الديني الذين شملتهم الدراسة، أحدهما لإحدى الاستثمارات العقارية التركية، والآخر لما أُطلق عليه أول متجر إلكتروني في السعودية، وقد أثار هذان الإعلانان ردود أفعال صاخبة، وجدلًا بين المتابعين ما بين مؤيد ومعارض، إلى درجة الإساءة في بعض الردود للشخصية الدينية صاحب الحساب، وإظهاره في هيئة غير لائقة (صورة فتاة إعلانات معالَجة ببرنامج "فوتوشوب")، ناهيك عن التعليقات الجارحة لشخصه.
5- تبدو حسابات قادة الرأي الدينيين الذين شملتهم الدراسة منصات دعوية حديثة، أو منابر افتراضية، حيث يستعمل هؤلاء القادة شبكات التواصل الاجتماعي كوسيلة دعوية حديثة على نحو نشيط، ويقومون من خلالها بنشر خطاب ديني أيديولوجي، إلى درجة أن هذه الشبكات تبدو بالنسبة للبعض بمثابة ساعة ميقاتية، أو سجل يومي وأسبوعي، ففي الصباح، يتم التذكير بأدعية الصباح، والحث عليها، أو إلقاء تحية الصباح على نحو رمزي (مثلًا: صباحكم حكمة جميلة، صباحكم طفولة، صباحكم ابتسامة...، يعقبها وضع مادة ذات صلة بها)، أو نشر حكمة، أو جملة لأحد العلماء، أو رسالة تبعث على التفاؤل، وتدعو إليه، وعند الضحى، يتم التذكير بإحياء سُنَّة صلاة الضحى، وبيان فضلها، وعظيم أجرها، فإذا ما حلَّ المساء، جاء وقت التذكير بسنة الوتر، والدعاء بعدها، وأدعية قبل النوم.
6- بالرغم من تنوع الموضوعات والقضايا الدينية التي تناولها قادة الرأي الديني الخليجي أثناء فترة الدراسة، إلا أنه يمكن القول: إن شبكات التواصل الاجتماعي، تبدو من وجهة نظر هؤلاء القادة منصة مثالية لتناول الشؤون المتعلقة بأمور العبادات، يتلوها مزاولة النصح والوعظ والإرشاد ذي الطابع الديني في المقام الأول، يأتي بعد ذلك التعاطي مع ما يتصل بالآداب والقيم والأخلاق، في حين تأتي موضوعات المعاملات والموضوعات العقدية في مرتبة متأخرة في دائرة اهتمام تكريس قادة الرأي الديني لمنصات التواصل.
شكل رقم (1) يوضح الموضوعات التي تستأثر باهتمام قادة الرأي الدينيين بالخليج
ويمكن تقسيم الموضوعات والقضايا الدينية التي برزت أثناء فترة الدراسة على النحو الآتي:
- العبادات: وتركِّز على حكمة العبادات والشعائر في الإسلام، مثل الصلاة ومكانتها في الإسلام، ووجوبها، والحث على السُنن والورد اليومي والأدعية والاستغفار، وقيام الليل، والتوبة، وشرح الحج وبيان أحكامه وأعماله، وفضل يوم عرفة، وأجر صيامه، وفضل العشر من ذي الحجة، وسنن العيد، وأحكام الأضحية، وضرورة فقه الواقع.. وغيرها من الموضوعات الأخرى المتصلة بفقه العبادات.
- النصح والوعظ والإرشاد: ويحث هذا الصنف من الموضوعات على ذكر الله والعودة إليه، وأن التقوى خير زاد، وضرورة انشغال المؤمن بالواجبات الدينية، والاجتهاد في العبادات، وعلاقة العبد بربه، والتوكل على الله، والعمل للدنيا والآخرة، ومخاطر البُعد عن الإيمان بالله، ومحاسبة النفس والحث على الثبات على الدين، وتوخِّي الإيجابية، والمديح النبوي، وقصص الأنبياء والرسل، والنهي عن التشدد في الدين، وعدم اجترار الذكريات الأليمة، بالإضافة إلى ترسيخ ثقافة الاعتذار من خلال الإشادة باليوم العالمي للاعتذار.
- الأخلاق والقيم والآداب: وتشمل قيم الرحمة، والرفق بالفقراء، وضرورة محاسبة النفس، والواجبات والمسؤوليات، وحقيقة التقوى، وابتلاء المؤمنين، والحث على إحسان العمل، ومظاهر قوة الإيمان، وحرمة ترويع المسلم، والنهي عن الابتداع في الدين، وحرمة الاعتداء على الحياة الخاصة، والحث على الصبر، والرضا بالحرمان من إحدى النعم، والقيادة قدوة، وأخلاق النبي محمد صلَّى الله عليه وسلَّم، والاستعاذة من العجز والكسل، والحث على حب الله، والحث على التواضع، وكبرياء النفس البشرية، والحث على التسامح والتواصل في أيام العشر من ذي الحجة، والتصالح مع الذات، والحث على التفاؤل، وخلق الإحسان، والمسؤولية الشخصية في الإسلام، وإصلاح الذات والغير، وخشية العلماء لله، وظلم الأقوياء للضعفاء.
- موضوعات ثقافية وقضايا معاصرة: وتناقش مثلًا استنكار اعتبار المدافعين عن أوطانهم إرهابيين، والتقوى في الإسلام، والعلم في الإسلام، والدعوة للحوار، والأصالة والمعاصرة، وسبب تخلف الأمة العلمي، واحترام الإسلام للعقل والحث على التفكير، والحث على الأخذ بالأسباب، وعالمية العلوم الطبيعية، وضرورة ربط العلم بقيم الإيمان والأخلاق، ومشروعية الاختلاف في الرأي، والدين وقيادة الحياة، ومرونة الدين والفقه واختلاف الاستنباط، ورفض تقديس الأشخاص، ومكانة الشورى في الإسلام، ومكانة السنة النبوية في الإسلام.
- العقيدة: وتشمل التوحيد والإخلاص، والعبودية لله، وصفاته وأسمائه، وأثر العقيدة في إنتاج الأعمال، ومظاهر الإيمان بالله وفوائده، وآثاره السلوكية.
- المعاملات: وتركز على حرمة الاحتكار والرشوة، والتكافل الاجتماعي، والولاية في الإسلام، وإنكار ما يسمى "جهاد النكاح".
- موضوعات أخرى: وتشمل قضايا مختلفة، مثل إنكار أعمال القتل، ومعرفة الإسلام بالطبيعة البشرية، ومخاطر انفصام الأمة عن الدين، والإسلام وتحقيق المنافع الدنيوية، ومغبة سوء تطبيق القوانين، ونعمة العقل ونعمة الوحي، وعظمة الخلفاء والملوك من صلتهم بالشريعة، وإنكار الاحتفال بعيد الميلاد، ووجود المتطرفين في كل أمة، والفرق بين الإفتاء والخطابة، والأخذ بالرأي الأرجح في الفتوى، والانتساب إلى الدين الإسلامي، والارتقاء بالواقع إلى شرع الله، والمشقة تجلب التيسير، وفضل الإمام العادل، وفضائل الشريعة الإسلامية، وكمال الرسالة النبوية، وحفظ القرآن، والحكمة من معجزات الإسلام العقلية، ودور الإيمان في تفجير طاقات الأمة، والإنسان غاية حضارة الإسلام، وضرورة اقتران العلم بالعمل، وأن القرآن الكريم تبيان لكل شيء، بالإضافة إلى دور الدين في حياة الأمة، وترابط المجتمعات.
أما أسلوب تناول هذه الموضوعات، فقد تم معظمه بأسلوب مباشر وصريح، ونادرًا ما يأتي بطريقة ضمنية، أو عن طريق الإشارة والتلميح من طرف خفي*.
7- تبرز شبكات التواصل الاجتماعي كوسائل دعوية في الشعائر والمناسبات الدينية الموسمية، كشعيرة الحج، وينشط قادة الرأي الدينيون في استخدام هذه الشبكات بما يرتبط بهذه الشعائر، فمع قرب حلول موسم الحج، بدأ الحديث عن الحج وأحكامه، وحكمته، وآدابه، وفضل يوم عرفة، وأجر صيامه، وفضل ليالي العشر الأُوَل من ذي الحجة، وإحياء سنة التكبير في هذه العشر.. كما برزت رسائل تحث على سقيا الحاج، بما في ذلك الترويج للمشاريع الخيرية المتصلة بهذه المجال، كمشروع "إطعام الحجاج"، وقد يحدث -أحيانًا- أن يقوم أحد المتابعين بإقحام منشور خاص بالإعلان عن سقيا أخرى للحجيج، مما يعني أن صفحات قادة الرأي الدينيين تمثِّل منصة جيدة للترويج لهذا النوع من المشاريع الخيرية.
8- تكتسب شبكات التواصل الاجتماعي أهمية مضافة في أوقات الأزمات ذات البُعد الديني، مثل: منع الاحتلال الإسرائيلي الفلسطينيين من الصلاة في المسجد الأقصى، وإغلاق أبوابه في وجه المصلين، في 14 يوليو/تموز 2017، وتطورات الأحداث التي تلت ذلك، واستمرت حتى 27 يوليو/تموز 2017، حيث قام قادة الرأي الديني الخليجيون الذين شملتهم هذه الدراسة بالمشاركة في هذه القضية، من خلال تغريدات مكتوبة، أو بث مَشَاهِد عن ذلك الحدث، وعن القدس بوجه عام*، والتغريد بفيديوهات قصيرة خاصة بهذه القضية.
9- تمثل شبكات التواصل الاجتماعي منصة فعالة يستخدمها بعض قادة الرأي الدينيون الذين شملتهم الدراسة للترويج لمشاريع كفالة الأيتام، والدعوة لإطلاق حملات التبرع لصالح إحدى الفئات المتضررة أو المحتاجين في دولة من دول العالم، مثل: مشروع "دعم المقدسيين"، ومشروع "هُدْهُد" للتعريف بالإسلام، ومشروع "الراحمون/تبرعوا" (لإغاثة أهلنا في اليمن)، ومشروع "الأضاحي"، ومشروع "كسوة العيد"، و بناء مركز في "النيجر"، والدعوة إلى إطلاق حملة لإغاثة المتضررين من الفيضانات في الهند وبنجلاديش، والتي أطلقها الشيخ نبيل العوضي على حسابه في "تويتر"، في 23 أغسطس/آب 2017، ومتابعة تطورات الحملة، وبث الأخبار المتصلة بها.
10- تعتبر حسابات قادة الرأي الدينيين رافدًا معرفيًّا للمتابعين عامة، ونظرائهم من خطباء المساجد خاصة؛ حيث يحرص بعضهم على وضع روابط خاصة بخطب خاصة بهم لصلاة الجمعة، وصلاة العيد، وفضل العشر من شهر ذي الحجة، وغيرها من الخطب الأخرى.
11- تتعدد مسارات البرهنة التي يستعملها قادة الرأي الدينيون لإيصال الرسائل الدينية والإقناع بها، فبالإضافة إلى استخدام الأدلة من القرآن الكريم، والسنة النبوية، واستخدام شواهد من الواقع، وأقوال العلماء، يوظِّف هؤلاء القادة عددًا من الاستمالات العاطفية والعقلانية، أو كليهما معًا، ومنها استمالة الترغيب تارة، والترهيب تارة أخرى، مشفوعة أحيانًا بتصميم صور لمناظر طبيعية أخَّاذة، تمتزج فيها الألوان الجذابة، مع النصوص الدينية*. فالاستمالات العاطفية تستهدف التأثير في وجدان المتلقي وانفعالاته، وإثارة حاجاته النفسية والاجتماعية، ومخاطبة حواسه بما يحقق أهداف القائم على الاتصال، في حين أن الاستمالات العقلية تعتمد على مخاطبة عقل المتلقي، وتقديم الحجج والشواهد المنطقية، وتفنيد الآراء المضادة بعد مناقشتها، وإظهار جوانبها المختلفة(28)، بما يحقق فاعلية الرسالة الإعلامية الدينية، والإقناع بها.
وتفاوتت طرق إيصال قادة الرأي الدينيين الذين شملتهم الدراسة للرسائل الإعلامية، فمنهم من يكتفي بشكل اتصالي واحد، مكتوب أو مرئي، وآخرون يحرصون على الإفادة من الإمكانيات التقنية لشبكات التواصل الاجتماعي في إنتاج مزيج اتصالي فعَّال، تجتمع فيه المادة المكتوبة والمرئية، معزَّزة بجوانب التوضيح الأخرى كالرسوم المعلوماتية، وغيرها من جوانب التصميم الأخرى التي تُكسب الرسائل جاذبية، وإيصال المعاني على نحو أكثر وضوحًا.
الشكل رقم (2) يمثِّل نموذجًا لاستخدام الرسوم المعلوماتية في التغريدات الدينية (29)(30)
كما تتعدد صنوف الرسالة، فقد تكون عبارة عن تغريدة أو منشور، وقد تكون مجرد مشاركة مواد من مواقع أخرى مكتوبة أو مرئية من خلال وضع الروابط الخاصة بها، وتتضمن رسائل دينية، وقد تكون مصحوبة بفيديو قصير، مناسب للموضوع، أو ذي صلة به، أو وسم، أو صورة فوتوغرافية معبِّرة عن الحدث، أو حتى صورة فنية. وتتفق هذه النتيجة مع ما انتهت إليه دراسة "الشهري، 2015" من استثمار الخصائص الفنية للشبكات من خلال تنوع عرض المعلومات، وتفاعل الجمهور الجيد مع هذه الصفحات والحسابات(31).
2.2. شبكات التواصل الاجتماعي وحصار قطر
برزت شبكات التواصل الاجتماعي كلاعب أساسي وفاعل في مواجهة أزمة الحصار المفروض على قطر، وقد نشط على نحو خاص قادة الرأي من الصحفيين والإعلامين القطريين، ونظراؤهم في دول الحصار في استخدام هذه الشبكات لتحقيق أغراض عدَّة، ومن أهم ما يمكن رصده في هذا الخصوص:
1- عزَّزت شبكات التواصل الاجتماعي من قيم المشاركة المجتمعية، وبخاصة حين تتعرض البلدان لهزة سياسية عنيفة على غرار الحصار المفروض على قطر، فالكل -تقريبًا- أصبح مشاركًا، وناشطًا سياسيًّا ومجتمعيًّا، يتابع، ويقرأ، ويشاهد، ويحلِّل، ويعلِّق، ويرسل ويستقبل ويمرِّر، ويعبِّر عن رأيه بشتى صنوف التعبير المختلفة، في ضوء أدوات المشاركة اللحظية التي تتيحها هذه الشبكة.
2- تجسِّد أنماط الاتصال الخاصة بهذه الأزمة عددًا من مفاهيم الاتصال، على نحو غير مسبوق، على غرار مفهوم تأثير "كرة الثلج"، وتكامل وسائل الإعلام والاتصال، والمزيج الاتصالي، والتفاعلية.. وغيرها من المفاهيم الاتصالية الأخرى، فكما تذهب مضامين شبكات التواصل الاجتماعي إلى شاشات التليفزيون وصفحات الجرائد، فإن هذه الرسائل، في المقابل، سجَّلت حضورًا على شبكات التواصل الاجتماعي، من خلال الفيديوهات القصيرة الترويجية، لتعزيز رسائل معينة، أو إبلاغ أخرى، كما أن هذه الفيديوهات تُمرَّر إلى أفراد آخرين بواسطة أجهزة الهواتف الذكية، وبخاصة عبر تطبيق الواتساب، مما يُوَسِّع من دائرة انتشار الرسائل الاتصالية، ويُعَزِّز من تفاعل أفراد الجمهور، بما يتجاوز منصات التواصل الاجتماعي إلى أفق تفاعلية أخرى، تجسد معنى كرة الثلج المتدحرجة من قمة جبل جليدي.
3- أدى الحصار المفروض على قطر إلى الدفع قدمًا بمناخ هامش حرية الرأي والتعبير بين المواطنين القطريين، والحديث عن موضوعات لم يعهد الحديث عنها من قبل، فالجميع غدا مشاركًا نشيطًا في مواجهة هذه الأزمة، وخاصة من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، بما في ذلك الواتساب بعكس المواطنين في دول الحصار التي جرَّمت حتى مجرد التعاطف مع دولة قطر، معتبرة أن "إبداء التعاطف أو الميل أو المحاباة تجاه تلك الدولة (قطر)، أو الاعتراض على موقف دولة الإمارات العربية المتحدة وما اتخذته من إجراءات صارمة وحازمة مع حكومة قطر، سواء عبر وسائل التواصل الاجتماعي بتغريدات أو مشاركات، أو بأي وسيلة أخرى قولاً أو كتابة، يعد جريمة معاقبًا عليها بالسجن المؤقت من ثلاث إلى خمس عشرة سنة، وبالغرامة التي لا تقل عن خمسمئة ألف درهم.."(32)، وهو ما اعتبرته بعض المنظمات الحقوقية "خرقًا معيبًا للحق في الرأي والتعبير"(33).
4- مثَّلت تغريدات الصحفيين القطريين رصدًا وتوثيقًا لعدد من المعاناة الإنسانية، والانتهاكات التي طالت المواطنين القطريين في بعض بلدان الحصار، ومن ذلك عرض الفيديوهات التي توضح بعض المعاناة والأذى النفسي الذي لحق بالقطريين المعتمرين بمجرد إعلان الحصار، بالإضافة إلى التنابز بالألقاب والوعيد، ومنها ما وصل حدَّ الاعتداء الجسدي على بعض القطريين في السعودية.
5- أتاحت شبكات التواصل الاجتماعي للصحفيين القطريين الذين شملتهم هذه الدراسة، منصات مفتوحة لشرح قضية الحصار المفروض على بلادهم وتحليلها من مختلف الجوانب، كما مكَّنتهم من الرد على الاتهامات والانتقادات، ومنها ما وصل حدَّ التجنِّي، الموجَّه لدولة قطر، ومنها ما صدر عن شخصيات رسمية، مثل: السفير السعودي في الأردن الذي تهكَّم فيه على قطر وادَّعى صبرهم عليها لمدة 20 عامًا. بالإضافة إلى تفنيد مواقف الخصوم، وبيان تناقضاتهم، وكشف الأخبار الزائفة التي بثتها بعض وسائل إعلام دول الحصار، ومنها ما انحدر إلى مستوى الدعاية، بالإضافة إلى توضيح التغطيات المتناقضة للأحداث التي رافقت فترة الحصار، بما في ذلك استدعاء التغريدات من الأعوام السابقة* كجزء من استراتيجية المواجهة المفتوحة في كل الاتجاهات بين الصحفيين والإعلاميين القطريين من ناحية، وصحفيي وإعلاميي دول الحصار من ناحية أخرى.
الشكل رقم (3) يُقدِّم نموذجًا لتفنيد المواقف المتناقضة من أزمة حصار قطر(34)
6- وظَّف الصحفيون القطريون شبكات التواصل الاجتماعي لرفع الروح المعنوية للمواطنين القطريين لمواجهة الحصار المفروض على بلادهم، والتأكيد على ثبات الجبهة الداخلية في وجه الحصار، ومن ذلك -مثلًا- رفع مقاطع قصيرة من الأشعار والأهازيج الشعبية، والأغاني الوطنية التي أُنتجت إبَّان فترة الحصار.
7- حضرت السخرية في تغريدات الصحفيين القطريين على شبكة تويتر، بعد بثِّ مراسل قناة العربية في شمال وغرب إفريقيا تغريدة قال فيها: "مشعوذون من السنغال وموريتانيا يحصلون على ملايين الدولارات بعد تواصلهم مع شيوخ في قطر عرضوا عليهم استنزال الأرواح وتسخير الجن لحل الأزمة"(35). وانهالت التغريدات الساخرة من هذه التهمة، بما في ذلك إعادة نشر مقاطع الفيديوهات التي أنتجها مغردون قطريون، تسخر من تلك الفرية، كما أُطلق وسم في تلك الفترة بعنوان "#قطر_تتعامل-بالجن، ولاقى تجاوبًا كبيرًا من المغرِّدين على منصة تويتر.
8- بالرغم من حدة أزمة الحصار المفروض على دولة قطر، وعمق الشرخ الناتج عن هذا الحصار غير المسبوق خليجيًّا وعربيًّا؛ إلا أن بعض تغريدات قادة الرأي الخليجي على شبكات التواصل الاجتماعي، لم تخلُ من الدعوة إلى التحلي بالمنطق والتزام العقلانية، والعمل من أجل رأب الصدع بين أهل البيت الخليجي الواحد، أو على الأقل تضييق الفجوة بين الأشقاء الخليجيين، ومخاطبة السعودية على وجه الخصوص، ودعوتها إلى تحكيم العقل، والرجوع عن إجراءات الحصار، وقد برزت هذه الدعوات -مثلًا- من خلال استدعاء الأخبار الإيجابية المنشورة، مثل التغريدة المنشورة على حساب "أخبار قطر" على تويتر، والتي تقول: "في لفتة أخوية.. درَّاجو قطر يحتفلون مع نظرائهم السعوديين"، وأعاد تغريدها عدد من الصحفيين القطريين، وتفاعل معها بعض القراء مُشِيدين بهذا التصرف، ومؤكدين على وحدة اللحمة الاجتماعية لمواطني دول مجلس التعاون الخليجي*. وفي إطار هذا التوجه، غرَّد بعض الأكاديميين القطريين داعين إلى التحلي بالحكمة والرشد، وعدم الانجرار وراء المؤامرات التي تحاول النيل من دول الخليج كافة، غير أن هذه الدعوات كانت تتوارى وسط الكم المتدفق من خطاب التهييج، وإثارة الخصومة والخلاف والشقاق، والذي منه ما انحدر إلى مستويات التحريض والكراهية، والازدراء، والتنابز بالألقاب، واستعمال الألفاظ النابية والشتائم.
9- تكشف المشاركات على شبكات التواصل الاجتماعي -إلى حدٍّ ما- عن شخصية قائد الرأي، فهناك من اختار المواجهة الإعلامية المباشرة مهما كانت حدتها، وتبعاتها، ومن ثم اتسمت مشاركاتهم بالجرأة والحدة أحيانًا، في حين بدا آخرون أكثر تحفظًا، مكتفين -غالبًا- بإعادة بث الأخبار الإيجابية، فضلًا عن الميل إلى إشاعة الابتسامة والتفاؤل، وبث الروح الإيجابية في الحياة، والحث على صلة الرحم والتعاون ومساعدة الآخرين، بالإضافة إلى إعادة التغريدات الصادرة عن الوزارات والمؤسسات، بما فيها الصحف ومحطات الإذاعة والتليفزيون، والهيئات والجمعيات وغيرها من الكيانات الأخرى بالدولة، بالإضافة إلى الأفراد الفاعلين بالمجتمع، والمؤسسات الرسمية.
أبرز الوسوم الخاصة بحصار دولة قطر
تمثِّل الوسوم تظاهرة إلكترونية متجددة يوميًّا؛ حيث يتجمع آلاف ومئات الآلاف أحيانًا حول موضوع معين، فيتصدر قوائم الموضوعات التي يتحاور أعضاء شبكات التواصل الإجتماعي حولها. وقد تعددت الوسوم التي ظهرت أثناء فترة الدراسة، وتصدرت الوسوم المرتبطة بأزمة الخليج جرَّاء الحصار المفروض على دولة قطر الوسوم الأخرى، كما واكبت تطورات هذه الأزمة، وأبرز أحداثها، كالوسم الخاص بخطاب أمير دولة قطر بعد مضي 80 يومًا على أزمة قطر بعنوان #تميم_بن_حمد #خطاب_الثبات، #قطر_تنتصر_سياسيًّا، #دبي_غير_آمنه_للاستثمار، في حين برزت وسوم أخرى في دول الحصار على غرار وسم #قطر_الملف_الأسود.
استنتاجات
أكدت نتائج الدراسة على تعاظم سلطة شبكات التواصل الاجتماعي كوسيط اتصالي جديد، بحيث يصعب على أي مشتغل بالشأن العام اليوم تحاشيها، ومن هنا يبدو حرص قادة الرأي العام الخليجين على الإفادة منها على نحو كثيف ومنتظم، فهي وسيلة لمتابعة الأحداث، وبث كل جديد، بما يتجاوز الخبر إلى التعليق والتحليل والنقاش والجدل المحتدم، كما أنها تتيح منصة متكاملة للنشر والإذاعة غير المحدودين بالمساحة أو الزمن، وفي أي وقت، ومن أي مكان، فضلًا عن التفاعل الكثيف في تجلياته، وأطرافه، سواء أكان ذلك مع الوسيلة، أم بين القائمين على الاتصال ومتابعيهم، أو بين المتابعين أنفسهم. كما أبرزت الدراسة ظاهرة تكامل الوظيفة الاتصالية بين وسائل الإعلام التقليدية، ممثلة في الصحف والتليفزيون من ناحية، وشبكات التواصل الاجتماعي من ناحية أخرى، بما يترجم ثراء الميديا، ويفضي إلى مزيج اتصالي فعال، ورسالة إقناعية مؤثِّرة.
وقد غدت شبكات التواصل الاجتماعي منبرًا دعويًّا افتراضيًّا، ومنصة للخطاب الديني، يمارس من خلاله علماء الدين أدوارهم الوعظية والإرشادية، بالتركز أكثر على فقه العبادات، كما تعتبر الاستخدامات الطقوسية والمنفعية عاملًا مشتركًا في استخدام قادة الرأي الخليجين لشبكات التواصل الاجتماعي.
وتمكِّن هذه الشبكات قادة الرأي الخليجين من ممارسة عملية الاتصالية في مختلف مراحلها، قبل بث الرسائل، وأثناءها، وبعدها، كما تسجل الرموز المصورة والرسوم المعلوماتية، فضلًا عن الوسوم، والتدوين المرئي المصغرة، حضورًا ملموسًا على شبكات التواصل الاجتماعي، مما يعني إفادة قادة الرأي الخليجيين من سمات هذه الشبكات، أما التفاعلات التي تتولد عن التدوين فتفرض تحديًا كميًّا وكيفيًّا، جرَّاء كثرتها العددية، وتتابعها الزمني، وخروجها أحيانًا عن أخلاقيات التواصل الإنساني عبر هذه المنصات الحديثة، وبخاصة في ظل تنامي ظاهرة "الذباب الإلكتروني"، كما يسميها بعض النشطاء على شبكات التواصل.
ويتفاوت نشاط قادة الرأي على شبكات التواصل الاجتماعي، فمنهم من يكتفي -في أغلب الأوقات- بإعادة نشر تغريدات لمؤسسات ووزارات، وجمعيات وأشخاص...وآخرون يبادرون بالتغريد. أما بالنسبة للموضوعات التي تم تناولها، فقد تفاوتت وفقًا للتوجهات السياسية لقادة الرأي، وهيمنت قضية الحصار المفروض على دولة قطر على نشاط الصحفيين في المقام الأول، يليهم الأكاديميون، فالسياسيون، حيث برزت شبكات التواصل الاجتماعي كلاعب أساسي وفاعل في هذه القضية، وتبدو بمثابة مرصد يومي لمتابعة هذه القضية وتطوراتها من مختلف الجوانب السياسية الاقتصادية والاجتماعية، فضلًا عن تعزيزها قيم المشاركة المجتمعية، ودفعها بهامش الرأي والتعبير في منطقة الخليج العربي.
______________________________
د.عبد الرحمن محمد الشامي، أستاذ الإعلام بجامعة قطر
1- عبد الباري، أسامة، "دور شبكات التواصل الاجتماعي في إنتاج المعرفة: دراسة تطبيقية على عينة من مستخدمي الفيسبوك"، حوليات الآداب والعلوم الاجتماعية، (الحولية 35، الرسالة 408، الكويت، سبتمبر/أيلول 2014)، ص 7-104.
2- المكينزي، عادل، "القضايا السعودية على شبكات التواصل الاجتماعي -تويتر نموذجًا- دراسة تحليلية"، مجلة الآداب، (المجلد 27، العدد 2، جامعة الملك سعود، مايو/أيار 2015)، ص 311-336.
المطيري، حسن، الاستخدامات السياسية لموقع التواصل الاجتماعي تويتر من قبل الشباب الكويتي، (رسالة ماجستير)، كلية الحقوق، جامعة الشرق الأوسط، عمان، 2013.
3- عابد، زهير، "دور شبكات التواصل الاجتماعي في تعبئة الرأي العام الفلسطيني نحو التغيير الاجتماعي والسياسي: دراسة وصفية تحليلية"، مجلة جامعة النجاح للأبحاث-العلوم الإنسانية، (المجلد 26، العدد 6، 2012)، ص 1387-1428.
4- Ruchs, Christian, “Social Media and the Public Sphere”, Journal for a Global Sustainable Information Society, (Vol. 12, Issue 1, 2014), p. 57-101.
5- المري، خولاء، تأثير التويتر على طبيعة عمل عينة قصدية من الإعلاميين في القنوات الفضائية الخليجية، (رسالة ماجستير)، كلية الإعلام، جامعة الشرق الأوسط، عمان، 2016.
السويد، محمد، "اعتماد المغردين الإعلاميين على معلومات تويتر وتقييمهم لمدى مصداقيتها: دراسة ميدانية على عينة من الإعلاميين السعوديين المغردين في تويتر"، المجلة العربية للإعلام والاتصال، (العدد 16، نوفمبر/تشرين الثاني 2016)، ص 71-142.
6- Perry, D. Theory and Research in Mass Communication, (Mahwah, New Jersey, 2001), 2nd Ed, p. 191-192.
7- Cho, Youngsang; Lee, Daeho; Hwang, Junseok, “Identification of effective opinion leaders in the diffusion of technological innovation: A social network approach”, Technological Forecasting and Social Change, (Vol. 79, Issue 1, 2012), p. 97-106.
8- الغامدي، سعيد؛ الحديثي، زياد، "مصداقية تويتر لدى طلاب وطالبات الجامعات الحكومية في مدينة الرياض: دراسة مسحية"، مجلة الآداب، (المجلد 27، العدد 1، 2015)، ص 361-364.
9- Cho, Youngsang; Lee, Daeho; Hwang, Junseok, “Identification of effective opinion leaders in the diffusion of technological innovation: A social network approach”, op, cit, p. 97-106.
10- Baran, S., Davis, D. Mass Communication Theory: Foundations, Ferment, and Future, (Thomson Wadsworth, Belmont, CA, 2003), 3rd Ed, p. 361.
11- عبد الحميد، محمد، البحث العلمي في الدراسات الإعلامية، (عالم الكتب، القاهرة، 2004)، ط 2، ص 158-167.
16- Littlejohn, S., Foss, K. Theories of Human Communication, (Thomson Wadsworht, Belmont, CA, 2008), 9th Ed, p. 291-292.
17- Holmes, D. Communication Theory: Media, Technology, Society, (Sage Publication, London, 2005), p.10.
18- Littlejohn, Foss. Theories of Human Communication, op, cit, p. 292.
20- Davis, Fred; Bagozzi, Richard; Warshaw, Paul. “User acceptance of computer technology a comparison of two theoretical models”, Management Science, (Issue 35, 1989), p. 982-1003.
21- Habermas, J. The structural of transformation of the public sphere: An inquiry into a category of bourgeois society, (MIT press, Cambridge, MA, 1991), p. xi.
22- Hansen, Ejvind, “The positive freedom of the public sphere: the need for courageous truth-tellers”, Journalism Studies, (Vol. 16, No. 6, 2015), p. 767-781.
24- حسين، ابتسام، "المجال العام في الدولة السلطوية: مفهوم القوة بين الخطاب والفاعلين"، المركز العربي للبحوث والدراسات، 1 ديسمبر/كانون الأول 2014، (تاريخ الدخول: 13 سبتمبر/أيلول 2017):
25- Rogers, Everett. M., “Diffusion of Innovations. Addictive behaviors”, Addictive Behaviors, (Vol. 27, Issue 6, 2002), p. 989-993.
26- Moore, Gary. C.; Benbasat, Izak, “Development of an instrument to measure the perceptions of adopting an information technology innovation”, Information Systems research, (Issue 2, 1991), p. 192-222.
27- للاستزادة حول مستويات اللغة العربية، راجع: بدوي، السعيد، مستويات اللغة العربية المعاصرة في مصر: بحث في علاقة اللغة بالحضارة، (دار المعارف، القاهرة، 1973).
* جُمعت هذه البيانات من حسابات أفراد عينة الدراسة على شبكة تويتر، بتاريخ 6 سبتمبر/أيلول 2017.
* من أمثلة الرسائل التي تحوي دعوة ضمنية (الحث على التبكير إلى أداء الصلاة):
"أول كلمة في الآذان تدوي في الكون: (?الله أكبر?، لتعلم أن الله أكبر من اجتماعك، ومن وظيفتك، ومن تجارتك، ومن كل شيء في حياتك. #الصلاة".
* من أمثلة ذلك، قيام الدكتور سلمان العودة بتسجيل فيديو عن القدس مدته 3 دقائق.
* من أمثلة هذه الرسائل:
- "حياة ليس فيها صلاة ليس فيها ثقة ولا طمأنينة ولا استقرار ولا هدوء ولا سكينة، قرة عين للمصلين.#الصلاة".
- "بشرى للمستغفرين" -في معرض الترغيب في الاستغفار-، ورَدِّد "سبحان الله وبحمده" مع الطيور المنشدة والعصافير المغرِّدة والحمام المغني لتكون أحد الفائزين بجائزة "فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُم".
- تغريدة الشيخ نبيل العوضي، في 24 أغسطس/آب 2017، للترويج لإحدى الجمعيات الخيرية لجمع التبرعات لإغاثة المتضررين من الفيضانات في الهند وبنغلاديش، وتضمنت التغريدة فيديو مدته 45 ثانية يُظهر منزلًا ينهار جرَّاء الفيضان، دون توضيح لمكان أو زمان الفيديو.
من أمثلة الاستمالات العقلية: الاستشهاد بالحديث النبوي الشريف؛ قال رسول الله ?: "من أكثر من الاستغفار جعل الله له من كل همٍّ فَرَجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب".
28- مكاوي، حسن عماد، الاتصال ونظرياته المعاصرة، (الدار المصرية، القاهرة، 2005)، ط 5، ص 188- 190.
29- القرني، عايض، تغريدة على حسابه في تويتر، سبتمبر/أيلول 2017، (تاريخ الدخول: 30 سبتمبر/أيلول 2017):
https://twitter.com/Dr_alqarnee/status/914370513241280512
30- العريفي، محمد، تغريدة على حسابه في تويتر، أغسطس/آب 2017، (تاريخ الدخول: 10 أغسطس/آب 2017):
https://twitter.com/MohamadAlarefe/status/895638124507926528
31- الشهري، ياسر، "صفحات وحسابات القرآن وعلومه في الشبكات الاجتماعية: دراسة وصفية تحليلية على عينة من صفحات وحسابات فيس بوك، تويتر، يوتيوب"، المجلة العربية للإعلام والاتصال، (العدد 13، مايو/أيار 2015)، ص 95-158.
32- "الإمارات تجرِّم أي تعاطف مع قطر.."، بي بي سي، 7 يونيو/حزيران 2017، (تاريخ الدخول: 20 أغسطس/آب 2017):
http://www.bbc.com/arabic/live/40158673
33- "منظمات حقوقية دولية تستنكر مقاطعة قطر وحصارها"، الجزيرة نت، 10 يونيو/حزيران 2017، (تاريخ الدخول: 20 أغسطس/آب 2017):
goo.gl/n5rxQs
* من أمثلة ذلك: مقارنة الصحفي القطري، عبد الله العذبة، بين الخبر المنشور على موقع "العربية"، وموقع صحيفة "عكاظ" عن موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب من تمديد العمل بالاتفاق النووي الإيراني.
34- العذبة، عبد الله، تغريدة في حسابه على تويتر، يوليو/تموز 2017، (تاريخ الدخول: 10 أغسطس/آب 2017):
https://twitter.com/a_alathbah/status/888719831255601152
35- "فضيحة في قناة "العربية".. قطر تتعامل بالجن"!!، قناة العالم، يوليو/تموز 2017، (تاريخ الدخول: 20 أغسطس/آب 2017):
http://www.alalam.ir/news/1994637
* من الأمثلة الأخرى: تغريدة الصحفي القطري، عبد الله العذبة، على حسابه في تويتر، 22 يوليو/تموز 2017:
"إشارة إيجابية جميلة من #الإمارات الشقيقة بعد خطاب الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة #قطر البارحة. حافِظوا على "خليجنا واحد"، (تاريخ الدخول: 5 أغسطس/آب 2017):
https://twitter.com/A_AlAthbah/status/888749038534762496