مقدمة
في نصيحته التي قدمها إلى مواطنيه العرب في منطقة الخليج، أشار الباحث الكويتي الشهير، حسن علي الإبراهيم، إلى ضرورة استحضار الخليجيين حقيقة أنهم يعيشون في منطقة خطرة(1). فالحصار المفروض على دولة قطر من بعض أقرب شركائها الاقتصاديين والأمنيين يقدِّم تذكيرًا صارخًا للجميع بالخطورة التي يمكن أن تكون عليها المنطقة. وقد تمحور العديد من التعليقات والتحليلات، التي تناولت الأزمة القائمة، حول بروز جيل جديد من الزعامات الطموحة في كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة يتبنى مقاربة ترى في استقلال القرار السياسي القطري، على مستوى الرؤية السياسية الخارجية، حجرة عثرة أمام الطموح المحلي والإقليمي لتلك الزعامات الجديدة(2).
بكل تأكيد، هذا واحد من أهم الدوافع المسبِّبة للأزمة، لكن ثمة قضية أخرى على غاية من الأهمية أيضًا، وهي أن حصار دولة قطر يثير مسألة دور الدول الصغيرة في النظام الدولي المعاصر والأساليب التي يمكن اتباعها في مواجهة التحديات الأمنية التي قد تقابلها.
خلال مداخلته التي ألقاها في مؤتمر ميونخ، في فبراير/شباط 2018، أمام جمهور من زعامات العالم وكبار المسؤولين الدوليين، قارب أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، هذه القضية المحددة واصفًا إياها بـ"الحصار الفاشل"، وقد شرح أمير قطر وبيَّن كيف أن "بإمكان الدول الصغيرة توظيف الدبلوماسية والتخطيط الاستراتيجي للاقتصاد لمواجهة حملة واسعة من الاعتداءات من قبل دول جارة طموحة وأكبر مساحة"(3).
إذا صحَّ هذا التقييم، فإن تعاطي دولة قطر مع الحصار يُظهر أن الدول الصغيرة يمكنها توظيف مصادر القوة المُكافِئة لامتصاص الصدمات القادمة من الخارج، ولردع الخصوم المعتدين، ولتنفيذ الأهداف الاستراتيجية الدفاعية والهجومية حتى في زمن الأزمات الحادة. طبعًا، يتعارض هذا مع الحكمة السائدة الواردة في الأدبيات النظرية، والتي تجادل بأن الدول ذات السيادة، والتي تدَّعي أفضليتها على الدول الخصمة على مستوى معايير القوة التقليدية من قبيل -مساحة الجغرافيا وعدد السكان، والقدرات العسكرية وحجم الناتج القومي الخام- ستكون، بلا شك، هي المنتصرة في أي صدام عسكري أو دبلوماسي أو اقتصادي مع الدول الأضعف منها.
موقع الدول الصغيرة في النظام الدولي
لعب الحجم، خلال العقود التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، دورًا مهمًّا في تحديد المواقف مما إذا كان إقليم ما تنطبق عليه مواصفات الدولة. كان أيضًا من المتفق عليه في الأدبيات السياسية أنه إذا لم يتجاوز تعداد سكان دولة ما 10 ملايين نسمة وإذا لم يعادل ناتجها القومي الخام نسبة 1% من الناتج الخام العالمي، وإذا لم تتمتع بإقليم ترابي واسع وحجم معقول من القدرات العسكرية، فإنها تُصنَّف دولة صغيرة، وذلك بقطع النظر عن ميزاتها الأخرى أو الأدوار التي تلعبها(4).
عندما تأسست دولة قطر، والدول الخليجية الجارة -عُمَان والبحرين والإمارات العربية المتحدة- في بدايات عقد السبعينات من القرن الماضي، كانت تمثِّل أصغر دول العالم مساحة. فمجموع سكان تلك البلدان مجتمعة بالكاد يتجاوز المليون نسمة، ولا وجود فيها لمدن أو مقاطعات يعيش فيها أكثر من 15 ألف نسمة. فقد التحقت هذه الدول بعضوية الأمم المتحدة في الوقت الذي كان يجري فيه نقاش محتدم حول ما إذا كان يمكن اعتبار مثل تلك الدول دولًا ذات سيادة أصلًا في نظر القانون الدولي، وما إذا كانت قادرة على الوفاء بالتزامات عضويتها داخل منظمة الأمم المتحدة. كان ثمة قلق كبير آخر تعلق بما يمكن أن يؤدي إليه توسع دائرة البلدان الصغيرة ذات السيادة ليجعل من هؤلاء اللاعبين الدوليين الصغار أصحاب حقٍّ في التصويت داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة، بشكل يشوِّه نظام القطبية الثنائية الدولي ويقوِّض توازن القوى في الحرب الباردة(5).
بعد عدة عقود، شهدت مواقف صانعي السياسات والمنظِّرين القانونيين تجاه مسألة قابلية الدول الصغيرة للبقاء تطورًا ملحوظًا، وذلك تبعًا لتحول غالبية تلك البلدان، التي التحقت بعضوية الأمم المتحدة في عقدي الستينات والسبعينات من القرن الماضي، إلى أعضاء في منظمة الأمم المتحدة قادرين على تقديم إضافات إيجابية للمجتمع الدولي. وهكذا، لم تعد المخاوف المشار إليها أعلاه ذات أهمية في وقتنا الحاضر، مع العلم أن غالبية الدول ذات السيادة القائمة اليوم في عالمنا، والتي يفوق عددها المئتين، هي دول صغيرة. ما لم يتغير بشكل جوهري خلال العقود الماضية هو تلك النظرة التي لا تزال ترى في حجم الدول الجغرافي عاملًا محددًا لسلوك الدول، وأن مشاركة الدول في القضايا الدولية إنما يحددها حجم فائض قدراتها مجتمعة(6).
هكذا إذن كان التوافق بين المفكرين الذين طوروا أدبياتهم بخصوص الدول الصغيرة خلال فترة الستينات والسبعينات، أي في الفترة التي شهدت موجة من استقلال العديد من البلدان من ناحية، وعرفت في ذات الوقت تنامي حدة الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى. قدَّم عدد من المفكرين المؤثرين، من بينهم: موريس إيست وديفيد فيتال وروبرت كيوهان وروبرت جيرفيس، وجهات نظر متباينة بخصوص العديد من المسائل المحددة، لكنهم توافقوا حول ثلاثة مبادئ عامة مرتبطة بموقع الدول الصغيرة في النظام الدولي:
أولًا: اتفق أولئك المفكرون على أن الدول الصغيرة أكثر تأثرًا بكثير من القوى العظمى بالتغيرات التي تطرأ على الساحة الدولية، كما أنه سيكون لتلك التغييرات بالغ الأثر على الدول الصغيرة، لأنها تفتقر لـ"هامش الوقت والخطأ" في تعاطيها مع المتطلبات والإكراهات الخارجية، وفقًا لتحليل جيرفيس(7).
ثانيًا: خلُص أولئك المفكرون إلى أن الدول الصغيرة، تفهم بوضوح، الوضع الصعب الذي تواجهه وهو ما عبَّر عنه فيتال على النحو التالي: "الضعف هو القاسم المشترك والموقف الطبيعي السائد في طريقة تصور الدولة الصغيرة عن ذاتهه"(8).
ثالثًا: فإن إدراك الدول الصغيرة لمكامن ضعفها، وخاصة قدراتها المحدودة في التحرك خارج إطار التزاماتها الخارجية سيجعلها، بخلاف القوى الكبرى، تصب جُلَّ تفكيرها واهتمامها على التعامل مع المخاوف الأمنية وتأمين بقائها على قيد الحياة. كما أن ذلك يجبر الدول الصغيرة على الاعتراف، وفقًا لتعبيري روثشتاين وكيوهان على التوالي، بأنه "لا يمكنها الحصول على الأمن إذا ما اعتمدت فقط على إمكاناتها الذاتية"، و"لن يكون بمقدورها أبدًا، إذا ما تحركت منفردة أو في مجموعات صغيرة، إحداث تأثير مهم داخل النظام الدولي"(9).
من اللافت للانتباه، كما يلاحظ بارتمان، أنه ومنذ انتهاء الحرب الباردة، لم يشهد العالم سوى أمثلة قليلة وقعت فيها دول صغيرة لا تمتلك القدرة على الدفاع عن نفسها، ضحية لتهديدات تقليدية من قبل دول أكبر، والمثال الأكثر وضوحًا كان تعرض الكويت لغزو من طرف العراق عام 1990 في عهد صدام حسين(10). لكن ومع هذا، فإنه بعد مرور خمسين عامًا على تقديم مفكرين مثل فيتال وكيوهان وروثشتاين وغيرهم، حُججهم وشروحهم المؤثِّرة بشأن تأصل فكرة الضعف لدى الدول الصغيرة، فإن الكثير من الأدبيات اللاحقة لا تزال تناقش القضية بنفس تلك الحجج والطروحات. حيث لا يزال يُعتقد، مثلًا، أن الدول الصغيرة في العصر الحالي تجد صعوبة في فرض وحماية مصالحها الخاصة على الساحة الدولية، وأبرز ملامح ذلك ونتيجته أيضًا، هو أن معطى صغر حجم الدول في النظام الدولي يحدده هشاشة الدول وضعفها وليس قوتها(11).
ضعف الدول الصغيرة وهشاشتها حقيقة ملموسة، وقد بيَّن كل من فيلدمان وروزينو وباباداكيس وستار، وثورهالسون وآخرون كثر، كيف يكون حجم جغرافية الدول هو العامل المحدد المتحول باستمرار في عملية تمييز وفرز الاختلافات بين سلوك الدول على مستوى السياسة الخارجية، كما أنه معطى على غاية من الأهمية في تحديد مستوى تأثير الدول(12). لكن، هل يتوجب علينا دائمًا قبول معادلة ارتباط صغر الحجم بالضعف؟ وهل من سبيل للدول الصغيرة لتجاوز الصعوبات المتصلة بصغر حجم مساحتها الجغرافية؟ وهل لحُجَّة "بانكي" القائلة بأن ليس على الدول الصغيرة أن تكون بشكل مسبق "أقزامًا سياسية" داخل المنظمات الإقليمية أن تُطبَّق على الدول المُقحَمة في صراعات مع قوى كبرى على المستوى الإقليمي(13)؟
بكل تأكيد، ثمة حالة تعكس وجهة نظر أكثر دقة لمفهوم قوة الدولة الصغيرة. وعلى أية حال، فإن حتى الأدبيات لم تتضمن اتفاقًا يمكن تعميمه بشأن العناصر الدالَّة على صغر الدولة، وذلك بسبب عوامل عدة، منها: اختلاف الثقافة والجغرافيا والتاريخ والموارد الطبيعية ومستويات النمو. ثم إنه، بالإضافة إلى ما تقدم، فلا تواجه أي دولتين صغيرتين نفس التحديات ولا نفس مستويات الهشاشة والضعف ولا أي شيء آخر يصلح أن يكون معيارًا لتمييز إحداهما عن الأخرى. وبتعبير آخر، فإن ردَّ دولة قطر على الأزمة الحالية يمثل حالة دراسية جيدة للنظر في حدود قوة الدولة الصغيرة ومرونتها في مواجهة أعداء أقوى وأكبر، نظريًّا على الأقل.
تحول قطر من دولة "مجهرية" ضعيفة إلى دولة صغيرة قوية
في الفترة التي تلت حصولها على استقلالها ومن ثم التحاقها بعضوية الأمم المتحدة في العام 1971، كانت دولة قطر تُصنَّف دولة متناهية الصغر على أساس تواضع مساحتها الجغرافية ومحدودية عدد سكانها(14). وخلال العقدين الأولين اللذين تليا استقلالها لم يختلف توجه دولة قطر السياسي عن تقاليد باقي الدول الصغيرة مثلها، من حيث الانشغال بقضايا التنمية الاقتصادية الداخلية بدلًا من التركيز على قضايا السياسة الخارجية(15).
بعد وصول الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إلى الحكم في العام 1995، ومع بدء عدد السكان في التزايد تدريجيًّا، مصحوبًا بحركة تنمية داخلية ووضع مشروع طموح للترويج للدولة، بالإضافة إلى بروز قطر كقوة مصدِّرة للغاز الطبيعي، أدى كل هذا إلى تحول دولة قطر من دولة "متناهية الصغر" إلى دولة تشق طريقها نحو النمو ولها مكانة معتبرة.
منذ أواخر التسعينات وإلى غاية انطلاق ثورات الربيع العربي، تمكَّنت قطر تحت حكم الأمير حمد من أن تصبح لاعبًا سياسيًّا إقليميًّا مهمًّا داخل منظومة النظام الإقليمي العربي. ثم إن شراكة دولة قطر الأمنية المزدهرة مع واشنطن شكَّلت حجر الأساس الذي بُني عليه برنامجها الطموح القائم على دبلوماسية التمويل والوساطة والمبادرة إلى حل النزاعات والحيلولة دون نشوب صراعات أخرى، وكان من شأن ذلك أن يمنح دولة قطر، بحسب ما أشار إليه المؤلف رايت في إحدى دراساته، "درجة أكبر من الاستقلالية في سياستها الخارجية"(16). وقد تعزَّز نشاط قطر على الساحة الدولية خلال منتصف العقد الأخير من الألفية الماضية بفضل رافدين مهمين، هما: نمو المداخيل المتأتية من تصدير الغاز والتأثير غير المسبوق لشبكة الجزيرة الإعلامية في قطر، التي أسسها أمير الدولة الجديد عام 1996، أي بعد عام واحد من تسلمه مقاليد الحكم. وعلى إثر تنامي شعبيتها، تحولت هذه الشبكة الإعلامية، بعد خمسة أعوام عن انطلاق بثها، إلى عامل أرَقٍ كبير أقض مضاجع صانعي السياسات في شمال إفريقيا ودول المشرق العربي، ما حدا بجل الحكومات العربية إلى التقدم بشكاوى رسمية إلى نظيرتها القطرية حول تقارير القناة الناقدة.
تحدَّت دينامية السياسة الخارجية القطرية، أثناء تلك الفترة، الأدبيات النظرية القائلة بأن الدول الكبرى وحدها هي التي تصنع المزيد من المبادرات على مستوى السياسة الخارجية في حين تكتفي الدول الصغيرة بسلوك سياسة المشاركة والالتحاق(17). كما تتحدى تلك الدينامية أيضًا وجهة النظر، التي صاغها "هندل" ومنظِّرون آخرون، القائلة بعدم إمكان الدول الصغيرة تطوير سياساتها المستقلة في مقاربة القضايا الدولية(18). وكمعطى وثيق الصلة بالأزمة الحالية، نشير إلى استعداد دولة قطر المستمر لمنافسة، بل ومقارعة، لاعبين سياسيين أكبر حجمًا فيما يتعلق بقضايا مفصلية، بقطع النظر عن تفاوت موازين الحجم.
وكمثال على ذلك، فقد أغضبت قطر حليفتها أميركا، على إثر عملية غزو العراق، بسبب تغطية قناة الجزيرة الإعلامية لتفاصيل احتلال القوات الأميركية لذلك البلد. كما أغاظت السعودية، في العام 2008، عندما جمعت مختلف الفصائل اللبنانية المعارضة، بما فيها حزب الله اللبناني المقرَّب من إيران والمعادي للغرب، في مؤتمر سلام أُقيم في الدوحة.
في السنة التالية، ازدادت إغاظة دولة قطر لكل من الولايات المتحدة الأميركية والسعودية ومصر بسبب وساطتها لجسر هوة التوتر في العلاقات بين حركة حماس وحركة فتح، التي تقود حكومة السلطة الفلسطينية. وكرد فعل رافض لما اعتُبر تدخلًا قطريًّا في مجال التأثير الخاص بهما، قاطعت الرياض والقاهرة الاجتماع العاجل حول أزمة قطاع غزة، المنعقد في الدوحة.
إصرار قطر على تطوير مقاربتها السياسية الخارجية المستقلة، التي تتحدى مصالح لاعبين سياسيين أكبر منها بكثير، كان له عنوان بارز آخر تمثل في الموقف من الربيع العربي. فمنذ أولى أيام انطلاق الاحتجاجات التونسية عملت الجزيرة على نقل الأحداث من الميدان في تغطية متواصلة على مدار أربع وعشرين ساعة. وكان أن غذَّت تغطية شبكة الجزيرة أحداث تونس أولى الاحتجاجات المصرية ضد حكومة الرئيس حسني مبارك. ثم لعبت الجزيرة، لاحقًا، دورًا في غاية الأهمية في تغذية واستمرار نبض الشارع المصري المعادي لنظام مبارك، والذي أدى في نهاية المطاف إلى إسقاطه. وفي ليبيا، اتهم القذافي شبكة الجزيرة بإشعال الاحتجاجات المناوئة له، بينما باتت صورة شعار يقول: "الحرية=الجزيرة" رُسم على أحد الجدران في مدينة طبرق، منتشرة على نطاق واسع في مختلف وسائل الإعلام عبر العالم(19).
أما على الصعيد الدبلوماسي، فقد كانت قطر داعمًا رئيسيًّا لحكومة محمد مرسي في مصر خلال المرحلة التي تلت فترة حكم حسني مبارك، كما كانت قطر من بين أولى الدول المعترِفة بحكومة المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا، كما اضطلعت الدوحة بالدور الشاق في الإبقاء على زخم اتفاق المجتمع الدولي المناوئ للقذافي مستمرًّا، وذلك عبر استضافتها المفاوضات بين حلف الناتو وكبار قادة الفصائل المسلحة المعارِضة للنظام الليبي، وممارسة الضغط وحشد تأييد أهم اللاعبين الدوليين، وخاصة الصين، لمؤازرة قوى التغيير في ليبيا.
في شهر يوليو/تموز من العام 2011، كانت قطر أيضًا أول دولة خليجية تسحب سفيرها من سوريا وتغلق سفارتها في دمشق(20). ثم استغلت قطر لاحقًا وضعها، عندما آلت إليها الرئاسة الدورية للجامعة العربية، لبناء توافق لصالح فرض عقوبات مالية واقتصادية ضد نظام بشار الأسد. ومع بدايات العام 2012، وخلال استضافته في البرنامج التليفزيوني الشهير "60 دقيقة" على شاشة قناة "بي بي سي"، أصبح أمير قطر أول زعيم عربي يدعو إلى التدخل العسكري في سوريا بهدف "وقف عمليات القتل"(21). وقد كانت تلك خطوة فيها الكثير من الجرأة، حيث كانت أغلب دول المجتمع الدولي تسعى لتقديم الدعم السياسي وتوفير المساعدات الإغاثية أو، على أبعد تقدير، تقديم مساعدات عسكرية سرية للثوار المناوئين لبشار الأسد.
حصار عام 2017: الدولة الصغيرة ترد على الأزمة
تَكَشَّف التزام قطر بسياسة خارجية طموحة وذات أبعاد متعددة، خلال ثورات الربيع العربي والفترة التي تلتها، عبر الكمِّ المتزايد من المقالات والدراسات المنشورة حول دولة قطر، والتي ركَّزت على تحولها إلى لاعب استراتيجي خارج حدود بلاده(22). وبغضِّ النظر عن خوض تلك الأدبيات في التوترات القائمة بين دولة قطر وبين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين وتحليل أسبابها وأبعادها، فإن كل تلك الأدبيات فشلت في التنبؤ بتحول قطر سريعًا إلى هدف لهجوم دبلوماسي واقتصادي غير مسبوق من قبل تلك البلدان الثلاثة التي طالما كانت شريكة في منظومة مجلس التعاون الخليجي، مدعومة في ذلك من طرف مصر ومجموعة محدودة من بلدان عربية وإسلامية صغيرة.
يبدو التباين في الحجم والمقدرات صارخًا بين دولة قطر والتحالف الرباعي المناوئ لها، والمؤلف من كل من السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر والبحرين. فتعداد سكان دول رباعي المقاطعة مجتمعة يعادل 55 ضعف تعداد سكان قطر (137 مليون نسمة مقابل 2.5 مليون)؛ وتبلغ المساحة الجغرافية لدول التحالف مجتمعة ضعف مساحة دولة قطر بما يعادل 279 ضعفًا (3.234 ملايين كيلومتر مربع نظير 11.567 كيلومترًا مربعًا فقط)؛ أما ما تنفقه دول التحالف على التسلح العسكري، وفقًا لمؤشرات عام 2015، فيبلغ 16 ضعف ما تنفقه قطر (112.871 مليار دولار نظير 7 مليارات دولار)؛ هذا في حين يبلغ إجمالي الناتج القومي لدول الحصار الأربعة، وفقًا لمؤشرات العام 2015 أيضًا، 11 ضعفًا مقارنة بدولة قطر أي بواقع (3.49 تريليونات دولار مقابل 309 مليارات دولار).
تحولت قطر بين ليلة وضحاها، ومباشرة على إثر بداية الأزمة، من دولة ناشطة على الساحة الدولية إلى دولة صغيرة محاصرة في محيط إقليمي معاد، وبحظوظ قليلة جدًّا للدفاع عن مصالحها الحيوية في مواجهة دول متواطئة ضدها وتفوقها بأشواط حجمًا ومقدرات. لكن، وبالرغم من اختلال موازين القوى الواضح، فقد تمكنت قطر في الفترة الممتدة بين صيف عام 2017 وربيع العام 2018 من احتواء الأثر السلبي للحصار وحافظت على استقلاليتها وسيادة اقتصادها، على الرغم من غياب التزام صريح بحمايتها من قبل أميركا، الدولة التي كانت طيلة سنوات مديدة تقدم لها الحماية.
بالعودة إلى عقد الستينات من القرن الماضي، كان "كوزناتس" يجادل بأن الدولة التي يمكنها الاعتماد على نفسها اقتصاديًّا وسياسيًّا يستعصي على أعدائها الخارجيين تقسيمها وإخضاعها لسلطانهم على خلاف الدولة التي يكون اقتصادها مرتهنًا ومعتمدًا على قوى خارجية(23). وباعتبارها لاعبًا اقتصاديًّا، فإن قدر قطر كان يحتم عليها دائمًا مواجهة نفس العراقيل، التي يواجهها غيرها من الدول الصغيرة، في سبيل تحقيق اعتمادها على نفسها. فسوق قطر الداخلية صغيرة، وعملية الإنتاج مرتفعة التكلفة، واقتصاد الحجم متدن، بالإضافة إلى مستويات إنتاج صناعي منخفضة. لكن لقطر أيضًا مزية عظيمة تتمثل في ثروتها المالية التي جنتها من وضعها كأول مصدِّر للغاز عالميًّا. وعلى سبيل المثال، عرفت أسعار الطاقة في سنتي 2014 و2015 تراجعًا كبيرًا، لكن مداخيل دولة قطر من بيع الغاز الطبيعي ظلت عند حدود 107 مليارات دولار و60 مليار دولار على التوالي، وهو ما جعلها أغنى دولة في العالم على مستوى الناتج القومي موزَّعًا على عدد أفراد المجتمع(24).
أكدت قطر، خلال الأشهر الأولى من الأزمة، أنها كانت بارعة في مراكمة فائضها من المصادر المالية التي حصدتها من عائدات بيع الغاز من أجل تحقيق أهدافها الاستراتيجية. وتشمل تلك الأهداف استيراد المواد الحيوية، وفتح طرق تجارية جديدة، ومواصلة تحليق طائراتها في الأجواء الدولية عبر تأكيد استمرار عمل شركة الطيران القطرية. في ذات الوقت، وظَّفت قطر ثروتها المالية لتمويل اتفاقيات ضخمة مع شركاء خارجيين، كما وثقت أيضًا علاقاتها الثنائية. ومن المهم الإشارة هنا إلى أن قطر أمضت في العام 2017 اتفاقية مع المملكة المتحدة لشراء 24 مقاتلة من نوع "تايفون" بقيمة قُدِّرت بثلاثة مليارات من الدولارات؛ وفي السنة نفسها أمضت اتفاقًا آخر مع فرنسا لشراء طائرات مقاتلة ومدرعات وأنظمة أسلحة متطورة وأنظمة بنى تحتية مدنية بقيمة إجمالية تقدر بـأربعة عشر مليار دولار.
بالإضافة إلى كل تلك المساعي، أثبتت قطر أيضًا وبوضوح أنه في الوقت الذي تُعتبر فيه القوة العسكرية شديدة الحيوية بالنسبة للأمن القومي، فإن التوظيف الذكي للقوة الاقتصادية يمكنه أيضًا لعب دور مهم في المساهمة في تأمين استقرار الدولة الصغيرة خلال فترات الأزمات. كل هذا تم استكماله ودعمه عبر مستويات غير مسبوقة من الوحدة والتماسك الاجتماعي. وقد أوضح كل من كامبل وهال أن الدول الصغيرة المتجانسة ثقافيًّا، والتي لدى شعبها شعور قوي بالانتماء للهوية الوطنية، تتمتع بمزايا مؤسسية من شأنها، في المنظور البعيد، تعزيز أدائها على المستوى الاجتماعي-الاقتصادي. فمثل هذه الدول يمكنها، على وجه الخصوص، تنسيق سياسات تسمح بـ"التعاون، وتقديم التضحيات والمناورة المرنة وتضافر جهود الدولة من أجل تحقيق المصلحة الوطنية"(25). وهكذا، فإن كل ما حدث في قطر على المستوى الداخلي منذ تفجر الأزمة، يؤكد أهمية ما ذهب إليه "باباداكيس" و"ستار" من أن قوة الدولة قد تُستمد من عوامل أخرى غير الموارد المادية(26).
في نفس السياق، جادل كل من آلتولا" و"سيبيلاي" و"فوريسالو" بأن مرونة الحركة المتجاوزة للإقليم والقدرة على الابتكار" كفيلان بأن يجسرا الهوة التقليدية لتباين القوى بين الدول الضعيفة وبين اللاعبين الأقوى على مسرح النظام الدولي(27). فمنذ بداية الأزمة، أبانت دولة قطر عن مرونة مذهلة وإبداع خلاق في إقناع قوى كبرى مهمة، في أوروبا وإفريقيا وآسيا وعلى امتداد العالمين العربي والإسلامي، بأن تبقى على الحياد. كما كانت فاعلية قطر عالية للغاية في تطوير علاقاتها الأمنية الثنائية مع تركيا بهدف معادلة ميزان تهديد القوى الصلبة متمثلة في دولتي الجوار، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. ثم كان لقطر أن أقنعت الحكومة الأميركية، مع مطلع العام 2018، بإعادة تأكيد التزامها الأمني تجاه قطر بعد فترة أولى بدت فيها إدارة الرئيس ترامب راضية عن الإجراءات التي اتخذتها دول حلف حصار قطر.
إلى حدٍّ ما، أسبغ هذا التركيز القطري على كسب موقف القوتين العسكريتين الكبريين في الشرق الأوسط -تركيا في المقام الأول ثم أميركا- مصداقية على ما ذهبت إليه وجهة النظر التقليدية الراسخة في الأدبيات السياسية من أن الدول الصغيرة تحتاج لقوة خارجية كبرى تحميها حال تعرضها لاعتداء من جيرانها الأكبر منها. ومن جانب آخر، فإن نجاح قطر في إقناع تركيا وأميركا بالتزامهما بحماية أمنها القومي يؤكد على أن دولة قطر، وبغضِّ النظر عن حجمها، كانت قادرة على تعزيز مكانتها كلاعب دبلوماسي من الدرجة الأولى وإثبات قيمتها الاستراتيجية حتى وهي معزولة ومحاصرة.
في شهر يناير/كانون الثاني من العام 2018، وأمام المشاركين في أول نسخة من جلسات الحوار الاستراتيجي السنوي الأميركي-القطري في واشنطن، اعترف جيمس ماتيس، القائد السابق لقيادة المنطقة الوسطى ووزير الدفاع الأميركي الحالي، بأهمية القواعد العسكرية الأميركية في قطر في دعم القدرات القتالية لقوات القيادة الوسطى. ثم في شهر مارس/آذار من نفس العام، أدلى الجنرال جوزيف فوتيل، القائد الحالي للقيادة الوسطى، بشهادة مكتوبة أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ أثنى فيها على ما قدمته دولة قطر على امتداد عقدين من الزمن من "تأمين الوصول إلى كامل الإقليم عبر القواعد العسكرية وإتاحة حرية الحركة اللذين لا يقدران بثمن"(28).
أثبت نجاح الدوحة المستمر في مواءمة سياستها الخارجية مع أجندة واشنطن الدفاعية في الإقليم، خلال العقدين الأخيرين، أنه كان مجديًا لدولة قطر من خلال إبراز جدواه لواشنطن. فمسألة القواعد العسكرية تُبرز إلى أي مدى تستطيع دولة صغيرة تبني خيارات استراتيجية بعيدة المدى تساعدها على تجاوز القيود الهيكلية إذا ما مرَّت بفترات هشاشة. لا شك في أن هذا يناقض الادعاء الذي تقدم به روثشتاين القائل بأن الدول الصغيرة تميل إلى إهمال التخطيط بعيد المدى بهدف تأمين الاستقرار الداخلي قصير المدى. ولا يقل أهمية، في هذا السياق، ذلك التحدي الذي رفعه الرد القطري على الحصار المفروض عليها منذ يونيو/حزيران 2017 في وجه حُجَّة الكاتب "إيست" بأن الدول الصغيرة إنما هي في الأساس كيانات سياسية تعتمد سلوك رد الفعل، هذا إن لم تكن خاملة أصلًا(29). في حين يعد رفض قادة قطر اعتبار "صغر الحجم" قيدًا على حركتهم تأكيدًا للحجج الواردة في الأدبيات السياسية بأن نظرة الدولة لنفسها وحجمها ومحيطها هي نظرة ذاتية بل وقد يكون محددًا مهمًّا في كيفية تصرف الدول الصغيرة داخل المنظومة الدولية(30). وبتصرفها وفقًا لهذا المنطق، تحدَّت دولة قطر، خلال الأزمة التي تعيشها، قانون "فيتال" الشهير القائل بأن "الضعف هو القاسم المشترك والموقف الطبيعي السائد في طريقة تصور الدولة الصغيرة لذاتها"(31).
_______________________________
دكتور روري ميلر، جامعة جورج تاون في قطر.
ملاحظة: أُعد النص في الأصل باللغة الإنجليزية لمركز الجزيرة للدراسات، ترجمه د. كريم الماجري إلى اللغة العربية.
(1) See Hassan Ali Al-Ebraheem Kuwait and the Gulf: Small States and the International System, 2nd edition, London, Routledge, 2016.
(2) See, for example, Galap Dalay, ‘The Gulf crisis: Royal ambitions and shaky alliances’, Al Jazeera, 15 June 2017
(3)‘Speech of Qatar Emir at Munich Security Conference’, 16 February 2018, The Peninsula, 16 February 2018. https://thepeninsulaqatar.com/article/16/02/2018/Speech-of-Qatar-Emir-at-Munich-Security-Conference
(4) Aart Kraay and William Easterly, ‘Small States, Small Problems?’, Policy Research Working Papers, World Bank, Washington D.C, 1999. https://elibrary.worldbank.org/doi/abs/10.1596/1813-9450-2139.
(5) W.L. Harris Microstates in the United Nations: A Broader Purpose, Columbia Journal of Transnational Law, Vol. 9 (1970), pp. 23-53; M.H. Mendelson, ‘Diminutive States in the United Nations,’ International and Comparative Law Quarterly, Vol. 21 (1972), pp 609-630; M.M. Gunter, ‘What Happened to the United Nations Ministate Problem?’, American Journal of International Law, Vol. 71 (1977), pp 110-124.
(6) G.L. Reid, The Impact of Very Small Size on the International Relations Behavior of Microstates, London, Sage, 1974.
(7) Robert Jervis, ‘Cooperation Under the Security Dilemma’, World Politics, Vol. 30 (1978), pp. 167-214; James N. Rosenau, Turbulence in World Politics: A Theory of Change and Continuity, Princeton, New Jersey, Princeton University Press, 1990.
(8) David Vital, The Inequality of Small States, New York, Oxford University Press, 1967, p. 33.
(9) R.L. Rothstein, Alliances and Small Powers, New York, Columbia University Press, 1968, pp.34-6;
Robert Keohane, ‘Lilliputians’ Dilemmas: Small States in International Politics’, International Organization, Vol. 23, No. 2 (Spring 1969), pp. 291-310.
(10) Barry Bartmann, ‘Meeting the needs of microstate security’, The Round Table: The Commonwealth Journal of International Affairs, Vol. 91 (2002), pp. 361-374.
(11)Anthony Payne, ‘Small states in the global politics of development’ The Round Table: The Commonwealth Journal of International Affairs, Vol. 93 (2004), pp. 623–635.
(12) Miriam Fendius Elman, ‘The Foreign Policies of Small States: Challenging Neorealism in its Own Backyard’, British Journal of Political Science, Vol. 25, No. 2 (1995), pp. 171-217; James N. Rosenau, Turbulence in World Politics: A Theory of Change and Continuity, Princeton, New Jersey, Princeton University Press, 1990;
M. Papadakis and H. Starr, ‘Opportunity, Willingness, and Small States: The Relationship Between Environment and Foreign Policy’, in C. F. Hermann, C. W. Kegley, J. Rosenau (eds.), New Directions in the Study of Foreign Policy., Boston, Allen & Unwin, 1987, pp. 409-432; B. Thorhallsson, The Role of Small States in the European Union, Burlington, VT, Ashgate Publishing Company, 2000.
(13) Diana Panke, ‘Small states in EU negotiations: Political dwarfs or power-brokers?’، Cooperation and Conflict, Vol. 46 (2011)، pp. 123-143.
(14) For a detailed discussion of microstates see G.L. Reid, The Impact of Very Small Size on the International Relations Behavior of Microstates, London, Sage, 1974.
(15)Robert Good, ‘State-Building as Determinant of Foreign Policy in the New States’, Neutralism and Non-Alignment: The New States in World Affairs, L. Martin (ed.), New York, Praeger, 1962, pp. 3-12.
(16)S. Wright, ‘Foreign Policies with International Reach: The Case of Qatar’, in David Held and Kristian Ulrichsen (eds.) The Transformation of the Gulf: Politics, Economics and the Global Order, London, Routledge 2011.
(17) M. East, ‘Size and Foreign Policy Behavior: A Test of Two Models’ , World Politics, Vol. 25 (1973), pp. 556-576.
(18) Michael Handel, Weak States in the International System, 2nd edition, London, Frank Cass, 1990.
(19) Rory Miller, Desert Kingdoms to Global Powers: The Rise of the Arab Gulf, New Haven, Yale University Press, 2016, p. 197.
(20)Eckhart Woertz, ‘Qatar and Europe’s neglect of the Gulf Region’, Notes Internacionals CIDOB, No. 46, February 2012. https://www.files.ethz.ch/isn/141961/NOTES%2046_WOERTZ_ENG.pdf
(21)‘Syria rejects Qatar call for Arab military intervention’, BBC News, 17 January 2012, http://www.bbc.com/news/world-middle-east-16597015
(22) J. Abadi, ‘Qatar’s foreign policy: The quest for national security and territorial integrity’, Journal of South Asian and Middle Eastern Studies, Vol. 27 (2004), pp14-37; A.F. Cooper and B. Momani, ‘Qatar and expanded contours of small state diplomacy’, The International Spectator: Italian Journal of International Affairs, Vol. 46 (2011), pp. 113-128; K. C. Ulrichsen, ‘Small states with a big role: Qatar and the United Arab Emirates in the wake of the Arab Spring’, Durham: HH Sheikh Nasser al Mohammad al Sabah Publication Series, No. 3 (2012); R. Miller and K. Al-Mansouri, ‘Qatar’s Foreign Policy Engagement with the European Union: Evolving Priorities of a Small State in the Contemporary Era’, Comillas Journal of International Relations, No. 5 (2016), pp.46-64.
(23) S. Kuznets, ‘Economic Growth of Small Nations’, in E.A.G. Robinson (ed.), Economic Consequences of the Size of Nations, New York, St. Martin’s Press, 1960.
(24) ‘Qatar remains a leading player in oil and gas’ , Oxford Business Group, 2016.
(25) John L. Campbell and John A. Hall, ‘National identity and the political economy of small states’, Review of International Political Economy, Vol. 16 (2009), 547-572.
(26) M. Papadakis and H. Starr, ‘Opportunity, Willingness, and Small States: The Relationship Between Environment and Foreign Policy’, in C. F. Hermann, C. W. Kegley, J. Rosenau (eds.), New Directions in the Study of Foreign Policy, Boston, Allen & Unwin, 1987, pp. 409-432.
(27) Mika Aaltola, Joonas Sipilä, Valtteri Vuorisalo ‘Securing Global Commons: a small state perspective’ , The Finnish Institute of International Affairs, Working Paper 71, June 2011.
(28) Statement of General Joseph l. Votel, CommanderUS Central Command before the Senate Armed Services Committee on the posture of US Central Command. 13 March 2018,
https://www.armed-services.senate.gov/download/votel_03-13-18
(29) M. East, ‘Size and foreign policy behavior: A test for two model’, Journal of World Politics, Vol. 25 (1973), pp. 556-576. See also M. East, S. Salmore and C. Hermann, Why Nations Act, Beverly Hills, Sage, 1978.
(30)Statement of General Joseph l. Votel, CommanderUS Central Command before the Senate Armed Services Committee on the posture of US Central Command, 13 March 2018.
https://www.armed-services.senate.gov/download/votel_03-13-18
(31)M. East, ‘Size and foreign policy behavior: A test for two model’, Journal of World Politics, Vol. 25 (1973), pp. 556-576. See also M. East, S. Salmore and C. Hermann, Why Nations Act, Beverly Hills, Sage, 1978.