الهوية والانتماء ودورهما في صمود قطر

أدت العقوبات الجماعية التي فرضتها دول الحصار بالقطريين إلى الاعتماد على أنفسهم وتقوية روابطهم والالتفاف حول قيادتهم؛ لأنها تمثل كبرياءهم وتحمي استقلالهم وسيادتهم.
f555a21f928f481a9816eda3b028b498_18.jpg
عقوبات دول الحصار الجماعية عززت اعتماد القطريين على أنفسهم (رويترز)

لم يكن الصمود القطري في أزمة حصار قطر وليد اللحظة، ولم يكن الالتفاف الشعبي حول أيقونة "تميم المجد" مجرد تدافع عاطفي صنعه الموقف، بل هو وليد فكر راسخ في وعي المواطن منذ أمد بعيد ناتج عن كيفية إدارة القيادة القطرية للدولة وعلاقتها بالمواطن وحقوقه.

ركائز الهوية القطرية

لقد شكلت الهوية القطرية على مرِّ التاريخ الخليجي حالة استثنائية في الشكل والتطبيق. فعلى المستوى الديني، كانت قطر الدولة الوحيدة التي تمسكت بالمذهب الحنبلي وتفاعلت مع دعوة محمد بن عبد الوهاب الإصلاحية مع المملكة العربية السعودية، لكنها على مستوى التطبيق كانت أكثر انفتاحًا من السعودية على الخارج في التعاطي السياسي والاقتصادي وحتى على المستوى الاجتماعي في الداخل. ورغم أن المؤسسات القطرية بمختلف قطاعاتها كانت تسير ببطء مقارنة بنظيراتها في الخليج، إلا أنها كانت تسير وفق خطط مدروسة تعتمد في المقام الأول على الاستفادة من تجارب الآخرين.

لكن ما يميز العلاقة القطرية الداخلية كانت دائمًا التماسك الكبير بين الأسرة الحاكمة والشعب، رغم أن قطر دولة وراثية وليس فيها أي مستوى تمثيلي للشعب للمشاركة في القرار على مستوى الحكم، إلا أن إيمان الأسرة الحاكمة بخلق علاقة تكاملية بين الحاكم والمحكوم، والحرص على عدم التصادم مع المواطن أو خلق طبقية مجتمعية، أسهم في ترسيخ العلاقة القائمة على الاحترام والولاء. يضاف إلى ذلك الدور المحوري للقيادة في توفير مجموعة من الامتيازات التي يحظى بها المواطن القطري في سياق التنمية المستمرة في المجتمع والتي زادت من حجم الرضا الذي انعكس بدوره على تعزيز الولاء وتثبيته.

في مستهل توليه قيادة البلاد في العام 2013، عبَّر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني عن هذه الحالة القطرية بقوله: "من الطبيعي أن نضع مصلحة قطر والشعب القطري على رأس سلم أولوياتنا. وهذا يشمل الإنسان والمجتمع والاقتصاد والسياسة والهوية الثقافية. وفي الوقت ذاته، لا ننسى أنه لا هوية من دون انتماء لحلقات أوسع؛ فنحن جزء من منطقة الخليج العربي وجزء من العالم العربي والعالم الإسلامي، ونحن أيضًا جزء من الإنسانية والمجتمع الدولي"(1).

هذه الحلقات الأوسع أسهمت أيضًا في تشكيل وعي المواطن القطري وتعزيز انتمائه لأرضه وولائه لقيادته. ويترسخ ذلك في المواقف القومية والإسلامية لقطر في كل المحافل الدولية، بداية من موقفها الراسخ من القضية الفلسطينية، وليس نهاية بموقفها من ثورات الربيع العربي ووقوفها إلى جانب الشعوب.

كما أن الدولة القطرية كانت حريصة على عدم الخلط بين دوائر الانتماء فيها، دائرة الانتماء للوطن، ودائرة الولاء للقيادة، على عكس التجارب المحيطة. كما حرصت على التركيز على الانتماءات المكتسبة مثل اللغة والدين والمذهب دون الإضرار بالانتماءات التي تولد مع المرء مثل الانتماء العائلي أو الوطني أو العرقي.

لقد حرصت الدولة أيضًا على عدم خلق انتماءات تنافسية تسهم في خلق أي صراع من أي نوع بين أفراد المجتمع؛ فمنعت التصريح بالانتماءات السياسية وتشكيل الأحزاب تقديرًا لأن ذلك قد يجرُّها، مع الوقت، إلى التصادم مع المختلفين معها في نفس المجتمع. ورغم تعدد المذاهب والأعراق للمواطنين في قطر، ورغم تعدد الأعراق والأديان والمذاهب للمقيمين في قطر، إلا أن البلاد لم تشهد يومًا أي خلاف مذهبي أو طائفي. فقيادة البلاد حريصة على عدم المساس بذلك التنوع، والمواطنون من جهتهم لا يسمحون بأن تتحول تلك القضايا إلى جدل عام أو سبب من أسباب الانقسام الاجتماعي.

ولقد شكَّل الدستور القطري أساسًا للهوية القطرية؛ حيث نصَّ على أن المجتمع القطري "يقوم على دعامات العدل، والإحسان، والحرية، والمساواة، ومكارم الأخلاق"(2). على أساس هذه الأرضية القيمية وضع الدستور إطارًا للشكل الذي يجب أن يكون عليه المجتمع، سواء من ناحية القرارات العليا للدولة أو الممارسات الفردية للمواطنين. وحرصًا على التأكيد على المكتسبات الوطنية في مجال تماسك المجتمع وتعزيز هويته والحرص على التمسك بها والاستمرار في تقويتها، وَرَدَ في المادة العشرين من الدستور النص التالي: "تعمل الدولة على توطيد روح الوحدة الوطنية، والتضامن والإخاء بين المواطنين كافة"(3).

وقد تطلب الانفتاح الاقتصادي لقطر انفتاحًا سياحيًّا واجه معارضة من المواطنين، خاصة فيما يتعلق ببيع الكحول، رغم اقتصار ذلك على الأجانب. وحتى لا تخلق تلك المعارضة حالة من التصادم بين المواطنين ومؤسسات الدولة، حرصت القيادة على عدم اتخاذ خطوات يمكن أن تُعتبر من قبيل تغريب المجتمع المحافظ، بل إنها عززت القيم الدينية ورسخت الهوية العربية الإسلامية.

في نفس السياق، لم يكن الإعلام الرسمي، الذي تستخدمه الدول عادة لصناعة الوعي الجمعي للأمة، أو إعادة إنتاج وعيها ورسم الهوية التي تريد ونشر الأفكار في أي مجتمع، أداة قمعية أو أداة تضليلية تسعى لفرض رأي أو سلطة، بل كان دائمًا إعلامًا يتوخى أعلى درجات الحيطة في التعامل مع المجتمع وأفراده، حريصًا على عدم طرق أي باب يمس بمحرمات المجتمع أو يعرِّض عاداته وتقاليده لأي شكل من أشكال الانتهاك أو التشكيك، بل على العكس من ذلك كان الإعلام الرسمي يسير جنبًا إلى جنب التوجهات الفكرية والدينية للشعب القطري، فكان مرآته التي عكست واقعه وأسهمت في تعزيز هويته.

حتى عمليات التجنيس في قطر، باستثناء التجنيس الرياضي الذي كان لأهداف لا تتعلق بالجوانب الاجتماعية للمجتمع، كانت مدروسة بحيث يشكِّل غالب المنضمين الجدد للمجتمع امتدادًا للأسر الموجودة فيه، ذات الجذور الراسخة في أرضه. فلم يكن عشوائيًّا مثلما حصل في دولة البحرين التي جنَّست أعدادًا كبيرة ممن لا ينتمون لهوية المجتمع ولا يفقهون لغته. وقامت بعد ذلك بإدخالهم في المؤسسات الأمنية والعسكرية في مواجهة مع المواطنين. ولم تعان قطر، كذلك، من مشكلة "البدون" التي وصلت مرحلة متقدمة في الكويت وأصبحت تؤثر على هيكلية المجتمع وتكوينه. ولا كانت الدولة مقسمة لمناطق مثل السعودية والإمارات بحيث تكون لكل منطقة هويتها وثقافتها وموروثها الخاص الذي يخلق حالة من التصادم بين أبناء كل منطقة ويعمِّق الصراع والتنافس بين الأسر الحاكمة أو ممثليها في كل منطقة.

المحافظة والانفتاح

واجهت المعطيات السابقة تحدي قلة عدد السكان مقارنة بعدد المقيمين في البلاد، وهو الأمر الذي يجعل المجتمع يعيش تحديًا مع الذات في تأصيل هويته، إما بالانغلاق عليها تارة، أو نشرها لدى الوافد الجديد تارة أخرى لمنع تعرض المجتمع للثقافات الأخرى التي يمكن أن تطغى على ثقافته الأصلية. في هذا السياق تقول الكاتبة القطرية، مريم الحمادي، في كتابها "هويتي قطري": "إن وعي الشعب القطري وفطنته، هو النتاج الحقيقي لاستثمارها في التنمية البشرية. فكل القيم التي يؤمن بها الأفراد تظهر في النهاية في شكل سلوك واع، ومتزن، يستطيع فيه الفرد التحكم وضبط النفس والوصول للشجاعة الكافية، ليتحمل تبعات ما يؤمن به"(4).

لقد راهنت دول الحصار منذ اللحظة الأولى على قلة عدد المواطنين في قطر، باعتبارها نقطة ضعف يمكن البناء عليها، لكنها في الحقيقة كانت نقطة قوة في الحصار، حيث إن الحصار اعتمد على معلومات مُضَلِّلَة ومُفَبْرَكَة، وبناء عليه كان يجب أن تصل الرسالة المضادة التي توضح الحقيقة لكافة أفراد الشعب في أسرع وقت ممكن وبنفس الفعالية والقوة، وهذا لا يتحقق بسهولة في الدولة مترامية الأطراف، متعددة اللغات، كثيرة المصادر للأخبار. فصغر حجم قطر وقلة عدد سكانها جعلا الرسالة تصل بقوة وتأثير فوري، دفعت من خلاله الشعب القطري للالتفاف حول قيادته والتعامل مع الحصار على أنه عمل عدائي حتى لو كان من يرتكبه "شقيق" عربي خليجي.

لم يكن تحدي الحصار سهلًا على القيادة السياسية؛ إذ يعتبر الحصار الحدث السياسي الأخطر الذي تتعرض له الدولة في تاريخها، والذي كاد أن يرتقي لمستوى الحرب لو نجحت خطة دول الحصار في غزو قطر في الأيام الأولى. لهذا كان التعاطي معه بناء على التقارب الشعبي والمحافظة على مكتسبات الهوية السياسية للدولة في غاية الحكمة. فلم تقم قطر بالسيطرة الفورية على إعلامها وبث نفس الأكاذيب والفبركات في حملة إعلامية مضادة، ولم تصدر قانونًا يمنع التعاطف ويقمع حرية الرأي والتعبير، ولم تقم بتوجيه الخطاب الإعلامي للمؤسسات الخاصة والأفراد، بل راهنت على الإرث الذي تملكه الدولة في انتماء وولاء المواطن وتمسكه بقيم هويته الوطنية التي نص عليها الدستور. وكان ذلك تحديًا حقيقيًّا لا تقوم به أكبر الدول الديمقراطية في أزمات لا توازي في قوتها نصف هذه الأزمة. لكنه كان رهانًا ناجحًا جعل الجبهة الداخلية أقوى وأكثر تماسكًا، وخلق حائط دفاع أولًا للحكومة التي تفرغت للتعامل مع القضية في جوانبها السياسية والدبلوماسية والاقتصادية.

جعل هذا التماسك الاجتماعي الداخلي في مواجهة الأزمة، دول الحصار تبحث عن مخرج آخر يحقق لها هدفها بإحداث صدع بين الشعب والقيادة لعلمها أنه الرهان الأبرز داخليًّا لإضعاف الحكم في قطر، فلعبت على وتر التعصب القبلي ودق طبول الخلاف بين الامتداد القبلي لبعض القبائل القطرية في دول الحصار خاصة في المملكة العربية السعودية. ولكن هذا الرهان فشل أيضًا ولم يحقق النجاح المنشود. ولم يكن الفشل في الحقيقة من نتائج الصدمة العاطفية التي خلَّفها الحصار، بل كان نتيجة تحول الفكر القبلي عند أفراد القبائل المستهدفة من الانتماء المطلق للقبيلة إلى توسيع دائرة الانتماء لتكون الدولة ومن ثم الجماعة (الشعب) ومن ثم القبيلة هي دوائر الانتماء.

نتج هذا التغير في الفكر القبلي عن سياسة بدأت منذ سنوات في قطر قوامها مساواة الناس مع بعضهم البعض، ونزع التعصب القبلي بين أفراد المجتمع. فلا مظاهر مسلحة بين القبائل، ولا دعم من الدولة لقبائل على حساب أخرى تريد قمعها، ولا إثارة النعرات القبلية عبر الحملات الإعلامية الممنهجة لإبقاء الشعب مشغولًا بقضايا فرعية على حساب قضاياه الكبرى الجمعية.

ورغم أهمية هذا الأمر وتأثيره في أزمة حصار قطر، إلا أن تأثيره في مستقبل الدولة وبنائها سيكون كبيرًا ومؤثرًا ومصيريًّا على مستوى دول الحصار. فالتحولات المجتمعية جارية حاليًّا في دول الحصار، والقمع والزج بكافة المعارضين أو حتى الصامتين في السجون تحول إلى ممارسة شبه يومية في تلك الدول. ومن مظاهر ذلك أيضًا إحكام القبضة الأمنية وتطويع القانون لتعزيزها مثل سنِّ قانون التعاطف وغيره من الإجراءات الزجرية والردعية. يضاف إلى ذلك حالة العداء المبطنة ضد الكويت وعُمان وشعوبهما والشعوب والحكومات العربية التي وقفت مع قطر أو على الحياد.

آثار الحصار على الهوية

إن الطريقة التي تعاملت بها القيادة السياسية في قطر مع أزمة الحصار، خاصة على المستوى الشعبي المحلي، ستخلق قوة شعبية هائلة تمنح نظام الحكم شرعية واسعة، وتكون نموذجًا إيجابيًّا تتطلع إليه شعوب المنطقة، لاسيما في الدولة صغيرة الحجم. لقد كانت قناة الجزيرة على مدار عشرين عامًا الماضية القوة الناعمة الحقيقية لدولة قطر. أما اليوم، ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي واتساع استخدامها بين المواطنين، فقد أصبح الشعب القطري ذاته قوة ناعمة، قد تضاهي قوة الجزيرة.

ولعل التماسك المجتمعي والالتفاف الشعبي حول نظام الحكم قد أسهم في دفع القيادة السياسية إلى تسريع عجلة البرلمان المنتخب. وليس ذلك لأن الشعب أصبح جاهزًا لممارسة العملية الانتخابية والسياسية فقط، ولكن أيضًا لأن الهدف المشترك في الحفاظ على هذا الوطن تحت هذه القيادة السياسية من أي أخطار أصبح هدفًا مشتركًا للجميع مهما اختلفت توجهاتهم الفكرية لاحقًا.

إن مستقبل قطر أصبح اليوم مرهونًا بتكاتف الشعب مع القيادة في اتخاذ القرارات المصيرية المتعلقة بالمستقبل، بداية من الانفصال عن المحيط الخليجي، وخاصة دول الحصار. فهذه الأزمة، حتى وإن حُلَّت، ستخلِّف جروحًا غائرة بسبب ممارسات دول الحصار التي انتهكت كل الأعراف وأعادت إلى الذاكرة نفس التاريخ العدائي المتسم بمحاولات السيطرة على قطر وعلى مقدراتها. يضاف إلى ذلك، ضرورة تحقيق الأمن الغذائي والمائي والأمني والذي كانت قطر سابقًا تعول فيه على التكامل، وقد بدأت خطوات عملية حقيقية في هذا الاتجاه. ولا شك أن المحافظة على مكتسبات القوة الناعمة السابقة للأزمة أو تلك التي شكلتها الأزمة يعتبر صمام أمان للدولة والقيادة والشعب في المستقبل.

لكن ذلك لا يعني أن قطر لا تحتاج إلى بعض الإصلاحات الداخلية. فالخطوات باتجاه برلمان قطري ينبغي أن تكون أسرع مما عليه الآن. والمجتمع المدني القطري يجب أن يكون له دور أكبر وأكثر فاعلية بتحرره من الدعم الحكومي أو حتى من ضرورة التصريح الحكومي له والسيطرة عليه وإغلاقه إن أرادات الحكومة ذلك. والجمعيات الأهلية يجب أن تُمنح حق الإنشاء دون تعطيل لتسهم في الدفاع عن حقوق المهن التخصصية ورفع مستوى كفاءة العاملين فيها.

إن التحدي الأكبر الذي سيواجه المجتمع الخليجي وحكوماته لن يكون الخطر الخارجي في المقام الأول. إن أكبر خطر يواجه استقرار منطقة الخليج هو انتقال التجربة المصرية والليبية والسورية إلى الخليج؛ حيث يصل الفساد إلى مداه الأقصى، مصحوبًا بحالة قمع واسعة على كافة المستويات؛ الأمر الذي سيؤدي في النهاية إلى إقامة ملكيات دستورية أو صدام غير محمود بين الشعب والأسر الحاكمة. لذلك، فإن دولًا مثل البحرين والمملكة العربية السعودية، ثم الإمارات بدرجة أقل، تقف اليوم على صفيح ساخن. ففي الوقت الذي يعيش فيه الشعب الإماراتي تحت قبضة أمنية مشددة، فإن الشعب السعودي والبحريني يزداد فقرًا وسط تغول الفساد والقبضة الأمنية معًا؛ الأمر الذي سيخلق ربيعًا خليجيًّا يعزز حركة الربيع العربي، ما لم تحدث تحولات تضمن الاستقرار والأمن في المنطقة.

وحدهما قطر والكويت ستنأيان بنفسيها عن هذا المصير؛ قطر بحكم متانة العلاقة بين الشعب والحاكم ومستوى الرفاهية الذي يعيشه المواطنون، والكويت بحكم المشاركة الشعبية في الحكم عبر التاريخ الطويل لمجلس الأمة، بالإضافة إلى مستوى المعيشة الجيد مقارنة بالبحرين والسعودية. أما سلطنة عُمان فلا يمكن قراءة المشهد بوضوح في مرحلة ما بعد السلطان قابوس، خاصة أن الإمارات ومنذ ما يقارب العشرين عامًا تتدخل في الشؤون العُمانية.

خاتمة

لا شك أن حصار قطر شكَّل علامة فارقة في العلاقة بين شعوب الخليج في الوقت الحالي، لكنه في المستقبل، سيشكِّل نقطة انطلاق نحو مجهول لا نعرف ملامحه، سواء جاء ذلك من الأعلى (أنظمة الحكم) أو من الأسفل (الشعب). لكن الواقع والأثر الذي خلَّفه الحصار بالنسبة إلى الشعب القطري سيجعل المجتمع يتعاطى مع حاضره لبناء مستقبله بشكل مختلف عمَّا أَلِفه في الماضي. فبعد هذه الأزمة الخليجية لم تبق لدى القطريين ثقة في الاعتماد بشكل مطلق على من كانوا يرون فيهم أشقاء من حولهم، بل سيبدؤون بالتعويل على أنفسهم في كل شيء، وستتحول الروابط الخليجية من مرحلة العلاقات الأخوية إلى مرحلة المصالح المشتركة.

إن الإنجازات تصنع شعور الفخر الوطني لدى الشعوب، خاصة تلك التي يولدها الانتصار في الحرب، أو الانتصار على آثارها وتبعاتها. ولعل حصار قطر جمع بين الاثنين، الانتصار في حرب كانت ستكون، والانتصار على آثار وتبعات حصار كان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*عبد العزيز آل إسحاق، إعلامي قطري ومحلل سياسي.

مراجع

(1) "النص الكامل لكلمة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني"، الجزيرة نت، 26 يونيو/حزيران 2013، (تاريخ الدخول: 25 مايو/أيار 2018): https://bit.ly/2d5X5Xg

(2) الدستور الدائم لدولة قطر، الباب الثاني: المقومات الأساسية للمجتمع، المادة 18.

(3) المصدر السابق، المادة 20.

(4) الحمادي، مريم، هويتي قطري، (دار روزا، قطر، 2017).