أبعد من خلافة خامنئي: صراع على "ولاية الفقيه"

لا يمكن مناقشة عامل التنافس على مستقبل إيران، وخلافة خامنئي، بعيدًا عن بؤرة "الصراع على ولاية الفقيه". تبحث هذه الورقة في مؤشرات الصراع الدائر بشأن خلافة المرشد، وأبعاده، ومآلاته، ورغم أن الاحتجاجات التي شهدتها إيران قد هدأت إلا أن الصراع السياسي يتصاعد.
8 فبراير 2018
920a2c0b8812401a84c68f141ef9c670_18.jpg
مرشد الثورة الإسلامية يلقي خطابا في الذكرى السنوية لرحيل آية الله الخميني (رويترز)

مقدمة

مما تكشَّف عقب الاحتجاجات التي شهدتها إيران في أواخر العام 2017 أن شخصيات أصولية راديكالية ضالعة في الدعوة إلى الاحتجاجات بهدف التضييق على الرئيس الإيراني، حسن روحاني. وقد يكون لذلك أسباب كثيرة منها عدم الرضى عنن سياسته وأدائه الاقتصادي، لكن ذلك قد يكون ثانويًّا إذا ما جرى النظر إلى الأسباب من منظار التنافس على مستقبل إيران، وخلافة خامنئي، وبصورة أكبر إذا ما نوقش من بؤرة "الصراع على ولاية الفقيه"، مع الإشارة إلى الدور المستقبلي لروحاني وحظوظه على هذا الصعيد. تبحث هذه الورقة في مؤشرات الصراع الدائر بشأن خلافة المرشد، وأبعاده، ومآلاته.

مؤشرات الصراع

مؤخرًا، صدرت إشارات كثيرة تقول بأن "الصراع على ولاية الفقيه" محتدم اليوم في إيران، ولعل أهم هذه الإشارات قد صدر من مراجع دينية معروفة، منه ما صدر عن آية الله مصباح يزدي يحمل علامات واضحة على هذا الصراع واتجاهه، فقد شَنَّ هجومًا على جهات لم يحددها بالاسم، لكنه شخَّص موضوعَ الخلاف معها بصورة جلية وهو "ولاية الفقيه"، وهناك خلاصات مهمة في كلام يزدي الذي نشره على موقعه الرسمي على الإنترنت(1)، نضعها كالتالي:

  • هناك من يريد إجراء استفتاء بهدف تغيير ولاية الفقيه.
  • هناك مسؤولون إيرانيون لا يؤمنون بولاية الفقيه ويعتبرونها ديكتاتورية، وهؤلاء المسؤولون لا يقولون ذلك في الداخل، لكنهم يعتقدون أنهم يفهمون في أمور إيران أكثر من مرشد الثورة، فهم يحملون درجة الدكتوراه في حين لا يحمل القائد هذه الدرجة.
  • كلمات بعض المسؤولين تكشف أنهم لا يؤمنون بأسس الثورة.
  • يرى مسؤولون رفيعو المستوى أن الديمقراطية هي تتويج للفكر الإنساني، وكل نظرية سياسية غيرها أقل تطورًا وعفا عليها الزمن، ولكن عندما يحول القانون دون ذلك فالطريق إلى تغييره هو الاستفتاء.
  • لابد من مراجعة للسنوات الأربعين التي مضت والتخطيط للمستقبل، "حتى لا يأتي يوم ونكتشف أن إنجازات الثورة ضاعت هباءً".
  • تمجيد لدور حرس الثورة والقول بتعدد أوجه فعالياته ووظائفه.

الإشارات الأخرى وردت على لسان المدعي العام المسؤول عن محكمة رجال الدين، حجة الإسلام والمسلمين، علي أصغر جزائي، وجاءت في ندوة عقد في قُمْ بعنوان: الحوزة والمرجعية: التهديد والمخاطر(2)، ونلخصها كالآتي:

  • مشروع العدو هو هزيمة رجال الدين من خلال رجال الدين.
  • بعض رجال الدين أعداء متسللون ويعتبرون ولاية الفقيه غير شرعية.
  • بعض رجال الدين هم أدوات للعدو الذي يعمل للإطاحة بمكانة رجال الدين من خلال صناعة ألقاب ومرجعيات تقدِّم فتاوى هدفها تدمير هذه المكانة؛ لأن العدو وصل إلى نتيجة بأنه لا يمكن الإطاحة بدور رجال الدين إلا من خلال رجال دين آخرين.
  • هم يعتبرون ولاية الفقيه أمرًا غير مشروع.
  • هذه الخطط تم التحضير لها داخليًّا ومن خلال رجال يرتدون لباس رجال الدين.
روحاني اسم مطروح لخلافة المرشد لكن طريقه صعبة وخصومه كثر (وكالة الأناضول)

روحاني أسم مطروح لخلافة المرشد لكن طريقه صعبة وخصومه كثر (وكالة الاناضول)سبق هذه الإشارات تسريب لتسجيل جلسة لمجلس الخبراء جرت قبل 28 عامًا(3)، لم يسبق أن جرى بثه، تناقش الجلسة خلافة المرشد عقب وفاة آية الله الخميني، ويظهر فيها الراحل، آية الله رفسنجاني، مؤكدًا أنه اقترح في البداية تشكيل لجنة شورى، لكنه صرف النظر عن ذلك عندما وجد الأكثرية تميل إلى انتخاب فرد لا لجنة.

 وتشير الجلسة إلى أن انتخاب خامنئي جاء بصورة مؤقتة إلى حين إجراء استفتاء على الدستور الجديد، وهو ما لم يحدث، كما أن لجنة الرئاسة في مجلس الخبراء لم تُشِرْ في بيانها الذي صدر عقب الجلسة إلى كونه "انتخابًا مؤقتًا". ولوحظ في حديث خامنئي قوله: "من وجهة نظر الدستور ومن الناحية الشرعية فكلامي بالنسبة لكثير من السادة لا يملك حُجَّة المرشد.. فأي مرشد سأكون!!.. في هذه الجلسة تحدث بعض السادة وقالوا إنني لست صاحب نظر في المسائل الشرعية".

 إن استعادة الملابسات التي أحاطت بانتخاب خامنئي، تشير إلى غياب الإجماع على قيادته على عكس الخميني، فمن كانوا يرون في آية الله الخميني وليًّا فقيهًا ويقبلون بصلاحياته المطلقة لا يرون ذلك في شخصية خامنئي، وربما يكون ذلك هو السبب في حدوث انشقاقات كثيرة في الجسم السياسي الإيراني، وإقصاء شخصيات وتقريب أخرى، وهو ذاته السبب الذي جعل خامنئي يقدِّم المؤسسة الأمنية، مقرِّبًا الحرس ومقتربًا منهم، للتعامل مع تبعات عدم الإجماع على قيادته.

 روحاني وخلافة المرشد

في سنوات رئاسته من العام 2013 وحتى قبيل نهايتها في 2017، لم يُطرَح اسم روحاني كواحد من المرشحين لخلافة خامنئي، لكن ومع اقتراب فترة رئاسته الأولى من نهايتها، بدأ اسمه يتردد في الأوساط السياسية الإيرانية. وفي وقت بدا فيه روحاني في حملته الرئاسية مناكفًا للحرس الثوري وغير راض عن دوره الاقتصادي، عاد في استدارة مفاجئة ليقترب منهم، ذلك أنه يدرك أن الطريق إلى منصب المرشد لا يكون إلا بمباركة من المؤسسة الأقوى في إيران. ومع ذلك، فإن طريق روحاني ليس مفروشًا بالزهور؛ فهو وإن كان معممًا وعضوًا في مجلس الخبراء، ولديه حضور في أوساط رجال الدين، ويقال إنه مقبول لدرجة كبيرة من قبل مرشد الثورة، إلا أن أعداءه كُثر، وملفات الخلاف معه معقدة.

 فإذا تيسَّر لروحاني الوصول إلى منصب "قائد الثورة" فذلك قد يعني تغييرات سياسية واجتماعية تطول "وجه إيران" وهو ما لا يريده خصومه؛ فقد يلجأ -على سبيل المثال- إلى استفتاء بشأن "الحجاب الإجباري"، يكون مدخلًا لإنهاء إشكالية الإجبار التي رافقت لباس النساء في إيران على الرغم من أن روحاني كان له دور كبير في فرض الحجاب(4). وقد يعتمد أيضًا سياسات تُحدث انفتاحًا اجتماعيًّا ملحوظًا. ومن الواضح أن روحاني يتلمس بشكل واقعي ما يريده الشباب وهم "أكثرية ويجب الأخذ برأي الأكثرية"، وتحدث عن ذلك صراحة بقوله: إن ما أراه وما لا يريد الإعلام وَجِهاتٌ أخرى أن تراه، هو هذه النقطة الجوهرية التي تُظهرها الأحداث الأخيرة في إيران، وإذا لم نستطع رؤية هذه المسائل الأساسية لن نستطيع الوصول إلى أمن واستقرار طويل الأمد ومؤثِّر في هذا البلد.. المشكلة التي نواجهها اليوم، هي المسافة بيننا وبين الجيل الشاب. إن ما نراه نحن وما يراه شبابنا لحياتهم مختلف.. نظرتهم للحياة والعالم تختلف عن نظرتنا.. نحن نريد لجيلين بعدنا أن يعيشوا بطريقتنا وهذا لا يجوز، ولا نستطيع أن نرسم لهم مسار حياتهم، فهذا الجيل الشاب لديه قناعة مفادها: أنا لديَّ فهمٌ لشكل الحياة الذي أريد وعليكم أن تصغوا لي... إن ما يريدونه هو أن نصغي لهم"(5).

 إن كان الفقر والبطالة قد شكَّلا جُلَّ لافتات الشباب المؤيدين لرئيسي في الانتخابات الرئاسية، التي جرت في مايو/أيار 2017(6)، فإن "الحريات" وربما "الحريات الشخصية" قد شكَّلت هاجس الفريق الآخر، وواضح أن روحاني قرأ ذلك بدقة فرفع شعارًا عريضًا: "آمده براى آزاده بيشتر در اين سرزمين؛ (قادم من أجل مزيد من الحريات في هذا الوطن)"(7).

 تقف مشكلة الاقتصاد وانتكاسة تطبيق الاتفاق النووي عقبة كبيرة في مسيرة روحاني خاصة مع تراجع شعبيته، وتصاعد المؤشرات عن عدم الرضى اقتصاديًّا وفق آخر استطلاع للرأي أجرته جامعة ميرلاند؛ إذ قال 74.8% من المشاركين: إن الصفقة النووية لعام 2015 لم تحسِّن الظروف المعيشية في الجمهورية الإسلامية. وأبدت أغلبية كبيرة تأييدها للمطالبات الاقتصادية التي حملها المتظاهرون، وقال 73%: إن الحكومة لا تبذل ما يكفي لمساعدة الفقراء.

 ومع جميع العقبات السالفة وغيرها، إلا أن اسم روحاني قد دخل بالفعل قائمة الخليفة المحتمل، وهي قائمة لا تقتصر عليه؛ ففيها كُثر منهم: أحمد خاتمي، خطيب جمعة طهران، وحسن الخميني، حفيد آية الله الخميني، وصادق لاريجاني، رئيس السلطة القضائية، فيما تراجعت حظوظ إبراهيم رئيسي عقب هزيمته في الانتخابات الرئاسية أمام روحاني.

 سيناريوهات ما بعد خامنئي

السيناريو الأول: انتقال سلس، وتعيين مرجع ديني معروف بوصفه مرشدًا أعلى، وذلك يعني استمرار "ولاية الفقيه" كنظرية حاكمة، إضافة إلى استمرار بناء السلطة وتقسيمها بين المؤسسات السياسية على شكله القديم. وقد يسهم آية الله خامنئي نفسه في اختيار خليفته. ويدعم هذا التوجه بصورة كبيرة التيار الأصولي اليوم الذي يُعدُّ وليدًا لتيار اليمين الإيراني، ويضم في عضويته أحزابًا ومنظمات كان لها دور كبير في المفاصل والمنعطفات السياسية الإيرانية، مثل مجتمع مُدرِّسي حوزة قم العلمية ومجتمع رجال الدين المقاتلين وحزب المؤتلفة الإسلامي وجمعية "مؤثرو الثورة الإسلامية". ويلتزم هذا التيار بولاية الفقيه المطلقة، ويؤمن بدور أكبر للدين في السياسة، ويدافع عن نظام الجمهورية الإسلامية، ويُطلق عليه اسم "حكم الشعب الديني". ويخالف بشدة القول بأولوية الجمهورية على الإسلامية، ويدافع عن دور كبير لرجال الدين في إدارة شؤون الدولة(8).

 يعتقد هذا التيار أن ولاية الفقيه ليست قضية انتخابية يكون للناس دور وتأثير فيها، وإنما هي قضية تشخيصية(9)، ويرى التيار أن الولي الفقيه يُكتشف اكتشافًا، بمعنى أنه موجود في المجتمع وتكون وظيفة اكتشافه منوطة بالخبراء. وينظر هذا التيار بنوع من القداسة للولي الفقيه، ويؤمن أن قائد الثورة "ظاهر بالمدد الإلهي"(10)، كما أن جميع المؤسسات تستمد شرعيتها من الولي الفقيه.

 وتبدو هذه المسألة أكثر قطعية لدى عدد من مدرسي الحوزة: الولاية -وتحت أية ظروف- لا تستمد مشروعيتها من الناس، وموافقة الناس أو مخالفتهم ليس لها أي تأثير في ولاية الفقيه(11). ويحذِّر مجتمع رجال الدين المقاتلين من مغبة الوقوف في وجه القائد والولي الفقيه: في النظام الإسلامي وفي زمن الغيبة، يكون للولي القول الفصل. وإذا كان هناك "من يعطي لنفسه حق الوقوف في مواجهة القائد، فهو أولًا يضع علامات استفهام على التزامه بولاية الفقيه المطلقة، وثانيًا: يقود إلى غياب الإنجاز وشيوع الهرج والمرج في المجتمع"(12). كما أن "المشروعية والقبول لدى الناس ليسا كافيين وحدهما، وإنما يصبحان كاملين بإعمال أصل الولاية"(13).

 ويعطي التيار المؤيد لهذا السيناريو لرجال الدين الحق في الإمساك بزمام أمور المجتمع، ورجال الدين -كما يصفهم ناطق نوري، العضو البارز في مجتمع رجال الدين المقاتلين- "هم ورثة الأنبياء والأئمة المعصومين الذين يحملون مسؤولية تبليغ دين الله إلى الناس؛ ولذلك فإننا دخلنا مجال الانتخابات"(14). أما المشاركة السياسية فهي حق للناس وتكليف لهم في الوقت ذاته، فالناس مكلفون شرعًا بالمشاركة في الانتخابات، ومن واجبهم شرعًا أن يُقدِموا على ذلك دون أدنى تردد(15). لكن هذه المشاركة مشروطة باحترام النظام بشكل لا يتم فيه التشكيك بالأصول الأساسية(16).

 السيناريو الثاني: وصول "ولاية الفقيه" إلى خاتمتها، وإلغاء منصب "المرشد الأعلى"، وهذا السيناريو يعني خللًا كبيرًا سيصيب بناء السلطة في شكله الحالي، خاصة أن البديل عن ذلك سيكون "لجنة" مكوَّنة من عدد من رجال الدين المعروفين والمشهود لهم قد يصل عددهم إلى خمسة أشخاص. ويعزِّز من هذا الطرح أن فئات كثيرة داخل إيران اليوم تحمل موقفًا ناقدًا لولاية الفقيه، وبعض هذه الفئات ترى أنه منحصر بشخصية الإمام الخميني، وأنه منصب انتهى معه(17). ومع أن هذا السيناريو هو عينه ما تم طرحه بعد وفاة الخميني، إلا أن المؤسسات التي كانت تحكم إيران في ذلك الوقت أبدت قدرة كبيرة على الدفع بمرشد جديد، وإجراء تعديلات دستورية لتسهيل قبوله وصعوده، وكان للراحل، آية الله رفسنجاني، الدور الأبرز في تذليل العقبات التي كانت تعترض خامنئي في طريقه نحو منصب المرشد.

 ولا يمكن إنكار ما أصاب ولاية الفقيه في الاحتجاجات التي شهدتها إيران عقب إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية العاشرة عام 2009، وهي الاحتجاجات التي عبَّرت عن نفسها بالحركة الخضراء، وتصاعدت شعاراتها من التشكيك بالنتائج وشعار "أين صوتي؟"، إلى الهتاف ضد المرشد ووصفه بالديكتاتور عبر شعار "الموت للديكتاتور"، وصولًا إلى إحراق صور الخميني، وهتاف ضد مجتبى خامنئي وهو واحد من الأسماء المطروحة كمرشد قادم.

 لكن ما يجب أخذه بعين الاعتبار، أن مؤيدي الولاية والمعتقدين بكفاءتها كنظام حكم هم الممسكون بزمام السلطة في إيران اليوم، ويوجدون -على وجه الخصوص- في مجلس الخبراء، ومجلس الشورى والحرس الثوري، وحتى في التيار الإصلاحي.

 السيناريو الثالث: تعديلات دستورية تأخذ عددًا من الصلاحيات الواسعة للمرشد وتضيفها إلى الرئيس المنتخب، لكن هذا السيناريو سيخلق صدامًا مع المدافعين عن ولاية الفقيه المطلقة، وخاصة بين المراجع الدينية، كما أنه سيضع تساؤلات بخصوص مستقبل مجلس الخبراء ووظيفته، وقد يقود ذلك إلى إلغائه.

ومن المؤيدين لهذا التوجه: تيار اليسار الإيراني، الذي بات يأخذ اليوم اسم التيار الإصلاحي، ويضم في عضويته أحزابًا ومنظمات أهمها "مجمع رجال الدين المقاتلين"، ومنظمة مجاهدي الثورة الإسلامية وحزب المشاركة المحظور، ومكتب تحكيم الوحدة وحزب كوادر البناء ومجمع مدرسي ومحققي حوزة قم العلمية وحزب الثقة الوطنية.

 وقد شهدت مواقف التيار تحولًا كبيرًا على صعيد الموقف من ولاية الفقيه، فبعد أن كان مدافعًا عنيدًا عن ولاية الفقيه المطلقة القائمة على التعيين زمن الخميني، أصبح ينادي بولاية فقيه تقوم على الانتخابات وبتحديد صلاحيات الولي الفقيه، والبعض داخل التيار ينادي بـ "وكالة الفقيه" بدلًا من ولاية الفقيه، وبعض منظِّريه لا يؤمن أساسًا بولاية الفقيه، ويقدِّم الجمهورية على الإسلامية.

 السيناريو الرابع: إلغاء منصب الرئيس ودمجه مع منصب المرشد، ليتمَّ انتخاب شعبي، لكن انتخاب المرشد باقتراع شعبي يتصادم مع نصوص دستورية واضحة حول طريقة اختيار المرشد، كما يتصادم مع موقف رجال الدين القائلين بأنه قائم على التعيين.

 سيناريو الفوضى: وهو السيناريو الذي قد ينتج عن الفشل في تعيين مرشد جديد، والسعي لإلغاء منصب المرشد، ومحاولة المعارضة استغلال خلوِّ المنصب للبدء بالاحتجاج، وإذا ما حدث ذلك -رغم أنه لا يمكن الحديث اليوم عن معارضة صلبة في إيران تسعى لتحقيق هذه الأهداف- فإن الحرس الثوري سيسارع للإمساك بزمام السلطة في إيران، وهو قادر على ذلك بفعل ما يتمتع به من نفوذ وفاعلية على الأرض، وهذا الخيار لا يفضِّله حتى المعارضون لولاية الفقيه.

 نتيجة

تتراوح السيناريوهات في خلافة المرشد، بين انتقال سلس للسلطة، وآخر يضع بقاء موقع المرشد وصلاحياته كما هي عليه الآن موضع الشك، وهناك من يقول بخلافات واسعة لن يتمكن الفرقاء من تجسيرها؛ مما يدفع الجهة الأقوى في إيران اليوم -وهي الحرس الثوري- إلى إحكام السيطرة على الأمور. ومن الملاحظ أن المرجعيات في قُمْ تتعدد توجهاتها ومواقفها تجاه هذه القضية، ومن رَحِم قُمْ نفسها تخرج أصوات تطالب بمراجعة شاملة لنظرية ولاية الفقيه، وطريقة اختيار الولي الفقيه. وإن كان دور رجال الدين قد تراجع في الحياة السياسية مقارنة بالعقد الأول من الثورة، وفي الموازاة تعاظم تأثير الحرس، إلا أنهم عماد مجلس الخبراء صاحب الكلمة الفصل على هذا الصعيد. يبدو سيناريو التوافق على مرشد جديد، هو الأرجح، فلا أحد رغم الصراع السياسي يريد أن تخرج الأمور عن السيطرة، لكن ذلك لا يعني بالضرورة الاستمرار بالشكل القديم ولا ينفي إمكانية تعديلات دستورية جديدة توجد مخارج لإشكالات عدَّة تصاحب قضية خلافة المرشد. وتقتضي طبيعة المصالح بين المتنافسين تجسير الخلافات والوصول للتوافق.

 من جديد يعود إلى الساحة السياسية الإيرانية التحدي الذي ظهر منذ أواسط العقد الثاني من الجمهورية الإسلامية، وتمثل في العلاقة بين الإسلام والديمقراطية، ولعله كان التحدي الأكبر في العلاقة بين الإسلام والديمقراطية في النقاش الفكري الإيراني وهو نقاش لا يقف عن حدود الولاية بل يصل إلى الدين والفقه ودورهما في المجال الخاص والعام، وهو يبرز اليوم بصورة أكثر إلحاحًا، فالأجيال تغيرت وآباء الثورة يغادرون وأبناؤهم يريدون شكلًا آخر لإيران والحياة فيها.

___________________________________________________________

*د.فاطمة الصمادي، باحث أول في مركز الجزيرة للدراسات متخصصة في الشأن الإيراني.

نبذة عن الكاتب

مراجع

(1) آيت‌الله مصباح يزدي:برخي مسئولان، ولايت فقيه را ديکتاتوري مي‌دانند (آية الله مصباح يزدي: بعض المسؤولين يعتبرون ولاية الفقيه ديكتاتورية)، وكالة ايسنا، 10 بهمن 1396، (تاريخ الدخول: 4 فبراير/شباط 2018):

goo.gl/8Q8Pm9    

(2) دادستان ويژه دادگاه روحانيت قم: بعضي از روحانيون، نفوذي دشمن هستند (المدعي العام الخاص لمحكمة رجال الدين في قم: بعض رجال الدين أدوات لنفوذ العدو)، عصر ايران، 11 بهمن 1396 ش، (تاريخ الدخول: 4 فبراير/شباط 2018):

goo.gl/Y7nwqg

(3) فيلم کامل جلسه خبرگان براي انتخاب خامنه‌اي به عنوان رهبر موقت تا زمان رفراندومي که هيچگاه برگزار نشد (الفيلم الكامل لجلسة انتخاب مجلس الخبراء خامنئي مرشدًا بصورة مؤقتة إلى حين إجراء استفتاء وهو ما لم يحدث)، يوتيوب، 8 يناير/كانون الثاني 2018، (تاريخ الدخول: 4 فبراير/شباط 2018):

https://www.youtube.com/watch?v=Q-nvpCU-v7U

(4) نظر حسن روحاني درباره حجاب اجباري (وجهة نظر حسن روحاني بشأن الحجاب الإجباري)، 6 ارديبهشت 1393، (تاريخ الدخول: 22 مايو/أيار 2017):

goo.gl/GY2Fii

(5) روحاني: اکثريت با نسل جوان است؛ بايد به نظر اکثريت عمل کنيم (روحاني : الشباب أكثرية، ويجب العمل برأي الأكثرية)، بي بي سي فارسي، 18 يناير/كانون الثاني 2018، (تاريخ الدخول: 4 فبراير/شباط 2018):

http://www.bbc.com/persian/iran-42603981

(6) من ملاحظات سجلتها الباحثة حول المناظرات الانتخابية، والشعارات المرفوعة في التجمعات والمهرجانات الانتخابية.

(7) من ملاحظة الباحثة من التجمع الانتخابي لروحاني في شارع علي شريعتي بتاريخ 18 مايو/أيار 2017.

(8) الصمادي، فاطمة، التيارات السياسية في إيران، (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت، ط. 1)، ص 340.

(9) مرتجي، حجت، جناحهاي سياسي در ايران امروز، (الأجنحة السياسية في إيران اليوم)، نقش ونگار، ط1، تهران، 1377، ص8.

 (10) علي دارابي، جريان شناسي سياسي در ايران، (علم التيارات السياسية في إيران)، سازمان انتشارات پژوهشکاه فرهنگ وانديشه اسلامي، ط. 7، 1389، ص 122.

(11) صحيفة كار وكارگر (العمل والعمال)، 21 من مايو/أيار 1375، ص 4 نقلًا عن دارابي.

(12) ويژه نامه روحانيت مبارز تهران، (عدد خاص من نشرية رجال الدين المقاتلين بمناسبة الانتخابات البرلمانية الخامسة)، 24 يناير/كانون الثاني 1375، ص 32.

(13) صحيفة رسالت، 27 من يناير/كانون الثاني 1376، ص 5 نقلًا عن دارابي.

(14) المرجع السابق، ص 2

(15) "بيان لمجتمع رجال الدين المقاتلين/طهران"، 12 من نوفمبر/تشرين الثاني 1995.

(16) شهرية صبح، العدد (67)، اسفند 1375ش، ص 6.

(17) الصمادي، التيارات السياسية في إيران، مرجع سابق، ص 340.