الجماعات المسلحة بنيجيريا والسيناريوهات المحتملة بعد البغدادي

تصدرت مشهدَ الحركات المسلحة بنيجيريا بوكو حرام وتنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا، ومنذ مقتل البغدادي أصبح مستقبل التنظيمين محل تساؤل، ومن المرجح أن يصبح الساحل الإفريقي مركزًا لقيادة داعش الجديدة، بالنظر إلى أهميته لاستراتيجية التنظيم والتي تتمثل في نجاته من الحرب الدولية وتوسعه المطرد.
تصدرت بوكو حرام مشهدَ الحركات المسلحة بنيجيريا منذ مقتل البغدادي (الجزيرة)

لقد أحيا مقتلُ أبي بكر البغدادي، الزعيم السابق لتنظيم الدولة الإسلامية (أو الدولة الإسلامية في العراق والشام، داعش)، ومن بعده أبو حسن المهاجر، المتحدث باسم الجماعة، الاهتمامات الدولية بمستقبل الحركات المسلحة التابعة للتنظيم في إفريقيا بشكل عام، ومدى تأثر الحركات المسلحة في شمال شرق نيجيريا والمناطق المحيطة بها بهذا التطور. وذلك لأن الحركات التابعة لـ"داعش" في إفريقيا قد نجحت في التكيف مع الديناميات المحلية بالقارة وتستمر في تحدي حكومات دول الصحراء والساحل وحوض بحيرة تشاد والأجزاء الوسطى والشرقية من إفريقيا.

ففي يونيو/حزيران 2019، أصرَّت الحكومة النيجيرية على روايتها القديمة (1) والمُكررة منذ 2015 بأن "جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد" أو (بوكو حرام) مهزومة، مع أن هذه الجماعة قتلت عشرات الآلاف من سكان شمال شرق نيجيريا وأجزاء من النيجر وتشاد والكاميرون (2). وزادت أبوجا في روايتها الأخيرة أن الهجمات الجديدة التي تُنسَب إلى "بوكو حرام" تُنفذها حركات مسلحة متطرفة أخرى، تتكون من فلول "بوكو حرام" ومن مجرمين هاربين وأفراد من جماعات إرهابية من شمال إفريقيا بالتعاون مع مسلحين من غرب القارة بعد انهيار الدولة الليبية، وكذلك بعض الأفراد القادمين من العراق وسوريا ولبنان(3)؛ وهو ما يعني استغلالهم لحالة الحدود النيجيرية غير المراقبة، وحدود دول منطقة الساحل التي يسهل اختراقها عمومًا.

على أن النيجيريين مؤخرًا لم يعودوا يهتمون بنجاح حكومتهم في تقليل مخاطر "بوكو حرام" وحصرها في المناطق الزراعية النائية الريفية في ولاية بَورْنُو وجيوب ولايتَيْ أَدَامَاوَا ويُوْبَيْ، بقدر انشغالهم بتقارير العفو الحكومي عن أكثر من 250 مسلحًا من الجماعة الذين تخلوا عن طيب خاطرهم عن أسلحتهم واستسلموا للقوات النيجيرية لإعادة تأهيلهم وإدماجهم في المجتمع بالتعاون مع المؤسسات المحلية والدينية (4). فقضية "بوكو حرام" لا تزال لغزًا لدى الذين يريدون من الحكومة كشف حقيقتها ولماذا كان زعيمها "أبو بكر شيكاو" عصيًّا على الهزيمة أمام الضباط والقوات العسكرية (5)، بينما يرى سكان المناطق التي تنشط فيها "بوكو حرام" أنها أعقد وأكبر مما يتخيله البعض؛ حيث إن شمال شرق نيجيريا والمناطق المجاورة له أصبحت منذ 2016 ساحة اللعب لفصائل مختلفة متنافسة فيما بينها.

تنافسية الحركات المسلحة بشمال شرق نيجيريا 

تنشط حاليًّا ثلاث حركات في أجزاء من شمال نيجيريا والمناطق الحدودية الشمالية مع الدول المجاورة، ولكل واحدة من هذه الحركات روابط مع "جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد" (بوكو حرام). وتحدد توجهاتِ هذه الفصائل الثلاث علاقاتُها مع تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) أو "تنظيم القاعدة"، وهي علاقات معقدة نظرًا لما تنطوي عليها من التأثيرات المادية والأيديولوجية والاستراتيجية والتنظيمية، إضافة إلى طبيعة القيادات وتغير الولاءات وانسحاب الأفراد المُهمين منها.

ففي مارس /آذار 2015، أدت الإخفاقات والخسائر التي تعرضت لها "بوكو حرام" على أيدي القوات العسكرية إلى لجوء "أبو بكر شيكاو"، وهو الشخصية الرئيسية التي قادت "بوكو حرام" منذ عام 2009، إلى حل استراتيجي لرفع معنوية جماعته؛ فبايع أبا بكر البغدادي(6) وأشرف على تغيير اسم الجماعة (7) الذي أصبح "تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا " (Islamic State West Africa Province= ISWAP)، وهي خطوة أثارت تساؤلات عن كيفية استجابة "شيكاو" المعروف بخشونته وآرائه الصارمة لمطالب البغدادي.

وبالفعل، طُرِد "شيكاو" من "تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا" (ISWAP) في بداية أغسطس/آب 2016(8) لتجاهله أوامرَ داعش واستهدافه المساجد والمدنيين المسلمين واختطافه للنساء، إضافة إلى بذخه بالأموال لعيش حياة ترف مع زوجاته بينما أهمل توفير الغذاء والأسلحة للمقاتلين المتمردين. عاد "شيكاو" إلى قيادة جماعته السابقة وهي "جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد" (بوكو حرام القديمة)، بينما تولى أبو مصعب البرناوي قيادة بوكو حرام في صيغته الجديدة المعروفة، أي "تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا"، في العام نفسه (9) . وقد قاد البرناوي هذه الجماعة حتى مارس/آذار 2019 عندما اعتقلتْه عناصر أكثر تطرفًا سيطرت على الجماعة واستبدلتْ به زعيمها الجديد، با إدريسا، ليقود الجماعة(10).

على أن "تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا"، رغم ولائه لـداعش، قد تبنى في عملياتها نهجَ "تنظيم القاعدة"، وذلك لتعزيز دائرة نفوذه في منطقة حوض بحيرة تشاد الممتدة من نيجيريا إلى تشاد والنيجر، ولإثبات مكانته بين منافسيه عبر تفضيل أسلوب القيادة غير المنظمة، وهو الأسلوب نفسه الذي ساعد قيادات وكبار مسلحي "جبهة النصرة" في سوريا و"حركة الشباب" في الصومال على النجاة من الاغتيالات والهجمات (11).

وإذا كان تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" يركز جهوده على انتزاع الأراضي من السكان المحليين لتوسيع المساحة التي استولى عليها؛ فقد لجأ "تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا" إلى التعاون والتشارك مع سكان تلك الأراضي بدلًا من الإكراه. وأَوْلى التنظيم غرب الإفريقي اهتمامًا بالغًا لتنمية العلاقات مع المجتمعات المحلية والاستفادة من هذه الروابط لممارسة أنشطته(12)؛ الأمر الذي أكسبه تعاطف أعداد كبيرة من السكان، ومكَّنه من الهجوم على القواعد العسكرية وإصابة أهدافها وتحقيق مصالحها.

ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2018، تغلب "تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا" على الجيش النيجيري باجتياح قاعدة عسكرية في "ميتيلي" بولاية بورنو، وقتل حوالي 100 جندي(13). وفي 22 مارس/آذار 2019، أثبت قدرته على تنفيذ العمليات خارج حدود نيجيريا بقتل 23 جنديًّا في غارة بتشاد (14). كما أنه أعدم، في منتصف ديسمبر/كانون الأول 2019، أربعة من عمال الإغاثة (امرأة وخمسة رجال، وقد سبق أن أعدم واحدًا منهم في سبتمبر/أيلول 2019)؛ حيث اختطفهم من خلال كمين نُصب لقافلتهم بالقرب من الحدود مع النيجر، في يوليو/تموز 2019(15).

وقد خلق وجود كل من "بوكو حرام" القديمة بقيادة "شيكاو" و"تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا" بقيادة "با إدريسا" جوًّا تنافسيًّا في شمال نيجيريا والمناطق الحدودية المجاورة؛ فقد دخل إلى الخط فصيل آخر وهو "جماعة أنصار المسلمين في بلاد السودان" أو (أَنْصَارُو) باختصار. مع الإشارة إلى أن "أبوبكر شيكاو" و"أبو مصعب البرناوي" لم يُعْلِنا التنازل عن ولائهما للبغدادي حتى بعد إزاحتهما عن المنصب القيادي.

أما جماعة "أنصارو"، فهي حالة شبه خاصة ومختلفة؛ لأنها تأسست على أيدي أفراد ومسلحين عملوا وتدربوا في الجزائر وصحراء أزواد مع "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" (Al-Qaeda in the Islamic Maghreb = AQIM)، وعلى رأسهم "أبو محمد"، و"خالد البرناوي" الذي عمل في صحراء أزواد عام 2005 مع "مختار بلمختار"، العقل المدبر لعمليات الاختطاف التي مارسها "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"(16).

كما أن "أنصارو" ليست جماعة شعبية مثل "بوكو حرام" التي استغلت الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في منطقتي شمال شرق نيجيريا وبحيرة تشاد وتَشكَّل معظم أعضائها من النيجيريين من ولايات شمال شرق نيجيريا بما فيها بورنو، وأشخاص من الكاميرون والنيجر وتشاد، على أنه هناك تقارير تشير إلى وجود مساعٍ للدمج بين "بوكو حرام" و"أنصارو"(17).

ويمكن القول: إن نقطة التحول في تاريخ "أنصارو" حدثت في عام 2011، عندما انشقت الجماعة عن "بوكو حرام" بدعم من "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"(18)؛ إذ عارضت "أنصارو" استهداف "أبوبكر شيكاو"، زعيم "بوكو حرام"، للمدنيين المسلمين، وبالتالي ركزت هي أنشطتها وعملياتها على استهداف المصالح الغربية في المناطق التي تنشط فيها.

غير أن "أنصارو" التي كانت نشطة فيما بين عامي 2012 و2013 واجهت اعتراضات من الموالين لـ"شيكاو" الذي أحس بأهمية نجاة جماعته وخطورة وجود حركة أخرى تنافسه على الموارد المحدودة؛ فقتلت "بوكو حرام" عددًا من مقاتلي "أنصارو" بسبب انشقاقهم، وهو ما اضطر بعض أعضائها إلى المصالحة (19) مع "بوكو حرام"، بمن فيهم "خالد البرناوي" زعيم "أنصارو" قبل اعتقاله عام 2016(20). ومع ذلك، لم تعلن جماعة "أنصارو" أي ولاء لـداعش خلافًا للحركات المتشددة الأخرى في نيجيريا.

ووفقًا لـجاكوب زين، محلل الشؤون الإفريقية في مؤسسة جيمس تاون بواشنطن العاصمة، استوردت "أنصارو" استراتيجية "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" إلى نيجيريا، وتبنتْ خطف الأجانب كرهائن في ولايات "كَيْببِي" وكانو وكاتسينا وبَوتْشِي، مع احتمالية وقوفها وراء عملية اختطاف عائلة فرنسية مؤلَّفة من سبعة أشخاص في شمال الكاميرون، في فبراير/شباط 2013، حتى وإن ادعت "بوكو حرام" مسؤوليتها لهذه العملية(21) .

وتُصعب من تنافسية جماعة "أنصارو" في شمال نيجيريا؛ ضآلةُ شعبيتها مقارنة بـ"بوكو حرام"، وكون الكثير من النيجيريين لا يعرفون عنها كثيرًا، ولا يفرِّقون بينها وبين "بوكو حرام". ورغم ظهور تقارير للصحف النيجيرية الرئيسية حول الجماعة مؤخرًا، إلا أن هناك من يعتبرها فرعًا لـ"أنصار الدين" في مالي، اللهم إلا في كانو وكادونا وميدوغوري حيث سمع عنها حوالي 80% من السكان(22).

وتجدر الإشارة إلى أن وحدة القوات المشتركة (Joint Task Force JTF) متعددة الجنسيات، تضم أفرادًا من نيجيريا وبنين وتشاد والكاميرون والنيجر، أطلقت في 21 فبراير/شباط الماضي (2019) عملية " Yancin Tafki" لمحاربة المتمردين وحماية الجزر وغيرها من المستوطنات في بحيرة تشاد عن جماعة "بوكو حرام" وضد "تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا"(23).

ما الذي يعنيه إغلاق الحدود النيجيرية البرية؟

لقد لاحظت الصحف المحلية في نيجيريا قلَّة حدوث الهجمات المسلحة بشمال نيجيريا منذ إغلاق حدود البلاد البرية، في أكتوبر/تشرين الأول 2019، ويدعم ضحايا "بوكو حرام" قرار الإغلاق(24)، مما يعضد حجة مسؤولي الحكومة الذين برروا عملية الإغلاق لأسباب أمنية مفادها أن الأسلحة غير المرخصة منتشرة في جميع أنحاء البلاد بشكل مخيف، وأن الجماعات المسلحة تستغل ضعف الرقابة والإدارة في الحدود النيجيرية لتعزيز عملياتها العابرة للحدود ولتنقل مسلحيها من وإلى الدول المجاورة، الكاميرون وتشاد والنيجر، لقربها من نيجيريا ولديمغرافيتها وروابطها الاجتماعية والاقتصادية مع سكان جانبي الحدود(25) .

ويمكن فهم أهمية الحدود في عمليات الحركات المسلحة في نيجيريا عبر تتبع الجنسيات المختلفة لأعضاء هذه الجماعات، وأن حدود نيجيريا، حتى وإن كانت قصيرة إلى حدٍّ ما مع وتشاد (87 كم)، فإنها تمتد مع النيجر والكاميرون وبينين على مسافة 497 كم و690 كم 773 كم على التوالي. وتشترك نيجيريا مع النيجر والكاميرون في حدود بعض ولاياتها الشمالية حيث تمارس "بوكو حرام" أنشطتها ويحاول فيها "تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا" وجماعة "أنصارو" تعزيزها نفوذهما(26).

وفي المقابل، ارتفعت الهجمات المسلحة مؤخرًا في النيجر وتفاقمت الأوضاع الأمنية في هذه الدولة التي تمتد حدودها على طول ولايات "سوكوتو" و"كَتْسينا" و"جيغاوا" و"يَوْبَيْ" في نيجيريا؛ ففي أكتوبر/تشرين الأول 2019، قُتل جنديان وأصيب خمسة آخرون في هجوم في جنوب غرب النيجر، المنطقة التي كانت حتى وقت قريب قد خلتْ من غارات المسلحين(27). وفي 12 ديسمبر/كانون الأول 2019، تعرض جيش النيجر لأحد أكثر الهجمات دموية في غرب البلاد بالقرب من حدود مالي، والتي أسفرت عن مقتل 71 جنديًّا و12 جريحًا وأعلنت "داعش" في غرب إفريقيا مسؤوليتها عنها(28).

وعليه، قد يكون إغلاق الحدود البرية حلًّا فعالًا، ولو مؤقتًا، بالنسبة للحكومة النيجيرية؛ حيث يسهم في احتواء الحركات المسلحة في مناطق محدودة بشمال شرق نيجيريا، ويقلِّل من تهريب الأسلحة والمقاتلين، ولكن عملية إغلاق الحدود أيضًا قد تشكِّل خطورة على الدول المجاورة التي تشترك في الحدود مع ولايات شمال نيجيريا وتعاني من حدود سهلة الاختراق؛ الأمر الذي قد يجبر المسلحين على البحث عن طرق أخرى لممارسة أنشطتها داخل نيجيريا، كما قد يزيد في تكثيف الجماعات المسلحة لعملياتها في دول الساحل.

ماذا بعد مقتل البغدادي؟

قبل مقتل أبو بكر البغدادي، تصدرت مشهدَ الحركات المسلحة في نيجيريا جماعتان: "بوكو حرام" و"تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا"، وسرعان ما تغيرت الأمور مباشرة بعد مقتل البغدادي؛ إذ نشرت الذراع الإعلامية لـ"تنظيم القاعدة" صورة لثلاثة من مقاتلي "أنصارو" التي كانت غير نشطة منذ 2015 في نيجيريا(29)، وهو ما يعطى عدة تفسيرات لمستقبل الحركات المسلحة في غرب إفريقيا بشكل عام، وفي نيجيريا بشكل خاص.

ويمكن حصر هذه التفسيرات في أربعة سيناريوهات محتملة:

أولًا: أن تقدم جماعة "أنصارو" نفسها بديلًا عن "تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا" في نيجيريا. وهذا ما يؤشر إليه إعلان "تنظيم القاعدة" والصورة التي نشرتها بعد ساعات فقط من خسارة "تنظيم الدولة الإسلامية" لنفوذها الإقليمية في سوريا والعراق وخليفتها والمتحدث الرسمي باسمها.

ثانيًا: أن توطد كل من "أنصارو" و"أبو مصعب البرناوي"، الزعيم السابق لـ"تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا"، علاقاتهما. وهذا ما أشار إليه جاكوب زين؛ إذ لم يكن لدى "أبو مصعب البرناوي" أي شجارٍ أو نوايا سيئة تجاه "أنصارو"، وهناك توافق في موقفهما بشأن معارضة "أبو بكر شيكاو"، زعيم "بوكو حرام". وقد تستغل "أنصارو" أيضًا احتمالية عدم اكتراث "أبو مصعب البرناوي" بما حدث له من خفض رتبته في "تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا" وموت البغدادي؛ حيث هناك تقارير حول إقامة جماعة "أنصارو" قواعد في شمال غرب نيجيريا إلى جانب مقاتلي "تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا" ومسلحِي "تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى (ISGS) المتمركزين في مالي.

ثالثًا: أن ينظر بعض مقاتلي "تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا" إلى "أبو بكر شيكاو"، زعيم "بوكو حرام"، كصاحب "شرعية" ونفوذ أكبر من "با إدريسا" أو "أبو إبراهيم الهاشمي القرشي"، خليفة البغدادي، فينسحبوا من التنظيم وينضمون إلى "بوكو حرام" كبديل، نظرًا لضعف "داعش" بعد البغدادي، وتوسيع "بوكو حرام" لعملياتها داخل بورنو وفي أجزاء أخرى عبر الحدود النيجيرية. وتروج "بوكو حرام" لنفسها في الشهرين الماضيين (أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني 2019) عبر فيديوهات دعائية وادعاءات بوقوفها وراء مختلف الهجمات، خاصة أن موقف "شيكاو" كان دائمًا أنه، هو، والبغدادي متعادلان في القيادة والإمامة.

رابعًا: وهو السيناريو المثالي بالنسبة لداعش لكنه الأخطر بالنسبة لحكومات نيجيريا والدول المجاورة؛ وهو أن يُظهر خليفة داعش، أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، شجاعة أمام تابعيه ومنافسهم "تنظيم القاعدة"، ويقدم براعة دبلوماسية لحل الخلافات بين "با إدريسا" و"أبو بكر شيكاو" والتوفيق بينهما تحت راية "تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا". وقد يحتاج القرشي، إذا كان سينجح في هذا المسعى، إلى أن يروِّض "شيكاو" كي يتراجع عن بعض مواقفه ونظرياته العقدية.

وبناءً على الاتجاهات السابقة والسيناريوهات المذكورة، من المرجح أن تظل القارة مركزًا قويًّا لقيادة داعش الجديدة، بالنظر إلى أهميتها بالنسبة لاستراتيجية لـداعش والتي تتمثل في "البقاء والنجاة والتوسع". وقد يحتدم التنافس بين "داعش" والقاعدة في منطقتي الساحل وغرب إفريقيا إذا ما نجحت القاعدة في تصوير مقتل البغدادي على أنه انتصار يُحسب لها، وذلك لجذب المسلحين الذين غادروا الجماعة بسبب عروض البغدادي ونداءات "داعش" المغرية(30).

وأخيرًا، قد يستغل "تنظيم القاعدة" والجماعات التابعة له في إفريقيا مقتلَ البغدادي من أجل إغراء المقاتلين الموالين لـ"داعش" وقد يقلِّل هذا من التأثير العالمي لها؛ لأن "تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا" أحد أقوى الولايات الخارجية لـ"داعش"، بل إن أي انشقاقات داخل "تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا" واندماجه مع "بوكو حرام" أو جماعة "أنصارو" سيساعد في عودة القاعدة إلى طليعة الجماعات المسلحة البارزة كما كانت قبل عام 2014.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*حكيم نجم الدين، باحث نيجيري متخصص في القضايا الإفريقية.

نبذة عن الكاتب

مراجع

(1) انظر:BBC. “Nigeria Boko Haram: Militants 'technically defeated' – Buhari”. December 24, 2015, (accessed on December 7, 2019):https://www.bbc.com/news/world-africa-35173618 

(2) انظر: حكيم نجم الدين، ""العنف الديني" في نيجيريا: جماعة "بوكو حرام" في "الحركات الإرهابية في إفريقيا: الأبعاد والاستراتيجيات"، مركز المسبار للدراسات والبحوث (الكتاب 142، أكتوبر/تشرين الأول 2018)، ص.169-194.

(3) انظر:

Anthony Osae-Brown. “Nigeria Says Boko Haram Defeated, But New Groups Conduct Attacks”, Bloomberg, July 2019, (accessed on 7 December 2019): https://www.bloomberg.com/news/articles/2019-07-30/nigeria-says-boko-haram-defeated-but-new-groups-conduct-attacks 

(4) انظر:

Kanayo Umeh.“Nigerian military denies employing former Boko Haram fighters”, The Guardian, December 01, 2019, (accessed on December 8, 2019): https://guardian.ng/news/nigerian-military-denies-employing-former-boko-haram-fighters/ 

(5) انظر:

Didi Akinyelure. The six lives of Boko Haram's Abubakar Shekau”, BBC, September 27, 2016, (accessed on December 8, 2019): https://www.bbc.com/news/world-africa- 37476453

(6) انظر:

BBC. Nigeria’s Boko Haram pledges allegiance to Islamic State”, March 7, 2015, (accessed on December 9, 2019): https://www.bbc.com/news/world-africa-31784538 

(7) انظر:

John Bugnacki. What’s in a Name?: Boko Haram renames itself the Islamic State’s West Africa Province (ISWAP)”, American Security Project, May 12, 2015, (accessed on December 9, 2019): https://www.americansecurityproject.org/whats-in-a-name-boko-haram-renames-itself-the-islamic-states-west-africa-province-iswap/ 

(8) انظر:

Sahara Reporters. “New Boko Haram Leader, al-Barnawi, Accuses Abubakar Shekau Of Killing Fellow Muslims, Living in Luxury”,

(9) انظر: "الشيخ أبو مصعب البرناوي: سنخرج من محنتنا أصلب عودًا وأقوى ساعدًا بإذن الله"، مجلة النبأ، العدد الحادي والأربعون، 1437هـ، ص 8، (تم التصفح في 10 ديسمبر/كانون الأول 2019):

https://unmaskingbokoharam.files.wordpress.com/2019/04/alnaba41abumusabalbarnawiinterview.pdf 

(10) انظر:

AFP/France24.“Deposed Boko Haram leader detained not killed: sources”, March 15, 2019, (accessed on December 10, 2019): https://www.france24.com/en/20190315-deposed-boko-haram-leader-detained-not-killed-sources 

(11) انظر:

Philip Obaji JR.“ISIS’s West African Offshoot Is Following al Qaeda’s Rules for Success”, Foreign

(12) المصدر السابق.

(13) انظر:

Ahmed Kingimi & Paul Carsten. “Militants kill around 100 Nigerian soldiers in attack on army base: sources”, Reuters, November 22, 2018, (accessed on December 10, 2019): https://www.reuters.com/article/us-nigeria-security-insurgency/militants-kill-around-100-nigerian-soldiers-in-attack-on-army-base-sources-idUSKCN1NR1SR 

(14) انظر:

Stratford. Chad: ISWAP Militants Kill at Least 23 Soldiers in Attack”,   March 22, 2019, (accessed on December 10, 2019): https://worldview.stratfor.com/situation-report/chad-iswap-militants-kill-least-23-soldiers-attack 

(15) انظر:

Aljezeera. ISIL-linked group executes 4 hostages in Nigeria: NGO”, December 13, 2019, (accessed on December 14, 2019): https://www.aljazeera.com/news/2019/12/isil-linked-group-executes-hostages-nigeria-ngo-191214000540719.html 

(16) انظر:

Jacob Zenn. Ansaru: Who Are They and Where Are They From?”, Council on Foreign Relations, July 1, 2013, (accessed on December 14, 2019): https://www.cfr.org/blog/ansaru-who-are-they-and-where-are-they 

(17) المصدر السابق.

(18) انظر:

Aymenn Jawad Al-Tamimi.“AQIM Advice to 'Boko Haram' Dissidents: Full Translation and Analysis”, September 15, 2018, (accessed on December 13, 2019): http://www.aymennjawad.org/21618/aqim-advice-to-boko-haram-dissidents-full 

(19) انظر:

Jacob Zenn. Leadership Analysis of Boko Haram and Ansaru in Nigeria”, Combating Terrorism Center، Africa Special Issue, (Vol.7, Issue 2): https://ctc.usma.edu/leadership-analysis-of-boko-haram-and-ansaru-in-nigeria/ 

(20) انظر:

BBC. “Khalid al-Barnawi: Nigeria Islamist group head 'arrested'”, April 3, 2016, (accessed on December 13, 2019): https://www.bbc.com/news/world-africa-35956301 

(21) المصدر السابق:

Jacob Zenn. “Ansaru: Who Are They and Where Are They From?”, Council on Foreign Relations, July 1, 2013.

(22) المصدر السابق.

(23) انظر:

Nigerian Airforce.“Operation Yancin Tafki: Naf, Nigerien Air Force Support Mnjtf Ground Troops To Pursue, Decimate Scores Of Terrorists In Northern Borno”, (accessed on December 14, 2019): https://airforce.mil.ng/post-operation_yancin_tafki__naf__nigerien_air_force_support_mnjtf_ground_troops_to_p ursue__decimate_scores_of_terrorists_in_northern_borno

(24) انظر:

Sahara Reporters. "Boko Haram Victims Support Border Closure”, November 11, 2019, (assessed on December 14, 2019): http://saharareporters.com/2019/11/11/boko-haram-victims-support-border-closure 

(25) حكيم نجم الدين، إغلاق نيجيريا لحدودها مع الجيران وتداعياته الإقليمية والقارية، مركز الجزيرة للدراسات، 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، (تاريخ الدخول: 14 ديسمبر/كانون الأول 2019):

http://studies.aljazeera.net/ar/reports/2019/01/190122084024340.html 

(26) انظر:

Uyo Salifu.“Border porosity and Boko Haram as a regional threat”, Institute for Security Studies, (accessed on December 14, 2019): https://issafrica.org/amp/iss-today/border-porosity-and-boko-haram-as-a-regional-threat 

(27) انظر:

The Defense Post.“Niger soldiers killed in ‘terrorist’ attack in southwestern Dosso region”, October 8, 2019, (accessed on December 14, 2019): https://thedefensepost.com/2019/10/08/niger-terrorist-attack-dogondoutchi-dosso/ 

(28) انظر:

BBC.“Niger army base attack leaves at least 71 soldiers dead”, December 12, 2019, (accessed on December 14, 2019): https://www.bbc.com/news/world-africa-50744649 

(29) انظر:

Caleb Weiss.“Al Qaeda-linked group reappears in Nigeria”, Long War Journal, October 27, 2019, (accessed on December 14, 2019): https://www.longwarjournal.org/archives/2019/10/al-qaeda-linked-group-reappears-in-nigeria.php 

(30) انظر:

Akinola Olojo & Martin Ewi.“What does al-Baghdadi’s exit mean for Africa?”, Institute for Security Studies, November 05, 2019, (accessed on December 14, 2019): https://issafrica.org/iss-today/what-does-al-baghdadis-exit-mean-for-africa