المصدر (الجزيرة) |
تمتلك كل الشعوب سلسلة من المراتب والقواعد والطبقات الاجتماعية، التي تتناسب مع الصور المتنوعة والمختلفة من تاريخها، وأصولها، وقيمها، وقومياتها، وهوياتها، وحتى اقتصادياتها، إضافة إلى أمور أخرى. ومن وجهة نظر عالم الاجتماع بروس، فإن المكانة الاجتماعية لأي فرد في مجموعة معينة تقارن بمكانته في مجموعة أخرى. وبعبارة أخرى فإن المكانة الاجتماعية التي يمنحها المجتمع لأي فرد تُمثل المكانة الأساسية له(1). أما أساجيو فقال: إن الجماعات القومية لها مفهوم آخر في التعريف لأنها عبارة عن مجموع هوية هذه القومية وتلك الجماعة. ويرى أن القومية لها تعريف تجريدي بأبعاد ذهنية ومادية في إشارة ضمنية إلى أن هذه الظاهرة تتميز بالجوانب الفردية والجماعية. أما في تفسيره للجوانب المادية فهو يتطرق إلى عوامل معينة تشمل صلات القرابة، الأصل، وتصرفات الأفراد الظاهرة. وفي توضيحه للعوامل الذهنية يقول بأن لها علاقة بالاعتقادات والقيم والمباديء، التي تتبلور معانيها في إطار العلاقات(2). ونجد أن فريدريك بارث، وهو أستاذ في الجماعات والحدود العرقية، يُبعد الثقافة عن تعريف القوميات ويربط الحدود القومية بالحدود النفسية التي تخلو من مكونات الثقافة تمامًا(3).
القوميات والأقليات
تعتبر إيران دولة مثل دول أخرى تعاني من التنوع الكبير في القوميات التي تقطنها؛ ففي كل أنحاء إيران استقرت شعوب مختلفة لها لغات وعادات وثقافات وقيم متنوعة كما هو الحال بالنسبة للأكراد والبلوش والعرب بالإضافة إلى المذاهب المختلفة. إن التركيبة الأساسية للشعب الإيراني وفقًا للقوميات تأتي كما يلي: القومية التركية بنسبة 24%، والقومية الكردية بنسبة 7%، والقومية العربية بنسبة 3%، والقومية البلوشية بنسبة 2%. وكما هو واضح فإن تلك القوميات تختلف فيما بينها في اللغة والثقافة والمذهب؛ وهو ما يجب أن تضعه الدولة في عين الاعتبار، خاصة مع تزايد التعداد السكاني لتلك القوميات(4).
وتوجد إحصاءات مختلفة تتقارب وتتباعد مع الإحصاءات الإيرانية السابقة، وتقدر مصادر أميركية أن الفُرس 51بالمائة، الأذريين (أتراك) 24 بالمائة ، جيلاك ومازندرانيون 8 بالمائة ، الأكراد 7 بالمائة ، العرب 3 بالمائة ، لور 2 بالمائة، بلوش 2 بالمائة ، تركمان 2 بالمائة ، أعراق أخرى 1 بالمائة. وتشير تقديرات أخرى إلى أن الفرس 49 بالمائة ، الأذريين (أتراك) 18 بالمائة ، الأكراد 10 بالمائة ، الجيلاك 6 بالمائة ، المازندرانيون 4 بالمائة ، العرب 2.4 بالمائة ، اللور 4 بالمائة ، بختياري 1.9 بالمائة ، التركمان 1.6 بالمائة ، الأرمن 0.7 بالمائة. لكن الباحث يوسف عزيزي يؤكد أن العرب يشكلون أكثر من 7.7% من سكان إيران. منهم 3.5 مليون في محافظة خوزستان وغالبيتهم من الشيعة، و1.5 مليون عرب في سواحل الخليج العربي وهم من السنة، ونصف مليون متفرقون في أماكن مختلفة من إيران. ويُعتقد أن نسبة أكراد إيران تقارب 10 بالمائة من عدد السكان.
وإلى جانب الشعوب والقوميات فإن الأقليات تعتبر واحدة من أهم التقسيمات الاجتماعية في أي مجتمع. وتتشكل الأقليات وفقًا لأمور مختلفة، وأهم أقلية في إيران هي تلك التي تشكلت وفقًا للمذهب. ويمكن تقسيم الأقليات فيها إلى أقليات مسلمة وأخرى غير مسلمة؛ وتتكون الأقلية المسلمة من الجماعة السنية والجماعة الإسماعيلية والجماعات الصوفية؛ أما الأقليات غير المسلمة فتضم المسيحية، والزرداشتية، واليهودية، والبهائية وطوائف أخرى(5).
وتعتبر الطائفة السنية من أكبر الأقليات في إيران حيث إنها تُشكّل عشرة بالمائة من مكونات الشعب الإيراني، ومما يجعل الأقلية السنية أكثر تفاوتًا من غيرها التنوع القومي التي تتميز به حيث إنها تتكون من قوميات أخرى، هي البلوشية والتركمانية؛ وهما من الأقليات الكبيرة نسبيًا. ومن المؤسف أن المناطق التي يسكنها أهل السنة في إيران تعتبر من أشد المناطق فقرًا وترديًا مقارنة بالمناطق الأخرى. كما أن نسبة البطالة في هذه المناطق مقارنة أيضًا بالمناطق الأخرى تعتبر الأعلى نسبة، ومعدل التنمية الاقتصادية هو الأدنى بالنسبة لبقية المناطق الإيرانية. يضاف إلى ذلك أن سياسة الدولة الإيرانية في تلك المناطق هي الأكثر تشددًا؛ مما يدفع تلك الأقليات إلى تشكيل مقاومات تدافع من خلالها عن هويتها(6). وقد زادت هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة حتى وصلت لمواجهات أمنية مع تلك الأقليات في مناطقهم وفقًا لما ذكره علي الطاعي في حديثه عن أزمة الهوية القومية في إيران.
ومما يميز هذه الأقليات بالإضافة إلى اختلافها المذهبي والقومي أن هذه الجماعات تجمعها الحدود مع دول أجنبية أخرى. وهو ما يجعل النظرة الرسمية للأقلية المختلفة من الناحية المذهبية والقومية تتمحور حول كونها تُمثل تهديدًا لنظام الحكم. ومع التطورات الإقليمية التي شهدتها المنطقة في السنوات الأخيرة يمكن ملاحظة حدوث تغير في هوية هذه الأقليات حيث بدأت تتجه لتكون هوية مناهضة للجمهورية الإسلامية الإيرانية(7).
أما الأقليات الأخرى فيمكن تقسيمها إلى مجموعتين: مجموعة قانونية وأخرى غير قانونية؛ فمن الأقليات القانونية: الزرداشتية، واليهودية، والمسيحية والتي عُرفت في المجتمع الإيراني بالوسطية. ولهذه الجماعات أشخاص يمثلونها في البرلمان الإيراني ويدافعون عن قضاياها؛ مما يجعلها أقل مواجهة مع الدولة. ولكن الطائفة البهائية تُمثل أهم قضية للأقليات غير القانونية. في الواقع لا توجد أي سياسة واضحة تجاه هذه الطائفة في البلاد، وإن كانت تغلب سياسة الطرد والإبعاد لهذه الطائفة، بالإضافة إلى حرمانهم من التحصيل الدراسي والتوظيف(8).
ومن بين الأبحاث التي أُجريت على المجتمع الإيراني لبيان تأثير برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية، تلك التي أنجزها الدكتور سيف اللهي، وهو أستاذ معروف في علم الاجتماع. ويضع سيف اللهي مؤشرات الاختلاف والتشابه بين القوميات في إيران كما يلي(9):
مؤشرات الاختلاف
-
نقص في المياه وسوء الظروف في بلاد واسعة من حيث الرقعة الجغرافية.
-
المركزية الشديدة في الإدارة السياسية.
-
تجاهل مشاركة المجموعات العرقية.
-
تجاهل مطالب واحتياجات الفئات العرقية في أعقاب حركة التحديث.
-
غلبة السياسة العرقية لدى الجماعات العرقية.
-
عدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية بين الفئات العرقية.
-
عدم المساواة في التنمية البشرية بين الجماعات العرقية.
-
التنمية غير المتوازنة وغير المتناسبة في مناطق الأقليات العرقية.
وحدد محمد رضا حافظ نيا أيضًا مجموعة من نقاط الاختلاف:
-
تركيبة وطنية غير متوازنة وغير متجانسة.
-
تعقيد الطبوغرافيا الإيرانية.
-
اختلال التوازن في مشاركة الأقليات القومية.
-
شبكة تواصل ضعيفة.
-
عدم التكافؤ الجغرافي والمكاني.
وهذا ما يحصل في ما يتعلق بالتقارب العرقي كما تبينه النقاط التالية:
-
الاشتراك في أمور مختلفة تتعلق بمحور الشخصية بصورة رئيسية وتشمل: اللغة، والمذهب، والثقافة والأصل.
-
الاشتراك في الجذور التاريخية الموحدة.
-
إيجاد هوية ثقافية وطنية.
-
الاشتراك في المذهب والدين.
-
التباهي بالإنجازات الوطنية.
-
تطلعات سياسية مشتركة.
-
رموز وطنية مشتركة.
-
سلطة حكومية مركزية.
-
مصدر للتهديدات الخارجية.
وفي بحوث أخرى تم إعدادها في قضايا مماثلة، اتضح أن هذه النقاط هي أهم أوجه الشبه والاختلاف في القوميات الإيرانية(11).
المشاركة السياسية
بالنظر إلى بنية السياسة الإيرانية، نرى أن تفكيك القوميات على أساس تفكيك مناطق سكناها يؤدي إلى تسهيل عملية تحديد ومعرفة مطالبها.
تعاني محافظة سيستان وبلوشستان ومحافظة كردستان من فجوة كبيرة بينهما وبين محافظات إيران الأخرى، إلا أنهما وبسبب التمازج العرقي والمذهبي في تلك المحافظتين، وبالرغم من اختلافهما، توحدتا في المطالب السياسية. ونلاحظ أن هذه المطالب تشكّل نسبة أقل بين القوميات الإيرانية الأخرى، أمثال القومية التركية، والتركمانية. وأدى توحدهما بخصوص تلك المطالب إلى لجوء الدولة إلى خطط سياسية وأمنية مختلفة تتميز بالحذر والتوجس.
محافظة سيستان وبلوشستان
تعتبر محافظة سيستان وبلوشستان من أكثر المحافظات تدهورًا في البلاد، سواء من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية على حد سواء. فنسبة الذين يسكنون تلك المحافظة لا يتجاوز 3.41 بالمائة. وبالرغم من نمو معدل البنى التحتية في هذه المحافظة وبالأخص خلال السنوات الأخيرة إلا أن 49.62 بالمائة ما زالوا من دون مكان ولا مأوى. أما معدل البطالة في هذه المحافظة فقد بلغ 37.92 بالمائة بينها 22.71 بالمائة مرتبط بالقطاع الصناعي. ولا يقتصر التدهور في هذه المحافظة على هذه المعدلات فقط، بل نلاحظ أن معدل النمو الاقتصادي في هذه المحافظة بلغ 40 بالمائة وهو الأدنى في البلاد بينما جاوز معدل النمو الاقتصادي في محافظة طهران وهي العاصمة 96.5 بالمائة وهو الأعلى في الجمهورية الإسلامية.
وفقًا للإحصائيات الرسمية للسكان في 2005، فإن نسبة التعليم في هذه المحافظة في الفئة التي تتجاوز السنوات الست وأكثر بلغت 68.10 بالمائة وهو الأدنى في البلاد كلها. أما نسبة التعليم في طهران، وهي الأعلى في البلاد، فقد بلغت 91.27 بالمائة في حين وصلت نسبة التعليم في البلاد كلها إلى 84.61 بالمائة. إذا قارنّا نسبة التعليم بين الرجل والمرأة، نلاحظ أن هناك اختلافًا كبيرًا بينهما؛ حيث بلغت نسبة التعليم بين النساء في تلك المحافظة 61 بالمائة، وهو أدنى مستوى في البلاد، بينما تبلغ نسبة التعليم بين الرجال في المحافظة نفسها 74.42 بالمائة؛ وهو يعد أيضًا الأقل على مستوى البلاد بأكملها.
وكما هو واضح من خلال الدراسات فإن هذه المحافظة لديها أقل وأدنى معدل تنمية اجتماعية (116 بالمائة) بينما في طهران تبلغ نسبة التنمية الاجتماعية (681 بالمائة)، وهي الأعلى كما هو المعتاد في العاصمة الإيرانية. كما أن أغلبية سكان هذه المحافظة يُعتبرون من المحرومين والفقراء فأكثر من 45 بالمائة من سكان هذه المحافظة يعيشون تحت خط الفقر.
وفي ظل هذه الظروف القاسية والصعبة ماديًا، فإنه ليس من قبيل المبالغة أن تنتشر ظاهرة التهريب والاتجار بالمخدرات لتصبح الوظيفة الرئيسية لسكان هذه المناطق ولكنها غير رسمية. وتعتقد وزارة الشؤون الاجتماعية الإيرانية أن تلك المناطق لديها أعلى معدل من مدمني المخدرات. كما تعتبر من أكثر المناطق خطورة لافتقارها لعناصر الأمن والاستقرار. ويرجع غياب الأمن إلى انتشار المخدرات بشكل واسع النطاق وهو ما حوّلها لمناطق غير آمنة. وقد تشكّلت في تلك المحافظة مجموعات إجرامية وإرهابية وعصابات مافيا متخصصة في التهريب، والمصدر والمنبع المالي الرئيسي لتلك الجماعات يتم تأمينه من خلال المتاجرة بالمخدرات.
في الفترة الرئاسية الثانية للرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي، كان هناك محافظ واحد فقط لمنطقة بلوشستان أما على الصعيد المحلي فلم يكن هناك حتى منصب واحد لطائفة البلوش ولأهل السنة. أما في فترة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد فقد استُحدث -ولأول مرة- حاكم لمحافظة سيستان وخمسة محافظين ومدير عام تم اختيارهم من بين الأقلية البلوشية والطائفة السنية.
ومنذ عدة سنوات وجّه مجموعة من شباب مدينة "إيران شهر" رسالة إلى الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد جاء فيها أن انعدام الاستقرار الأمني والنفسي من أكثر المشاكل التي تواجهها الأقلية البلوشية؛ حيث إن الجهات الأمنية عاجزة لا تستطيع تطبيق الإجراءات الأمنية في تلك المنطقة. وتشكو المنطقة من أن أكثر الشخصيات الوطنية والثقافية والاجتماعية من الأقلية البلوشية تتعرض للإهانات والتحقير من قبل الجنود العاديين دون أن يجري توبيخ هؤلاء الجنود بل يُشجّعون ويُحرّضون على مواصلة مثل تلك الأعمال المهينة تجاه الطائفة البلوشية. وهذا أمر يدعو للأسف والحزن بين تلك الطائفة التي كانت من أكثر الطوائف ولاءً للحكومات الإيرانية المتعاقبة. وبحسب الإحصاءات الحكومية فإن هذه الأقلية سجلت مستوى ثقة إيجابيًا وكانت نسبة تأييدها للحكومة أعلى بكثير من مناطق مختلفة في البلاد.
ولكي يكون هذا التقرير أكثر وضوحًا فقد تم تسليط الضوء على وجهات النظر الخاصة بتلك الفئة وذلك من خلال مسح إحصائي قامت به الجهات الرسمية لمعرفة أفكار وآراء الإيرانيين تجاه بعض القضايا.
ففي المجال السياسي، وفي سؤال يتعلق بما إذا كانت الحكومة الإيرانية تولي أهمية لرأي الشعب الإيراني، وما إذا كان الشعب يتفق في ذلك أم يختلف، كانت النتيجة كالتالي: نسبة الموافقة في كل البلاد 46.6 بالمائة و8.4 بالمائة غير موافقين تمامًا، جاءت نسبة الموافقة في مدينة زاهدان التابعة لتلك المحافظة 60.8 بالمائة و10.3 بالمائة موافقون تمامًا، أي كانت الحصيلة تشير إلى أن أكثر من 71 بالمائة من الطائفة البلوشية يؤيدون الحكومة الإيرانية. وفي سؤال آخر حول مدى خطورة الاعتقاد بأن هناك ظلمًا وتمييزًا في المجتمع الإيراني، كانت نتيجة الإجابة في كافة البلاد 58.6 بالمائة بين عالٍ وعالٍ جدًا في حين أن هذه النتيجة بلغت في زاهدان 43.7 بالمائة.
وفيما يخص العلاقة بين الفرد وبلاده وشعوره بالوطنية، طُرح السؤال كالتالي: "إلى أي مدى أنت فخور كونك إيراني الهوية؟". وجاءت الإجابة مذهلة بين أبناء المحافظة ووصلت إلى 95.3 بالمائة فخورين بأنهم إيرانيون بينما كانت النسبة على مستوى الجمهورية الإسلامية بأكملها 86.8 بالمائة. وفي نفس النطاق تم طرح سؤال آخر، وهو: "إذا خاضت الدولة حربًا فما مدى جاهزيتك للدفاع عنها؟". كانت النسبة في منطقة زاهدان 83.1 بالمائة هم على استعداد وبكامل الجاهزية للذود عن الوطن بينما تفاوتت النسبة في بقية مناطق البلاد لتصل إلى 65.1 بالمائة.
وفي سؤال آخر بخصوص تقييم الظروف الحالية، وجد سكان مدينة زاهدان بنسبة 17 بالمائة أن الأوضاع جيدة، بينما ذهب بعضهم بنسبة 61.6 بالمائة إلى أن الأوضاع تحتاج للتطوير والتحسين الفعلي بينما رأى 21 بالمائة منهم أن الأوضاع تحتاج إلى تغيير كامل. وعلى مستوى البلاد بأسرها جاءت الاجابة كالتالي حسب الاختيارات المطروحة: 10.7 بالمائة راضون عن الأوضاع، و66.2 بالمائة وجدوا أن الأوضاع تحتاج لبعض التعديل بينما أراد 33.1 منهم تغيير الأوضاع تمامًا.
وبالنظر إلى الأولويات في رأي سكان منطقة مدينة زاهدان؛ فإن 41.9 بالمائة وجدوا أن موضوع الرفاه الاقتصادي مقابل الغلاء والتضخم المالي يتقدم كأولوية على باقي الأمور وحفظ قوانين الأمن والسلامة، بينما وجد 31 بالمائة منهم أن الحرية بما فيها حرية التعبير هي من الأولويات، ووجد ما نسبته 15.9 بالمائة أهمية مشاركتهم في مختلف الفعاليات السياسية، و11.2 بالمائة حددوا الأولوية في العناية بالأفراد أنفسهم. وكانت هذه الأولويات بنفس الترتيب في بقية مناطق البلاد. ومن هذه الدراسة يتضح لنا بشكل لا يدعو للشك أن تذمر الناس هو بسبب إهمال أمورهم المعيشية والاقتصادية. وكما نرى، فإن متوسط الوفاء والولاء بين الطائفة البلوشية كبير جدًا مقارنة ببقية المحافظات.
كردستان ومناطق تسكنها القومية الكردية
يعتبر الأكراد من أقدم القوميات الإيرانية ويشكّلون في الوقت الحاضر التركيبة الأساسية من السكان في أربع دول، من بينها إيران والعراق وتركيا وسوريا؛ حيث يبلغ عدد السكان الأكراد حوالي 30 مليون نسمة. وبعد الفتوحات الإسلامية اعتنق الأكراد الدين الإسلامي، مع وجود أقلية من الطوائف الأخرى التي تقطن ضواحي كرمانشاه، من أمثال الكيهلير والسنجاب وأقلية كردية تعتنق المذهب الشيعي، إلا أن السواد الأعظم من القومية الكردية يعتنق المذهب السني الشافعي.
وبالرغم من الثروات الطبيعية والأراضي الواسعة التي تتمتع بها منطقة كردستان، إلا أن الشعب الكردي من أفقر الشعوب بالنظر إلى دخل الفرد المنخفض. ومن الأمور التي تركت تأثيرًا سلبيًا على الأكراد: الفقر والقضايا البيئية، وهو ما يشمل سوء التغذية والملبس والمسكن والصحة والتعليم. ويبلغ متوسط عدد أفراد الأسرة الكردية ما بين ستة إلى سبعة أشخاص. وقد انتشر وبشكل متزايد وملحوظ معدل البطالة المقنعة وعمليات تهريب المخدرات وبخاصة في المناطق الكردية المجاورة للحدود مع الدول الأخرى، إلا أن الأكراد يقدّرون للحكومة الإيرانية إنشاء المصانع وورش العمل ضمن الإطار المهني؛ حيث تم توظيف أبناء المنطقة في هذه المنشآت. وبشكل عام فإن الأكراد يعتزون كثيرًا بقوميتم وانتماءاتهم الكردية، وتتمركز الطبقة الوسطى من القومية الكردية في الحضر، ولا يتمتع سكان الريف والفلاحون بقوة اقتصادية ومادية كبيرة كما يجب أن يكون عليه الحال(12).
في إيران، تتم المعاملات بين الحكومة المركزية والأفراد بصورة مغايرة جدًا وجوهرية عن الدول الأخرى التي تسكنها القوميات الكردية؛ ففي إيران تشترك القومية الكردية مع سائر البلاد في المجالات الثقافية والتاريخية والعرقية واللغوية، وكذلك المؤسسات، كما أنها تشترك أيضًا في أساطير الماضي، وفي التاريخ المشترك؛ لذا، لا الحكومة الإيرانية ولا حتى الإيرانيين أنفسهم ينظرون إلى القومية الكردية على أنها أقلية قومية(13). وفي العصر الحديث، وبعد قيام الدولة الإيرانية وزوال حكومات المحافظات شبه الإقطاعية، قام الأكراد بطرق مختلفة بزيادة مستوى حرياتهم الثقافية والاجتماعية والسياسية، ولاسيما في أوقات ضعف الحكومة المركزية؛ حيث قامت بعض الجماعات الكردية المسلحة بمواجهة الحكومة، وبرزت هذه الظاهرة خلال الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية، وكذلك في السنوات التي تلت الثورة الإسلامية في إيران. ولكن في كل الحالات عجزت تلك الجماعات عن زعزعة وتغيير الحكومة الإيرانية، كما أوضح ذلك كل من أحمد رضائي ومهناز ظهيري نجاد في دراساتهم عن الأكراد الإيرانيين(14).
وتشير الأدلة إلى محاولات حكومية إيرانية لتوفير ظروف اجتماعية وسياسية لمشاركة الأكراد على الصعيد الوطني، حتى يثبتوا تجانس هذه القومية مع بقية الشعب الإيراني. هذا ما يعيدنا لفترة حكم الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي والتي دامت ثماني سنوات؛ فقد كان من شعارات خاتمي شعارات انصبت على تعزيز التنمية السياسية والتي كانت وسيلة عملية لمشاركة أكبر من شرائح الشعب الإيراني بما فيهم الأكراد. وشهدت هذه الفترة انخفاضًا كبيرًا في أعمال الشغب والاضطرابات والتي كانت تؤدي إلى المواجهات العسكرية، حتى إن الميول الكردية المطالبة بالانفصال والحكم الذاتي والاستقلالية من قبل بعض الجماعات الكردية أظهرت انخفاضًا ملحوظًا. ويرجع الفضل في ذلك إلى تحقيق وتلبية بعض المطالب الكردية، فقد قامت الحكومة الإيرانية بتعيين مجموعة من الأكراد في مناصب حكومية في الدولة.
جاء ذلك جنبًا إلى جنب مع ارتفاع نسبة الحريات في كتابة المقالات والصحف الناطقة باللغة الكردية، بالإضافة إلى رفع حرية الصحافة في المطبوعات الكردية، والسماح لهم بتأسيس جماعات أدبية ومهنية واجتماعية من قبل الدولة الإيرانية، جاء ذلك أيضًا مع زيادة الأحزاب والمراكز الثقافية الكردية. ومن هنا، يمكن أن نلحظ عن كَثَب ارتقاء المشاركة السياسية والاجتماعية للقومية الكردية في رسم السياسات. وكان لهذا الأمر الفضل الكبير في تقوية الإحساس بالوطنية بين الأكراد وتعزيز العلاقة بينهم وبين الدولة؛ مما أدى أيضًا إلى زيادة الولاء الكردي وعدم مطالبتهم بالانفصال عن الدولة. ولكن هذه السياسة لم تستمر في عهد الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد؛ مما أدى إلى تقلص مشاركة الأكراد في عمليات الانتخابات وشجع بدوره مطالبتهم بالاستقلال والانفصال عن الدولة. وفي هذه الفترة أيضًا زادت عمليات الاعتقال في الأوساط الكردية وشملت أئمة المساجد ورجال الدين، ولكن التجارب أثبتت أن مثل هذه السياسات لا يمكن أن تكون مناسبة لأي حوار من أجل المشکلات.
تعيش الغالبية الكردية في أربع محافظات، هي: كردستان وكرمانشاه وإيلام وأذربيجان الغربية، إلا أننا إذا نظرنا إلى التنمية الاجتماعية فإننا نرى أن تلك المحافظات هي من أسوأ المحافظات وأقلها تنمية على الصعيد الاجتماعي؛ وتعتبر المحافظات التي يقطنها الأكراد من أكثر المحافظات الإيرانية تدهورًا. ويمكن للجدول التالي أن يوضح مستويات التنمية الاقتصادية في المحافظات.
المحافظة |
المرتبة |
سيستان وبلوشستان |
خارج نطاق التجانس مع المناطق الأخرى |
إيلام ، لورستان، هرمزغان، كهكيلويه وبوير أحمد، بوشهر، كرمانشاه |
مناطق محرومه جدًا |
خوزستان،كرمان، أردبيل، كردستان |
مناطق محرومة |
مازندران، زنجان، أذربيجان الغربية، فارس، حمدان، قم، جيلان، خراسان، سمنان، جهار محل، بختياري |
مناطق في طور التنمية |
المنطقة الوسطى، أذربيجان الشرقية، يزد |
مناطق نامية |
أصفهان، طهران |
مناطق نامية جدًا |
وإذا نظرنا إلى قضية المشاركة السياسية؛ وذلك من خلال المشاركات في عمليات الانتخابات، نلحظ أن المناطق الكردية والتي تسكنها القومية الكردية والتي تُشكّل الطائفة السنية النسبة الغالبة فيها تسجل مشاركة قليلة جدًا. ويُعزى السبب في زيادة المشاركة الكردية الشيعية في الانتخابات والتي تشمل انتخابات الرئاسة وانتخابات مجلس الشورى، وكذلك الانتخابات المحلية في المحافظات والأرياف، إلى الدافع المذهبي؛ حيث إن القومية الكردية من الطائفة الشيعية لا تشعر بإحساس الإبعاد والتأزم بينها وبين الحكومة كالذي يسود في المناطق السنية.
ويمکن ملاحظة الاختلاف في نسب المشاركة بين المدن ذات الأغلبية السنية والأخرى ذات الأغلبية الشيعية والتي سجلت نسب مشاركة أعلى في الانتخابات الثامنة لمجلس الشورى الإسلامي كما في الجدول التالي:
المحافظة |
معدل المشاركة المئوية |
إيلام |
75.01 (غالبية شيعية) |
أذربيجان الغربية |
53.13 (غالبية سنية) |
كردستان |
44.83 (غالبية سنية) |
كرمانشاه |
70.78 (غالبية شيعية) |
سائر البلاد |
59.07 |
ويبين الجدول التالي مشاركة الشعب في المحافظة الكردية في انتخابات الرئاسة الإيرانية منذ دورتها الأولى وحتى الدورة الثامنة (15).
الدورة |
نسبة المشاركة المئوية |
نسبة التصويت في البلاد |
الأولى |
12.82 |
67.42 |
الثانية |
42.72 |
64.24 |
الثالثة |
48.46 |
76.26 |
الرابعة |
51.57 |
54.78 |
الخامسة |
58.68 |
54.59 |
السادسة |
54.96 |
50.66 |
السابعة |
79.04 |
79.92 |
الثامنة |
34.66 |
66.77 |
ويثبت لنا هذا الجدول أن أقل نسبة مشاركة كانت في محافظة كردستان وفي الدورة الأولى بنسبة 82,12 بالمائة. وفي الدورة السابعة سجّل الأكراد أعلى نسبة مشاركة وذلك أثناء دورة خاتمي.
الدورة |
نسبة المشاركة المئوية |
نسبة التصويت في البلاد |
الأولى |
22.49 |
52.14 |
الثانية |
47.91 |
64.64 |
الثالثة |
61.49 |
59.73 |
الرابعة |
71.25 |
57.81 |
الخامسة |
77.06 |
71.1 |
السادسة |
70.18 |
67.25 |
السابعة |
32.36 |
51.21 |
الثامنة |
44.83 |
59.07 |
_____________________________________
کامران شهسواري: باحث إيراني متخصص في العلوم الاجتماعية
ملاحظة: الإحصاءات الواردة في هذه الدراسة في أغلبها إحصاءات رسمية إيرانية.
الهوامش المراجع
1- كيفن بروس، أسس الجمعية الجيولوجية، ترجمة الدكتور غلام عباس توسلي ورضا فاضل (طهران، سمت، 1386).
2- Isajiw, W. W. (1993). Definition and dimensions of ethnicity: a theoretica framework. In Joint Canada-United States Conference on the Measurement of Ethnicity (pp(.407-427 Washington, D.C.: U.S.Government Printing Office: Statistics Canada and U.S.Bureau of the Census.
3- Barth, F. (1969). Ethnic Groups and Boundaries. Boston: Little, Brown.
4- حميد أحمدي، العِرق والقومية العرقية في إيران من الأسطورة إلى الواقع،(طهران، ني، 1381).
5 – أحمدي، العِرق والقومية العرقية في إيران من الأسطورة إلى الواقع.
6- علي الطاعي، أزمة الهوية القومية في إيران، (طهران، شادكان، 1378).
7- جون ريكس، الأقليات العرقية والحكومة الوطنية (علم الاجتماع السياسي للمجتمعات متعددة الثقافات)، ترجمة محمد سعيد ذكائي (طهران، دراسات وطنية، السنة الثانية 1380).
8– ريكس، الأقليات العرقية والحكومة الوطنية.
9- سيف اللهي وحميرا حافظ أميني، برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتأثيرها على الاختلافات والتشابهات بين القوميات الإيرانية، مجلة العلوم الاجتماعية، السنة الثالثة، العدد الأول.
10- محمد رضا حافظ نيا، الجغرافية السياسية في إيران (طهران،1381).
11- علي يوسفي، الفئات الاجتماعية، قسم الدراسات الوطنية، السنة الثالثة (طهران، 1380خريف).
12- نادر انتصار، عن العرق والإثنية، ترجمه عبدالله زادهه (طهران، مكتب الدراسات السياسية والدولية).
13- جعفر حق بناه، الأكراد وسياسة إيران الخارجية، مكتب الدراسات السياسية والدولية.
14- أحمد رضائي ومهناز ظهيري نجاد، المطالعات الوطنية للسنة الثالثة عن الأكراد الإيرانيين ( 1379).
15- تقرير صادر عن وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، الهوية العرقية والمعتقدات الاجتماعية والقيم والمواقف.. مسح تحليلي، طهران، 1379)