رفع العقوبات الأميركية عن السودان وتأثيراته الداخلية والخارجية

رفع العقوبات الاقتصادية الأميركية عن السودان ينتظر خطوات جادة من الحكومة السودانية تكمل مسيرة التعاون مع المجتمع الدولي ومع أميركا خاصة، وهي مهمة صعبة للغاية فلا بد مثلا من قرارات جريئة تتعلق بشكل السلطة والحكم في السودان والتزام حقوق الإنسان والحريات العامة.
6689f52a489b4d83bce984ce063c1ad5_18.jpg
العقوبات الأميركية أثرت بشكل كبير على القطاع المالي في السودان (رويترز)

في خضم ساعاتها الأخيرة أقدمت حكومة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، على رفع جزئي للعقوبات الأميركية المفروضة على الحكومة السودانية. القرار الذي صدر يوم الجمعة، 13 يناير/كانون الثاني 2017، استُقبل سودانيًّا بمشاعر متفاوتة فلدى الحكومة وحزب المؤتمر الوطني الحاكم استُقبِل بتهليل وترحاب شديدين، بينما استُقبل بترحيب فاتر وحذر (مشروط) من جانب أحزاب وحركات مسلحة وقوى وطنية معارضة؛ إذ تعتبر القوى السياسية السودانية المعارضة أن أمر العقوبات مرفوض من حيث المبدأ كفعل لما يُلحقه من أضرار بالوطن والمواطن، ومن الناحية الأخرى، ترى في الأمر ضجيجًا حكوميًّا لا يغيِّر في حقيقة الوضع السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي شيئًا. أما المواطن السوداني من ناحيته فهو يتابع المشهد الدرامي من حوله بِحِيرة وقلق بإدراك أنه لا يفهم حقيقة ما يدور من حوله، بسبب التعتيم الشديد الذي صاحب المفاوضات التي استغرقت 23 اجتماعًا "سري بطلب أميركي" وفق ما صرّح به إبراهيم غندور، وزير الخارجية السوداني، في مؤتمره الصحفي الأول عقب إعلان رفع العقوبات. لكن ما يعرفه المواطن جيدًا أنه وحده من تحمَّل وما زال يتحمل تبعات أفعال الحكومة التي أوصلته إلى حصار وعقوبات دولية وأميركية بكل ما بها من مصاعب وما جلبته من أزمات شتَّى. وهذه العقوبات الأميركية انبثقت ضمن توجه دولي عبَّرت عنه قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالصراع المسلح في دارفور، ثم المنطقتين في جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق. ولهذا فهي تأتي ضمن سياق عام من العقوبات مفروضة على السودان من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.

فُرضت العقوبات الاقتصادية الأميركية على السودان أول مرة في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني 1997، بموجب القرار التنفيذي رقم 13067 الذي أصدره الرئيس الأميركي بيل كلينتون وفقًا للقانون الأميركي للطوارئ الاقتصادية، وبموجب ذلك القرار جرى تجميد الأصول المالية السودانية، وفرض حصار اقتصادي يُلزم الشركات الأميركية بعدم التعامل أو الاستثمار أو التعاون الاقتصادي مع السودان. ثم أصدر الرئيس الأميركي، جورج بوش، قرارًا تنفيذيًّا آخر برقم 13400، في 27 إبريل/نيسان 2006، بموجبه تواصلت العقوبات على السودان مع التشديد. وفي شهر مايو/أيار 2007، شدَّد الرئيس الأميركي، بوش، من الحصار الذي شمل شركات وأشخاصًا من المسؤولين الحكوميين أو المرتبطين بالحزب الحاكم. واستمرت إدارة الرئيس أوباما على ذات الطريق ومدَّدت غير مرة العقوبات على السودان على مدى فترتي حكمه. 

رفع العقوبات: التوقيت والرؤية 

لا يمكن النظر إلى القرار الأخير لأوباما برفع العقوبات عن السودان دون التوقف عند الظروف الإقليمية والدولية التي أحاطت بالقرار والتوقيت والسياق العام للقرار. 

فأسباب الحصار واستمراره نبعت من واقع سياسات الخرطوم التي سبَّبت، وفي أوقات متفاوتة، قلقًا إقليميًّا ودوليًّا كبيرًا؛ فقد كان السودان حاضنة أولى لشخصيات وُصِفت دوليًّا بالإرهابية، من كارلوس الذي سُلِّم للحكومة الفرنسية فيما بعد، إلى قيادات القاعدة بزعامة أسامة بن لادن والتي عاشت فترة في السودان. أضفْ إلى ذلك احتضان السودان حركات معارضة للدول المحيطة به ومن كل الجهات تقريبًا. بهذه الصفة كان السودان مصدر قلق إقليمي ولدول الجوار خاصة. ثم تواترت الأحداث المقلقة التي مصدرها السودان من محاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق، حسني مبارك، في أديس أبابا، ثم الهجوم على السفينة الحربية الأميركية، كول. وأشارت أصابع الاتهام مرة أخرى تجاه السودان بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول، وزادت الضغوط بعد تفجر الحرب في إقليم دارفور، ثم توسع الصراع الداخلي ليشمل منطقتي جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق وما صاحب هذا الصراع من مقتل وتشريد الملايين من أبناء السودان وما سبَّبه من قلق دولي لموقع السودان والمخاوف الكبيرة من احتمال توسُّع دائرة الصراع ليشمل الدول المجاورة بحكم التداخل العِرقي والقَبَلي. هذه الأحداث مجتمعة جعلت أميركا والمجتمع الدولي عامة ينظرون إلى السودان والحكم فيه كبؤرة صراع متفجر تهدد الجوار الإقليمي والمنطقة بكاملها. ومن ثَمَّ توالت القرارات الدولية والعقوبات من الأمم المتحدة بشأن الصراع المناطقي في السودان، ودخلت المحكمة الجنائية الدولية على الخط لتوجه الاتهامات لعدد من المسؤولين السودانيين بجرائم ضد الانسانية وعلى رأسهم الرئيس عمر البشير. 

ولعل اللافت هنا أن الولايات المتحدة وطوال الوقت كانت أكثر الدول التي تعاطت مع الملفات السودانية المختلفة ودخلت في مجمل تفاصيلها؛ ما يعني أنها وبرغم العقوبات وما يجري في السودان ظلت محتفظة بعلاقاتها مع السودان وتلتقي المسؤولين السودانيين وتبحث معهم بشكل رئيسي قضايا تتعلق بأزمة دارفور والحروب المناطقية، وتبادل المعلومات المخابراتية المتعلقة بتنظيم القاعدة ثم الإرهاب، والاتجار بالبشر وتهريب السلاح عبر السودان والبحر الأحمر إلى قطاع غزة وسيناء. ولهذا تكاد تنحصر المفاوضات في كبار المسؤولين في جهاز الأمن السوداني ووزراء الخارجية دون غيرهم. كما أن كل زيارات المبعوثين الأميركيين إلى السودان ومحادثاتهم تركَّزت على الجانب الأمني والمبادرات للخروج من أزمة دارفور أو سبل إيصال الإغاثة الإنسانية للنازحين والمتضررين من الحرب في المناطق الثلاثة. ويُلاحَظ أن الولايات المتحدة الأميركية ظلت وباستمرار ترهن تطبيع علاقتها بالحكومة السودانية باشتراطات من بينها وقف الحرب في (دارفور، وجنوب كردفان، وجنوب النيل الأزرق)، وتحسين الأوضاع الإنسانية لمناطق الهامش، والتوصل إلى صيغة شاملة لا تُقصي أحدًا لتداول السلطة السياسية في البلاد. في هذا الإطار، نجد قول مبعوث الرئيس أوباما للسودان وجنوب السودان، دونالد بوث: "إن الولايات المتحدة لا تريد أن تجعل الشعب السوداني كبش فداء للعلاقة المتوترة بينها وبين نظام الخرطوم"(1). 

وفي وقت لاحق، ومع تطور الاهتمام الأوروبي والأميركي بقضايا محاربة الإرهاب والهجرة إلى أوروبا والاتجار بالبشر، اتخذت المفاوضات والتعاون بين الجانبين بُعدًا أمنيًّا أكثر عُمقًا واتساعًا. 

الموقف السوداني الحكومي من تعليق العقوبات إجمالًا يمكن تلخيصه فيما ورد ببيان وزارة الخارجية في نفس يوم إعلان تعليق العقوبات: "إن الخطوة تمثِّل تطورًا إيجابيًّا مهمًّا في مسيرة العلاقات الثنائية بين السودان والولايات المتحدة الأميركية، ونتاجًا طبيعيًّا لجهود مشتركة وحوار طويل وصريح شارك فيه العديد من المؤسسات من الجانبين، وثمرة تعاون وثيق بين البلدين في قضايا دولية وإقليمية محل اهتمام مشترك"(2). وأكَّد البيان على: "تصميم السودان على مواصلة التعاون والحوار مع الولايات المتحدة حتى يتم رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وتجاوز كافة العقبات أمام التطبيع الكامل للعلاقات بين البلدين بما يحقق المصالح العليا لشعبي البلدين"(3). 

بينما نرى أن الإدارات الأميركية المتعاقبة قد تمسَّكت بذات الموقف والتعامل الأمني مع السودان منذ عهد كلينتون ثم بوش وأوباما. وظلَّت الأمور تراوح مكانها ولعل السبب تغير الرئاسة الأميركية وثبات الرئاسة في السودان بقيادة عمر البشير. المتغيِّر هو طبيعة القضايا الأمنية المطروحة؛ فقد كانت هواجس أميركا مرتبطة بالصراع في جنوب السودان وانتقلت بعد اتفاقية نيفاشا والسلام في الجنوب إلى الصراع في دارفور. ثم توسع الأمر ليشمل الصراع في المناطق الثلاثة ومعها ملف الصراع داخل جنوب السودان والذي تُتَّهم حكومة السودان الشمالي بتغذيته، ووجود قوات جيش الرب الأوغندي في أراضي جنوب السودان. وتطورت القضايا الأمنية لتشمل الدور الإيراني في السودان والعلاقات القوية بين السودان وإيران وتهديداتها لدول الخليج وخاصة السعودية، وتغذية إيران لحركة حماس الفلسطينية بالسلاح عبر البحر الأحمر، ومعها إمداد القوى التي تحارب الحكومة المصرية في سيناء بالسلاح المهرَّب الذي يصل جزء كبير منه من السودان. ولذلك، فإن وجود السودان كعامل مشترك في كل هذه النزاعات بالمنطقة زاد من الاهتمام الدولي والأميركي خاصة بالدور السوداني، إلى جانب اهتمامٍ تصاعَدَ من مجموعة الدول المطلَّة على البحر الأحمر السعودية ومصر واليمن وإسرائيل. وبطبيعة الحال زاد كل هذا من الضغوط الأميركية على الخرطوم في الاتجاهين: إيجاد حل للصراعات الداخلية ووقف التقارب السوداني-الإيراني. وعند هذه الدائرة يتقاطع الدور الإسرائيلي مع الدور الأميركي وهذا ما يفسِّر التدخل الإسرائيلي العسكري المباشر أكثر من مرة في الفترة بين 2008 و2014 وضربها أفواجًا من السيارات المحمَّلة بالسلاح إلى حماس وفقًا للادِّعاء الإسرائيلي أو بضرب مصنع السلاح الإيراني نفسه في منطقة الشجرة بالعاصمة الخرطوم. ثم التحول في الدور الإسرائيلي بالضغط غير المباشر على الخرطوم من خلال دعوتها للدول الغربية بتقديم الدعم للحكومة السودانية كتعويض لوقف تعاونها مع إيران ومساعدتها لحركة حماس. 

وتقول صحيفة هآرتس الإسرائيلية في هذا الصدد: "توجهت إسرائيل لحكومة الولايات المتحدة ودول أخرى وشجعتها على تحسين علاقاتها مع السودان واتخاذ مبادرات حُسن نيَّة، على خلفية قطع العلاقات بين الدولة العربية الإفريقية وبين إيران"(4). 

وكان موضوع السودان وفقًا للصحيفة محور الحوار بين مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية، توم شانون، مع المسؤول السياسي في وزارة الخارجية الإسرائيلية ومكتب رئيس الحكومة غداة زيارته الأولى لإسرائيل. وتورد الصحيفة "في وزارة الخارجية بإسرائيل يعتقدون أن حكومة السودان قطعت قبل عام علاقتها مع إيران لأن تهريب السلاح من السودان إلى قطاع غزة توقف، ولأن السودانيين اقتربوا من خط الدول السُّنيَّة برئاسة السعودية"(5). 

وتضيف: إن "المسؤولين في إسرائيل قالوا: إن إحدى الرسائل التي أُعطيت لشانون كانت أنه لا يجب تجاهل الخطوات الإيجابية السودانية، وأن مبادرة حُسن نية من جهة الولايات المتحدة تجاه الحكومة في الخرطوم من شأنها أن تساعد في مكافحة الإرهاب. إحدى الخطوات التي تطلبها حكومة السودان هي أن تقوم الإدارة الأميركية بإخراجها من قائمة الدول المؤيِّدة للإرهاب"(6). 

وتقول هآرتس أيضًا: "إن دبلوماسيين إسرائيليين طلبوا من نظرائهم في أوروبا مساعدة السودان للتغلب على الدَّيْن الخارجي الكبير والذي يبلغ نحو 50 مليار دولار، والنظر في إمكانية شطب جزء من الدَّيْن". وأوضحت إسرائيل أن انهيار اقتصاد السودان من شأنه أن يزعزع الاستقرار في هذا الجزء من إفريقيا؛ الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة العناصر الإرهابية. 

وفق هذا المنظور يمكن تفسير أحد الأسباب القوية لقرار الرئيس أوباما وتقديمه هدية وعربون صداقة للرئيس الجديد، دونالد ترامب، ليواصل الخطوات على هذا الطريق لاعتبارات كثيرة، أهمها: توجهات ترامب وتعهداته بمحاربة الإرهاب والوقوف أمام إيران. هذا الأمر وجد تجاوبًا سريعًا في الخرطوم حيث نشرت الصحف على لسان وزير الخارجية السوداني، إبراهيم غندور، بعد أيام من قرار رفع العقوبات قوله: "إن اقامة الخرطوم لعلاقات مع إسرائيل أمر وارد"(7). بمعنى آخر، فإن رفع العقوبات عن السودان مرتبط بمواقفه الأخيرة من قطع علاقاته مع إيران إلى تعاونه في ملفات الحرب على الإرهاب ووقف الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا. ويُلاحَظ أن الشروط التي وضعتها إدارة أوباما في معظمها تتعلق بأمور داخلية وهي مهمة لتمهيد الطريق أمام الإدارة الجديدة لترامب أمام الكونغرس الذي هو مصدر العقوبات على السودان المتعلقة بحقوق الإنسان والحريات ووقف الحرب في المناطق الثلاث. وفي هذا الصدد، يشير الرئيس أوباما في رسالة بعثها إلى الكونغرس ونشرها البيت الأبيض لموقف الحكومة السودانية "تراجع ملحوظ في الأنشطة العسكرية تُوِّجت بتعهد بالإبقاء على وقف القتال"، وإلى جهود لتحسين عمل المنظمات الإنسانية في البلاد. وتعاون الخرطوم مع واشنطن في "التعامل مع النزاعات الإقليمية والتهديد الإرهابي"(8). 

بمعني أن السودان خارجيًّا مستوف للشروط من تعاون مستمر في الحرب على الإرهاب وقطع العلاقات مع إيران وتقديم كل المعلومات والتسهيلات العسكرية إذا لزم الأمر ليس فقط للولايات المتحدة وإنما لأوروبا، ومشاركة دول الخليج العربية في الحرب باليمن. 

هل من تأثيرات اقتصادية للعقوبات؟ 

أكثر ما يلفت النظر في مسار المفاوضات الأميركية-السودانية أنها خَلَتْ من التفاوض حول المسائل الاقتصادية بالشكل المباشر؛ ما جعل من رفع العقوبات وما استُقبل به من حفاوة في الخرطوم وكأنه الجائزة المرتجاة مقابل الخدمات والتعاون الأمني. فالقرار برفع العقوبات شمل القرار السماح بكافة التحويلات المصرفية بين البلدين، واستئناف التبادل التجاري بين السودان وأميركا. وربط المضي قدمًا في التوسع برفع كامل للعقوبات بما ستفعله الحكومة السودانية خلال فترة "السماح" مدة ستة أشهر بشأن حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب. 

وثمة بعض ملاحظات هنا على العقوبات الاقتصادية ومدى تأثيرها على السودان، فقد كانت الحكومة السودانية تكثر طوال السنوات الماضية من تعليق الإخفاقات الاقتصادية والزراعية على شماعة العقوبات الأميركية. الأمر الذي ترك شعورًا عامًّا في السودان بأن رفع العقوبات سيجعل من السودان بلدًا سخيًّا رخيًّا، لكن الواقع يكذِّب هذه الصورة الفضفاضة.

فالوضع الاقتصادي السيئ في السودان في جوهره لا علاقة له بأمر العقوبات. ويُرجع عدد من الاقتصاديين السودانيين أمر تدهور الوضع الاقتصادي إلى سوء التخطيط وسوء إدارة الدولة التي ركَّزت على قطاع النفط وتصديره، ومن بعد انفصال جنوب السودان جعلت من الذهب مركزًا للاهتمام مع إهمال القطاعات الإنتاجية في الزراعة والثروة الحيوانية والغابات، والصناعة والتعدين؛ وهو إهمال ضرب القطاعات الخدمية الأخرى من صحة وتعليم. 

ويقول الاقتصادي السوداني، الهادي هباني، عن التبادل التجاري بين السودان والولايات المتحدة: "وفقًا لموقع مكتب الممثل التجاري الأميركي؛ فإن السودان يمثِّل رقم 167 في ترتيب الدول التي لها تبادل تجاري مع أميركا حيث بلغ حجم التجارة بين البلدين عام 2013م 98 مليون دولار منها 88 مليون دولار صادرات من أميركا للسودان و10 ملايين واردات من السودان أي بفائض في الميزان التجاري لصالح أميركا بقيمة 78 مليون دولار وعجز للسودان بقيمة (78) مليون دولار" ويضيف: "وبالرجوع للبيانات المنشورة في موقع بنك السودان المركزي في الموجز الإحصائي للتجارة الخارجية في صفحة (17) الجدول رقم (6) (الصادرات حسب القُطر والسلعة خلال الفترة يناير/كانون الثاني-سبتمبر/أيلول 2016)، نجد أن حجم صادرات السودان السنوية للولايات المتحدة قد بلغت فقط 7.7 ملايين دولار أميركي عبارة عن 7.1 ملايين دولار صمغًا عربيًّا، وهو إحدى السلع التي لا يشملها الحظر، و690 ألف دولار عبارة عن صادرات أخرى". في حين أن جدول الواردات في نفس المصدر السابق يبيِّن أن واردات السودان من أميركا خلال نفس الفترة بلغت 18.7 مليون دولار عبارة عن 5.5 ملايين دولار مواد غذائية، 291 ألف دولار مشروبات وتبغًا، 172 ألف دولار منتجات بترولية، 1.7 مليون دولار مواد خام أخرى، 1.7 مليون دولار كيماويات، 796 ألف دولار مصنوعات، 7.9 ملايين دولار آلات ومعدات، 618 ألف دولار وسائل نقل، 8 آلاف دولار منسوجات. بمعنى أن الميزان التجاري قد حقَّق فائضًا لأميركا بقيمة 11 مليون دولار وعجزًا للسودان بقيمة (11) مليون دولار عام 2016. فحجم التبادل التجاري عمومًا بين أميركا والسودان يعتبر ضعيفًا منذ أن بدأت العلاقات التجارية بين البلدين في ستينات القرن الماضي. هذا مقارنة بحجم التبادل التجاري مع الصين، والإمارات، والسعودية، ومصر باعتبارها أكبر الدول تبادلًا تجاريًّا مع السودان حيث بلغ حجم التبادل التجاري بينها وبين السودان ما قيمته 1.9 مليار دولار، 1.4 مليار دولار، 782 مليون دولار، و739 مليون دولار مع الدول الأربعة بالترتيب التنازلي على التوالي(9). 

وتبيِّن الأرقام الأخيرة عن الوضع الاقتصادي السوداني حقيقة الوضع المتدهور الذي يعاني منه السودان اقتصاديًّا. ووفقًا لبيانات نشرتها وكالة الأنباء القَطَرية فمن المتوقع أن يبلغ العجز في موازنة الدولة لعام 2017، 19.5 مليار جنيه، مقابل 13.3 مليار لسنة 2016، مع انخفاض عجز الميزان التجاري إلى 3.6 مليارات دولار، بواردات 6.7 مليارات دولار وصادرات 3.1 مليارات دولار. 

وقد طالب البنك الدولي في مذكرة اقتصادية له عن السودان نهاية العام الماضي بضرورة تسريع وتيرة التحول الهيكلي وتنويع النشاط الاقتصادي، لافتًا إلى أن اقتصاد السودان سجَّل انكماشًا حادًّا بعد انفصال الجنوب عام 2011، وفقْد 75% من عائداته النفطية(10). 

وخلاصة الأمر أن إدارة الرئيس باراك أوباما بدت وكأنها قد خالفت التوقعات ومضت في هذه الخطوة على طريق سياسة عامة بدأت بقرارات تاريخية من رفع للعقوبات على إيران بعد توقيع الاتفاق النووي، ثم أنهت قطيعة تاريخية مع كوبا وأعادت علاقة الولايات المتحدة مع الجزيرة الصغيرة وأنهت فترة حكم أوباما برفع العقوبات الاقتصادية عن السودان.

وفي كل الأحوال فإن رفع العقوبات الاقتصادية عن السودان ينتظر خطوات أكثر جدية من الحكومة السودانية تكمل بها مسيرة التعاون مع المجتمع الدولي والولايات المتحدة خاصة في القضايا الرئيسية الداخلية منها أو الخارجية. وهذه مهمة صعبة للغاية وتحتاج لقرارات تاريخية وجريئة تقوم بها الحكومة السودانية وخاصة فيما يتعلق بشكل السلطة والحكم في السودان، والتزام حقوق الإنسان والحريات العامة وهي ثمرة ظلت صعبة المنال على الأقل طوال 27 عامًا من حكم الرئيس عمر البشير. ومن المفارقة أن سنوات الرئيس السوداني في الحكم شهدت تداول أربعة رؤساء أميركيين على الحكم فيما لم يتغير شيء في المشهد الرئاسي السوداني المثير للجدل. فهل تكفي فترة 180 يومًا هي كل عمر فترة السماح الأميركي المشروطة هذا ما يصعب التكهن بما يمكن أن يحدث خلالها خاصة في ظل رئاسة جديدة ومختلفة في عهد الرئيس دونالد ترامب؟

____________________________

طارق الشيخ - كاتب وباحث من السودان

مراجع

1 – انظر: موقع "راديو دنبقه"، الولايات المتحدة الأميركية ترهن تطبيع علاقتها بنظام الخرطوم بوقف الحرب فورًا في الولايات الملتهبة، (تم التصفح في 23 يناير/كانون الثاني 2017):

https://www.dabangasudan.org/ar/all-news/article/%D8%A7%D9%84%D9%88%D9%84%D8%A7%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%83%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%B1%D9%87%D9%86-%D8%AA%D8%B7%D8%A8%D9%8A%D8%B9-%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D9%87%D8%A7-%D8%A8%D9%86%D8%B8%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B1%D8%B7%D9%88%D9%85-%D8%A8%D9%88%D9%82%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D9%81%D9%88%D8%B1%D8%A7-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%88%D9%84%D8%A7%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%AA%D9%87%D8%A8%D8%A9

2 – بيان وزارة الخارجية السودانية وقد تناقلته وكالات الأنباء المحلية والدولية، ونقلته عنها أغلب المواقع الإخبارية في الشبكة. انظر موقع جريدة الاتحاد، (تم التصفح في 24 يناير/كانون الثاني 2017):

http://www.alittihad.ae/details.php?id=2580&y=2017

3 – نفس الإحالة السابقة.

4 – See: Israel Urges U.S., Europe to Bolster Ties With Sudan, (Visited 23 January 2017): http://www.haaretz.com/israel-news/.premium-1.740676

5 – نفس المرجع السابق.

6 – نفس المرجع السابق.

7 – انظر: قيام العلاقة مع إسرائيل سقطة من غندور أم انكشاف للمستور؟، (تم التصفح في 24 يناير/كانون الثاني 2017):

http://alsudanalyoum.com/2017/01/20/%D9%82%D9%8A%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%A9-%D9%85%D8%B9-%D8%A7%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D8%B3%D9%82%D8%B7%D8%A9-%D9%85%D9%86-%D8%BA%D9%86%D8%AF%D9%88%D8%B1-%D8%A3/

8 - أوباما يلغي بعض العقوبات.. والسودان يرحِّب، (تم التصفح في 22 يناير/كانون الثاني 2017):

https://www.alarabiya.net/ar/mob/latest-news/2017/01/13/-%D8%A7%D9%88%D8%A8%D8%A7%D9%85%D8%A7-%D9%8A%D9%84%D8%BA%D9%8A-%D8%B9%D9%82%D9%88%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%B3%D8%AA%D9%87%D8%AF%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86.html

9 – الهادي هباني: هل سيؤدي قرار رفع العقوبات إلى إصلاح الاقتصاد السوداني؟، (تم التصفح في 23 يناير/كانون الثاني 2017):

http://www.google.com/url?sa=t&rct=j&q=&esrc=s&source=web&cd=&cad=rja&uact=8&ved=0ahUKEwi_3dj1z9_RAhXDdCwKHSC3C-AQFggdMAA&url=http%3A%2F%2Fwww.alrakoba.net%2Fnews-action-show-id-261328.htm&usg=AFQjCNES1_yJbW0x38jWFJU1pLD_SHlJng&sig2=NPZd_zK_mGpRtfcfUgT58w

10– انظر: السودان.. وضع إنساني متأزم ينتظر رفع العقوبات، (تم التصفح في 20 يناير/كانون الثاني 2017):

http://www.qna.org.qa/News/17011711350025/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86-%D9%88%D8%B6%D8%B9-%D8%A5%D9%86%D8%B3%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D9%85%D8%AA%D8%A3%D8%B2%D9%85-%D9%8A%D9%86%D8%AA%D8%B8%D8%B1-%D8%B1%D9%81%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%82%D9%88%D8%A8%D8%A7%D8%AA------