القوى السياسية العربية بإسرائيل: مكاسب الوحدة ومخاطر التفكك

اضطرت الضغوطات الخارجية القوى السياسية العربية بإسرائيل إلى تشكيل قائمة انتخابية واحدة، لكن استمرار التضييق الإسرائيلي عليها وتنامي الخلافات فيما بينها قد يعجلان بتفككها وانحدارها السياسي.
27 أكتوبر 2016
e0575ed05d6f46debd147d2f8844630c_18.jpg
الزعبي هدفا للحملات العنصرية والطرد من الكنيست (رويترز)

اتفقت، في مطلع عام 2015، أربعة أحزاب عربية على تشكيل قائمة موحدة لخوض انتخابات الكنيست الإسرائيلي العشرين. وعلى الرغم من أن القائمة نجحت في احتلال الموقع الثالث في الانتخابات وحافظت حتى الآن على منح طابع متماسك لوحدتها الداخلية إلا أنه يبدو أن تركيبتها الرخوة لن تصمد طويلًا في وجه المتغيرات المتراكمة التي تعصف بوحدتها الداخلية. تجادل هذه الورقة بأن مسعى القائمة في التوفيق بين مكوناتها المتناقضة يعتبر هدفًا في غاية الصعوبة؛ فقد تدفع الاختلافات الداخلية وتصاعد الضغوط الإسرائيلية الخارجية القائمة، الهشَّة أصلًا، إلى التفكك الذاتي. 

مقدمة 

لأول مرة في تاريخ الصراع العربي-الإسرائيلي، اتفقت أربعة أحزب عربية قبل شهرين فقط من انتخابات الكنيست الإسرائيلي في مارس/آذار 2015 على تشكيل قائمة انتخابية مشتركة للتعبير عن طموحات السكان الفلسطينيين في إسرائيل المحرومين من حقوقهم الأساسية. وُلِدت القائمة المشتركة كردَّة فعل على إقرار الكنيست الإسرائيلي رفع نسبة الحدِّ الأدنى (نسبة الحسم) للأصوات المطلوبة للفوز بمقعد في الكنيست من 2 إلى 3.25 بالمئة. وفي الأساس، تشكَّلت القائمة من خليط متنوع من الفاعليين السياسيين والأيديولوجيين؛ حيث ضمت الحركة الإسلامية القريبة من الإخوان المسلمين، والعلمانيين، والليبراليين، والقوميين العرب، والاشتراكيين، بالإضافة إلى النساء. كما أنها تشكَّلت من نواب مسلمين، ومسيحيين وحتى يهود. تجادل هذه الورقة أنه بالرغم من أن الحركة أصبحت القوة الثالثة في الكنيست بعد فوزها بـ 13 مقعدًا من أصل 120 إلا أنها بقيت تعاني من انقسامات أيديولوجية مصحوبة بضغوط إسرائيلية غير مسبوقة ربما تهدد وحدتها الداخلية وتؤدي بالتالي إلى تفككها.  

أبرز محطات التَّشكُّل والتحوُّل 

يحتكم العمل الفلسطيني الحزبي داخل إسرائيل ويتأثر بقواعد العمل الإسرائيلية وحدودها؛ فبعد احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية عام 1948 وتهجير غالبية سكانها (أكثر من 800 ألف فلسطيني)، بقي ما يقرب من 156 ألف عربي فلسطيني في أراضيهم المحتلة، أُطلق عليهم فيما بعد عرب 48 (1). وبعد ما يقرب من ستة عقود من النكبة، بلغ عددهم حاليًّا أكثر من مليون وثلاث مئة ألف يشكِّلون حوالي 21% من مجموع السكان حسب أحدث إحصاءات للمركزي الإسرائيلي للعام 2016 (2)، يشكِّلون تقريبًا 14% ممن يحق لهم الاقتراع في الانتخابات. وبعد تأسيسها مباشرة، عملت إسرائيل وبشكل ممنهج على ترسيخ الصراعات البينية الداخلية بين الفلسطينيين وتوزيعهم على مجموعات عِرقية وإثنية مختلفة (عرب، ودروز، وبدو) وذلك بهدف إحباط أية محاولة لتشكيل حركة قومية ذات بُعد وطني قومي، ودفعهم للخضوع للواقع الإسرائيلي والتكيف مع شروطه. ومع مرور الوقت، نجحت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة إلى حدٍّ كبير في تفتيت البنية السياسية، والاجتماعية، والثقافية والاقتصادية لعرب الداخل وربطهم ضمن المنظومة الإسرائيلية التي استمرت تتعاطى معهم على اعتبار أنهم يشكِّلون "تهديدًا من الداخل" لابد من محاصرته وتفتيته. 

وفي ظل هذا الواقع لم تتبلور أية قوى حزبية عربية حقيقية وفاعلة واقتصرت المشاركة العربية في انتخابات الكنيست إما على المشاركة من خلال بعض القوائم العربية (3) أو من خلال الأحزاب الإسرائيلية اليسارية. استمر هذا الواقع حتى احتلال الضفة الغربية عام 1967؛ حيث بدأت تنمو تدريجيًّا هياكل سياسية عربية تسعى إلى لعب دور في الحياة السياسية الإسرائيلية بشكل مستقل عن الأحزاب الصهيونية. وعلى هذا الأساس، تم بالفعل تأسيس أول حزب عربي صرف عام 1988 عندما قام عبد الوهاب دراوشة بالاستقالة من حزب العمل الإسرائيلي وتأسيس الحزب الديمقراطي العربي والذي خاض بدوره انتخابات الكنيست الثانية عشرة (1988) وفاز فيها بمقعد واحد. تلا ذلك تشكيل مجموعة من الأحزاب العربية التي كانت تسعى إلى تمثيل العرب داخل الحلبة السياسية الإسرائيلية، كان أهمها: التجمع الوطني الديمقراطي بزعامة عزمي بشارة (1995)، والحركة الوطنية للتغيير بزعامة أحمد الطيبي (1996). 

بالإضافة إلى ذلك، تعتبر الحركة الإسلامية، والتي تم تأسسيها عام 1971 على يد عبد الله نمر درويش، قوة مركزية ذات تأثير كبير ضمن الأقلية العربية في إسرائيل. وتهدف الحركة إلى تثبيت الهوية العربية الإسلامية لفلسطينيي 1948 والدفاع عن قضاياهم المختلفة من خلال تمثيلهم في المجالس البلدية. وفي أواسط تسعينات القرن الماضي، انقسمت الحركة الإسلامية تجاه الموقف من المشاركة في انتخابات الكنيست، فبينما تزعَّم درويش الشق الجنوبي من الحركة وأبدى مرونة سياسية تجاه المشاركة في الحياة السياسية الإسرائيلية من خلال الكنيست، رفض القسم الشمالي بزعامة الشيخ رائد صلاح هذه الاستراتيجية، وفضَّل العمل الشعبي الجماهيري لمقاومة السياسات الإسرائيلية في "أَسْرَلَة" عرب الداخل. 

ومنذ بداية مشاركتها السياسية، بقيت الأحزاب العربية ضمن المعارضة الهامشية للحكومات الإسرائيلية المختلفة، وذلك بسبب ضعف تأثيرها سواء على صناعة قرارات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة أو القوانين والتشريعات التي يتم إقرارها في الكنيست. كما لم تشارك الأحزاب العربية في الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة إما لرفضها الأيديولوجي لذلك أو بسبب رفض الأحزاب الإسرائيلية المركزية لها. وفي ظل ضعف التأثير في صناعة القرار، سعت الأحزاب العربية جاهدة للتأثير في مجموعة من القضايا، أهمها:

  • العمل على ضمان تمتع العرب بحقوق متساوية كالتي يتمتع بها اليهود، وأن تكون إسرائيل دولة لكل مواطنيها.
  • قيادة النضال الفلسطيني في الداخل، والتعبير عن هموم الفلسطينيين باعتبارهم مجموعة قومية لها حقوق جماعية.
  • معالجة الإشكاليات اليومية التي يعاني منها عرب 48 وخاصة فيما يتعلق بالسكن، والعمل، والتأمينات الوطنية، والفقر والتنظيم والبناء.
  • مجابهة التحديات الاجتماعية التي تواجه الأسرة العربية في الداخل وخاصة فيما يتعلق بانتشار المخدرات، والجريمة المنظمة، والعنف الداخلي، وجرائم القتل، وتفتت الأسرة.
  • كشف البنية العنصرية للنخبة السياسية الإسرائيلية تجاه المواطنين العرب وزيف الادِّعاءات الديمقراطية، من خلال التركيز على قضايا التمييز العنصري والتهميش الذي تتعرض له الأقلية العربية.
  • محاولة التمسك بالهوية العربية والمطالبة بحل عادل للقضية الفلسطينية يضمن إقامة دولتين لشعبين. 

تصاعد الضغوط 

كما أوضحنا سابقًا، اتفقت أربعة أحزاب عربية، في يناير/كانون الثاني 2015، على تشكيل قائمة مشتركة لخوض انتخابات الكنيست العشرين وذلك في مارس/آذار الماضي؛ وذلك لأول مرة في تاريخ الحركة السياسية العربية داخل إسرائيل. لم يأت تشكيل القائمة نتيجة تطور ونضج في الفكر السياسي بل مجددًا للتكيف مع الشروط الإسرائيلية وتعزيز فرص النواب العرب في الوصول إلى الكنيست بعد أن قام أفيغدور ليبرمان، مؤسس ورئيس حزب إسرائيل بيتنا اليميني المتطرف، بتزعم حملة لرفع نسبة التمثيل في الكنيست من 2 إلى 3.35 بالمئة، وذلك لمنع الأحزاب العربية الصغيرة من دخول الكنيست. وخوفًا من عدم حصولها على الأصوات المطلوبة لتجاوز نسبة الحسم، توحدت الأحزاب العربية في القائمة المشتركة واستطاعت زيادة تمثيلها إلى 13 مقعدًا (بعد أن حصلت مجتمعة في انتخابات عام 2013 على 11 مقعدًا)، أي بنسبة 20 في المئة (4). كما شكَّل صعود اليمين الإسرائيلي واليمين المتطرف المعادي للوجود العربي داخل إسرائيل اهتمامًا مشتركًا لجميع القوى السياسية العربية لتوحيد جهودها في الحصول على الصوت العربي المشتَّت؛ حيث خشيت هذه الأحزاب من تراجع تصويت العرب في حال لم يتوحدوا ضمن قائمة مشتركة. 

ونتيجة لتوحدها، وتركيزها على القضايا المدنية التي تهم المواطن، وإطلاقها حملة وطنية شاملة ركزت على الوحدة ضد الحكومة اليمينية التي تسعى إلى تهميش العرب، استطاعت الأحزاب العربية رفع نسبة المشاركة في الانتخابات لدى الناخبين العرب من 56% في العام 2013 إلى نحو 65% في الانتخابات الأخيرة؛ حيث صوَّت 85% من الناخبين العرب لمصلحة القائمة المشتركة، وبالتالي أصبحت القائمة تعبِّر بصورة كبيرة عن تمثيل عرب 1948 ضمن المشهد السياسي الإسرائيلي (5). 

الضغوط الداخلية

بالرغم من أن القائمة المشتركة استطاعت التحول إلى ثالث أكبر كتلة برلمانية في الكنيست إلا أنها لا تزال تعاني من تصدعات داخلية وضغوط خارجية ربما ستؤدي إلى تفكُّكها؛ فقد ضمَّت القائمة مجموعة مختلفة ومتنافرة من التوجهات الأيديولوجية والسياسية تمثَّلت في أربعة تكتلات، وهي: 

أولًا: الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة (حداش)، وهي عبارة عن تحالف يساري عربي-يهودي يشكِّل الحزب الشيوعي الإسرائيلي (راكاح) عموده الفقري ولكن يلعب العنصر العربي دورًا محوريًّا ضمن فعاليات ونشاطات هذا الحزب. 

ثانيًا: حزب التجمع الوطني الديمقراطي (بلد) والذي يقوده جمال زحالقة وحنين الزعبي ويتبنَّى توجهات قومية ويدعو إلى تحويل إسرائيل إلى دولة لجميع موطنيها. 

ثالثًا: القائمة العربية الموحدة؛ حيث تعتبر الحركة الإسلامية الجناح الجنوبي مكوِّنًا أساسيًّا لها. 

رابعًا: الحركة العربية للتغيير بزعامة أحمد الطيبي (6). 

تعاني القائمة المشتركة من اختلافات أيديولوجية عميقة تجاه إمكانية التعاون مع بعض الأطراف الإسرائيلية لخلق فضاء سياسي يمكن أن يُشكِّل أداة ضغط على صناعة القرار في إسرائيل؛ فبعض الأعضاء، لاسيما من حداش، إلى جانب رئيس القائمة أيمن عودة، يشدِّدون على أهمية الشراكة العربية-اليهودية وتقديم الدعم للمعسكر المؤيد للديمقراطية والذي يمكن أن يطيح باليمين الإسرائيلي في المستقبل. في المقابل، يرى آخرون، لاسيما داخل حزب التجمع الوطني الديمقراطي أن دورهم في الكنيست هو احتجاج رمزي على الصهيونية، وبالتالي يتجنَّبون التعاون مع الفرقاء الآخرين (7). 

ولا يقتصر عدم الانسجام الأيديولوجي على الموقف من اليهود بل يتعدى ذلك أيضًا إلى الموقف من قضايا خلافية أخرى لا تقل أهمية. فعلى سبيل المثال، يدعم حداش المساواة الكاملة للمثليين والمتحولين جنسيًّا بما فيها الزواج والطلاق والتبني وقبولهم في المجتمع، فيما تعارض الحركة الإسلامية هذه القضايا وبشدة. 

ويتعمَّق الانقسام بين حداش وحزب التجمع إذا ما انتقلنا إلى القضايا الإقليمية الملتهبة وخاصة الحرب الأهلية السورية؛ حيث تنعكس اختلافات وجهات النظر بين الحزبين المركزيين في القائمة على مستقبل استمرارية القائمة ويهددها بالانفجار من الداخل. فبينما تعتبر حداش أن الإطاحة بالأسد سوف تؤدي إلى خلق "نظام رجعي" مدعوم من قبل المملكة العربية السعودية، لذلك فهم يعارضون التدخل الخارجي في سوريا، يؤيد أعضاء حزب التجمع طموحات الشعب السوري في اختيار قيادتهم السياسية. ويُظهر الصراع الدموي حاليًّا في مدينة حلب السورية حجم التباعد بين مواقف المعسكرين؛ حيث "هاجم كل فريق الآخر من على منصات التواصل الاجتماعي، وبدا الانقسام واضحًا بين نشطاء الجبهة والتجمع؛ فمنهم من بدَّل صورة بروفايله لصورة حمراء تضامنًا مع دماء الأبرياء التي سُفكت في حلب، ومنهم من رفع صورة الأسد "محرِّر سوريا من التكفيريين" (8). 

الضغوط الخارجية

لا تواجه القائمة المشتركة ضغوطًا داخلية فحسب، بل أيضًا تصاعدت ضغوط حكومة نتنياهو على القائمة ومكوناتها، وذلك بهدف تسريع عملية تفككها. فردًّا على اجتماع ثلاثة نواب عرب من حزب التجمع الوطني الديمقراطي بعائلات شهداء مدينة القدس مطلع العام 2015، وذلك لمساعدتهم في استعادة جثامين أبنائهم المحتجزة لدى الاحتلال، أقرَّ الكنيست الإسرائيلي في يوليو/تموز من العام نفسه قانونًا يتيح إقصاء النواب الذين يقومون بتهديد أمن البلاد أو "بالتحريض على العنصرية، أو يدعمون الكفاح المسلح ضد دولة إسرائيل". وعلى الرغم من أن طرد أي نائب سيكون من الصعوبة بمكان تحقيقه؛ حيث سيحتاج إلى دعم 90 برلمانيًّا من أصل 120 (9)، إلا أن القانون الجديد سيشكِّل عنصر قلق دائم للنواب العرب في الكنيست، وخاصة للذين يدافعون عن القضايا العربية ويُعتبرون "مزعجين" من وجهة النظر الإسرائيلية مثل النائبين: حنين الزعبي وجمال زحالقة. لذلك، فإن هناك خشية متصاعدة من أن يتم تصاعد استهداف النواب العرب في مسعى لإسكاتهم؛ حيث أصبح القانون الجديد وسيلة في يد الأحزاب الإسرائيلية المسيطرة على الكنيست لفصل أو معاقبة أو ردع أي عضو من أبناء الأقلية العربية يُعتبر "مشاكسًا" من وجهة نظرهم. وهو ما دفع بعض المؤسسات الحقوقية إلى التحذير من أن القانون الجديد سوف يؤدي إلى إقصاء ممنهج للأقلية العربية وممثليها في الكنيست، الذين يختلفون سياسيًّا عن الأغلبية التي تقود الحكومة اليوم، وأن يتم استغلال التشريع "لفرض سياسة رسمية تتسم بتقنين المزيد من هذه التشريعات لإقصاء الأقلية العربية من النظام السياسي في إسرائيل" (10). 

لم يكتف نتنياهو وحكومته بإصدار قانون "الإقصاء" بل أيضًا تتم ملاحقة حزب التجمع حاليًّا وقياداته بتهم تتعلق بمخالفة قوانين تمويل الأحزاب ونقل مئات آلاف من الدولارات من دولة خليجية، وذلك لدعم نشاطات الحزب الانتخابية في عام 2013 (11). فقد قامت الشرطة باستجواب كل من حنين الزعبي وجمال زحالقة، وهما من قيادات الحزب وعضوا كنيست، بالإضافة إلى استجواب العشرات من أعضاء الحزب ومداهمة مقارهم (12)، وفي حال نجحت إسرائيل في إقصاء الحزب من المشهد السياسي، أو على أقل تقدير تحييده في الانتخابات القادمة، فإنها وبكل تأكيد سوف تشكِّل ضربة قوية لبنية القائمة الهشة أصلًا. 

هناك تخوفات حقيقية من أن يتم حظر التجمع، كما حصل سابقًا مع الحركة الإسلامية الشمالية بزعامة الشيخ رائد صلاح. وبالرغم من أن الحركة لا تشارك في انتخابات الكنيست إلا أنه تم حظرها في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، وبالتالي إخراجها عن القانون وتجميد أرصدتها وإغلاق 17 مؤسسة تعمل تحت إطارها، وذلك بتهمة التحريض على العنف في المسجد الأقصى. 

تعتبر الحركة الإسلامية امتدادًا لحركة الإخوان المسلمين المصرية وتنشط في المجال الدعوي، والإغاثي والعمل الاجتماعي. ويشير استطلاع للرأي العام أُجري في العام 2015 إلى أن أكثر من 40 في المئة من المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل يدعمون الحركة. والأهم من ذلك، تهتم الحركة بالدفاع عن المسجد الأقصى ومحاولة تهويده. فإخراج الحركة عن القانون، سيعني تعرض المئات من المشاريع والمؤسسات التي تديرها الحركة للمحاسبة القانونية، بالإضافة إلى تداعيات واسعة النطاق على عشرات آلاف الناشطين الذين يعملون ضمن أطر الحركة (13). 

كما أن اليمين واليمين المتطرف يتربصون بالقائمة وقيادتها لتضييق الخناق عليهم؛ فقد كشفت جنازة الرئيس الإسرائيلي السابق، شيمعون بيريس، والتي رفض بعض أعضاء الكنيست العرب حضورها، حجم الخلافات العميقة بين الجانبين الإسرائيلي والقائمة المشتركة. فعلى إثر ذلك، هدَّد نتنياهو بشن حملة مقاطعة لنواب القائمة في الكنيست؛ حيث يعتزم مقاطعة خطابات نواب المشتركة لدى افتتاح الدورة الشتوية في الكنيست، في نهاية الشهر الحالي (14). إضافة إلى ذلك، شَنَّ وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، غلعاد أردان، هجومًا حادًّا على رئيس القائمة العربية المشتركة في الكنيست، أيمن عودة، بسبب زيارته الأسير، مروان البرغوثي، عضو اللجنة المركزية لحركة التحرير الفلسطيني (فتح) المعتقل في السجون الإسرائيلية؛ حيث صرَّح بأن "عودة تجاوز الكثير من الخطوط الحمر في الآونة الأخيرة، ولا أنوي السكوت عن ذلك"، مطالبًا أعضاء الكنيست بمساعدته "في الكشف عن الوجه الحقيقي لعودة أمام الجميع" (15). 

آفاق مستقبلية 

ليس من الوارد أن تتراجع إسرائيل عن خطواتها الهادفة إلى ترسيخ تهميش الأقلية العربية أكثر فأكثر في إسرائيل، والحد من حقها في التمثيل السياسي الحقيقي للجمهور العربي. وفي ظل تصاعد الاستهداف الإسرائيلي للقائمة والضغوط المتراكمة على مكوناتها، سيكون تطورها محكومًا بثلاثة مسارات: 

أولًا: مزيد من التوحد والالتحام: ستجد أطراف القائمة الموحدة في الوقت الحالي، على أغلب تقدير، أن من مصلحتها جميعًا أن تتوحد وتنسق جهودها للرد على المحاولات الإسرائيلية المتصاعدة في تفتيت المكونات العربية السياسية والاجتماعية في الداخل الإسرائيلي. لذلك، فمن المحتمل أن تحاول تضييق حدَّة الخلافات الأيديولوجية والسياسية العميقة بين مكوناتها والتأكيد على أن القائمة المشتركة يمكن أن تشكِّل نقطة التقاء للعمل العربي المشترك داخل إسرائيل. 

ثانيًا: التفسخ الداخلي: تلوح في الأفق بوادر انشقاق وخلافات أيديولوجية عميقة، يبدو أنها سوف تتسع على المديين المتوسط والبعيد بصورة يمكن أن تهدد وحدة القائمة، وخاصة فيما يرتبط بالتطورات الإقليمية في سوريا. فكلما ازدادت حدة الأزمات الإقليمية التهابًا، وكلما تفاقم الصراع الطائفي في المنطقة، زاد الوضع توترًا بين مكونات القائمة المختلفة. وفي حال تفجر القائمة من الداخل، فإنها سوف تُلحق ضررًا بالغًا، على الأغلب، بقواعدها الشعبية. فقد بذلت القائمة مجهودات مضاعفة لإقناع الجماهير العربية بالتصويت لها، وفي حال تفككت القائمة من الداخل فإن ذلك لن يعني فقط انتحارًا سياسيًّا لمكوناتها المختلفة بل أيضًا يهدِّد مجددًا بتشتت الأصوات العربية في أية انتخابات قادمة. 

ثالثًا: تراجع مكانة القائمة: إن ضعف تأثير القائمة المشتركة في التأثير على صناعة القرار الإسرائيلي، وفشلها في تشكيل قوة معارضة فعالة وقوية، سيضعف من قدرتها على تحقيق إنجازات يمكن أن تخفف من الضغوط اليومية على عرب 48، وتستجيب لتطلعات الناخب العربي فيما يتعلق بالاحتياجات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الملحة. وعلى ما يبدو حتى الآن، فإن تحسين الخدمات العامة المرتبطة بالتعليم والعمالة ومعالجة الإشكاليات الاجتماعية المتفاقمة ومكافحة التمييز بشكل ملموس لن تكون في متناول إمكانية القائمة مع سيطرة اليمين واليمين المتطرف على مقاليد الحكم في إسرائيل. وفي ظل صعوبة تحقيق إنجازات ملموسة، ربما سيلجأ الناخب العربي إلى معاقبة القائمة في الانتخابات القادمة، وبالتالي تراجع مكانتها. 

خاتمة 

يمكن القول بأن القائمة المشتركة ستواجه مجموعة من التحديات التي سوف تؤثِّر في تشكيل مستقبل حضورها السياسي وحدود عملها ضمن النظام السياسي الإسرائيلي، مما سيترتب عليه العمل على التوفيق بين متناقضات خارجية مرتبطة بالعراقيل والضغوط الإسرائيلية، وداخلية متعلقة بالتوفيق بين مكونات القائمة وتكويناتها الهشة من جهة، وصعوبة تحقيق طموحات الناخب العربي من جهة ثانية. وعلى كلا الاتجاهين، يبدو أن القائمة المشتركة سوف يتم معاقبتها سواء من الحكومة الإسرائيلية أو من الناخبين العرب.

____________________________________

محمود جرابعة باحث ومحاضر في "مركز إيرلانغن للإسلام والقانون في أوروبا" (EZIRE)، وفي الأكاديمية البافارية للعلوم والإنسانيات في ألمانيا. ليهي بن شطريت أستاذة مساعدة في كلية الشؤون العامة والدولية في جامعة جورجيا في أثينا. 

نبذة عن الكاتب

مراجع

1-  مصطفى كبها، الأقلية القومية العربية الفلسطينية في إسرائيل، قناة الجزيرة، 12.12.2014. http://www.aljazeera.net/specialfiles/pages/513cd3af-d36b-4032-b2fc-f31e517d3901

2- دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، 2016. http://www.cbs.gov.il/hodaot2015n/11_15_355matzeget.pdf

3 مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، الأحزاب العربية في فلسطين المحتلة عام 1948 (في "إسرائيل")، تقرير معلومات 25، 2014، ص 8.

ليهي بن شطريت، محمود جرابعة، القائمة العربية المشتركة وتوظيف النجاح الانتخابي، صدا، 27.03.2015. http://carnegieendowment.org/sada/?fa=59540&lang=ar

المصدر السابق.

6علي بدوان، القائمة العربية بإسرائيل: ائتلاف انتخابي وتأثير محدود، قناة الجزيرة، 28.02.2015. إضغط هنا.

7 ليهي بن شطريت، محمود جرابعة، القائمة العربية المشتركة وتوظيف النجاح الانتخابي، مصدر سابق.

8 المصدر، حلب تحترق والقائمة العربية المشتركة تختلف، 19.06.2016.  http://www.al-masdar.net/%D8%AD%D9%84%D8%A8-%D8%AA%D8%AD%D8%AA%D8%B1%D9%82-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%A6%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B4%D8%AA%D8%B1%D9%83%D8%A9-%D8%AA/

9 سكاي نيوز عربية، الكنيست يقر قانون إقصاء يُخشى استهدافه لنواب عرب، 20.07.2016. إضغط هنا.

10 رأي اليوم، الكنيست يُقرُّ قانون إقصاء النواب العرب والنائب غطَّاس يقول: بالنسبة لنا، نحن المهجَّرين اللاجئين في وطننا، نحن ضحايا العنصرية والتمييز والإقصاء كل يوم، 20.06.2016.

 http://www.raialyoum.com/?p=480997

11Shlomi Eldar, What’s really behind police raids on Israeli-Arab party?, al-monitor. http://www.al-monitor.com/pulse/originals/2016/09/balad-arab-joint-list-party-police-raid-knesset-members.html#ixzz4NQqKsmsC

12 الوطن، الشرطة الإسرائيلية تستجوب نائبين عربيين في قضية غسيل أموال، 10.10.2016. http://www.elwatannews.com/news/details/1485821 

13ليهي بن شطريت، تضييق متدرج: تداعيات حظر فرع الحركة الإسلامية بإسرائيل، مركز الجزيرة للدراسات، 16.02.2016. http://studies.aljazeera.net/ar/reports/2016/02/20162169217106857.html

14 الحياة الجديدة، نتنياهو يعلن مقاطعة لنواب القائمة العربية المشتركة، 10.10.2016. http://www.alhaya.ps/ar_page.php?id=1daa88ay31107210Y1daa88a

15 قناة الجزيرة، هجوم إسرائيلي على القائمة العربية بالكنيست، 08.10.2016. http://www.aljazeera.net/news/presstour/2016/10/8/%D9%87%D8%AC%D9%88%D9%85-%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84%D9%8A-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%A6%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%86%D9%8A%D8%B3%D8%AA