مقدمة
منذ أكثر من عشر سنوات مضت على تأسيس جماعة بوكو حرام، كان الهدف الأول لهذا التنظيم بناءَ نموذج دولة الخلافة في شمال نيجيريا. وعلى إثر انسحاب مسلحي الجماعة من مدينة غامبي الواقعة بشمال شرقي نيجيريا بعد سلسلة من المعارك الطاحنة مع الجيش النيجيري، أصبحت هذه الجماعة المتمردة قضية تشغل أجندات الدول المجاورة.
جعل أبو بكر شيكاو، منذ توليه زعامة بوكو حرام سنة 2009، من التنظيم آلة فعالة لجغرافيا الرعب والقتل والترهيب في المنطقة(1). ففي السابق، كانت أضرار بوكو حرام، لا تتعدى نيجيريا، ولكن اعتبارًا من سنة 2013، وسَّعت الجماعة نشاطاتها خارج نيجيريا، فشملت كلًّا من الكاميرون والنيجر. ثم ركزت بوكو حرام هجومها بعد ذلك على تشاد(2)، في سعي منها للسيطرة على مساحة جغرافية أوسع، وهو ما قد يمكِّنها من الحصول على موارد مادية وبشرية واستراتيجية كبيرة، من جهة، وسعيًا منها لتوسعة مجال نفوذها إلى ما وراء مربعها التقليدي، من جهة أخرى. وهو ما قد يربك الحسابات السياسية ويزعزع معادلة الأمن لتلك الدول المطلة على حوض بحيرة تشاد.
وهذا ما يدفع بنا إلى التساؤل عن خلفيات وأسباب هذا التمدد والتحول الجغرافي للجماعة، خاصة وأنها اختارت هذه المرة بحيرة تشاد نقطةَ عمل وارتكازٍ استراتيجي، ومحطةً جغرافية تهدد من خلالها الثالوث المحيط بتلك البحيرة (الكاميرون، والنيجر، وتشاد).
1. انعكاسات تمركز "بوكو حرام" على الثالوث المحيط بحوض بحيرة تشاد
تعتبر بحيرة تشاد موردًا حيويًّا بالنسبة للدول المطلَّة عليها (الكاميرون والنيجر وتشاد ونيجيريا)، وباتت تعرف تقلصًا رهيبًا على مستوى متوسط مياهها، والذي يعود إلى فترة بعيدة. وما زاد من تدهور وضع البحيرة هو تمركز "بوكو حرام" وغيرها من المجموعات المسلحة في البلدان المحيطة بها، وهو الأمر الذي حال دون الانطلاق في مشاريع ومخططات الإنقاذ الخاصة بهذا المورد المائي الحيوي، الذي تبنته الدول المطلة على البحيرة منذ سنة 2008، والتي حالت سلسلة الهجمات الإرهابية في المنطقة دون الحصول على التمويلات اللازمة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من تلك البحيرة التي تعد شريانًا حيويًّا بالنسبة لاقتصاديات ثالوث الدول المطل على البحيرة، والذي يعد مصدر رزق لنحو 30 مليون شخص(3). ونظرًا لتزايد خطر جماعة بوكو حرام في المنطقة، أثَّر ذلك على أولويات وترتيبات الدول المطلَّة على بحيرة تشاد، ليصبح عنصر الأمن في طليعة الاهتمامات الوطنية، وهذا على حساب كل من قطاعي التنمية والصحة.
1. 1. واقع التنمية وحماية الطرق التجارية في دول الحوض
إلى وقت غير بعيد، كانت مشكلة الجمارك الوحيدة في المنطقة هي المهربين، أما اليوم، فلقد أصبحت هجمات بوكو حرام تشكِّل خطرًا على الطرق التجارية التي كانت نجامينا تستعملها في تبادلاتها مع كل من نيجيريا والكاميرون، على وجه التخصيص(4). فبعد أن أصبحت الحدود مع نيجيريا شبه مسدودة بالكامل، نظرًا لانعدام الأمن فيها، وهذا منذ أكثر من سنتين، تحولت تشاد نحو الكاميرون وهذا من أجل استيراد حاجياتها الأساسية. لتصبح بذلك، مسألة تأمين وحماية الطرق التجارية إحدى أهم أولويات الدول المطلة على حوض تشاد(5)، هذا بعد أن أنهكت الحرب على بوكو حرام اقتصاديات ثالوث الدول المطلة على بحيرة تشاد: فالاقتصاد التشادي، على سبيل المثال، أضحى يعاني بسبب عملية الخنق الممارسة من طرف الجماعة، وذلك من خلال قطعها للمحور الوحيد الذي يربط تشاد بحركتها التجارية(6). وبسبب توافد عناصر مرتزقة بجنوب ليبيا على بوكو حرام، أصبحت النيجر تنفق ما يقارب 20% من ميزانيتها على الأمن بسبب تصاعد التهديدات الأمنية على حدودها مع ليبيا، هذا إلى جانب وجود العديد من الجماعات المتشددة على حدودها مع بقية دول الجوار خصوصًا مالي وبوركينافاسو(7)، وهو ما قد يضعف مقدرتها على مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية وحتى الديمغرافية: حيث أسفرت عمليات بوكو حرام في المنطقة عن مقتل المئات من المدنيين وتهجير الآلاف من المواطنين (تنامي ظاهرة هجرات الأزمات) هربًا من سلسلة المجازر الفظيعة التي ارتكبها مقاتلو الجماعة.
1. 2. بوكو حرام وتشاد: بين العمل الانتقامي واستراتيجية الجبهات المفتوحة
تشير التقديرات الأمنية إلى أن انضمام تشاد إلى الحرب على بوكو حرام وتورط قواتها في الداخل النيجيري والكاميروني، قد يحوِّل هذا البلد إلى ثقب أسود يستقطب ويمتص مجموعات متطرفة أخرى على غرار كل من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وجماعات مسلحة أخرى موجودة في شمال مالي، وهو ما سيورطها في صراع لن يتوقف بسهولة. ويرجع الأمر إلى كون تشاد شاركت سابقًا بقواتها المسلحة في الحرب على تلك التنظيمات عام 2013، وذلك تحت ضغط وإيعاز فرنسي؛ لتتحول على إثر ذلك تشاد إلى هدف لتلك المجموعات التي تسعى من أجل تأسيس تحالف كبير، يضم جبهات عديدة مفتوحة (في شمال النيجر وشمال تشاد وفي شرق نيجيريا وغربي تشاد). هذا، بالإضافة إلى وجود مجموعات أخرى أبدت جاهزيتها للانضمام إلى ذلك التحالف موجودة حاليًّا في ليبيا؛ حيث فُتِحت، على سبيل المثال، قنواتُ التواصل بين كل من تنظيم "داعش" في ليبيا و"بوكو حرام" في نيجيريا، وتنامت علاقات التعاون بينهما كخطوة يمكن أن تكون مقدمة لمشروع (جهادي) مهم ونشاط إرهابي كبير خلال المرحلة المقبلة، خاصة في كل من منطقتي شمال وغرب إفريقيا. وهذا التطور قد يفرض كذلك ضغوطًا كبيرة خاصة على مصالح الدول الغربية في المنطقة. فمثل هذا الأمر، من شأنه أن يعمِّق مخاوف دول المنطقة من إمكانية تشكيل ذلك التحالف لحزام إرهابي يربط بين منطقتي شمال إفريقيا وغربها؛ علمًا بأن تنظيم داعش كان يسعى، ومنذ فترة، إلى السيطرة على أكبر مساحة جغرافية في المنطقة من أجل تمكين استراتيجيته القائمة في أحد جزئياتها على الدخول إلى منطقة شمال إفريقيا والتي تطلق عليها اسم "بوابة روما"؛ وذلك من أجل الضرب بشكل أقوى. وهو ما سيشكِّل خطورة كبيرة على المصالح الاقتصادية والاستراتيجية لبعض دول المنطقة، والتي غالبًا ما تُمثل الهدف المفضل لأية جماعة جهادية(8).
1. 3. مشكلة تأمين المنطقة: المخاوف والأسباب
أحيت سلسلة العمليات التي قامت بها جماعة بوكو حرام في الدول المطلَّة على حوض بحيرة تشاد مجموعة من المخاوف والمسائل المرتبطة بالأمن الإقليمي. هذا، بعد أن هيمنت في السابق قضايا الأمن الوطني على تصورات دول المنطقة ولفترة طويلة، مقوضة في ذلك مشاريع بناء أمن إقليمي يخدم في مخرجاته قضايا الأمن الداخلي لدول المنطقة. ومن بين أهم المخاوف المطروحة على الأجندة الأمنية لثالوث الدول المطلة على حوض بحيرة تشاد، ما يلي(9):
أولا: ضم هذه الحركة لمجموعة مهمة (تقدر بالآلاف من المقاتلين).
ثانيا: احتمال حدوث تحالف في المستقبل القريب بين كل من حركة الإصلاح بـ(دلتا النيجر) وجماعة بوكو حرام في الشمال. وهو ما قد يؤدى إلى عدم استقرار الأوضاع الأمنية في مناطق إنتاج النفط. الأمر الذي قد يحول المنطقة إلى معقل للجماعات المسلحة، ويتأكد هذا الأمر مع ترسخ عوامل الفساد والفقر المستشريين في غرب إفريقيا، واللذان يوفران ظروف تفريخ ملائمة للتشدد.
ثالثا: إعلان رئيس جماعة بوكو حرام التحاق جماعته بتنظيم القاعدة، وهو ما أثار مجموعة من المخاوف من أن تصبح المنطقة أفغانستان جديدة تأوي إليها كل التيارات الجهادية العابرة للقارات، على غرار القاعدة. لتتحول إلى منصة تنطلق منها لتهديد الأنظمة والدول المحيطة بالمنطقة.
رابعا: تكمن خطورة بوكو حرام في الدول المطلة على حوض بحيرة تشاد في كونها مثيرة لنعرات الفرقة والانقسام بين النصارى والمسلمين: أي تعمِّق الفتنة الطائفية في كل دولة تعرف فيها الصراعات الدينية أو المذهبية شكلًا منتظمًا.
2. تمركز بوكو حرام في الثالوث المطل على بحيرة تشاد: الأسباب والخلفيات
يعود تركيز جماعة بوكو حرام وجودها، في السنوات الأخيرة، في الدول المطلة على بحيرة تشاد لاعتبارات عديدة، أهمها هو: أن هذا الحضور المتنامي في تلك المنطقة يأتي كرد فعل على النجاح النسبي الذي حققته ضربات قوات التحالف الإقليمي (والذي يضم كلًّا من النيجر ونيجيريا وتشاد والكاميرون) ضد معاقلها في الشمال النيجيري(10). وهو الأمر الذي دفع بعناصر بوكو حرام إلى الهروب نحو منطقة بحيرة تشاد، التي تلتقي فيها حدود دول التحالف الإقليمي، لتنطلق من خلالها في سلسلة من الهجمات والعمليات الانتقامية ضد دول التحالف، هذا من جهة. وسعيًا من الجماعة إلى تقسيم التحالف وتشتيت تركيزه الاستراتيجي، من جهة أخرى، تجنبًا للضغط الممارَس عليها سابقًا في نيجيريا، وحاليًّا من قِبل القوات التشادية، في منطقة أقصى الشمال الكاميروني(11). وتعمل بوكو حرام من خلال هذا التركيز الاستراتيجي في دول حوض بحيرة تشاد على استهداف النيجر، الحلقة الأضعف من ذلك التحالف. وهي رسالة، في نفس الوقت، إلى تشاد مفادها أن بوكو حرام وعلى الرغم من النجاح العسكري الذي أحرزته القوات التشادية في شمالي الكاميرون، إلا أن ذلك لن يوقف تمدد الجماعة، بل ستبقى تشاد هدفًا لهجماتها المقبلة.
أكثر ما ساعد بوكو حرام على عملية التمدد تلك هو سوء تقدير دول الحوض لقوتها ومقدراتها؛ فأي شخص يمكنه الانضمام أو العمل باسم تلك الجماعة! فهذه الأخيرة ليس لديها احتياجات لوجستية كبيرة. هذا، إذا أضفنا ميزة مرونة وسرعة الحركة التي يتمتع بها مقاتلوها، وهو ما يسمح للجماعة بتنفيذ تكتيكات حرب العصابات وبأريحية كبيرة (الهجوم الخاطف والانسحاب السريع). الأمر الذي دفع في وقت سابق بالجيش النيجيري -الذي يعد أحد أقوى الجيوش الإفريقية- إلى الانهيار أمام المناورات العملياتية لهذه الجماعة.
ويُعزى هذا التخندق الجديد للجماعة في دول المنطقة إلى عدة عوامل، أهمها ما يلي:
أ- تردي الوضع الاقتصادي في الدول المطلة على بحيرة تشاد.
ب- انتشار البطالة والفساد المستشري في النخبة السياسية؛ ما دفع ببعض شباب دول المنطقة إلى الانضمام إلى جماعة بوكو حرام.
ج. الحدود الطويلة المفتوحة وحالة السيولة في كل إفريقيا جنوب الصحراء، تتيح لهذه المجموعات المسلحة التمدد، هذا أمام ضعف سيطرة الدولة المركزية في المنطقة على فضائها الجغرافي.
د. انتشار السلاح خاصة بعد سقوط نظام القذافي؛ إذ تشير بعض التقارير الأمنية الدولية إلى أن هناك حوالي 23 مليون قطعة سلاح ليبي، تم تسريبها بعد سقوط نظام القذافي، وتغذي الصراعات المسلحة والحركات القتالية في الساحل الإفريقي(12).
هـ. تعتبر المنطقة إحدى أهم النقاط الجغرافية التي تعرف تنامي النشاطات الاستخباراتية الدولية، خاصة أن تشاد، والكاميرون، والنيجر، مثلها مثل بقية الدول الأخرى في المنطقة، أضحت مسرحًا للعديد من الصراعات. وهو ما يوفر بيئة حاضنة لأية مجموعة متمرِّدة أو متطرِّفة.
أكثر ما شجَّع عملية التمدد تلك، هو زيادة تعقيد الحرب على الإرهاب في المنطقة، وذلك على خلفية تنافس بعض القوى الأجنبية والغربية من أجل التموقع في القارة الإفريقية؛ ما أدى إلى الإبقاء على تلك التحالفات العسكرية المعنية بمواجهة المجموعات المسلحة في مرحلتها الجنينية.
3. مواجهة بوكو حرام: الاستراتيجيات والعقبات
انطلاقًا من ضرورة بناء القدرات في جميع الدول المطلة على حوض بحيرة تشاد، والذي يعد عنصرًا أساسيًّا في الجهود الإقليمية لمكافحة بوكو حرام وبقية المجموعات المسلحة المتمردة منها والمتطرفة، يتم اتخاذ مجموعة من الاستراتيجيات والتدابير الرامية إلى تنمية قدرة تلك الدول على الوقاية من الأعمال الإرهابية التي تقوم بها تلك الجماعة ومكافحتها. ويتم ذلك في إطار تعزيز التنسيق داخل التحالف في سياق النهوض بالتعاون الإقليمي في مجال مكافحة الإرهاب، والذي تتخلله بعض العقبات في الطريق. ويمكن حصر تلك الاستراتيجيات، حسب درجة أهميتها، كالآتي:
أولا: تطوير وتحديث قوات الأمن، والتي تعتبر بمثابة خط الأمن الداخلي الأول، مع الاستفادة من الخبرات العسكرية المتراكمة والتي اكتسبتها قوات مسلحة وأمنية أخرى في مكافحة الإرهاب (على غرار كل من مصر والجزائر).
ثانيا: ضرورة توحيد الجهود الأمنية في مجال مكافحة الإرهابيين لكافة الدول المطلة على بحيرة تشاد وحتى الشقيقة والصديقة بدءًا من الدائرة الإفريقية الغربية والوسطى، وصولًا إلى منطقة الساحل، وهذا في إطار السعي نحو اتباع سياسات موحدة من أجل القضاء على منابع الإرهاب ومقاومته أمنيًّا.
ثالثا: تطوير مصادر وسبل تبادل المعلومات بين الأجهزة الأمنية وتنمية وسائل الحصول عليها (بين الدول المطلة على البحيرة وبقية الدوائر الإفريقية الأخرى). مع السعي نحو اتخاذ كافة التدابير والوسائل الحديثة اللازمة لرصد العناصر الإرهابية وكشف تحركاتها أولًا بأول.
رابعا: دعم القوات العسكرية والأمنية المكلفة بمكافحة الإرهاب بالاحتياجات من معدات وتقنيات حديثة، وبالمؤهلين من ذوي الاختصاص وعقد دورات تدريبية في مجال مكافحة الإرهاب في الدول المطلة على البحيرة قصد الارتقاء بالمهارات.
خامسا: تنفيذ سياسات الإصلاح بكل أبعادها، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا بناء على أجندة وطنية تُراعى فيها الأهداف ومصالح الدول المطلة على البحيرة، وتلائم قيم وعادات وتقاليد مجتمعاتها، وتتكيف مع سياق النمو والتطور السياسي واقتصادي والاجتماعي.
سادسا: زيادة التعاون الاستراتيجي مع بقية دول منطقة الساحل والدوائر الإفريقية سابقة الذكر، وذلك من خلال تنسيق المواقف السياسية وتبادل المعلومات والخبرات في مجال الإرهاب والمخدرات والجريمة المنظمة وغسيل الأموال. بالإضافة إلى وضع سياسات أمنية وعسكرية. ويتم ذلك من خلال وزراء الخارجية والدفاع، ومجلس السلم والأمن الإفريقي. ويتم تنفيذه على المدى الزمني القريب والمتوسط.
سابعا: تفعيل سياسة الدول المطلة على بحيرة تشاد على المستويين، الجهوي والإقليمي، وتعزيز مجالات الثقة والتكامل الإقليمي والتنسيق مع الدول الفاعلة في هذا الشأن، مع اتخاذ خطوات عملية في مجال إنهاء الاستغلال الأجنبي لظروف الدول المطلة على بحيرة تشاد وكذا بقية الأراضي الإفريقية الأخرى، مع ضرورة تحقيق لمعادلة الاستقرار في تلك الدول.
غير أن هناك، في حقيقة الأمر، مجموعةً من العقبات تقف حائلًا دون تحقيق أو تكملة أهداف ذلك التحالف وتلك القوة الإفريقية المشتركة في القضاء نهائيًّا على "بوكو حرام". ويمكن ذكر أهمها كالتالي:
أ- افتقاد التحالف الإقليمي ضد "بوكو حرام" للرؤية الاستراتيجية على المدى البعيد، والتي من شأنها القضاء على هذه الجماعة في منطقة غرب إفريقيا(13).
ب- غياب التنسيق الإقليمي فيما يخص التعاون الأمني والاستخباراتي، وتأمين الحدود المشتركة بين دول المنطقة.
ج- وجود ساحة مفتوحة أمام "بوكو حرام" للتنقل بحرية، وهو الأمر الذي أدى إلى مزيد من الفوضى والعنف.
هـ- تباطؤ دول التحالف بشأن إنشاء قوة عسكرية مشتركة متعددة الجنسيات، كان المفترض أن تبدأ مهامها في 31 يوليو/تموز 2015، وهذا بعد أن عقد رؤساء أركان الدول الإفريقية المشترِكة في التحالف الإقليمي قمة للاتفاق على تفاصيل نشر هذه القوة التي من شأنها القضاء على "بوكو حرام"، والقيام بتنسيق الجهود المشتتة فيما بين جيوش المنطقة(14).
و- افتقار معظم الجيوش الإفريقية للكثير من التكتيكات العسكرية المتقدمة، واعتمادها على تكتيكات تقليدية، مقابل تمتع التنظيمات الإرهابية بخبرة عميقة في حروب العصابات التي أرهقت الكثير من الجيوش النظامية.
ز- الفساد الذي أصبح منتشرًا في الجيوش الإفريقية، إضافة إلى كون الجيش في إفريقيا أصبح أحد العناصر المهمة والأساسية في الحفاظ على النظام السياسي القائم، فضلًا عن عمليات الإدماج التي تعرضت لها بعض الجيوش الإفريقية، مما كان له أثر في اختراق صفوفها، خاصة في ظل إدماج عناصر كانت منضمة سابقًا في جماعات انفصالية مسلحة.
ح- تراجع أولويات دول التحالف: ويعد هذا الأمر أحد أهم العقبات التي تعرقل التنسيق والتعاون فيما بين دول التحالف الإقليمي للتخلص من خطر "بوكو حرام"، ويرجع هذا أساسًا إلى غياب استراتيجية موحدة مبنية على أهداف جماعية. هذا، إلى جانب سعي كل دولة لتحقيق أهدافها بشكل منفرد ومنفصل. بالإضافة إلى سعي القوى الإقليمية المشتركة في انتزاع الزعامة في حربها ضد "بوكو حرام".
خاتمة
بناء على ما سبق، فإنه قد أضحت هناك إمكانية كبيرة، بعد التموضع الجغرافي الجديد لبوكو حرام على حساب الدول المطلة على حوض بحيرة تشاد، لأن تتحول المنطقة إلى ملاذ آمن للجماعات المتطرفة. ومن المرجح أن يرفع تنظيم بوكو حرام سقف طموحاته بعد الاتحاد مع تنظيم "داعش"، وهو ما سيعزز مكانته خاصة في الأراضي الليبية المتصلة مع النيجر وتشاد؛ إذ تعد فرصة ذهبية أخرى للتمدد وتوسعة طموحاته للدخول إلى منطقة شمال إفريقيا ومنها إلى أوروبا. فأمام الضغوط العسكرية المستمرة التي تتعرض لها جماعة بوكو حرام من طرف التحالف العسكري الإفريقي، أصبحت ليبيا الغارقة في الفوضى بيئة مناسبة للعمل الجهادي. لذلك، من المتوقع أن تشهد في المستقبل القريب تدافعًا أكبر لمقاتلي بوكو حرام على مدينة (سرت) الساحلية، وهو ما قد يؤدي إلى موجة عنف تستهدف دول وشعوب المنطقة.
مقابل ذلك، سيجني تنظيم داعش من وراء اندماجه مع بوكو حرام، أن يُصبح جماعة عابرة للحدود تجسيدًا لشعاره "باقية وتتمدد"، كما سيتمكن من إيجاد ملجأ للهروب نحو بلدان غرب إفريقيا، خاصة إذا حدث أي تدخل عسكري ضده في ليبيا، إضافة إلى كونه سيحصل على خطوط إمداد جديدة.
____________________________________________________________________
*- د. بلهول نسيم: أستاذ محاضر بقسم العلوم السياسية بجامعة البليدة 2 (الجزائر)،
وباحث في الشؤون الأمنية والاستراتيجية.