سياسة قطر الخارجية: استمرارية أم إعادة توجيه؟

عاشت قطر يوم 25 من يونيو/حزيران 2013 انتقالاً سياسيًّا مهمًّا؛ ففي سابقة تاريخية قرَّر الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بمحض إرادته التخلِّي عن السلطة وتسليمها لنجله الشاب وولي عهده الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.
2014624112016534734_20.jpg
(الجزيرة)

ملخص
بعد ثمانية عشر عامًا من صعوده إلى هرم السلطة في الدولة تخلَّى الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني عن عرشه؛ وذلك بعد أن أجرى تغييرًا جذريًا في السياسة القطرية الداخلية والخارجية على حد سواء؛ فمن إمارة صغيرة على ساحل الخليج، تحوَّلت دولة قطر في غضون عقدين من الزمن -ومن خلال صعود متألِّق- إلى فاعل أساسي في المعادلة الاستراتيجية والإقليمية.

يحاول هذا التقرير رصد ما إذا كانت سياسة قطر الخارجية قد شهدت نوعًا من إعادة التوجيه خلال السنة الماضية، أي بعد تولي الشيخ تميم بن حمد آل ثاني مقاليد السلطة؛ ويقسِّم الباحثان دراستهما إلى ثلاثة أجزاء؛ حيث يبرزا بدايةً الخصائص التي ميَّزت البناء الدبلوماسي لدولة قطر منذ عام 1995؛ لتبيان ما إذا كانت السياسة الخارجية المتبعة منذ تَولّي الشيخ تميم حكم البلاد تختلف في عقيدتها عن تلك التي كانت منتهجةً في السابق (في عهد الأمير الوالد)؛ ثم يتتبعّان بعد ذلك تأثير التطوُّرات التي حفل بها الاثنا عشر شهرًا الماضية على ميزان القوى في الشرق الأوسط، وكيف تعاطت دولة قطر مع مختلف الأزمات التي عصفت بالمنطقة. ويفحصان أخيرًا هموم البلاد الداخلية، والطرق التي أعاد من خلالها الأمير الشيخ تميم توجيه نشاطه الاستراتيجي لمنح مكانة أكبر للإصلاحات الداخلية؛ خاصة من خلال جعل العمل الحكومي يتمحور حول التحضير لكأس العالم لكرة القدم في العام 2022.

مقدمة

عاشت قطر يوم 25 من يونيو/حزيران 2013 انتقالاً سياسيًّا مهمًّا؛ ففي سابقة تاريخية قرَّر الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بمحض إرادته التخلِّي عن السلطة وتسليمها لنجله الشاب وولي عهده الشيخ تميم بن حمد آل ثاني؛ الذي أصبح -وعمره ثلاثة وثلاثون عامًا- أصغر قائد يتولَّى مقاليد الأمور في البلاد على امتداد تاريخه وقد خَلَف والدَه الشيخ حمد الذي قاد البلاد منذ 26 يونيو/حزيران 1995. فالرمز كبير المغزى إذن، واختيار التاريخ لم يكن اعتباطيًّا؛ فبعد ثمانية عشر عامًا بالتمام والكمال من صعوده إلى هرم السلطة في الدولة تخلَّى الأمير عن عرشه؛ وذلك بعد أن أجرى تغييرًا جذريًا في السياسة القطرية الداخلية والخارجية على حد سواء؛ فمن إمارة صغيرة على ساحل الخليج، تحوَّلت قطر في غضون عقدين من الزمن -ومن خلال صعود متألِّق- إلى فاعل أساسي في المعادلة الاستراتيجية والإقليمية.

فعلى عدد من الأصعدة شهدت قطر تحوُّلاً نادرًا في العصر الحديث؛ فعلى المستوى الاقتصادي ارتفعت الثروة الوطنية بشكل استثنائي، حيث تبوَّأت قطر صدارة أكثر البلدان غنًى بالنسبة إلى عدد السكان. وعلى الصعيد الدبلوماسي بات لقطر وزنها الذي لا يُنكر في المحافل الدولية، وفي المجال الرياضي أمست الدوحة أحد مراكز استقطاب الرياضة العالمية؛ حتى في عالم الفن والسياحة والثقافة تمتلك قطر طموحًا كبيرًا بوَّأها مكانة متقدمةً في التصنيفات العلمية لاقتناء السلع الثقافية.

سنحاول في هذا التقرير رصد ما إذا كانت سياسة قطر الخارجية قد شهدت نوعًا من إعادة التوجيه خلال السنة الماضية؛ وسنقسِّم دراستنا إلى ثلاثة أجزاء؛ حيث سنُبرز بدايةً الخصائص التي ميَّزت البناء الدبلوماسي لدولة قطر منذ عام 1995؛ لنتبيَّنَ ما إذا كانت السياسة الخارجية المتبعة منذ تَولّي الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حكم البلاد (منذ عام من الزمن) تختلف في عقيدتها عن تلك التي كانت منتهجةً في السابق؛ ثم سنتتبَّع بعد ذلك تأثير التطوُّرات التي حفل بها الاثنا عشر شهرًا الماضية على ميزان القوى في الشرق الأوسط، وكيف تعاطت دولة قطر مع مختلف الأزمات التي عصفت بالمنطقة. وسنفحص أخيرًا هموم البلاد الداخلية، والطرق التي أعاد من خلالها الأمير تميم توجيه نشاطه الاستراتيجي لمنح مكانة أكبر للإصلاحات الداخلية؛ خاصة من خلال جعل العمل الحكومي يتمحور حول التحضير لكأس العالم لكرة القدم في العام 2022.

السياسة الخارجية لدولة قطر: من الوساطة والحياد إلى التأثير وتوسيع النفوذ

ظلَّت عقيدة دولة قطر السياسية في مجال العلاقات الدولية تقوم على مبدأ توطيد السلم والاستقرار؛ فالمادة السابعة من الدستور القطري تنص على أن السياسة الخارجية للدولة "تقوم على مبدأ توطيد السلم والأمن الدوليين". ولم تفتأ الحكومات المتعاقبة منذ استقلال البلاد عام 1971 تسير على هذا النهج؛ خاصة في العقد الأول من الألفية الجديدة؛ فقبل ظهور "الربيع العربي" انتهج الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني دبلوماسية تُرَكِّز على فضِّ النزاعات؛ وهو ما حوَّل الدوحة إلى وجهة مميزة للوساطات الدولية؛ فمن السودان إلى أريتريا، ومن لبنان إلى المصالحة الفلسطينية، لم تكد قطر تترك نزاعًا في المنطقة إلا وأدَّت فيه دور الوسيط. ولم تتوقَّف نتائج هذه الوساطات على إحراز النجاحات (كما هي الحال بالنسبة إلى اتفاق لبنان في مايو/أيار 2008)، بل إن ذلك منح البلاد اعترافًا ومصداقية على المستوى الدولي. وقد رافق هذا العزم على فضِّ النزاعات تصميم على اللجوء الدائم إلى التحكيم الدولي كلما دخلت قطر في نزاع دولي بشأن حدودها مع جيرانها؛ كما حدث مع البحرين في أوائل الألفية ومع السعودية في عقد التسعينات من القرن الماضي.

وقد استمرَّت هذه النزعة التصالحية خمسة عشر عامًا قبل أن تلحظ قطر في ديسمبر/كانون الأول 2010 مع اندلاع ما بات يُعرف بثورات "الربيع العربي" أن هناك تحوُّلاً تاريخيًّا طفق يُغَيِّر الوجه السياسي للمنطقة، وبدا أن الشعوب العربية، التي أُخضعت للقمع منذ استقلال بلادها عن الاستعمار، بدأت تخرج إلى الشوارع لاسترداد حريتها وحقها في تقرير مصيرها. وقد هدَّتْ رياح الثورة التي انطلقت من تونس أركان عدد من الديكتاتوريات في المنطقة؛ ومنذ تلك اللحظة قرَّرت قطر دعم مسيرة هذه الشعوب نحو الانعتاق. وقد أسفر هذا المنعطف عن تغيُّر جذري لصورة البلاد في الساحة الدولية، وانتقلت قطر من طور الوسيط المصالِح إلى طور الناشط الداعم، وهو ما اضطرها إلى المشاركة في آليات الردع العسكري تحت غطاء تحالف دولي، كما كانت الحال في إبريل/نيسان 2011 أثناء الحملة التي قادها حلف شمال الأطلسي "الناتو" ضد قوات العقيد الراحل معمر القذافي. ويقتضي منّا هذا التحول في توجه السياسة الخارجية القطرية إبداء ملاحظتين:

  • أن هذه السياسة الخارجية تنسجم انسجامًا تامًّا مع نص وروح دستور الدولة؛ الذي تنص المادة السابعة منه على "دعم حق الشعوب في تقرير مصيرها".
  • أن حدوث فراغ في القوى الإقليمية خلال الفترة 2010-2012 قد دفع دولة قطر إلى أن تتبوأ بشكل غير مباشر موقع القيادة، خاصة في مؤسسات جامعة الدول العربية؛ فقد كانت القوى التقليدية في العالم العربي تعاني من التراجع؛ فالسعودية كانت مشغولة بترتيب بيتها الداخلي، وظهر في بعض مناطقها مؤشرات لبداية حركة تذمُّر، وكانت مصر مشلولة بفعل فترتها الانتقالية التي تلت ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، ولم يزل العراق متعثرًا في كبوته منذ الغزو الأميركي عام 2003. أما سوريا فقد كانت -ولا تزال- تهزها الاضطرابات التي صاحبت الثورة الشعبية التي اندلعت في مارس/آذار 2011. لقد مهَّدت كل هذه الوقائع لوصول قطر إلى موقع متقدم في العالم العربي، وتحوَّلت الدوحة إلى راعٍ وداعمٍ للثورات التي تُمَكِّن الشعوبَ العربية من التحكُّم في مصائرها، وقد جاء هذا الدعم على أشكالٍ عدة في ليبيا وسوريا ومصر حيث كان العون القطري إعلاميًّا وماليًّا وإنسانيًّا.

العام الأول من حكم الشيخ تميم: استمرار نسبي في بيئة إقليمية غير مواتية

سبق وصول الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى السلطة بأيام قليلة وقوع الانقلاب العسكري في مصر؛ ففي 3 يوليو/تموز 2013 تمت الإطاحة بأول رئيس مدني منتخب في تاريخ الدولة المصرية. وقد رحَّب بالانقلاب بشكل صريح بعض الدول الفاعلة في المنطقة، وتغاضت عنه القوى الغربية، أمّا على المستوى الإقليمي فقد أبدت كل من تركيا وحماس وقطر تحفُّظها بقوَّة على التعطيل المفاجئ للمسار الديمقراطي. وشكَّلت هذه الأزمة منعطفًا في المسار، حيث كان الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني قد التزم بالدعم الواسع لحكومة الرئيس المنتخب محمد مرسي.

ويمكن أن نرصد في الممارسة الدبلوماسية للشيخ تميم بن حمد آل ثاني نوعًا من الاستمرار في اتباع السياسة التي انتهجها والده؛ ذلك أن الخطاب المعتمد لدى السلطات الرسمية لا يزال يتمحور حول الاحترام الصارم لخيار الشعوب، ورفض إقصاء أية قوة سياسية من الحوار الوطني. ويمكن القول: إن موقف دولة قطر تمثَّل في الإبقاء على الباب مفتوحًا للنقاش مع السلطات المصرية الجديدة؛ وذلك مع التأكيد على الضرورة الملحَّة لعدم إقصاء أية قوَّة من المشهد السياسي. وبما أن هذا الموقف يُناقض تصميم بعض الدول الأخرى على تبنِّي منطق المواجهة مع حركة الإخوان المسلمين؛ فقد أجَّج ذلك خلافات حادَّة داخل منظومة مجلس التعاون الخليجي.

وكان هذا بلا شكٍّ التحدي الثاني الأكبر الذي تعيَّن على الشيخ تميم مواجهته خلال أول عام من حكمه؛ ففي يوم 5 من مارس/آذار 2014 قرَّرت المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة سحب سفرائها في وقت واحد من الدوحة؛ وأظهر هذا القرار -الذي كان سابقة في تاريخ علاقات أعضاء مجلس التعاون الخليجي- جلاء وعمق الاختلاف في تقدير العواصم الخليجية للوضع القائم في مصر. وكان واضحًا أن رفض قطر قبول الانقلاب العسكري الذي قاده المشير السيسي، وانتهاجها سياسة إقليمية لا تنسجم مع الخيارات التي تتبنَّاها عواصم دول أخرى في المنطقة قد وتَّر العلاقات مع تلك الدول. ويمكن أن نلاحظ أن الأزمة الدبلوماسية التي حلّت بين الدوحة وبعض جيرانها الخليجيين قد انبعثت من جديد من منبع استقلال القرار السياسي القطري الذي دافع عنه الشيخ تميم؛ وهنا -أيضًا- يمكن أن نلاحظ نوعًا من الاستمرار في سياسة الدولة الخارجية يهدف إلى جعل قطر فاعلاً ذا سيادة أصيلة، يمكن لاستراتيجيته أن تختلف وبشكل جذري عن استراتيجية جيرانه.

ومع ذلك، وعلى الرغم من برودة الروابط نسبيًا بين الدوحة وبعض العواصم الخليجية، فإن ذلك لم يمنع من توطيد علاقاتها والتقاء مواقفها مع تلك الدول فيما يخصُّ الملف السوري خلال الأشهر الماضية. وبالرغم من توتر الأجواء في منطقة الخليج، فإن التعاون والتنسيق "القطري-السعودي" خصوصًا حول سوريا سيصمد ما دام التناقض مع إيران يمثِّل بالنسبة إلى السعوديين التهديد الاستراتيجي الأكبر؛ ففي مواجهتها التقليدية مع طهران تحتاج الرياض إلى دعم باقي الدول الخليحية، وسيظل السيناريو الأكثر ورودًا هو استمرار الوضع على ما هو عليه؛ أي: "حربًا باردة في الخليج" تحتفظ فيها قطر بموقفها الدبلوماسي الداعم فعليًّا للشعوب العربية، ولكن في نطاق أكثر دبلوماسية. وهذا لا يعني تراجع الدوحة عن موقعها في المعادلة الإقليمية؛ وإنما يعني التحول نحو أدوات القوَّة الذكية من خلال إحداث نوع من التزاوج بين أدوات القوتين الناعمة والصلبة.

إن فكرة الانتقال إلى مرحلة جديدة لنهج السياسة الخارجية لدولة قطر، تقوم على مبدأ "القدرة على تحقيق مردود مميز في الشؤون الدولية من خلال المزج الذكي بين الاستقطاب والقوة لإدراك الأهداف. ولعلّ ذلك ما يفسر التموضع الجديد للسياسة الخارجية لدولة قطر على خارطة أحداث المسرح الدولي، وتحفظها تجاه بعض القضايا والملفات التي كانت فاعلًا رئيسًا فيها.

التركيز على الشؤون الداخلية: استراتيجية طويلة المدى

لم يُفرد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في الخطاب الذي ألقاه في حفل تنصيبه مكانةً كبيرةً للقضايا الدولية، بل ركَّز على الشؤون الداخلية للدولة؛ فإذا استثنينا الملف الفلسطيني؛ الذي يحظى بالأولوية الإقليمية، فإن خطاب الشيخ تميم في مجمله انصبّ على ضرورة إجراء إصلاحات تعزز رؤية قطر الوطنية لعام 2030؛ وتركّز تلك الإصلاحات على الجانب الاقتصادي، وعلى جوانب البنى التحتية والعقارات لاستكمال تحضيرات كأس العالم لكرة القدم التي من المقرر أن تحتضنها قطر في العام 2022.

وفي هذا المجال يمكن القول بأن قطر خلال العام المنصرم كانت في بؤرة الاهتمامات الدولية؛ حيث تعرَّضت لحملة إعلامية واسعة لتشويه صورتها على المستوى الدولي من خلال تحقيقات صحف ومجلات غربية عديدة، وتقارير بعض منظمات حقوق الإنسان. وقد أتى ذلك بالتزامن مع تسارع وتيرة الإصلاحات التي شهدتها البلاد ولا تزال. ويمكن أن نُشير هنا إلى القرار التاريخي الذي اتخذته قطر مؤخَّرًا بشأن إلغاء نظام الكفالة؛ وعليه فإن المستقبل القريب قد يُنبئ بأحد السيناريوهين التاليين:

  1. تواصل الانتقادات الموجهة لدولة قطر، والمتركِّزة أساسًا على ظروف العمالة والاتهامات بتقديم الرّشى؛ وهو ما سيؤدِّي إلى مضاعفة عدد التقارير الصحفية المناهضة للدولة. وهنا ينبغي ألا يتم التهاون بتراكم هذه التقارير السلبية، لأنها لن تؤدِّيَ فقط إلى تشويه صورة قطر لدى الرأي العام الدولي، بل قد تتجاوز ذلك إلى إمكانية إعادة النظر في منح تنظيم كأس العالم لكرة القدم لعام 2022. فمنذ افتتاحية الصنداي تايمز في الأول من يونيو/حزيران 2014 نُشرت عشرات المقالات في الصحافة الغربية. ويدفع هذا السيل من التقارير قطاعات من الرأي العام -خاصة في بريطانيا وفرنسا- إلى المطالبة بتصويت جديد. وهناك اليوم عدد من المسؤولين الرياضيين والسياسيين والمثقَّفين يُرَوِّجون صراحة لهذا الخيار. 
  2. تراجع التركيز الإعلامي على دولة قطر نتيجة النهج الإصلاحي الذي تتبناه، خاصة في مجال تحسين ظروف العمال الآسيويين. وهنا ينبغي توخي الحذر؛ ذلك أن جهود السلطات القطرية الأخيرة في إجراء إصلاحات حقيقية على نظام الكفالة قد قُوبل في الصحافة الغربية إما بالتجاهل أو الحذر.

خاتمة

لا شك أنّ السياسة الخارجية لدولة قطر تتمتع بمزايا تنافسية عديدة منها التأثير والنفوذ، ومصادر الدخل الهائلة والمتأتية من تصدير منتجات مصادر الطاقة والاستثمارات الخارجية، بالإضافة إلى الاستثمار في الفعاليات الرياضية والثقافية والفكرية الدولية ولعب دور الوسيط في النزاعات الإقليمية والدولية.

وقد بدأت قطر تتألق وتبرز كقوة إقليمية صاعدة منذ بدايات العقد الأول من الألفية الحالية، مستفيدةً من دخل وطني كبير، ومن ظرف استثنائي إيجابي بالنسبة إليها، تمثل في فراغ كانت تشغله قوى إقليمية كبرى كالسعودية ومصر والعراق وسوريا، ومن عُزوف الولايات المتحدة الأميركية عن الخوض في صراعات وحروب جديدة في المنطقة بعد تجربتيها القاسيتين في كل من أفغانستان والعراق.

رغم ذلك، فإنّ مرور دولة قطر بمرحلة التأثير في القضايا الإقليمية والدولية بعد انطلاقة شرارة ثورات الربيع العربي، كان بمثابة تغير في التوجه الاستراتيجي للسياسة الخارجية الذي تبنته الدوحة، مستفيدةً في ذلك من أدوات قوتها الناعمة متعددة الأبعاد والتي عملت على بنائها وتقويتها خلال العقد الأول من الألفية. هذا التغير الاستراتيجي في سياستها الخارجية وإن كان مرحليًا، عمل على بناء أرضية صلبة لانتقالها من الحياد إلى التأثير.

إن تعدد الصعوبات والمخاطر وفقًا للتغيرات التي ألمّت بالمنطقة خلال العام المنصرم لاسيما في عدد من الدول العربية التي طالها التغيير كمصر وتونس وليبيا وسوريا، دفع دولة قطر تجاه تبني سياسة خارجية تستند على مبادئ القوة الذكية من خلال المزج بين أدوات القوة الناعمة التي تُحدث التغيير من خلال الاستقطاب والإقناع، وتحالفاتها التي تحدث التغيير من خلال تعزيز علاقاتها مع القوى العظمى، وكذلك الاحتفاظ بقدر من النفوذ والتأثير في بعض القضايا والملفات المنتقاة بعناية وبهدوء.

وفي الختام، فإن ما نخلُص إليه بعد انقضاء هذا العام الأول على حكم الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني هو أن قطر واجهت خلال تلك الفترة أزمات عديدة، واستطاعت أن تحافظ  على حضورها في الساحة الدولية؛ على الرغم من أن الظروف كانت أقل مواتاة مما كانت عليه في فترة حكم الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، كما أن التحديات تزداد حدَّة، والتوتر يتصاعد كلما اقترب موعد كأس العالم لعام 2022.
__________________________________
د. جمال عبد الله - باحث مختص بالشأن الخليجي
نبيل الناصري - باحث بالسياسة الخارجية القطرية

المصادر والمراجع
• الدستور الدائم لدولة قطر.
• جمال عبد الله، "الموقف القطري من ثورات الربيع العربي: السياسة الخارجية القطرية من الحياد إلى التأثير"، الخليج في سياق استراتيجي متغير (مركز الجزيرة للدراسات والدار العربية للعلوم ناشرون)، بيروت، 2014، 309.
• جمال عبد الله، "السياسة الخارجية القطرية: التحولات والآفاق"، مجلة الدبلوماسي، العدد 10 (يونيو/حزيران 2014)، الدوحة.
• جمال عبد الله، السياسة الخارجية لدولة قطر (1995-2013): روافعها واستراتيجياتها، مركز الجزيرة للدراسات والدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، 2014، 232.
• MIKAIL (B), Le paradoxe diplomatique du Qatar comme moyen d'accès à la consécration, Revue internationale et stratégique, 69 (2008/1): 31-42.
• Lazar (M), Qatar 2008-2014: du soft au smart power,
Diploweb, La Revue Geopolitique online, 23 March 2014, http://www.diploweb.com/Qatar-2008-2014-du-soft-au-smart.html
• AAKER (D.A), Managing Brand Equity, Capitalizing on the Value of a Brand Name (New York: The Free Press, 1991), 299.
• يحيى اليحياوي، أوباما وأطروحة "القوة الذكية"، 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2013، http://www.aljazeera.net/opinions/pages/a87a6bd8-1515-4106-8917-774fede68303
• أثير ناظم عبد الواحد، دور السياسة الخارجية القطرية في ظل الأزمات العربية والإقليمية، دراسات دولية، العدد 43، 2010، 137.
• نبيل الناصري، سياسة قطر الخارجية في عهد الشيخ تميم: قطيعة أم استمرارية؟، مركز الجزيرة للدراسات، http://studies.aljazeera.net/reports/2013/07/201371195759610610.htm
• http://www.foreignaffairs.com/articles/139543/marina-ottaway/who-will-save-egypt
• http://www.ft.com/cms/s/2/70b9be8c-05b6-11e1-a429-00144feabdc0.html#axzz2XnURu6zT

نبذة عن الكاتب