حزمة الإصلاحات الديمقراطية في تركيا: التفاعلات الداخلية والتوقعات المستقبلية

تقدم هذه الورقة قراءة في حزمة الإصلاحات الديمقراطية التي أعلنتها الحكومة التركية، وتتعلق بالحقوق العامة وحقوق والأقليات والحريات الشخصية والدينية والنظام الانتخابي. وتحلل الورقة الانتقادات الموجهة للحزمة والانعكاسات المحتملة على الانتخابات القادمة، وعلى عملية السلام الجارية مع حزب العمال الكردستاني.
20 أكتوبر 2013
2013102011407407734_20.jpg
المصدر [الجزيرة]

 

ملخص
تقدم هذه الورقة قراءة في تفاصيل حزمة الإصلاحات الديمقراطية التي أعلنتها الحكومة التركية برئاسة رجب طيب أردوغان مؤخرًا على مستوى تعزيز المسار الديمقراطي في البلاد فيما يتعلق بالحقوق العامة والخاصة المرتبطة بالأقليات والحريات الشخصية والدينية والنظام الانتخابي المرتبط بطبيعة النظام السياسي. وتحلل الورقة خلفية الانتقادات الموجهة للحزمة من قبل شرائح سياسية متعددة، كما تتناول الانعكاسات المحتملة للحزمة على مسار الاستحقاقات الانتخابية القادمة وفق سيناريوهات مختلفة، وكذلك على عملية السلام الجارية مع حزب العمال الكردستاني والمسار الذي تتجه إليه.
وتخلص الورقة إلى أن حزمة الإصلاحات الديمقراطية التي تم تقديمها ليست نهاية الطريق وأن هناك حاجة لإدخال المزيد من الإصلاحات للدفع بالديمقراطية قدمًا في البلاد، إلا أن طرحها يعتبر خطوة متقدمة من قبل الحكومة التركية لاسيما في توقيت يعكس قتامة المشهد الإقليمي والدولي إزاء عمليات الإصلاح وتعزيز الديمقراطية في المنطقة. وأن تأخذ الحكومة زمام المبادرة بتقديم هذه الإصلاحات فهذا قرار شجاع ويزيد من رصيدها المعنوي ويعزز من حقيقة أنه، وبغض النظر عن الانتقادات التي تعرض لها حزب العدالة والتنمية فإنه يبقى الجهة الوحيدة في تركيا التي تعتبر القوة الدافعة باتجاه تعزيز الديمقراطية في البلاد منذ العام 2002.

أعلن رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان في 30 سبتمبر/أيلول 2013 إطلاق حزمة الإصلاحات الديمقراطية التي أعدتها الحكومة في سياق مسيرة ديمقراطية تمتد على مدى 11 عامًا، وشملت مجالات متعددة منها ما يتعلق بالحياة السياسية والحزبية والانتخابات، ومنها ما يتعلق بالحريات العامة والحقوق خاصة ما يرتبط بالأقليات طُرحت للمرة الأولى منذ إنشاء دولة تركيا الحديثة.

تناقش هذه الورقة تفاصيل حزمة الإصلاحات الديمقراطية، وتحلل خلفية الانتقادات الموجهة للحزمة من قبل شرائح سياسية متعددة، كما تتناول الانعكاسات المحتملة للحزمة على مسار الاستحقاقات الانتخابية القادمة وفق سيناريوهات مختلفة، وكذلك على عملية السلام الجارية مع حزب العمال الكردستاني والمسار الذي تتجه إليه.

 

أولاً: مضمون حزمة الإصلاحات الديمقراطية

  ولعل أبرز ما تضمنته الحزمة ما يلي(1):

1- على مستوى النظام الانتخابي والحياة الحزبية في تركيا:
 
• طرح موضوع النظام الحالي الذي يشترط حصول الأحزاب السياسية على 10% من أصوات الناخبين، كحد أدنى للدخول إلى البرلمان، للنقاش بحيث يتم إبقاؤه أو تخفيض النسبة إلى 5% او إلغاء النسبة كليًا.
• توسيع نطاق المساعدات المالية المقدمة من الدولة للأحزاب السياسية من خلال خفض الحد الأدنى المتوجب عليهم الحصول عليه من 7% من أصوات الناخبين إلى 3%. 
• إفساح المجال أمام تطبيق مبدأ الرئيس المناوب في الأحزاب السياسية (شرط وجود مادة تتعلق بالموضوع في النظام الداخلي للحزب وألا يتجاوز العدد اثنين).
• السماح باستخدام لغات ولهجات متعددة في إطار الدعاية الانتخابية غير اللغة التركية.

2- على مستوى الحقوق والحريات:

• السماح بالتعليم بلغات ولهجات غير تركية في المدارس الخاصة.
• إلغاء العهد الذي يردده طلاب المدارس الابتدائية (والذي يتضمن إعلاءً للعنصر التركي دون غيره).
• إلغاء حظر الحجاب في مؤسسات القطاع العام، باستثناء (القضاء -القضاة والمدعين-، الجيش، الشرطة).
• تشديد عقوبة جريمة التمييز والكراهية ورفعها من سنة سجن واحدة إلى ثلاث سنوات.
• رفع عقوبة من يتدخلون بحياة الآخرين فيما يتعلق بالمعتقدات والقناعات عن طريق الجبر أو التهديد، من سنة واحدة إلى ثلاث سنوات.
• السماح باستخدام الأحرف المفتاحية والتي كانت محظورة في اللغة (X, Q, W)، وهي من الأحرف الأساسية في اللغة الكردية.
• السماح باستعادة القرى أسماءها القديمة التي كانت تُطلق عليها بغير اللغة التركية قبل انقلاب عام 1980.
• إعادة أراضي دير "مور غابرييل" السرياني إلى أوقاف الدير.
• تأسيس معهد اللغة والثقافة للغجر.

 
ردود الأفعال: بين نصف الكأس الممتلىء والنصف الفارغ
 
 أشاد رئيس الجمهورية عبدالله غول بحزمة الإصلاحات الديمقراطية التي قدمتها الحكومة التركية على اعتبار أنها تحل الكثير من المشاكل خاصة أنها تأتي في سياق الإصلاحات الجذرية والعميقة التي اتخذتها خلال السنوات الماضية ضمن ما أسماه "الثورة الصامتة" التي تهدف إلى توسيع ورفع المعايير الديمقراطية في البلاد بما يحقق دومًا المزيد من المشاركة ويعزز من الحريات(2)؛ واصفًا هذه الخطوة بالشجاعة والمخلصة(3).

أما المنتقدون لحزمة الإصلاحات فيمكن تقسيمهم إلى ثلاثة معسكرات: معسكر المعارضة السياسية المتمثل بحزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية تحديدًا، معسكر الأكراد والذي يشمل حزب السلام والديمقراطية الكردي في البرلمان وحزب  العمال الكرستاني (PKK) المصنف إرهابيًا، ومعسكر المجتمع المدني. والمفارقة أن كل هؤلاء انتقدوا حزمة الإصلاحات الديمقراطية أو عددًا من موادها، لكن الملاحظ أن خلفيات هذه الانتقادات وسياقها وأهدافها مختلفة كليًا عن بعضها البعض.

1) انتقدت المعارضة السياسية الرئيسية حزمة الإصلاحات الديمقراطية ووجهت انتقادات شديدية للحكومة حتى قبل الكشف عن فحواها(4)، واعتبرت في موقفها الأساسي بعد الإعلان عنها، أن هذه الحزمة جاءت استجابة لمطلب حزب العمال الكردستاني "الإرهابي"، وأنها غير ديمقراطية ومن شأنها أن تقسّم البلاد وتجزئها وتطيح بالطابع العلماني والقومي لتركيا وتخلق تطاحنًا اجتماعيًا وأمنيًا فيها (في إشارة إلى الحقوق الكبيرة الممنوحة للأقليات بموجبها)(5).
ويمكن فهم انتقادات المعارضة في هذا السياق من باب أنها كانت رافضة لها ولمسار عملية السلام مع حزب العمال الكردستاني من الأساس(6)، وقد ازداد هذا الرفض لحزمة الإصلاحات لأن فحواها يجعل عمليًا الفكرة التي قام عليها هذان الحزبان مهددة بالزوال؛ فالحزمة تمهد الطريق لسحب المواضيع والملفات التي تشكّل صلب أجندتهما الشعبية خاصة ما يتعلق بوضع الأكراد. كما أن الموافقة عليها يعني إقرارًا لخصمهما بالفضل في مواصلة المسيرة الديمقراطية في البلاد.
لكن اللافت أن هذه المعارضة -الحزب الجمهوري خاصة- دخلت في تناقض مع نفسها عندما أردفت الانتقادات السابقة بمطالب بمنح العلويين تحديدًا دون غيرهم المزيد من الحقوق(7)؛ بما يعكس الموقف الانتخابي لها على اعتبار أن أغلبية العلويين تصوت تقليديًا لحزب الشعب الجمهوري المعارض(8).

2) أما المعسكر الثاني المتمثل بالأكراد؛ فقد انتقد حزمة الإصلاحات على اعتبار أنها لم تشمل إطلاق العديد من السجناء الذين كان تم اعتقالهم سابقًا تحت قوانين دعم الإرهاب "حزب العمال الكردستاني" أو الترويج له أو التعاون معه. كما اعتبروا أن الحزمة وعلى الرغم من الإيجابيات التي وردت فيها، إلا أنها غير كافية ولا تلبي الطموحات والتوقعات بشأن إنهاء الصراع بين الدولة وحزب العمال الكردستاني(9)، فيما يرى الأخير أن هذه الحزمة لا تهدف إلى إنهاء الصراع لأن العقلية اللازمة لذلك لم تتوافر عند الحكومة(10).

3) وبالنسبة إلى المعسكر الثالث المتمثل بالمجتمع المدني؛ فقد أشاد بالحزمة كخطوة إضافية في طريق تعزيز الديمقراطية في تركيا ولاسيما ما يتعلق بالحقوق والحريات خاصة مسألة رفع الحظر على الحجاب، إلا أنه انتقد استثناء القضاة والعسكريين والشرطة من هذا الموضوع معتبرًا أن ذلك يشرع لأول مرة حظر الحجاب بشكل قانوني، كما أنه يعد تمييزًا يتناقض مع جهود السعي لإزالة التمييز وإدانته(11).

لقد فندت الحكومة انتقادات المعارضة السياسية، واعتبرت أن الحزمة استقبلت بشكل إيجابي من الأغلبية الشعبية في تركيا على الرغم من ردود الأفعال المختلطة التي صدرت عن فرقاء آخرين بما في ذلك المستفيدون مباشرة من الحزمة. وفقًا لنائب رئيس الوزراء "بولنت أرينج"؛ فإن الحكومة تسير على الطريق الصحيح بدليل أن 75% من الأتراك استقبلوا هذه الحزمة بشكل إيجابي استنادًا لاستطلاعات الرأي التي تم إجراؤها في عدد من المحافظات قبل الإعلان الرسمي عنها(12).

 
 انعكاسات الحزمة على مسار الانتخابات القادمة

 من المنتظر أن تشهد تركيا خلال العام القادم سلسلة من الاستحقاقات الانتخابية البلدية والرئاسية ثم يليها البرلمانية. وكون الإعلان عن حزمة الإصلاحات الديمقراطية أتى في أجواء تحضير مختلف القوى لهذه الاستحقاقات؛ فإن ذلك فتح الباب أمام طرح التساؤلات المتعلقة بانعكاساتها على هذا الصعيد. صحيح أن هذه الخطوة مهمة في مجال متابعة المسار الديمقراطي التركي، لكن تقييم أثرها المباشر والفعلي على صعيد العملية الانتخابية (الانتخابات البرلمانية خصوصًا) لا يزال مبكرًا لعدد من الأسباب، لعل أهمها:

1- أن عددًا من مقترحاتها وموادها سيحتاج إلى موافقة البرلمان بالضرورة؛ وهو ما يعني أنها قد تواجه مصاعب خاصة إذا ما تم ترجمة تصريحات الأحزاب السياسية المعارضة إلى قرارات تعرقل إقرارها في داخل البرلمان.

2- أن مسار التأثير يرتبط بشكل مباشر أيضًا بالخيارات التي سيتم اتخاذها فيما بعد فيما يتعلق بحاجز الـ10% المطلوب من الأحزاب لدخول البرلمان: هل سيتم الإبقاء عليه؟ هل سيتم تخفيضه إلى 5%؟ هل سيتم إزالته كليًا؟

وفقًا لدراسة أعدها "سيف الدين جورسل" حول النظام الانتخابي؛ فإن التوقعات تشير إلى(13):

• مع بقاء نسبة الـ10%، ستظل التركيبة الحالية في المشهد الانتخابي على ما هي عليه حتى على فرض انخفاض نسبة التأييد لحزب العدالة والتنمية على اعتبار أن عددًا من عناصر حزمة الإصلاح لا تحظى بشعبية كبيرة "لاسيما موضوع الأقليات"؛ مما قد يدفع العناصر ذات الميول القومية داخل حزب العدالة والتنمية إلى التصويت لحزب الحركة القومية أو للحزب الجمهوري. أضف إلى ذلك إعطاء أحزاب المعارضة مادة للهجوم على حزب العدالة والتنمية، ومع ذلك سيبقى حزب العدالة والتنمية متصدرًا وبفارق كبير عن باقي الأحزاب.

• أما إذا انخفضت هذه النسبة إلى 5%؛ وهو أمر جيد للعمية الديمقراطية ولتنشيط التنافس الانتخابي ومساعدة الأحزاب الصغرى على الدخول إلى البرلمان؛ فإن التوقعات تشير إلى أن الحزب القومي التركي (حزب الحركة القومية) سيكون أبرز الخاسرين من هذه الإصلاحات، في مقابل انخفاض بسيط في عدد مقاعد الحزب الجمهوري وكذلك حزب السلام والديمقراطية الكردي وارتفاع في عدد مقاعد حزب العدالة والتنمية.

• أما بالنسبة إلى خيار إلغاء النسبة كليًا؛ فإنه من غير المعروف ما إذا كان سيتم الاعتماد على نظام الجولة الواحدة أو الجولتين وهو أمر من الضروري تحديده لتشكيل آلية توقع للنتائج خاصة أنه سيترك أثره على طبيعة التحالفات الحزبية الممكنة آنذاك فيما لو تم اعتماده. لكن، وبشكل عام، فإن حزب الحركة القومية سيتعرض لخسارة جسيمة إذا ما تم اعتماده خاصة مع نظام المرشح صاحب أكثرية الأصوات.

 

 

حزب العدالة والتنمية

حزب الشعب الجمهوري

حزب الحركة القومية

مستقلون (حزب السلام والديمقراطية كردي)

النسبة من أصوات الناخبين عام 2011

~ 50%

~ 26%

~ 13%

~ 6.5%

نتائج انتخابات 2011 (مقاعد)

327

135

53

35

مع افتراض نيل النسب التالية من أصوات الناخبين في الانتخابات القادمة

45%

26%

13%

6%

النتائج المتوقعة مع بقاء شرط الـ 10%

308

147

60

35

النتائج المتوقعة مع الإصلاحات لنسبة 5%

337

141

40

32

 

 

 

 

 

 

 

من الملاحظات التي يمكن تسجيلها على هذه القراءة:

1) أن المعارضة السياسية المتمثلة بالحزب الجمهوري وحزب الحركة القومية قد لا يروقها إجراء هذه الإصلاحات الانتخابية الواردة في الحزمة الديمقراطية نظرًا للخسائر التي قد يتعرضون لها جرّاء اعتمادها، وهي من المفارقات التي ستجعلهم في موقف صعب وحرج على اعتبار أنهم سيظهرون بمظهر المعرقل لإصلاحات ديمقراطية. كما أن اعتمادها سيؤثر بشكل كبير في تغيير طبيعة العملية الانتخابية وموقع الأحزاب ودورها في العملية السياسية على المدى المتوسط والبعيد.

2) في المقابل، لاشك أن حزب السلام والديمقراطية الكردي بالإضافة إلى الأحزاب الصغرى سيكونون في عداد المستفيدين من هذه الإصلاحات ومن المكاسب المتأتية عنها حال إقرارها؛ فتوسيع نطاق المساعدات المالية المقدمة من الدولة للأحزاب السياسية من خلال خفض الحد الأدنى المتوجب عليهم الحصول عليه من 7% من أصوات الناخبين إلى 3%، سيفيد الأحزاب الأضعف ماليًا، كما أنه يعد ترسيخًا لاعتراف الدولة بحزب سياسي كردي.
أما تخفيض نسبة العتبة الانتخابية من 10% إلى 5% على سبيل المثال، فسيؤدي حال إقراره إلى إزالة مشكلة ترشح أعضاء حزب السلام والديمقراطية الكردي كمستقلين، وسيكون بإمكانهم حينها الترشح باسم الحزب متجاوزين عقبة الـ10% التي كانت تمنعهم من الترشح على أساس حزبي نظرًا لأنهم كانوا يحصلون على قرابة 6 إلى 7% دومًا. كما أن السماح باستخدام لغات ولهجات متعددة سيعد مكسبًا بالنسبة إليهم.

3) وفيما يتعلق بإفساح المجال أمام تطبيق مبدأ الرئيس المناوب في الأحزاب السياسية، فيبدو أن هذه الخطوة أُدخلت لصالح حزب العدالة والتنمية حيث سيستقيل أردوغان من منصبه ليترشح للرئاسة على الأغلب عند قدوم الاستحقاق الرئاسي؛ وهو ما يعني أن رئاسة الحزب ستصبح شاغرة أيضًا حيث من المتوقع ضمن عدد من السيناريوهات المتداولة في الأوساط السياسية في تركيا أن يصبح عبدالله جول رئيسًا لحزب العدالة والتنمية، وبسبب اختلاف شخصية غول عن أردوغان، قد تتم موازنة سياساته بشخصية أخرى أكثر قربًا لتوجهات أردوغان.

الحزمة ومستقبل عملية السلام مع حزب العمال الكردستاني
يعتبر الأكراد من أبرز المستفيدين من هذه الحزمة على مختلف المستويات سواء المتعلقة بالنظام الانتخابي والعملية السياسية أو على مستوى الحريات والحقوق؛ وهو ما جعل كثيرين يقولون: إن الحزمة إنما جاءت أساسًا على مقاس الأكراد وضمن سياق الجهود الحاصلة لإنهاء الصراع بين الدولة وحزب العمال الكردستاني، حتى إن المعارضة اتهمت حزب العدالة والتنمية بأنه وضع 24 مادة من أصل 28 في حزمة الإصلاحات الديمقراطية بناءً على طلب من المنظمة الإرهابية "حزب العمال الكردستاني"(14).

في المقابل، اعتبرت الحكومة في إطار ردها على اتهامات المعارضة أن تطوير المسار الديمقراطي والإصلاح السياسي سابق على إطلاق عملية السلام مع حزب العمال الكردستاني من جهة، وفي سياق تفنيدها لهذه الاتهامات، قالت: إن المواد المقترحة في حزمة الإصلاحات الديمقراطية إنما استندت إلى عدة مصادر أساسية، من بينها: برنامج حزب العدالة والتنمية والوعود الإصلاحية التي قطعها سابقًا. الرؤية التي وضعها الحزب في المؤتمر العام الماضي تحت عنوان "تركيا 2023". تقرير لجنة الحكماء المكلفة بالبحث في تقديم اقتراحات لعملية السلام الجارية مع حزب العمال الكردستاني، وتقرير مسيرة التقدم لعضوية الاتحاد الأوروبي، وتقرير ورشة عمل الغجر(15).

ومن أبرز المكاسب الجديدة المحققة للأقليات (الأكراد على رأسهم) إلغاء القَسَم أو النشيد في المدارس، وهو مؤشر على إلغاء التمييز بين القوميات مقابل التركيز على المواطنة، والتي تم تعزيزها برفع عقوبة الكراهية والتمييز. كما أن السماح بإدخال أحرف مفتاحية جديدة تم حظرها سابقًا لكونها من الأحرف الأساسية في اللغة الكردية يعد مكسبًا إضافيًا إلى جانب إمكانية استعادة القرى لأسمائها القديمة قبل عام 1980.

ويعتبر السماح باستخدام اللغات غير التركية في التعليم خطوة كبيرة في صالح الأكراد حيث سيكون بالإمكان التعلم باللغات المختلفة عن اللغة التركية وبمناهج رسمية متكاملة، لكن حصر هذه الخطوة بالمدارس الخاصة عليه بعض الملاحظات التي تشير إلى أن ذلك قد يصعّب عملية الالتحاق بهذه المدارس سيما أن تكاليفها مرتفعة مقارنة بالحكومية ناهيك عن واقع منطقة شرق تركيا الأقل تنمية ودخلاً مقارنة بالمناطق الأخرى في البلاد(16).

لكن كيف يمكن التوفيق بين تحقيق هذه المكتسبات الواردة في حزمة الإصلاحات الديمقراطية والانتقادات الصادرة عن حزب السلام والديمقراطية الكردي وحزب العمال الكردستاني؟ الاستنتاج الذي يمكن الخروج به هو أن هذه الانتقادات إنما تهدف إلى رفع سقف المكاسب والمطالب التي تم تحقيقها حتى الآن. ولأن عملية السلام الجارية هي عملية سياسية ويتم تنفيذها على مراحل كما تم الاتفاق عليه سابقًا(17)؛ فإن كل طرف يحتفظ على ما يبدو بأوراق كافية للاستمرار على هذا المسار.

بالنسبة إلى الحكومة، فإن المسار الديمقراطي في البلاد يتخذ منحى تدريجيًا وليس دفعة واحدة، وعليه من الطبيعي ألا يتم تلبية مطالب كل الأطراف دفعة واحدة، وإنما يتم ذلك بالتوازي مع نضج الظروف التي تتطلبها عملية تطبيق الإصلاحات كي لا تبقى مجرد قرارات غير فاعلة. وهناك تأكيد على أن المسار الديمقراطي سيبقى قائمًا بغض النظر عن المعطيات الأخرى، وعلى هذا الأساس فإن هذه الحزمة من الإصلاحات إنما جاءت بالدرجة الأولى لتقوية هذا المسار الديمقراطي القائم منذ 11 عامًا(18).

لكن ذلك لا يلغي في المقابل، المعطى السياسي للحزمة الذي يأتي في توقيت يتقاطع مع التحضير للانتخابات كما سبق ذكره وكذلك جهود عملية السلام مع حزب العمال الكردستاني. وبالنسبة إلى الموضوع الأخير، تعتبر الحكومة أن حزب العمال الكردستاني لم ينفذ الجانب المتعلق به من الاتفاق، فلم يسحب مقاتليه بشكل كامل كما لم يسلم أسلحته(19)، وأعلن فضلاً عن هذا تعليق انسحاب عناصره بشكل رسمي مع تمسكه بوقف إطلاق النار فيما بدا أنه محاولة للمساومة، ومن الواقعية السياسية أن لا تطرح الحكومة الآن كل أوراقها دفعة واحدة(20) قبل تنفيذ حزب العمال التزامه(21).

هذه المعادلة تعني أن الطرفين يحاولان تحقيق المزيد من المكاسب في طريق طويل نحو التنفيذ النهائي للاتفاق يتخلله اختبارات ثقة متبادلة في المحطات المفصلية سيما وأن دائرة المتضررين من هذا الاتفاق سواء على المستوى السياسي التركي (أحزاب المعارضة) أو على مستوى الأجنحة المختلفة داخل حزب العمال الكردستاني لا تزال قوية مما قد يصعّب هذه المسيرة.

خلاصة
 
رغم الإقرار بأن حزمة الإصلاحات الديمقراطية التي تم تقديمها ليست نهاية الطريق، وأن هناك حاجة لإدخال المزيد من الإصلاحات للدفع بالديمقراطية قدمًا في البلاد؛ فإن طرحها يعتبر خطوة متقدمة من قبل الحكومة التركية لاسيما في توقيت يعكس قتامة المشهد الإقليمي والدولي إزاء عمليات الإصلاح وتعزيز الديمقراطية في المنطقة. وأن أخذ الحكومة زمام المبادرة بتقديم هذه الإصلاحات قرار شجاع ويزيد من رصيدها المعنوي ويعزز من حقيقة أنه، وبغض النظر عن الانتقادات التي تعرض لها حزب العدالة والتنمية فإنه يبقى الجهة الوحيدة في تركيا التي تعتبر القوة الدافعة باتجاه تعزيز الديمقراطية في البلاد منذ العام 2002.

من جهة أخرى، فإن حقيقة أن المعارضة تنتقد هذه الإصلاحات الديمقراطية لا لتطرح بديلاً أفضل عنها وإنما لتعرقل تطبيقها سيجعلها في موقع صعب مستقبلاً كما أنها قد تقلص من فعالية دورها في النظام الديمقراطي التركي مستقبلاً لصالح لاعبين آخرين على المستوى المتوسط والبعيد.

أما فيما يتعلق بمبادرة السلام مع حزب العمال الكردستاني، فعلى الرغم من اتهامات كل من الحكومة والحزب لبعضهما البعض بعدم تنفيذ الاتفاق؛ فإن العملية تبدو مستمرة في سياقها وفق ما تبرهنه هذه الحزمة من الإصلاحات، دون أن ينفي ذلك حقيقة وجود تحديات ضخمة سيكون على الطرفين مواجهتها لاحقًا.
___________________________________
* علي حسين باكير، باحث في منظمة البحوث الاستراتيجية الدولية (USAK) – أنقرة
 
 
المصادر والمراجع
1-  انظر نص خطاب أردوغان.
Ba?bakan Erdo?an’?n Demokratikle?me Paketi bas?n aç?klamas?n?n tam metni, AKP, DEMOKRAT?KLE?ME PAKET? BASIN TOPLANTISI, 30-9-2013.
2- انظر:
President calls for participatory democracy, hints at return to politics, Haberler, 1-10-2013: 
3- انظر:
Free press, judiciary would strengthen Turkish democracy: President Gül, Hurriyet Daily News, 6-10-2013:
4-انظر:
‘Historic’ package not ordered by jailed PKK leader, genuine AKP project: Turkish PM, Hurriyet daily news, 28-9-2013.
5- انظر:
- Government's reform packages hit by opposition criticism, Today's Zaman, 30-9-2013:
- Opposition Leaders Harshly Criticize Democratization Package, Haberler, 1-10-2013.
- Democracy package a betrayal of Turkey’s unity, nationalist party leader says, Hurriyet daily news, 30-9-2013.
6-  انظر:
Tulin Daloglu, Turkish Opposition Party Criticizes Kurdish Initiative, al-monitor, 29-1-2013.

 ‘Demokrasi alg?s? ne yaz?k ki bu’, VATAN, 30-9-2013.

 http://haber.gazetevatan.com/Haber/573000/1/Gundem

 Rasim Ozan Kütahyal? , Alevilere dair yeni aç?l?mlar ve Suriye, Al-monitor, 15-9-2013.
 -K??anak: Bu paket sorun çözemez, haber sol, 30-9-2013:
- BDP'den ilk tepki geldi (Demokratikle?me Paketi), Bugun, 30-9-2013.
10 انظر:
Kurdish militants say Turkey's rights reforms not aimed at peace, Reuters, 1-10-2013.
11- انظر:
Civil Society pleased but not satisfied with partial headscarf freedom, Today's Zaman, 1-1-2013.
12- انظر:
Deputy PM: Majority of People welcome democratization package, Today's Zaman, 30-9-2013:
13-  انظر خلاصة الدراسة في الرابط الأول وفق الخيارات الثلاثة، أما الرابط الثاني فهو للدراسة في الإصلاح الانتخابي ما قبل الخيارات
- SEYFETT?N GÜRSEL, Seçim sisteminde reform, Radical, 1-10-2013.
- TÜRK?YE ?Ç?N YEN? SEÇ?M S?STEM? ÖNER?S? Temsil, Me?ruiyet ve Koalisyon sorunlar? ?????nda alternatif seçim sistemlerinin analizi, Bahçe?ehir Üniversitesi Ekonomik ve toplumsal Ara?t?rmalar Merkezi, Ocak 2013.
14- انظر:
28 maddenin 24’ü Akiller’in,  Aksam, 3-10-2013.
15- انظر:
Ibid.
16- ذكرت صحيفة مليت أن جماعة فتح الله جولن ستكون أول من سيساهم في تحقيق هذه الخطوة في شرق تركيا عبر جامعة ومدارس متكاملة للتعليم باللغة الكردية.
17- لتذكير القارئ، فإنه ووفقًا لمسودة خطة مبادرة السلام التي تم التوصل اليها في 21 مارس/آذار 2013، فإن العملية تتضمن ثلاث مراحل أساسية، هي: إعلان وقف العمليات القتالية، إلقاء مقاتلي حزب العمال الكرستاني للسلاح وانسحاب عناصره إلى خارج تركيا، قيام الحكومة التركية بإدخال حزمة قوانين تتضمن تعزيز الحقوق الأساسية للأكراد وتغييرات جذرية في طريقة التعامل معهم.  
18-  انظر قبل وبعد الإعلان:
- Democratization push will go forward 'even if PKK returns to arms,' AKP spokesperson says, Hurriyet Daily News, 24-9-2013.
- PM introduces landmark reforms, but admits more needs to be done, Today's Zaman, 1-10-2013.
19-  قال أردوغان في شهر أغسطس/آب: إن حزب العمال الكردستاني لم يسحب سوى 20% من المتمردين وأغلبهم من النساء والأطفال.
20-  انظر المطالب التي لم ترد في الحزمة وما زال بإمكان الحكومة المساومة عليها لاحقًا من أجل الضغط على حزب العمال لتنفيذ الاتفاق:
DERYA LAWRENCE , The curtain finally rises: PM Erdo?an announces the long awaited ‘Democracy Package, Open Democracy, 3-10-2013.
21-  انظر:
Orhan Kemal Cengiz, Demokratikle?me paketi Kürtlere ve Gayrimüslimlere ne getiriyor?, Al-monitor, 30-9-2013.

نبذة عن الكاتب