من أجل فهم الاستراتيجية التركية تجاه أزمة الخليج الجديدة

عزَّزت تركيا وقطر تعاونهما الاستراتيجي؛ لأنهما يواجهان نفس المخاطر التي أعقبت الربيع العربي.
8927ce9a15cc4892aec8e183d3ee071b_18.jpg
دعم متبادل لمواجهة المخاطر المشتركة (أسوشيتد برس)

تناقش الورقة العقلانية الاستراتيجية التي تقف خلف قرار تركيا بإرسال قواتها العسكرية إلى دولة قطر، والتي لا يمكن فهمها فقط من خلال التركيز على الأزمة الدبلوماسية الحالية بين قطر والمملكة العربية السعودية بل إن الأمر يتعلق بشكل أساسي بإعادة تشكيل النظام الإقليمي في فترة ما بعد الربيع العربي؛ حيث ترى تركيا نفسها أحد اللاعبين في إعادة رسم ملامح المنطقة جيوسياسيًّا. 

وتستشرف الورقة أنه في حال تحولت أزمة الخليج الجديدة إلى صراع بين تركيا وقطر من جهة، والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من جهة أخرى، فإن الخارطة الجيوسياسية للإقليم ستكون أكثر تشظِّيًا في المستقبل المنظور.والأهم من ذلك، أن أزمة الخليج ستؤثِّر على مستقبل دول مجلس التعاون الخليجي نفسها، على الأقل في المنظورين: القصير والمتوسط، وستثير التساؤلات حول قدرة المجلس ومصداقيته في التعاطي مع اختراق إيران للمنطقة. 

التعاون العسكري: السياقات والدلالات 

لم يكد يمضي يومان على إعلان كلٍّ من المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة والبحرين قطع علاقاتها مع دولة قطر، على خلفية مزاعم بأنها دولة داعمة للإرهاب، حتى بادر البرلمان التركي إلى المصادقة على اتفاقات عسكرية تسمح بنشر قوات عسكرية داخل القاعدة التركية في قطر من أجل تقديم تدريبات لقوات الأمن القطرية(1). وعلى الرغم من أن المذكرة البرلمانية، التي أعطت الضوء الأخضر لنشر قوات تركية خارج حدود البلاد، اعتمدت على معاهدة ثنائية بين قطر وتركيا موقَّعة في العام 2015(2) إلا أن توقيت تفعيلها أثار جدلًا حول ما إذا كانت تركيا قد اصطفَّت إلى جانب طرف معين في الأزمة القطرية. أما ما هو أكثر أهمية من هذا، فهو أن التوقيت الذي جاءت فيه مصادقة البرلمان التركي وتصديق الرئيس، رجب طيب أردوغان، السريع عليها، قد أثار العديد من الأسئلة المتعلقة بحقيقة الدوافع التي تقف خلف انخراط تركيا في الأزمة. 

من خلال نظرة أولى، ومن وجهة النظر الرسمية، فإن إرسال جنود أتراك إلى قطر يهدف إلى تطوير قدرات الجيش القطري وتعزيز التعاون العسكري، والأهم من ذلك، وفقًا لتعبير الرئيس أردوغان، هو "المساهمة في تحقيق أمن منطقة الخليج العربي بأكملها، وأنه لا يستهدف دولة خليجية بعينها"(3)، وباعتباره معطى واقعيًّا، فإن ردَّ الفعل التركي حيال الأزمة الخليجية، التي افتعلتها دولتا المملكة العربية السعودية والإمارات، كان منضبطًا للغاية؛ حيث إن تركيا تسعى إلى بناء سياسة خارجية أكثر توازنًا وواقعية تجاه المنطقة. 

حاولت تركيا، خلال الأزمة، لعب دور الوسيط من أجل تجاوز التصدع الذي طال العلاقات الدبلوماسية بين دول الخليج مؤخرًا، من دون إلحاق الضرر بعلاقات أنقرة المتينة مع المملكة العربية السعودية والدول الخليجية الأخرى. وباتخاذها تلك الخطوة، فإن صُنَّاع السياسة الأتراك، اعتقدوا أن على تركيا إعادة صياغة سياستها الخارجية ولعب ذات الدور الذي كانت تلعبه في المنطقة قبل موجة الربيع العربي. أمَّا إذا أعدنا النظر في الأمر مرة أخرى، فعلينا حينها فهم قرار تركيا بإرسال قواتها العسكرية وإقامة أول قاعدة عسكرية لها بالخارج، بعد مصادقة البرلمان على هذه الخطوة، في ضوء سياق أوسع متعدد الأبعاد يعتمد بقوة على رؤية تركيا الاستراتيجية الجديدة المتعلقة بالسياسات الإقليمية، والتي تقوم على إعادة صياغة واقعية للمصلحة الوطنية. هذا وقد يقود قرار البرلمان التركي، والطريقة التي تنظر بها تركيا إلى الأزمة القطرية، إلى إعادة تشكيل سياسات المنطقة. 

لهذا، فإن العقلانية الاستراتيجية التي تقف خلف قرار تركيا بإرسال قواتها العسكرية إلى دولة قطر، أثناء تطور الأزمة، بالإضافة إلى نمط السياسة الخارجية الذي تحاول أنقرة انتهاجه خلال الأزمة، لا يمكن فهمهما فقط من خلال التركيز على الأزمة الدبلوماسية الحالية بين قطر والمملكة العربية السعودية. وكما يزعم الرئيس أردوغان، فإن الأزمة لا تنحصر في كيفية تصوير قطر كتهديد للأمن الإقليمي وحسب، خاصة في الوقت الذي يوجد فيه إجماع حول خوض حرب شاملة ضد التطرف الراديكالي والقوى الراديكالية المتعددة المتقاتلة فيما بينها على المستوى الإقليمي، إن الأمر هنا يتعلق بشكل أساسي بإعادة تشكيل النظام الإقليمي في فترة ما بعد الربيع العربي؛ حيث ترى تركيا نفسها أحد اللاعبين في إعادة رسم ملامح المنطقة جيوسياسيًّا(4). ولذلك، فإن أول ردِّ فعل للرئيس التركي تجاه الأزمة يشير بشكل مباشر إلى تغليب البُعد الإقليمي للأزمة. وهكذا، فإن الأولويات التركية تُصاغ عبر الديناميات الجديدة الطارئة على المنطقة، والتي تتعدى تجلياتها إلى ما وراء الأزمة القطرية.  

الأولويات الاستراتيجية القطرية-التركية المشتركة 

في المقام الأول، تُعتبر خطوة تركيا الاستراتيجية هذه جزءًا لا يتجزأ من تغيير أنقرة لاستراتيجيتها في نشر أدوات قوتها العسكرية في منطقة الشرق الأوسط. كما يتعلق الأمر هنا أيضًا بالتحديات الجوهرية ذات التأثير السلبي على أولويات تركيا الأمنية على المستويين القومي والإقليمي على حدٍّ سواء، وذلك منذ أن نُكبت سوريا والعراق بحربين أهليِّتين. ولكي نطرح القضية دون مواربة، فإن الخبرة المكتسبة على مدى فترة طويلة، تقودنا إلى القول بأن الدبلوماسية وما يُسمَّى بالقوة الناعمة التركية وحدهما لا تكفيان لتأمين وتعزيز المصالح الوطنية التركية في المنطقة. لقد غيَّرت أنقرة مسار تحركاتها بخصوص الأزمة الإقليمية عبر التدرج في إدخال البُعد العسكري في اعتباراتها من أجل التصدي بفعالية لمختلف التهديدات الأمنية العديدة التي تواجهها. ولهذا، فإن الزاوية التي ترى تركيا الأزمة الخليجية الجديدة من خلالها تتشكل، في جانب كبير منها، بالاعتماد على الدروس المستقاة من تجربتها مع الربيع العربي التي كان فيها التوازن بين استخدام الوسائل الدبلوماسية والعسكرية، غير القابليْن للانفصال، مطلبًا حيويًّا. إلا أن هذا لا يعني بالضرورة أن تركيا تنظر إلى أزمة قطر من منظور عسكري بحت؛ بل إنها تضع الأزمة في إطار استمرار الصراع الإقليمي الجديد بين القوى الإقليمية الكبرى(5). وهذا هو السبب الرئيسي في أن التحرك الاستراتيجي التركي الحالي ليس بالضرورة ردَّ فعل سياسيًّا واستراتيجيًّا ضد الجناح المناهض للإخوان المسلمين في المنطقة، بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات؛ بل إن ذلك التحرك الاستراتيجي يؤكد استمرارًا في الرؤية التركية الجديدة للسياسة الإقليمية ضمن المعطيات الجيوسياسية الإقليمية الجديدة. 

في الواقع، فإن تركيا كانت تسعى إلى إعادة تقويم قوتها الصلبة منذ صعود حزب العدالة والتنمية إلى سدَّة الحكم في العام 2002. ومن وجهة نظر أوسع، فإن لتركيا حضورًا فاعلًا، على مستوى العمل الإنساني الإغاثي وفي مجالات التعليم وإعادة الإعمار وبعثات حفظ السلام، في كلٍّ من أفغانستان وكوسوفا والبوسنة والهرسك والعراق. إن عملية درع الفرات الموجهة ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، والحضور العسكري التركي في العراق للمشاركة في الحرب ضد الإرهاب، ما هما إلا مثالان بارزان يُظهران مستوى التغيير الطارئ على صعيد الموازنة بين عسكرة السياسة الخارجية من ناحية، والدبلوماسية من ناحية أخرى في حقبة ما بعد الربيع العربي. وعلى الرغم من أن الاتفاق العسكري بين قطر وتركيا مرتبط بشكل مباشر برغبة الأخيرة في تفعيل قدرات قوتها الصلبة في منطقة الخليج، إلا أنه يمثِّل أيضًا جزءًا عضويًّا في تغير نموذج تركيا الأمني. لكن، ومع ذلك، فإن العقلانية وراء الشراكة الاستراتيجية التركية تتخطى كل ذلك، فالحقائق الجيوسياسية وما طرأ على المشهد الإقليمي الجديد من تشظِّيات متناقضة يشكِّلان إلى حدٍّ بعيد الدافع الحقيقي خلف زيادة حجم الشراكة القطرية-التركية. كما أن ثمة دواعي كثيرة تدفع الطرفين إلى تعميق علاقاتهما الاستراتيجية: 

أولًا: يتقاسم البلدان وجهات النظر ذاتها حيال الربيع العربي؛ فضمن سياق التزاماتهما المعيارية والسياسية تجاه الحراك الديمقراطي المدني-الشعبي الذي شهده كامل المنطقة، فإن تركيا وقطر تدعمان القيم التي تأسَّس عليها الربيع العربي. وفي الوقت الذي تدعم فيه تركيا وقطر التغيير المعتدل في المنطقة، فليس مُجانبًا للصواب القول: إن عددًا كبيرًا من دول المنطقة يعمل على إدامة الوضع القائم في السياسة الإقليمية. لقد بات تباين وجهات النظر حول الدور السياسي لحركاتٍ مثل الإخوان المسلمين وحماس أبرز مظهر للمواجهة بين تركيا وقطر من جهة، وبين باقي القوى الإقليمية في المنطقة من جهة أخرى. وكما هو معروف تمامًا، فإنه في الوقت الذي تقود فيه السعودية خطًّا مضادًّا تجاه تنظيم الإخوان المسلمين، فإن تركيا وقطر تؤطِّران التنظيم باعتباره لاعبًا سياسيًّا طبيعيًّا. لقد كان الانقلاب العسكري المصري ضد محمد مرسي، في يوليو/تموز 2013، مثالًا بارزًا على دعم تركيا وقطر جانبًا مغايرًا في حين أيَّد الآخرون الجنرال السيسي. ولا يقتصر هذا المثال المعياري على مصر؛ حيث إن نظرة البلدين لما يجري في كلٍّ من ليبيا وسوريا وتونس تدلِّل أيضًا على اختلافهما عن دول الخليج الكبرى الأخرى، وذلك على الرغم من أن تلك الدول جميعها توجد في نفس الخندق جيوسياسيًّا، خاصة ضد التدخل الإيراني في سوريا والعراق واليمن. إن الأهم من ذلك هو أن دعم قطر لتركيا خلال محاولة الانقلاب العسكري، في 15 يوليو/تموز 2016، يمثِّل أيضًا وجهًا آخر لذلك التشارك المعياري بين أنقرة والدوحة. 

ثانيًا: يتقاسم البلدان نفس النظرة تقريبًا فيما يتعلق بالقضايا الأمنية في المنطقة؛ فقد أكد أردوغان، أثناء آخر زيارة له، على أهمية العلاقات بين تركيا وقطر عندما قال: " كانت قطر دائمًا، وخاصة خلال الأوقات الصعبة التي مررنا بها مؤخرًا، صديقًا قويًّا لتركيا. إننا مع قطر ننظر إلى جميع المشاكل الإقليمية من نفس الزاوية"(6). ونفس هذا المنظور مهم بشكل خاص في حالة ردع التوسع الجيوسياسي الإيراني نحو قلب الأرض العربية في الشرق الأوسط. وينظر الجانبان، التركي والقطري، إلى كل من الخليج والعراق وسوريا من نفس الزاوية التي تنظر منها الجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى بما فيها المملكة العربية السعودية. 

عند هذه النقطة، نرى أنه من المفيد النظر في: كيف تنظر دول الخليج إلى تركيا وإيران؟ فمن ناحية، تعتبر دول الخليج إيران واحدة من أكثر وأبرز القوى المزعزِعة للاستقرار في الإقليم بأكمله، ومن ناحية أخرى، فإن نفس تلك البلدان تقيِّم سياسة تركيا تجاه الخليج من خلال مفهومي "النفوذ" و"النشاط الوقائي" بدلًا من "الهيمنة". إن الهدف الرئيسي لإيران هو إظهار عدم توافق أجندة دول الخليج مع القضايا الإقليمية، وفي ذات الوقت تبين أن ليس لدى مجلس التعاون الخليجي أجندة مشتركة فيما يتعلق بقضية مواجهة طروحات طهران(7). ولذلك، فإن أزمة قطر تقوِّض تلك الأجندة المشتركة الساعية إلى الحد من النفوذ الإيراني في المنطقة. 

ثالثًا: تدرك تركيا وحلفاؤها التقليديون مثل الولايات المتحدة الأميركية، أن قطر مهتمة بتنويع مشترياتها الدفاعية والأمنية. وقد اختارت تركيا وقطر توثيق علاقاتهما في المجالات الدفاعية والأمنية؛ لأنهما تواجهان نفس التحديات الأمنية. ولذلك، فإن إقامة منشأة للصناعات العسكرية تحسِّن الدولتان من خلالها قدراتها الدفاعية يمثِّل الجانب الاستراتيجي لهذه العلاقة. 

في ضوء هذه الخلفية، فإن قرار تركيا إرسال قوات وإقامة قاعدة عسكرية في قطر بات اليوم أمرًا أكثر أهمية. وعلى الرغم من أن أنقرة تلتزم موقفًا متوازنًا تجاه الأزمة، فإن ثمة متغيرين مهمين شكَّلا موقفها: الأول: هو أن أنقرة بعثت برسالة قوية جدًّا مفادها أن قطر ليست بمفردها في الصراع الأيديولوجي والجيوسياسي الدائر بين الدول العربية، وخاصة في سياق الصراع داخل منظومة دول مجلس التعاون الخليجي. وفي الوقت نفسه، أظهرت تلك الرسالة أن بإمكان أنقرة لعب دور الموازِن الخارجي في تخفيف حدَّة الأزمة. أما في حال إمكانية عسكرة الأزمة، فقد أظهرت أنقرة أيضًا أنه بإمكانها حينها اتخاذ إجراءات عسكرية مساندة للجانب القطري. وبالتالي، فإن تركيا تأمل في تعزيز وتفعيل موقفها الداعم لقطر خلال الأزمة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، لم تختر تركيا اتخاذ موقف ضد المملكة العربية السعودية. وفي واقع الأمر فقد جازفت أنقرة في اتخاذها هذه الخطوة مجازفة خطرة، وعلى الرغم من عدم اتضاح الأسلوب الذي يمكن أن تجيب به القيادة العليا داخل منظومة السُّلطة في المملكة العربية السعودية على التحرك التركي، فإنه بالإمكان القول: إن السعودية لن تختار التضحية بعلاقتها مع تركيا في هذه الفترة التي أصبح فيها التهديد الإيراني خطيرًا للغاية. وفي نهاية المطاف، فقد أظهرت أزمة الخليج أنه على تركيا وقطر إعادة النظر في استراتيجياتهما في هذا الوقت الذي تتعرضان فيه لضغوط خارجية بالغة القسوة. 

التداعيات على السياسة الإقليمية 

مرَّة أخرى، أبانت أزمة الخليج، المُتمحورة حول السرديات المتنافسة للفاعلين الإقليميين الرئيسيين حول النظام الإقليمي لحقبة ما بعد الربيع العربي، عن هشاشة بنية منظومة الأمن الإقليمي خاصة في منطقة الخليج. فبالنسبة لقطر، أظهرت الأزمة حدود الاستقلال الذاتي وهشاشة هذا البلد الصغير استراتيجيًّا في بيئة جيوسياسية شديدة العداء. كما أظهرت أيضا ضرورة وحيوية استراتيجية تنويع العلاقات الدولية في موازنة الضغوط السياسية الخارجية. أما بالنسبة لتركيا، فقد اتضح لها أن المشهد الجيوسياسي الإقليمي لحقبة ما بعد الربيع العربي دينامي وغير ثابت، ولا يمكن التعامل معه ببساطة عبر الحفاظ على سياسة خارجية وأمنية تقتصر على بُعد واحد؛ فنظام التحالف التقليدي لا يعني اشتراك جميع البلدان في نفس الرؤية الاستراتيجية لردع التهديدات المحتملة. 

إذا ما تحولت أزمة الخليج الجديدة إلى صراع بين تركيا وقطر من جهة، والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من جهة أخرى، فإن الخارطة الجيوسياسية للإقليم ستكون أكثر تشظيًا في المستقبل المنظور. والأهم من ذلك، أن أزمة الخليج ستؤثِّر على مستقبل دول مجلس التعاون الخليجي نفسها، على الأقل في المنظورين القصير والمتوسط، وستثير التساؤلات حول قدرة المجلس ومصداقيته في التعاطي مع اختراق إيران للمنطقة. 

أما الأكثر أهمية مما تقدم، فهو أن أزمة قطر هي أحدث فصل من فصول الصراع السياسي والأيديولوجي الذي ازدادت وتيرته كثافةً مع بداية الربيع العربي؛ حيث باتت المنطقة برمتها تشهد "حربًا باردة" إقليمية تعمل فيها الأطراف المتنازعة على تعبئة وتوظيف كل أدواتها العسكرية والمالية والدبلوماسية للتنافس على السلطة وبسط النفوذ على نظام ما بعد الربيع العربي. ويمثل الصراع الأيديولوجي بين المعسكرين؛ المؤيد للتغيير والمؤيد لبقاء الوضع على ما هو عليه، أحد الديناميات الرئيسية للصراعات الحالية في منطقة الشرق الأوسط. لقد كان هذا الصراع يُشكِّل الصراعات الإقليمية في نفس الوقت الذي يتشكل هو أيضًا بها. 

في هذا الوقت نفسه، يزداد التنافس الجيوسياسي بين إيران ودول الخليج تجذُّرًا. وبهذا المعنى، فإن دول الخليج منخرطة في تنافسين متزامنين: تنافس داخلي بَيْنِيٌّ أطرافه دول الخليج، مع ما يحمله من تناقضات أيديولوجية فارقة، بالإضافة إلى تنافس آخر جيوسياسي مع إيران تُوظَّف فيه الطائفية. تجسد ذلك التنافس بين دول الخليج مؤخرًا في أزمة قطر، وهو ما من شأنه أن يزيد في إضعاف حصانة الخليج ويحوِّل تركيز دوله بعيدًا عن التهديد الفعلي القادم من إيران وباقي الوكلاء الإقليميين(8). وبعبارة أخرى، فإن المنافسة الخليجية البينية تقسِّم صفوف دول مجلس التعاون الخليجي وتشل قدرته على مواجهة تحديات أمنية وشيكة قد تشهدها المنطقة، بما فيها التوسع الإيراني والتطرف والإرهاب. لهذا، سيكون من مصلحة بلدان الخليج التركيز أكثر على مواجهة التحديات الأمنية الحقيقية عبر توحيد صفوفها وحل الصراعات الإقليمية القائمة.

______________________________________

د. مرات يشلتاش- مدير الدراسات الأمنية، مؤسسة سيتا، أنقرة، تركيا.

مراجع

1- “Turkish parliament ratifies Qatar military deals”, Anadolu Agenyc, 7 June 2017.

http://aa.com.tr/en/middle-east/turkish-parliament-ratifies-qatar-military-deals/836771

2- “Bad?n Aç?klamas?”, Genelkurmay Ba?kanl??? (Turkish Military Forces), 13  June 2017.

 http://www.tsk.tr/BasinFaaliyetleri/BA_25

3- “Turkey: Qatar military base for the security of Gulf”, Al Jazeera, 13  June 2017.

http://www.aljazeera.com/news/2017/06/turkey-qatar-military-base-security-gulf-170610150500657.html

4- Erdo?an: Katarla ili?kimizi geli?tirmeye devam edece?iz”, Hürriyet, 6  June 2017.

http://www.hurriyet.com.tr/son-dakika-cumhurbaskani-erdogan-katarla-iliskimizi-gelistirmeye-devam-edecegiz-40482032

5- “Cumhurba?kan? Erdo?an'dan Katar Krizi Konusunda Aç?klama”, Milliyet, 6  June 2017.

http://www.milliyet.com.tr/cumhurbaskani-erdogan-dan-katar-krizi-ankara-yerelhaber-2091244/

6- “Cumhurba?kan? Erdo?an Katar'da”, Sabah, 15 February 2017.

 http://www.sabah.com.tr/gundem/2017/02/15/cumhurbaskani-erdogan-katarda-canli

7- Galip Dalay, “Türkiye neden Katar’da askeri üs kuruyor?”, Al Jazeera Türk, 17 June 2015.

http://www.aljazeera.com.tr/gorus/turkiye-neden-katarda-askeri-us-kuruyor

8- Talha Köse and Ufuk Uluta?, “Regional Implications of the Qatar Crisis: Increasing Vulnerabilities”, SETA Perspective, 12  June  2017.