"علماء" التيار الجهادي: الخطاب والدور والمستقبل

ترصد الورقة الدور والوجهة التي سينتهي إليها علماء التيار الجهادي في مواجهة التحديات والخلافات التي تعصف بهم، والتي سيكون لها تأثيرها العميق على مسار التيار الجهادي ومستقبله، وذلك بتحليل مسهَب للخطاب الجهادي وللأطوار التاريخية التي ظهر فيها العلماء الجهاديون منذ التأسيس وحتى اليوم.
9 مارس 2017
725f9895969a4ba0a7525b66a550e126_18.jpg
(الجزيرة)

تهدف الورقة إلى دراسة الدور الذي يضطلع به علماء التيار الجهادي ومآله، لاسيما في ظل العلاقة الجدلية التي تربطهم بالخطاب الجهادي وبالتنظيمات الجهادية. واعتمدت منهجًا تحليليًّا تاريخيًّا لرصد أهم المراحل الفكرية لهذا التيار والتحولات التي عرفها الخطاب الجهادي ومنظومته الفكرية، كما اعتمدت الورقةُ المقابلةَ أسلوبًا لدراسة هذه التحولات من خلال اللقاءات التي أجراها الباحث مع عدد من رموز التيار ومجموعة من الباحثين المهتمين بقضايا التيار الجهادي. ومما خلصت إليه بعد مراجعة تاريخية وتحليلية لمسار التيار ولأبرز مقولاته: أن التيار الجهادي شهد ثلاثة أطوار من العلماء، بدأ الطور الأول بالشيخ عبد الله عزام وأسامة بن لادن، أما الطور الثاني فشهد تقدمًا لمرجعية أبي محمد المقدسي وأبي قتادة، ولا تزال هذه المرجعية قائمة إلى جانب آخرين في الطور الثالث، إلا أن التطورات التي عصفت بالمنطقة بعد الثورات العربية وظهور تنظيم الدولة شكَّلت اختبارًا صعبًا لهم وللخطاب الجهادي. فقد أصبح من الواضح للعلماء والشرعيين الجهاديين أن خطابهم لا يتلاءم مع الميدان السوري الذي يعلو فيه سؤالا الاستبداد والتطهير المذهبي على ما سواهما؛ الأمر الذي شكَّل تحديًا كبيرًا لعلماء التيار وشرعيِّيه الذين عجزوا عن التأقلم مع الوضع الجديد أو تقديم إجابات محددة عليه، وأقصى ما قدَّمه الشيخان، أبو محمد المقدسي وأبو قتادة، في هذا الصدد، أنهما أطلقا حالة نقدية لحماية الخطاب الجهادي من "علماء الواقع الجهادي السائد"، ولكن كل المؤشرات تقول: إن علماء التيار سيدخلون عاجلًا أم آجلًا في "مراجعات" لخطابهم بأيديهم وبأدواتهم لا بأيدي غيرهم.

مقدمة 

يلعب "العلماء" في التيارات الإسلامية دورًا محوريًّا وبمستويات مختلفة حسب موقعهم التنظيمي، وتختلف أدوارهم وفقًا لذلك، كما أن شراكتهم في قيادة التنظيمات الإسلامية قد تقلُّ أو تكثر، لكنهم في نهاية المطاف، وبلا جدال، يسهمون إسهامًا أساسيًّا في إعطاء كل جماعة إسلامية هويتها الخاصة التي تميزها عن سواها من الجماعات؛ لأنهم المكوِّن الأساس في صياغة خطابها وتوجهاتها والمُدافع الأول عن استمراره وفعاليته. 

تتناول هذه الورقة بالبحث "علماء التيار الجهادي: الخطاب والدور والمستقبل"، أخذًا بالاعتبار أهمية الدور الإقليمي الذي يشغله الإسلاميون في المنطقة وفي صوغ المنظومة الفكرية الجهادية ومستقبلها، وبتحديد أكبر يمكن القول: إن الباعث على معالجة هذا الموضوع هو كثرة التحولات والانقسامات والتشكُّلات "الجهادية" التي شهدتها الساحة السورية، ولا تزال تشهدها حتى اليوم، وذلك بتغطية "شرعية" من علماء يوصفون بـ"الجهاديين"، وتسهم تلك التشكُّلات في إحداث آثار عميقة في واقع ومستقبل هذا البلد وشعبه فضلًا عن المنطقة برمتها؛ ما يتطلب إعادة قراءة خطاب وأدوار ووظائف أولئك الذين يشكِّلون "المرجعية الشرعية" للحركات والجماعات الجهادية وتفكيك الخلفية الأيديولوجية والعلمية التي تقودهم. 

من أبرز الأفكار المفتاحية لتفكيك العلاقة بين التنظيمات الجهادية وعلمائها، إدراك العلاقة الجدلية التي تربطهم جميعًا بالخطاب الجهادي، الذي لعب، ولا يزال، دورًا أساسيًّا في تحديد ماهية "الجهاد الصحيح" في قاموس "التيار الجهادي"، ومن هو صاحب الأهلية ليكون "عالمًا جهاديًّا" أو "شرعيًّا جهاديًّا" مؤهَّلًا لأن يُفتي ويوجِّه الجهاديين ويُصغَى له. وللأمر جذوره بطبيعة الحال؛ ذلك أن "علماء" عملوا في التسعينات في "أفغانستان" على تأسيس التيار الجهادي وتشكيل مقولاته حتى أصبحت عَلَمًا عليهم، وتعرضت مقولاتهم للاختبار في عدة محاضن من أبرزها العراق وسوريا، لكنها استمرت مع ما تحمله من خلافات حولها أو في ثناياها، لتلعب دورًا كأحد المحدِّدات الأساسية في وصف "العالِم الجهادي" وتمييزه عن سواه، ومن ثم كمحدِّد أساسي لما يجب على التنظيم أن تكون صورته أو خطابه الجهادي. 

وتعتمد الورقة لهذه الغاية المنهج التاريخي في تحليل الأحداث والوقائع ودراسة الأفكار لاسيما المنظومة الفكرية الجهادية ما اتصل منها ولا يزال فاعلًا، أو انقطع وفَقَدَ من حيويته؛ لذا تحاول تتبع الكيفية التي تشكَّل وفقها الخطاب الجهادي والظروف التي خضع لها وتطور في ظلها، مع الوقوف على الأطوار التاريخية والفكرية التي ظهر في سياقها "العلماء" أو "الشرعيون الجهاديون". وتتعرض الورقة لنماذج من علماء وشرعيي التيار الجهادي بما يكفي لرصد التحولات التي يخضع لها التيار الجهادي ومقولاته، مع تركيز واضح على أهم شخصيتين فيه، وهما: أبو محمد المقدسي (عصام البرقاوي)(1)، وأبو قتادة (عمر محمود عثمان)(2)، باعتبارهما عايشا أطوار الخطاب الجهادي وتحولاته وكان لهما تأثير في زمن تأسيسه، كما أنهما يُعدَّان أحد أبرز علماء التيار ولهما دور محوري في الانقسام والجدل الذي يشهده خاصة في السياق السوري. 

وهنا اعتمد الباحث على "المقابلة"؛ حيث أجرى عددًا من اللقاءات المباشرة خلال زيارته الميدانية للأردن مع فاعلين في التيار الجهادي، إضافة إلى عدد من الباحثين الأكاديميين وصحافيين أو معنيين بالتيار الجهادي من زوايا مختلفة. واقتصر في تناوله للمشهد السوري على القدر الذي يوضح خطوط الاختلاف والانقسام أو الاتفاق بين جماعات المعارضة الجهادية وعلمائها، وبما يكفي لرصد ما قد تُفضي إليه هذه الظاهرة في المستقبل لاسيما أن لها تأثيرًا كبيرًا على مسار ومآل التيار الجهادي في الساحة السورية وفي غيرها، كمقولة أيديولوجيَّة وإطار تنظيمي جامع، فضلًا عن تأثيرها على الساحة السورية وعموم المنطقة العربية فكريًّا وسياسيًّا وما إلى ذلك. 

وستتناول الورقة بالتحليل والدراسة قضايا مختلفة ترتبط بتلك التحولات، وهي: دور العلماء في التيار الجهادي، والمرجعية الجهادية ومانيفست "الحشد الجهادي"، و"الشرعي" الجهادي، ومرجعية ابن لادن وطالبان أو الظهور العلمائي الأول، والظهور العلمائي الثاني، والثورة السورية والظهور الثالث، ومستقبل علماء التيار الجهادي. 

دور العلماء في التيار الجهادي 

يمكن بملاحظة التيار الجهادي القول: إن موقف التيار الجهادي من العلماء المسلمين بالإجمال هو تقسيمه لهم إلى ثلاث فئات:

أولًا: "العلماء العاملون" في المجال الإسلامي: وهم "الواقفون في وجه الطواغيت سواء باليد أو اللسان أو بكليهما معًا"، وهؤلاء يؤيدهم التيار الجهادي ويناصرهم، ويعدهم من مراجعه العامة. 

ثانيًا: العلماء المستقلون: وهؤلاء الذين لا يعملون في المجال الإسلامي لكنهم، في نظر التيار الجهادي، "لم ينحازوا لطاغوت من الطواغيت" "وكذلك لم ينضموا لقافلة العاملين"، وهؤلاء "يستفاد منهم في مجالات اختصاصاتهم الشرعية العلمية، أما ما كان من فتاواهم وآرائهم في السياسة وما يمس العمل الإسلامي فيؤخذ منهم بقدر ما وافقت آراؤهم الحقَّ المدعوم بالدليل الشرعي ويُرَدُّ عليهم وفق نفس المقياس". 

ثالثًا: العلماء "المرتدُّون": وهم، في نظر التيار الجهادي، "العلماء الذين يوالون الطاغوت المرتدين من الحكام ويشهدون عليهم بالإسلام رغم انكشاف حالهم وافتضاح ردتهم"، وهؤلاء هم "رؤوس الطائفة الممتنعة"(3).ولكن هذا لا يعني أن التيار الجهادي يقوده الموصوفون بعموم "العلماء العاملين"، بل له في نهاية المطاف علماؤه الخاصُّون الذين يرتبطون به وبالساحات التي يعمل بها، ويحتل هؤلاء "العلماء" أو "الشيوخ" أو "الشرعيون" أو "المُفْتُون" على اختلاف أسمائهم، مكانة خاصة في "التيار الجهادي" تتجاوز تلك التي لهم في الحركات الإسلامية السياسية، ويتمتعون فيه بتأثير أكبر ولهم كلمة مسموعة أكثر؛ وذلك لسببين رئيسين:

  1. الأول (ويميزه عن "الإسلامية السياسية"، مثل حركة الإخوان المسلمين مثلًا): إذ يتقدم في التيارات الجهادية القتال والتضحية على ما سواه من الوظائف التي تؤديها هذه التنظيمات في سبيل التمهيد لإقامة "دولة الخلافة" التي لن تقوم إلا على أنقاض الدولة الحديثة، وهذا يتطلب مواجهة الأنظمة المحلية السائدة والنظام الدولي نفسه ودمويًّا، وبالتالي يتطلب شرعية فائقة، أي: خطابًا دينيًّا مكثَّفًا ليبرر بقوة كافية شرعية توجهاتها ومقولاتها. وتجدر الإشارة إلى أن تأثير العلماء في الحركات الإسلامية السياسية أقل نسبيًّا؛ لأن شرعية خطابها ليست دينية فقط، كما أن خطاب "الجهاد" ليس أساسيًّا في التغيير كما تنشده، فهي تسعى للتغيير عبر الطرق السياسية، كالبرلمان والعمل الحكومي وما إلى ذلك بغية تطبيق الشريعة في الدولة الحديثة. واليوم بعد عقود من الزمن(4) وعدَّة تجارب تعترف الحركات الإسلامية السياسية بشرعية الدولة وسلطانها، لا، بل باتت تعتمد على الإنجاز السياسي بقدر أكثر من السابق، ربما للاعتقاد بأن الدور الديني تضخَّم على حساب غيره وأكثر مما تدعو له الحاجة، أو للحاجة الماسَّة فيها لأدوار أكثر تخصصية(5) كما هي الدعوات راهنًا، لاسيما تلك المتصلة بالأدوار السياسية والتنظيمية.
  2. الثاني (ويميزها عن تنظيم الدولة الإسلامية): إذ هو، أي الأخير، "ما بعد جهادي"(6)، ويعتبر أن الجهاد لم يعد للتغيير وإقامة حكم الله؛ لأن حكم الله قام بإعلانه الخلافة، والجهاد له وظيفة سلطانية وبإمرة الخليفة وليس "العلماء"، وما كان موكولًا للعلماء بغيابه عاد إليه. بهذا، اختلفت وظيفة العلماء ما بين النموذجين "الجهادي" و "ما بعد الجهادي" بشكل كبير؛ فمع تنظيم الدولة، وبعد إعلان الخلافة، لم تعد الحاجة تدعو لمن يُسَمَّوْن بـ"الشرعيين"، إلا لتطبيق الشريعة في بُعدها القضائي (للقضاء والتقاضي)، أو لتأكيد الخيارات والأحكام الدولتية التي يأمر بها "الخليفة البغدادي" أو أمراؤه بتفويض منه (انظر الشكل رقم 1).

وهنا، من باب الملاحظة يلتقي تنظيم الدولة مع الإسلاميين السياسيين في تقليل اعتماده على "الشرعيين"، ولكن من منطلق مختلف، هو وجود "خليفة شرعي"، لأن هذا المنصب له صلاحية شرعية على الفصل في ما اختُلف فيه دينيًّا كما دنيويًّا، حيث قرار "الخليفة" مقدَّم على أقوال العلماء إذا ما اختلفوا وفيما لا حكم قطعيًّا فيه، وذلك جريًا على القاعدة الأصولية الإسلامية: "حُكم الحاكم يرفع الخلاف"(7)

(الشكل رقم 1) يوضح الخصائص المختلفة للتيارات الإسلامية الرئيسية الثلاث، والتي يختلف دور العلماء في كلٍّ منها تبعًا لهيكله التنظيمي ولوظيفته الأساسية التي أعطاها الأولوية، ولا يزال دور العلماء في التيار الجهادي هو الأرحب.

هذا، ويمكن القول إن عموم التيارات المنسوبة للإسلامية الجهادية وغير الجهادية، كانت قد بدأت مسارها السياسي بالعمل في هذه المساحة التي غاب عنها "الحاكم الشرعي" بسقوط الخلافة، وكان الباعث على وجودها جميعًا هو استعادة "الخليفة" ليفصل بين الناس في ما اختلفوا فيه، وهي نفس المساحة التي يعمل فيها العلماء اليوم ويحتكرون قرار الشرعية فيها وإن بتفاوت، ومنها في هذه التيارات الثلاث (انظر الشكل رقم 2). 

فالاختلاف، كما انتهى إليه اليوم، بين هذه الطرق الرئيسية الثلاث، في الأداء والتفكير والمنهج، انعكس اختلافًا في تحديد وتعريف دور علماء التيارات الإسلامية أو من ينتسبون إليها، وليكشف أن دور العلماء في التيار الجهادي ما زال الأرحب والأوسع حيث لا خليفة يعلو قراره فوق قرارهم (كما في تنظيم الدولة)، ولا شرعية سياسية مستقلة بذاتها تتشارك معهم المسؤولية (كما في الحركات الإسلامية السياسية)؛ الأمر الذي أعطى التيار الجهادي خصائص متميزة، جعلته جاذبًا أكثر من سواه للشرعيين لما لهم من دور وتأثير نوعي في هذا المساق -الذي لا تزال القاعدة تمثِّل سقفه أو أُفقه كأبرز تنظيم جهادي عالمي عابر للحدود- كما جعلته أكثر عرضة للاتجاهات "الشرعية" إذا جاز التعبير، وليكون أكثر تعددًا من أن تحتملها بنية القاعدة أو تنظيم جهادي واحد. 

(الشكل رقم 2) يبيِّن محورية دور العلماء في عموم الحركات الإسلامية، فهي تحتاجهم من أجل شرعية التأسيس ثم عندما تدعو الحاجة إليهم مرة بعد مرة في أعقاب أية مراجعة، والأخيرة أصبحت جزءًا من دورة الحركات الإسلامية لتجديد شرعيتها.

المرجعية الجهادية ومانيفست "الحشد الجهادي" 

تَشَكَّل المانيفست الجهادي بتأثير من العلماء الذين أيَّدوا الجهاد في أفغانستان لمواجهة الاحتلال السوفيتي أو الروسي لها في تسعينات القرن الماضي، ويأتي في مقدمتهم على الإطلاق الشيخ، عبد الله عزام، الذي حرص -هو ومَنْ آمن بفكرته أو التقت أفكاره أو مصالحه معه- على التبشير "بوجوب الجهاد عينًا على كل مسلم لدفع الغزاة عن أرض المسلمين"، كحكم شرعي مبرم، وعُمدته الآية: ?فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ?وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ?(8)، أي الجهاد والتحريض عليه كواجب فردي للخلاص من المساءلة "الشرعية"، وليس مطلوبًا من "المجاهد" معرفة النتائج، وأن الساحة الأفغانية اجتمعت فيها كل الأوصاف والظروف التي تجعلها أولوية لوجهة المجاهدين، وتم تفعيل فكرة التعاون بين "المهاجرين" و"الأنصار" كآلية لعولمة الجهاد ولتنظيمه حتى عبر الحدود؛ حيث يقدِّم الأنصار وهم أهل البلد كل التسهيلات لاستضافة المهاجرين، أي المتطوعين الذين جاءوا للقيام بالواجب والقتال إلى جانبهم، وهذه الآلية التنظيمية لها جذورها في الدِّين والفقه الإسلامي، ما يجعلها مكوِّنًا أساسيًّا من مكونات "خطاب الجهاد" الإسلامي بصورته التاريخية أو بمنظومته القيمية. 

والشيخ الدكتور، عبد الله عزام، أكاديمي وأستاذ في الشريعة، وله قَدَمٌ راسخة في العلوم الإسلامية وله قدرة على التأثير بالخطابة والكتابة والتواصل، استطاع، بما يمثِّله من مقام علمي وكفاءة فقهية، أن يستصدر فتاوى من علماء إسلاميين أو تقليديين -ومنهم علماء مرموقون حول العالم وبعضهم له مناصب رسمية في بلادهم(9)- بوجوب الجهاد وأولوية الأفغاني منه، سواء الهجرة إليه أو دعمه وتأييده ماديًّا ومعنويًّا، ثم تتالت قرارات ومخرجات علمية من مؤسسات ومجامع فقهية علمية، فضلًا عن تأييد معظم قادة الحركات الإسلامية ومنظِّريها والمساهمة في هذا المشروع، كل بحسب ظروفه ولغايات مختلفة. 

 

ولحماية هذه "الفتاوى" من فتاوى علماء آخرين مناقضين لها -بغضِّ النظر عن غاياتهم ومقاصدهم- عمل مؤيِّدو التيار الجهادي ورعاته، على التمييز بين مقامين من العلماء: العلماء المؤيدين لفكرة "الجهاد" ووصفهم بأنهم ما فعلوا ذلك إلا "تحررًا من السُّلطة ولصدق دينهم" وما إلى ذلك من صفات إيجابية ألحقت بهم. والآخرين الذين انتقدوا هذا الخط أو تخلفوا عنه فكانوا بين أن يُعذروا أو أن يُلاموا، فضلًا عن التحذير منهم إن كانوا على خصومة معه. 

وعلى العموم، لم يكن الهدف من هذا كله -أي القول بوجوب الجهاد وحماية هذه المقولة وترويجها- إلا "حشد" المقاتلين (المجاهدين) في أفغانستان لتحريرها وبناء "دولة إسلامية" فيها تنصر قضايا المسلمين في العالم. وكانت أولوية عزام، على وجه الخصوص، "التبشير بنهج جهادي" في "الأمة الإسلامية" يقوم على "دفع الصائل"، أي المعتدي، وقابل للتكرار حيث تدعو الحاجة، وعلى وجه الخصوص في فلسطين. ولم يكن هناك من إشارات تدل على نية مسبقة من عزام استحداثَ فئة خاصة من العلماء "لتيار جهادي" دون سواهم، وغاية ما سعى إليه، ومَن وافقه أو تلاقى معه على هذه الخطوة، هو تقديم "فتوى" بعض العلماء على بعض آخر خدمة للمشروع "الأفغاني الإسلامي"، ومما يؤكد ذلك استعانتهم بفتاوى من سائر علماء المسلمين حتى من الرسميين منهم -كما سبق- لهذا الغرض. 

ولتكتمل شرعية المشروع حرص "المجاهدون"، "أنصارًا ومهاجرين" على تنظيم مجتمعهم، وبالذات في المجتمع الأفغاني، وفق "الشريعة الإسلامية"، لأنها الهدف النهائي لهذا الجهاد وهي مطلب الجمهور هناك، أو أن يذعن لها لأنها جزء من دينه، ما جعل من هذه الآلية آلية تمدد للجهاد، وضمانة لاستقراره على "أرض" وفي "مجتمع". 

وهكذا يمكن القول: إنه أصبح من أبرز مميزات المانيفست الجهادي: أن التجنيد فيه يقوم على وجوب الجهاد عينًا بحسب الاستطاعة، ومحل وجوبه عالميٌّ حيث تكتمل ظروفه، وضمانة انتشاره ما وراء الحدود هي آلية "الأنصار والمهاجرين"، وغايته الكفيلة بتمدده برضى الناس (أي كقوة ناعمة) هي بتطبيق الشريعة. وأصبح كل من يلتزم بهذا الخطاب من العلماء أو الشرعيين يوصف بالجهادي حتى ولو كان مستقلًّا ولا ينتمي لتيار إسلامي جهادي محدَّد، ولا يزال ذلك المانيفست فاعلًا حتى الآن رغم أنه يفتقر للإطار التنظيمي الذي حاولت القاعدة أن تكون أهم إجابة عليه (انظر الشكل رقم 3). 

 
(الشكل رقم 3) مقولات الخطاب الجهادي قائمة في الخطاب الفقهي ما يجعلها جزءًا من واجبات المسلم الدينية، وهذا يعطيها القدرة على النفاذ والاستمرار والتمدد

المرجعية الجهادية و"الجهادية المنظمة" 

إن كان الجهاد الذي سعى إليه عبد الله عزام غايته "الحشد" لدفع "الصائل" وبمانيفست جهادي له شرعية من علماء من عامة المسلمين، فإنه شهد بالتوازي جهودًا أخرى لتأسيس "بنية جهادية منظَّمة" لها مقولاتها الخاصة ولها علماؤها، وبلغت ذروتها في مرحلة ما بعد اغتيال عزام (عام 1989)؛ حيث حصل تلاقح ما بين "السلفية الوهابية" و"الجهادية المصرية" وهو ما تعكسه إلى حدٍّ بعيد كتب "الدكتور فضل"، (سيد إمام الشريف)، أو "عبد القادر بن عبد العزيز" كما كان يُطلق عليه، والتي تعد أبرز مصدر مدوَّن في تأسيس "تيار جهادي" وربطه بمقاصد وأهداف أعطت هذا التيار المعاني التي اشتُهر بها اليوم؛ فهي ترفض الأحزاب السياسية الحديثة وأساليبها وترى أنها غير "شرعية دينيًّا"، وتعتمد الجهاد العسكري كسبيل وحيد للتغيير وإقامة "حكم الله، وتتمسك بما ترى أنه يتعلق به من أحكام فقهية وعقائدية مثل "الولاء والبراء" بالمعنى السلفي، وبنية عسكرية مشروعة تقوم على "أمير قتال"(10)، وتقول بتكفير عموم الأنظمة العربية القائمة والدعوة لمحاربتها باعتبارها جزءًا من الكفر العالمي، خاصة أن كُتُبه -أي سيد إمام الشريف-، ومن أهمها "العُمدة في إعداد العُدَّة"، و"الجامع لطلب العلم الشريف"، أصبحت جزءًا من المنهج، سواء رضي هو أو لم يرضَ كما أُثِر عنه في بعض المراجعات، فضلًا عن مساجلاته مع أيمن الظواهري(11)؛ إذ أصبحت هذه الأفكار مِلكًا للتيار الجهادي مع الإقرار بأنها كانت في كثير منها أو بمعظمها مبثوثة في الساحة الجهادية آنذاك كجزء من فتاوى أو نقاشات وخصومات علمية، وفي بعض المنشورات لمجموعات جهادية عدَّة. كما أنها قُرِأت في ضوء تجارب إسلامية "جهادية" أخرى، خاصة تلك التي تجسدت بتراث أبي مصعب السوري (مصطفى الست مريم)، مع العلم بأن هذا الأخير يشار دائمًا إلى استفادته من سيد إمام شريف، ومن أهم مؤلَّفاته: "دعوة المقاومة الإسلامية العالمية" والذي كتبه في أعقاب تفجيرات نيويورك 2001، وله كتاب سابق عليه، عن التجربة السورية في الثمانينات ونشره في بيشاور عام 1991، بعنوان: "الثورة الإسلامية الجهادية في سوريا"(12). 

وفي هذه المرحلة، لم يعد التمييز بين العلماء من أجل حماية فتاوى الجهاد، بل تعدَّى ذلك إلى التمييز بين "العلماء المجاهدين" وأولئك "القاعدين" والبعيدين عن ساحات "الجهاد"، وذلك بعدم الإصغاء لهؤلاء الأخيرين باعتبار أنهم ليسوا على دراية بواقع الجهاد ومسائله. 

وهذه المرة أتاح لهم هذا التمييز حماية "التيار الجهادي" الذي كان في طور التكوُّن، من الفتاوي المشكِّكة به، ليبلغ الأمر ما عُبِّر عنه بالمقولة التي اشتُهرت كـ"قاعدة شرعية" لدى الجهاديين "لا يُفتي قاعد لمجاهد". وممن يوصف بالقاعد، للتوضيح:

  1. العالِم الذي لم يلتحق بساحِ الجهاد؛ لأن "المفتي يجب أن يكون عارفًا بواقع ما يُفتي فيه ومَن يُفتي لهم"، ولن يتأتَّى ذلك لمن كان بعيدًا عن "الواقع الجهادي"، "وإذا فعل فسيخطئ كثيرًا ولن يُوثَق به".
  2. العالِم "القاعد عن الجهاد قعودًا غير معذور فيه: كالمتخلفين القاعدين عن الجهاد الواجب المتعيِّن عليهم، وكالمثبِّطين عن الجهاد والمرجِفين والمخذِّلين من أهل الدَّعة والراحة والقعود وحب السلامة ومن المنافقين العليمي اللسان وأشباههم"(13). 

وبهذا، يخرج عمليًّا معظم علماء المسلمين؛ لأن أغلبهم ليسوا على هذا الفكر ولا جزءًا من هذا "الجهاد"، وبالتالي، فإن هذه القاعدة، سواء كان القصد منها ابتداء ذلك أم لا، تضمن إصغاء أنصار "التيار الجهادي" لمجموعة محددة من "العلماء والمفتين" المنتمين للتيار دون سواهم، بل إذا طُبِّقت بتشدد، وبعضهم يفعل، فإنها تقطع الطريق على تصنيف علماء مؤيِّدين للجهاد الأفغاني على أنهم "جهاديون" بسبب بُعدهم عن ساح الجهاد أو لتحفظهم على "الجهادية المنظَّمة"؛ إذ بحسب الأخيرة ليس التأييد كافيًا لتصنيفهم كعلماء جهاديين، بل المطلوب هو تأييد "الجهادية المنظمة" أو تأييد مقولاتها. 

وبهذا، فقد تأسَّس خطاب جهادي منظَّم قابل للحياة والاستمرار والانتشار بشقَّيه: الحشدي والتنظيمي، استُحضر وصيغ سندُه الشرعي من التراث والفقه الإسلامي؛ ما جعل هذه الآلية التي عملت في زمن التأسيس سارية من الناحية العملية اليوم، وتقوم بدور فاعل في حماية مقولات التحشيد والشرعية "للتيار الجهادي"، كما أنها تعمل أيضًا بطريقة معاكسة للطعن بشرعية ما يناقضها، وأصبح لها علماؤها الخاصون مع الأخذ بالاعتبار أن بعض خطابها قد يتلاقى مع فتاوى لعموم علماء المسلمين، ومن باب التأكيد على هذه الخصوصية يحرصون على وصف "المرجعيات الدينية المؤيدة لهم" بالعلماء الجهاديين، وربما لعدم شهرة أغلبهم مؤخرًا، كما هو الشأن في الساحة السورية مثلًا؛ حيث شاع بينهم استعمال مصطلح "الشرعيين الجهاديين"، أو ما يشبه ذلك. 

 

"الشرعي" الجهادي والمرجعية الجهادية 

لعب الخطاب الجهادي، ولا يزال، دورًا كبيرًا في تحديد من يصلح لأن يكون "عالِمًا" أو "طالب علم" أو "مُفتيًا" أو "شرعيًّا" نزيهًا للبحث أو التنظير أو الإفتاء في الشأن الجهادي؛ فاتصاف الشخص بكل المتطلبات والمعايير: أكاديمية ورسمية وعلمية دينية بحتة لا يكفي لذلك، كما أن بعض المراجع الشرعيين للتيار جاءوا من مسار علمي واضح بينما كثير من هؤلاء لم يكن تخصصهم الأصيل في العلوم الإسلامية، بل إن من تخرَّج منهم في تخصصات شرعية أو دينية نجد غير قليل منهم يفتقر للكفاءة العلمية والخبرة. 

أما أولئك الذين استوفوا منهم معايير كافية لأن يكونوا "شرعيين" في تنظيم جهادي، أي وفق معاييره التنظيمية والعلمية، فإنهم حتمًا ليسوا جزءًا من بيئة علمية طبيعية ولا يمكن تقييمهم بمعايير أكاديمية فحسب. 

فالشرعي أو العالم الجهادي من شروطه أن يكون ضليعًا بالمسائل العلمية الفقهية وتحديدًا التي تتصل "بفقه الجهاد"، ولكن من أخص أوصافه أنه يتبنَّى أولًا وأخيرًا "الخطاب الجهادي"، سواء بمعنى "الحشد" الذي أهم أمثلته الشيخ عزام، أو بمعنى "الجهادية المنظَّمة" كما هي في نموذج القاعدة كما كان في التسعينات. وغالبًا ما تسهم الظروف في تصدُّرهم الساحة "كمراجع" إضافة لقدراتهم الخاصة في الذَّبِّ عن "النهج الجهادي" أو التأثير لمصلحته، كما أن الولاء للتنظيم له دور في اختيار هذا الأخير لأي شرعي على التعيين ليكون جزءًا من مرجعيته أو مجلسه الشرعي، خاصة إذا ما كانت آراء هذا الشرعي أو منزلته تعزِّز من وجهة نظر ونهج هذه الجماعة وتحقق مصالحها(14). 

من المهم التفريق بين علماء هذين النوعين: الحشد الجهادي والجهادية المنظمة؛ فعلماء الأول منهما يوصفون بالاعتدال في الغالب لأنهم يركزون على "الحشد الجهادي" لعموم شباب المسلمين، ولهم صيغ مرنة في "تطبيق الشريعة" ولا يرفضون الإسلامية السياسية أو الدولة الحديثة ولا يقاطعون الدولة العربية لمجرد أنها دولة قُطرية، وهم يحثُّون الجهاديين عمومًا على تقديم تنازلات ويسعون لتسويات من أجل إنجاح "الحشد الجهادي"، ويحرصون على استصدار ما أمكن من فتاوى من عموم علماء المسلمين لتأييد الجهاد من أجل "دفع الصائل". 

وهذه الفئة من العلماء قد تتعرض للتشكيك من علماء "الجهادية المنظمة" عند اختلاف الرؤى؛ فهؤلاء الأخيرون يقطعون تمامًا مع "الدولة القُطرية العربية" لأنها جزء من "نظام الكفر العالمي" وحكمهما واحد، ويفسِّقون، وقد يكفِّرون، في حالات، الإسلامية السياسية كما تتمثَّل في الإخوان المسلمين مثلًا، ولا يرون فائدة من دفع "الصائل" ثم تحرير دولة لتكون جزءًا من النظام العربي "الطاغوتي" أصلًا. 

 

ولكن ما يجمع الطرفين دائمًا هو مرحلة الجهاد لـ"دفع الصائل"، أي مرحلة الحشد المجمَع عليها منهما سويًّا، ولا تخلو تلك من الاختلافات وأحيانًا المواجهات بينهما، ولكن إذا ما انتهت هذه المرحلة بزوال السبب الذي من أجله أُعلن الجهاد فإنهما قد يفترقان بشدة، كما هي الحال في التجربة الأفغانية بعد خروج المحتل وسقوط النظام الشيوعي. وما يجمعهما اليوم في الميدان السوري هو "الجهاد" ضد "التطهير الطائفي للمسلمين" الذي يقوم به "نظام الأسد"، وعند كل مفترق تفاوضي أو سعي دولي للخروج من الواقع القائم، فإن مخاطر الافتراق بين الطرفين تتجدد. 

مرجعية ابن لادن وطالبان أو الظهور العلمائي الأول 

يمكن القول: إن فقه التحشيد الذي كان يستعين بالعلماء التقليديين أخذ يضعف في التسعينات تدريجيًّا بمقتل عزام -وانتهى مع تفجيرات سبتمبر/أيلول 2001 في أميركا-، وبرزت في تلك المرحلة طبقة من "المفتين" المغمورين نسبيًّا للجماعات الجهادية كمؤسِّسة لهذا الخط، ولم تعد تقرن فتاواها كثيرًا بفتاوى العلماء التقليديين المؤيدين للجهاد الأفغاني، وغالبًا ما كانوا يصفون أنفسهم بـ"طلاب علم" لافتقارهم للشهرة العلمية كعلماء، وكانت تنظيراتهم وفتاواهم تعتمد على إرث عبد الله عزام وكتب الدكتور فضل وما يشبهها بعد أن تم تدويرها في الخطاب الجهادي، وعلى إرث التيار "السلفي الوهابي" في العقيدة ونهج "سيد قطب" في الحاكمية، وتجربة الجماعة الإسلامية والجهاد المصريتين وما يشبههما من جماعات في التدبير، إضافة إلى تنظيرات جهاديين آخرين في المشهد الأفغاني أو من خارجه من ساحات أخرى كانت محتدمة مثل الجزائر أو البوسنة والهرسك وسواهما. 

 

ويمكن القول: إن الملا عمر وحركته، حركة طالبان الديوبندية، شكَّلت السياق الحقيقي الذي أعطى لـ"لجهاد العالمي" حقيقته اللاحقة وشرعيته الناجزة، كما تجلَّت في "تنظيم القاعدة" الذي تزعمه أسامة بن لادن ثم أيمن الظواهري، لأن "خلافة" الملا عمر وشرعيتها (في القاموس "الجهادي") أغنت التيار الجهادي، ببيعته لها كولاية شرعية، عن البحث عمَّا يبرر شرعيته وشرعية سياساته، كما ساعدته على تخطي "التكفير" الذي شاع في جهاديي "الجزائر" وكان من الممكن أن يعصف بـ"التيار الجهادي" من داخله. ولكن ما أن سقطت دولة طالبان (2001) حتى بدأت الحاجة تدعو تدريجيًّا إلى وجود "علماء جهاديين" معتبرين. وفي هذه الفترة، كان وصف ابن لادن بـ"الشيخ" و"العالم" يتصاعد أكثر لسدِّ الفراغ، فتكرست مرجعيته كأحد "الشيوخ العلماء" وليس مجرد رأس جهادي، لكنها لم تفعل بالمثل مع أيمن الظواهري. وخلال هذه الفترة ظل الشرعيون والعلماء الجدد سوى ابن لادن تالين له، لا يُقدَّم لهم قول على قوله، ومنهم أبو محمد المقدسي وأبو قتادة الفلسطيني (وسيشار إليهما بالشيخين في الورقة)، مع عدم إغفال ما كان لهما من تأثير حتى في وجود ابن لادن وإن بتفاوت بينهما. ومع اغتيال الأخير (2 مايو/أيار 2011)، تعزَّز الفراغ المتصل بالعلماء الجهاديين في الميدان الجهادي، وربما كان هذا من الأسباب التي أسهمت في تصدر الشيخين التنظير الشرعي الجهادي ورعايته رغم القيود المفروضة عليهما، وهي المرحلة التي رافقت صعود الربيع العربي وانتكاسته، وصعود تنظيم الدولة ومن ثم إعلانه "الخلافة"، ودخول القاعدة إلى الامتحان السوري الذي سيكون له التأثير الأكبر على "التيار الجهادي" وإرثه العلمي ومستقبله الشرعي. 

 
 

الظهور العلمائي الثاني 

إذا ما اصطلحنا على ما سبق بالظهور الأول لعلماء التيار الجهادي، بوصفه تأسيسيًّا واستقرَّت أثناءه القاعدة وتجربتها في أفغانستان، كقراءة إسلامية جديدة وخبرة تاريخية عمَّا انتهت إليه تجارب أخرى موازية، فإن مرحلة ظهور الشيخين أبي محمد المقدسي، وأبي قتادة الفلسطيني، يمكن الاصطلاح عليها بالظهور الثاني لعلماء هذا التيار، وتم ذكرهما في الظهور الأول لأنهما كان لهما بعض التأثير على ديناميته. 

من ذلك أن الشيخ أبا قتادة خاصة أثناء وجوده في بريطانيا كان ناشطًا بالفكر والفقه "الجهادي" وخاصة بما يتصل "بالجزائر" وما شهدته من "حركة جهادية" خلال التسعينات وكان له فيها دور أساسي، من ذلك أنه كان له مساهمة منتظمة في نشرة "الأنصار" الصادرة عن "أنصار الجهاد في الجزائر" ووصلت إلى مئة مساهمة تحت عنوان "بين منهجين"(15). 

أما الشيخ المقدسي فقد استطاع ملء الفراغ الذي حصل بعد سقوط مركز القاعدة في كابول وبعد أن ضعفت صلة ابن لادن ببقية الفروع، وعمل على "ترشيد النهج" الذي دشَّنه أبو مصعب الزرقاوي في العراق والذي قام على اختطاف الأجانب وذبحهم واستهداف جمهور الشيعة فضلًا عن الصدام مع بقية مكونات المقاومة العراقية "السُّنيَّة" ضد الاحتلال الأميركي، وساعده على لعب هذا الدور علاقته التاريخية مع تلميذه السابق، أبي مصعب الزرقاوي، ولقربه -حيث مقامه في الأردن- من الجوار العراقي. 

هذه الأدوار أعطت الشيخين موقعًا متقدمًا بين "الشرعيين" الجهاديين حتى خلال الظهور العلمائي الأول، وذاعت شهرتهما وشاعت كتاباتهما وكان لها تأثيرها في المانيفست الجهادي نفسه، وأشبه بالحاشية عليه، ولكن على الرغم من ذلك كانا يقدَّمان على الأغلب كباحثيْن شرعييْن أكثر من كونهما "عالميْن جهادييْن" مسلَّمًا لهما أو "رموزًا علمائية" للتيار. 

هذا، وبعد أن استقر "خطاب الجهادية المنظمة" على مقولات علماء الظهور الأول ولم يَسْلَم له "علماء" يسترشد بهم ما خلا ابن لادن، اشتدت الحاجة للشيخين تدريجيًّا، ثم أصبحت ملحَّة بعد اغتيال ابن لادن ثم مقتل عطية الله الليبي (2011) الذي يمكن أن يُنسب التيار المعتدل في القاعدة إليه، وخاصة في سوريا(16). وأيضًا بعد فشل أيمن الظواهري النسبي في تكريس نفسه مرجعية علمية للتيار وإن استمر كمنظِّر للقاعدة. وكذلك بوجه خاص بعد أن افتقر التيار الجهادي لمن يدافع عنه في مواجهة انشقاق "تنظيم الدولة" الذي قلب مفهوم الشرعية بطرحه خلافة "أبي بكر البغدادي"، وهو السياق الأهم هنا، لأن هذا التحدي احتل الأولوية بالنسبة للسلطات الأردنية أيضًا؛ ما جعل القاعدة خطرًا ثانويًّا وفق الوضع القائم، وجعلها تخفِّف من تحفظها على الشيخين نسبيًّا. 

 

والجدير بالذكر في هذا المقام أن تنظيم الدولة استفاد من تراجع الربيع العربي "وفشله" ليتقدم ويُقدِّم نفسه كبديل "إسلامي جهادي" صالح للتغيير حيث "فشل سواه"، واستفاد من انحناءة القاعدة للثورات العربية وقبولها بها كإحدى الطرق المشروعة للتغيير بعد ابن لادن، ليطعن بمرجعية الظواهري ودخل في خصومة مع كثير من شرعيي القاعدة ومنهم الشيخان. واستطاع تنظيم الدولة أن يجذب أعدادًا من التيار الجهادي إليه كما استطاع أن يكون الوجهة المفضَّلة لمعظم الجهاديين الجدد، والأردن لم يكن استثناء منه، بل كان له خصوصية في هذا الشأن إذ هو مجاور لأبرز حاضنتين للجهاديين، أي: العراق وسوريا. 

وذهبت تقديرات عدَّة غير دقيقة على اختلاف فيما بينها إلى وجود ما يقرب من 8000 آلاف جهادي في الأردن وإلى وجود ما يقرب من 2000 في سوريا، وأن معظمهم (ما يقرب من الثلثين) مع تنظيم الدولة وليس القاعدة(17)، ولعل هذا ما دفع بالسلطات الأردنية للإفراج عن الشيخين وفق النظام القضائي الأردني دون الأخذ بالتحفظات السياسية والأمنية؛ إذ إن وجود خطاب جهادي للقاعدة منافس لتنظيم الدولة ويتهمه "بالغلو" قد يكبح من انتشار نفوذ هذا الأخير(18)، ولأن القبضة الأمنية وحدها لا تكفي، مع الأخذ بالاعتبار أن القاعدة تعتبر الأردن أرض نصرة وليست أرض جهاد، ولا تؤيد أي أعمال عسكرية على أرضه اعتبارًا لمقاصد وأولويات أخرى(19). 

عوائق دون مرجعية الشيخين 

وبالنسبة للشيخين أبو محمد المقدسي وأبو قتادة، فإن البُعد الأمني الذي يُحكى عن السلطة قد لا يعنيهما، لكنهما يدركان تمامًا أن الظرف الذي هما فيه، يعزِّز من الخطاب الذي يصورهما "كمتواطئين" مع الأمن الأردني ويُضعف نسبيًّا من تأثيرهما كمرجعين علميين للتيار الجهادي، لكنهما يستعملان المساحة المتاحة لهما بكفاءة عالية ولا ينقطعان عن التواصل مع الواقع (كما عبر مواقع التواصل الاجتماعي) لقول ما يستطيعان. ويجادل عنهما مؤيدون لهما، بأن التبسيط السياسي "لرواية التواطؤ" ليست منسجمة مع مقدار التعقيد الذي تعيشه "الساحة الجهادية"، وأنهما ليسا أول "عالميْن" يعانيان من العلاقة مع السُّلطة(20). 

ويحاول مؤيدو الشيخين تفنيد المطاعن التي تُوجَّه إليهما من الخصوم "الجهاديين"، وخاصة فيما يتعلق بتوسط المقدسي للإفراج عن الطيار الأردني، معاذ الكساسبة، ثم ظهوره على أحد التليفزيونات الأردنية المحلية، فبراير/شباط 2015، لتقديم روايته لما جرى(21)، وكان خطابهم يقوم على الآتي:

"أن المقدسي قال على التليفزيون ما يريد أن يقوله عن تنظيم الدولة وعبَّر عن موقفه الحقيقي منه ولم يمالئ أحدًا، وهو يدرك أن الموقف الذي وُضِع فيه إعلاميًّا لم يكن راغبًا فيه ولن يكرره؛ حيث جعله يبدو وكأنه يتعاون مع السلطات الأردنية، إلا أنه فعل ما فعل في محاولة لإنقاذ ساجدة الريشاوي(22) التي كانت موضوع مقترح التبادل، لا بل كان من الممكن تنظيف السجون الأردنية من الجهاديين، ولكن تنظيم الدولة "كان يمارس الكذب من أول لحظة ولم يكن يكترث بساجدة ولا سواها"، وفوَّت فرصة ذهبية لإخراج الجهاديين من السجون، لأن الأردن كان حريصًا على المبادلة بالكساسبة"(23). 

ومن الملاحظ أن هذا الخطاب يدعم تحييد الأردن عن أية مواجهة، وهو جزء من الخلاف الذي كان للمقدسي مع أبي مصعب الزرقاوي. 

وبالنسبة لأبي قتادة، فقد اتُّهم بدور متقدم في دفع التجربة الجزائرية نحو التشدد وتكفير جمهور المسلمين، بما سُمِّي: فتوى جواز قتل "ذراري ونساء الضباط" -أجاز فيها استهداف عائلات الضباط الجزائريين ردعًا لهم عن استهداف "عائلات المجاهدين"(24)- وأنها كانت جزءًا من الغلو الذي تفشَّى في "الجماعة الإسلامية الجزائرية"؛ ما سهَّل اختراقها من السلطات الجزائرية وبالتالي حرفها عن مسارها. 

والجدير بالذكر أن "أبو مصعب السوري" كان قد كتب شهادته عن انحراف التجربة الجزائرية عن "التيار الجهادي" وانتقد بشدة أبا قتادة، وهذا النقد له أثره، رغم الغياب الغامض(25) لهذه الشخصية التي لأدبياتها وتجربتها عميق الأثر على التيار الجهادي عمومًا، فكيف في سوريا مسقط رأسه ومهد تجربته. وأبو قتادة ينفي ذلك جملةً بطبيعة الحال، وهو يكرِّر أنه لن يرد على هذه الاتهامات لأن أصحابها إما أموات أو معتقلون(26). 

هذه الاعتراضات لم تحُل دون تحول مرجعية الشيخين إلى ما يقرب من "الثوابت" في التيار الجهادي التي يجب التعامل معها، سواء من المؤيدين لهما أو من الطاعنين فيهما. ومن الملاحظ في هذا السياق، أنه على الرغم من تقدير معظم الباحثين في الأردن أن تأثير الشيخين على الجهاديين في الأردن في تناقُص(27)، فإن تنظيم الدولة يركِّز جهوده عليهما وكأنهما الخطر الأكبر عليه، ربما لأن التنظيم قام على مقولات أسَّس لها على وجه الخصوص المقدسيُّ نفسه ثم أبو قتادة بغضِّ النظر عن مآلها من حيث التطبيق. وكذلك نجد الأمر نفسه مع مصادر أخرى تواصَلَ معها الباحث في سوريا وتركيا(28)؛ حيث تقول: إن تأثير الشيخين يتركز في القاعدة و"جبهة فتح الشام" وحتى فيهما ليس كبيرًا، إلا أن بعض هذه المصادر نفسها تتهم المقدسي وأبا قتادة بأنهما المصدر الرئيسي للتشدد في الساحة السورية بما لهما من تأثير، ويصفون التيار الأردني في "جبهة فتح الشام" -والتي اندمجت في "هيئة تحرير الشام"- بأنه الأكثر تشددًا لارتباطه بهما. 

ولكن هذا بحدِّ ذاته، وكذلك التغيير الأخير الذي قامت به "جبهة فتح الشام" بعد مواجهات مع فصائل أخرى وإخضاعها ثم إعلانها "هيئة تحرير الشام" كإطار يضم الجميع، يدل على أن التأثير الذي يمارسه الشيخان، وخاصة المقدسي، لا يزال كبيرًا ولو بطريقة غير مباشرة، وذلك عبر نخب مؤثِّرة من "الشرعيين" وربما من "الأمنيين" أيضًا، أو بسبب الضغط الذي يمارسانه (خاصة المقدسي) وبلغة نقدية حادَّة للتجربة السورية الحالية وعلى "علماء الواقع الجهادي السائد"، هذا إذا ما سلَّمنا بانحسار نفوذهما في جمهور الجهاديين السوريين. 

من الناحية العملية، يُقدَّم اليوم الشيخان كعلماء مكتملي المقام والكفاءة للتيار الجهادي، ممن يؤيدهما أو يعارضهما، وبالمقابل هما يحتفظان ببعض مسافة تفصلهما عن "تنظيم القاعدة" قد تكون استدعتها السياسة حيث إن لكلٍّ منهما ظروفه الخاصة إذ يخضعان عمومًا للمراقبة الأمنية في الأردن، ولكن أيضًا لهما رؤيتهما الخاصة التي دفعتهما أحيانًا إلى مخالفة القاعدة، مع حرصهما الشديد على استمرار وسلامة هذا الخط كجزء من "الرؤية الجهادية" التي ينظران من خلالها للمنطقة والعالم. هذا وربما يصح من باب التمثيل، ومع بعض التحفظ حيث يجب، قياس نسبة العلاقة ما بين الشيخين وتنظيم القاعدة، إلى تلك التي تجمع الشيخ، يوسف القرضاوي، بحركة الإخوان المسلمين، فهما ليسا مرتبطيْن بها تنظيميًّا لكنها جزء من الحالة التي يرعيانها أو يعملان في فضائها بالمجمل.  

 

 

 

أهم أفكار الشيخين:

يميل أبو قتادة للتنظير الاستراتيجي للتيار من خلال تفكير عقائدي وفقهي متجاوز للواقع، ويجنح نحو طرح رؤى كلية وعامة واعتماد التثقيف أكثر من التوجيه المباشر، مستفيدًا من تجربته في الغرب ومن العلاقة مع الإعلام إذ أدرك أهميته في التأثير على صورته، وله سلسلة من القراءات والمدارسة للكتب الإسلامية وغير الإسلامية، وهو لا يتردد في إعلان مواقفه مما يجري على الأرض من حين إلى آخر، ولكن في الغالب تأتي في سياق عام وغير مباشر وتتسم ببعض الحذر، وسلفيَّته، إذا جاز التعبير، أقل التصاقًا بـ"الوهابية النجدية"، ويصح القول بأن أطروحاته تتجاوزها؛ وهذا يأتي من رهانه على أن التيار الجهادي حالة أبعد وأعمق من "تنظيم القاعدة" في المرحلة الراهنة وهو ما سيكون عليه الأمر في المستقبل، ويستدل على ذلك بالإشارة إلى أن الثورات العربية قامت بالخروج على الحاكم، رغم كل الآراء التي كانت تقول بعدم جواز الخروج على الحاكم، وأخذ جميع الإسلاميين، ومنهم الإخوان المسلمون، بهذا الرأي الذي هو للجهاديين في الأصل. 

أما أبو محمد المقدسي فهو أقرب إلى التفكير الإجرائي الفقهي والعقائدي ويميل نحو الواقعية بمعنى متابعة تفاصيل وتطورات الواقع الجهادي كما هو قائم، ولا يتأخر عن إصدار حكمه ورأيه وفتاواه بعد كل واقعة أو حدث. وقد يكون هذا متوقعًا لأن مركز الحدث مجاور لمكان نشأته ونشأة مسيرته، أي الأردن، ولم يخرج منه إلا قليلًا، وله معرفة -وربما تواصل- ببعض رموز وشخصيات الحالة الجهادية الراهنة، سواء في العراق أو سوريا وحتى في غيرهما، من القاعدة والمستقلِّين أو حتى من تنظيم الدولة، وهو أقرب إلى "السلفية النجدية" وإلى لغتها، وهو أكثر تلقائية وبساطة في التعبير. 

هذا وتمارس حاليًّا مرجعية الشيخين تأثيرها بعدد من العناوين والأفكار، وذلك بقدر ما يتيسر لهما من مساحة حرية أو تعبير، وبقدر ما تتيحه القوانين أو تسمح به السلطات الأردنية -مما قد تستفيد منه كما يجادل البعض، خاصة على صعيد كبح جماح تنظيم الدولة أو لا يضرها-. ويبث الشيخان عبر الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي الكثير من الآراء والفتاوى للعموم، سواء على سبيل التثقيف أو النقد والتوجيه، والتقدير أن كل التيار الجهادي يُصغي جيدًا لهما سواء رضي بما يقولانه أم لا، وقد يكون لهما تواصل خاص إذا ما تيسر لهما مع رموز وفاعلين من التيار، وتحديدًا مع أولئك الذين لا يزالون يثقون بهما ويحرصون على الوقوف على رأيهما، مع أخذهم بالاعتبار ما هما فيه من ظرف غير عادي وبالتالي يجدان لهما الأعذار إذا ما اختلفوا مع أحدهما أو معهما. 

أما أبرز الأفكار التي يمكن التطرق إليها في هذه الورقة لأولويتها وبيان موقف الشيخين منها، فهي:

الغلو والإرجاء: إن تنظيم الدولة هو التحدي الأكبر راهنًا للشيخين، وبلغة أبي قتادة "لكل فتنة ردَّة"، فمقابل "فتنة الغلو" التي جاء بها تنظيم الدولة هناك ردة إلى "الإرجاء"، أي تهاون في الموقف من الحكام الذين لا يحكمون بما أنزل الله، كما هو الأمر تاريخيًّا حيث قابل تشددَ الخوارج تهاونُ المرجئة(29). والإرجاء في كتب العقائد جوهره هو القول بأن الإيمان معرفة، وأن من نطق بالشهادتين لا يُكفَّر ولو جاء بما يخالف مقتضاهما. وغالبًا ما يطلق الجهاديون، خاصة "الجهادية المنظمة"، هذا الوصف على الإخوان المسلمين وشبيهاتها من الحركات الإسلامية السياسية، وعلى العلماء الرسميين ومن هو على صفتهم، لأنهم لا يقولون بكفر الأنظمة التي لا تحكم بما أنزل الله أو بكفر القائمين عليها لاسيما الرؤساء والوزراء وما إلى ذلك. 

ولكن للإرجاء مستويات عندهما، وبخاصة مع المقدسي، وهو مَنْ نَحَتَ مصطلح "المميِّعة"؛ وتفصيل ذلك أن للمقدسي موقفًا خاصًّا من "الولاء والبراء"، يقترب فيه من النجديين؛ حيث يرى أن موالاة "الكفار" من الأعمال المكفِّرة وليست عملًا قلبيًّا يفوَّض أمرُه للنيَّة، ولأنه يقر بأن المسألة اجتهادية مراعاةً للخلاف فقد استعمل لفظ "المميِّعة" في مواجهة مخالفيه من "الشرعيين الجهاديين" في سوريا، ومنهم على سبيل المثال أولئك الذين رضوا أو أجازوا التحالف مع تركيا في مواجهة تنظيم الدولة، وأغلبهم من شرعيي الجهاد "الحشدي" مع قلَّة من علماء الجهادية المنظمة. فالتمييع، بحسب اصطلاح المقدسي، هو "إرجاء دون إرجاء"، واستطاع به أن يُحدث تغييرًا كبيرًا في سوريا؛ إذ إن وظيفته هي التمييز بين الجهاديين أنفسهم، ويعطى شرعية عملية لبعض الجهاديين للاستحواذ على بعض آخر، كما حصل من قبل جبهة فتح الشام مع فصائل أخرى أخضعتها بالقوة في بعض مناطق المعارضة قبل أن تعلن الاندماج معها تحت اسم "هيئة تحرير الشام". وهذا المصطلح يكاد يكون شبيهًا في نشأته وتأثيره بمقولة: "لا يفتي قاعد لمجاهد"، وما تركته من تداعيات على عموم الجهادية المنظمة عالميًّا؛ حيث قد يستنكره معظمهم لكنهم جميعًا يُعمِلون هذه القاعدة. هذا وقد رضي أبو قتادة هذا الاصطلاح، "المميِّعة"، ويستعمله وفق نفس التوصيف، كما من الملاحَظ أن الجهادية المنظَّمة حتى من أولئك الذي يهاجمون "أبو محمد المقدسي"، ومنهم على سبيل المثال طارق عبد الحليم(30)، أخذوا يستعملون هذا المصطلح ضد مخالفيهم، وقد يُتوسَّع في استعماله ويريدون به رمي مخالفيهم بما يفوق تهمة "الإرجاء". 

أما موقف الشيخين من تنظيم الدولة فهو واضح، إنها جماعة "غُلُوٌّ وَلَغَت بدماء المسلمين وأضرَّت بالجهاد ولا علماء فيها". وبمراجعة لمواقف أبي قتادة الذي وصف تنظيم الدولة مبكرًا بأنه "جماعة منحرفة"، نجد أنه يرى أن هذا التنظيم مجرد "مرحلة" سيتجاوزها العالم، وقوته إلى تراجع بخلاف الاندفاعة الأولى التي شهدها ويبدو أن موقفه الناقد وبشدة لتنظيم الدولة قد جاء نتيجة مراجعات مبكرة استفادت من درس الجزائر(31)، وهو يميل للقطع معه كتنظيم، وبشكل تام، بغضِّ النظر عن التعامل مع أفراده. وباستقراء مواقف كلا الشيخين على المواقع الاجتماعية إضافة إلى استقاء معلومات من بعض المصادر الجهادية، تشير جميعها إلى حرص الشيخين على أن تكون خصومتهما مع أفراد "تنظيم الدولة" خصومة غير مطلقة ومبنية على أدلة شرعية، بخلاف الموقف من التنظيم نفسه، لأن مقاتلي "الدولة" في نهاية المطاف إذا ما تراجعوا هم "زاد جهادي". ومن الضروري الإشارة إلى أن هذه الصورة تظهر بوضوح أكبر في المقدسي، فهو يرى أن تنظيم الدولة لن يستمر في وجهته هذه؛ لذا فرغم موقفه الشديد من هذا التنظيم نجده يستصحب معه موقفًا أشدَّ من "المرجئة" ويحرص على إعلانه، بما قد يعيد بعض التوازن لصورته كمرجعية لكل التيار الجهادي، لا بل قد يستعيد فئات من تنظيم الدولة أو سواها ممن خرج على القاعدة ليعود إلى الثقة بمقولاتها أو بمقولات الجهادية المنظَّمة مرة أخرى. 

وما سلف يشرح في بعضه سبب رفض الشيخين لأي تعاون مع الأنظمة لاسيما مثل تركيا للنَّيْل من تنظيم الدولة، هذا بالطبع إضافة إلى السبب الاعتقادي المتصل بمسألة الولاء والبراء؛ إذ، بحسب أبي قتادة، لا تصح الاستعانة بالجيش التركي، وله اليد العليا -ولأهداف تركية خاصة- وليست للشعب السوري المسلم، لأن من أجاز الاستعانة بالكفار (باعتبار النظام التركي كفريًّا) من العلماء، اشترط "الظهور لأهل الحق، وأن لا يتسلَّط المستعان بهم عليهم"(32)، بمعنى لا استعانة بالكفر ضد الخوارج المسلمين. 

جهاد نكاية وجهاد تمكين: إن الجهاد له غاية وليس لمجرد الحرب والقتال فقط، كما يرى الشيخان، فهما يرفضان "جهاد النكاية" الذي لا طائل كبيرًا منه، أو قد يعود بأضرار كبيرة على "الجهاد". فالمقدسي على وجه التحديد، يرى في هذا هدرًا لطاقات الشباب وتشتيتها، ويدعو لـ"جهاد التمكين"، ولطالما كان ضد القتل والتدمير العبثي، كما يقول، وكان قد كتب رسالة لتصحيح مسار الجهاديين "وقفات مع ثمرات الجهاد بين الجهل في الشرع والجهل بالواقع". وهو لم يوافق على (تفجيرات نيويورك)، 2001، التي أضرَّت بأفغانستان التي كانت "ملاذًا للمجاهدين والمظلومين من كل العالم" بعمل "نكائي"، لكن بعد أن وقعت هذه التفجيرات رفض المقدسي أن يعتبرها "بالمعايير الشرعية" غدرًا وإن كانت خطأ، لأن الأميركيين ليسوا معاهدين(33). ولكن التمكين الذي يدعو إليه المقدسي ليس واضحًا من حيث التفصيل؛ إذ إن فكر القاعدة كان يقوم على مقارعة أميركا كعدو قريب وبعيد، وأن لا استقرار لحكم إسلامي مع وجود نفوذ أميركا بالمنطقة، والجهاد نكائي عند القاعدة بامتياز فهدفه إنهاك أميركا وإخراجها ونفوذها من المنطقة لأنها الحائل دون "الخلافة"، بعكس تنظيم الدولة الذي قام بالأصل على "جهاد التمكين" أي لإقامة "الخلافة". 

المحلية والعالمية: إن الخلاف على: أي الجهاديْن أولى، المحلي أم العالمي؟ وإنشاء فروع محلية بقيم الجهاد العالمي منفصلة عن القاعدة أم الاستمرار بالتزام القاعدة؟ هو تحدٍّ جديد ظهر في سوريا أمام علماء التيار الجهادي وطرحه بعض الشرعيين "لحماية" القضية السورية من "أعباء" أو "أخطاء" تاريخ القاعدة التي تُشَنُّ عليها حرب دولية تحت عنوان "الحرب على الإرهاب"، وآخرون بسبب ما رأوه من بعض أفكار "الجهاد العالمي" وقد أفضى تطبيقها إلى نموذج "تنظيم الدولة" ولا يريدون تكراره في القاعدة أو في أي تيار جهادي آخر، خاصة وأنه قد ظهر فعلًا في سوريا أشكال من الجهاد المحلي، تزداد الهوة بينها وبين التيار الجهادي حتى تكاد تكون شبيهة بتلك الهوة التي تفصل ما بين القاعدة وتنظيم الدولة. 

ولدى الشيخين تحفظات على "المحلية" كما تُطرح في سوريا لاسيما أنها انتهت إلى فكِّ ارتباط "جبهة النصرة" مع القاعدة لتصبح "جبهة فتح الشام" -مع شكوك تُطرح: هل هو صوري أم حقيقي؟- ثم انتهت كجزء من "هيئة تحرير الشام"، ولا يزال لديهما مخاوف جادة من أن تنحرف هذه الأخيرة. وبوجه خاص، يرى أبو قتادة أن الارتباط بالقاعدة يشكِّل ضمانة لعدم الانحراف عن "النهج الجهادي"، مع تأكيدهما، أي الشيخين، على عدم التمسك بالأسماء لأنها ليست مقدسة، وأن التيار الجهادي مستمر مع "القاعدة" أو بدونها. هذا، ويرى أبو قتادة أن ما تشهده المنطقة بعد الثورات العربية من أحداث في سوريا واليمن وسواهما، غيَّرت المعادلة الجهادية لتصبح قضية "شعب ضد نظام" وليس قضية "تنظيم ضد نظام"، وبالتالي فإن الجهاد سيكون حالة أمة وليس مجرد فكر لجماعة مغلقة تنظيميًّا كما تتم قراءة هذا التيار الآن(34). 

ولدى المقدسي مخاوف وأسئلة عمَّا تعنيه "معادلة المحلية في الجهاد" كما تُطرح في سوريا، من قبيل: أين المهاجرون من هذه المعادلة؟ وهل ستتكرر تداعيات اتفاق "دايتون" في البوسنة، فتكون الخطوة التالية بعد الاتفاق مع النظام التخلي عن المهاجرين أو إدماجهم في النظام ليذوبوا مع الشعب السوري والباقي يُتهم بأنه "تنظيم دولة"؟ وهل سيكون هدف الجهاد حينها إسقاط الأسد فقط، وبعده انتخابات لتصبح سوريا دولة عربية أخرى مثل بقية دول النظام العربي؟ 

بالطبع كل هذه الأسئلة توضح أن الشيخين ليسا مقتنعين -وإن كانا لا يحاربانها- بالمحلية ولا بفكِّ جبهة فتح الشام ارتباطها بالقاعدة في الأصل فضلًا عن التحول إلى جزء من الهيئة، لأنها ستقود الجهادية المنظَّمة في سوريا لتصبح في مربع بعيد عن الفكر الديني والتنظيمي الذي ينطلق منه التيار الجهادي؛ إذ هي ليست مجرد خطوة تكتيكية بل يترتب عليها نتائج تمس جوهر هذا التيار. 

ومن الأمور الأخرى التي تدفع بالشيخين إلى الحذر في التعامل مع "جبهة فتح الشام" أو أيًّا أصبح اسمها، مسألة ضعف الثقة أو عدم توفر ما يدفعهما للثقة الشديدة بأبي محمد الجولاني، ويبدو أنهما يثقان ببعض القيادات الأمنية والشرعية في جماعته أكثر منه، ويمكن القول: إن صورة "القائد الطموح" هي الطاغية لدى الشيخين عن الجولاني، ومن المفارقات أنها نفس الصورة التي تطرحها شخصيات ورموز من بقية قوى المعارضة السورية، إسلامية أو غير إسلامية(35). 

وهنا يحذِّر الشيخان من أنه إذا ما كان الانفصال حقيقيًّا فإنه يعني أن التنظيم سيكون بيده هو دون سواه، وسيكون له يد مطلقة فيه، لكنهما لا ينفيان أن هناك مصلحة لأن يكون هناك جماعات جهادية لها أولوياتها المحلية ولكن هذا يجب أن لا يعني أبدًا الانزلاق بهذا الانفصال نحو "المميِّعة" ونحو "الجزئية" والانفصال عن بقية الساحات، فتصبح المحلية انعزالًا أو أن تنال بعض التنازلات التكتيكية، من أجل المحلية، من استراتيجية الجهاد العالمية وجوهرها المتمثل بإسقاط "رأس الكفر أميركا" في المنطقة، وبالتالي فلا يدركون ثمار المحلية ويفوِّتون مصلحة الجهاد العالمية. لهذا، لمَّا اتخذت فتح الشام هذه الخطوة لم يعلنا ممانعة شديدة، ولكن لم يخفيا مخاوفهما، ولم يترددا في إظهار بعض النقد بحسب الحاجة وخاصة من المقدسي، باعتبار أن الانفصال صوري إلى حدٍّ ما. ولكن ما تبين لاحقًا من المسار أنه حقيقي ولكن برؤية خاصة بالجهادية المنظَّمة في سوريا، ويبدو أنهما سيحكمان على المآلات رغم التحفظ على البدايات(36)؛ إذ إن مرجعيتهما أشبه بـ"حالة نقدية" أكثر مما هي "مرجعية إرشادية" وإن لم يتخلَّيا عن هذا الدور الأخير، لكنه الأقل ظهورًا في هذه المرحلة من عمر التيار الجهادي. وتوضيحًا للحالة النقدية التي شكَّلها الشيخان، أشار الباحث إليها بمصطلح "التيار النقدي"، وهو تيار شديد النقد لواقع الجهاديين ولـ "علماء الواقع الجهادي السائد" وما آلت إليه أحوال الجهاديين من "تنازلات في المنهج"، ويسعى للدفاع عن أبرز خصائص ومكونات الخطاب الجهادي المهددة بالتصدع. 

الثورة السورية والظهور الثالث(37) 

تجاوز التيار الجهادي في سوريا، وخاصة تنظيم القاعدة، المفردات التي ظهرت إبَّان الثورات العربية، والتي استعان بها في خطابه للتأقلم مع التقدم الشعبي الذي رافق الثورات العربية في ذروة التعبير عن نفسها، ودفعه إلى ذلك عوامل عدَّة منها منافسته لتنظيم الدولة كي لا يسحب البساط من تحته، ومنها ما يتعلق بتراجع الثورات وأنها لم تعد مشروعًا حاضرًا؛ ما تطلب إعادة استدعاء خطاب "الجهادية المنظمة" القديم الجاهز ليكون بنية تحتية للقاعدة بطورها الجديد في سوريا، والمتمثل بجبهة النصرة. 

ولكن الاستدعاء العاجل لهذا الخطاب قد جرى بينما هناك أشياء كثيرة قد استجدت أو تعزَّزت، من أهمها:

  • أن الصراع مع نظام الرئيس بشار الأسد تعزَّز عنوانه الرئيسي والمتمثل برفض الاستبداد والمطالبة بتنحِّيه عن حكم سوريا، لدى عموم حاضنة المعارضة السورية، وهذان لوحدهما (تنحية الأسد ورفض الاستبداد) يعززان قيمًا محلية وثورية مستجدة على "الجهادية المنظمة"، فوجدت نفسها مضطرة للتعامل معها بأساليب لم تعهدها وإلا خسرت موقعها.
  • أن سوريا إحدى حواضن العلم في العالم الإسلامي وفيها من الإرث العلمي التقليدي والأكاديمي ما لا يسمح باستقرار سواه بسهولة واستسلام، لاسيما مثل ذلك الذي تبشِّر به القاعدة والجهادية المنظمة عمومًا، خاصة أنه التحق بالثورة السورية آلاف من خريجي الدراسات الإسلامية وبمستويات جامعية وعلمية مختلفة، وهؤلاء يشكِّلون ثقلًا علميًّا ومجتمعيًّا لا يمكن تجاوزه.
  • ظهور تنظيم الدولة بما يمثِّله من تشدد (وبثقافة أصلها منسوب للقاعدة)، إضافة إلى تعرض القاعدة لضربات عسكرية وتصنيف دولي لها بالإرهاب حتى في سوريا، ليترك أثره على عموم الجهاديين السوريين الذين أخذ عدد منهم بالتحول نحو المحلية وفكِّ الارتباط مع "القاعدة"، حتى لا تدفع سوريا ثمن هذا الارتباط، أو حتى لا تعاني من تداعيات خطاب القاعدة نفسه كما انتهى إليه مع تنظيم الدولة في العراق، ثم في سوريا نفسها. 
  • ظهور حركة أحرار الشام كأبرز تجربة ناجحة يمكن أن تتكرر، لحركة فكَّت ارتباطها بالجهادية المنظَّمة لتنشئ جهادية محلية الغاية وبوضوح، حتى إنها أسقطت البنية التحتية السلفية الجهادية من منهجها تقريبًا، سواء في التحشيد أو التعبئة، وبالذات ما يمكن أن يؤدي إلى التكفير. وأخذت تعتمد في مجلسها الشرعي على شرعيين من علماء مستقلين محليين في أغلبهم، كما لم تتخلَّ عن "المهاجرين" منهم، لتصبح أقرب إلى روح "الجهادية الحشدية" لكن مع بُعد ثوري تتطلبه الساحة ويجمعها مع بقية المعارضين على إزاحة الأسد وفتح الطريق نحو بدائل أخرى يرضاها السوريون. بهذا تُعد أحرار الشام بتجربتها وبخطابها، وبما قد يتجمع حولها من شرعيين، أحد أبرز التحديات التي تواجه الجهادية المنظمة في سوريا، بل إن كثيرًا من الجدال بين الشرعيين وما يجري من تبادل للتهم بينهم، هو في الحقيقة يدور حول مفردات خطاب أحرار الشام أو ما قد يؤول إليه في المستقبل، مما لا تريده الجهادية المنظمة أو مما تحاول التحكم بمخرجاته. 

هذه التحديات جميعًا أقنعت "الجهادية المنظمة" في سوريا، والمتمثلة بجبهة النصرة، بأن المد المعادي للقاعدة عالميًّا، إلى جانب الرفض المحلي لتحمل تبعات حربها الدولية محليًّا، سيطغيان على الحالة السورية برمتها، فكان أن تحولت إلى محلية وبانفصال تكتيكي عن العالمية كبديل عن الانفصال الصوري -الذي كانت تريده القاعدة على ما يبدو- تحت اسم "جبهة فتح الشام"، ثم آوت وللأسباب نفسها إلى ظلال "الجهاد الحشدي" الذي يغلب على "هيئة تحرير الشام"، ويسمح لخطابها المتصل بالجهادية المنظمة، القائم على المهاجرين والأنصار، وتحكيم الشريعة، ورفض النهج السلمي والتفاوضي، بالاستمرار، وبالتالي تبقى المنظومة فاعلة، في إنتاج شرعيِّيها ومقولاتها ولو بشروط مختلفة. 

اتجاهات الشرعيين في سوريا 

هذه التطورات بما فيها من ضغوطات وما نتج عنها من تداعيات على خطاب الجهادية المنظمة مرَّ جميعها بين يدي الشرعيين ونزاعاتهم -وفي سياقها كانت أفكار الشيخين التي سبق تفصيلها- وما زالت مستمرة حتى اليوم، وتركت آثارها على عموم التيار الجهادي السوري حتى بات في داخل كل جماعة اتجاهات يمكن تقسيمها بالإجمال إلى ثلاثة، اثنين منها كانا في "جبهة فتح الشام"، أي الجهادية المنظمة، بغضِّ النظر عمَّا قد تحوَّل إليه اسمها أو يتحول مرة أخرى في المستقبل، وآخر ثالث مستقل. 

اتجاهان في الجهادية المنظمة: تعزَّز في داخل جبهة فتح الشام اتجاهان بعد إعلان فكِّ ارتباطها مع القاعدة، أحدهما لا يزال أكثر وفاء لهذه الأخيرة وأطروحاتها أما الآخر فأكثر ميلًا للمحلية من باب التخصيص الجغرافي وإن بأفق جهادي عالمي، وهما موجودان في الحركة وفي مجلس الشورى ويضمَّان إلى جانب الشرعيين أمنيين وتنظيميين. أحدهما وهو الأخير منهما، يغلب عليه المحليون من السوريين مع نسبة أقل من المهاجرين وارتباطهم في الغالب إما بالجولاني كشخص أو هم أكثر وفاء لمدركات وحاجات الواقع السوري. وقد يوصف بعض هذا الاتجاه بالاعتدال، أو هذا ما يُتوسَّم به، وممن ينسب إليه كأهم مثالين: أبو مارية القحطاني (ميسر علي الجبوري، مهاجر عراقي) (38) ومظهر الويس (سوري) (39).

وهذان الأخيران -كما يوصفان- يرفضان ظاهرة التكفير ويراعيان شرعية البُعد الثوري المحلي في رؤيتهما لتوصيف الأحداث أو للتعامل معها، وأجازا التعاون مع تركيا في مواجهة تنظيم الدولة (كما يُنقَل عنهما، وقد ينفي أحدهما أو كلاهما ذلك)، أو أنهما يريانه أمرًا غير عقائدي، وهما الأكثر شدة في مقارعة تنظيم الدولة ومنع أفكاره "المتشددة" من أن تتسرب أو تستقر في خطاب الجهادية المنظمة، ويُغلِّبان التوحد مع بقية الفصائل مع إعطاء دفع الصائل أولوية على ما سواه من متطلبات شرعية أخرى، وقد يشكِّلان ثنائية شرعية ما في المستقبل بسبب علاقتهما الخاصة بعضهما ببعض أو بسبب ما يُلحَظ من تقارب بينهما. وهذا الاتجاه هو ما يصفه المقدسي بالمميِّعة أو فيه بعض من التمييع، وإلى جانب آخرين قد يتسع الوصف لهم من شرعيي أحرار الشام أو من الجهاديين الحشديين. وتجدر الإشارة إلى أن أطرافًا أخرى من الجهاديين، ومنهم من الجهادية المنظَّمة سوى الشيخين، قد تهاجم الويس والقحطاني وخاصة الأخير منهما؛ إذ هو ظاهرة بحدِّ ذاته، فهو عراقي منشق عن تنظيم الدولة فرَّ منه من العراق إلى درعا ثم انتقل إلى الشمال السوري واستطاع أن يثبت نفسه خلال مدة زمنية قصيرة نسبيًّا، وهناك من يتهمه بأنه أشبه بأمير حرب براغماتي وأن خلافه مع تنظيم الدولة كان على مصالح مادية فقط، بينما مصادر سورية على صلة به تؤكد إعلانه مرارًا عن مراجعات وتراجعات، وآثارها على العموم موجودة في مشاركاته على مواقع التواصل. 

 
 

وهناك خط آخر من الشرعيين يكثر فيه المهاجرون وفيه سوريون ويبدو أن ارتباطه وولاءه أوثق بأيمن الظواهري وبفكر القاعدة، وقد يُنسَب إليه أبو فراس السوري (رضوان الناموس) (40)، والذي كان قد استقر في أفغانستان لفترة خلال التسعينات وله صلات ومعرفة جيدة بقيادات القاعدة لكنه لم يُؤثَر عنه حينها انتماؤه إليها، ومن أبرز مهامه في جبهة النصرة تولِّيه مسؤولية "المعاهد الشرعية" فيها. ومنهم أيضًا: أبو الأفغان المصري، الذي يشار إلى أنه انتقل إلى سوريا بطلب من الظواهري نفسه، وكان يرى المقدسي من الغلاة(41)، وأبو الفرج المصري (أحمد سلامة مبروك) من الرفاق التاريخيين لأيمن الظواهري وكان عضوًا في تنظيم الجهاد المصري، وأحد أبرز شرعيي "النصرة"(42)، وهؤلاء جميعًا ممن اغتالهم الطيران الأميركي. ومن المحسوبين على هذا الخط أيضًا: سامي العريدي، وهو أردني وعلى صلة خاصة مع أبي محمد المقدسي، لكنه ممن يوصفون بالخط الأردني في تنظيم "القاعدة" بسوريا. وكان المقدسي قد نقل مؤخرًا أن العريدي ترك هيئة تحرير الشام بمجرد إعلانها، وآخرون يقولون: إنه ترك النصرة بمجرد تحولها إلى جبهة فتح الشام(43). أما من السوريين فيعد أبو عبد الله الشامي (عبد الرحيم عطون) من أبرز شرعيي "الجهادية المنظمة" المتمثلة بهيئة تحرير الشام، وهو الأقرب للخط الرسمي الذي يمثِّله الجولاني، وهو من صانعي قرارات التحول من النصرة إلى جبهة فتح الشام ثم أخيرًا إلى هيئة تحرير الشام، وممن ظهر إلى جانب الجولاني (إضافة إلى أبي الفرج المصري) عند إعلان فكِّ الارتباط مع القاعدة والتحول من "جبهة النصرة" إلى "جبهة فتح الشام"، وكتب مؤخرًا رسالة مطولة (رسالة من محب) ردًّا على المقدسي لنقد الأخير "هيئة تحرير الشام" ومن ذلك وصف بعض شرعييها بالمميِّعة(44). 

الاتجاه الثالث: المستقلون: هم علماء جهاديون مستقلون تنظيميًّا، ولا ينفي هذا أن بعضهم قد يكون له انحيازاته وقد يتم اختياره كشرعي لإحدى الجماعات السورية من موقعه المستقل، وهم يحثون على الجهاد بحدود "دفع الصائل" لأن المعركة تتعلق بوجود السُّنَّة في المنطقة، ولهم أطروحات واضحة بالدعوة لتطبيق الشريعة أو إقامة حكم الله ولكن في سياق محلي شبيه بطروحات الحركات الإسلامية السياسية، وهؤلاء غالبهم سوريون مع قلَّة من المهاجرين وبعضهم أجاز التعاون مع الجيش التركي ضد داعش، أو لم يكفِّر من أجاز ذلك، وهم يسعون لوحدة الساحة السورية في مواجهة أعدائها، وغالبهم له مكانة علمية ما، صغرت أم كبرت. منهم على سبيل المثال: الشيخ عبد الرزاق المهدي(45) من السوريين، والشيخ عبد الله المحيسني(46)، وأبو الحسن الكويتي (علي العرجاني)(47) من المهاجرين. وهذا التيار ينتمي على الأغلب إلى "الجهادية الحشدية" كما كرَّسها الشيخ عبد الله عزام، من حيث الدعوة إلى حشد المجاهدين من كل أصقاع الأرض لدفع الصائل وحماية الأعراض، لكن بسبب ظروف التجربة السورية فإن بعض هؤلاء قد يرى حشد التأييد المادي والدعم السياسي فقط للثورة السورية، ويلتقي مع العلماء التقليديين من أمثال الشيخ أسامة الرفاعي، رئيس المجلس الإسلامي السوري (يضم العلماء السوريين التقليديين المؤيدين للثورة السورية)(48)، في الدعوة إلى الحدِّ من ظاهرة "المقاتلين المهاجرين" في الثورة السورية لأن غالب من يأتي من الخارج إما أن يذهب إلى تنظيم الدولة، أو ينتمي للجهادية السلفية المنظَّمة (القاعدة) بنسختها الأشدِّ، فتنشأ بينهم وبين المجتمع المحلي السوري -الأكثر تحررًا في تدينه نسبيًّا- مشاكل وخلافات لا داعي لها. ومن هذا الاتجاه من سعى لإيجاد مرجعية علمائية محلية للمجاهدين السوريين تمثل أغلب الساحة، فكان أن أعلن عن "تجمع أهل العلم في الشام"(49) وضمَّ لأول مرة ربما، شرعيين جهاديين مع علماء يؤيدون الجيش الحر، لكن لم ينجح هذا الإطار في مسعاه وطوته الأحداث، وبغضِّ النظر عن مصير "التجمع" فمن الملاحظ أن هؤلاء الشرعيين ليس لهم علاقة جيدة مع الشيخين وخاصة مع المقدسي، كما أن علاقتهم مع الجهادية المنظمة ليست مستقرة وإن أيدوها أو انضموا إليها، وفي الغالب يتنقلون بين الجماعات كشرعيين مستقلين أو شبه مستقلين. 

مستقبل علماء التيار الجهادي 

تصارع الجهادية المنظمة للحفاظ على هويتها ما استطاعت، لاسيما أنها تعرضت لتحديات كبيرة في ظل غياب أهم شخصية كاريزمية جامعة؛ حيث قضى أسامة بن لادن قبل أن يعطي جوابًا شافيًا عن طريقة التعامل مع ثورات الربيع العربي؛ فما أُثِر عنه لم يكن كافيًا لتتوحد عليه تنظيماتها ما أتاح فرصة لولادة تنظيم الدولة في العراق كأحد الرافضين لخط الظواهري وطريقة تعامله مع هذا التحدي، وهو ما تصدَّى له الشيخان بقوة إضافة إلى بقية شرعيي التيار الجهادي. في حين أن أهم مقولات الربيع العربي قد لقيت بالمقابل تأييدًا من بعض شرعيي التيار الجهادي في سوريا فانحازوا لها وأعطوها الأولوية، لاسيما مثل إزاحة الأسد ورفض الاستبداد وإقامة حكم محلي يختاره الناس برضاهم ويحقق مصالحهم بلغة ثورية بقدر ما هي جهادية، ما يُعد تجاوزًا لخطاب الجهادية المنظمة وبما لا تحتمله، وهو التيار الذي يحمل عليه المقدسي وأبو قتادة ويصفان شرعيِّيه بـ"المميِّعة". والواضح أن التيار الجهادي لم يستطع حصر تأثيرات الثورات العربية حيث تسلَّلت أو اقتحمت بعض المفاهيم التي حملتها إلى شرعيي التيار كما إلى حاضنة الثورة، وما تشهده ساحتهم من جدل إنما هو حديث أو صراع أحيانًا حول مدى شرعية هذه المفاهيم أو خطورتها على عموم الخطاب الجهادي. 

وعمليًّا، النموذج التنظيمي والخطاب الذي يقدمه جُلُّ الشرعيين الجهاديين الذين لا يزالون على ارتباط بقيادة أبي محمد الجولاني أو من علماء الواقع الجهادي السائد في سوريا، يقوم على تحقيق بعض ما تريده الحاضنة دون إسقاط الخطاب الجهادي أو أهم خصائصه، فيلجأ مرحليًّا عندما تضيق الحاضنة به إلى أدنى ما يمكن للجهادية المنظمة أن تتعايش معه، أي إلى الجهادية الحشدية، وهذا يجعله عرضة لقصف شديد من التيار النقدي المتمثِّل بالشيخين أو من أحدهما لخشيتهما من أن يستقر التيار على هذا الخطاب. ويتمسك هؤلاء الشرعيون حينًا آخر بأعلى ما في خطابهم الجهادي من مطالب، أي بخطاب الجهادية المنظمة، هذا إذا ما استقرت لهم الحاضنة، لاسيما عندما يقدمون لها إنجازًا معنويًّا مثل مشاريع التوحد، أو إنجازًا عسكريًّا بانتصار ما. وحينها يتصالحون مع التيار النقدي لتشتد خلافاتهم بالمقابل مع بقية العلماء السوريين المحليين وحتى مع بعض علماء الجهاد الحشدي أو سواهم من خصوم الشيخين أو أحدهما. 

من الواضح أن التجربة السورية قد أثَّرت عميقًا في خطاب التيار الجهادي، وبالتالي في "الشرعيين" أو "العلماء الجهاديين"، المطالبين بإعادة إنتاج هذا الخطاب أو تطويره، وعلى الرغم من أن ما يصدر عن الشيخين من نقد للتجربة الجهادية السورية، قد يكون فيه بعض استدراكاتهم الخاصة على الخطاب الجهادي من زمن التأسيس الأول، إلا أنه في جُلِّه يعكس خشية على مصير التيار الجهادي من التحولات التي يتعرض لها، والتي تضرب بنيته الدينية والفكرية، وهذا ما يفسِّر أن النقد الذي يمارسه الشيخان، يلقى صدى في الداخل السوري من قِبل الجهاديين الخائفين على مستقبل تيارهم. 

وهذا ما يمكن قراءته، على سبيل المثال، في الحملة التي شنَّتها جبهة فتح الشام على الفصائل والشرعيين الذين قبلوا أو وقَّعوا على اتفاق آستانة؛ إذ جاءت لتتوافق مع موقف المقدسي بضرورة إقصاء هؤلاء(50). وكذلك في موقف "هيئة تحرير الشام" من "جند الأقصى" أو "لواء الأقصى"، والذي كان موافقًا لرغبة المقدسي بتقديم حقن دمائهم على استئصالهم وهو ما كان، حيث سُمح لهم بالخروج من ريفي حماه وإدلب إلى الرقة حيث مقر تنظيم الدولة(51). 

وبالمقابل، هناك خشية أخرى من أن تقع الجهادية المنظمة مرة أخرى فريسة لخطاب تنظيم الدولة -المتشدِّد حتى بمعايير القاعدة- أو لما يشبهه، وهذا ما يفسر أن هناك تيارًا آخر شديدًا جدًّا في الهجوم على تيار الشيخين النقدي، ويتكون من عموم علماء التيار الجهادي، من "علماء الواقع الجهادي السائد" أو من الموالين لتجربة الجولاني، وقد يشتد بعض هؤلاء في ردِّهم على الشيخين ويصفون كليهما أو أحدهما بـ"المنَاهِجَة"، كما هو شأن أبي مارية القحطاني مع المقدسي، بل قد يذهب آخرون إلى أبعد من ذلك حيث يصف الدكتور طارق عبد الحليم، أبا محمد المقدسي بالحروري (دون أبي قتادة بل يُثني على الأخير)، ويقصد بذلك التحذير من أن مسار المقدسي يقود في نهايته إلى خطاب تنظيم الدولة وليس القاعدة. والجدير بالذكر أن خصوم التيار الجهادي، مثل مؤيدي الفصائل السورية الثورية، هم في العادة من يهاجمون -وبوجه خاص- الجهادية المنظمة ويصفون قادتها وشرعييها بالمناهجة. 

 

وبقراءة النقاشات المحتدمة ما بين المميِّعة والمناهِجة من التيار الجهادي (كما يصف شرعيُّوه بعضهم بعضًا)، والتحولات التي تعرض لها التيار مرارًا، وما يتناسل عنه من مناهج وأفكار؛ فإن الفصائل الجهادية السورية ومنها تلك التي يقودها أبو محمد الجولاني، تتعرض لانقسامات أو اختلافات عند كل مفترق سياسي في مسار القضية السورية، ولا يبدو أنها مقبلة على توحيد رؤاها السياسية ومفرداتها الدينية بسهولة (انظر الشكل رقم 4). 

 (الشكل رقم 4) أظهرت التجربة السورية أن هناك مدركات مختلفة عند علماء التيار الجهادي لبعض مفردات منهجهم ما جعلهم في ثنائيات متمايزة أو متصارعة، هناك تمايز بين علماء الجهادية الحشدية والمنظَّمة بخصوص تعريف العالم الجهادي، وبين المحليين والمهاجرين بخصوص تفسير عالمية الجهاد، وهناك تنازع بينهم جميعًا إزاء الموقف من الخطاب الجهادي ومن توصيف الأنظمة العربية والإسلامية.

لذا، فهي ستتجه أكثر نحو استقطاب مرجعيات شرعية محلية، لتكون بديلة أو إلى جانب تلك التقليدية التي استقرت للقاعدة حتى اللحظة بهدف تخفيف التناقضات التي تعصف بالجهادية السورية. ومع الأخذ بالاعتبار الطموحات المحلية للفرع الجهادي السوري فهي ستحرص على أن تنتج علماء جهاديين بمعايير مختلفة، أي بسمات محلية أكثر من ذي قبل، وبمرونة عقائدية أكبر نسبيًّا تسمح لهم بالتعايش مع الحاضنة الشعبية السورية. وسيكون التيار مضطرًّا لأن يكون أكثر التزامًا ومسؤولية تجاه المدن المأهولة بالسكان التي يتولى مسؤولية أمنها وحياتها إذا أراد الاستمرار بهيكليته التي يعرفها، وهو اختبار لم يعهده التيار الجهادي سابقًا بمثل هذه الظروف والمخاطر؛ حيث إن مسؤوليته ليست عن حماية أيديولوجية وخطاب جهادي محدد في سوريا فحسب، بل هناك مسؤولية تتصل بمواجهة شكل من أشكال التطهير أو الإجلاء السكاني "للسنَّة" لا يمكن تجاهله. وهذا معطى سيجعل من قاموسه الشرعي قياسًا إلى خطاب القاعدة التقليدي، أكثر اقترابًا من بقية الفصائل السورية، وهذا بدوره يجعله في حاجة للاعتماد على الشرعيين أكثر من الأمنيين في هذا الصدد. 

وهذا لا يعني أبدًا أن التيار النقدي الذي يمثله الشيخان لن يستمر في ممارسة مرجعيته في الساحة السورية، فلا تزال الجهادية المنظمة في سوريا تحتاج لهذا الخطاب لتعصم نفسها من الدخول في "نفق المراجعات" أو الغرق فيها، فضلًا عن الحؤول دون ذهاب الأكثر تشددًا نحو تنظيم الدولة، أو أن ينتهي الأمر بانقسام الجهادية المنظمة على نفسها بعد تصاعد الحديث عن إعلان تنظيم للقاعدة في سوريا -خاصة من التيار الأردني- بعيدًا عن قيادة الجولاني، هذا من جهة، وكذلك الحؤول دون جنوح الأكثر إذعانًا لمتطلبات الواقع المحلي نحو الجهادية المحلية كما تُمثِّلها أحرار الشام أو ما يقرب من خطابها أو يشبهه. 

إلا أنه من الواضح أن وظيفة الشيخين في الظهور الثالث لا يمكن أن تستمر طويلًا كتيار نقدي فحسب، وهذا ما تجلَّى في عدد الخصومات التي أصبحت أشبه بالظاهرة بينهما وبين عدد من الشرعيين، ويتركز أكثرها مع المقدسي. لذا، من الملاحظ أن خصوم الشيخين في الساحة السورية ممن تواصل معهم الباحث من الشرعيين يعتبرون المقدسي "أقل علمًا وتجربة" وبعضهم استدل بسيرته التي لا تتضمن شهادات علمية ولا "سيرة علمية واضحة". وهناك سعي واضح من شرعيين جهاديين (من الجهادية الحشدية والمنظمة وإن بتفاوت) للتمييز بين الشيخين، والقول بأن أبا قتادة أقل حدَّة وأكثر وعيًا وإدراكًا للواقع ومخاطره، وأن إمكاناته العلمية مقدَّرة ومعتبرة في الاختلاف معه (قياسًا إلى المقدسي). وهذا لا يمنع أن ضعف الثقة وعدم اليقين هو الذي يهيمن غالبًا على عموم الشرعيين إزاءهما رغم حاجتهم أو حاجة الساحة إليهما، ولو على الأقل في ظل الوضع الحالي. وعلى المدى المتوسط، فإن ما يعيشه التيار من تطورات متسارعة، ستجعل التمايز بين الشيخين أنفسهما أوضح ليكون اختلافًا على المنهج نفسه (بغضِّ النظر عن العلاقة بينهما)، لاسيما أن التناقضات تتسارع بين "النجدية" المبالِغة في حرصها "العقائدي" على سلامة "المنهج"، وبين الجهادية (بشقيها: الحشدية والمنظمة) الأكثر حرصًا على استمرار الجهاد حشدًا وممارسة ولو بمعايير عقائدية أقل صرامة، وكأن التجربة الجهادية في استدارة، حيث بلغت الذروة باقترانها مع الوهابية، وتكاد تتهاوى إذا لم تجد سبيلًا لتنظيم العلاقة معها أو الفكاك عنها. 

في الخلاصة، إن التيار الجهادي يتعرض لاختبار شديد في التجربة السورية لما طرحته من أسئلة صعبة دفعته لأن يعمل على التمييز بين مكوناته، ما بين جهادية حشدية وجهادية منظمة، ثم ما بين "مَنَاهِجَة" و"مُميِّعة" رغم التداخل الشديد بين هذه المكونات جميعًا، وهو يعيش أزمة في مرجعيته الشرعية وستنعكس عاجلًا أم آجلًا على خطابه الجهادي نفسه، وهناك الكثير من الأسئلة تتعلق بمسألة المهاجرين وبفكرة الجهاد العالمي ضد أميركا، التي أخذ الشرعيون الجهاديون في سوريا أنفسهم يطرحونها، منها: 

ما الجدوى من معادلة المهاجرين والأنصار إذا كانت تأتي بالتكفيريين والمتشددين أكثر من "الجهاديين"؟ ما الجدوى من الجهاد العالمي في الساحة السورية الذي يستهدف أميركا فقط واستعداءها لمنازلتها هناك، في حين أن الأولوية حماية "السُّنَّة" من التطهير السكاني الذي "تمارسه" إيران؟ كيف يمكن إدارة مدن حاجاتها ضخمة ومتشعبة وهويتها معقدة، بأمنيين وشرعيين فحسب..؟ وهكذا دواليك. 

يدرك الجهاديون جميعًا أن خطابهم قد تعرَّض للخرق بعد الثورات العربية وأن الشرعيين لديهم أعجز من أن يصلحوا أمره، وهم يحتاجون إلى قيادات شرعية جديدة بمقولات جهادية جديدة، لأن الواقع السوري على الأقل ليس المكان الملائم لهذا الخطاب، وسيدخل بسببه التيار الجهادي هناك، مسار المراجعات بأيدي شرعيِّيه أنفسهم وبنفس أدواتهم، وأكثر ما يخشاه في هذه الأثناء أن تتاح الفرصة لشرعيين محليين لتأسيس جهادية محلية سورية، وتَظهر مؤشرات ذلك في الإرباك الشديد وتبادل التُّهم ما بين شرعيي التيار الجهادي التي وصلت في بعضها إلى حدِّ تخوين بعضهم بعضًا أحيانًا.

_____________________________________

 شفيق شقير - باحث في مركز الجزيرة للدراسات، متخصص بالمشرق العربي والحركات الإسلامية

تنويه: يشكر الباحث مكتب قناة الجزيرة في عَمَّان، الأردن، الذي ساعد في إجراء الكثير من المقابلات والاتصالات التي اعتمدت عليها الورقة بشكل كبير. 

نبذة عن الكاتب

مراجع

1- للاطلاع على بعضٍ من أهمية المقدسي في التيار الجهادي وبعض من سيرته، يُنظَر: حوار مراسل قناة الجزيرة، ياسر أبي هلالة، مع المقدسي، لقاء اليوم، أبو محمد المقدسي: السلفية الجهادية، موقع الجزيرة نت، 10 يوليو/تموز 2005. تاريخ الدخول: 21 فبراير/شباط 2017.

 https://goo.gl/4gz7zk

ويُنظَر أيضًا: أبو محمد المقدسي، موقع الجزيرة نت، 28 أكتوبر/تشرين الأول 2014. تاريخ الدخول: 21 فبراير/شباط 2017.

https://goo.gl/I0ZZzo

2- للاطلاع على بعضٍ من أهمية أبي قتادة في التيار الجهادي وبعض من سيرته، ينظر: حوار مراسل الجزيرة نت، محمد النجار، مع أبي قتادة، أبو قتادة: تبليغيٌّ تحوَّل لأبرز منظِّري الجهاديين، الجزيرة نت، 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2014. تاريخ الدخول: 21 فبراير/شباط 2017.

https://goo.gl/yXfPyL

3- استعملت الورقة التعابير نفسها المتداولة في التيار الجهادي، يُنظر: أسس بناء التنظيمات، أبو مصعب السوري، إعداد وترتيب أبو عمر الكردي، الإصدار الأول، 1418هـ-1997م، ص 44-45.

4- أُلغيت الخلافة العثمانية رسميًّا في مارس/آذار 1924، وتأسست حركة الإخوان المسلمين كأقدم حركة إسلامية سياسية لاستعادة الخلافة في مارس/آذار 1928.

5- يُنظَر: شفيق شقير، ما بعد الربيع العربي: الإسلاميون بين مسار "الخلافة" ومسار "الدولة"، وكالة الأناضول، 27 يونيو/حزيران 2016. تاريخ الدخول: 1 فبراير/شباط 2017.

https://goo.gl/Gju6yl

6- يُنظَر: شفيق شقير، الجذور الأيدولوجية لتنظيم الدولة الإسلامية أو تيار ما بعد الجهادية، ورقة في كتاب "تنظيم الدولة الإسلامية: النشأة والتأثير والمستقبل، تأليف مجموعة من الباحثين، تحرير فاطمة صمادي، مركز الجزيرة للدراسات،1437هـ 2016م.

7- يقول الإمام القرافي من علماء المسلمين في القرن السابع الهجري: "اعلمْ أن حُكم الحاكم في مسائل الاجتهاد يرفع الخلاف، ويرجع المخالف عن مذهبه لمذهب الحاكم". انظر: الفروق للإمام القرافي (بهامشه حاشية ابن الشاط)، تحقيق: عمر حسن القيام، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 2003، ص (2/192).

8- سورة النساء، الآية 84.

9- انظر مثلًا: فتوى لابن باز حول الجهاد في أفغانستان، الموقع الرسمي لابن باز. تاريخ الدخول: 1 فبراير/شباط 2017.

http://www.binbaz.org.sa/noor/2871

10- يرفض التيار الجهادي وجود أمير سياسي خارج إطار الخلافة، هناك الخليفة سياسيًّا ومن قد يعيِّنه، وفي غيابه هناك "أمير قتال"، وذلك بناء على استدلال شرعي لهم. يُنظر في سمات المرحلة التأسيسية للتيار الجهادي في أفغانستان: شفيق شقير، الجذور الأيديولوجية لتنظيم الدولة الإسلامية، مركز الجزيرة للدراسات، 23 نوفمبر/تشرين الثاني, 2014. تاريخ الدخول: 1 فبراير/شباط 2017.

http://studies.aljazeera.net/ar/files/isil/2014/11/2014112361054982947.html

11- منها ورقة أو "وثيقة ترشيد العمل الجهادي في مصر والعالم"، ورَدَّ عليها الظواهري بكتاب: "التبرئة: تبرئة أمة السيف والقلم من منقصة تهمة الخَوَر والضَّعف". ثم ردَّ سيد إمام على الرد بـ "مذكرة التعرية لكتاب التبرئة"، ونشرتها صحيفة الشرق الأوسط عام 2008 على حلقات. انظر: الشرق الأوسط اللندنية، 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2008. تاريخ الدخول: 1 فبراير/شباط 2017.

https://goo.gl/zhqInH

ورغم ردِّ الظواهري على الوثيقة إلا أن بعض التصويبات فيها خاصة المتصلة بالغلو يتعزَّز صداها في التيار الجهادي.

12- يُنظر ترجمة أبي مصعب السوري كما نشرها مركز رزيز قندهار، أرشيف النت (Internet Archive). تاريخ الدخول: 1 فبراير/شباط 2017.

https://goo.gl/OxTzh1

13- يُنظر حوار عطية الله الليبي مع شبكة الحسبة، أرشيف النت (Internet Archiv)، ص 358. تاريخ الدخول: 1 فبراير/شباط 2017.

https://goo.gl/QMCD5D

14- استفاد الباحث في الشق المتعلق بطريقة اختيار الشرعي الجهادي، من اتصالات هاتفية بشرعيين سوريين في أواخر عام 2016، وكانت الاستفادة الأبرز من الشيخ عبد الرزاق المهدي، الشرعي السوري المستقل، والذي أعلن انتماءه لهيئة تحرير الشام بعد إعلانها في يناير/كانون الثاني 2017، ثم عاد وأعلن نفسه مستقلًّا مرة أخرى.

15- يُنظر على سبيل المثال أحد أعداد هذه النشرة، ومساهمة أبي قتادة في صفحة 5 منها. نشرة الأنصار العدد 113، 1995، على الرابط أدناه في أرشيف النت. تاريخ الدخول: 12 فبراير/شباط 2017.

https://archive.org/stream/Ansar113#page/n3/mode/2up

16- عطية الله الليبي، هو صاحب خطاب التأقلم مع الثورات العربية -والذي أكدته مراجعات ابن لادن التي ظهرت في أبوت آباد ومن بينها مراسلات مع عطية الله بهذا الخصوص-؛ حيث جعل الثورات العربية إحدى الخطوات التي ترتضيها القاعدة للتغيير ولكن دون التخلي عن الجهاد وعدم الاقتصار في التغيير على إسقاط الأنظمة المستبدة بل المضي في إسقاط الهيمنة الأميركية في المنطقة وإقامة حكم الله الشرعي في العالميْن العربي والإسلامي. انظر: وثائق أبوت آباد في موقع مكافحة الإرهاب في وست بوينت، 3 مايو/أيار 2014. تاريخ الدخول: 12 فبراير/شباط 2017.

LETTERS FROM ABBOTTABAD: BIN LADIN SIDELINED? 3/5/ 2012

Author(s): Don Rassler, Gabriel Koehler-Derrick, Liam Collins, Muhammad al-Obaidi, Nelly Laho

https://www.ctc.usma.edu/posts/letters-from-abbottabad-bin-ladin-sidelined

وانظر: ياسر الزعاترة، صورة ابن لادن في وثائق "أبوت آباد"، 10 مايو/أيار 2012، الجزيرة نت، تاريخ الدخول: 12 فبراير/شباط 2017.

http://www.aljazeera.net/knowledgegate/opinions/2012/5/10/صورة-بن-لادن-في-وثائق-إبت-آباد

17- مقابلة مع الباحث د. محمد أبو رمان، (20 نوفمبر/تشرين الثاني 2016). والأعداد هي تقديرات تقريبية بناء على حجم التيار الجهادي في الأردن على العموم، وافتراض أن أغلبه مع "تنظيم الدولة". وهناك تقديرات عدَّة لعدد من المؤيدين للتيار الجهادي في الأردن، ولعدد من المقاتلين الأردنيين في التنظيمات الجهادية في سوريا، وكلها في الغالب تعتمد نفس المصادر تقريبًا، أي مراكز البحث والصحافة الأردنية إضافة إلى الأجهزة الأمنية أو القريبين منها. وبالعودة إلى تحقيق للصحافي، حازم الأمين من عَمَّان، نجد أن التقديرات التي ينقلها تتحدث عن 4 و5 آلاف ناشط جهادي سلفي في الأردن؛ ما يعني أن أعدادهم تزيد أو على الأقل لا تنقص. انظر تحقيق الأمين في صحيفة الحياة: "السلفية الجهادية" في الأردن في طريقها إلى "داعش" بعد سنوات أمضتها في "النصرة"، 4 يوليو/تموز 2014. تاريخ الدخول: 12 فبراير/شباط 2017.

https://goo.gl/u0VS2w

18- محمد الدعمه، أبو قتادة والمقدسي يشكِّلان رأس حربة ضد «داعش»، صحيفة الشرق الأوسط، 26 سبتمبر/أيلول 2014. تاريخ الدخول: 12 فبراير/شباط 2017.

https://goo.gl/EqYr1J

19- خاصة بعد أن أصبح للقاعدة فرع بأولوية محلية في سوريا بقيادة أبي محمد الجولاني. يُنظر: الرأي الأردنية، ورقة عمل تحلِّل عمليات داعش الأخيرة ضد الأردن والتحول في طبيعة التهديدات المرتبطة به: 23 يوليو/تموز 2016. تاريخ الدخول: 12 فبراير/شباط 2017.

https://goo.gl/AGBP01

استفاد الباحث في الشق المتعلق بالأردن، من مقابلات أجراها مع الزملاء في مكتب قناة الجزيرة، عمَّان الأردن، مدير المكتب حسن الشوبكي، والمراسل تامر الصمادي، نوفمبر/تشرين الثاني 2016.

20- لقاء للباحث مع مصادر جهادية من الأردن. ستتكرر الإحالة بهذه الصيغة إلى لقاءات جرت في عمَّان في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، استفاد من خلالها الباحث معلومات وآراء هي للشيخين أبي محمد المقدسي وأبي قتادة.

21- للاطلاع على المقابلة، تُنظر مقابلة أبي محمد المقدسي مع تليفزيون رؤيا، الأردني. تم نشره في 6 فبراير/شباط 2015، تاريخ الدخول: 21 فبراير/شباط 2017.

https://www.youtube.com/watch?v=XFh6gMKSGmA

22- حول ساجدة الريشاوي، يُنظر: الجزيرة نت، على الرابط أدناه. تاريخ الدخول: 21 فبراير/شباط 2017.

 https://goo.gl/H2GSj5

23- لقاء للباحث مع مصادر جهادية من الأردن.

24- تُنظر فتوى أبي قتادة الفلسطيني في نشرة الأنصار، في مسألة قتل الذرية والنسوان درءًا لخطر هتك الأعراض وقتل الإخوان، العدد 90، تاريخ 30 مارس/آذار 1995، 10-12. يمكن الاطلاع عليها من أرشيف النت. تاريخ الدخول: 12 فبراير/شباط 2017.

https://archive.org/stream/Ansar090#page/n9/mode/2up

25- اعتُقل في باكستان عام 2005، وسُلِّم للنظام السوري، ويسود اعتقاد لدى الجهاديين بأنه لا يزال حيًّا، وقد يشار إلى أنه قُتل أو أنه مع تنظيم الدولة، وكانت النُّصرة قد عرضت مبادلته، عام 2015، مع طيار من الجيش السوري كانت قد أسرته. يُنظر: اقتراح تبادل طيار أسير لدى "النصرة" بـ"أبي مصعب السوري"، صحيفة الحياة، 24 مارس/آذار 2015. تاريخ الدخول: 12 فبراير/شباط 2017.

https://goo.gl/j2TIgf

26- لقاء للباحث مع مصادر جهادية. يُنظَر من باب الاستئناس: عربي 21، "أبو قتادة": ظُلمت بالتجربة الجزائرية وهذا ما استفدته منها، 7 سبتمبر/أيلول 2016. تاريخ الدخول: 21 فبراير/شباط 2017.

  https://goo.gl/9cZAj3

27- استفاد الباحث حول تأثيرات الشيخ المقدسي وأبي قتادة على الجهاديين في الأردن، من حوارات مع الباحث، "حسن أبو هنية"، والباحث، "محمد أبو رمان"، عَمَّان، الأردن. نوفمبر/تشرين الثاني 2016.

28- أجرى الباحث اتصالات مع عدد من الشرعيين والشيوخ السوريين زاد على العشرة وبعضهم من التيار الجهادي، وكان جُلُّهم يتهم الشيخين -مع التشديد على المقدسي- بأنهما مصدر التشدد في الساحة السورية، ولكن بالمقابل يقلِّلون من أتباعهما في الساحة السورية، وبعضهم يقدِّر من يوالي المقدسي بما لا يزيد على 10 بالمئة من جبهة فتح الشام.

29- لقاء للباحث مع مصادر جهادية.

30- طارق عبد الحليم، مقيم في كندا، وله خصومة شديدة مع المقدسي على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ممن وصفهم الظواهري في رسالة صوتية له، عام 2014، بالعلماء الربانيين، وذكر في نفس الكلمة وتحت نفس الوصف، لا بل في صدارته، المقدسي وأبا قتادة وهاني السباعي، والأخير مقيم في لندن. يُنظَر تفريغ هذه الرسالة الصوتية في موقع: الإسلاميون، نُشر 10 سبتمبر/أيلول 2015. تاريخ الدخول: 21 فبراير/شباط 2017.     

https://goo.gl/umUeJk

وحول سيرة الشيخ طارق عبد الحليم يمكن العودة إلى موقعه الشخصي على الرابط أدناه. تاريخ الدخول: 21 فبراير/شباط 2017.

http://tariq-abdelhaleem.net/new/Section-2

31- لقاء للباحث مع مصادر جهادية.

32- توضيح أبي قتادة لسبب رفضه التعاون مع الجيش التركي ضد تنظيم الدولة من مقابلة مع مصادر جهادية.

33- لقاء للباحث مع مصادر جهادية.

34- لقاء للباحث مع مصادر جهادية. استفاد الباحث في وصف الجولاني من اتصالات مع شخصيات سورية قابَلَت الجولاني، وناقش بعضها بهدف التوثيق -إضافة إلى موضوعات أخرى تتصل بالورقة- مع مراسل قناة الجزيرة تيسير علوني، الذي كان له مقابلة مطولة معه. ويمكن الاطلاع على المقابلة: لقاء اليوم، أبو محمد الجولاني، النصرة ومستقبل سوريا، حلقة الخميس 19 ديسمبر/كانون الأول 2013. تاريخ الدخول: 21 فبراير/شباط 2016.

https://www.youtube.com/watch?v=DIr1HoHJlQA

35- لقاء للباحث مع مصادر جهادية.

36- لقاء للباحث مع مصادر جهادية مع تصرف تحليلي من قبله. هذا، وقد عقَّب أبو عبد الله الشامي، على المقدسي وعدم ثقة الأخير بهيئة تحرير الشام، ثم عاد المقدسي وبدوره ردَّ على الشامي بهذا الخصوص. يُنظَر: إياد مكي، كبير شرعيي "تحرير الشام" يرد على المقدسي والأخير يعلِّق، عربي 21، 14 فبراير/شباط 2017.

https://goo.gl/yFzoCb

37- استفاد الباحث في هذا الشِّقِّ من عدد من الصحافيين والباحثين والشرعيين وبعضهم تحفظ على ذكر اسمه. ومن ذلك اتصالات هاتفية مع الباحث والناشط السوري، أحمد أبا زيد (27 نوفمبر/تشرين الثاني 2016)، وعضو "تجمع أهل العلم" في سوريا، الشيخ عباس أبي تيم شريفة (15 ديسمبر/كانون الأول 2016)، ولقاء مع القاضي السابق في جيش الفتح، وعضو "تجمع أهل العلم" الدكتور أيمن محمد هاروش (11 فبراير/شباط 2016).

38- تُنظر ترجمة أبي مارية القحطاني كما وردت في الموسوعة الإسلامية المشار إليها أدناه، وارتضاها الباحث لأنها في وصفها للقحطاني كشرعي تتشابه مع وصف الشيخ عبد الرزاق المهدي له، ويصفه هذا الأخير بالذكاء والاعتدال بناء على ما رأى منه، وأنه ومظهر الويس متلازمان. تاريخ الدخول: 21 فبراير/شباط 2016.

https://goo.gl/XKDDQ6

39- اشتهر الويس بدراسة له ضد تنظيم الدولة: "العلامات الفارقة في كشف دين المارقة"، قدَّم لها عدد من المشايخ المحسوبين على التيار الجهادي، منهم: أبو مارية القحطاني. ولتعريف موجز به يعكس شخصيته كشرعي، انظر نفس المصدر السابق، على الرابط أدناه. تاريخ الدخول: 21 فبراير/شباط 2016.

https://goo.gl/m4u9oO

40- انظر: الجزيرة نت، مقتل القيادي بالنصرة، أبو فراس السوري، بغارة أميركية، 4 إبريل/نيسان 2016. تاريخ الدخول: 22 فبراير/شباط 2017.

https://goo.gl/GIIbjd

41- انظر عن اغتياله: موقع سي إن إن العربي، البنتاغون يؤكد: غارة أمريكية قتلت القيادي بـ"فتح الشام" أبو الأفغان المصري، 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2016. تاريخ الدخول: 22 فبراير/شباط 2017.

https://goo.gl/FumF7i

والوصف بالغلو للمقدسي نقله علي العرجاني (أبو الحسن الكويتي) عن أبي الأفغان، كما نقل مقطعًا صوتيًّا على قناته في تلغرام عن أبي الأفغان يذمُّ المقدسي في سياق ذمه للتكفيريين، ويقول عنه: "له مواقف مخزية". وكان الباحث، حسن أبو هنية، قد كتب أن أبا الأفغان المصري هو نفسه أبو عبد الله المهاجر، صاحب الكتاب المشهور "مسائل في فقه الجهاد" الذي يقال: إن تنظيم الدولة يعتمده ويستسهل إراقة الدماء، ولكن باتصال هاتفي معه رجَّح أنه أخطأ بذلك وأنه شخصية مختلفة، وأن" أبو عبد الله المهاجر" الراجح أنه قُتِل مع تنظيم الدولة. لمراجعة مقالة أبي هنية عن أبي الأفغان، يُنظر موقع عربي 21: أبو عبد الله المهاجر: نهاية هادئة لفقيه جهادي مثير، 11 ديسمبر/كانون الأول 2016. تاريخ الدخول: 22 فبراير/شباط 2016.

https://goo.gl/oA9w7E

42- يُنظر سيرة أبي الفرج المصري، في موقع الجزيرة نت: أبو الفرج المصري.. قيادي فتح الشام المغتال، 4 أكتوبر/تشرين الأول 2016. تاريخ الدخول: 22 فبراير/شباط 2016.

https://goo.gl/3WOhQ6

43- من هؤلاء: الدكتور طارق عبد الحليم.

44- حول الشامي يُنظر: موقع أورينت نيوز، من هما الشخصان اللذان ظهرا برفقة الجولاني، 28 يوليو/تموز 2016. تاريخ الدخول: 22 فبراير/شباط 2016.

https://goo.gl/2gxOt9

وانظر: إياد مكي، كبير شرعيي "تحرير الشام" يرد على المقدسي والأخير يعلِّق، عربي 21، 14 فبراير/شباط 2017. تاريخ الدخول: 22 فبراير/شباط 2016.

https://goo.gl/yFzoCb

45- عبد الرزاق المهدي من "الشيوخ السوريين" المعروفين في علم الحديث، وكثير من فتاوى الساحة السورية تخرج مذيَّلة باسمه إلى جانب آخرين من شرعيي الساحة السورية. التحق بهيئة تحرير الشام عند إعلانها ثم ما لبث أن استقل عنها. انظر على سبيل المثال إفتاءه بالتنسيق مع الأتراك ثم تراجعه عنه في حوار مع القدس العربي، الشيخ عبد الرزاق المهدي لـ"القدس العربي": الأمريكيون يقودون غرفة العمليات من قاعدة إنجرليك، 24 سبتمبر/أيلول 2016. تاريخ الدخول: 22 فبراير/شباط 2016.

http://www.alquds.co.uk/?p=602398

46- من أبرز الشرعيين المهاجرين، قدم إلى سوريا عام 2013، وهو حاليًّا مع هيئة تحرير الشام. يمكن الاطلاع على حوار له يروي فيه قصة قدومه إلى سوريا: مؤيد باجس، المحيسني يكشف سبب قدومه لسوريا وعرض "الدولة" عليه، موقع عربي 21، 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2015. تاريخ الدخول: 22 فبراير/شباط 2016.

https://goo.gl/6hKrsD

وتُنظر سيرته مما تنشره مواقع جهادية على الرابط أدناه. تاريخ الدخول: 22 فبراير/شباط 2016.

https://justpaste.it/q7av

47- كويتي وكان من شرعيي جبهة النصرة، وانتقد مؤخرًا هجمات جبهة فتح الشام على بقية الفصائل ثم إعلانها عن هيئة تحرير الشام، يُنظر، على سبيل المثال، حوار له مع الرأي الكويتية حول سبب ذهابه إلى سوريا: أحمد زكريا، الداعية الشرعي في "جبهة النصرة" أبو حسن الكويتي: كويتيُّو "داعش" على ضلال وباطل... وليسوا مجاهدين، الرأي الكويتية 4 إبريل/نيسان 2015. تاريخ الدخول: 22 فبراير/شباط 2016.

https://goo.gl/CAjmL8

48- يرأس الشيخ أسامة الرفاعي المجلس الإسلامي السوري، وهو مرجعية دينية تقليدية لكل السوريين، تؤيد الجيش الحر. وقد يوصف الشيخ الرفاعي بأنه من "جماعة زيد"، وهي جماعة دعوية ظهرت في أربعينات القرن الماضي تنتسب إلى الشيخ عبد الكريم الرفاعي (1901-1973)، وسُميت بهذا الاسم نسبة إلى جامع زيد بن ثابت الأنصاري في دمشق، الذي كان منطلقًا لنشاطه. للاطِّلاع على تعريف موجز عن الجماعة، يُنظر موقع السكينة، أهم الحركات والجماعات الدينية في سورية موقع السكينة، 22 إبريل/نيسان 2011. تاريخ الدخول: 26 فبراير/شباط 2017.

http://www.assakina.com/center/parties/7574.html

49- يُنظر خبر الإعلان عن تأسيس تجمع أهل العلم في الشام، موقع الدرر الشامية، الإعلان عن تأسيس "تجمُّع أهل العلم في الشام"، 15 يوليو/تموز 2016. تاريخ الدخول: 26 فبراير/شباط 2017.

http://eldorar.com/node/100459

50- إلا أن الجبهة بعد ضربها لهؤلاء عادت وانضوت تحت "هيئة تحرير الشام"، وهي الخطوة التي لم تلقَ ترحيبًا من المقدسي.

51- ينظر صحيفة الشرق الأوسط، اتفاق يقضي بخروج جند الأقصى من حماه وإدلب إلى الرقة، 17 فبراير/شباط 2017. تاريخ الدخول: 26 فبراير/شباط 2017.

https://goo.gl/8rny1f