بلوشستان.. صراع متصاعد فيها وعليها

تؤكد هذه الورقة أن الصراع يتصاعد اليوم في بلوشستان وعليها، ويتمثل بميناء غوادر الذي يتوقع أن ينافس موانئ إقليمية كبرى، وسيوفر طرقًا سهلة لنقل الغاز الطبيعي من آسيا الوسطى إلى خارجها. كما تبحث عددًا من مشكلات المنطقة المتجددة منذ انضمامها القسري إلى باكستان عام 1947.
20142176719486734_20.jpg
(الجزيرة)

ملخص
تبحث هذه الورقة في مشكلات بلوشستان، التي وُلدت منذ انضمامها القسري إلى باكستان عام 1947. وترى أن البلوش الذين يعيشون على مساحة جغرافية تتوزع على باكستان وإيران وأفغانستان وقعوا ضحية الموقع الاستراتيجي.

وترصد الورقة مشكلات المجتمع البلوشي المحكوم من قبل "سردارات" هم رؤساء قبائل، في نظام متبع منذ الإمبراطورية المغولية، ورسخه الاحتلال البريطاني. وترصد الورقة النزعة الانفصالية التي تصاعدت عند البلوش، بين جماعات مسلحة تقاتل وأحزاب سياسية وقادة مقيمين بالخارج يرون أن إقليمهم الذي يختزن معظم ثروات باكستان يعاني من الإهمال والتهميش، فضلاً عن عمليات الخطف والاختفاء القسري والمقابر الجماعية.

وتؤكد الورقة أن الصراع يتصاعد اليوم في بلوشستان وعليها، ويتمثل الصراع بميناء غوادر الذي يتوقع أن ينافس موانئ إقليمية كبرى، وسيوفر طرقًا سهلة لنقل الغاز الطبيعي من آسيا الوسطى إلى خارجها. وهناك صراع أميركي-صيني على هذا الميناء الذي تبنيه شركات صينية كون الميناء سيوفر وجودًا صينيًا قويًا على بحر العرب الذي يحوي 80% من مصادر طاقة العالم. وتقدم الهند العدو التقليدي والتاريخي لباكستان الدعم للمتمردين البلوش ومعها أيضًا دول إقليمية ودولية. وتختم الورقة بمجموعة من التوصيات لجميع الأطراف الفاعلة في القضية.

حمل الانضمام القسري لبلوشستان إلى باكستان في 1948 بذور صراع داخلي ودولي لا يزال قائمًا إلى اليوم، بدءًا من الخلفية العِرقية القبلية المتجذرة في الإقليم وانتهاءً بصراع دولي منذ القياصرة والبريطانيين ليضاف إليه صراع إقليمي ودولي على "جوهرة التاج الباكستاني"، ولم تُفلح كل عمليات التحديث في تغيير أنماط الحكم في بلوشستان؛ إذ ظلت القبيلة متحكمة.

وتتوافر أسباب ومسببات الصراع في منطقة تزخر بالغاز الطبيعي وتُشاطِئ بحر العرب بمسافة تصل إلى 470 ميلاً، وتقع بمحاذاة دولتين مهمتين استراتيجيًا، هما: أفغانستان وإيران، إضافة إلى امتدادات عرقية بلوشية في الأخيرة، وميناء جوادر المرشح لسرقة الأهمية من موانئ إقليمية كبندر عباس وتشار بهار وعُمان ودبي.

ويوجد في بلوشستان، بحسب متابعين، 17 قبيلة كبيرة لكل واحد منها رئيسها الذي يُسمى بالسردار، وهناك 400 قبيلة صغيرة يديرها سردار صغير، وعلى رأس هذه القبائل الكبيرة "ماري وبوجتي وزاند ورايساي ودومبكي وكسي ولانجو". ونجح البريطانيون خلال حكم المنطقة بتخصيص مجلس ملكي "شاهي جركا" يضم سردارات القبائل تسهيلًا لحكمهم مستفيدين من نظام وضع أسسه المغول.

وعلى المستوى الداخلي تتصاعد حالة من الغضب جرّاء اختفاء آلاف الشباب البلوشي وعجز القضاء الباكستاني عن الكشف عن مصيرهم. وإضافة إلى الإهمال والتهميش وانتهاكات حقوق الإنسان، تبرز تحديات كبيرة تتمثل في: الصراع الطائفي والفساد والتمرد والعمليات العسكرية المتواصلة في الإقليم.

خلفية تاريخية

ظلت منطقة بلوشستان حتى القرن الماضي منطقة تفتقر للأهمية التاريخية والاستراتيجية، وشكّلت على امتداد التاريخ ملاذًا للخارجين عن القانون الفارّين خارج إمبراطوريات المنطقة. ويعد البلوش جُددًا عليها، ويُرجعهم بعض المؤرخين إلى أصول عربية؛ وهو ما يذهب إليه المؤرخ البريطاني المتخصص بالتاريخ البلوشي مارتين أكسمان: "أعتقد أن أفضل طريقة لفهم بلوشستان يكون باعتبارها منطقة لا يملكها أحد، فلم يهتم أحد ببلوشستان كونها جبلية وصحراوية وبلا أهمية تاريخية محددة؛ لهذا السبب فإن بلوشستان عادة ما كانت منطقة لجوء لأشخاص لم يتم استيعابهم في الإمبراطوريتين الهندية أو الإيرانية. هؤلاء الأشخاص انتقلوا إلى بلوشستان واتخذوا منها ملجأ وبنوا فيها لأنفسهم مستقرًا، وبحسب الفكر البلوشي فإن البلوش يعتبرون أنفسهم مجموعات بشرية لها أصل عربي.(1)

وكان أعضاء مجلسي النواب والأعيان قد اتخذوا قرارًا بالاستقلال، فيما فضّل زعيمها خان قلات فتح محادثات مع باكستان والانضمام إليها لاحقًا إلا أن القوة استُخدمت لانتزاع التوقيع.(2) وهو ما يذهب إليه المتمرد البلوشي هريبار ماري المقيم في المنفى بلندن: "تم احتلال بلوشستان بالقوة العسكرية من جانب باكستان؛ فهي لم تكن أبدًا جزءًا من باكستان عام 1948 بل دخلها الجيش الباكستاني بالقوة وأجبر خان قلات الذي كان يمثل الزعامة في بلوشستان على التوقيع على معاهدة الانضمام ولهذا السبب تجد أننا كلنا حتى الآن لا نعترف بكون بلوشستان جزءًا من باكستان بل نعتقد أنها أرض محتلة".(3)

وما دام الانضمام أو الإلحاق حصل قسرًا بحسب البلوش، فقد كان سببًا في خلق التوتر على مدى العقود الماضية.

وبعد ستة أعوام فقط على اكتشاف الغاز في الإقليم في عام 1958 ظهر توتر حقيقي باعتقال باكستان لأمير قلات؛ فأطلق نوروز خان تمرده العسكري الذي استمر لعامين كان وقوده مئات القتلى والجرحى في صفوف الطرفين، لكن وعلى الرغم من القضاء عسكريًا عليه ظل جمره تحت الرماد ليظهر مجددًا بشكل أعنف في عامي 1962-63 لتسارع السلطات الباكستانية لمعالجته بالطريقة نفسها فيبقى الجمر تحت الرماد ليبرز ثالثة عام 1973 ويتواصل حتى 1977، واللافت أن ظهوره جاء مع وصول محمد داود إلى السلطة في أفغانستان عبر انقلاب بمساندة الشيوعيين، واستخدم السوفييت أفغانستان للتدخل في الشأنين: البلوشي والبشتوني لانتزاع تنازلات من باكستان حليفة واشنطن في حلفي السيتو والسينتو، لكن "ذو الفقار علي بوتو" رد الحجر إلى جحره حين استقبل عام 1974 قادة الجهاد الأفغاني برهان الدين رباني وقلب الدين حكمتيار، ووقع البلوش ضحية قتال الحكومتين الباكستانية والأفغانية.

جاء الانقلاب العسكري بزعامة ضياء الحق عام 1977 ليعقد مصالحة تاريخية -لكن ثبت أنها مؤقتة- بين المركز والبلوش فأطلق سراح السياسيين ومنحهم المناصب، وظل المتمردون البلوش في أفغانستان إلى أن سقطت كابول بأيدي طالبان 1997، فعاد كثير منهم مع عائلاتهم إلى بلوشستان.

خلال فترة حكم الرئيس الأسبق برفيز مشرف عاد التمرد من جديد بسيطرة العسكر على 400 هكتار من الأرض في منطقة "سوي" البلوشية لإقامة ثكنات عسكرية يخشى البلوش أن تُستخدم لاحقًا لقتالهم، بالإضافة إلى مخاوفهم من أن يُغير ذلك في التركيبة الديمغرافية لصالح عِرقيات أخرى غير بلوشية، كما حصل بعد زلزال 1935 والذي راح ضحيته 60 ألف قتيل بزرع أقليات أخرى لإحداث تغيير في التركيبة السكانية.

ديناميات الصراع الداخلي

لا يُخفي البلوش امتعاضهم من التهميش الذي يعيشونه كشعب وكإقليم، ضاعف ذلك ضخامة الإقليم جغرافيًا والذي يشكّل 43% من مساحة باكستان وسكانه الذين لا يتعدون أربعة ملايين نسمة من سكان باكستان البالغ عددهم 200 مليون نسمة. وحين نتحدث عن ديناميات الصراع الداخلي لابد من الحديث عن لاعبين مهمين فيه، وهما: الجماعات السياسية القومية، والجماعات المسلحة، وكلتاهما تحت مظلة القبيلة.

جاء فشل القرار الصادر عن البرلمان الباكستاني في عام 1976 بإلغاء نظام السردار المتحكم بالنسيج البلوشي، ليعزز فشل أي نظام حديث لحكمهم، وفشلت العقوبة بالسجن ثلاث سنوات لمن يمارس صلاحياته كسردار في القضاء عليه، بخلاف الهند التي ألغت نظام المهراجا المرادف للسردار والبالغ عددهم 565 عشية الاستقلال.

وفي الحديث عن التمرد العسكري البلوشي تبرز قوتان أساسيتان، وهما: جيش تحرير بلوشستان الذي عادة ما يتبنى العمليات، ويطالب قادته بالآتي: "الحصول على استقلال بلوشستان، والتخلص من سيطرة البنجابيين، وتحقيق حياة سعيدة لعرقية البلوش تعتمد على الأمن والإنصاف والمساواة".(4)

أما الطرف العسكري الثاني والمهم هو الجبهة المتحدة لتحرير بلوشستان والتي برزت بقوة من خلال خطفها للأميركي جون سوليتك العامل في المفوضية السامية لللاجئين التابعة للأمم المتحدة في عام 2011، وتتحدث باكستان عن حصول المتمردين على دعم من دول عديدة كأفغانستان والهند وروسيا وأحيانًا إيران، لكن لم تقدم أدلة واضحة وتستشهد بكثرة القنصليات الهندية غير المبررة على حدودها والتقاطها رسائل لاسلكي تؤكد هذا التدخل.

ومع الزلزال الذي ضرب مناطق بلوشية أواخر العام الماضي كشف عمال إغاثة باكستانيون حجبوا هوياتهم أن الزلزال مكّن الجيش بذريعة إغاثة المتضررين من الوصول إلى مناطق عسكرية مهمة للمتمردين ما كان له أن يصلها.

وتشدد ورقة للباحث البلوشي شيرباز كيتران في معهد الدراسات الاستراتيجية بإسلام أباد على أن قائد قوات الحدود في بلوشستان الجنرال إعجاز أكد في شهادته أمام الكونغرس الباكستاني وجود دعم خارجي: "إن قواتنا ألقت القبض على أكثر من 16 ألف أجنبي مشتبه بهم في التورط بأعمال تخريبية ببلوشستان خلال السنوات الثلاث الماضية، ومن بينهم أفغان وإيرانيون وطاجيك وأتراك وبنغال وألمان، ويضيف في شهادته: إن عددًا من الدول متهم بالتورط في إثارة المشاكل ببلوشستان، وهي: الهند وإيران وأفغانستان وروسيا وأميركا.(5)

ولجأ معظم القيادات السياسية التاريخية للبلوش إلى المنفى الاختياري بالخارج، وبالتالي فهي غائبة أو مغيبة عن اتخاذ القرارات المهمة التي تعني البلوش؛ فقبيلة نواب أكبر بوجتي لا تزال تلعق جراحها وتلاحق مشرف لقتله زعيم القبيلة، ويقدر مسلحوها بعشرة آلاف مقاتل، بينما قبيلة "نواب بخش ماري" الذي درس الهندسة بروسيا وحظي بدعم روسي وأفغاني خلال الحكم الشيوعي فيُقدر عدد مسلحيه باثني عشر ألف مسلح، ويتمركز في كهولو، ويتردد الحديث عن إدارته لثلاثين مركز تدريب على حرب العصابات.

أما الأحزاب السياسية البلوشية، وعلى الرغم من وصول أحد قادتها عبد الملك بلوج إلى منصب كبير وزراء الإقليم في حكومة نواز شريف إلا أنها لا تزال متشككة في الحكومة المركزية، ويعود جوهر هذه الشكوك إلى حزمة من الأسباب:

  1. مخاوف البلوش من سياسة المركز، وتحديدًا الأغلبية البنجابية التي تشكّل 65% من باكستان، بتغيير الديمغرافيا البلوشية، عبر إقامة الثكنات العسكرية والمشاريع الضخمة لجذب عرقيات أخرى، وإقامة هذه الثكنات كان بمثابة وقود استغله جيش تحرير بلوشستان لتصعيد عملياته العسكرية التي وصل عددها عام 2004 في كويتا وحدها أكثر من ثلاثين انفجارًا بغية الحصول على الاستقلال من هيمنة الأغلبية البنجابية.(6)
  2. الإهمال والتهميش الذي يعانيه الإقليم وافتقاره إلى الغاز الطبيعي مع أنه خزان باكستان الغازي، بالإضافة إلى الموازنات القليلة الممنوحة لتنميته وهو الذي يشكّل 43% من مساحة باكستان بينما الموازنة في باكستان تأتي حسب النسبة السكانية، لكن تعيين شخصية بلوشية معروفة ككبير لوزراء الإقليم من قبل المركز ثم تخصيص شريف لـ 18 مليار روبية أي: ما يعادل 175 مليون دولار لتنميته قد يخفّف من الاحتقان.(7)
  3. حصص البلوش في مؤسسات الدولة ضئيلة جدًا، وأساسها ضعف المشاريع التنموية والتعليمية، وإن كانت الحكومة ترد على ذلك بالقول: إن نظام السردار هو من يحول دون التنمية لكن البلوش يشددون على أن معظم المشاريع التنموية تمت خلال حكم السردارات.(8)
  4. حالات الاعتقال والاختفاء القسري ويقدرها بعض زعماء البلوش ونشطاء حقوقيون بلوش خلال لقاءات خاصة معهم بثمانية عشر ألف شخص، ولا يُستبعد أن يكون قد تم تصفية بعضهم.(9)

وتشكّل المنظمة البلوشية الطلابية، التي تراوح عدد أعضائها بين 6-10 آلاف طالب وطالبة خلال الثمانينيات، الأرضية الاجتماعية والتجنيدية الداعمة للمتمردين البلوش إما عسكريًا أو اجتماعيًا."(10)    

تطويق باكستان

ثمة شعور باكستاني بأن الهند لم تعترف عمليًا باستقلالها؛ ولذا فهي تجهد لزعزعتها، وهو ما تقوله الهند أيضًا بحق باكستان لدعمها للجماعات المسلحة في كشمير، ولعل من حسن حظ الهند أن تتقاطع مصالح دول كبرى وإقليمية الآن ضد باكستان، إن كان بشكل علني أو مستتر، فباكستان ترى تنسيقًا هنديًا-روسيًا-أفغانيًا وحتى إيرانيًا، كما سبق وأن أشار إلى ذلك قائد قوات الحدود الباكستاني في بلوشستان.

وترى الهند أن حصار باكستان في بلوشستان سيساومها على دعمها الجماعات المسلحة الكشميرية، بالإضافة إلى إضعافها اقتصاديًا إن كان بتحولها إلى ممر لأنابيب الغاز الإيراني أو التركماني أو معبرًا للتجارة من وإلى آسيا الوسطى، وكذلك بوابة لميناء غوادر.

وتزداد وتيرة الشعور الباكستاني بالنوايا الهندية هذه مع تراجع نفوذها في أفغانستان وتجلياته بمن يحكم كابل، ولا يخفى قرب حكام كابل الآن من المحور الهندي-الإيراني-الروسي.

أما الهند فتعتقد أنها بحضورها في بلوشستان وإثارة الاضطرابات فيها ستحاصر المصالح الصينية المتجهة إلى الاستثمار وبقوة في ميناء غوادر والذي يشكّل ميناءً بديلاً عن كراتشي في حال نشوب أية حرب بين العدوين النوويين.

ولم يغب التحليل السابق عن وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل خلال محاضرته بجامعة كاميرون بأوكلاهوما عام2011: "الهند تستخدم أفغانستان كجبهة ثانية ضد باكستان، وخلال السنوات الماضية دعمت المشاكل في باكستان وتستطيع القيام بذلك في أكثر من اتجاه".(13)

واتهم جام يوسف رئيس وزراء إقليم بلوشستان الأسبق الهند مباشرة: "المخابرات الهندية تدير أكثر من أربعين مركز تدريب على طول الحدود مع الإقليم، والهند تستخدم المعارضين لباكستان منذ أيام الانفصال؛ فهي تريد إبقاء الضغط على باكستان من أجل استغلال بلوشستان مقابل التخلي عن كشمير".(14)

وقد عزز الاعتقاد الباكستاني هذا برقية نشرتها ويكيليكس تؤكد اعتراف دبلوماسيين هنود بأن تدخلهم في بلوشستان يأتي ردًا على التدخل الباكستاني في كشمير، وأن الدعم الهندي يأتي بصورة أسلحة روسية وصينية وعادة ما تتم اللقاءات في دبي.(15)

وبحسب السفير الباكستاني في واشنطن جليل عباس "فإن نواز شريف ناقش مع نظيره الهندي خلال لقائهما في نيويورك الأدلة والشواهد الباكستانية على التدخل الهندي في بلوشستان".(16)

أثارت مناقشة حق تقرير مصير البلوش في الكونغرس الأميركي ودعوات بعض أعضاء مجلس الشيوخ إلى حقهم بالانفصال رغم نفي السلطات الأميركية علاقتها، مخاوف إسلام أباد.(17) ولعل هذا ما يفسر رفض باكستان الدعوات الأميركية لفتح قنصليتها في بلوشستان خشية أن تكون محطة لدعم التيار الانفصالي البلوشي.

وقفزت الصين إلى فم بحر العرب؛ حيث أكثر من ثمانين بالمائة من مصادر الطاقة العالمية؛ وهو ما أقلق واشنطن مع تنامي توقعات بنضوب الثروة النفطية العربية خلال الأربعين عامًا المقبلة ليدفع واشنطن للاعتماد على ثروات آسيا الوسطى وأفغانستان وإيران وهو ما يستلزم إبعاد الصين عنها.(18)

حرب الموانئ الخفية

تعيش المنطقة منذ سنوات على وقع حرب موانئ خفية، فمنذ أن منحت باكستان الصين حق إقامة ميناء غوادر "بوابة الهواء" أو "عين الخليج" على بحر العرب؛ فإن إيران والهند تسعيان إلى بناء ميناء "تشار بهار" الإيراني ليكون البوابة البحرية لآسيا الوسطى -الجائزة الكبرى لدول المنطقة وللعالم أيضًا- استيرادًا وتصديرًا، ولكن الميناء بحسب خبراء يعاني من نقصين يتمثلان في المسافة البعيدة عن آسيا الوسطى، ومياهه السطحية الحائلة دون رسو بوارج ضخمة بخلاف ميناء غوادر الذي يتمتع بقرب المسافة إلى آسيا الوسطى ومياهه العميقة.

هذه المواصفات أشعلت سباق التنافس في المنطقة حيث يُعتقد أن تشغيل ميناء غوادر سيسرق الأضواء من موانئ المنطقة في دبي وعُمان وغيرهما، وقد أشار إلى ذلك بنك التنمية الأسيوي الذي أكّد على أن القدرة الاستيعابية للميناء ستتجاوز اثنتي عشرة دولة، كما سيلعب دورًا في تعزيز الحضور الصيني بالمنطقة ويدفع بالحضور الأميركي إلى التراجع أكثر.

ويمثل ميناء غوادر بالمنظار الأميركي "مركز استراتيجية لسلسلة جواهر الموانئ البحرية الصينية والتي ستتيح لها الفرصة للسيطرة على تجارة المحيط الهندي، وستمهد لها الأرضية من أجل تأمين خطوط الإمداد من عمليات القرصنة والتنافس العالمي".(19)

لكن ربما تسرّعت باكستان بمنح الصين حق بناء ميناء غوادر ولو منحته لمجموعة شركات لكان أفضل لها.

الصراع على الطاقة

عزز العطش العالمي للطاقة من موقع باكستان الجغرافي المهم لقربها من آسيا الوسطى المقفلة عن العالم بحريًا، وقربها أيضًا من المناطق الصينية الغربية الفقيرة والمهملة والتي تتطلع الصين إلى تنميتها، وموقعها كهمزة وصل لتصدير الغاز من آسيا الوسطى أو إيران أو قطر باتجاه الهند والشرق الأقصى، يُضاف إليه قدرتها على تعزيز أو تقليص الهيمنة الأميركية في المنطقة؛ فباكستان هي من أخّرت أنابيب الغاز الإيراني باتجاه الهند والشرق الأقصى، وهي أحد الأسباب في وقف استثمار الغاز والنفط في أفغانستان من قبل شركات عالمية.

وعلى الصعيد الباكستاني فإن مشروع أنابيب الغاز القادم سيخفف من أزمة الطاقة التي تعاني منها باكستان وشلّت حياتها العامة الاقتصادية والزراعية تحديدًا، كما أنه سيوفر فرص عمل ضخمة للباكستانيين، بالإضافة إلى احتياطي من العملة الصعبة مقابل حق عبور هذه الأنابيب سنويًا يصل إلى المليار دولار.(20)

وقررت الصين التوجه شرقًا إلى باكستان بهدف تنمية مناطقها الغربية المهملة، وكذلك حسمت باكستان خيارها بالتوجه غربًا نحو الصين، ويلعب قصر المسافة دورًا في نقل الطاقة عبر باكستان إلى المناطق الصينية المستهدفة البالغة نصف مسافتها 2500 كم إذا ما قررت الصين استخدام طريق شانغهاي 4500 كم.

مآلات الصراع

عادة ما تلجأ الدول الكبرى إلى توظيف دول أصغر للقيام بمهماتها، وإذا ما عجزت عنه تتدخل مباشرة، والظاهر أن الوضع في بلوشستان مرتبط بأوضاع باكستانية داخلية وبقدرة الحكومة على تنفيس الاحتقان الداخلي ومنع الخارج من استغلاله لأجنداته الخاصة، لاسيما مع تعيين كبير وزراء بلوشي رصين في الإقليم وسعي الحكومة للتفاوض مع زعماء بلوش مقيمين في الخارج، كما يرتهن الوضع البلوشي بالصراع الإقليمي بين الهند وباكستان وربطه بدعم الأخيرة للمسلحين في كشمير، ويرتبط كذلك بدخول طهران على الخط والاتهام الباكستاني الخفي لها بدعم عناصر شيعية لاسيما مع تصاعد قتل الهزارة الشيعة في الإقليم. هذا الوضع سيرتبط مع استحقاق الانسحاب الأميركي من أفغانستان سيما مع الفراغ الذي سيخلفه رحيل القوات الغربية، وستنطلق لعبة إقليمية كبرى طرفاها المباشران: باكستان وإيران.

التوصيات

  1. الجانب البلوشي: عليه أن يعي أن قضيته تتلاعب بها دول عدة من أجل مصالحها، وعليه فإن تعزيز العلاقة مع إسلام أباد هو الأجدى، سيما وأن دولة كإيران مجاورة ستعارض بشدة قيام دولة بلوشية لوجود بلوش فيها.
  2. الجانب الباكستاني: عليه اجتراح استراتيجية مشتركة متفق عليها بين الجيش والساسة، وأن يُخضع فيلق الحدود الذي يغلب عليه غير البلوش في الإقليم لإدارة الحكومة مباشرة. يعقبه الدخول في حوار حقيقي مع القوى البلوشية الفاعلة على الأرض أو المغيبة، والكشف عن مصير المختفين، مع برامج اقتصادية تنعش الإقليم المهمل، وتبدد مخاوفه من سياسة التغيير في تركيبته السكانية.
  3. الأطراف العربية: عليها أن تدرك أن أمنها مرتبط بالأمن الباكستاني والأفغاني، وهي حقيقة تاريخية سيما في ظل التنسيق والحوار الغربي-الإيراني، وأهمية ميناء غوادر ومستقبل الطاقة في آسيا الوسطى.
  4. الأطراف الدولية: يجب أن تدرك أن اللعبة الكبرى التي كان مسرحها أفغانستان وباكستان في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر تحوّلت إلى لعبة اقتصادية لا مكان فيها للتقسيم والتدخل العسكري الذي ثبت فشله أفغانستان والعراق، لاسيما وأن العملاق الاقتصادي الصيني يصطف مع باكستان.

________________________________
أحمد زيدان - باحث متخصص في الشأن الباكستاني ومدير مكتب الجزيرة في إسلام أباد.

الهوامش والمراجع
1- "بلوشستان" تحت المجهر موقع الجزيرة نت 2 فبراير/شباط 2014:
 http://www.aljazeera.net/programs/pages/d6bc4293-abac-40d8-8345-cc354dd0ef93
2- المصدر السابق .
3- المصدر السابق.
4- المصدر السابق .
5- شيرباز كيتران: التدخل الأجنبي في بلوشستان، ورقة غير منشورة اطلع عليها الباحث.
6- Maria Malik. Balochistan Conundrum,the real perspective , Poorab  academy in Islamabad.2013. pp108
7- نواز شريف يخصص 18 بليون روبية للتنمية في بلوشستان، صحيفة إكسبريس تريبيون الصادرة في إسلام أباد، 31 يناير/كانون الثاني 2014:
 http://tribune.com.pk/story/665713/highway-development-pm-injects-rs18b-into-balochistan/
8- ثناء الله بلوج "حقائق حول بلوشستان 28 يناير/كانون الثاني 2014، صحيفة ذي نيوز 2 فبراير/شباط 2013:
http://www.thenews.com.pk/Todays-News-9-157695-The-truth-about-Balochistan
 sanaullah baloch
9- تقرير لمنظمة هيومان رايتس ووتش على موقع ريليف ويب بتاريخ 27-2014: (التاريخ ينقصه الشهر)
10- Asian Human Rights Commission:http://reliefweb.int/report/pakistan/more-100-dead- bodies-three-mass-graves-were-found-one-district-balochistan.27-1-2014
11- Tahir Amin “Ethno-National Movements of Pakistan.institute of policy studies-Islam Abad 1988.pp203.
12- تقرير إخباري نُشر في صحيفتي الدون والديلي تايمز الباكستانيتين الصادرتين بتاريخ 26 يناير/كانون الثاني 2014.
13- موقع واشنطن فري بياكون تاريخ النشر 25 فبراير/شباط 2013 Adam Kredo, Chuck Hagel’s Indian Problem http://freebeacon.com/chuck-hagels-indian-problem,25-2-2013 /
14- شير باز كاتران.. مصدر سبق ذكره.
15- المصدر السابق.
16- http://www.dawn.com/news/1047628/pakistan-says-evidence-of-balochistan-interference-shared-with-india
17- موقع جيو الباكستاني 28 يناير/كانون الثاني 2014:
 http://www.geo.tv/article-34532-US-congressional-hearing-to-discuss-Balochistan
18- شير باز كاترين.. مصدر سابق .
19- Vali Nasr. The dispensable nation .. Randum house . New York .20l3 pp242.
20- Dr. Shabir Ahmad Khan. GeoEconomic Imperatives of Gwadar Sea Port and Kashgar, Economic Zone for Pakistan and China, IPRI Journal XIII,no 2(Summer 2013):87-100:
 http://www.ipripak.org/journal/summer2013/art5.pdf

نبذة عن الكاتب