معركة الموصل المرتقبة: القوى المشاركة والرهانات المتضاربة

تتميز الاستعدادات لمعركة الموصل بطابعين، فمن جانب هناك اتفاق عام بين القوى المناهضة لتنظيم الدولة على خوضها لكن من جانب آخر تتناقض رهاناتها تناقضا قد يضر بسير المعركة أو يخدم تنظيم الدولة بدلا من الإضرار به.
734f0c37287e4bc3994d2fb8d2ff2c4b_18.jpg
الموصل: معركة الرهانات الكبرى (رويترز)

تتحدث الورقة عن جدل أطراف عراقية وأخرى إقليمية ودولية أبدت اهتمامًا استثنائيَّا بمعركة استعادة الموصل المرتقبة، بخلاف غيرها من المعارك ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

وتحاول الورقة توضيح أهمية معركة الموصل لأطراف متعددة تختلف مع بعضها سياسيًّا، لكنَّها تلتقي على ضرورة استعادة الأراضي العراقية كافة، وهزيمة تنظيم الدولة والقضاء عليه.

وتعرِّج الورقة على أهمية الموصل ومعركتها، وأهمية مرحلة ما بعد استعادتها لأطرافٍ محليةٍ وأخرى إقليميةٍ ودوليةٍ أهميةً استثنائية عن غيرها من مدن العراق.

ومن خلال استعراض الورقة لأهمية المدينة عند كلِّ طرف من الأطراف، يمكن عندها معرفة أهداف تلك الأطراف من رغبتها بالمشاركة في المعركة.

تخلص الورقة إلى أنَّ الخلافات بين الأطراف المعنية بمعركة الموصل ستزيد من تعقيدات معركةٍ لا خلاف على حسمها عسكريًّا بصعوبةٍ إلى حدٍّ ما؛ لكنَّ الصعوبات التي ستواجه تلك الأطراف ستزداد في مرحلة ما بعد استعادة الموصل وما يتعلق بإداراتها مستقبلًا وتقاسم السلطات فيها، إضافةً إلى كيفية تأمين مصلحة كلِّ طرف من هذه الأطراف لمصالحه بشكلٍ مستقل عن الأطراف الأخرى.

المقدمة 

لمْ يعُدِ الحديث عن استعادة الموصل والصعوبات العسكرية للمعركة المرتقبة هو الحديث الأهم بين الأطراف المحلية والدولية؛ ففي سياق تراجع تنظيم الدولة وخساراته المتتالية لمناطق سيطرته باتت رهانات خسارته مدينة الموصل قابلةً للتحقق؛ لكنَّ الجدل يدور حول نقطتين خلافيتين تتعلقان بتسمية الأطراف التي ستشارك في معركة الموصل من جهة؛ ومن جهةٍ أخرى، إدارة المدينة بعد استعادتها، والأطراف التي ستُمثِّل مراكز السلطة والقرار فيها. 

وستظل معركة الموصل المعركة الأكثر إثارةً للخلافات من مجمل معارك استعادة المدن من تنظيم الدولة لتميُّزها بتعدد الأطراف الراغبة في المشاركة فيها، وتنوُّع سياساتهم، واختلاف أهدافهم من المشاركة، وتناقضها في أحيان كثيرة؛ كما تظلُّ مشاركة الحشد الشعبي في معركة الموصل المسألة الأكثر تعقيدًا وإثارةً للجدل من وجهة نظر مختلف الأطراف السُّنِّيَّة والكردية، وأيضًا التحالف الدولي. 

وخلافًا لغيرها من المعارك التي كانت القيادات السياسية العراقية والعسكرية على اتفاقٍ شبه تام عليها، فإنَّ معركة الموصل منذُ بداية الحديث عنها والاستعدادات الميدانية لها، تشهد خلافات بين السياسيين العرب السُّنَّة أنفسهم وبينهم وبين السياسيين الشيعة، وعلى درجةٍ أقل مع السياسيين الأكراد؛ الذين هم -أيضًا- على خلاف مع السياسيين الشيعة حول المعركة، وما يشكِّله مجمل هذه الخلافات من انعكاسات على مواقف الدول الإقليمية والتحالف الدولي. 

كما تبرز في هذه المعركة -خلاف غيرها من المعارك- مخاوف من احتمالات اندلاع صدامات مسلحة على خلفيات طائفية أو عرقية أو سياسية بين الأطراف المتعددة التي ستشارك في المعركة، أو أطراف أخرى قد ترى نفسها داخل دائرة الصراع في لحظة ما تستدعي منها الدفاع عن مصالحها ووجودها؛ مثل السكان المحليين الذين يُقَدَّر عددهم بمليون نسمة من غير المستبعد بقاؤهم في المدينة حتى نهاية المعركة العسكرية. 

أهمية استعادة الموصل لأطراف المعركة 

تختلف أهمية مدينة الموصل من طرفٍ إلى آخر بحسب مصالح كلٍّ منهم في المدينة، والمكاسب التي يمكن تحقيقها من خلال المشاركة في المعركة وتقديم الضحايا وتكبُّد الخسائر؛ ولا تقتصر أهميتها على الأطراف المحلية كما في معارك استعادة المدن السابقة؛ بل تتعدى هذا إلى أطرافٍ إقليميةٍ، إيران وتركيا، وأطرافٍ دوليةٍ يُمثلها التحالف الدولي للحرب على تنظيم الدولة الذي تُشكل له المدينة أهمية استثنائية، خاصةً الاهتمام الأميركي-الفرنسي المشترك الذي ظهر مؤخرًا في مؤتمر وزراء خارجية ودفاع دول التحالف الدولي قرب العاصمة واشنطن يومي 20 و21 يوليو/تموز 2016. 

والموصل هي ثاني أكبر مدن العراق بعد العاصمة بعدد سكانها؛ الذي تُشير تقديرات وزارة التخطيط العراقية إلى أنَّ عدد سكان محافظة نينوى وصل إلى "حوالي 3 ملايين و524 ألف نسمة"(1) في عام 2013؛ أما عدد سكان مدينة الموصل، مركز المحافظة، فتُشير معظم التقديرات إلى وجود أكثر من مليون نسمة يعيشون داخل المدينة بالتزامن مع الاستعدادات لمعركة الموصل. 

كما تأتي أهمية مدينة الموصل من موقعها الجغرافي الذي يُشَكِّل نقطة تلاقٍ لمصالح مجموعات عِرقية وطائفية على مفترق طرق التجارة البينية بين إيران وتركيا وسوريا، إضافةً إلى حكومة بغداد وإقليم كردستان؛ الذي يبني اقتصاده ويُقيم علاقاته التجارية مع الخارج بشكلٍ شبه مستقل عن الحكومة. 

تسعى الحكومة العراقية وقوات التحالف الدولي إلى استعادة المدينة من سيطرة تنظيم الدولة من خلال دعم قوات التحالف ومشاركة عدد من التشكيلات القتالية المرتبطة بالحكومة العراقية، أو حكومة إقليم كردستان، أو تشكيلات أخرى عشائرية أو محلية. 

ومن أهم القوات المُنتظر مشاركتها قوات البشمركة الكردية، والحشد الشعبي، ووحدات من الجيش العراقي أعادت الولايات المتحدة تأهيلها، وتلقى جنودها تدريباتٍ خاصة على يد مدربين من التحالف الدولي؛ إضافةً إلى قوة مكافحة الإرهاب المعروفة باسم قوات النخبة؛ وستشارك إلى جانب هذه القوات أفواج قتالية تابعة لقواتٍ محلية معروفة باسم الحشد الوطني وأخرى الحشد العشائري؛ وتتلقى جميع تلك القوات بشكلٍ أو بآخر دعم الولايات المتحدة "حتى إنْ كان بينها الحشد الشعبي"(2)؛ الذي أعلنت قيادته تشكيل حشدٍ عشائري جديد من 15 ألف متطوع يتبعون لها. 

أولا: الأطراف المحلية 

يمكن استعراض مصالح تلك الأطراف -التي قليلًا ما تتلاقى- من المشاركة في استعادة مدينة الموصل، وما تعنيه المدينة عند كلِّ طرف من الأطراف: 

‌أ. تنظيم الدولة الإسلامية

منذُ سيطرته على مدينة الموصل في يونيو/حزيران 2014، عمل تنظيم الدولة على تشكيل منظومة لإدارة المدينة من خلال (الدواوين) التي تناط بها مهام الوزارات في الحكومات؛ كما أنَّ المدينة هي أرض تمكين وسلطة للتنظيم؛ لذا من غير الممكن أنْ تكون المعركة بالسهولة ذاتها التي تمَّت بها معارك أخرى؛ مثل: الرمادي، وتكريت، التي انسحب منهما بشكل تدريجي، والفلوجة التي خسر معركتها عسكريًّا بعد حوالي ستة أسابيع من القتال. 

السياقات العسكرية التي اتبعها تنظيم الدولة في إدارته معارك تكريت والرمادي والفلوجة تكاد تكون متشابهة في أساليب الدفاع عن المدن؛ وهي السياقات نفسها التي من المتوقع أنْ يستخدمها في الدفاع عن الموصل؛ لكنْ هناك عامل جديد يمكن أنْ يستثمره تنظيم الدولة لتخفيف حدَّة القصف الجوي، وهو وجود أعداد كبيرة جدًّا من السكان يُتوقَّع بقاء النسبة الأكبر منهم في المدينة خلال المعارك لمنعهم من مغادرة المدينة، أو أنَّ كثيرًا منهم يخشى أنْ يتعرض لانتهاكات القوات المهاجمة بعد خروجه؛ إضافةً إلى الصعوبات التي تواجهها الحكومة العراقية والمنظمات الدولية في توفير مستلزمات نزوح متوقع له أنْ يكون الأكبر في العراق. 

سبقَ لتنظيم الدولة أنِ انسحب من الرمادي بشكلٍ تدريجي، وقبلها من مدينة تكريت لتدنِّي أهميتهما لديه من جوانب عدَّة جعلته يُرجِّح الحفاظ على العنصر البشري، العامل الوجودي الأهم؛ الذي يأخذ أولوية على عامل الأرض والتمسك بها؛ لكن ثمَّة ما يكفي من الأسباب التي تجعل تنظيم الدولة يقاتل حتى النهاية دفاعًا عن مدينة الموصل لحساباتٍ تتعلق بأهمية المدينة من حيث إنَّها:

  1. معقله الأخير بالعراق، وثاني أكثر مدينة من حيث أهميتها بعد مدينة الرقة السورية، عاصمة دولته المفترضة.
  2. إعلان دولة الخلافة الإسلامية من أحد مساجدها.
  3. المعقل الحضري الأخير له بالعراق من بين المدن ذات الكتلة البشرية الكبيرة بعد خسارته مدينتي الرمادي والفلوجة.
  4. أكبر معقل للعرب السُّنَّة بالعراق.
  5. تشكِّل المحافظة مصادر للموارد المالية حيث تُنتج ما يقارب ثلث إجمالي إنتاج العراق من الحبوب، وفيها مناجم استخراج الكبريت في منطقة المشراق، إضافةً إلى وجود آبار نفط في المحافظة (أحرق بعضها قبل خسارته معارك القيارة الأخيرة). 

‌ب. الجيش العراقي والحشد الشعبي

تَشَكَّلَ الحشد الشعبي بعد دعوة "الجهاد الكفائي"؛ التي أَعلن عنها المرجع الديني علي السيستاني، في 13 من يونيو/حزيران 2014؛ والحشد الشعبي جزء من المؤسسة الأمنية العراقية بموجب أوامر صادرة عن رئيس الوزراء، حيدر العبادي؛ وقَدَّر المتحدث باسم الجيش الأميركي في العراق، الكولونيل كريس غارفر، "أنَّ القوات الشيعية المعروفة بالحشد الشعبي، تنامت إلى نحو 100 ألف مقاتل بعد ظهور تنظيم داعش"(3). 

لا ينظر عامة المجتمع السُّنِّي إلى الجيش العراقي على أنَّه جيش لجميع المكونات؛ بل هو جيش طائفة يقوده الشيعة ويخضع لقيادات الحشد الشعبي؛ كما أنَّ الجيش سبق أنِ انتهك مدن السُّنَّة وأزهق أرواح سكانها، وخرَّب بناها التحتية بالقصف العشوائي البري والجوي؛ في مقابل ذلك، ينظر المجتمع السُّنِّي إلى قوات البشمركة الكردية على أنَّها قوة خاصة بحماية إقليم كردستان ومواطني الإقليم، وهي -أيضًا- ارتكبت انتهاكات في القرى والمناطق العربية التي استعادتها من تنظيم الدولة في محافظة نينوى، وما زالت ترفض الانسحاب منها. 

في مقابل عدم ثقة المجتمع السُّنِّي بالقوات الحكومية والبشمركة الكردية، تظل الحاجة قائمة إلى بناء قوة سُنِّيَّة بديلة مقبولة من المجتمع السُّنِّي -لتكون جزءًا من إعادة التوازن العسكري بين المكونات العراقية لإقناع المجتمع السُّنِّي بوجود قوَّة سُنيَّة بديلة عن قوة تنظيم الدولة الإسلامية؛ التي وَجَدَ فيها نسبة من السُّنَّة، على الأقل في العام الأول من سيطرتها على الفلوجة والموصل- حاجة مرحلية ملحَّة في مواجهة سياسات رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الطائفية، ولتحقيق توازن مسلح في مقابل قوات البشمركة الكردية، والميليشيات الشيعية، وفصائل الحشد الشعبي، والجيش العراقي؛ الذي هو الآخر باتَ محسوبًا قوَّةٍ شيعية في المقام الأول. 

ومع واقع الانقسامات المجتمعية عرقيًّا وطائفيًّا وتراجع حالة الثقة بين المكونات؛ فإن الجيش العراقي الذي تشكَّل بعد احتلال العراق لا يزال تغلب على سلوكه التوجهات الطائفية للمكون الشيعي الأكثر سيطرة على قياداته العليا؛ التي تقود "قوات حكومية ترتكب مع ميليشيات شيعية مجازر وعمليات تطهير عرقي بحق العرب السُّنَّة في العراق"؛ "وفي بعض الحالات قامت بالتهجير القسري لمجتمعاتٍ سُنِّية كاملة"(4). 

في مقابل ذلك، هناك ثمَّة تحسُّن في الأداء المهني لبعض -وليس كلَّ- وحدات الجيش العراقي؛ وبرز هذا في وحدات عملت تحت قيادة الولايات المتحدة في معركة الرمادي؛ لكنَّ معظم وحدات الجيش العراقي تخضع لأوامر وتعليمات بعض قيادات الحشد الشعبي المتنفذة التي تُشرف على المعارك الميدانية، مثل: القيادي (أبو مهدي المهندس) الذي "يهيمن على قيادة عمليات الجيش العراقي بمحافظة صلاح الدين"(5)؛ كما أشرف القيادي في الحشد الشعبي، هادي العامري، أمين عام منظمة بدر على "قاطعي الفلوجة والصقلاوية"(6). وبدلًا من تعزيز الأداء المهني للجيش العراقي وسلوكه الوطني، انتهجت مراكز القرار في الحكومة العراقية سياسات عزَّزت السلوك الطائفي للجيش بعد إدماج قوات الحشد الشعبي، بموجب الأمر الديواني الذي أصدره رئيس الوزراء في 22 من فبراير/شباط 2016 في الجيش العراقي ليصبح قوة "عسكرية مستقلة تعمل بنموذجٍ موازٍ لجهاز مكافحة الإرهاب الحالي"(7). 

يسعى الحشد الشعبي من خلال "إصراره" على المشاركة في معركة الموصل، إضافةً إلى مكتسباتٍ سياسية وأخرى مالية يحققها من خلال الإنفاق الحكومي على فصائله، إلى:

  1. مشاركة أكبر في إدارة المحافظة من خلال مجلسها المرتقب إعادة تشكيله بعد استعادة المدينة؛ وذلك ليتوافق مع تفاهمات الكتل السياسية التي ستلبي دعوة رئيس إقليم كردستان لإبرام اتفاق سياسي يسبق معركة الموصل.
  2. حماية الشيعة في قضاء تلعفر وضمان عودتهم إلى المدينة؛ التي يشكِّلون نسبةً تصل إلى النصف من مجموع سكانه المقدَّر بحوالي 200 ألف نسمة.
  3. منع الأكراد من ضمِّ المزيد من الأراضي المُتنازع عليها إلى إقليم كردستان، وحفظ وحدة المناطق العربية، وضمان بقائها تحت السيطرة الشيعية التي تملك القرار ببغداد.
  4. منع الأكراد من ضمِّ محافظة كركوك الغنية بالنفط إلى إقليم كردستان؛ الذي "قد" يفكر في الانفصال عن العراق مستقبلًا.
  5. تبديد المخاوف من سيطرة البشمركة على مدينة الموصل، ورفض الانسحاب منها؛ وسبقَ للبشمركة الكردية أنْ رفضت الانسحاب من قضاء سنجار بعد استعادته. 

‌ج. قوات البشمركة الكردية

موقع مدينة الموصل يعطي لها أهمية استثنائية لدى قوات البشمركة الكردية لقربها الجغرافي من المدينة، وهذا القرب يفرض عليها اشتراكها في القتال لاستعادة المدينة في مراحل المعركة المختلفة، ولتبديد مخاوفها من هزيمة تنظيم الدولة عسكريًّا دون القضاء عليه بشكل نهائي؛ وتسعى البشمركة لتحقيق بعض الأهداف، منها:

  1. ضمان عدم وجود كيان إسلامي متشدد مستقبلًا يتحكم في طرق المواصلات غربًا إلى سوريا؛ حيث مناطق غرب كردستان شمال شرقي سوريا، وشمالًا إلى تركيا حيث علاقات التبادل التجاري.
  2. عدم السماح بتنامي وجود التنظيم في الإقليم مستقبلًا، بعد أنْ كشفت معارك عين العرب (كوباني) عن أعداد من مواطني الإقليم "أسهموا في الهجوم على المدينة ذات الغالبية الكردية"(8).
  3. تُشكِّل قوات الإقليم القوة البرية أهمية أكثر للتحالف الدولي في قتال التنظيم، ما يجعل للإقليم مصلحة مباشرة في تلقي الدعم المالي والتدريب والتسليح.
  4. انتشار قوات البشمركة في أطراف الموصل سيساعد إلى حدٍّ بعيد على الاستحواذ على المناطق المُتنازع عليها وضمِّها إلى أراضي الإقليم. 

‌د. الحشد الوطني والحشد العشائري

يحاولُ الحشد الوطني أنْ يؤدي دورًا بارزًا في معركة الموصل ومرحلة ما بعد استعادتها، وذلك من خلال تجنيده لأكثر من أربعة آلاف مقاتل من الشرطة المحلية وأبناء عشائر المحافظة وضباط من الجيش العراقي السابق؛ ويقود الحشد الوطني محافظ نينوى السابق؛ الذي أُقِيلَ من قِبل مجلس النواب في 29 من مايو/أيار 2016. 

يتلقى أفراد الحشد الوطني تدريباتٍ قتالية على يد مدربين عراقيين من ضباط الجيش السابق، وضباط أتراك يتواجدون مع قوة عسكرية تركية من ثلاثة أفواج قتالية في معسكر قرب ناحية بعشيقة، 30 كيلومترًا شمال الموصل، التي لا يزال مركزها يخضع لسيطرة تنظيم الدولة. 

أمَّا الحشد العشائري المحلي الذي يضمُّ أعدادًا غير معروفة، تقدر بعدة آلاف، فيتكون من مقاتلي عدد من العشائر العربية السُّنِّيَّة من مناطق الموصل وجنوبها، القيارة والشرقاط وغيرهما، سبق أنْ تلقوا تدريبات على يد مدرِّبين من قوات التحالف الدولي؛ ويرتبط بعلاقات جيدة مع الحشد الوطني، ويتقاضى مقاتلوه رواتبهم من هيئة الحشد الشعبي، ويخضع عسكريًّا لقيادة عمليات تحرير نينوى التابعة للجيش العراقي. 

تحاول قيادة الحشد الشعبي الالتفاف على الحشد الوطني والحشد العشائري المحلي بتشكيل حشد عشائري جديد في خطوة ذات أبعاد سياسية أكثر منها عسكرية في سياق الخلافات بين قائد الحشد الوطني، أثيل النجيفي، محافظ نينوى المقال، وبين نوفل السلطان المحافظ الحالي؛ الذي يُشرف على الحشد العشائري الجديد الذي يقوده العميد لويس يوسف، وهو ضابط مسيحي من أبناء محافظة نينوى. 

سوف يضمُّ الحشد العشائري الجديد الذي وافقت عليه الحكومة المركزية بشكلٍ رسمي "15 ألف متطوع من المكونات العراقية كافة في نينوى، للمشاركة في عملية تحرير المحافظة"، "وسيكون مرتبطًا بهيئة الحشد الشعبي في بغداد"(9)؛ ويُعد التشكيل الجديد نافذة من نوافذ مشاركة الحشد الشعبي في معركة الموصل لمواجهة رفض قيادات سُنِّيَّة سياسية واجتماعية محلية وأخرى كردية. 

الحشد الوطني والحشد العشائري قوتان محليتان معنيتان باستعادة مدينة الموصل أكثر من غيرهما؛ ويسعيان إلى:

  1. استعادة المدينة وحمايتها ومنع سقوطها ثانية.
  2. المشاركة في إدارة المحافظة مستقبلًا بملفيها السياسي والأمني.
  3. عودة النازحين إلى المدينة. 

ثانيا: الأطراف الخارجية 

أ‌. الولايات المتحدة والتحالف الدولي

تتعاون الولايات المتحدة والتحالف الدولي مع الحشد الشعبي في تسهيل مهامه القتالية؛ وذلك من خلال التمهيد له بضربات جوية على مواقع ومراكز تجمع مقاتلي تنظيم الدولة، وضرب خطوطه الدفاعية عن المدن، وتدمير الأنفاق ومخازن أسلحته، وترفض قيادات الحشد الشعبي الاعتراف بإسهامات التحالف الدولي؛ الذي هو الآخر يرفض أنْ يقدم دعمًا مباشرًا لقوات الحشد الشعبي. 

لكنَّ الولايات المتحدة والتحالف الدولي يفضِّلون التعاون مع قوات البشمركة أكثر من الحشد الشعبي؛ وذلك لتحقيق غايتين:

  1. مع تسجيل بعض الانتهاكات التي قام بها أفراد من قوات البشمركة، فإنَّها لا ترقى إلى مستوى انتهاكات الحشد الشعبي باختلاف حجمها ودوافعها.
  2. من شأن المزيد من الانتهاكات أنْ تعزِّز حالة النفور السُّنِّي من قتال تنظيم الدولة، والقبول به وفق سرديته القائلة: إنَّه المدافع عن المجتمع السُّنِّي ووجوده. 

ب‌. إيران وتركيا

الدعم الإيراني لفصائل الحشد الشعبي عزَّز نفوذها في العراق عمومًا، وفي مناطق الأغلبية السُّنِّيَّة أيضًا، وتدفع إيران بقوة لمشاركة الحشد الشعبي في معركة الموصل لتحقق من خلاله:

  1. موطئ قدم وقوة للحشد الشعبي في مناطق تطمح إيران أنْ يكون لها نفوذ مستقبلي فيها.
  2. خلق حالة من توازن النفوذ مع تركيا في المناطق العربية خارج حدود الإقليم وصولًا إلى الحدود التركية شمالًا والحدود السورية غربًا.
  3. ربط شمال إيران بشمال سوريا؛ وذلك من خلال طرق تصل بين الحدود الإيرانية والحدود العراقية السورية عبر أراضي محافظة نينوى من خلال محافظة ديالى التي تخضع لنفوذ الحشد الشعبي وسيطرته، أو من خلال مناطق سيطرة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني في محافظتي السليمانية وكركوك؛ الذي يرتبط بعلاقات عميقة مع إيران. 

أما تركيا فهي تنظر إلى الموصل على أنها جزءٌ من مجالها الأمني الحيوي؛ وذلك لاعتبارات تتعلق بسعيها إلى استثمار العمق الذي يمثله لها العرب السُّنَّة في محافظة نينوى، وَصِلَتها بتاريخ المدينة التي كانت مثار خلاف على عائديتها عند التوقيع على اتفاقية لوزان 1923 التي أنهت الدولة العثمانية، وبقاء مصير المدينة معلقًا إلى أنْ أوصت عصبة الأمم المتحدة ببقاء المدينة تابعة للعراق بموافقةٍ تركيةٍ وَثَّقَتْها اتفاقية ترسيم الحدود مع العراق في عام 1926. 

ومن بين أهم الأهداف التركية في تأدية دور مباشر أو غير مباشر في استعادة مدينة الموصل:

  1. التوازن مع النفوذ الإيراني المتوقع مستقبلًا بعد استعادة مدينة الموصل بمشاركة الحشد الشعبي، واحتمالات توظيف إيران لهذا النفوذ في تعزيز موقعها لدى الأكراد.
  2. تمتين العلاقات مع حكومة إقليم كردستان لمنع حزب العمال الكردستاني من السيطرة على مناطق جديدة قرب الحدود التركية مع العراق بعد "رفضه الامتثال لقرار مجلس محافظة نينوى"(10)، في 6 من يونيو/حزيران 2016، القاضي بالانسحاب من قضاء سنجار "ومغادرة مسلحيه من داخل الحدود الإدارية للمحافظة".
  3. دعم مطالب السياسيين العرب السُّنَّة في محافظة نينوى بإقامة إقليم سُنِّي من عدة محافظات، أو إقليمٍ خاص بمحافظة نينوى تتمتع فيه تركيا بدور رئيس في ملف إعادة إعمار نينوى، ونفوذ سياسي للضغط باتجاه عدم تحول المحافظة إلى منطلق لنشاطات حزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا. 

الصدامات المحتملة 

تبذل الولايات المتحدة جهودًا لصياغة اتفاق سياسي بين الفرقاء؛ وذلك لتحديد مراحل العملية العسكرية والقوى المشاركة فيها، أو التي سيُسمح لها بالدخول إلى مركز المدينة أو لا يُسمح لها؛ إضافةً إلى ما يتعلق بإدارة المدينة مستقبلًا، والأطراف التي ستتولى الملفين السياسي والأمني. 

لتجنب صدامات محتملة فإنَّ العرب السُّنَّة في نينوى بحاجة إلى تطميناتٍ من جهاتٍ فاعلة صاحبة قرار في العراق؛ مثل: الولايات المتحدة، وإيران، بعدم منح الشيعة والأكراد امتيازات تنتقص من حقوقهم الأساسية، مع الأخذ في الحسبان مشاركة مكونات أخرى في القرار، مثل: الأكراد، والمسيحيين، والأيزيديين، والتركمان الشيعة، والتركمان السُّنَّة، والآشوريين..وغيرهم. 

ولتحقيق ذلك، لابُدَّ من الاتفاق السابق على قوى محلية عربية سُنِّية قادرة على التوفيق بين الفرقاء تحظى بقبولٍ واسع؛ وهو أمر في غاية التعقيد ومن الصعوبةِ بمكان إيجاد مثل هذه القوى في المرحلة الراهنة، وهي قوى تعيش أيضًا حالةً من الخلافات الحادة. 

1- الصدام السُّنِّي-الشيعي

غياب رؤية حكومية مُتفقٍ عليها لتحديد الأطراف المشاركة في المعركة، ولإدارة المدينة مستقبلًا مع حقيقة عدم وجود قوة محلية مؤهلة لهذا الغرض، يُعزِّز من فرص الصدام المسلح؛ وذلك مع الإصرار على مشاركة الحشد الشعبي في مقابل الإصرار السُّنِّي على رفض مشاركته، أو على الأقل منع دخوله إلى المدينة؛ كما أنَّ الجوار الجغرافي لساحة المعركة قد يؤدي إلى احتكاك بين الحشد الشعبي والقوى السُّنِّية ما لمْ تعمل الولايات المتحدة على منع تواجدهما في منطقة واحدة. 

وفي حال إصرار الحشد الشعبي على الدخول إلى المدينة فإنَّ تنظيم الدولة قد يستثمر وجود السكان المدنيين من العرب السُّنَّة للرهان على انضمامهم للقتال إلى جانبه إذا بانت ثمَّة صبغة عرقية أو طائفية للقتال داخل المدينة، أو دلالات توحي بنزعات ثأرية أو انتقامية. 

2- الصدام الكردي-العربي

إذا كانت المكونات العراقية قد تضامنت في مواجهة تحدي توسع تنظيم الدولة الإسلامية وتهديد بغداد ومدن أخرى، منها: النجف، وكربلاء، وأربيل، وتناست الخلافات، فإنَّ هذا لا يعني أكثر من تأجيل فتح الملفات العالقة إلى ما بعد الفراغ من إزالة تهديد التنظيم؛ وهي ملفات خلافية لمْ تستطع المكونات التوافق على حلول لها طوال سنوات، منها تقاسم السلطات وتوزيع الموارد والثروات والأراضي المُتنازع عليها، والتعقيدات الإضافية على هذه المسألة بعد سيطرة القوات الكردية على المزيد من تلك الأراضي ورفض الانسحاب منها، بعد أنْ تمكنت من استعادتها من تنظيم الدولة دون مشاركة القوات العراقية. 

3- الصدام الكردي-الكردي

تعيش القوى الكردية أيضًا انقسامات حادة على أسس سياسية، الأحزاب الكردية الثلاثة الرئيسة، مع انعكاسات بسيطة على مجريات معركة الموصل وما بعدها؛ لكن هناك انقسامات وخلافات أكثر خطورة على أسس طائفية بين الأكراد أنفسهم في سهل نينوى التابع لمحافظة نينوى؛ حيث تتداخل الانتماءات الطائفية بين أكرادٍ شيعة (الشبك)، وأكراد سُنَّة يمثلون الغالبية؛ ويؤيد الأكراد الشيعة تدخل الحشد الشعبي ويقاتلون تحت قيادته؛ في حين يقاتل الأكراد السُّنَّة تحت قيادة قوات البشمركة الكردية. 

4- صدام القوى الإقليمية

تشترك إيران وتركيا في العمل ما أمكن للحد أو منع وصول التطلعات الكردية إلى مبتغاها في إقامة كيان أو دولة كردية مستقلة في العراق وسوريا يمكن أنْ يلتحق بها أكراد إيران وتركيا؛ لتكون أراضيهم جزءًا من هذه الدولة الكردية مستقبلًا؛ لكنَّ الخلافات بين حلفاء كلٍّ من البلدين كفيلة بخلق حالة من التوتر في علاقاتهما إذا تطورت تلك الخلافات إلى صداماتٍ مسلحة، وهو أمر غير مستبعد؛ لكنّ علاقات تركيا وإيران أعمق من أنْ تدخلا في صِدامٍ مسلح مباشر على الأراضي العراقية طالما كان هناك من حلفائهما من سيخوض هذا الصدام بالوكالة لتحقيق مصالحهما دون التضحية بجنودهما. 

نتائج 

  • السياق العام لأداء تنظيم الدولة في معاركه الأخيرة يقود إلى توقع خسارته معركة الموصل؛ التي سيدافع عنها حتى النهاية خلاف غيرها من مدن العراق.
  • معركة الموصل، هي المعركة الأولى التي حظيت باهتمام إقليمي ودولي استثنائي، وستشارك فيها جميع الأطراف المقاتلة العراقية.
  • طبيعة المعركة وأهميتها يأتي من كونها المعركة الكبرى الأخيرة في العراق، وتمثل الفرصة الأخيرة للأطراف العراقية وغير العراقية لفرض واقع جديد يخدم مصالحها.
  • من المتوقع أن تتفق الأطراف على ترتيبات إدارة الموصل باتفاق سياسي بينها يسبق المعركة.
  • ستظلُّ مشاركة الحشد الشعبي في معركة الموصل المسألة الأكثر تعقيدًا وإثارةً للجدل، وقد تتوصل الأطراف العراقية والتحالف الدولي إلى حلول وسط تضمن مشاركته دون دخوله مركز المدينة.

_________________________________

رائد الحامد - باحث في الشؤون السياسية العراقية

نبذة عن الكاتب

مراجع

(1) العراقيون 36 مليونًا عام 2014، جريدة الصباح، 16 من ديسمبر/كانون الأول 2013 (تاريخ الدخول: 7 من سبتمبر/أيلول 2016):

http://www.alsabaah.iq/ArticleShow.aspx?ID=60351

(2) واشنطن مستمرة في دعم القوات العراقية، جريدة إيلاف الإلكترونية، 26 من أغسطس/آب 2016 (تاريخ الدخول: 7 من سبتمبر/أيلول 2016):

http://elaph.com/Web/News/2016/8/1105499.html#sthash.15UAuH0C.dpuf

(3) فوكس نيوز: عدد المقاتلين العراقيين المدعومين من إيران 100 ألف، قناة الحرة، 17 من أغسطس/آب 2016 (تاريخ الدخول: 7 من سبتمبر/أيلول 2016):

http://www.alhurra.com/a/iran-iraq-isis-mosul-/319430.html

(4) أمنستي: مجازر وتطهير عرقي للعرب السنة بالعراق، الجزيرة نت، 11 من يونيو/حزيران 2015 (تاريخ الدخول: 7 من سبتمبر/أيلول 2016):

http://www.aljazeera.net/news/humanrights/2015/6/11/%D8%A3%D9%85%D9%86%D8%B3%D8%AA%D9%8A-%D9%85%D8%AC%D8%A7%D8%B2%D8%B1-%D9%88%D8%AA%D8%B7%D9%87%D9%8A%D8%B1-%D8%B9%D8%B1%D9%82%D9%8A-%D9%84%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%86%D8%A9-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82

(5) مسؤولون يقولون: أميركا تتخبط في محاولاتها لإعادة بناء الجيش العراقي، رويترز، 3 من يونيو/حزيران 2016 (تاريخ الدخول: 7 من سبتمبر/أيلول 2016):

http://ara.reuters.com/article/topNews/idARAKCN0YP2M4?sp=true

(6) العامري يشرف على الاستعدادات النهائية لعمليات تحرير الصقلاوية والفلوجة، وكالة وطن نيوز، 8 من مايو/أيار 2016 (تاريخ الدخول: 7 من سبتمبر/أيلول 2016):

http://wattaennews.net/index.php/permalink/10476.html

(7) "الصباح الجديد" تنشر نص الأمر الديواني الخاص بإعادة تشكيل وتنظيم هيئة الحشد الشعبي، صحيفة الصباح الجديد، 27 من يوليو/تموز 2016 (تاريخ الدخول: 7 من سبتمبر/أيلول 2016):

http://www.newsabah.com/wp/newspaper/91367

(8) ناشطون: أكراد يقاتلون مع تنظيم الدولة في عين العرب، الجزيرة نت، 11 من أكتوبر/تشرين الأول 2014 (تاريخ الدخول: 7 من سبتمبر/أيلول 2016):

http://www.aljazeera.net/news/arabic/2014/10/10/%D9%86%D8%A7%D8%B4%D8%B7%D9%88%D9%86-%D8%A3%D9%83%D8%B1%D8%A7%D8%AF-%D9%8A%D9%82%D8%A7%D8%AA%D9%84%D9%88%D9%86-%D9%85%D8%B9-%D8%AA%D9%86%D8%B8%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%B9%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8

(9) قائد الحشد العشائري لتحرير الموصل: نرتبط بهيئة الحشد الشعبي، ولا شرعية للحشد الوطني، وكالة أنباء فارس، 30 من يونيو/حزيران 2016 (تاريخ الدخول:  7 من سبتمبر/أيلول 2016):

http://ar.farsnews.com/middle_east/news/13950410000386

(10) العمال الكردستاني يعلن عدم امتثاله لقرار مغادرة مسلحيه من سنجار، السومرية نيوز، 11 من يونيو/حزيران 2016 (تاريخ الدخول: 7 من سبتمبر/أيلول 2016):

http://www.alsumaria.tv/news/170891/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%AF%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D9%8A%D8%B9%D9%84%D9%86-%D8%B9%D8%AF%D9%85-%D8%A7%D9%85%D8%AA%D8%AB%D8%A7%D9%84%D9%87-%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B1/ar