الدور الإيراني في الصومال: البحث عن موطئ قدم

تناقش هذه الورقة آثار وأبعاد الدور الإيراني في الصومال، وقراءة مستقبل هذا التأثير على هذا البلد الذي يعاني من غياب الدولة المركزية, والمضاعفات المصاحبة لهذا الغياب لفترة امتدت لأكثر من عقدين من الزمان، والدور المطلوب من الدول العربية.
2015818102024176734_20.jpg
البرلمان الصومالي وقع وثيقة تفاهم مع البرلمان الإيراني في مجالات تدريب الكوادر وتحمل نفقات العلاج لأعضاء البرلمان الصومالي (الجزيرة)

ملخص
تناقش هذه الورقة آثار وأبعاد الدور الإيراني في الصومال، وقراءة مستقبل هذا التأثير على هذا البلد الذي يعاني من غياب الدولة المركزية, والمضاعفات المصاحبة لهذا الغياب لفترة امتدت لأكثر من عقدين من الزمان، والدور المطلوب من الدول العربية.

خلال فترة ما بعد الحملة الدولية لإغاثة المجاعة في الصومال عام 2011، بدأ اهتمام بعض الدول بالشأن الصومالي، وبرز إلى العلن تزايد النشاط الإيراني عبر مجالات متعددة، منها: المجال الدبلوماسي، عبر فتح سفارة نشطة للغاية، والمجال الاجتماعي بتحريك المنظمات الإغاثية والاجتماعية التابعة لإيران، من أجل التواصل مع المجتمع.

وتخلص هذه الورقة إلى قراءة الخلفية التاريخية للعلاقة بين الصومال وإيران كفكرة وكدولة، كما تشرح الأسباب الرئيسية التي حالات دون التغلغل الشيعي منذ العهد الأموي، ثم تتطرق الورقة إلى دراسة مراحل الانفتاح مع الثورة الإسلامية الإيرانية منذ الاستقلال، مرورًا بنظام سياد بري، واتهام الأمم المتحدة لإيران بتسليح المحاكم الإسلامية، ثم انتهاء ببروز الدور الإيراني بعد إعلان حالة المجاعة في الصومال، عبر المجالات المتعددة: دبلوماسيًّا، واقتصاديًّا، وثقافيًّا، واجتماعيًّا.

كما تخلص الورقة إلى الإشارة للفرص المتاحة أمام المشروع الإيراني، وغياب المنافس العربي الحقيقي، مع أن التنويه إلى إمكانية أن يتحول بعض الكيانات الصومالية إلى ورقة تحتفظ بها إيران لتبحث عن موطئ قدم لها في هذه البقعة الاستراتيجية من الأرض في المستقبل القريب.

لو عدنا إلى الوراء قليلًا، نجد أن الروايات التاريخية مختلفة في تحديد وصول الطلائع الأولى للشيعة إلى الصومال.

الموجة الأولى: روايتان

هناك روايتان متداولَتان قد تكونان الأقرب إلى الحقيقة من بين الروايات العديدة:

الرواية الأولى: يشير بعض المؤرخين إلى وصول أسر شيعية أثناء فترة حُكم عبد الملك بن مروان، ما بين 65 إلى 86 هجرية، ونتج من النزاع السياسي في تلك المرحلة من التاريخ هروب بعض الأسر من الشام والعراق إلى الصومال، ومارس هؤلاء الحياة العادية في المدن التي لجؤوا إليها، واستقروا فيها، والمتَّفق عليه بين المؤرخين أن هذه الأسر لم تترك أثرًا ملموسًا في نشر الفكر الشيعي بين أوساط المجتمع.

الرواية الثانية تقول: إن الأمير علي حسن الشيرازي، الذي حكم مقديشو وأسس الدولة الشيرازية الفارسية في القرن السابع الهجري، استطاع السيطرة على أغلب المدن الساحلية في شرق إفريقيا، مثل: مقديشو، ومركة، وبراوة، وكسمايو. وظلت أجزاء من الصومال في هذه المرحلة تحت إدارة حكم شيعي فارسي(1).

ورغم بقاء هذه المناطق تحت هذه الإمارة لحقبة من الزمن، إلا أن الشيرازيين لم يتمكنوا من نشر المذهب الشيعي بين سكان المناطق الخاضعة لهم، وبالطبع فإن هناك عوامل أساسية منعت من انتشار المذهب الشيعي في الوسط الصومالي، خاصة أثناء فترة حكم الشيرازيين في المناطق الساحلية، وهذه  العوامل هي:

  1. وجود مكثف لأسر عربية سُنِّية حافظت على تمسك المجتع الصومالي بالمذهب السني، وهذه الأسر العربية هي الأخرى تمركزت في المدن الساحلية الصومالية، كما أسهمت في تعمير هذه المدن التاريخية، وتأسيس أنظمة إدارية واجتماعية، وأبرز هذه المدن: مركة، وبراوة، ومقديشو، وكسمايو، وزيلع، وبربرة. وتوالى وصول هذه الأسر العربية عبر الهجرات المتتالية للعرب. 
  2. وجود ترابط قوي لأغراض تجارية ودينية بين الصوماليين والجزيرة العربية، بالاضافة إلى أن الحجاز، ونجد، كانا الوجهة الأساسية لتلقي العلوم الشرعية، ثم العودة إلى الصومال لنشر الدعوة الإسلامية على المذهب السني.
  3. أثناء فترة حكم الشيرازيين للمدن في شرق إفريقيا، اقتصر احتكاكهم على الأسر العربية المهاجرة من اليمن والعراق، والتي هي الأخرى كانت محصَّنة من الاختراق الشيعي، ولم يختلط نظام الشيرازيين مع المجتمع الصومالي بشكل مباشر.
    هذه العوامل وغيرها أدت إلى احتفاظ المجتمع الصومالي بالمذهب السني، ولم يُسجَّل طيلة تلك القرون وجود ملحوظ للشيعة "وعلى الرغم من اندثار الثقافة الشيرازية والمذهب الشيعي في الصومال إلا أن آثاره باقية في الحياة الاجتماعية والثقافية متمثلة في إشعال الحرائق في أول رأس السنة النيروزية، ويبدو أن اندثار مذهب الشيعة مردُّه إلى طغيان الهجرات العربية الحاملة للمذهب الشافعي وانتشار تدوين كتب الشافعية مع ندرة كتب الشيعة لعدم وجود مركز إشعاع للمذهب الشيعي في المنطقة"(2).

الموجة الثانية: الجالية الهندية

في منتصف القرن التاسع العشر الميلادي هاجرت إلى الصومال أسر هندية، وشكَّلت تجمعات مستقلة وأنشطة مخصصة لهم، وهي أسر لم يتجاز تعدادها ألفى فرد، وكانت لهم نشاطات تعليمية، حيث أسسوا لاحقًا "جمعية المنتظَر" في عام 1986 وسُجِّلت رسميًّا لدى الحكومة آنئذ، وترأَّسها هاشم حسن علي أوكيرا، واستطاعت هذه الجمعية القيام بأنشطة متعددة في مجالات التعليم، والصحة، وقضايا الأسرة، إلى جانب ذلك قامت بأعمال تجارية، وكانت لهم مقبرة خاصة بهم في حي " عيل هندي" في مقديشو، ولم يتجاوز هدفهم مجرد الحفاظ على هويتهم الاجتماعية والعقائدية أمام البيئة السنية في البلاد(3).

وذكر بعض المصادر، أن طبيبًا إيرانيًّا استطاع أن يؤثِّر ويُقنع بالفكر الشيعي عددًا من النخب الثقافية، وعُرِف لاحقًا عدد من الشخصيات التي اشتُهِرت بقناعتها بالمذهب الشيعي عن طريق هذا الطبيب الإيراني، وكان ذلك أثناء مرحلة ما بعد الاستقلال في الستينات، وما قبل مرحلة الثورة الاشتراكية في عهد سياد بري(4).

الانفتاح على الثورة الإسلامية الإيرانية

بعد نجاح آية الله الخوميني في الإطاحة بنظام الشاه، وإعلانه الثورة الإسلامية عام 1979 تبنَّت إيران مشروعًا سياسيًّا ذا قالب ديني عبر شعار تصدير الثورة الإسلامية، ومرَّت علاقتها مع الصومال بالتطورات التالية:

عهد سياد بري (ما بين 1969 إلى 1991 ميلادية)
تزامن نجاح الثورة الإيرانية مع بداية العقد الثاني من عمر نظام الرئيس محمد سياد بري، أي في عام 1979.

كانت السياسة الخارجية الصومالية في هذا العهد خصوصًا في بداياتها تعتمد بالأساس على العلاقات العربية، وفي عام 1974 انضمَّ الصومال إلى الجامعة العربية، وتركزت الجهود في ذلك الوقت على تحسين التعاون مع دول الخليج خاصة السعودية، والكويت، مع الترابط القوي مع مصر في عهد السادات، والعقد الأول من حكم حسني مبارك، ووقف الصومال مع العراق في حربه ضد إيران، وشارك شباب متطوعون إلى جانب الجيش العراقي، وأُسِر 20 مقاتلًا صوماليًّا لدى الإيرانيين، بينما أُفرِج عن البعض منهم عام 1998 وبعد انتهاء مدة محكوميتهم(5).

كان النظام الاشتراكي يحارب كل مظاهر الصحوات الإسلامية، ولم يكن يتحمس للتعاون مع نظام يتباهى بالمشروع الإسلامي، بالإضافة إلى علاقته القوية مع السعودية التي كانت تعادي توجهات النظام الإيراني.

ولم تُسجَّل في تلك الفترة علاقة مع إيران خاصة من النواحي الثقافية أو الاجتماعية، وإن تم الحفاظ على العلاقة الدبلوماسية الرسمية بين البلدين.

مرحلة ما بعد انهيار الدولة الصومالية (ما بين 1991 وحتى 2006)
هذه المرحلة كانت البلاد في حرب أهلية طاحنة بين القبائل والجبهات المتناحرة، ولم يبرز وجود إيراني في وسط المجتمع، إلا أن اللافت كان زيارة قام بها الداعية الصومالي المشهور الشيخ محمد معلم (رحمه الله) إلى طهران في أواسط التسعينات برفقة عدد من قيادات جماعة "التجمع الإسلامي" المشهورة محليًّا بجماعة "آل الشيخ" ومن بينهم الشيخ أحمد عبدي طعسوا (رحمه الله)، وكان من أبرز نتائج هذه الزيارة منح دراسية للطلبة الصوماليين(6).

ومن باب الإنصاف لتلك الزيارة من الشيخ محمد معلم (رحمه الله)، يمكن وضعها في خانة جذب الثورة الإسلامية الإيرانية للقيادات الدينية والفكرية بغرض التواصل مع العالم الإسلامي لا أكثر، وبالتالي، تمت كغيرها من الزيارات التي كان يقوم بها مشايخ كُثُر من العالم العربي والإسلامي إلى طهران، وربما كان الشيخ محمد معلم، من المعجبين بالثورة الإسلامية الإيرانية في جوانبها السياسية والفكرية.

أثناء القتال الدائر بين الجنرال محمد فارح عيديد وقوات إعادة الأمل بقيادة الولايات المتحدة الأميركية في مقديشو، كانت إيران تطلق تصريحات تقدم الدعم المعنوي لـ"محمد فارح عيديد"، كغيرهم، مثل القائد الليبي معمر القذافي، بالإضافة إلى أن السفارة الصومالية في طهران كانت مفتوحة ولا تزال، كمثيلاتها في دول العالم العربي والإسلامي.

مرحلة ما بعد ظهور المحاكم الإسلامية (ما بين 2006 إلى 2011)
بشكل مفاجئ، محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا، بزغ فجر المحاكم الإسلامية، وسيطرتها على الجنوب، ما عدا منطقتين كانتا مقرًّا للحكومة الصومالية المؤقتة، وتمكنت من فرض أجندة سياسية ذات طابع إسلامي على الواقع السياسي.

وفي هذه الفترة، اتهمت الأمم المتحدة -عبر اللجنة الأممية لمتابعة فرض حظر الأسلحة على الصومال- حزب الله في لبنان، والجمهورية الإسلامية الإيرانية ودولًا أخرى بإرسال أسلحة وذخائر إلى المحاكم الإسلامية، وكذلك تدريب مقاتلين صوماليين في معسكرات حزب الله في لبنان، وإشراكهم في حرب تموز/يوليو عام 2006 ضد إسرائيل، وأشارت هذه التقارير إلى أن إيران تريد دعم المتطرفين في القرن الإفريقي(7).

وعلى الرغم من هذا الاتهام الأممي، إلا أن إيران لم يكن لها وجود ملموس على الساحة السياسية والاجتماعية، ولم يجد المتابعون للشأن الصومالي أدلة حقيقية على الدور الإيراني فيما يخص القتال الدائر بين المحاكم الإسلامية والفصائل الصومالية الأخرى "مرَّةً ضد زعماء الحرب، وأخرى ضد الحكومة المؤقتة في مقرها الرئيسي (بيدوا)".

وكانت الزيارت الرسمية لقيادات المحاكم الإسلامية منحصرة في الدول العربية، بالإضافة إلى أريتريا، وزارت وفود تمثلها، دولة الامارات العربية، وجمهورية اليمن، ودولة قطر، وجمهورية مصر العربية، بينما لم يزر أي مسؤول من المحاكم الإسلامية، الجمهورية الإسلامية الإيرانية، أو جمهورية لبنان.

مرحلة ما بعد إعلان حالة المجاعة (عام 2011 حتى الآن 2015)
بعد إعلان الرئيس الصومالي شيخ شريف شيخ أحمد، وكذلك الأمم المتحدة، حالة المجاعة في المناطق الجنوبية من الصومال، وانتشر الخبر في كبريات وسائل الإعلام الدولية، وضعت هذا القصة الصومال أعلى سُلَّم الأجندة الدولية، واهتمام السياسة الخارجية لبلدان عديدة، إسلامية وغربية.

بدأ الدور الإيراني يبرز للواجهة، ويتغلغل في الوسط المجتمعي والسياسي، والدبلوماسي، ووُضعت على ما يبدو خطط مدروسة للربط بين إيران الدولة، وبعض المكونات السياسية، وكذلك بين المجتمع الصومالي وبين المؤسسات الاجتماعية الإيرانية سواء عبر الإغاثة أو التنمية أو التعليم، كما تم تنشيط صوماليي المهجر الذين اعتنقوا الفكر الشيعي أثناء دراستهم في إيران.

مداخل الوجود الإيراني

ويمكن وضع عدد من المداخل الرئيسية للوجود الإيراني في الشأن الصومالي، كالتالي:

الوجود الدبلوماسي
في أغسطس/آب عام 2011، زار مقديشو وزيرُ الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي، والتقى بالرئيس شيخ شريف شيخ أحمد، وذلك أثناء المجاعة التي ضربت الصومال، وأعلن آنذاك بناء مستشفى متكامل ومجهز لتلبية الاحتياجات العلاجية، مع إنشاء مخيم يتسع لألفى نازح، وهي المرة الأولى التي يُسجَّل فيها اهتمام إيراني رسمي.

في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2012، توجه الوزير الإيراني نفسه إلى مقديشو مرة أخرى، والتقى خلالها الرئيس حسن شيخ محمود، في القصر الرئاسي، وأعلن أثناء مؤتمره الصحفي افتتاح سفارتهم في الصومال بعد أكثر من عقدين من الغياب، وفتح مكتب للهلال الأحمر الإيراني، ومكتب آخر لمؤسسة الامام الخوميني الخيرية. واللافت أن السفارة الإيرانية، وكذلك مقرات مؤسساتهم الخيرية تعمل خارج الأماكن المحصنة أمنيًّا في مقديشو(8).

ويعتبر أبرز أوجه التعاون بين البلدين، توقيع اتفاقية تعاون بين برلمانيي البلدين التي تنص على تقديم الطرف الإيراني خدمة طبية مجانية لأعضاء البرلمان الصومالي وعائلاتهم، ولأجل ذلك يتردد كثير من نواب البرلمان وأسرهم إلى إيران، بحجة الرحلة العلاجية.

ومن هنا، أصبحت إيران الدولة الأكثر تعاونًا مع أهم سلطة في البلاد، وهي السلطة التشريعية، ولا شك في أن هذا التعاون سيترك آثاره إن عاجلًا أو آجلًا على بعض صُنَّاع القرار في البلد.

كما تستفيد طهران من التعاطف الشعبي الصومالي مع السياسة الخارجية الإيرانية المناهضة للغرب وخاصة أميركا، واعتبار بعض عامة الناس أن الثورة الإسلامية الإيرانية هي التي تدافع عن القضايا الكبرى للمسلمين، كما يغيب عن الوعي الجمعي الصومالي موقف إيران من الثورات العربية، وما تفعله في العراق وسوريا، رغم أن الصوماليين بشكل عام مع الثورات العربية منذ انطلاقها.

سياسة البحث عن الشريك المحلي: إحياء الطرق الصوفية: خلال العقود الثلاثة الماضية كان الدور الصوفي يتقلَّص، بل كاد أن يختفي من صدارة المشهد الديني في البلاد، وتولى أغلبية المراجع الدينية مشايخُ الحركات الإسلامية، والسلفية على وجه الخصوص، حيث تمكنت هذه الصحوة النشطة من محاربة وإغلاق أغلب المزارات والمراقد الصوفية.

ومن أجل البحث عن شريك محلي، تُعتبر الطرق الصوفية الحليف الأقرب لإيران لسببين: أولهما: أن الصوماليين مجتمع سني شافعي، ولا يوجد أقليات شيعية ولم يشهد التاريخ الديني في البلاد، أتباعًا للمذاهب الفقية الأخرى مثل الحنابلة، أو المالكية، وعليه لا تجد إيران من يرتبط معها من الناحية العقائدية.

ثانيهما: أن متطرفي الصوفية يجدون قواسم مشتركة مع إيران، مثل محاربة الفكر الوهابي السلفي المهيمن على الساحة الدينية الاجتماعية.

وعلى هذا الأساس قامت السفارة الإيرانية في مقديشو بفتح قنوات تواصل مع المجموعات الصوفية في البلاد، وفي مكوناتها الثلاثة، التي سنشرحها لاحقًا، وتعاملت مع كل فريق وفق اهتماماته الدينية أو السياسية أو العسكرية، وربما الغرض منها تقديم الدعم اللازم ليصبحوا رقمًا صعبًا في المعادلة الاجتماعية والسياسية في البلاد.

وتأتي طريقة تفاعلهم مع الأشكال المختلفة للطرق الصوفية كالتالي:

أ. الصوفية التقليدية المتمثلة بمشايخها وقادة الطرق (الطريقة القادرية، الطريقة الأحمدية)، تم ربطها بالمؤسسات الخيرية الإيرانية، مثل مؤسسة الامام الخوميني الخيرية، ودعم أنشطتهم الاجتماعية والدعوية، والتنسيق معهم للحصول على منح دراسية من المراكز العلمية والجامعات الصوفية في اليمن، والعراق، وكذلك بعض الجامعات في إيران.

وتم تفعيل الأنشطة المتعلقة بإبراز آل البيت، عن طريق عقد حفلات ضخمة للمولد النبوي كل عام، ويُلاحَظ خلال السنوات الأخيرة الحديث الإعلامي والفعاليات الكبرى عن دور آل البيت في الإسلام، ربما يعتبر هذا مدخلًا مستقبليًّا لاستغلال حُبِّ أهل السنَّة لآل البيت، مع ترسيخ صورة ذهنية جديدة لدى المجتمع الصومالي، وهي أفضلية الصحابة من آل البيت على غيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم جميعًا(9).

‌ب. الصوفية السياسية المتمثلة بالجناح السياسي لتنظيم أهل السنة والجماعة، وكان لهم تمثيل وزاري في مجلس الوزراء ما قبل عهد الرئيس الحالي حسن شيخ محمود، ولهم عدد من أعضاء البرلمان الفيدرالي الحالي، وتتعامل السفارة الإيرانية في مقديشو معهم كطرف سياسي أساسي في البلاد، حيث تم استضافة قيادات عليا من تنظيم أهل السنة والجماعة ونواب برلمانيين في طهران، وقاموا بزيارات متكررة إلى إيران، وهي زيارات بقيت نتائجها في طي الكتمان، وقد تندرج في سياق التنسيق السياسي بين الطرفين(10)

‌ج. الصوفية المسلحة المتمثلة في الجناح العسكري لتنظيم أهل السنة والجماعة المتمركزة في المناطق الوسطى والتي لا تزال قوية ومؤثِّرة من الناحية العسكرية، كما أنه تنظيم منفصل من الجيش الوطني في تلك المنطقة، وتدور من حين لآخر اشتباكات مسلحة بينهما.

وتسيطر الجماعة حاليًا على مدن رئيسية في المناطق الوسطى، مثل عاصمة إقليم " كلمدج" الذي أُنشئ حديثًا، كما أنها لا تعترف بالنظام المحلي الجديد.

والغريب في المشهد، أن إيران هي الدولة الوحيدة التي زار وفد من سفارتها في مقديشو تلك المنطقة نهاية العام الماضي، والتقى مع القيادات العسكرية والسياسية لأهل السنة والجماعة، كما أنه أطلق عددًا من المشاريع الاجتماعية والإغاثية في تلك المناطق الوسطى من البلاد، وجاءت هذه الزيارة دون التنسيق مع الأجهزة الحكومية المعنية وفق العرف الدولي في مثل هذه الزيارة.

وليس بغريب في المنظور القريب أن يصبح هذا الجناح العسكري المنحصر حاليًا في منطقة الوسط متمددًا، ويتحول إلى لاعب رئيسي في المشهد الوطني، وربما يستقيظ البعض عندئذ، وحينها، تجد الدولة الصومالية ومن معها من الدول العربية أنفسهم في موقف لا يحسدون عليه.

‌د. تشبيك الروابط بين الصوفية الصومالية، مع الصوفية في إثيوبيا خاصة جماعة الأحباش -المسيطرة على المجلس الأعلى الإسلامي في أديس أبابا- وهي الرافد الطبيعي لتغلغل المذهب الشيعي في المناطق السنية في إثيوبيا، ودون ممانعة سياسية من قيادات الدولتين.

السياق الإنساني والاجتماعي
جذبت حالة المجاعة والجفاف التي أُعلنت في الصومال أنظار القيادات السياسية والدينية في إيران لوضع استراتيجية بعيدة، وبالفعل قامت بجهود إغاثية وإنسانية واجتماعية لقيت ترحيبًا وتعاونًا محليًّا في المرحلة الأولى من الدعم الإنساني.

لكن، ومن خلال بعض الأعمال الاجتماعية والإنسانية، أصبحت هذه النشاطات محل استغراب الحكومة الصومالية، وهيئة علماء الصومال، بل بدا هذا الدعم كشكل من أشكال الانتشار والتوسع الشيعي في البلاد، وهناك حالات مرصودة ولافتة تتعلق بكيفية تقديم الدعم الإنساني أو المشاريع الاجتماعية وبرعاية إيرانية، ومن الأمثلة على ذلك:

  1. الزواج الجماعي: وبتنسيق مباشر من السفارة الإيرانية في مقديشو، وتم رصد ثلاثمائة دولار أميركي لكل أسرة شهريًّا، لإعالتهم عدة شهور، مع تحمل نفقات الزواج وتكاليف السكن والأثاث، ولا شك أن هذه الأسر التي تنشأ تحت النفقة الإيرانية ستكون متعاطفة معها، مع الإشارة إلى أن البلاد لم تعهد في تاريخها ما يُعرف بالزواج الجماعي.
  2. تكثيف النشاط الإنساني في المناطق ذات الأقليات مثل حمروين(11) التي كانت مقرًّا للوجود الفارسي في القرن السابع الهجري، وكذلك الأقليات ذات الأصول العربية، وتهتم بهذا الحي لرمزيتها التاريخية.
  3. المنح الدراسية: تقدم الجامعات الإيرانية بفروعها المختلفة منحًا دراسية (أكثر من ثلاثمائة منحة دراسية خاصة في الطب والهندسة) عبر شخصيات صومالية مرموقة، أو عبر التعاقد المباشر مع بعض الجامعات المحلية، وهي مراحل الشهادة الجامعية والماجستير، وكذلك ربطها مع جامعات أخرى في العراق.
    وتشهد الساحة التعليمية في الآونة الأخيرة رحلات ولقاءات أكاديمية بين جامعات صومالية وأخرى إيرانية، وهي بداية للعلاقة الثقافية بين البلدين.
  4. الصوماليون في المهجر والإعلان عن التشيع: لم يبرز إلى العلن في الوسط المحلي سابقًا شخصيات تعلن اعتناقها للفكر الشيعي، ربما خوفًا من ردَّة الفعل الاجتماعي ضدهم، إلا أنه في الآونة الأخيرة ظهرت شخصيات تتحدث إلى وسائل الاعلام من الصوماليين في المهجر، أو تكتب مقالات تقول بشكل علني: إنها درست المنهج الديني الصحيح في إيران، واقتنعت بأن الشيعة هم أقرب إلى الحق من السنَّة، والبعض منهم درس في قم.
    في بريطانيا مثلًا، تم إنشاء حسينيات لنشر العقيدة وتقديم خدمات اجتماعية، ويشير بعض المتابعين إلى أن هناك ثمانية وعشرين شخصًا في لندن وحدها تشيعوا، وهناك أسماء معروفة بعدائها المعلن لرموز أهل السنة، وإظهارها ذلك على الملأ(12).

السياق التجاري
التجارة في الصومال مفتوحة للجميع، في ظل غياب الأنظمة والقوانين التي تنظم العمل التجاري للبلد، وتصبح التجارة مع الصومال ميسرة وسهلة لمن أراد ذلك، ورغم صعوبة الحصول على بيانات توضح طبيعة التبادل التجاري بين إيران والصومال، إلا أنه يمكن تسجيل الملاحظات التالية فيما يتعلق بالجوانب البارزة منها:

  1. إيران واحدة من أهم مستوردي الفاكهة الصومالية وبالذات الموز (مادة سريعة التلف) بجانب السمسم وغيره، مما يضمن لها ارتباط النخب المالية بها إن عاجلًا أو آجلًا. 
  2. توريد بعض أصناف المحروقات عبر طرق سرية وبأسعار منخفضة يتم التعاقد بها مع التجار الموالين لها.

الوجود الإيراني: الفرص المتاحة

تستفيد إيران من فرص جذابة لها في الصومال، حيث الأهمية الجغرافية وموقعها من القارة الإفريقية، وقربها إلى الأحداث اليمنية، وكل هذه العوامل مجتمعة تجعل دولة طموحة مثل إيران تسعى لاقتناص الفرص المتاحة؛ مما يوفر لها البيئة المناسبة لوضع خططها للوصول إلى أهدافها، ويعزز من ذلك:

  1. غياب المنافس العربي الحقيقي في المشهد الصومالي خاصة في المجال السياسي والدبلوماسي، وبعد تضييق الخناق على المؤسسات العربية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول.
  2. الفقر والجهل، وحاجة المجتمع إلى الدعم التعليمي والإغاثي، والترحيب بكل من يبذل جهدًا لسدِّ هذه الحاجات الاجتماعية دون النظر إلى خلفيات مقدِّم الدعم.
  3. ضعف إمكانيات المؤسسات الدينية في الصومال، وهو ما يفتح الطريق أمام أي طرف آخر للاندماج في المجتمع.
  4. غياب الرؤية الحكومية عن الوجود الإيراني في البلاد خاصة نواحيها الاجتماعية والسياسية والعقدية، وربما يكون تصريح عمدة مقديشو (حسن محمد المشهور بمونغاب) حول تلقيه شكاوى من هيئة علماء الصومال تتحدث عن انتشار التشيع بين الشعب تعتبر الكلمة الأبرز التي تصدر من الحكومة الحالية(13)
  5. وجود الطرق الصوفية التي تكون مدخلًا مقبولًا لربط العلاقة بينهما، خاصة أن القاسم المشترك بين الطرفين كراهيتهم للفكر الوهابي أو السلفي المنتشر في أوساط الصوماليين.

مستقبل النفوذ الإيراني

لا شك أن توسع الدور الإيراني في العالم العربي مع نشر المذهب الشيعي في الأقطار الإسلامية السنية ليس عملًا تطوعيًّا يقوم به دعاة فرادى أو جماعات، وإنما تقف خلفه دولة بقدر إيران، وهناك تناغم بين استراتيجية الدولة الراغبة في التواجد في هذه المنطقة الاستراتيجية، وبين نشر المذهب الشيعي، كما أن النجاحات المتكررة لإيران في الاستيلاء على عواصم عربية يمنحها زخمًا كبيرًا لفتوحات جديدة.

ونظرًا للإرادة الإيرانية في التوسع في القرن الإفريقي، وخاصة في الصومال، ربما يصبح هذا البلد جزءًا من أهم الأوراق السياسية لدى طهران، ما لم يتم فتح آفاق التعاون بين الصومال والدول العربية.

ليس بمقدور الصوماليين وحدهم المنافسة أمام مشروع يحظى بدعم رسمي وشعبي من دولة طامحة للتوسع فكريًّا وسياسيًّا، ما لم تقم الدول العربية خاصة الخليجية بتنفيذ خطوات مدروسة لدعمها في المجالات التي تؤثر على مستقبل هذا البلد من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والتربية.

ومن أهم المجالات التي تحتاج إلى وضع خطط استراتيجية:

  1. توفير فرص التعليم البديل، واستقبال الجامعات في الدول العربية القادرة أعدادًا وفيرة من الطلبة الصوماليين، وذلك بغية حماية المجتمع الصومالي من أدمغة شيعية تمامًا، كما حدث أيام المدِّ الشيوعي الروسي؛ حيث لعبت الجامعات السعودية التي فتحت أبوابها للطلبة الصوماليين دورًا حاسمًا في لجم انتشار الشيوعية في المجتمع.
  2. توءمة بعض مؤسسات التعليم العالي الأهلي في الصومال مع نظرائه في العالم العربي والتخفيف من شروط الالتحاق والانتساب لها.
  3. توفير سوق بديلة للمنتجات الصومالية لقطع الطريق أمام المغريات الإيرانية، خاصة المواشي، والموز وغيره من المنتجات المشهورة من الصومال.
  4. دعم مؤسسات الدولة الصومالية لتضطلع بمسؤولياتها تجاه حماية مجتمعها أمام تغلغل النفوذ الإيراني لأمد طويل.
  5. تكثيف البعثات الدبلوماسية العربية، ورفع مستوى وجودها في البلاد مع إطلاق المشاريع الاجتماعية والثقافية.

الخاتمة

البلدان الساحلية مثل الصومال وجيبوتي، تجد نفسها أمام مشاريع دولية طموحة لهذا الموقع الاستراتيجي من العالم، ويأتي التنافس الدولي والإقليمي على منطقة القرن الإفريقي لتبحث كل دولة عن موطئ قدم لها على البحر وربما لإنشاء قواعد عسكرية في المستقبل.

فالوجود الإيراني في الصومال يتمثل حاليًا في توطيد الروابط مع شريك محلي، يتسلح بالدعم الإيراني في المجالات الهادفة والمؤثرة على المستقبل، وكذلك، الاحتفاظ بالعلاقة مع الجماعات المسلحة الصوفية، واستخدامها في الوقت المناسب، وهو ما يعرِّض الصومال ليصبح يومًا ما، ورقة قد تستخدمها إيران لخلق التوازن دوليًّا.
______________________________
فهد ياسين: باحث في مركز الجزيرة للدراسات.
 
الهوامش والمصادر
(1) سهل، عبد الرحمن: عنوان الورقة الدور الإيراني في الصومال.. ورقة علمية. بحث مقدم إلى هيئة علماء الصومال.
(2) شيخ أحمد محمد، الورقة العلمية، المذهب الشافعي في الصومال، موقع شبكة الشاهد، 13 يناير/كانون الثاني 2015، (تاريخ الدخول 3 يونيو/حزيران 2015) http://arabic.alshahid.net/news/119592
(3) الشيخ بشير صلاد: رئيس هيئة علماء الصومال، مقابلة معه في مقديشو.
(4) لقاء مباشر مع أقارب أحد هؤلاء في نيروبي كينيا، 25 مايو/أيار 2015.
(5) لقاء مع إحدى العائلات التي شارك أحدها في القتال إلى جانب الجيش العراقي.
(6) الشيخ بشير صلاد، مقابلة مع رئيس هيئة علماء الصومال.
(7) حلقة نقاشية في قناة الجزيرة، تاريخ 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2006 (تاريخ الدخول: 12 أغسطس/آب 2015)  http://www.aljazeera.net/home/print/0353e88a-286d-4266-82c6-6094179ea26d/baaee66f-d9bf-49d3-805a-16c920d71fc3
(8) موقع بي بي سي: زيارة وزير الخارجية الإيراني... ( تاريخ الدخول: 12 أغسطس/آب 2015) http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2011/08/110820_iran_somalia
(9) لم يكن من الملاحظ سابقًا، عقد حلقات علمية تتحدث عن آل البيت دون غيرهم من الصحابة، وهي مظاهر لم يعهدها الشعب الصومالي.
(10)  لقاء مع وزير في الحكومة الصومالية السابقة (طلب عدم ذكر اسمه).
(11) حمروين: من أقدم الأحياء في العاصمة مقديشو، ويسكنه العرب والهنود.
(12) محمد علي: صومالي يعلن التشيع ( تاريخ الدخول على اليوتيوب: 5 يونيو/حزيران 2015) https://www.youtube.com/watch?v=ro7moLiSSeA
(13)  حسن محمد: عمدة مقديشو، موقع إذاعة مقديشو، 7 مايو/أيار 2015، (تاريخ الدخول: 5 يونيو/حزيران 2015) http://www.radiomuqdisho.net/muungaab-xamar-aniga-ayaa-xukuma-shiicana-ma-ogoli/

نبذة عن الكاتب