تأثيرات الأزمة الخليجية على الصومال: قراءة في مواقف الأقاليم الفيدرالية

اتخذت حكومة الصومال المركزية قرارها المحايد تجاه أزمة الخليج، لكن ثلاثة أقاليم من ضمن أقاليم الصومال الخمسة أعلنت اصطفافها إلى جانب محور دول الحصار تحت ضغط إماراتي سعودي، فهل ستتوقف جهود الحلف السعودي-الإماراتي للضغط على مقديشو للعدول عن موقفها؟ هذا ما يجيب عنه هذا التقرير.
dc63d1efdb944c11a90f69279637f561_18.jpg
للإمارات قاعدة عسكرية في بربرة كما تدير ميناءها البحري (غيتي)

مقدمة

لم تعد الأزمة السياسية المحتدمة بين الدوحة ودول الحصار الأربع شأنًا خليجيًّا خالصًا، بل تحولت إلى شأن إقليمي يؤثِّر على سياسات دول عديدة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بل وفي القرن الإفريقي أيضًا؛ فالصومال كغيره من الدول الإفريقية تأثَّر بشكل لافت بتبعات الأزمة الخليجية التي تمضي قدمًا نحو شهرها الرابع. الواضح أن التحليل السياسي الدقيق غاب عن أذهان كثير من الباحثين بشأن تقييم حجم تبعات الأزمة الخليجية على الصومال، الذي يحاول انتشال نفسه من أزمات سياسية وأمنية ليجد نفسه في عنق الزجاجة؛ إذ أضافت الأزمة الخليجية منعطفات جديدة على أزمته الراهنة، فأصبح بمثابة من يقبع بأكوام من النار، أينما ولَّى وجهه ارتطم بحريق سياسي مفتعل. 

لم تنجح دبلوماسية عُصبة دول الحصار، وخاصة المحور السعودي-الإماراتي، في تغيير الموقف الصومالي الحيادي، على الرغم من الجهود الدبلوماسية والضغط السياسي اللذين مورسا على نحو مكثف لإعلان موقف جديد، بعد تبني الصومال موقفًا صريحًا حياديًّا في الـ6 من يونيو/حزيران 2017؛ ما شكَّل فاجعة وصدمة أمام السعودية التي غالبًا ما كان الصومال يعلن مواقف متوافقة مع سياستها الخارجية، وخاصة في أزمتها السياسية مع إيران حين أعلنت مقديشو طرد البعثة الدبلوماسية الإيرانية منتصف العام 2016، بالإضافة إلى تأييد الصومال للتحالف السعودي في حربه على الحوثيين في اليمن. 

وبعد أن استنفدت تلك الجهود الدبلوماسية لثني حكومة الصومال عن موقفها، بدأت تركز على الولايات الفيدرالية الخمس المنضوية تحت الحكومة الفيدرالية لجذبها نحو المواقف المناوئة لقطر، وأعلنت ثلاثة أقاليم عن مواقف مغايرة للموقف الصومالي الرسمي، وبدأت الاضطرابات السياسية تضرب البلاد مجددًا، وتجلَّت صورة الفيدرالية في القرن الإفريقي، المبنية على تقوية الأقاليم لإضعاف الدولة المركزية أو الحكومة الفيدرالية. 

في هذه الورقة، نحاول -قدر الإمكان- تسليط الضوء على مواقف الولايات الفيدرالية بشأن إعلان موقفها من الدوحة، إلى جانب الديناميات والمحركات والأسباب التي تقف وراء تلك المواقف، من أجل فهم دلالاتها السياسية وتداعياتها على الأزمة الصومالية.

مواقف الولايات الفيدرالية من الأزمة الخليجية 

أولًا: إقليم بونتلاند

أعلنت الإدارة الإقليمية في بونتلاند، التي تتمتع بحكم شبه ذاتي منذ عام 1998، عن تضامنها مع التحالف السعودي-الإماراتي، وذلك بحكم التعاون الإماراتي مع السلطات في بونتلاند، والتي أبرمت أواخر العام 2016 اتفاقية لإدارة ميناء بوصاصو، بالإضافة إلى الدور الذي تلعبه دولة الإمارات في توفير رواتب وتدريبات عسكرية للقوات الأمنية في بونتلاند(1). 

ثانيًا: إقليم جلمدغ

أعلن مكتب الرئيس المنتخب الجديد في إقليم جلمدغ الذي لم يُمضِ فيه الرئيس أحمد دعاله جيلي "حاف" سوى بضعة أشهر فقط عن تأييده للمحور السعودي، ورفضه للموقف الرسمي الحيادي؛ مما خلق أزمة سياسية في الإدارة الإقليمية الناشئة التي انقسمت إلى قسمين، بعد أن رفض رئيس البرلمان قرارَ رئيس الإقليم، وهو موقف أيده نائب رئيس إقليم جلمدغ، مما جعل الإقليم يعيش في أتون أزمة سياسية ومخاوف من وقوع أحداث أمنية تعيده إلى المربع الأمني الأول(2). 

ثالثًا: إقليم غربي الصومال

في الـ18 من سبتمبر/أيلول 2017، أعلن رئيس إقليم غربي الصومال، شريف حسن، عن انضمام حكومته إلى المحور السعودي-الإماراتي، وقال بيان الرئيس: إن موقف الصومال الحيادي حول الأزمة الدبلوماسية بين دول الحصار ودولة قطر لا يخدم مصلحة الشعب ولا يراعي خصوصية العلاقة مع السعودية والإمارات، وأهمية الجهود التي يبذلها البلدان في دعم الشعب الصومالي. 

ورغم أن القرار السياسي الذي تبنته إدارة جنوب غربي الصومال واضح في اصطفافه، إلا أن السواد الأعظم من سكان المنطقة ونواب الإقليم، لا يرغبون في شدِّ الرحال إلى المعسكر السعودي-الإماراتي، نظرًا للدور القطري الإنساني في المدن الجنوبية التي تقع تحت سيطرة الإدارة الإقليمية، وهي من أكثر المناطق التي استفادت من جهود قطر الخيرية المدرجة في قائمة الإرهاب لدى دول الحصار(3). 

رابعًا: إقليم جوبالاند

على الرغم من متانة العلاقات السياسية بين حكومة جوبالاند برئاسة أحمد مدوبي والإمارات، إلا أن الولاية صمتت، ولم تعلن عن موقفها الرسمي بعدُ حيال الأزمة الخليجية، كما لم تعترض على موقف الحكومة الصومالية الحيادي، بل إن الرئيس، أحمد مدوبي، لا يريد خوض صراعات سياسية مع دول الخليج، كما أنه يتحاشى الحديث عن المشكلة السياسية القائمة في البلاد، والتي تعد الفيدرالية جزءًا من مسبباتها الرئيسية. 

خامسًا: إقليم هيرشبيلي

أوضح الرئيس الجديد لإقليم هيرشبيلي المضطرب سياسيًّا، الدكتور محمد عبدي واري، عن عدم سعي حكومته إلى تبني موقف سياسي يخالف الموقف الرسمي الحيادي، وأوضح في تصريح صحفي لوسائل إعلام صومالية أن موقف الحكومة الصومالية هو الذي يُمثِّل سياسة البلاد الخارجية، وأنه لا يغرد خارج السرب. 

وغير بعيد من موقف هذه الولايات الثلاث، اتهم الرئيس الصومالي الأسبق، شريف شيخ أحمد، الحكومة الفيدرالية بمجازفة اتخاذ قرار لا يخدم المصالح القومية تجاه الأزمة الخليجية؛ فقد قال شريف شيخ أحمد في تغريدة عبر حسابه على الفيسبوك: "يبدو لي أن القرار الحكومي تجاه الأمة الخليجية مجازَف به لا يخدم مصلحة الوطن". وقد دعا شيخ أحمد إلى مراجعة موقف الحكومة تجاه الأزمة الخليجية وفتح مشاورات في هذا الصدد مع المجالس الوطنية ورؤساء الولايات الإقليمية لحماية المصالح الاستراتيجية للصومال(4). في المجمل، ما لا يختلف عليه المحلِّلون السياسيون أن الأزمة السياسة الراهنة التي تجلت صورتها بعد الأزمة الخليجية، تتسارع بوتيرة غير مسبوقة، وتمر بمنعطفات خطيرة، ووصلت حدَّ التراشق والتخوين عبر وسائل الإعلام المحلية بين الإدارات الصومالية وأعضاء من الحكومة الفيدرالية، ما يعكس مدى التأثير الذي أرْخَت الأزمة الخليجية به سدولها على الوضع السياسي في الصومال(5). 

المحركات والديناميات 

الحديث عن الأسباب والمحركات الرئيسية للأزمة السياسية الراهنة في البلاد، نتيجة المواقف التي تبنتها بعض الولايات الفيدرالية تجاه الخلافات الخليجية، هو حديث تشعبت تفاصيله واختلطت خيوطه، فله أسباب داخلية وأخرى خارجية. 

ويمكن تقسيم الأسباب التي فجرت الصراع بين الولايات الفيدرالية والحكومة الصومالية إلى سببين أساسيين: 

أولًا: البُعد الداخلي

ثمة جملة من الأسباب الداخلية التي تسبق النفوذ الخليجي الذي مورس في لاستقطاب الولايات الفيدرالية، وهي عوامل كفيلة، لاستمرار المواقف المتناقضة التي تصدرها بعض الولايات الفيدرالية، ويمكن حصر تلك الأسباب في البنود الآتية: 

أ‌. ملف إدارة العلاقات الخارجية الصومالية

بعد أن اكتملت أركان الولايات الفيدرالية في الصومال، برز إلى العلن أزمات سياسية كثيرة بين الدولة والأقاليم الفيدرالية، منها ملف إدارة العلاقات الخارجية الصومالية، وهو ملف شائك، ما زال الغموض يلفُّه؛ فهل الحكومة الصومالية وحدها هي التي تقرر الشأن السياسي الخارجي، أم أن للأقاليم الفيدرالية دورًا في اتخاذ قراراتها دون الرجوع إلى الحكومة الفيدرالية؟ وهل يحق لتلك الأقاليم ابتعاث مسؤولين يمثِّلون سياستها إلى الخارج؟ وما حدود الحكومة الصومالية في اتخاذ قرارات مصيرية تخص شأن الأقاليم الفيدرالية؟ 

واللافت أن رؤساء الأقاليم الفيدرالية ينسِّقون مع السفراء والمبعوثين الدبلوماسيين في العاصمة مقديشو، كما أن السفراء يجرون لقاءات مشبوهة مع الأنظمة الفيدرالية دون استشارة أو إذن مسبق من الحكومة الصومالية، وهو ما يشكِّل ضبابية في كيفية إدارة العلاقات الخارجية بين الإدارات الصومالية، على الرغم من الأصوات المنادية بعدم أحقية الأقاليم الفيدرالية في إجراء لقاءات مع السفراء والمبعوثين الدوليين والإقليميين. 

وبحسب محلِّلين، فإن بعض الأقاليم الفيدرالية تطالب بامتيازات خاصة والتمتع بصلاحيات واسعة، وطرحت تلك الأقاليم إمكانية أن يكون لها ممثل دبلوماسي في كل سفارة صومالية في الخارج، بشأن متابعة مصلحة الأقاليم وقضاياه عن كثب، وهو ما يشبه نموذج إقليم كردستان العراق، من دون وجود فوارق جغرافية أو عرقية أو لغوية بين الصوماليين، إلا أن ذلك المطلب لم يخرج إلى العلن رسميًّا رغم أنه ممكن في بلد مثل الصومال المضطرب سياسيًّا وأمنيًّا. 

وعلاوة على ما أسلفنا، فإن غياب دولة مركزية فاعلة في البلاد، يغري تلك الأقاليم بمواصلة مواقفها المضادة للحكومة الصومالية، كما أن عدم وجود قوانين وشروح تبين حدود كل من الأقاليم الفيدرالية والحكومة الصومالية يسهم في إذكاء النعرات السياسية والحملات المغرضة بين الأقاليم والحكومة، ما يفتح للدول الإقليمية وتلك التي تبحث عن مصالحها الخاصة أبوابًا واسعة لممارسة سياستها وإن كانت على حساب سيادة القرار الصومالي. 

ب‌. ضبابية الدستور الصومالي

لعب الدستور الصومالي، غير المكتمل والمبهم أيضًا، دورًا في خلق أزمات سياسية، فلكل فقرة أو مادة ما يناقضها من البنود، وكأنه وُضع لكي يستنزف مقدرات ومصلحة الشعب الصومالي. وفيما يتعلق بشأن السياسة الخارجية، يمنح الدستور الصومالي في مادته الـ54 الحكومة الصومالية حقَّ اتخاذ القرارات السياسية في الشؤون الخارجية والدفاع والجنسية، وهو البند الذي تستند إليه الحكومة في شرعية موقفها الحيادي مقابل البيانات الصحفية التي أصدرتها الولايات الفيدرالية المؤيِّدة للمحور السعودي-الإماراتي. 

غير أن الدستور نفسه وفي مادته الـ53 يلمح إلى أن الحكومة الصومالية تأخذ المشورة من الأقاليم الفيدرالية فيما يخص القضايا المصيرية وأن يكون للولايات الفيدرالية ممثلون لها في الاتفاقيات التي تبرمها الحكومة مع العالم الخارجي(6). 

ولعل هذا الدستور وحده كفيل بزعزعة الأمن السياسي في البلاد، من دون كيل التهم جزافًا على المسببات الخارجية في خلق نزاعات سياسية تؤدي في النهاية إلى إفشال مخططات الحكومة المستقبلية لتوفير بيئة سياسية وأمن يمكِّنها من تنظيم انتخابات شعبية عام 2021. 

ج‌. انعدام الثقة بين الولايات الفيدرالية والحكومة الصومالية

بحكم طبيعة القبائل والأطماع الشخصية والتطرف السياسي لبعض الأقاليم الفيدرالية، فإن هناك بوادر نشوب نزاع سياسي قريب في الصومال، أساسه انعدام الثقة بين تلك الولايات والحكومة الصومالية برئاسة حسن علي خيري، فأحيانًا تكون الأدوار التي تبحث عنها الأقاليم الفيدرالية مفتعلة وأحيانًا أخرى تصبح حقيقية، على سبيل المثال، إذا أُسند منصب ما لسياسي من إقليم بونتلاند، تجد القضية المفتعلة مسارها نحو الخفوت، أما إذا أُسند لمسؤول آخر تصبح الأزمة مفتعلة بشراسة بين إقليم بونتلاند والحكومة الصومالية. 

إن عدم وجود خيوط سياسية متشابكة ومسارات صحيحة بين الإدارات الصومالية يجعل من القضايا ذات البعد الخارجي أمرًا حساسًا لا تهدأ فصول صراعه بين عشية وضحاها؛ فالأزمة السياسية في الخليج حاليًّا ما هي إلا عامل ثانوي لتأجيج صراع محتدم أصلًا بين الصوماليين وهو صراع قائم على الثروات والمحاصصة القبلية. 

ثانيًا: البُعد الخارجي

ليس خافيًا على أحد، حجم الدور الإماراتي في الشأن الصومالي منذ افتتاح البعثة الإماراتية في مقديشو قبل أعوام، فكان لهذا الدور أبعاد مختلفة، وإن كان الدور السياسي طغى على العمل الإنساني الذي مثَّلته الهيئات الخيرية، وفي مقدمتها الهلال الأحمر الإماراتي، العاملة في مجال الإغاثة بالصومال. 

إن فهم طبيعة الدور الإماراتي في القرن الإفريقي عمومًا والصومال خاصة يحتاج إلى بحث مستقل ودراسة مستفيضة، لكن في هذا الصدد يمكن القول: إن لها دورًا فاعلًا في تجييش الولايات الفيدرالية ضد الموقف الرسمي، من أجل الضغط على الحكومة الصومالية للتراجع عن موقفها الحيادي، أو تبني موقف آخر يُرضي الأطراف المحاصِرة لدولة قطر على الأقل من خلال تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي لديها مع الدوحة، اتقاءً لشرِّ الضغوط الخليجية المستمرة عليها. 

ويشير المراقبون إلى أن الإمارات العربية المتحدة تدرس حاليًّا إنهاء برنامجها لدفع وتدريب وتجهيز وحدة القوات الخاصة للجيش الوطني الصومالي. وليس من الواضح ما إذا كانت قوة شرطة بونتلاند والبحرية المدربة من قِبل الإمارات المتحدة ستتأثر بذلك أم لا، ولكن قد يكون ذلك مستبعدًا جدًّا بسبب الروابط الوثيقة بين دولة الإمارات والإدارات الإقليمية وفي مقدمتها بونتلاند، وهذا ما يفسر امتعاض إمارة أبو ظبي من موقف الحكومة الصومالية المحايد بشأن خلافها مع الدوحة(7). 

ورجَّح خبراء سياسيون أن يكون لحكومة الإمارات دور في دفع الولايات الفيدرالية إلى إعلان مواقف مخالفة للموقف الرسمي، ويدعمون رأيهم بالزيارات التي أجراها رؤساء كل من حكومة جلمدغ وبونتلاند وغربي الصومالي إلى الإمارات، وإجراء مقابلات ودية مع الجانب الإماراتي، ما يعكس رغبة الأخيرة في تغيير الموقف الرسمي الحكومي، وقد أعلن رئيس جلمدغ موقفه وهو تحت استضافة الحكومة الإماراتية، ما يوحي بأن موجة الاستقطاب تمر بمنعطفاتها الأخيرة للضغط على الحكومة الصومالية، لثنيها عن تمسكها بالموقف الحيادي. 

ومن الواضح أن للأزمة السياسية الراهنة بُعدًا اقتصاديًّا آخر؛ إذ إن رجال الأعمال الصوماليين المقيمين في الإمارات يمارسون ضغوطًا على رؤساء الولايات الفيدرالية لإعلان موقف مواز مع المحور السعودي-الإماراتي، خوفًا على مصالحهم الاقتصادية، إذ إن قطاع الأعمال له علاقة مباشرة بما يجري في الولايات الفيدرالية، وله نفوذ واسع في سياسة تلك الأقاليم الهشة التي لا تجد موارد مالية لسد عجزها المالي وخاصة حكومة بونتلاند وجلمدغ وحكومة جنوب غربي الصومال. 

أيًّا، كانت الأسباب والمحركات الرئيسية للأزمة السياسية المفتعلة بين حكومة مقديشو والأقاليم الفيدرالية، بشأن اتخاذ القرارات والمواقف تجاه الأزمة الخليجية، فإن الحكومة الصومالية من المستبعد أن تغير موقفها السيادي، والذي يرى الكثيرون من المجتمع الصومالي أنها أثبتت به استقلالية قرارها السياسي بدل أن تكون "إمَّعة" في شرخ خليجي غير مسبوق. 

ما الذي استجد من الموقف الرسمي الصومالي؟ 

بعد أن صالت وجالت البيانات الصحفية للولايات الفيدرالية، آنفة الذكر، مواقع التواصل الاجتماعي، نأت الصومال بنفسها مجددًا عن الغوص في مستنقع الأزمة الخليجية، وجددت تمسكها بالموقف الحيادي، وذلك من خلال بيان صحافي أصدره مجلس الوزراء في الـ21 من سبتمبر/أيلول 2017، أكدت الحكومة فيه أن مجلس الوزراء الصومالي يؤيد بشدة القرار الذى تبنَّته الحكومة الفيدرالية، في شهر يونيو/حزيران 2017، نحو أزمة الخليج؛ حيث أعلنت الحكومة الفيدرالية عن موقف الحياد، ودعت دول مجلس التعاون الخليجي إلى إنهاء الأزمة بالطرق الدبلوماسية وعبر طاولة المفاوضات. 

هذا الموقف أُثير مجددًا في برقية رسائل وُجِّهت لوزير الخارجية الصومالي، يوسف غراد، وأكد أن بلاده غير مستعدة لدخول سجال سياسي خليجي-خليجي، بغضِّ النظر عن الظروف الأمنية والسياسية التي يعاني منها الصومال، وهي ظروف لا تخوله أن يلعب دور الوسيط، مشيرًا إلى أن بلاده تحث الأطراف الخليجية على حل خلافاتها بالحوار الإيجابي(8). 

تداعيات الأزمة السياسية الراهنة 

بما أن لكل فعل ردَّ فعل مساويًا له، فإن الصومال يواجه جملة من التداعيات السياسية نتيجة قراره المحايد؛ فمنذ يونيو/حزيران 2017، تعيش البلاد في مأزق سياسي يتفجر يومًا بعد الآخر، ويمكن حصر أبرز التداعيات في البنود الآتية: 

1. توسُّع حلقات الأزمة السياسية: إذ تتواصل الاجتماعات التي يعقدها السياسيون في الفنادق المحلية والإقليمية، لبحث مسألة وتداعيات الأزمة الراهنة، كما أن قادة الحكومة الصومالية يجرون لقاءات مكثفة مع منظمات المجتمع المدني لكبت الضغط السياسي الذي تواجهه، بموجب موقفها المحايد، ويتوقع المحلِّلون توسع حلقات الأزمة السياسية والخلافات داخل البيت الصومالي، نتيجة المواقف والمواقف المضادة بين الإدارات الصومالية. 

2. تدخل البرلمان بشأن الضغط الخليجي: بسبب الوضع السياسي المتلبِّد في البلاد، أقدمت كتل برلمانية في مجلس الشعب الصومالي على طرح مشروع للمناقشة عن الدور الإماراتي في البلاد، وتداعياته السياسية والأمنية على البلاد، وبما أن موجات الضغط هذه للبحث عن مسألة الدور الإماراتي، فإنه من المتوقع أن يناقش البرلمان الصومالي هذا المشروع في جلساته المقبلة، على الرغم من الجهود المتواصلة للحيلولة دون وصول هذا المشروع المطروح حاليًّا إلى أجندات البرلمان الصومالي(9). 

ورغم أن البرلمانيين يصرون على تقديم مشروع النقاش عن "الدور الإماراتي" في مجلس الشعب إلا أن ثمة من يستبعد إمكانية نجاح هذا المشروع؛ إذ أخفق البرلمان السابق في تضمين أجنداته مشروع نقاش عن اتفاقية دولة الإمارات مع جمهورية ما يُسمَّى بأرض الصومال في إقامة قاعدة عسكرية في مدينة بربرة، لكن طرح المشروع الجديد مرهون بمدى قوة وصلابة الكتل البرلمانية في الضغط على الحكومة الصومالية لوقف التمدد الإماراتي السياسي في البلاد. 

3. عقوبات إماراتية-سعودية: لم يعد فرض عقوبات من دول الحصار على الحكومة الصومالية من بين أسوأ الاحتمالات المطروحة، بل أصبح أمرًا يمكن توقعه في أية لحظة، في حال إخفاق الجهود الدبلوماسية والإغراءات المالية والامتيازات الاقتصادية الخاصة، فالبلاد تصدِّر سنويًّا آلافًا من الماشية إلى دول الخليج وخاصة إلى المملكة العربية السعودية؛ إذ صدَّر الصومال بين عامي 2012-2015 نحو 5 ملايين رأس من الماشية، بينما يقيم في الإمارات العربية المتحدة 50 ألف صومالي، ثلثهم يعمل في قطاع الأعمال والمال، كما أن البنوك المحلية تمرِّر حوالاتها البنكية من أبو ظبي، مما يعني أن الاقتصاد الصومالي مرتبط بشكل أو بآخر بدول الخليج، وخاصة السعودية والإمارات. 

وعلى الرغم من التخوف المحلي من فرض هذه العقوبات، إلا أن البعض يستبعد إمكانية أن تلجأ دول الحصار إلى هذا الخيار، ضد بلد يتعافى من آثار حرب أهلية مدمرة واقتصاد يحاول النهوض من أزمات اقتصادية طالت الكثير من قطاعاته. 

خلاصة 

يمكننا القول: إن أهمية الموقع الجغرافي للقرن الإفريقي، الذي يعتبر الحديقة الخلفية للخليج العربي، لم تجد قدرها الكافي من الاهتمام من دول الخليج، إلا بعد نشوب الحرب الأخيرة في اليمن عام 2014، واندلاع صراع التحالف العربي بقيادة السعودية مع الحوثيين منتصف عام 2015، فما كان مهملًا في سياسات الخليج الخارجية بات اليوم مهمًّا واستراتيجيًّا، حتى أقبلت عليه بقواعد عسكرية من ميناء عصب الإريتري مرورًا بجيبوتي ووصولًا إلى بربرة في أرض الصومال. 

وفي خضم هذا الصراع، تأتي أزمة الخليج الراهنة لتزيد طين أوجاع الصومال الاقتصادية والسياسية والإنسانية بلَّة؛ فحلقات الأزمة الصومالية السياسية تتسع مع استمرار الحصار على الدوحة، لكن موقف الصومال المحايد له ما يؤيده ويستمد قوته من الشارع الصومالي المتضامن مع قطر في أزمتها الراهنة، وتستدل الحكومة الصومالية على نجاعة قرارها المحايد، برفض نظام سياد بري، عام 1978، قطع علاقات دولته مع مصر بعد اتفاقية كامب ديفيد، بعد قطيعة عربية مع القاهرة، وهو الموقف الذي أشادت به دول كثيرة بعد انتهاء الأزمة السياسية العربية مع مصر(10). 

ويبدو اليوم أن عجلة التاريخ تدور في الخليج، والصومال في موقفه المحايد، فهل ستتوقف جهود الحلف السعودي-الإماراتي للضغط على الحكومة الصومالية للعدول عن موقفها؟ وحدها الأيام حبلى بالإجابة على هذا السؤال.

_________________________

 الشافعي ابتدون- باحث وكاتب صومالي

مراجع

1 – ولاية بونتلاند تتضامن مع التحالف الذي تقوده السعودية ضد قطر، موقع "بونتلاند ترست"، تاريخ النشر 17 سبتمبر 2017، (تاريخ الدخول: 23 سبتمبر/أيلول 2017):

 http://www.puntlandtrust.com/2017/08/blog-post_17.html

2 - خلافات بين إدارة جلمدغ حول موقفها تجاه الأزمة الخليجية، موقع مقديشو سنتر، تاريخ النشر 23 سبتمبر 2017، (تاريخ الدخول: 23 سبتمبر/أيلول 2017):

goo.gl/UecxyL

- قطر الخيرية تنفِّذ مشاريع عاجلة لمواجهة مجاعة الصومال، موقع جريدة العرب القطرية، تاريخ النشر 12 سبتمبر 2017، (تاريخ الدخول: 24 سبتمبر/أيلول 2017):

goo.gl/X6gu15

4 – الرئيس الصومالي الأسبق يتهم الحكومة بالمجازفة في قرارها تجاه الأزمة الخليجية، موقع الصومال الجديد تاريخ النشر 23 سبتمبر 2017، (تاريخ الدخول: 25 سبتمبر/أيلول 2017):

http://alsomal.net/archives/19100

- ولاية جنوب غرب الصومال تقطع العلاقات مع قطر، موقع وكالة "رحاب نيوز"، تاريخ النشر 18 سبتمبر 2017،  (تاريخ الدخول: 25 سبتمبر/أيلول 2017):

goo.gl/eh8gKK

6 - مسودة الدستور الصومالية بالنسخة الصومالية، موقع اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، (تاريخ الدخول: 25 سبتمبر/أيلول 2017):

http://www.niec.so/So/images/Downloads/dastuurka.pdf

7 - تأثيرات الأزمة الخليجية على القرن الإفريقي، موقع "مقديشو أونلاين تاريخ النشر 20 سبتمبر 2017، (تاريخ الدخول: 26 سبتمبر/أيلول 2017):

http://muqdishoonline.com/ar/news/23/268/تأثيرات-الأزمة-الخليجية-على-القرن-الإفريقي

- مقابلة مع وزير الخارجية الصومالي، يوسف غراد، موقع "بونت سوم"، تاريخ النشر 18 سبتمبر 2017، (تاريخ الدخول: 26 سبتمبر/أيلول 2017):

http://www.puntsom.com/daawoyuusuf-garaad-oo-bixiyay-hanjabaadii-ugu-adkayd-kana-hadlay-khilaafka-khaliijka-iyo-arinta-maamulada/

9 - البرلمان الصومالي يسعى لمناقشة مشروع ضد التدخل الإماراتي في البلاد، موقع جوهر، تاريخ النشر 20 سبتمبر 2017، (تاريخ الدخول: 26 سبتمبر/أيلول 2017):

http://www.jowhar.com/2017/09/25/xildhibaanada-baarlamaanka-oo-wada-mooshin-ka-dhan-ah-faragelinta-imaaraadka-carabta/

10 - الصومال تتمسك بموقف الحياد وترفض مواقف الولايات الفيدرالية بأزمة الخليج، موقع "مقديشو أونلاين"، تاريخ النشر 21 سبتمبر 2017، (تاريخ الدخول: 26 سبتمبر/أيلول 2017):

http://muqdishoonline.com/ar/news/14/316/الصومال-تتمسك-بموقف-الحياد-وترفض-مواقف-الولايات-الفيدرلية-بأزمة-الخليج