مقدمة
أسهمت البيئة الرقمية الجديدة بمنصاتها ووسائطها المختلفة في تغير نمط إنتاج وتوزيع المحتوى الذي بات يُنْقَل "من الجميع إلى الجميع"، وهو ما حوَّل الانتباه باتجاه الحوامل الجديدة والمحتوى نفسه الذي تزداد أهميته بين الفاعلين، أفرادًا ومؤسسات ودولًا، ليس فقط في إبراز التَّمثُّلات والرؤى حول القضايا والأحداث الجارية، وإنما في الصراع الرمزي والقيمي بين مختلف القوى عبر حروب إعلامية تُسْتَخْدَم فيها جميع الوسائل المشروعة وغير المشروعة، وتُسْتَثْمَر فيها أيضًا خصوصية البيئة الرقمية التي تُؤَمِّن مجالًا واسعًا لانتشار السرديات البديلة في زمن اتصالي أفقي.
وفي سياق هذا الصراع الرمزي، أصبح المجال الرقمي-الشبكي بنموذجه الاتصالي الأفقي، وحالته الإعلامية السائلة وتمدُّد شبكاته ومنصاته، ملاذًا ومَحْضنًا لاصطناع الأخبار والوقائع وفَبْرَكَةِ البيانات، فضلًا عن تزييف الأحداث وتركيب سياقاتها. وتفاقم ذلك مع اندثار سلطة حارس البوابة، لاسيما في شكلها الرقابي، بعدما كان الإعلام التقليدي بنموذجه الإخباري العمودي يُمَكِّن شبكة الحراس من التَّحكُّم في الحلقات الاستراتيجية لعملية الاتصال والسيطرة على سلاسل إنتاج المحتوى. فلم تعد هناك أية سلطة تُحدِّد مدخلات ومخرجات المحتوى –وتبتُّ فيما يُنْشَر وما لا يُنْشَر عبر منصات إعلام الفرد والنَّحْنُ، خاصة الإعلام الاجتماعي، ووصوله إلى المتلقي- سوى المستخدم نفسه الذي أصبح مُنْتِجًا ومُرْسِلًا ومُسْتَقْبِلًا في الآن ذاته، ومالكًا لسلطة القرار في جميع الحلقات التي يحددها هو لإنتاج هذا المحتوى.
وقد ساعدت الحالة السائلة للإعلام الرقمي، التي ترافقت مع الجيل الثاني للويب (2.0) واختلَّت فيها أيضًا سلطة الضوابط المهنية، على التوسع في إنتاج الأخبار الكاذبة وانتشارها، خلافًا لمرحلة الجيل الأول للويب (1.0) التي أسهمت بشكل غير مباشر في مشاركة الأخبار وانتشار المعلومة والمعرفة، وتدوين الآراء والتجارب الشخصية، وأيضًا التعاون في إنتاج المحتوى والكتابة المشتركة للوثائق. كما عززت ظاهرةُ المصادرِ المُجَهَّلَة والأسماءِ المستعارة التَّحَلُّلَ من القواعد الأخلاقية والضوابط الاجتماعية للحوار، وولَّدت الشعورَ بالإفلات من المحاسبة، الذي يشجع على ترويج الإشاعة والدعاية بكل أصنافها. وظهر العديد من المنصات التي تُمَثِّل هذا الاتجاه، مثل الموقع الفرنسي "لوغورافي" (Le Gorafi) الذي انطلق خلال انتخابات الرئاسة الفرنسية، عام 2012، عبر صفحات تويتر، ويتأسس خطابه على السخرية المُنْتِجَة للتضليل الإعلامي كما اشتُهر بالترويج للأخبار الكاذبة، وتسمى هذه المنصات بمواقع التسلية(1). وقد فجَّر تطور الويب الحواجز التقليدية للمجال العام؛ حيث يتعذر التمييز بين المعلومة والأخبار الكاذبة والإشاعة، لذلك توصف المواقع التي تعمل بمقتضى هذه الحالة بـ"الضبابية"، مثل شبكات التواصل الاجتماعي التي تُعَدُّ جزءًا من هذه المنصات، بل أصبح الاحتيال المعلوماتي والأخبار الزائفة والإشاعة مظهرًا للثقافة السائدة اليوم؛ حيث يَسْهُل إنتاج هذا المحتوى وتوزيعه مما يرسخ الشك في المجتمع(2)، بل وتساءل البعض إن كانت الحقيقة لا تزال موجودة أم أن البشرية تعيش في عصر التزييف والتضليل(3)! بينما ينظر آخرون للأخبار المزيفة باعتبارها حقائق بديلة لمواجهة الرواية السائدة، وكان هذا المصطلح مثار الجدل الذي أثارته كيليان كونواي، مستشارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عندما اعتبرت تصريحات الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض حول الجمهور الغفير الذي حضر حفل تنصيب الرئيس حقائق بديلة غير كاذبة، بيد أن مقارنة صور هذا المشهد بحفل تنصيب باراك أوباما تُبيِّن أن تلك المعلومات لم تكن حقيقية(4).
وتُظهر الملاحظة الاستكشافية لواقع الأزمات السياسية الراهنة، التي كان الإعلام إما متغيرًا أساسيًّا في تفجيرها أو مُظهرًا كاشفًا لدينامياتها، بُروزَ ظاهرة الأخبار الكاذبة، وتعاظمَ صناعتِها وانتشارِها الواسع في سياق الصراع الرمزي والأيديولوجي لإنشاء معان وإنتاج سرديات بديلة، أو ما سُمِّي بـ"الحقائق البديلة"، لمواجهة الخطاب المُنَافِس والخصوم السياسيين، أفرادًا ومؤسسات وكيانات سياسية، عبر شبكات التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد عمومًا. فتنشط الجيوش والذباب الإلكتروني في الترويج لخطاب القائم بالفبركة، وإغراق المجال العام الرقمي والتقليدي أيضًا بالأخبار الكاذبة عن الخصم السياسي، والتشويش على الخطاب المُنَافِس من خلال مئات الحسابات الوهمية. وتُمَثِّل هذا الواقع قصة شركة "كامبريدج أناليتكا" البريطانية لتحليل البيانات والاستشارات السياسية(5)، ووكالة الأخبار الاتحادية الروسية(6) وقبل ذلك قصة اختراق "وكالة الأنباء القطرية"(7) التي تُبَيِّن دور صناعة الأخبار الكاذبة/المُفَبْرَكَة في تفجير الأزمات السياسية وتداعياتها الاجتماعية والإنسانية والاقتصادية، وتأثيرها أيضًا في العلاقات الدولية والسلم والأمن العالميين.
إذن، تبدو صناعة الأخبار الكاذبة اليوم -رغم قِدَم هذا النمط الاتصالي- ظاهرةً أكثر تعقيدًا في سياقها الرقمي؛ حيث تتشابك أبعاد تكنولوجية واتصالية ومعلوماتية وعلمية وأمنية واستخبارية في صناعتها. كما تتدخل شبكة واسعة من الفاعلين و/أو القائمين بالفبركة في سلاسل إنتاجها والترويج لها (شركات العلاقات العامة، شركات تحليل البيانات والاستشارات السياسية، المؤسسات الفكرية والبحثية، مراكز استطلاع الرأي، منصات التواصل الاجتماعي...وغيرها)، خلافًا لنموذج الدعاية الذي اقترن بوسائل الإعلام التقليدية ونمطها الاتصالي العمودي الذي يجعل القائم بالدعاية ومصدرها معلومًا، والخطاب الدعائي نفسه مرصودًا. ولا تُساعد معظم المقاربات والنماذج المعرفية، والأنماط الاتصالية التقليدية، مثل نموذج الدعاية والتضليل الإعلامي، ولا حتى بعض الأفكار والمفاهيم الحديثة، مثل الحقائق البديلة أو ما بعد الحقيقة، في تأطير ظاهرة الأخبار الكاذبة وتقديم تفسير لمحدداتها واستراتيجيات صناعتها وآليات اشتغالها وأهدافها، وعلاقتها بتشكيل الرأي العام ومراحل التأثير في اتجاهاته المعرفية والنفسية والسلوكية، لاسيما في ظل التعقيد الذي يميز هذه الظاهرة كما يبدو في الحالات الثلاث السابقة.
لذلك، تحاول هذه الدراسة عبر تحليل آليات صناعة الأخبار الكاذبة وسيرورتها، واستراتيجية محاصرة الرأي العام بالسرديات البديلة للقائم بالفبركة، وضعَ نموذجٍ أسماه الباحث لولب الحصار المعلوماتي؛ يهتم بكيفية اشتغال الأخبار المزيفة لتسييج الرأي العام عبر التشويش والاحتيال على منصات الإعلام الرقمي ووسائل الإعلام بشكل عام لاستغلال بياناتها واختراق المنصات المُنَافِسَة في مرحلة أولى، ثم الانغمار في ضخ المعلومات والبيانات المفبركة والتحليلات المزيفة عبر موجات و/أو هجمات لَوْلَبِيَّة عاصفة من قِبَل شبكة المفبركين في مرحلة ثانية، ثم التسويق السياسي لخطاب شبكة المفبركين وسردياته البديلة عبر جميع وسائل الإعلام التقليدية والجديدة للتأثير في الرأي العام معرفيًّا ونفسيًّا وسلوكيًّا في مرحلة ثالثة.
ويستفيد هذا النموذج(8) المعرفي، لولب الحصار المعلوماتي، من نظرية دوامة الصمت لإليزابيث نويل نيومان (Elisabeth Noelle-Neumann)(9)، وأيضًا الدراسة الإمبريقية لجون ميرشايمر (John Mearsheimer) حول الكذب في العلاقات الدولية "لماذا يكذب القادة؟: حقيقة الكذب في السياسة الدولية"(10)، فضلًا عن نظرية الأطر الإعلامية. وهو ما يؤكد أن الظاهرة الإعلامية منذ ظهورها، والاتصال عمومًا، يمثلان مجالًا مشتركًا لعدد من التخصصات العلمية والحقول المعرفية، وقد ظلا أيضًا محورًا لوضع النماذج والنظريات الاتصالية المُفَسِّرة لهما في سياق مجالات معرفية مختلفة (نفسية واجتماعية وسياسية واقتصادية..)، أسهمت في تأكيد تطور عملية الاتصال وقدَّمت في مجموعها إطارًا لاتجاهات البحث في مجالات الإعلام والاتصال وعلاقتها بالعلوم الأخرى. وهنا لا يمكن الحديث عن نظرية إعلامية واحدة متَّفَق على كيفية عملها، أو تأثيرها في الجمهور بين الباحثين، وإنما هناك عدد من النظريات التي تقدم تصورات عن كيفية عمل الإعلام وتأثيره، وفي الوقت ذاته تساعد هذه النظريات على توجيه البحث العلمي في مجال الإعلام إلى مسارات مناسبة؛ ذلك أن النظرية تجسد بشكل فاعل تطبيقات وسائل الإعلام في المجتمع(11).
وسنركز في هذا السياق على الصورة الكلية لنموذج لولب الحصار المعلوماتي عبر وصف ظاهرة صناعة الأخبار الكاذبة وآليات إنتاجها وعلاقتها بتشكيل الرأي العام، لذلك فإن هذا النموذج المعرفي ليس معنيًّا بالبحث في الكيفية التي يحدث بها الاتصال في سياق إنتاج الأخبار الكاذبة، باعتبارها عملية اتصالية تتشكَّل عبر مساقات ومراحل متعددة لا محدودة، ولا معنيًّا أيضًا بدراسة النظام الاتصالي لهذه العملية وتحديد عناصره وخصوصيته، وإنما يُحدِّد هذا النموذجُ سيرورةَ صناعة الأخبار الكاذبة ومراحلَ حصار الوسيلة/الرسالة، ويُبرِز الكيفيةَ التي تؤثر بها عملية صناعة الأخبار المفبركة في الرأي العام وتطبيقاتها في علاقات الأفراد والمؤسسات والدول، والأطر المحددة لأهدافها، وهي المحاور الثلاثة التي تُمَثِّل متطلبات الدراسة ومنطلقاتها.
صناعة الأخبار الكاذبة: حصار الوسيلة/الرسالة
بمراجعة سياقات الحالات الثلاثة التي أظهرت عمليةَ إنتاجِ الأخبار الكاذبة، باعتبارها صناعة اتصالية-سياسية لامتناهية، أي جهدًا اتصاليًّا استراتيجيًّا مخططًا لمراحل اصطناع مواضعاته السياسية الناشئة والترويج لها، فإن القائم بالفبركة يسعى إلى تسييج الرأي العام بالأخبار الكاذبة ومحاصرة الخطاب المُنَافِس أو السرديات السائدة، وكذلك تطويق نشاط الأفراد والجماعات والمؤسسات التي تنشر هذا الخطاب، وأيضًا محاصرة الدول التي تكون اختارت نسقًا أو نموذجًا سياسيًّا واقتصاديًّا وقيمًا ثقافية ورمزية تتعارض مع نسق أو نموذج الحياة العامة الذي اختاره القائم بالفبركة. وهنا، فإن عملية إنتاج الأخبار الكاذبة ليست صناعة اتصالية مُؤَسَّسِيَّة ترتبط فقط بكيانات سياسية (أحزابًا ودولًا) أو جهات أمنية أو مؤسسات فكرية-بحثية وشركات تحليل البيانات والاستشارات السياسية والعلاقات العامة، وإنما يوجد أيضًا أفراد قائمون بالفبركة ليس لهم أحيانًا أي انتماء أو تعبير سياسي، وقد تكون دوافع الاتصال التزييفي لديهم اجتماعية ونفسية وكذلك عنصرية، وربما ينخرطون أو يكونون جزءًا من شبكة الاتصال التزييفي المؤسسي أو على الأقل دعمها والتسويق لبرامجها في إطار عمل الجيوش والذباب الإلكترونيين. ورغم ذلك ينبغي التمييز بين نمطين أو نموذجين من الاتصال التزييفي، هما: الاتصال التزييفي المؤسسي والاتصال التزييفي الفردي، ولكل واحد منهما محدداته وأطره وأهدافه واستراتيجياته. وسنركز في هذه الدراسة على الاتصال التزييفي المؤسسي المرتبط بالكيانات السياسية والمؤسسات التي تسوق له وتخدم أجندته.
وانطلاقًا من النماذج الثلاثة التي أشرنا إليها سابقًا، يبدأ الجهد الاتصالي التزييفي المؤسسي في اصطناع الأخبار، وفَبْرَكَة الوقائع والتحليلات، بالاحتيال على وسائل الإعلام واستغلال بياناتها عبر برامج حاسوبية، والتشويش على سلسلة الاتصال سواء بالإضافة أو الحذف ما يؤدي إلى ظهور اختلاف بين الرسالة التي أُرسلت إلى المتلقي والرسالة التي استقبلها(12)، ثم اختراق المنصات المُنَافِسَة في مرحلة أولى، كما حصل لموقع التواصل الاجتماعي الأكبر في العالم، فيسبوك، خلال حملة انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2016. فقد بيَّنت تقارير وتحقيقات مختلفة -كما أشرنا آنفًا- انغمار مؤسسة كامبريدج أناليتكا في جمع معلومات خاصة عن أكثر من 87 مليون مستخدم لموقع فيسبوك من دون موافقتهم لدعم الحملة الانتخابية للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، واستخدامها في تصميم برامج بإمكانها التنبؤ بخيارات الناخبين والتأثير على اتجاهاتهم في صناديق الاقتراع. كما أظهرت الأزمة الخليجية تصميم القائم بالفبركة على اختراق وكالة الأنباء القطرية والتشويش على رسالتها وخطابها العام، واستغلال منصتها لمحاصرة الرأي العام بأخبار مفبركة منسوبة لأمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، حول أحداث تعبِّر عن رغبة سياسية في تشويه خطاب القيادة السياسية القطرية وعزلها سياسيًّا عبر الهيمنة على الوسيلة ورسالتها لبناء واقع سياسي وإنشاء مواضعات سياسية بديلة تحقق أهداف القائم بالفبركة في السيطرة والهيمنة على استقلالية القرار السياسي والسيادة القطرية.
إذن، في هذه المرحلة يكون هدف القائم بالفبركة هو حصار الوسيلة عبر مصادر التشوش المختلفة (الاحتيال، التلاعب، الاختراق، الحجب..) التي تعوق وظيفتها الاتصالية/الإعلامية، ويمتد هذا التشويش أيضًا إلى الرسالة التي يصيبها "تلوث" صناعة الأخبار الكاذبة بعد تسرُّب البيانات والمعلومات المزيفة إلى بنيتها ومصادرها الأصلية ونسق خطابها العام. وهنا نلاحظ أن التشويش يكون في الحالتين ميكانيكيًّا/تقنيًّا عبر تدخل تكنولوجي قسري (هجوم إلكتروني) أو تدخل ناعم من خلال تطبيقات وبرامج حاسوبية معينة للتلاعب بالنشاط الاتصالي والإعلامي للوسيلة ومحاولة توجيهه والتأثير في مخرجاته بما يخدم أجندة القائم بالفبركة، ويكون التشويش أيضًا دلاليًّا عبر تحريف مضمون الرسالة أو الخطاب. ويسعى القائم بالفبركة من خلال هذا النشاط الاتصالي السياسي إلى حصار الوسيلة وتطويقها، والتشكيك والطعن في الرسالة للإضرار بالجهة المنافسة.
أما المرحلة الثانية في صناعة الأخبار المفبركة فتتميز بالانغمار في ضخ المعلومات والبيانات المفبركة والتحليلات المزيفة عبر موجات و/أو هجمات لَوْلَبِيَّة عاصفة من قِبَل القائم بالفبركة وتوجيه تلك الهجمات لأغراض وأهداف شبكة القائمين بالفبركة. وفي هذا السياق تُنْشَأ حسابات وهمية لشن حملات إلكترونية تقوم فيها شركات الدعاية والإعلانات ومراكز استطلاعات الرأي والمؤسسات البحثية وأيضًا الجيوش الإلكترونية والذباب الإلكتروني بجهد اتصالي منظَّم لمضاعفة الضغط على الخطاب المنافس والجهة التي تُمَثِّلُه. ويعتمد هذا الجهد الاتصالي على نتائج الأبحاث التي تُجْرَى حول الجمهور الذي يُرادُ محاصرته وتسييجه بالأخبار المفبركة، خاصة فيما يتعلق بعاداته الاتصالية، ومركب تفضيلاته لوسائل الإعلام التقليدية ومنصات الشبكات الاجتماعية، واحتياجاته المعرفية والسياسية، وميوله واتجاهاته النفسية والأساليب والبرامج التي قد تساعد في التأثير على سلوكه وخلق الاستجابة لرغبات القائم بالفبركة.
وهنا أصبح معروفًا أن كامبريدج أناليتكا لجأت إلى ما يسمى بـ"الرسم البياني النفسي"، أو مرسمة الانفعالات النفسية، أو البروفايل النفسي، وهو "الوعاء الذي فيه يتم إلقاء الزخم المعلوماتي البحثي"(13). ففي مجال التسويق والإعلان يتم الاهتمام بالبروفايل النفسي بجانب العنصر الجغرافي والديمغرافي والسلوكي لتقسيم العملاء والترويج للمنتج الاستهلاكي، ويختص الرسم البياني النفسي بـ"تحليل نمط الحياة الاستهلاكية من أجل إنشاء بروفايل مفصل عن العملاء". وعندما يضاف إلى الخصائص الجغرافية والديمغرافية يقدم صورة أكثر واقعية للفئة المستهدفة. فإذا كان الجانب الديمغرافي يحدد "مَنْ" يشتري، والمجال النفسي يستكشف "لماذا" يشترون، فإن البروفايل يقدم لمحة سريعة عن الأشياء التي يقدرها العملاء والأشياء التي يقومون بها في أوقات فراغهم وكيف يشعرون تجاه أنفسهم(14).
وفي سياق الاتصال السياسي، يدرس البروفايل الملامح النفسية للناخبين، وتُرسل رسائل قصيرة لهم وتُرسم ملامحهم النفسية، ويُستكشف من خلال هذه المعلومات صدى الحملات الانتخابية السياسية لدى الناخبين وتأثرهم، ويقسمهم إلى أنماط من الشخصيات عبر غربلة وتصفية البيانات التي تحصَّل عليها غالبًا من وسائل التواصل الاجتماعي(15). وكانت لجنة التحرك السياسي التي أسسها جون بولتون، مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أول زبائن شركة كامبريدج؛ إذ طلبت خدماتها من أجل سبر أغوار الجوانب النفسية لناخبين محتملين من خلال بيانات حصلت عليها من عشرات ملايين الملفات الشخصية المتوفرة على فيسبوك. وكانت اللجنة المعروفة باسم "ذا جون بولتون سوبر باك" طلبت خدمات كامبريدج أناليتكا للمرة الأولى في أغسطس/آب 2014، وأنفقت حوالي 1.2 مليون دولار من أجل أبحاث الاستطلاعات واستهداف جزئي للسلوكيات مع رسائل بالاعتماد على رسم بياني سيكولوجي(16).
ومن خلال نماذج الرسوم البيانية النفسية، ساعدت كامبريدج أناليتكا على تصميم أفكار لإعلانات تخص مرشحين تدعمهم لجنة التحرك السياسية، مثل السيناتور الجمهوري في كارولينا الشمالية، توم تيليس، في عام 2014، حيث ركز أحد الإعلانات على الوقت الذي أمضاه جون بولتون في العمل مع الرئيس الأميركي، رونالد ريغان، وكيف جسد توم تيليس روح ومبادئ ريغان السياسية(17). وفي حالة الأزمة الخليجية، كان واضحًا أن ضخ المعلومات والبيانات المفبركة والتحليلات المزيفة عبر موجات لَوْلَبِيَّة عاصفة من قِبَل القائم بالفبركة ينطلق من رسم بياني نفسي مستهدفًا مختلف شرائح وفئات المجتمع القطري ومؤسساته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإعلامية؛ فكان الخطاب المفبرك يستثير حالة الخوف من نظام الحكم ومستقبل البلاد وسط أفراد الأسرة الحاكمة والمؤسسة العسكرية والنخب الفكرية والإعلامية وقطاعات المجتمع المختلفة.
وفي المرحلة الثالثة، وهي تتشابك مع المرحلة الثانية، يتم فيها الترويج والتسويق السياسي لخطاب شبكة المفبركين وسردياته البديلة عبر جميع وسائل الإعلام التقليدية والجديدة ووسائط الاتصال المختلفة للتأثير في الرأي العام معرفيًّا ونفسيًّا وسلوكيًّا في مرحلة ثالثة. وهنا، يراهن القائم بالفبركة على الحملات الدعائية والإعلانية الممولة التي تقوم بها مؤسسات بحثية وفكرية ومنصات اجتماعية بشكل خاص، وأيضًا دعم الأنشطة السياسية للأطراف التي تعارض اختيارات الخصم السياسي للقائم بالفبركة والترويج لأطروحاتها في المحافل الرسمية والدولية. وهنا، لا يميز القائم بالفبركة بين الوسائل المشروعة والوسائل غير المشروعة، أو الأهداف النبيلة والغايات غير النبيلة، فهو يستغل كل ما من شأنه أن يخدم صناعة الأخبار الكاذبة باتجاه محاصرة الرأي العام وتأمين انتشار سردياته البديلة. وهكذا، يتوسع لولب الحصار وموجاته في "خنق" تدفق الخطاب المنافِس أو السرديات السائدة ثم التأثير تدريجيًّا في المستخدمين عبر بث خطاب بديل يحاصر وعي الجمهور المستهدف بالفبركة.
الشكل رقم (1) يبين مراحل محاصرة الوسيلة/الرسالة والأشخاص والمؤسسات المُنَافِسَة والترويج للسرديات البديلة
تسييج الرأي العام ومحاصرته بالأخبار الكاذبة
تُظهر سياقات الحالات التي برز فيها دور الأخبار الكاذبة في محاصرة الرأي العام بالبيانات المزيفة، وإغراق المجال العام بالمعطيات والتحليلات المفبركة، أن إنتاج الأخبار الكاذبة عملية اتصالية وصناعة سياسية لامحدودة كما بيَّنت انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2016 (كامبريدج أناليتكا) والأزمة الخليجية (وكالة الأنباء القطرية) التي سارعت خلالها السعودية والإمارات والبحرين ومصر إلى فرض حصار بري وجوي وبحري على دولة قطر في 5 يونيو/حزيران 2017؛ إذ تشترك في مسارات هذه العملية/الصناعة شبكة واسعة من المُفَبْرِكِين الرسميين وغير الرسميين المرتبطين بمصالح مختلفة ومؤسسات متنوعة (إعلامية، وإعلانية، ودعائية، وبحثية، وعلاقات عامة، وأمنية-استخبارية..) لغايات وأهداف متعددة ذات أبعاد استراتيجية. ولأجل ذلك يتم التخطيط لهذه العملية شكلًا ومضمونًا، والإعداد أيضًا لمراحلها المختلفة بثًّا وتوزيعًا عبر سلاسل إنتاج يُتَحَكَّم في نقاطها المركزية. إذن، هذا البعد السياسي-الاستراتيجي في عملية الاتصال يجعل الأخبار الكاذبة صناعة معقدة تخضع في مراحل إنتاجها ومساراتها لسلطة القائم (أو القائمين) بالفبركة وأجندته السياسية مستعينًا بجميع الوسائل والأساليب، دون أي اعتبار لقيمتها الأخلاقية، لمحاصرة الرأي العام بخطابه المفبرك.
وتعتمد صناعة الأخبار الكاذبة، في محاولة تطويق الرأي العام بالبيانات المزيفة والمعطيات والتحليلات المفبركة، على استثارة حالة من الخوف، أو بعث حالة من الترهيب، تجاه ما يراه القائم بالفبركة خطرًا يهدد البيئة المحيطة بالجمهور. وقد تتجاوز شبكة المفبركين دافع التخويف إلى إثارة حالة الإرعاب وسط الجمهور (خلق حالة الفوبيا والكراهية) إزاء ما تعتبره خطرًا مُهَدِّدًا لنسق الحياة العامة، أو لنموذج النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وقيمه الثقافية والرمزية والأخلاقية التي يُراد لها أن تكون عبر صناعة الأخبار الكاذبة بديلًا عن الخطاب المنافس ومنظومة قيم الجهة المنافسة.
ولما كان معظم أفراد الجمهور يخشون من الخطر أو الأخطار التي قد تهدد نموذج حياتهم العامة، أو نسق البيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وقيمها الثقافية والرمزية، فإن حالة الخوف أو حالة الإرعاب، التي تثيرها شبكة المفبركين عبر عملية صناعة الأخبار الكاذبة، تدفعهم للتفاعل مع السرديات البديلة التي ينتجها الخطاب المفبرك ومحاولة التوحد معها؛ الأمر الذي يجعل الجمهور مُسَيَّجًا أو واقعًا في دائرة الحصار الذي تفرضه الأخبار المفبركة، ويتوسع هذا الحصار كلما اشتدت دوافع التخويف، أو حالة الإرعاب، من الخطر أو الأخطار المزعومة التي يروج لها القائم بالفبركة.
إذن، فحالة التخويف والترهيب أو الإرعاب التي تُنْشِئُها وتخلقها عملية صناعة الأخبار الكاذبة تدفع باتجاه محاصرة الرأي العام بخطاب أو سرديات بديلة لمواجهة الخطاب السائد/المُنَافِس أو الجهة التي تُمَثِّلُه، وهي الفرضية التي تؤسس في هذا السياق لنموذج الحصار المعلوماتي عبر صناعة الأخبار الكاذبة وتأثيرها في الرأي العام عبر الضخ والتدفق الهائل للبيانات الزائفة والتحليلات المفبركة. ويدعم هذه الفرضية ثلاثة عوامل رئيسية:
- الأفراد يستجيبون لنوازع الخوف ودوافعه، وقد يتفاعلون سلبًا وإيجابًا مع حالة الترهيب التي تُنْشِئُها وسائل الإعلام، وكذلك تحذيرات الفبركة الإعلامية من الأخطار الخارجية أو حتى التهديدات المحلية؛ فينساقون وراء السرديات البديلة.
- تقوم السرديات البديلة بتعزيز أطروحاتها وسط الرأي العام عبر الضخ والتدفق الهائل للبيانات المزيفة من قِبَل شبكة المفبركين والجيوش الإلكترونية.
- سرعة انتشار الأخبار الكاذبة التي تثير حالة الخوف والإرعاب وسط الرأي العام، وترويج المستخدمين لها أكثر من الأخبار والمعلومات الحقيقية التي تبدو متشابهة إلى حد كبير، بينما الأخبار الزائفة تتميز بعنصر المفاجأة(18).
ولأن عددًا كبيرًا من الأفراد يعتقد أن السرديات البديلة تعبِّر عن حقيقة المخاطر التي يواجهها المجتمع، وتهدد نسق الحياة العامة، والنموذج السياسي والاقتصادي والاجتماعي وقيمه الثقافية والرمزية، فإن الخطاب السائد و/أو الخطاب المُنَافِس لأيديولوجية القائم بالفبركة يضمحلُّ أو يخفت ومن ثم يشتد الحصار عليه، بينما تتعزز السرديات البديلة وتُسبِّب ضغوطًا على الجمهور الذي تدفعه حالة التخويف أو حالة الإرعاب للشعور بخطر التهديدات المحلية والخارجية، وتوظف شبكة المفبركين جميع المداخل حتى القانونية منها لدفع الجمهور للاعتقاد بروايتها، وهو ما يؤدي في النهاية إلى محاصرة وعيه بالأخبار الكاذبة. وبذلك نحصل على موجات متدفقة من الأخبار الزائفة التي تتسع دائرتها؛ فتطوق فئات واسعة من الجمهور بخطابها البديل، أي نحصل على أثر لولبي يزداد ميلًا تجاه السرديات البديلة التي تتبناها شبكة المفبركين بغضِّ النظر عن الموقف الحقيقي للجمهور.
الشكل رقم (2) يوضح مسار لولب الحصار المعلوماتي وتأثيره في الرأي العام
أطر وأهداف الحصار المعلوماتي
تهدف أية عملية اتصالية لإقناع المتلقي والتأثير فيه معرفيًّا ونفسيًّا وسلوكيًّا عبر تزويده بالمعلومات والبيانات سواء كانت صحيحة ضمن سياقاتها الطبيعية أو معلومات ناقصة أو حتى كاذبة ومفبركة، ويتم ذلك بأساليب وبرامج مختلفة، وتُشكِّل الأطر التي تنتظم الرسالة محددًا أساسيًّا في مراحل التأثير الثلاثة المذكورة. وتكشف الحالات السابقة التي انطلقنا منها في صوغ نموذج الحصار المعلوماتي أن ثمة مجموعة من الأطر التي تبرز تَمَثُّل القائم بالفبركة لصناعة الأخبار الكاذبة، باعتبارها عملية اتصالية-سياسية لامتناهية، وتحدد أيضًا رؤيته للجهة المُنَافِسَة وخطابها وأهداف جهده الاتصالي بشكل عام، ومن أهم الأطر التي يقترحها هذا النموذج في تفسير صناعة الأخبار الكاذبة ومحاولة التأثير في الرأي العام:
1. الإطار الاستراتيجي: إذا كان الحصار المادي والسياسي يهدف إلى استنزاف وتحطيم المقدرات الاقتصادية والمالية والعسكرية والسياسية لأية جماعة أو كيان سياسي، والوصول على الأقل إلى مرحلة إضعافه حتى تسهل عملية التحكُّم والسيطرة عليه وتحقيق النتائج دون أية حاجة لاستخدام القوة الصلبة، فإن الحصار الرمزي أيضًا يهدف إلى استنزاف وتحطيم الجهة المُنَافِسَة للقائم بالفبركة سواء كانت فردًا أو مؤسسة أو جماعة أو دولة، والوصول بها إلى "حالة الرخاوة" التي تؤدي إلى "التمزق العنيف" و"استئصال الطرف الآخر أو النيل منه والقضاء على وجوده"(19)، أي تحطيم كيانه رمزيًّا (فكريًّا وأخلاقيًّا وأيديولوجيًّا) وماديًّا (الإقصاء والإفناء بمعناهما الواسع).
وهنا، يهدف الجهد الاتصالي لشبكة المفبركين إلى تحقيق تفوق استراتيجي يجعل الطرف المُنَافِس يفقد مثلًا قاعدته الشعبية خلال الحملة الانتخابية فلا يحظى بتأييد خزانه الانتخابي، فيخسر المنافسة الانتخابية بعد مرحلة الإضعاف والتحطيم الرمزي الذي تعرض له، مثلما كشف تحقيق القناة الرابعة البريطانية الذي أظهر نوع الخدمات الاتصالية-السياسية التي تقدمها شركة كامبريدج أناليتكا لزبائنها من أجل مساعدتهم في الفوز بالانتخابات ولو تطلب الأمر اللجوء إلى جواسيس سابقين وعاملات الجنس لتشويه سمعة الآخر. وقد يكون الرهان الاستراتيجي هو إغلاق مؤسسة إعلامية (التحطيم الرمزي والمادي) كما سعت إلى ذلك شبكة المفبركين في سياق الأزمة الخليجية؛ حيث طالبت دول الحصار بـ"إغلاق قناة الجزيرة والقنوات التابعة لها" ضمن قائمة تضم 13 مطلبًا قدمتها السعودية والإمارات والبحرين ومصر، في 22 يونيو/حزيران 2017، لإعادة العلاقات مع قطر. كما أن السعي لانهيار اقتصاد الدولة، أو مصادرة القرار السياسي الوطني المستقل وأيضًا سيادة الدولة، أو محاولة تغيير نظام الحكم والانقلاب عليه، تشكِّل أيضًا أهدافًا استراتيجية لشبكة القائمين بالفبركة.
إذن، في جميع هذه الحالات يظل التحطيم الرمزي والإفناء المادي هو جوهر الإطار الاستراتيجي لصناعة الأخبار الكاذبة؛ من أجل إلحاق الهزيمة بالخصم أو المنافس السياسي والقضاء عليه سياسيًّا وإنهاء وجوده من المشهد السياسي، وكذلك تحطيم المؤسسات (الحزبية وغيرها) والكيانات السياسية (جماعات ودولًا) لإنهاء وجودها رمزيًّا وماديًّا مقابل البقاء.
2. إطار الشَّيْطَنَة والأَسْطَرَة: يُعَدُّ هذا الإطار خادمًا للهدف الاستراتيجي؛ إذ يسعى القائم بالفبركة إلى محاصرة المُنَافِس، سواء كان فردًا أو مؤسسة أو كيانًا سياسيًّا، عبر حملات التشويه والكذب، وصوغ صورة ذهنية سلبية وكاريكاتورية عن الخصم السياسي وسط الرأي العام بهدف خلق حالة من الإرعاب والتخويف من خطابه أو مشروعه أو وجوده السياسي. ففي حالة الشيطنة التي تستهدف الكيان السياسي، هيئة سياسية أو دولة، يسعى القائم بالفبركة إلى نزع الشرعية السياسية والتاريخية والقانونية والأخلاقية عن هذا الكيان، والتشويش على علاقاته الدولية، كما لاحظنا في مسارات الأزمة الخليجية؛ حيث ربطت شبكة المفبركين دولة قطر بالإرهاب والجماعات الإرهابية وتقديم الدعم والتمويل لمشاريعها؛ إذ تسعى من خلال هذا الواقع المفبرك، أو ما "فوق-الواقع" كما يسميه السوسيولوجي الفرنسي، جون بودريارد، الذي لا علاقة له بالواقع المحسوس أو الواقع المادي، إلى تركيب وبناء صورة نمطية سلبية عن قطر.
وهنا، يحاول القائم بالفبركة دَمْغَ قطر وبعض مؤسساتها المدنية، التي تنشط في مجال العمل الإنساني بشراكة مع الأمم المتحدة، بعلامة الإرهاب، حتى تبدو متجاوزة للسلوك القانوني؛ لاسيما أن وصف أية جماعة أو كيان في وسائل الإعلام بالتطرف، أو الإجرام، يتم ربطهما بشكل لا واعٍ بعدم الشرعية، فضلًا عمَّا يترتب على هذه اللافتة (دعم الإرهاب وتمويله واحتضان جماعاته) من أبنية اجتماعية وسياسية وقانونية ونفسية تؤثِّر في الصورة العامة لأي كيان سياسي، في مقابل الشرعية التي تحظى بها الدول التي تحارب الإرهاب والفكر المتطرف. ويدرك القائمُ بالفبركة الأثرَ القوي لهذه العلامة على صورة الدولة التي يتم التحريض ضدها؛ فحتى لو توقَّفت وسائل الإعلام عن دعايتها وتبرَّأت مما نسبته إليها فستكون ألحقت ضررًا كبيرًا بصورتها. لذلك، فإن القائم بالفبركة يهدف لخلق واقع رمزي ناشئ يتناقض مع الواقع المحسوس والموجود بالفعل حتى يُرَسِّخ في ذهن الجمهور وقائع وَهْمِيَّة تؤثِّر في نفوسهم (الضبط الاجتماعي) فتُوَجِّهَهُم نحو السلوك المرغوب فيه، باعتبار أن هذه الوقائع الوهمية حقائق واقعية تساعد القائم الفبركة في تحديد شكل العلاقة مع الدولة المستهدفة بالأخبار الكاذبة وأيضًا في رسم حدود علاقاتها مع باقي الدول الأخرى؛ حيث تستصحب صناعة الأخبار الكاذبة إطارًا سياسيًّا مُصَمَّمًا للتعامل مع مسارات الواقع الرمزي الناشئ ومتغيراته(20).
إذن، يشتغل هذا الإطار (الشيطنة والأسطرة) من خلال ثنائية ضدية تميز بين الـ(النَّحْنُ)؛ حيث تقوم صناعة الأخبار الكاذبة بأسطرة القائم بالفبركة من خلال تقديس الذات وتنقيتها من الأخطاء، والرفع من قدرها وإعلاء شأنها، وإظهارها في حالة طهرانية تجعلها مثالًا أو نموذجًا أو مُخَلِّصًا من الأزمات والمشاكل التي ارتبطت بالجهة المنافسة، بينما يُبرز القائم بالفبركة الـ(الهُمْ) كائنًا مشبوهًا فاقدًا لأية شرعية في محاولة للإضرار به كما حصل خلال حملة انتخابات الرئاسة الأميركية في العام 2016؛ حيث عملت كامبريدج أناليتكا على تشويه صورة المرشحة الديمقراطية، هيلاري كلينتون، عبر تأليف شعار "هزيمة المحتالة هيلاري" للتأثير في قرار الناخب الأميركي(21). كما روَّج موقع "ريديت" مقطع فيديو إباحيًّا بعنوان "هكذا تحصل هيلاري على أصوات السود"، ويُظهر شخصية قال: إنها هيلاري كلينتون، وهي في علاقة حميمية مع رجل أسود، كما أُعيد نشر المقطع على المواقع الإباحية عدة مرات تحت عنوان "تسريب لهيلاري كلينتون في فندق وهي تمارس الجنس مع رجل أسود"، وشوهد المقطع أكثر من 250 ألف مرة، وأعيد تصميم صورة هديا انطلاقًا منه(22). وكان تحقيق القناة الرابعة البريطانية أظهر مسؤولي شركة كامبريدج أناليتكا يقدمون أمثلة حول قدرة الشركة على شيطنة صورة الخصم السياسي عبر حملات تشويه منظمة تضعه في مواقف غير أخلاقية كالتسبب في فضائح جنسية ومالية له، مثل إرسال بعض الفتيات إلى منزل المرشح المنافس أو تصويره وهو يتلقى رشوة، إضافة إلى نشر وثائق مضرة بالخصم يمكنها تحديد مسار الانتخابات بسهولة(23).
3. إثارة الرعب: يهدف هذا الإطار إلى إثارة حالة الخوف تجاه الخصم السياسي والمبالغة في تضخيم الخطر الذي يُمَثِّلُه، سواء كان فردًا أو مؤسسة أو جماعة أو دولة، مثل حالة الإرعاب والتخويف التي أثارتها وسائل إعلام دول الحصار تجاه بعض الكيانات السياسية مثل جماعة الإخوان المسلمين، أو التخويف من المصير الذي ستؤول إليه قطر في ظل قيادتها السياسية وإثارة الرعب مما ينتظر البلاد وزعزعة الثقة بنظام الحكم وإحداث نوع من الهزيمة الداخلية. وفي هذا السياق، يحاول القائم الفبركة التهويل أيضًا من الأضرار الاقتصادية التي ستلحق بقطر جرَّاء الحصار المفروض عليها بريًّا وبحريًّا وجويًّا، ويهدف هذا الإطار طبعًا إلى تدمير الخصم معنويَّا ونفسيًّا وفكريًّا ومُؤَسَّساتيًّا(24).
4. إطار الهيمنة: يسعى القائم بالفبركة بعد عملية التشويه وتركيب صورة سلبية عن الجهة المنافسة (الشيطنة) إلى تسويق نموذجه السياسي والاقتصادي والاجتماعي وقيمه الرمزية والثقافية ونسق حياته العامة، محاولًا فرض الوصاية على الخصم السياسي عبر "التسميم السياسي" الذي يتم بغرس قيم القائم بالفبركة في نظام القيم السائدة في المجتمع السياسي الذي يستهدفه ثم تضخيم تلك القيم تدريجيًّا لترتفع إلى مستوى القيمة العليا بما يعنيه ذلك من إضعاف القيم العليا التاريخية للخصم وإحالتها إلى مستوى القيم الفرعية التابعة والثانوية(25). ويتم التسميم بصور مختلفة لفرض الهيمنة، ويُمَثِّل أسلوب التفجير أكثر هذه الصور قوة؛ فهو يعمل على فك الأواصر بين عناصر المجتمع السياسي وبعثرتها بحيث يغدو كل عنصر عاجزًا عن أداء وظائفه الطبيعية بشكل كامل(26). وقد لاحظنا كيف سعى القائم بالفبركة في سياق الأزمة الخليجية إلى محاولة زعزعة الاستقرار السياسي لدولة قطر عبر التشكيك في ولاء المؤسسات السياسية للقيادة القطرية وخلق حالة شرخ اجتماعي بين مكونات النسيج المجتمعي باتجاه فرض بديل سياسي يوافق الأجندة السياسية لشبكة القائمين بالفبركة. وقد تكون الهيمنة أيضًا اقتصادية وثقافية للسيطرة على مقدرات الجهة المنافسة.
إذن، تكشف عملية تأطير الأخبار الكاذبة، باعتبارها أهدافًا وأيضًا أجندة اتصالية/سياسية، منطلقات القائم بالفبركة في التعامل مع محيطه السياسي والاجتماعي المحلي، واستراتيجيات التفاعل مع أحداث البيئة الإقليمية والدولية للتأثير في مساراتها واتجاهاتها والفاعلين فيها، وتُبرز هذه العملية أساسًا محددات الاتصال السياسي في هذا المحيط/البيئة. وهنا ينعكس الإطار الاستراتيجي لصناعة الأخبار الكاذبة على عملية الاتصال السياسي برمتها التي تنغمر في الموجات اللولبية العاصفة للأخبار المفبركة، فتتميز أيضًا بطابعها الاستراتيجي الذي يجعلها "عملية اتصالية مُوَجَّهَة نحو أهداف توافق مصالح الفاعل أو القائم بالاتصال (القائم بالفبركة)، أي إن العملية الاتصالية تأخذ طابع الاستراتيجية التي وضعت لنفسها أهدافًا وتسخِّر مجموعة من الوسائل لبلوغ هذه الأهداف"(27)، وهذا ما يجعل الخطاب البديل مرتبطًا بفن إعداد الخطط الحربية التي ترى في الخصم السياسي عدوًّا يجب القضاء عليه واستخدام جميع الحيل والأساليب التلاعبية لتحطيمه.
وبذلك، تعمل صناعة الأخبار المفبركة في اتجاهين، فتكون خادمة للقرار السياسي الذي يعبِّر عن موقف أو حالة سياسية يراد اصطناعها، أي إن فبركة الأخبار (نموذج الشريط المنسوب لأمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني) عملية اتصالية سياسية سابقة على الحالة السياسية الناشئة والقرار السياسي الذي ستنضج شروط بلورته وصناعته لاحقًا بعد تركيب وإنشاء واقع سياسي مصطنع لا علاقة له بالواقع المحسوس (شيطنة قطر وإلباسها لبوس الدولة المارقة/خارج الشرعية). إذن، الفبركة تستصحب معها أهدافًا استراتيجية ممثلة في مواضعات سياسية معينة، وحالة سياسية أو واقع سياسي ناشئ يخدم أجندات القائم بالفبركة في تحطيم الخصم السياسي/المنافس، ويحدث ذلك في حالة الأزمات والصراعات وحتى الحروب؛ حيث يمثل الإعلام مسرح عملياتها الأول. وفي حالات أخرى يكون القرار السياسي سابقًا على عملية صناعة الأخبار الكاذبة والموجات اللولبية العاصفة للفبركات الإعلامية، خاصة في الحملات الانتخابية بين المرشحين والنشاط الاتصالي السياسي لشركات تحليل البيانات ومراكز البحوث وقياس الرأي التي تروِّج لأطروحات وخطاب القائم بالفبركة.. وأحيانًا يكون القرار السياسي وصناعة الأخبار الكاذبة عملية متوازية، وهو ما يوحي بتداخل مسارهما وصعوبة تحديد اللحظة الزمنية التي يتبلور فيها أحدهما بمعزل عن الآخر.
الشكل رقم (3) يبين أشكال العلاقة بين صناعة الأخبار الكاذبة والقرار السياسي الناجز
خلاصة
يُظهر نموذجُ لولب الحصار المعلوماتي طبيعة الصراع الرمزي-المعرفي بين الفاعلين، أفرادًا ومؤسسات ودولًا، للتحكم في مصادر المعرفة والتأثير في الرأي العام ليس فقط عبر الترويج لسرديات هؤلاء الفاعلين ورؤاهم وتمثُّلاتهم للعالم، وإنما اللجوء لحرب إعلامية من أجل فرض هذه الرؤى وتشويه الأحداث والوقائع المرتبطة بالخصم السياسي/المنافس. كما يبُرز النموذج طبيعةَ الجهدِ الاتصالي لشبكة القائمين بالفبركة ونسقَه لتسييج الرأي العام بالأخبار المفبركة سعيًا للتأثير في اتجاهاته المعرفية والنفسية والسلوكية؛ حيث تتشابك أطراف متعددة تجمعها مصالح مختلفة لتحطيم الخصم المنافس، سواء كان فردًا أو مؤسسة أو هيئة أو كيانًا سياسيًّا، وتدميره رمزيًّا وماديًّا باستخدام جميع الوسائل والأساليب التي تسمح بالسيطرة عليه والتحكم فيه وإلحاق الهزيمة به. وهنا، يتعامل القائم بالفبركة مع الأخبار الكاذبة باعتبارها عملية لا متناهية وصناعة اتصالية سياسية تخضع للتركيب والتفصيل على مقاسات الجمهور المستهدف والشرائح المجتمعية التي يراد تسييجها ومحاصرتها بالأخبار الزائفة. لذلك، تستعين شبكة المفبركين في هذا الجهد الاتصالي بمتطلبات علمية ودراسات ميدانية-معلوماتية عن الجمهور/المستخدمين، سواء فيما يتعلق بعاداته الاتصالية ومركب تفضيلاته بشأن استخدام وسائل الإعلام المختلفة واحتياجاته المعرفية والسياسية والترفيهية، وعلاقته بالفاعلين في محيطه السياسي والاجتماعي، وهو ما يساعد على تصميم الخطاب والسرديات البديلة والترويج لها عبر موجات لولبية عاصفة.
وإذا كانت الأخبار الكاذبة صناعة اتصالية، فلابد أن تكون لها أهداف معينة تعبِّر عنها الأطر التي تصوغ رؤية السرديات البديلة للخطاب المنافس، وتشكِّل أيضًا أولويات أجندته الاتصالية/السياسية؛ حيث يكون القائم بالفبركة مسكونًا بخلق حالة الخوف والإرعاب تجاه الخصم السياسي وسط الرأي العام لشيطنته والإضرار بمكانته ومركزه الاجتماعي والسياسي والثقافي ودمغه بجميع الأوصاف التي تسهم في عزله وتحطيمه، وهو ما يُحوِّل الأخبار الكاذبة لسلاح أو أداة تدميرية للآخر باستخدام جميع الوسائل المشروعة وغير المشروعة. وهنا، تظهر خطورة هذه الصناعة الاتصالية/السياسية التي يتجاوز تأثيرها وتداعياتها بعض النماذج الاتصالية التقليدية، مثل التضليل الإعلامي الذي كانت مصادره معلومة ووسائل نشره محدودة، بينما تتشابك اليوم في إنتاج الأخبار الكاذبة شبكة واسعة من المفبركين التي تروِّج لمنتوجها عبر وسائل مختلفة وتتسبب أيضًا في أزمات وصراعات سياسية لا متناهية، وفي انتهاك سيادة الدول واستقلال قرارها السياسي الوطني، وزعزعة الأمن والسلم الدوليين.
___________________________________
د. محمد الراجي، باحث بمركز الجزيرة للدراسات
1- Narquin, Emilie, La Désinformation, un phénomène amplifié par le web, Les mondes numeriques, 1 février 2017, (Vu le 11 May 2018):
2- Huyghe, F. B. Fake News: La Grande Peur, (V.A Editions, 2018), p. 116.
انظر أيضًا:
Narquin, Emilie, La Désinformation, un phénomène amplifié par le web, Les mondes numeriques, op, cit.
5- تفجرت قصة "كامبريدج أناليتكا"، وهي الفرع الأميركي للشركة البريطانية "إس سي إل سوشيال ليميتد" التي تعمل في مجال الاستشارات السياسية، بعد أن كشفت مجموعة من الصحف العالمية إقدام الشركة على جمع معلومات خاصة عن أكثر من 87 مليون مستخدم لموقع فيسبوك من دون موافقتهم، من خلال تطوير تقنيات لدعم الحملة الانتخابية للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عام 2016، لاستخدامها في تصميم برامج بإمكانها التنبؤ بخيارات الناخبين والتأثير عليها في صناديق الاقتراع. وكانت القناة الرابعة البريطانية أجرت تحقيقًا سريًّا وصورت كبار المديرين التنفيذيين يقترحون اللجوء إلى عاملات الجنس ورشى وجواسيس سابقين، بالإضافة إلى الاستعانة بالأخبار الزائفة، لمساعدة المرشحين على الفوز بأصوات الناخبين حول العالم. وأظهر التحقيق كيف خططت الشركة وعملت على تشويه صورة المرشحة الرئاسية الأميركية، التي نافست ترامب في رئاسيات 2016، الديمقراطية هيلاري كلينتون، وكيف قامت بتأليف شعار "هزيمة المحتالة هيلاري" للتأثير في قرارات الناخب الأميركي وبث أخبار زائفة ومفبركة، معتمدة على مجموعة من البيانات التي أخذتها بشكل غير قانوني من ملايين المستخدمين لموقع فيسبوك.
انظر: "فضيحة كامبريدج أناليتيكا..سقوط إمبراطورية فيسبوك؟"، العربي الجديد، 21 مارس/آذار 2018، (تاريخ الدخول: 4 أبريل/نيسان 2018):
https://www.alaraby.co.uk/medianews/2018/3/21/فضيحة-كامبريدج-أناليتكا-سقوط-إمبراطورية-فيسبوك
6- وكالة الأخبار الاتحادية وتسمى اختصارًا باسم (فان) ويقع مقرها في روسيا، وهي مرتبطة تكنولوجيًّا وهيكليًّا بوكالة أبحاث الإنترنت الروسية، وقد كشف فيسبوك أن مئات الحسابات والصفحات الروسية مرتبطة بوكالة الأخبار الاتحادية لتوجيه الرأي العام يتهمها مدَّعون أميركيون بنشر تدوينات زائفة خلال الانتخابات الأميركية عام 2016. وقال مارك زوكربرغ، الرئيس التنفيذي لفيسبوك: إن الوكالة "تصرفت مرارًا لخداع الناس واستغلالهم في أنحاء العالم".
انظر: مين، جوزيف، إنجرام، ديفيد، "زوكربرج: فيسبوك تحذف تدوينات مرتبطة بوكالة روسية لتوجيه الرأي العام"، رويترز، 4 أبريل/نيسان 2018، (تاريخ الدخول: 4 أبريل/نيسان 2018):
https://ara.reuters.com/article/worldNews/idARAKCN1HB0AZ
7- انطلقت الحملة الإعلامية ضد قطر فجر يوم الأربعاء، 24 مايو/أيار 2017، باختراق موقع وكالة الأنباء القطرية وبثِّ بيانٍ مُفَبْرَكٍ مَنْسُوبٍ لأمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، خلال حفل تخرج عسكري بالدوحة توقَّع فيه، بحسب التصريحات الملفَّقة، أن يتم عزل الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بسبب المشاكل الداخلية، ووجَّه انتقادًا مُبَطَّنًا للمملكة السعودية، كما تحدث البيان عن تضامن قطر مع إيران ووصف حركة حماس بالممثل الشرعي للفلسطينيين، وطالب كلًّا من مصر والإمارات والبحرين بمراجعة مواقفهم المناهضة لقطر. وحظي البيان المُفَبْرَك بعد لحظات من بثِّه على موقع وكالة الأنباء القطرية بتغطية مكثفة في قناتي العربية والعربية الحدث (السعوديتين) وسكاي نيوز عربية (الإماراتية) التي تُبَث من دبي. وتفاعلت هذه القنوات مع الخبر واستضافت محلِّلين مصريين وسعوديين وأصحاب مواقف سابقة من قطر دون أن تستضيف أي محلل قطري. ثم اتسعت دائرة الحملة الإعلامية وانخرطت فيها وسائل الإعلام السعودية والإماراتية طيلة الأيام التي سبقت قرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر في 5 يونيو/حزيران 2017.
انظر: الراجي، محمد، "الفبركة الإعلامية وشيطنة السياسة القطرية لتفجير الأزمة بالخليج"، مركز الجزيرة للدراسات، 20 يونيو/حزيران 2017، (تاريخ الدخول: 6 أبريل/نيسان 2018):
http://studies.aljazeera.net/ar/mediastudies/2017/06/170619125958504.html
8- يعتبر مصطلح النموذج مرادفًا للنظرية فهو خطة نظرية أو إطار تصوري يبدأ بجمع المفاهيم المرتبطة ذات الأهمية في الموقف أو القضية التي يراد بحثها، وينتهي عندما ينتج نظامًا أو نموذجًا ذا أفكار متصلة، ويعرف النموذج أيضًا بإطار ذهني مجرد يتكون من مجموعة من المفاهيم المتشابكة والمتفاعلة، له القدرة على تفسير اتجاهات يمكن تعميمها وعلاقات متبادلة تسود العالم الواقعي، كما يقصد بالنموذج أدوات رمزية تساعد على فهم الظاهرة أو النظام وإدراك العلاقات بين العناصر الأساسية في تلك الظاهرة.
هلال المزاهرة، منال، نظريات الاتصال، (دار المسيرة، الأردن، 2012)، ط 1، ص 93.
9- Noelle-Neumann, Elisabeth, “The Spiral of Silence a Theory of Public Opinion”, Journal of Communication, Volume 24, Issue 2, 1 June 1974, Pages 43–51.
10- ميرشايمر، جون جي، لماذا يكذب القادة؟: حقيقة الكذب في السياسة الدولية، ترجمة غانم النجار، (عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، العدد 443، ديسمبر/كانون الأول 2016).
11- هلال المزاهرة، نظريات الاتصال، مرجع سابق، ص 163.
12- Broadhurst, Allan; Darnell, Donald, “An introduction to cybernetics and information theory”, Quarterly Journal of Speech, 1 December 1965, p. 451.
13- مهنا، شاهر، البروفايل النفسي لذوي اضطراب التحويل: دراسة إكلينيكية"، (رسالة ماجستير، الجامعة الإسلامية-غزة، 2015)، ص 10.
14- Connors, Caitlin, Importance of Psychographics in Social Media, boomtownig.com, 19 July 2012, (Visited on 27 April 2018):
https://www.boomtownig.com/blog/psychographics-in-social-media/
15- "مستشار ترامب الجديد في قلب فضيحة كامبريدج أناليتكا"، اللواء، 24 مارس/آذار 2018، (تاريخ الدخول: 27 أبريل/نيسان 2018):
http://aliwaa.com.lb/دولي/أخبار-دولية/مستشار-ترامب-الجديد-في-قلب-فضيحة-كامبريدج-أناليتيكا/
16- "جون بولتون..أول المستفيدين من خدمات كامبريدج أناليتكا"، العربي الجديد، 23 مارس/آذار 2018، (تاريخ الدخول: 27 أبريل/نيسان 2018):
https://www.alaraby.co.uk/politics/2018/3/23/جون-بولتون-أول-المستفيدين-من-خدمات-كامبريدج-أناليتكا
18- نشر معهد ماساشوستس للتكنولوجيا، ومجلة ساينس (Science) العلمية، دراسة عن سرعة انتشار الأخبار الحقيقية والأخبار الكاذبة عبر الإعلام الرقمي أعدها ثلاثة باحثين من معهد ماساشوستس للتكنولوجيا، واعتمدت عينة بحثية بلغت 126 ألف قصة من موقع تويتر خلال عامي 2016 و2017. وبينت الدراسة أن الأخبار الكاذبة أسرع انتشارًا من الأخبار الحقيقية؛ فقد أعاد ثلاثة ملايين مستخدم تغريد القصص الإخبارية غير الصحيحة أكثر من 4.5 ملايين مرة. وأبرز التحليل أن الحقيقة احتاجت وقتًا أكثر بست مرات للوصول إلى 1500 شخص مقارنة بالأخبار الكاذبة، كما أن الأخبار المفبركة تحظى بفرصة الانتشار 70% أكثر من الأخبار الحقيقية. وأوضحت الدراسة أن السلوك البشري يسهم بشكل أكبر في انتشار الأخبار الكاذبة مقارنة بالحسابات الآلية؛ لأنها تتميز بعنصري المفاجأة والتسلية بينما الأخبار الحقيقية متشابهة إلى حد كبير.
Vosoughi, Soroush; Roy, Deb; Aral, Sinan, “The Spread of True and False News Online”, ide.mit.edu, Massachusetts Institute of Technology, 8 March 2018, (Visited on 14 April 2018): إضغط هنا.
وفي دراسة أخرى أعدها معهد رويترز لدراسة الصحافة تتناول أيضًا سرعة انتشار الأخبار الكاذبة وقياس حجم وصول المستخدمين إليها، كشفت الفريق البحثي الذي أجرى الدراسة أن حجم التفاعل مع خبر كاذب واحد في فرنسا يتجاوز 11 مليون تفاعل في الشهر أكثر بخمس مرات حجم تفاعل الأفراد مع أخبار المؤسسات الإعلامية المعروفة.
Fletcher, Richard; Cornia, Alessio; Graves, Lucas and Nielsen, R. Kleis, “Measuring the reach of “fake news” and online disinformation in Europe”, Reuters institute, February 2018, (Visited on 14 April 2018): إضغط هنا.
19- سميسم، حميدة، الحرب النفسية، (الدار الثقافية للنشر، بغداد، 2004)، ص 11.
20- الراجي، محمد، "الفبركة الإعلامية وشيطنة السياسية القطرية لتفجير الأزمة بالخليج"، مركز الجزيرة للدراسات، 20 يونيو/حزيران 2017، (تاريخ الدخول: 20 أبريل/نيسان 2018):
http://studies.aljazeera.net/ar/mediastudies/2017/06/170619125958504.html
21- "كامبريدج أناليتيكا...الشركة التي وظفتها الإمارات لتشويه صورة قطر"، العربي الجديد، 21 مارس/آذار 2018، (تاريخ الدخول: 20 أبريل/نيسان 2018):
22- "ريديت: حساب روسي نشر مقطعًا إباحيًّا مزيفًا لهيلاري كلينتون"، العربي الجديد، 11 أبريل/نيسان 2018، (تاريخ الدخول: 20 أبريل/نيسان 2018):
https://www.alaraby.co.uk/medianews/2018/4/11/ريديت-حساب-روسي-نشر-مقطعا-إباحيا-مزيفا-لهيلاري-كلينتون
23- علوان، نور، "فضيحة كامبريدج أناليتيكا تضع فيسبوك في قفص الاتهام"، نون بوست، 20 مارس/آذار 2018، (تاريخ الدخول: 20 أبريل/نيسان 2018):
https://www.noonpost.org/content/22560
24- الراجي، "الفبركة الإعلامية وشيطنة السياسية القطرية لتفجير الأزمة بالخليج"، مرجع سابق.
25- سميسم، الحرب النفسية، مرجع سابق، ص 246.
27- بوخبزة، نبيلة، "نماذج من الاتصال السياسي"، مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية، العدد 15 يونيو/حزيران 2014، ص 77.