الانتخابات الرئاسية الكينية 2013، تبلور سياسة خارجية جديدة

يصعب الحديث بوثوق عن مسارات السياسة الخارجية الكينية في ظل الرئيس الجديد ونائبه نظرا لدعوى محكمة الجنايات الدولية الموجهة ضدهما ومن المؤكد أن تقوم الهيئات الإقليمية والإفريقية بدعم للنظام في مواجهة هذه الدعوى. ويمكن للنظام ونظرا لمقدراته الاقتصادية تشجيع جيرانه للاستمرار في هذا المسعى.
2013668553377734_20.jpg
مواطنون يدلون بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية الكينية 2013 في مركز اقتراع بنيروبي (أسوشيتد برس)

توجد أسباب عديدة تدعو الكينيين وبقية العالم لتوقع سياسات حكومية جديدة وخصوصا فيما يتعلق بالسياسة الخارجية بعد النجاح الذي حققه تحالف "اليوبيل" في الانتخابات الرئاسية الكينية التي تم تنظيمها مطلع مارس/ آذار 2013. على الرغم من ذلك بدأ يظهر إجماع يرى أنه من غير المحتمل أن يحدث النظام الجديد أي تغيير يذكر، وتُعزز ذلك النظرةُ السائدة أن هذا النظام يمثل استمرارية للنظام القديم رغم كون قيادته من الجيل الشاب. إضافة لذلك تقلدت القيادة الجديدة السلطة حاملة معها مشاكل كبيرة على رأسها دعاوي محكمة الجنايات الدولية وهذا ما يمثل مشكلة كبيرة للقيادة الجديدة حيث بدأت دعاوي الجنائية الدولية تؤثر على توجهات السياسة الخارجية الكينية بشكل فعلى. بسبب الارتباط الوثيق بين النظام الجديد والنظام القديم في كينيا، وستبقى توجهات السياسة الخارجية للدولة مرتبطة بسابقتها مهما كانت توجهات النظام الجديد.

من المثير للاهتمام كون التعيينات الوزارية في الحكومة الجديدة تأثرت وبشكل كبير بكون كل من الرئيس ونائبه صعدا لرئاسة السلطة في وقت يواجهان فيه تهما من محكمة الجنايات الدولية بخصوص جرائم خطيرة ضد الإنسانية. من المتوقع أن يؤثر هذا الموقف الفريد للرئيس ونائبه على التعيينات التي يقومان بها في مناصب حكومية أساسية. ومن هذا المنطلق يمكن النظر لتعيين وزيرة الخارجية في الحكومة الجديدة، فرغم ما يقال عن خبرتها الدبلوماسية إلا أن أهليتها للمنصب تظل محل تشكيك لأنه من الواضح أن تعيينها جاء نتيجة لكونها موالية للرئيس كيباكي وتنحدر من نفس مجموعته الإثنية. ويشير تعيينها على رأس الدبلوماسية الكينية لنية واضحة في الاستمرار وليس القطيعة مع سياسات النظام السابق، ويعزز ذلك قائمة المدعوين من الزعماء والقادة لحفل تنصيب الرئيس الجديد. الأهم من ذلك، يرى المراقبون أن ما يحدث في كينيا منذ وصول تحالف اليوبيل للسلطة ينبئ بالفعل عن علاقة قوية بين أعضاء هذا الحلف ولكن هذا المسار يعطي إشارات مقلقة بخصوص المحاسبة والحكامة ومسار الدمقرطة في إفريقيا.

قبيل انتخابهما على رأس السلطة في كينيا قام كل من الرئيس أوهارو كنيايتا ونائبه بزيارات مكوكية في شرق إفريقيا لدحض الانطباع السائد أنهما غير مرحب بهما من طرف المجتمع الدولي وقد نجحت هذه السياسة بشكل جيد داخل البلد وخصوصا في مجموعتهما الإثنية مما ساهم ولو جزئيا في تكثيف التصويت على أساس إثني وهو ما شهدته انتخابات مارس/ آذار 2013.

السياسة الخارجية الناشئة

فيما يتعلق بالقضايا السياسية تمر كينيا بمفترق طرق يؤدي بالتساوي لطريقي الحداثة والتخلف. على سبيل المثال تظل التعبئة السياسية في الانتخابات ومن بينها الانتخابات الأخيرة ذات طابع عرقي حيث كانت النتيجة في الانتخابات الأخيرة فوز تحالف قبيلتين وهذا ما لا يمكن تسميته ديمقراطية. تمخضت نتائج الانتخابات الأخيرة والمحاولات الذكية التي قام بها واضعو الدستور الجديد لتشكيل حكومة تكنوقراط، عن مكافئة المصوتين على أساس عرقي رغم المحاولات المتخذة للتقليل من حضور العوامل العرقية في التعاملات البينية بين الكينيين. يؤكد النقاش الذي شهده البرلمان الكيني عند منح الثقة للحكومة الجديدة عندما تساءل النواب عن مقدار التنوع العرقي للفريق الحكومي المرشح لتولي مناصب وزراء ونواب وزراء والذين تم اعتمادهم بالفعل في هذه المناصب.

من بين كل الفريق السياسي الجديد يعتبر الرئيس أوهارو كينياتا الأكثر غموضا؛ حيث كان في الحياة العامة لما يربو على عقد ونصف، وهو ابن مؤسس جمهورية كينيا وقد دخل الحياة العامة من خلال تعيين وذلك بعد استقالة مارك توو لتتم ترقيته بعيدها لمنصب وزير حكومة محلية. عدا الخلفية العائلية للرئيس، أي كونه من عائلة الراحل أمزي كينياتا، لا تتوفر أية معلومات كافية حول خلفية الرئيس أوهارو كينياتا إلا أن انتخابه ليشغل أعلى منصب في البلاد يعطي أملا للمراقبين لتقييم طريقة تفكيره وتوجهاته السياسية. الأدهى من ذلك أنه تسري مخاوف من تكرير الرئيس الجديد نفس أخطاء والده السابقة مما يشكل تهديدا لتقدم عملية الإصلاح السياسي في البلد.

يدل ترشيح ومن ثم تعيين السيدة أمينة محمد لمنصب وزيرة الخارجية على رغبة الحكومة الجديدة في الاستمرار في السياسية الخارجية التي اتبعها كل من الرئيسين كيباكي وأمووي. عملت السيد أمينة في الخارجية الكينية لما يقارب عقدين من الزمن في البداية كمسئولة صغيرة ليصعد نجمها كممثلة لكينيا في الأمم المتحدة. وتبسيطا للأمر يمكن القول إن تعيينها في هذا المنصب يشكل ضمانة لهذه الاستمرارية. فكما جند نظام كيباكي المنظمات الإقليمية كالإيغاد والاتحاد الإفريقي ومجموعة دول شرق إفريقيا لمناهضة سياسات الدول الغربية (الأوروبيين والأمريكيين) خصوصا فيما يتعلق بقضية محكمة الجنايات الدولية، يسود اعتقاد باعتماد النظام الجديد نفس السياسة.

حيث عزف المتحدث الرئيسي في حفل تنصيب الرئيس أوهارو كينياتا، الرئيس الأوغندي يويري موسيفيني، على نفس النغمة التي كان يعزف عليها أنصار تحالف اليوبيل ألا وهي انتقاد إجراءات محكمة الجنايات الدولية واعتبارها تدخلا سافرا في الشؤون الداخلية الإفريقية مهنئا الشعب الكيني لصد ما سماه "ابتزاز المحكمة الجنائية الدولية" قائلا: "أريد أن أحيي الناخبين الكينيين لرفضهم الابتزاز الذي مارسته محكمة الجنايات الدولية والذين يقفون من خلفها ممن يودون استغلال هذه المؤسسة من أجل أجنداتهم الخاصة... شخصيا كنت من الأشخاص الذين دعموا إنشاء محكمة الجنايات الدولية لكوني أمقت سياسة الإفلات من العقاب لكن ذلك كان قبل أن يحور المتنفذون والمتغطرسون الهدف المنشود من إنشاء هذه الهيئة. حيث يقومون الآن باستخدام هذه الهيئة لتنصيب قادة وزعماء أفارقة من اختيارهم ويقومون بإقصاء آخرين لا يروقون لهم".(1)

من ناحية أخرى يشكل انتخاب الرئيس أوهارو كينياتا ونائبه وليام ريتو فرصة لكينيا كي تختبر كيفية عمل الدستور الجديد والمؤسسات الناتجة عنه حيث يمكن للتنظيمات الجمعوية كهيئات المجتمع المدني، التي عارضت علانية انتخاب الرئيس ونائبه، اختبار فعالية هذه المؤسسات الوليدة المتمخضة عن الدستور الجديد. وهذا القلق هو ما يجب أن يوحد كل الفاعلين غير الحكوميين الذين يرسمون صورة قاتمة للوضع كما يقول جيمس فريني: "...معظم الكينيين لا يريدون البكاء على الماضي. الكينيون يريدون نسيان الماضي وليس مواجهته كما أوضحت نتائج الانتخابات. هم لا يريدون أن يسمعوا من جديد عن النزوح والمذابح التي صاحبت انتخابات 2007، ولا حتى عن عقود الحزن والأسى التي سبقت ذلك. كتب كرامر عن اليهود النمساويين في 1986 أنهم تقبلوا حالة خضوع ملطفة على هامش الحياة النمساوية وهذا ما يمكن قوله عن الكينيين اليوم التي هي عبارة عن أمة من المقاولين الحالمين حيث بدأت يحنون الآن لاستحضار قصص النجاح القديمة في التاريخ الكيني.

لعل الخلاصة الأشد تعبيرا في الانتخابات الأخيرة يضيف جيمس فريني، هي الإعلان الإذاعي من عشر ثوانٍ الذي تم بثه أسابيع قليلة قبيل فتح مكاتب التصويت والذي يقول: "من المهم أن يتذكر الشباب أن كينيا توازي علامة تجارية"، يهمهم مشرف الأغاني، "...كينيا علامة تجارية يرتاح الناس للاستثمار فيها". لا أحد يمثل هذا الارتياح في الاستثمار أكثر من كينياتا الذي ربما يكون أغنى رجل في البلد وبأقل جهد شخصي بذله في سبيل ذلك حيث أن عائلته هي العلامة التجارية الأولى في كينيا.

لذلك يجد المرء نفسه مضطرا للاتفاق مع ما اختتم به جيمس فريني مقولته حين يقول إن منتقدي الرئيس كينياتا فشلوا في الاعتراف أن الظروف التي تواجهها الدول هي الدافع الوحيد لتجاهل أو مواجهة ماضيها. في مجتمعات ما بعد الصراعات تبقى أيدي الكثير من الشخصيات العامة ملطخة بالدماء ويعي الكينيون هذه الحقيقة الآن مثلما وعاها النمساويون في يوم ما من قبل وهم مستعدون لتحمل ذلك لأن ما لا يريدونه هو النفاق في مواجهة هذه المشكلة. لذلك وكما صوت الناجون من محرقة الأسويتز لوالدهايم، صوت الكينيون الذين شاهدوا أسرهم وأصدقائهم يقتلون في الأحداث التي أعقبت انتخابات 2007 لكينياتا رغم أنهم يعرفون أنه ربما يكون من أمر بعمليات القتل تلك. لم يتحالف كينياتا مع ريتو كي يتجنب هذه الاتهامات الخطيرة بل كي يؤكدها. وبما أن القبيلة لم تكن كلمة السر في الانتخابات، كان التحالف ومن ثم الفوز إنجازا وطنيا وليس قبليا تماما كما كان فوز والدهايم. لذلك كان حال الحليفين بعد فوزهما كما يقول جيمس: "نعم...لقد قتلناكم وقَتلنا من أجلكم، قَتلنا من أجل كينيا وسنَقتل مجددا لكون القتل أكثر الأمور إغراء عندما يتعلق الأمر بالسياسة".

مرتكزات السياسة الخارجية الكينية

في خطاب التنصيب الذي ألقاه في 9 أبريل/ نيسان 2013 حدد الرئيس أوهارو كينياتا مرتكزات سياسته الخارجية التي قال إنها سترتكز على حفظ الأمن الإقليمي، ضمان الحركة الحرة للأشخاص والبضائع، وتقوية الهيئات الإقليمية والاعتماد عليها، والأهم من ذلك احترام مبدأ المساواة بين الدول. كما يعطي البيان السياسي العام لتحالف اليوبيل الذي يتزعمه كينياتا تلميحات عن نمط السياسة الخارجية التي يراها. رغم أن موقف التحالف الحاكم يتسم بالغموض والتناقض ويعتمد على دعاية وطنية زائفة صممت من طرف مؤسسة علاقات عامة بريطانية، إلا أنها تعطي لمحة مبسطة عما يفكر به هذا التحالف بخصوص هذا الموضوع. تعيد وثيقة البيان العام موقف التحالف الذي يرى وجوب احتفاظ كينيا بالدور القيادي في منطقة شرق إفريقيا وخارجها وفي نفس الوقت تشدد الوثيقة على مبدأ السيادة وإبعاد الدول الغربية عن الشؤون الوطنية؛ لذلك لا يمكن القول إن هذه المرتكزات في السياسة الخارجية الكينية جديدة بأي نوع من الأشكال. فهي مجرد ترقيعات للسياسة الخارجية للأنظمة السابقة والتي يبدوا أن تحالف اليوبيل الحاكم يقلدها بجدارة.

رغم الخطاب المعادي للدول الغربية الذي تتحدث عنه الوثيقة، يؤكد التحالف التزامه بالتعامل مع القوى الاقتصادية التقليدية مثل الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا والدول الأوروبية الأخرى إضافة للدول الصاعدة مثل الصين، البرازيل، الهند وروسيا.

في مقال رأي نشرته صحيفة "الإيست آفريكان" مؤخرا قال بيتر كاكوانغا، كاتب العمود المنتظم في الصحيفة، إن حكومة الرئيس أوهارو كينياتا الجديدة تقوم بإعادة موازنة للسياسة الخارجية لكينيا في سبيل صناعة توجه جديد وحازم يعكس مركزية إفريقية تكون حجر الأساس في السياسة الإقليمية والدولية لنيروبي. من المؤكد أن التوجه السياسي الكيني الجديد الذي يعطي الأولية "للداخل" والمناقض للتوجه التقليدي الذي كان يعطي الأولية للنظر "غربا" أو التوجه نحو الآخر المتمثل في النظر للدول الصاعدة "شرقا"، يشكل تماشيا مع الخطاب المتكرر للثنائي أوهارو- روتو أثناء حملتهما الانتخابية حول رغبة القوى الغربية في استخدام محكمة الجنايات الدولية كحصان طروادة لتحقيق تغيير للنظام في الانتخابات الرئاسية الأخيرة في مارس/ آذار 2013.

هذا الوضع دفع المراقبين للتنبؤ بعدم قيام إدارة الرئيس أوهارو كينياتا بإعادة النظر في السياسة الخارجية لكينيا معتبرين أنه سيكتفي بإعادة التأكيد على الدور المهم لمنطقة شرق إفريقيا وإعطاء أهمية أكبر للقوى الاقتصادية الجديدة مثل مجموعة البريكس (البرازيل، روسيا، الهند، الصين وجنوب إفريقيا).

يظهر خطاب التنصيب علامات تدل على بحث الحكومة الكينية عن توجهات دبلوماسية جديدة ترتكز على دول شبه المنطقة والعلاقات الإفريقية-الإفريقية. يظهر ذلك من خلال تعهد حكومة كينياتا بتقوية العلاقات الثنائية مع دول مجموعة شرق إفريقيا التي تضم كل من أوغندا، تنزانيا، رواندا، بوروندي، جنوب السودان، أثيوبيا، والصومال التي من المنتظر أن تنضم للمجموعة مستقبلا.

الفترة الرئاسية لأوهارو كينياتا؛ تناقض القوى الغربية

تشعر النخبة في كينيا أنها في موقف خاص وأن الغرب اعتاد على ترك الدول لمصيرها عندما تكون في أوضاع صعبة لذلك تم النظر لوصول أوهارو كينياتا ونائبه وليام روتو للسلطة على أنه يضع القوى الغربية في وضع حرج، وتم تداول هذه الحجة بشكل واسع من طرف أنصار النظام. تم بناء هذا الافتراض الوهمي استنادا إلى وجود مخاوف لدى الدول والشركات الغربية من احتمال كون الدول الأسيوية وخصوصا الصين تمثل شريكا استراتيجيا بديلا لها. تظهر الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الكيني أوهارو كينياتا للملكة المتحدة مباشرة بعد وصوله للسلطة ضعف هذه الحجة. تعد هذه الزيارة دليلا واضحا على ما تعنيه عبارة "دفتر العناوين الرئيسية" مما يدفع المرء للتساؤل عما إذا كانت الدول الغربية تكترث أصلا لقضايا حقوق الإنسان في إفريقيا أو أنها تهتم فقط لمصالحها أولا وقبل كل شيء. في هذا السياق يمكن فهم النقاش الأخير في مجلس اللوردات البريطاني الذي طالب الحكومة البريطانية بتعزيز العلاقات مع كينيا.

من خلال هذا التحليل يتضح لنا استخلاص الخطط الدبلوماسية للحكومة الكينية الجديدة التي ترتكز على الاندماج الإقليمي في منطقة شرق إفريقيا، التعاون الإفريقي- الإفريقي ثم المتاجرة بخطابات سطحية معادية للغرب ومحكمة الجنايات الدولية، ومن المؤكد أن يؤدي هذا النهج للتوتر والتناقض في السياسة الخارجية الكينية.

من المتوقع أن يواجه البند الرئيسي في التوجه الخاص بالاندماج في منطقة شرق إفريقيا العقبة الأولى المتمثلة في كون كينيا تحاول اللحاق بدول مثل جنوب إفريقيا، نيجيريا، البرازيل، الهند والصين التي تشكل محورا شبه امبريالي حول القارة الإفريقية. أيضا نتيجة لكون كينيا لا يمكن أن تضمن نفوذها الإقليمي إلا من خلال تقويض مصالح جيرانها؛ فيما يتعلق بالتوسع على حساب اقتصادياتهم الوطنية أو تقويض استقرارهم وأمنهم وسيادتهم الوطنية.

في هذا الصدد يمكن الاستشهاد بالغزو العسكري الكيني لجارتها الصومال. تم التهليل لهذا التدخل العسكري الكيني في الصومال بنيرة تبجحية استعراضية تتضمن نعرة قومية. إلا أن هذا الغزو للجارة الشمالية لكينيا ولد الكثير من الآراء المنتقدة من طرف بعض المراقبين المحليين في كينيا من بين هؤلاء المعلقين أونفانكو أولو الذي نشر مقالين إلكترونيين عن الموضوع في مدونة مشروع الديمقراطية الكيني والذي تم تداوله بشكل واسع في الشبكات الاجتماعية في كينيا. أطلق أولو تسمية "دون كيخوته" على المغامرة العسكرية في الصومال حاثا الحكومة الكينية على التعلم من أخطائها قبل فوات الأوان. في أحد مقالاته يشير أولو أنه على عكس الانطباع السائد أن الغزو كان ردا كينيا غاضبا على بعض الاستفزازات المنطلقة من الصومال، تكمن الحقيقة في كون هذا التدخل العسكري كان مخططا له منذ فترة ليست بالقصيرة. مضيفا أنه وبحسب مصادر مطلعة من داخل الجيش الكيني فإن ما يحدث في الصومال يعتبر خطة مدبرة من المخابرات والأمن الكينيين كجزء من خطة تدخل مشتركة لمنظمة الإيغاد في الصومال مع دور خاص لكل من أثيوبيا، الحكومة الانتقالية الصومالية، قوات الاتحاد الإفريقي والجيش الكيني. 

يدعم هذه الحجة ما نشر في عدد 28 أكتوبر/ تشرين الثاني 2011 من التقرير الإفريقي الذي نسب لقائد سياسي كيني من درجة رفيعة اعترافه بوجود خطة لملاحقة حركة الشباب الصومالية وبطريقة خفية انطلاقا من كينيا باستخدام قوات نخبة خاصة تم اكتتابهم من الكينيين من أصول صومالية تم تدريبهم لهذا الغرض.

يضيف أولو منبها أن دوافع هذا التدخل العسكري الكيني في الصومال لم يكن نتيجة لدواع دفاعية وطنية بل تحول الأمر لكون الكينيين قد ارتهنوا أنفسهم لأجندة جيو- سياسية أشمل تنفذها الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو من أجل "استقرار" منطقة القرن الإفريقي. هذا الاستقرار يدخل ضمن أجندة الإمبريالية العالمية الساعية لضمان السيطرة على رؤوس الأموال العالمية وذلك في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة التي تواجهها الولايات المتحدة الأمريكية، وهبوط أسعار صرف اليورو في أوروبا، وفي ظل تصاعد الاحتجاجات العالمية لحركة "احتلوا وول ستريت". ولو أن الآراء التي قدمها أولو تبقى أفكارا تأملية بحتة إلا أنها تظل مغرية وذات وجاهة لأنه يربط بين هذه التأملات وبين الثورات العربية وخصوصا حادثة قتل الزعيم الليبي معمر القذافي. وهناك مزيد من التناقض في موقف تحالف اليوبيل، خصوصا فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، ويظهر في الهوة الشاسعة بين الخطاب المغرق في معاداة الغرب الذي امتلأ به الإعلام طيلة فترة الحملة الانتخابية وبين الواقع الذي يقول عكس ذلك حيث يقول التحقيق في التقرير الإفريقي إن هذه الخطاب تم تصميمه خصيصا من طرف مكتب علاقات عامة في لندن بإشراف من وزير سابق من المحافظين.

بالرغم أن الرئيس أوهارو كينياتا يدعي معارضة التدخل البريطاني المفترض في الانتخابات الكينية 2013 إلا أن هذا الموقف يشكل تناقضا صريحا لواقع حال الرئيس كينياتا، ابن الرئيس الأول لكينيا، جومو كينياتا، الذي استأجر شركة علاقات عامة بريطانية من أجل تلميع صورته قبيل تقديم دعاوي محكمة الجنايات الدولية والانتخابات الرئاسية. يعتبر استخدام كينياتا لشركة علاقات عامة بريطانية أمرا مثيرا للاهتمام أخذا بعين الاعتبار الهجوم والشيطنة المتناغمة للغرب باستخدامه لشعار "الامبريالية الغربية" وتدخلها في الشؤون الداخلية لكينيا وذلك طوال الحملة الانتخابية. استمرت الحملة الإعلامية في تجييش الشعور الوطني للكينيين مما بدا أنه سعي لكسب تعاطف المجموعات العرقية التي صوتت لتحالف اليوبيل. يجب النظر إلى هذا الأسلوب في قيمته الدعائية الانتخابية كي يتسنى لنا معرفة ما إذا كان التحالف الذي قاده أوهارو كينياتا هو فعلا "معاد للغرب" كما يحلو له الادعاء.

من أجل تحليل الأجندة الحقيقية للسياسة الخارجية للحكومة الكينية الجديدة يحتاج المرء للنظر في ما وراء الخطاب الوطني الدعائي لإدارة الرئيس أوهارو وهذا يتطلب إعادة فحص السياسات الاقتصادية المقترحة من طرف الحكومة. قد يخرج المرء بخلاصة تقول إن هذا النظام قد يكون أقرب نظام للغرب في كينيا منذ 1963 رغم أن الوقت لا يزال مبكرا جدا للخروج بمثل هكذا خلاصة. من ناحية أخرى لا تزال توجد مصاعب عدة وعوامل خفية تعرقل معرفة حقيقة السياسة الخارجية الناشئة لتحالف اليوبيل. يعتمد ذلك على تطور مسار قضية محكمة الجنايات الدولية وطريقة معالجتها وهذا ما يعطي تفسيرا ولو محدودا للزيارات الأخيرة لنائب الرئيس الكيني لعدد من الدول الإفريقية التي تقع خارج نطاق المصالح الاقتصادية للبلد.

يواجه الرئيس أوهارو كينياتا ونائبه وليام روتو دعاوى في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي بخصوص اتهامات خطيرة حول ارتكاب جرائم ضد الإنسانية ضد مواطنيهم الكينيين. يبقى السؤال المطروح هو مدى تأثير هذه الدعاوي على مصداقية الثنائي أوهارو – روتو محليا وإقليميا ودوليا إضافة لسؤال الشرعية الأخلاقية لإدارة الزعيمين؟ إذا ما قدر لهذه الدعاوي أن تستمر فكيف سيكون الوضع مع احتمال انشغال رئيس الدولة في مرافعات جنائية قد تستمر لسنوات قبل النطق بأي حكم؟ لو تم ذلك هل تنحو الحكومة الكينية منحى السودان ورئيسه البشير في تعامله مع قضية مماثلة في محكمة الجنايات الدولية؟

ختاما يصعب الحديث بوثوق عن المسارات التي ستسلكها السياسة الخارجية الكينية نظرا لدعوى محكمة الجنايات الدولية إلا أنه من شبه المؤكد أن تقوم الهيئات الإقليمية والإفريقية بتقديم الدعم للنظام في مواجهة هذه الدعوى. في هذا الصدد يمكن للنظام ونظرا لمقدراته الاقتصادية تشجيع جيرانه للاستمرار في هذا المسعى. لكن سيبقى السؤال المطروح هو إلى متى سيستمر هذا الوضع؟ إلى متى سيستمر دعم عموم الناس ورجال القبائل للنظام؟ لذلك من المتوقع أن يستمر التحول في مسارات السياسة الخارجية دون أن تستند هذه المسارات على أي مبدأ ثابت يمكن تمييزه عدى عامل دعوى محكمة الجنايات الدولية إلى أن يتم حسم القضية في اتجاه التهدئة أو التصعيد.
_______________________________________
د. لوك أوبالا: باحث ومحلل كيني
ترجم التقرير إلى العربي الحاج ولد إبراهيم: إعلامي وباحث موريتاني.

الإحالات
1- انظر صحيفة  Daily Nation, 10th April, 2013

المراجع
http://www.standardmedia.co.ke/?articleID=2000068234&story_title=Annan:-Uhuru,-Ruto-presidency-bad-for-Kenya
"Museveni attacks ICC at Uhuru’s swearing-in", Daily Monitor, April 10, 2013.
ICJ Kenya, Katiba Institute, Kenya Human Rights Commission, AfriCOG, The Implications of a Kenyatta/Ruto Presidency.
 “The Kenyatta Affair”, by James Verrini, Foreign Policy magazine, March 20, 2013.
Cited by the South African Policy Initiative on their website.
Transforming Kenya: Securing Kenya’s Prosperity 2013-2017
 “Inside Kenyatta’s emerging, assertive policy in East Africa” op-ed piece by Prof. Peter Kagwanja in the East African.
 “Uhuru Kenyatta and Kenya’s New Posture in Global Politics”, Opinion piece by Prof. James Kariuki.
“The Quixotic Invasion of Somalia Will Devastate Kenya” a digital essay by Onyango Oloo, November 2011.
“Kenya Can Still Correct Its Mistakes in Somalia”, a digital essay by Onyango Oloo, December 2011.
http://www.theafricareport.com/East-Horn-Africa/kenya-the-election-beyond-belief.html
 From an article posted on the France 24.Com website.
“A Macro-Economic Analysis of the Jubilee Nominees”, a digital essay by Onyango Oloo.
http://www.hrw.org/news/2013/04/23/kenya-human-rights-priorities-new-administration

نبذة عن الكاتب