الحوار الليبي بقيادة أممية جديدة: التحديات وفرص النجاح

تفاديًا لفشل الاتفاق السياسي مرة أخرى مع المبعوث الأممي الجديد كوبلر، يتزايد تركيز الأطراف الدولية الفاعلة على مقاربة احتضان المؤيدين وعزل الرافضين للاتفاق، وهي مقاربة صعبة لكنها ممكنة، في ظل تنامي مخاطر انتشار الفوضى، وازدياد الضغوط الدولية المطالِبة بتوحيد الجهود لمواجهة خطر تنظيم الدولة.
201512785019431734_20.jpg
تفاديًا لفشل الاتفاق السياسي مرة أخرى مع المبعوث الأممي الجديد كوبلر، يتزايد تركيز الأطراف الدولية الفاعلة على مقاربة احتضان المؤيدين وعزل الرافضين للاتفاق (الجزيرة)

ملخص
يرى مراقبون أن مبعث الجدل والخلاف حول مخرجات الحوار إنما يعود في أبرز أسبابه إلى أسلوب المبعوث السابق ليون ومقاربته للحوار، فقد ظهر جليًّا أن ليون ارتبك في تعاطيه مع الأطراف المتنازعة، وانعكس ارتباكه في صياغات المسودات، بحيث يفاجَأ الأطراف في كل جولة بمسودة تختلف اختلافًا جذريًّا عمَّا تم الاتفاق عليه، مما يوحي بغياب الموضوعية والحياد.

بدأ مارتن كوبلر، من حيث انتهى سلفه فيما يتعلق بمسودة الاتفاق ومقترح حكومة الوفاق الوطني؛ إذ هذا ما نقله السيد كوبلر لجميع الوفود التي التقى بها، خاصة المعنية بالحوار، وفي مقدمتها البرلمان والمؤتمر الوطني العام والأطراف السياسية التي تشارك بشكل أو آخر في الحوار، مثل حزبي تحالف القوى الوطنية والعدالة والبناء؛ وهو ما دأب المبعوث الأممي على التأكيد عليه في مناسبات عدة؛ إذ يصر كوبلر على عدم المساس بالمسودة الأخيرة التي أعلن عنها سلفه ليون، وعــدم التغيير في رئاسة وعضـوية الحكومة المقترحة، وقبوله بالإضافة على مجلس الحكومة نائبين كحدٍّ أقصى.

لم تُولِ الأطراف الليبية المتنازعة اهتمامًا للحوار في بداية الدعوة إليه من قِبل الأمم المتحدة، ويبدو أن كليهما اعتمد أو عوَّل على استراتيجية عسكرية لتحقيق أهدافه. فالبرلمان و"عملية الكرامة" آمنا بأنهما بدون السيطرة على بنغازي وإثارة القلاقل في المنطقة الغربية سيكونان على هامش الفعل السياسي الحقيقي في ليبيا؛ حيث تمثِّل بنغازي الثقل السياسي والاقتصادي والاجتماعي في الشرق الليبي. فيما اعتقد المؤتمر الوطني و"فجر ليبيا" أنه لا وجود حقيقيًّا لهما ما لم يتم السيطرة الكاملة على العاصمة والمدن القريبة منها، وعلى حقول وموانىء النفط بعد ضرب القوى المناوئة المتمثِّلة في "جيش القبائل" المتمركز في منطقة جنوب غرب طرابلس. وقد انعكس انحياز الطرفين لبدائل غير الحوار على تفاعلهما مع مخرجات الحوار، وظلَّ التعنت هو سيد الموقف. لكن عوامل عدة منها عجز أطراف النزاع عن تقديم بدائل ناجحة للرأي العام دفعها لتغيير موقفها.

وتبلورت أجندة الحوار السياسي بين الأطراف المتنازعة بشكل أوضح في النسخة الثالثة من المسودة التي دأب مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا السابق، "برناردينو ليون"، على الإضافة إليها والحذف منها لتلائم مطالب الطرفين، وتمخضت أجندة ليون في مسوداتها الأولى عن نقطتين أساسيتين، هما:

  • الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية.
  • الاتفاق على جملة من الترتيبات الأمنية.

لكنَّ موقفًا متصلبًا من المؤتمر الوطني العام الذي طالب بأجندة شاملة تتضمن التوافق على سلطة تنفيذية وسلطة تشريعية تراقبها، وموقفًا أكثر صلابة من البرلمان مطالبًا بعدم المساس به باعتباره الممثل الشرعي لليبيين، ربما أسهما في دفع ليون والأطراف الدولية إلى إعادة النظر في المقاربة السابقة فكانت المسودة الرابعة.

الأفكار التي وزعها ليون على وفدي التفاوض في مسودته الرابعة اقتربت من فكرة الأجندة الشاملة حيث تناولت التوافق على منظومة مؤسسية تشمل:

  • حكومة وفاق وطني.
  • مجلس تشريعي.
  • مجلس رئاسي أعلى.

وتضمن مقترح الأجندة الجديدة التفاوض حول مجلس الأمن القومي ومجلس البلديات الذي يشمل عمداء البلديات التي تم انتخابها العام الماضي.

لم تتطرق المسودة الرابعة إلى تفاصيل دقيقة حول الصلاحيات؛ حيث تركت ذلك للتفاوض بين الأطراف، لكن الإطار العام يدور حول إسناد سلطة التشريع والرقابة للبرلمان في شكله الجديد، على أن يُمنح المؤتمر الوطني العام في صيغة المجلس الرئاسي حق الاعتراض على قوانين وقرارات تتعلق بقضايا مصيرية محددة وترتبط بالخلاف الجوهري بينهما.

الجدل حول المسودة الخامسة

الجدل الذي ثار حول المسودة الخامسة سببه تحفظ المؤتمر الوطني وأنصاره على ما اعتبروه انتكاسة عن المسودة الرابعة وتغييرًا جذريًّا فيها لصالح الطرف الآخر؛ حيث يرى أنصار المؤتمر أن المسودة الخامسة تمكِّن خصومهم من التفرد بإدارة المرحلة الانتقالية الجديدة بما في ذلك صلاحية سحب الثقة من رئيس الحكومة التوافقية وتعيين خَلَفه، وتعيين القائد العام للجيش، وإقرار الطريقة التي تَشَكَّل بها الجيش في المنطقة الشرقية واعتبار القوة التابعة للمؤتمر ميليشيا، وذلك بعد أن نصت المسودة الرابعة على إعادة تشكيل الجيش وليس دعمه كما تنص المسودة الخامسة؛ بحيث يمكن تفسير النص المعدل على أن المقصود بالدعم هو الجيش التابع للبرلمان وليس قوة رئاسة الأركان التابعة للمؤتمر الوطني العام.

فيما يتعلق بالجنرال "خليفة حفتر" والذي طالب أنصار المؤتمر الوطني باستبعاده بينما أصرَّ الطرف الثاني على تثبيته، يقول أنصار المؤتمر: إن المسودة تمكِّن حفتر من البقاء قائدًا عامًّا للجيش، وذلك من خلال إقرار المسودة بصحة قرارات البرلمان، واشتراط الإجماع في قرارات مجلس الوزراء الذي مُنح سلطة إقالة وتعيين قائد الجيش؛ حيث يؤكد أنصار المؤتمر أنه سيكون من الصعب بلوغ الإجماع لإقالة حفتر، وفي حال تحققه سيكون من العسير الإجماع على بديل غير منحاز.

أصرَّ المؤتمر الوطني على موقفه من رفض التوقيع على المسودة ما قبل الأخيرة إلا بعد إجراء تعديلات عليها تحقق التوازن بينه وبين البرلمان، ونجح من خلال صلابة موقفه ودعم قاعدته الشعبية والسياسية والعسكرية في دفع ليون والسفراء الغربيين إلى الالتفات إلى موقفه فكان اجتماع إسطنبول في مطلع شهر سبتمبر/أيلول بمثابة خطوة للاستماع لمطالب المؤتمر، ووَعْده بأن يتم فتح الشمع الأحمر، بمعنى إعادة النظر في المسودة.

احتج البرلمان بقوة على ما اعتبره إذعانًا لضغوط المؤتمر الوطني، وصدر عنه بيان يؤكد رفض التعديل على المسودة؛ حيث نَصَّ البيان على رفضه المصادقة على توقيع الوفد الممثل له بالأحرف الأولى على المسودة وطالب بضرورة أن يُمنح البرلمان حق التفرد بتعيين رئيس الحكومة التوافقية ونائبه، والتمسك بمقر مؤقت للحكومة التوافقية (كأن يكون طبرق أو البيضاء) إلى حين تنفيذ كافة الترتيبات الأمنية والتي تتضمن إخلاء العاصمة من التشكيلات المسلحة. أمَّا النقطة الثانية فمتعلقة بمجلس الدولة الذي تقترح المسودة أن يشغل أعضاء المؤتمر الوطني العام نحو 75% من مجمل مقاعده، فطالب البيان بأن تكون قراراته غير ملزمة، وأن يكون مقره سبها، وأن يُسنَد للبرلمان اختيار نصف أعضائه ويصادِق على النصف الآخر. أمَّا فيما يتعلق بقرارات الجسمين التشريعين، فيطالب البيان بإلغاء كافة قرارات المؤتمر الوطني العام ويتمسك بالقوانين والقرارات والتعيينات الصادرة عن مجلس طبرق.

المبعوث الجديد وتَرِكة سلفه

يرى العديد من المراقبين أن مبعث الجدل المستمر والخلاف حول مخرجات الحوار إنما يعود في أبرز أسبابه إلى أسلوب المبعوث السابق ليون ومقاربته للحوار؛ فقد ظهر جليًّا أن ليون قد ارتبك في تعاطيه مع الأطراف المتنازعة، وانعكس ارتباكه في صياغات المسودات؛ بحيث يُفاجَأ الأطراف في كل جولة بمسودة تختلف اختلافًا جذريًّا عمَّا تم الاتفاق عليه؛ مما يوحي بغياب الموضوعية والحكمة والتحكم.

يؤكد بعض من انتقدوا ليون أن الاضطراب في مضامين المسودات راجع إلى غياب الرؤية وفقدان البوصلة من قبل المنظمة الأممية وممثلها السابق في ليبيا، ويؤكد غياب الرؤية التغييرات الكبيرة التي تضمنتها كل نسخة يقدمها للأطراف عن سابقتها بشكل يفاجئ الأطراف المعنية ويجعلها تشعر بأن الوسيط ليس محايدًا، بل تُفرَض عليه أجندات من خارج غرفة التفاوض تظهر بشكل متكرر في مسوداته.

من ناحية أخرى، تحفَّظ الطرفان على سلوك ليون فيما يتعلق بفقرة الترتيبات الأمنية، فقد تواصل المبعوث الأممي مع مجاميع عسكرية ضمن جبهتي طبرق وطرابلس دون التنسيق مع قياداتها العسكرية، وأعلن الطرفان مرارًا عن شعورهما بالغموض تجاه رؤية ليون للترتيبات الأمنية وكيفية تنفيذها. ثم كانت التسريبات التي كشفت أن ليون منفتح بطريقة غير مقبولة على أحد الأطراف المغذِّية للصراع؛ الأمر الذي شكَّك في حياديته كوسيط دولي، وربما يقلِّل من تأثير فضيحة التسريبات على الحوار أنها وقعت في الأيام الأخيرة من مهمته كمبعوث أممي لليبيا.

الفترة ما بين ليون وكوبلر

قبل أن يشرع كوبلر في مهمته كمبعوث أممي خلَفًا لليون كان الحراك الوطني نشِطًا نوعًا ما، وكان من أبرز مظاهره تقدُّم نواب الجنوب في البرلمان بمبادرة، عُرفت بـ "مبادرة فَزَّان"، تحث على قبول الحكومة التي اقترحها المبعوث الأممي السابق، مع تعديل عليها بإضافة نائب عن المنطقة الشرقية ونائب ووزير مفوَّض عن المنطقة الجنوبية، ورفض المقترح المقدم من البعثة الأممية بترشيح مستشار لمجلس الدفاع والأمن القومي والمجلس الأعلى للدولة. وتدعو مبادرة فزان إلى أن تكون آلية اتخاذ القرار فيما يتعلق بالمناصب السيادية بالإجماع، وقد تحصلت المبادرة على دعم وتأييد 92 نائبًا في البرلمان، لكن الرئاسة لم تمنحها الفرصة للتصويت والإقرار الرسمي من عدمه. من جهة أخرى، تنحاز المبادرة لخيار عدم إبعاد حفتر ولو بشكل غير مباشر بتضمينها التشديد على أن المؤسسة العسكرية مؤسسة مستقلة لا تخضع لأي مساومات في أي اتفاق سياسي، بحسب المبادرة.

كوبلر: البدء من حيث انتهى ليون

من الواضح أن المجتمع الدولي لم يلتفت إلى التسريبات التي تؤكد عدم حيادية ليون، ومن المؤكد أن المبعوث الجديد، مارتن كوبلر، بدأ من حيث انتهى سلفه فيما يتعلق بمسودة الاتفاق ومقترح حكومة الوفاق الوطني؛ إذ هذا ما نقله السيد كوبلر لجميع الوفود التي التقى بها، خاصة المعنية بالحوار، وفي مقدمتها البرلمان والمؤتمر الوطني العام والأطراف السياسية التي تشارك بشكل أو آخر في الحوار مثل حزبي تحالف القوى الوطنية والعدالة والبناء؛ وهو ما دأب المبعوث الأممي على التأكيد عليه في مناسبات عدة؛ إذ يصر كوبلر على:

  • عدم المساس بالمسودة الأخيرة التي أعلن عنها سلفه ليون.
  • عــدم التغيير في رئاسة وعضــــوية الحــكومة المقــــــترحة.
  • قبوله بالإضـــافة على مجلس الحـكومة نائبين كــحدٍّ أقصى.

 الخطة "ب"

اللغة الصارمة التي تحدث بها المبعوث الأممي الجديد مع الأطراف التي التقى بها لابد أنها لا تتعلق فقط بالحاجة إلى الحزم في ظل الاستقطاب الحاد في الساحة الليبية والعراقيل التي تضعها الأطراف المتنازعة في طريق الحوار بحسب ما يظهر للبعثة الأممية، وإنما يستند المبعوث الأممي على تطورات مهمة داخليًّا، وإصرار أطراف فاعلة خارجيًّا على إتمام المسار السياسي الذي انطلق منه الحوار. وحسب ما تحدث به البعض(1) نقلًا عن مصادر قريبة من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، فإن المبعوث الدولي، مارتن كوبلر، يتجه في حالة رفض رئاستي المؤتمر الوطني العام في طرابلس والبرلمان في طبرق، إلى اعتماد توقيع الأعضاء الموافقين على مسودة اتفاق السلام.

ونقلت المصادر أن المبعوث الأممي سيتجه إلى تجاوز المجاميع الرافضة للمسودة وللحكومة المقترحة من قِبل المبعوث الأممي السابق، واعتماد مقاربة التوافق من قبل أعضاء المؤتمر الوطني والبرلمان الذين سيوقِّعون على الاتفاق، بحيث سيُشكَّل من الموقِّعين مجلس الدولة القادم ومجلس النواب، فيما سيتم استبعاد الأعضاء الذين وصفهم بـ"المعرقِلين" للاتفاق من تشكيلتيهما.

وتعوِّل الخطة "ب" على تفعيل المؤسسات السيادية في ليبيا، كمصرف ليبيا المركزي والمؤسسة الليبية للاستثمارات الخارجية وديوان المحاسبة والمؤسسة الوطنية للنفط مباشرة من قبل حكومة التوافق الوطني، بعد قطع صلاتها الإدارية بالأجسام الأخرى.

فرص كوبلر في النجاح

من المهم التنبه إلى أن حراكًا انطلق بعد تسلُّم مارتن كوبلر مهامه بعيدًا عن مواقف رئاسة الجسمين التشريعيين، البرلمان والمؤتمر الوطني، آخِذًا في البروز والاتساع وذلك بعد الإعلان عن قبول "مبادرة فزَّان" السابق الإشارة إليها سابقًا. وأيضًا الجدل الدائر حول الصلاحيات الممنوحة لرئيس المؤتمر الوطني العام، والعريضة التي وقَّع عليها ما يزيد عن خمسين عضوًا تطالب بسحب الصلاحيات الممنوحة من قِبل المؤتمر لرئيسه، والتي أُسندت إليه بعد انطلاق عملية فجر ليبيا وعودة المؤتمر الوطني كجسم تشريعي فاعل في الغرب الليبي، والذي يوجَّه إليه اللوم في عرقلة التوافق من قِبل معارضيه في المؤتمر الوطني.

التطور الأكثر الأهمية هو اللقاءات التي جمعت بين أعضاء في البرلمان وآخرين في المؤتمر الوطني في تونس نهاية شهر نوفمبر/تشرين الثاني بغرض بحث أزمة البلاد وأزمة الحوار والمخرج منها، وهي وإن لم تسفر عن شيء كبير باعتبار أنها ضمَّت فقط الأعضاء في الجسمين التشريعيين الممثلين عن المنطقة الشرقية "برقة"، إلا أنها تكتسب أهميتها من حيث الشعور بأن الوضع يستدعي حراكًا ليبيًّا يتجاوز حالة الاستقطاب، ويعكس قلقًا من الدور غير الإيجابي للبعثة الأممية ممثَّلة في مبعوثها السابق ليون.

وما لا يمكن إغفاله هو إعلان عقيلة صالح، رئيس البرلمان، عن قبوله لقاء نوري بوسهمين، رئيس المؤتمر الوطني، ومباركته لجهود التقارب بين الطرفين ورغبته في التوصل لمصالحة بجهود ليبية(2).

ما سبق ذكره تطوراتٌ تعزِّز تفاؤل المبعوث الأممي الجديد الذي توقع في تصريحاته الأخيرة أن يتم التوقيع على الاتفاق السياسي خلال أربعة أسابيع. أيضًا تتعزز فرص نجاح كوبلر بالنظر إلى جملة من المعطيات المهمة التي يمكن إجمالها فيما يلي:

  • التصدع في الجبهة السياسية والعسكرية في كلا المعسكريْن ونشوب نزاعات بين مكوناتها الأساسية.
  • ضغط الشارع الذي سَئِم الاقتتال ويتطلع إلى استقرار يلبي طموحاته وتحسين مستوى عيشه المتدني.
  • تراجع الدعم الإقليمي وازدياد الضغوط الدولية المطالبة بتوحيد الجهود لمواجهة خطر تنظيم الدولة "داعش".

 التحديات أمام المبعوث الجديد

برغم التطورات المهمة التي يعتبرها كثيرون إيجابية من جهة أنها تقرِّب بين الطرفين المتنازعين وتمهِّد لنجاح الحل الأممي أو تؤسس لحل ليبي في حال تعثرت المقاربة الدولية لحل النزاع، إلا أن هناك تحديات كبيرة تتعلق بنفوذ الأطراف التي تشكِّك في مصداقية من يمثِّلهم كوبلر، وهم المجتمع الدولي، باعتبارها أطرافًا سياسية لها ثقلها خاصة في الغرب الليبي، بل إن كوبلر نفسه يواجه معارضة وتنتشر على صفحات الفيس بوك أمثلة عن عدم حيادية ونزاهة كوبلر في معالجة الملف العراقي عندما كان مبعوثًا للسكرتير العام للأمم المتحدة(3). ويمكن إجمال أهم العقبات التي تواجه المبعوث الجديد فيما يلي: 

  • عزَّزت التسريبات الخاصة بتواصل المبعوث الأممي السابق ليون مع دولة الإمارات شكوك أطراف فاعلة في كلتا الجبهتين حول الحوار، وهي بالتالي لا تتوقع أن يكون كوبلر أكثر حيادية من سلفه.
  • الملف الأمني شائك خاصة ما يتعلق بتوصيف أطراف النزاع للمواجهات الدائرة؛ حيث يعتبرها أنصار البرلمان حربًا على الإرهاب، ويصنِّفها أنصار المؤتمر مخططًا للانقلاب على ثورة 17 فبراير/شباط.
  • مستقبل الجنرال خليفة حفتر في المشهد السياسي الليبي من أبرز تعقيدات التوافق؛ حيث يُصِرُّ الفاعلون في البرلمان على عدم المساس بمنصبه، فيما لم يتغير موقف أنصار المؤتمر الذين يطالبون باستبعاده من المعادلة السياسية والأمنية الجديدة. 
  • لن يكون للتوافق صدى إيجابي ما لم يصحبه ترتيبات أمنية متوازنة، إلا أن التوازن قد يكون صعبًا في ظل الحرب المستمرة في بنغازي، وفي ظل الموقف الأمني في المناطق الواقعة جنوب غرب طرابلس؛ حيث خطوط التماس بين القوة التابعة لرئاسة أركان المؤتمر الوطني و"جيش القبائل".

 التداعيات في حال فشل الحوار

قد لا نستطيع الجزم بفشل الحوار السياسي، وربما لن يسمح المجتمع الدولي أو قُل: الأطراف الدولية الفاعلة بسيناريو فشل الحوار، وبالتالي فإن الجهود سترُكزَّ على مقاربة احتضان المؤيدين وعزل الرافضين، وهذه مقاربة ليست بالسهلة، وقد تأخذ وقتًا، لكنها ممكنة وذلك في ظل ازدياد حالة الاحتقان التي يعيشها الشارع الليبي. وعلى العموم، وفي حال فشل الحوار، بمعنى تخلي الأطراف الدولية عن مبدأ التوافق بين الأطراف المتنازعة ورفع يدها عن العملية السياسية، فإن الوضع سيكون مفتوحًا لكل الخيارات والسيناريوهات السيئة، والتي من بينها:

  • تكريس حالة الانقسام وشرعنته وتحـوله إلى واقــع يتعايش معــــه الليبيون ويقبلون به.
  • مزيد من الانفلات الأمني وارتفاع معدلات الجريمة في ظل استمرار الفــراغ السياسي.
  • مزيد من التردي على المستوى الاقتصــادي ومواجهة المواطن ظـروف عيش قاسية.
  • اشتعـال جبهات القتال واتسـاع نطـاقها ربمـــا في كــافة المناطق غـربًا وشـرقًا وجنـوبًا.
  • تعزيز فرص التدخل العسكري بقرار دولي، أو حـتى عبر حـلف غربي عربي صــغير.

 مستقبل العاصمة في حال فشل الحوار

من المتوقع انتقال الاضطرابات الأمنية إلى طرابلس، والتي لا تزال تمثِّل التوازن والاستقرار النسبي في البلاد كونها العاصمة؛ إذ من المتوقع أن تخرج الأوضاع في طرابلس عن السيطرة في حال فشل الحوار وذلك للأسباب التالية:

  • الخلافات التي دبَّت داخل قوة "فجر ليبيا" وخروج جزء فاعل ومهم منها عن سيطرة وتوجيه رئاسة الأركان.
  • تنامي نفوذ قوى عسكرية وأمنية لا تخضع لسلطة الداخلية والدفاع وظهور مؤشرات على إمكان الصدام بينها.
  • هناك ما يشير إلى غَلَبة النزوع الفكري والسياسي لبعض القوى العسكرية والأمنية على الولاء للحكومة والمؤسسات الأمنية التابعة لها.
  • انتشار عدد غير قليل من الكتائب والمجموعات المسلحة، غير الكتائب الرئيسة المعروفة، التي يتقاضى أفرادها رواتبهم من الحكومة لكن لا يأتمرون بـأمرها؛ فقد يشكِّل هؤلاء وقود مواجهات واسعة وشديدة.
  • بوادر الخلاف بين الكتائب المنتسبة لمصراتة وبين القوى العسكرية المنتسبة لطرابلس واحتمال الصدام بينها في حال استمر الوضع الراهن على ما هو عليه دون ضبط.
  • رغم الجهود المبذولة للتصدي لتنظيم الدولة في العاصمة، من قِبل "قوة الردع الخاصة"، والنجاح في ذلك نسبيًّا إلا أن البعض يرى أن القوة أو بعض سراياها، تورطت في تجاوزات كان لها صدى سلبي قد يضع قوة الردع في مواجهة كتاب أخرى؛ الأمر الذي سيكون لصالح تنظيم الدولة وتعزيز فرصه في التوسع في العاصمة.

 خاتمة

مهما كانت الجهود الدولية مهمة وأساسية في تحقيق التوافق، فإنها لن تكون ناجعة ما لم يتم لملمة شعث الليبيين حول الوفاق وإقناع الشاكِّ منهم بأن التوافق هو الخيار الوحيد لخروج البلاد من أزمتها الراهنة، ومنعها من الانزلاق إلى المجهول. وذلك في ظل المعطيات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية التي لا يمكن تجاوزها بأي خيار إلا خيار التوافق.

والمطلوب هو الترويج للتقارب بين طرفي النزاع وتشجيعه، وإعادة الثقة في إمكان أن يكون الحل عبر التفاهم الليبي-الليبي، والبحث عن مقاربات موضوعية لتجاوز العقبات وفي مقدمتها الحرب في بنغازي، وتحقيق التوازن المطلوب لتحريك الملفات الرئيسية، وعلى رأسها الملف الأمني وما يتعلق به من وضع الجماعات المسلحة والسلاح ووضع الجيش والشرطة وغير ذلك.

إن التركيز على مخاطر فشل الحوار وإبرازها، وهي مخاطر حقيقية وكبيرة وتنذر بكارثة حقيقية قد يصعب احتواؤها، قد يسهم في تخفيف التوثر والتمهيد للقبول بالحلول المطروحة التي تنحاز للوطن وللصالح العام.
_____________________________
السنوسي البسيكري - محلل سياسي ليبي

الهوامش
1- سراج عبد الحميد: خطة أممية لاستبعاد العناصر "المعرقلة" للاتفاق السياسي بليبيا، موقع عربي 21- 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2015.
http://arabi21.com/story/875328/%D8%AE%D8%B7%D8%A9-%D8%A3%D9%85%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%A8%D8%B9%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%86%D8%A7%D8%B5%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%82%D9%84%D8%A9-%D9%84%D9%84%D8%A7%D8%AA%D9%81%D8%A7%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A-%D8%A8%D9%84%D9%8A%D8%A8%D9%8A%D8%A7
2- عقيلة صالح: تصريح لقناة الكرامة بتاريخ 3 ديسمير/كانون الأول 2013.
3- شهادة طاهر بو مدره مستشار يونامي( بعثة الأمم المتحدة بالعراق) في شؤون "مخيم أشرف" بالعراق حتى مايو/أيار 2012
https://www.youtube.com/watch?v=8VJy72Q28sY

نبذة عن الكاتب