بلغاريا: طبيعة الدولة وتحولاتها السياسية

يغلب على دولة بلغاريا طابع التذبذب ما بين التزامها بسياسات الاتحاد الأوروبي، والركون إلى التأثيرات الشيوعية على بنيتها؛ ما يجعل توجهاتها السياسية منجذبة نحو روسيا، كما أن استقرارها الداخلي مهدد بتصاعد النزاع الأوكراني لاسيما بين الغرب وروسيا.
201539102115503734_20.jpg
(الجزيرة)
ملخص
ظلت أسس الدولة البلغارية بعيدة عن تأثيرات الحروب التي شهدها البلقان وأعقبها استقلال عدد من دوله بعد انفراط عقد الاتحاد اليوغوسلافي، إلا أن بلغاريا تسير باتجاهين متناقضين، فهي انضمت إلى الاتحاد الأوروبي واعتمدت معاييره، لكنها لا تزال تعاني من فساد في نظامها الانتخابي مثل شراء الأصوات، ومن فشل في نظامها القضائي الذي لا يخلو من بصمات الشيوعية السابقة بسبب انخراطه في السياسة تحالفًا ومواجهة. كما أن خطوط التهريب مع الجوار لا تزال ناشطة متسببة بخسائر اقتصادية للدولة، فضلًا عن تنامي الجريمة المنظمة العابرة للحدود. فشلت صوفيا على المستوى الجيوسياسي في لعب دور بين دول المنطقة مع أن لها علاقات جيدة مع جوارها، فيما لا تزال علاقاتها مع روسيا قائمة، أما بوصلتها السياسية فلا تزال موجهة نحو الغرب، الذي يدرك أهميتها على صعيد تأمين خطوط إمدادات الطاقة وحماية حدود أوروبا من جهة تركيا، إلا أن هناك مخاوف من أن يؤثر النزاع الأوكراني على الاستقرار الداخلي النسبي في بلغاريا.

النضال من أجل تجاوز عبء الإرث الشيوعي هو ما ميَّز التحول الذي طرأ على الدولة في بلغاريا في المرحلة التي تلت عام 1989؛ حيث تبنَّت بلغاريا التوجه الديمقراطي سياسيًّا ونظام السوق اقتصاديًّا، وساعدها على ذلك أنها بقيت بعيدة عن ويلات الحرب التي عاشتها بلدان الجوار الواقعة في غرب البلقان؛ ما جنَّب أسس الدولة فيها التعرض للاهتزاز أو التهديد. إلا أنها على الرغم من هذه الميزات التي منحتها موقعًا متقدمًا على جيرانها، لم تستطع أن تتبوأ موقعًا قياديًّا في البلقان ولم توفَّق في لعب دور الوسيط في تلك الصراعات، وفشلت في وضع أهم الأسس الديمقراطية داخل بنية مؤسسات الدولة المتمثلة في الشفافية والتنافس النزيه، كما فشلت في إقرار الإصلاحات الضرورية التي تتطلبها المرحلة، بل وسمحت بظهور ممارسات وثقافة على مستوى الدولة، حالت دون إمكانية فرض سيادة القانون بالفعالية المطلوبة.

 التحولات السياسية بعد 1989

طبع التذبذب الفترة الأولى من مراحل التحول السياسي في بلغاريا؛ حيث تراوحت خيارات النظام الجديد بين الحفاظ على العلاقة الوطيدة مع روسيا والشروع في إرساء دعائم سياسة التقارب والاندماج مع الغرب. فمع بداية الأزمة الاقتصادية الحادة التي عرفتها البلاد عام 1990، في عهد حكم الحزب الاشتراكي البلغاري، وريث الحزب الشيوعي البلغاري، بدأ الشعور العام للشعب البلغاري يتحول تدريجيًّا لصالح إقرار إصلاحات على الطريقة الغربية وانتهاج سياسة خارجية تتوافق مع هذا الاتجاه، إلى أن عرف الاقتصاد البلغاري انهيارًا كاملًا في شتاء 1996-1997 تحت وطأة الارتفاع الكبير في معدلات التضخم غير المسبوقة؛ ما دفع بمئات الآلاف من البلغاريين إلى النزول إلى الشوارع للتظاهر ضد فشل سياسات التحول التي اتبعتها الحكومة آنذاك.

أدت المظاهرات الشعبية الحاشدة، التي تشابهت مع الثورة البرتقالية الأوكرانية للعام 2004، من حيث زخمها وشعبيتها، إلى الإطاحة بحكومة الحزب الاشتراكي البلغاري وفسحت المجال أمام حزب يمين الوسط ذي التوجه الغربي للصعود إلى الحكم؛ ما وضع البلاد على طريق الاندماج الأورو-أطلنطي.

ساند الشعب البلغاري بقوة التحاق بلاده بالاتحاد الأوروبي حيث بلغت نسبة التصويت لصالح الانضمام 84%(1). كما تزايد الدعم الشعبي للانضمام إلى حلف الناتو فقفز من ما يقل عن 30% عام 1990 إلى ما يفوق 60% مع بدايات العام 2000(2)؛ ما ساعد في التوصل إلى توافق واسع داخل مكونات الساحة السياسة، بل وحتى في أوساط الأحزاب المتعاطفة مع روسيا مثل الحزب الاشتراكي البلغاري على انضمام بلغاريا إلى الاتحاد الأوروبي.

وعلى الرغم من أن بلغاريا عدَّلت من توجهها السياسي ليتماشى مع النظام السياسي الأوروبي الغربي، إلا أن نظامها السياسي لا يعكس بالضرورة ذلك التوجه؛ فالطيف السياسي البلغاري لا يزال غير متطابق مع شكل النموذج الغربي القائم على تقاسم الساحة السياسية بين يمين محافظ ويسار ذي سياسات اجتماعية ليبرالية. ففي حين لا تتوانى أحزاب اليمين عن تبني سياسات اقتصادية محافظة، فإننا نجد بين زعامات تلك الأحزاب من يميل أكثر إلى أن يكون ليبراليًّا في مقارباته الاجتماعية، ونراه يدافع عن حقوق الأقليات ويتبنَّى مواقف براغماتية وليست قومية حيال القضايا الإقليمية في منطقة البلقان. 

أما الأقلية التركية في بلغاريا فتواصل التصويت بكثافة لصالح حزب "حركة الحقوق والحريات"، رغم الانتقادات التي تتلقاها الحركة من داخل وخارج الجماعة التركية. تأسَّس حزب "حركة الحقوق والحريات" بعد عام 1989 لتمثيل الأقليات التي كانت ضحية للنظام الشيوعي خلال ما يُسمَّى بمرحلة "مسيرة الإحياء" -التي هدفت إلى تأكيد حماية الهوية البلغارية والديانة المسيحية الأرثوذكسية وإعلائهما عن غيرهما من الهويات والديانات- عندما تم فرض تغيير المسلمين لأسمائهم قسرًا(3). بينما تتوزع أصوات الأقلية المعتبرة الأخرى، والمتمثلة في الغجر الروما، على مختلف أحزاب الطيف السياسي.

كما شهدت الساحة السياسية أيضًا منذ انهيار النظام الشيوعي عام 1989 تغيرًا سريعًا في خارطة الأحزاب؛ فعند كل مناسبة انتخابية تظهر أحزاب جديدة وتختفي أخرى من بعض تلك القديمة. فمن بين الأحزاب التقليدية كان الحزب الاشتراكي البلغاري هو الحزب الوحيد الذي استطاع الصمود خلال المرحلة الانتقالية، وتمكَّن من بسط سيطرته على الساحة السياسية البلغارية ذات التوجه اليساري في ظل شبه غياب لأي منافس يساري جدِّي، وذلك رغم تبنِّيه في بعض المناسبات، لسياسات الحركة الليبرالية الجديدة. أما أحزاب الوسط واليمين، فإنها بدت شديدة الانقسام والتقلبات في مواقفها. الأهم في هذا الإطار، هو أن حزب القوى الديمقراطية المتحدة الذي قاد المعارضة السياسة إبَّان انهيار النظام الشيوعي في الفترة ما بين 1989-1990، شهد تشظيًا إلى فصائل سياسية صغيرة وفقد رصيده الشعبي، حتى إن بقاياه فشلت لأول مرة في انتخابات 2013 في الحصول على مقاعد داخل  البرلمان.

تميزت الساحة السياسية البلغارية، في فترة ما بعد انهيار النظام الشيوعي، بازدياد أعداد السياسيين المتحولين من حزب لآخر، أو السياسيين الذين تعددت انتقالاتهم بين مختلف الأحزاب الناشطة على الساحة السياسية، وهذا فضلًا عن ضعف برامج كثير من الأحزاب البلغارية ما انعكس ضعفًا في ثقافة البلاد السياسية وتغولًا في الخطابات الشعبوية. وقد تشكَّلت الأحزاب الجديدة فعليًّا حول شخصيات صنعتها آلة الإعلام بعناية ودفعت بها إلى البرلمان، ما جعل تلك الأحزاب تفتقر إلى زعامات تتمتع بثقافة تشريعية جدية، وهي تعتمد على شعارات شعبوية تخاطب المشاعر أكثر من مخاطبتها للعقول.

وأسهم التشظي الحزبي وعدم النضج السياسي في زيادة عدم الاستقرار السياسي في البلاد؛ فمنذ عام 1989 حكمت بلغاريا أربع حكومات تم إسقاطها كلها ليُفتح الباب أمام انتخابات مبكرة، سقط من هذه الحكومات اثنتان خلال العامين الأخيرين، وأخفقت الدورتان الانتخابيتان البرلمانيتان الأخيرتان في تشكيل أغلبية مستقرة بسبب تشتُّت الاتجاهات في أصوات الناخبين، ليعقبها تشكيل حكومات هشَّة حيث كان على الأحزاب الكبيرة الاعتماد على التشكيلات السياسية الشعبوية أو الأحزاب اليمينية المتطرفة، وبالتالي الإمعان في إضعاف الحكومات وهشاشة تكوينها.

وعرف جُلُّ الانتخابات في العقد الأخير عددًا من الخروقات الانتخابية، وكان القاسم المشترك بينها بروز قوائم ضمَّت مئات الآلاف من الناخبين في ما بات يُعرف باسم "الأرواح الميتة"(4) وهي ظاهرة خطيرة تمثلت في تضخم القوائم الانتخابية التي ضمت أسماء أشخاص أموات وأدت إلى تباين في أعداد الناخبين المسجلين والناخبين الفعليين، وفتح الباب أمام عمليات تزوير واسعة النطاق.

ونشأت أيضًا ظاهرة سلبية خطيرة أخرى ألا وهي "الانتخاب المُراقَب"؛ حيث يجري الانتخاب تحت رقابة وضغط من مراقبي الانتخابات والزعماء السياسيين المحليين الذين يوجِّهون الناخبين ويحاولون التأثير عليهم من أجل إعطاء أصواتهم لهذا الحزب أو ذاك. ووفقًا للإحصاءات الرسمية لجولة الانتخابات البرلمانية للعام 2014، فإن نسبة "الانتخاب الُمراقب" بلغت 16% من مجموع 269 حالة اختراق انتخابي مسجَّلة، في حين بلغت نسبة الأصوات المُشتراة 8%(5)، ويبقى عدم توثيق أغلب الخروقات يُخفي الحجم الحقيقي لهذه التجاوزات. ويقول نائب وزير الداخلية السابق فيليب غونيف: إن "حجم عمليات شراء الأصوات بلغ حدًّا أصبح معه المشاركون في العملية الانتخابية مجبرين على التصرف وفق قواعد النظرية القديمة القائلة: "بما أنك لا تعرف ما إذا كان الآخرون يشترون الأصوات أم لا، فإن كل حزب يسارع إلى شراء الأصوات، لأنه إن لم يفعل فسيخسر اللعبة"(6).

فتعدُّد هذه الظواهر يقود إلى التساؤل: أين هو جوهر "الديمقراطية في العملية الانتخابية" برمَّتها في بلغاريا؟ وأضف إلى ذلك تزايد الانفصام بين النخب السياسية وعموم الموطنين.

 مؤسسات الدولة والإرث الشيوعي

على الرغم من تحول النظام السياسي البلغاري إلى نظام التعددية الحزبية والانتخابات الحرة واتباع نظام السوق، فإن الإرث الشيوعي لم يغِبْ تمامًا عن المشهد داخل مؤسسات الدولة؛ حيث حافظت الشيوعية على تأثيرها داخل العقل المؤسسي الذي ما زال يحكم مؤسسات الدولة(7)؛ إذ بالرغم من الإعلان الرسمي عن انتهاج الدولة لسياسات اللامركزية والشفافية، فإن عددًا مهمًّا من مؤسسات الدولة البلغارية يتصف بصفتين تتقاسمانه، وهما: "المركزية" و"شخصنة السلطة"(8) حيث تُسيطر تلكما الصفتان على مختلف درجات الهرمية الإدارية لمؤسسات الدولة وتسمحان لأصحاب المناصب الإدارية (بدءًا من مدير المدرسة وصولًا إلى الوزير) بخلق ما يُمكن وصفه بـ"الإقطاعات المؤسسية".

لم يتم الحفاظ على ممارسات العهد الشيوعي في المؤسسات التقليدية مثل الوزارات ومؤسسات التعليم العمومي والشركات المُدارة من قبل الدولة فحسب، بل انتشرت أيضًا داخل باقي المؤسسات التي أُنشئَت على ما يبدو وفقًا لـ"قواعد جديدة". وهكذا مثلًا، نجد أن برامج الاتحاد الأوروبي مثل برنامج SAPARD "الانضمام الخاص لبرنامج الفلاحة والتنمية الريفية-سابرد" في بلغاريا، كان بدوره يُدار بنفس الثقافة المؤسسية المنتشرة، وذلك رغم أن تنفيذ خطة البرنامج كانت تقتضي اتباع النموذج الذي صمَّمه الاتحاد الأوروبي ومراعاة اتخاذ قرار توزيع الصرف بناءً على قواعد الموضوعية والشفافية، لكن برنامج "سابرد" في بلغاريا وقع في براثن المركزية الإدارية وشخصنة سلطة اتخاذ القرار(9). ومع اتساع رقعة التجاوزات واستغلال النفوذ، قرر الاتحاد الأوروبي تجميد الأموال المخصصة للبرنامج في بلغاريا، وأظهرت التحقيقات ظهور فضائح عدة في هذا الملف(10).

إن انضمام بلغاريا إلى الاتحاد الأوروبي، الذي أضاف بُعدًا آخر من الإشراف الرقابي على الدولة، لم ينجح في كسر أو تغيير ثقافة إدارة المؤسسات المتأثرة بالطريقة الشيوعية في إدارة مؤسسات الدولة البلغارية. وحتى التقارير الدامغة القادمة من بروكسل حول أداء المؤسسات التابعة للدولة البلغارية، لم تستطع إحداث التحول المرجوِّ. وفي الوقت الذي أُنجز فيه بعض الإصلاحات والتدابير التي سمحت لبلغاريا بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فإنها لم تؤدِّ إلى القطع مع الثقافة التي خلَّفتها العقلية الشيوعية المستشرية في إدارة المؤسسات.

وقد حالت القبضة الشيوعية، التي حكمت لمدة طويلة، على نظام الدولة في بلغاريا دون الإصلاح الأساسي المطلوب للمؤسسات ضمن العملية الديمقراطية، ومن بينها إصلاح الجهاز القضائي مثلًا؛ فبالرغم من إقالة بعض القضاة الموالين للنظام الشيوعي خلال السنوات الأولى التي تلت سقوط الشيوعية(11)، فإن ذلك لم يساعد فعليًّا على تطهير جهاز القضاء من الفساد(12)، بل دخل جهاز القضاء، وعلى تناوب، مرة في مواجهات وأخرى في تحالفات مع الأحزاب الحاكمة، وهذه الأخيرة حاولت تعيين قضاة من كوادرها أو تغيير التشريعات القضائية لصالحها(13)، في تأثير واضح بنزاهة وفاعلية الجهاز القضائي، ونتيجة لكل ذلك، لازَمَ الفشلُ جهازَ القضاء في معالجة القضايا ذات الحساسية السياسية البالغة. أما المؤسسات الأمنية فلا تزال ظلال الشيوعية الثقيلة جاثمة داخلها، وأدى تفكيك الآلة القمعية للنظام الشيوعي إلى ولادة منظومة أمنية ضعيفة على مستوى فرض القانون، وأيضًا إلى اتساع رقعة عالم الجريمة.

وعلى صعيد آخر، فإن وزارة الداخلية ووكالات الأمن تعاني أيضًا من التسييس وشخصنة السلطة؛ فكل تعيينات الموظفين التي تتم داخل تلك المؤسسات الأمنية، من أعلى هرمها إلى أدناه، تخضع غالبًا لحسابات سياسية وتكون بهدف ضمان ولاء الموظفين الأمنيين السياسي. وعلى الرغم من أن قبضة الرقابة الأمنية الشديدة على المواطنين، التي رافقت عهد النظام الشيوعي قد توقفت، فإن الأجهزة الأمنية لا تزال خاضعة للابتزاز السياسي(14)؛ فالولوج إلى وسائل الرقابة وإلى معلومات مصنفة سرية أصبح من الطرق التي تساعد على تعزيز المواقع داخل الجهاز الأمني وتسمح بابتزاز السياسيين وتشويه سمعة الشخصيات العامة. هذا ولعب تفكيك جهاز الأمن الشيوعي أيضًا دورًا غير مباشر في ما يُسمى "تجريم" المرحلة الانتقالية، كما أدى حلُّ جهاز الشرطة إلى إقالة ما بين 6 و7 آلاف عميل سري(15).

وفي هذا السياق لجأ بعض أولئك العملاء السريين السابقين إلى تأسيس شركات أمنية خاصة كان لها دور داخل دوائر الجريمة المنظمة، وأبقى بعض هؤلاء العملاء على علاقاتهم داخل جهاز أمن الدولة وطوَّروا علاقات شراكة مع موظفي الدولة الأمنيين على مختلف مستوياتهم ما أدى إلى إضعاف دور الجهات القائمة على فرض القانون (الادعاء العام والعدالة)، وبالتالي إضعاف قدراتها في مكافحة الجريمة المنظمة.

وبالإضافة إلى ذلك، واجَهَ المدَّعون العامُّون وضباط الشرطة المكلفون بمحاربة الجريمة المنظمة سلسلة من الاغتيالات طالتهم خلال العقدين الماضيين، وفشل القضاء وجهاز الادعاء العام في إنجاز تحقيقات جدية حول تلك الاغتيالات وتقديم المجرمين إلى المحاكمة.

فشل إذن كلٌّ من جهاز القضاء ونظام فرض تطبيق القانون في منع ومحاكمة المسؤولين عن الجرائم التي ارتُكبت خلال فترة الخصخصة المشوبة بالكثير من العيوب؛ حيث تم بيع بعض الشركات الحكومية ذات رأس المال المهم إلى شركات أجنبية بأسعار دون قيمتها السوقية الفعلية، متسببين بخسائر كبيرة للدولة. أما باقي الشركات الحكومية فإما أنها أصبحت على ملكية من عُيِّنوا لإدارتها خلال العهد الشيوعي فاستغلوها لمصالحهم الشخصية(16)، أو أنها بيعت إلى أباطرة الجريمة المنظمة. وبهذا سمحت عملية الخصخصة بظهور نخبة أوليغارشية جديدة من رجال أعمال(17) ومكَّنت أيضًا أباطرة الجريمة المنظمة من غسل أموالهم عبر ضخِّها في أعمال مشروعة.

وفشلت الدولة أيضًا في محاربة "السوق السوداء" التي يصل حجم المبادلات التجارية داخلها إلى ما يعادل 40% من اقتصاد بلغاريا(18)، ويحتل التهريب وحده نسبة عالية من ذلك؛ فبلغاريا تقع جغرافيًّا على أحد أكثر الطرق نشاطًا في عمليات التهريب التي تنتهي إلى الأسواق الأوروبية وشرق الأوسطية، وتاريخيًّا عرفت تلك الطرق تطورًا ونموًّا أسهمت فيه الدولة الشيوعية نفسها، والتي أسست بدورها شركة تجارية سُميت "كينتاكس" أُسندت لها مهمة إدارة العمليات التجارية المتعلقة بالبضائع المُقنَّنة مثل الذهب والإلكترونيات والسجائر والمشروبات الكحولية والأدوية والأسلحة...(19)، وبلغت أرباح الشركة ما بين 100-150 مليون دولار سنويًّا(20). والمفارقة أنه في أعقاب انهيار النظام، تمت السيطرة على طرق التهريب تلك من قبل الأشخاص أنفسهم الذين كانوا ضالعين في الإشراف عليها وإدارتها، ولا تزال طرق التهريب ناشطة في غياب تامٍّ لمحاسبة المشرفين عليها والمنتفعين منها.

تأثيرات الموقع الجيوسياسي

جعل الإرث التاريخي والعامل الجيوسياسي بلغاريا تتأرجح بين الغرب وروسيا؛ فمنذ العام 1989، لعب كل من الاتحاد الأوروبي وأميركا وروسيا أدوارًا واضحة في الشأن السياسي للدولة، واستطاعوا التأثير في وجهة الإصلاحات والقرارات السياسية التي اتخذتها الحكومات المتعاقبة على بلغاريا.

وكان لسيطرة التوجه نحو الغرب وانضمام بلغاريا إلى حلف الناتو في العام 2004 ثم إلى الاتحاد الأوروبي في العام 2007 دور حاسم في تحديد مسار السياسة البلغارية الخارجية. ومنذ ذلك الحين، أخضعت بلغاريا سياستها الخارجية لتتطابق بشكل كامل مع متطلبات الاتحاد الأوروبي، لكنها حاولت في الوقت ذاته الحفاظ على علاقات جيدة ومتوازنة مع روسيا التي تربطها بها علاقات اقتصادية قوية في مجالات مختلفة، والطاقة إحدى تلك المجالات الأكثر أهمية على صعيد العلاقات الاقتصادية بين البلدين؛ فبلغاريا تكاد تكون تابعة بالكامل في مجال الطاقة(21) للغاز القادم من روسيا الذي يشكِّل ما نسبته 85% من احتياجاتها، وأسهم غلق المفاعلين النوويين في "كوزلودوي"، تحت ضغط الاتحاد الأوروبي عام 2007، في زيادة تبعية بلغاريا لروسيا على صعيد طاقة الغاز.

سعى الكرملين إلى إشراك بلغاريا في مشروعين كبيرين في مجال الطاقة، هما: محطة نووية لتوليد الطاقة وخط أنابيب لإمدادات الغاز الطبيعي. وفي العام 2014، ومع التصعيد الذي شهده الصراع الروسي مع أوكرانيا، مارَسَ الاتحاد الأوروبي ضغوطًا على صوفيا لوقف الأشغال في مشروع "ساوث ستريم" أو أنبوب الجنوب، الذي كان من المفترض أن يُمِدَّ مناطق الجنوب الشرقي ووسط أوروبا بالغاز الطبيعي عبر أنبوب يمتد تحت مياه البحر الأسود، وتسببت تلك الضغوط بانهيار ائتلاف الحكومة الاشتراكية التي كانت تُبدي تعاطفًا مع روسيا. أما الحكومة الحالية التي جاءت إلى السلطة بعد عام واحد فقط، من اندلاع المظاهرات الغاضبة من سياسات التقشف فإن بعض السياسيين الموالين لليمين البلغاري يرون أن روسيا كانت تقف وراء إذكائها وتمويلها(22). والجدير بالذكر أن أميركا أبدت اهتمامًا بقطاع الطاقة، وضغطت على الحكومة البلغارية من أجل السماح لشركات أميركية بالتنقيب عن حقول الغاز الصخري فيها رغم اعتراض حماة البيئة.

وتحظى بلغاريا بأهمية جيوستراتيجية بالغة للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية في المجال الأمني خاصة على صعيد تأمين حدود الاتحاد الأوروبي الجنوبية-الشرقية مع تركيا، والتي واجهت في السنوات الأخيرة مزيدًا من الضغوط بسبب تصاعد وتيرة الصراع في الشرق الأوسط. ويُصرُّ الاتحاد الأوروبي بشكل خاص على الدور الذي يجب على بلغاريا القيام به؛ ألا وهو الحد من موجات المهاجرين المتسللين إلى بلدان أوروبا الغربية عبر الحدود الجنوبية والشمالية للقارة.

ولبلغاريا أيضًا علاقات تعاون أمني وثيقة مع أميركا؛ حيث أرسلت عددًا من جنودها لمساعدة هذه الأخيرة في حروبها التي خاضتها في أفغانستان والعراق، كما سمحت صوفيا لأميركا باستخدام قواعدها العسكرية في عملياتها، ووقَّعت في هذا السياق عام 2006 معاهدة تعاون دفاعي مع واشنطن، أعطت بموجبها الجنود الأميركيين حق استعمال أربع قواعد عسكرية بلغارية(23)، ومنذ وقت قريب، وفي ظل تنامي التوتر بين حلف الناتو وروسيا على خلفية التصعيد الذي شهده الصراع في أوكرانيا، فإن بلغاريا، مع عدد آخر من بلدان شرق أوروبا، نادت بزيادة الحضور العسكري لحلف الناتو في المنطقة(24). وفي الوقت الذي يستمر فيه النزاع الأوكراني، فإن المخاوف من تمدده إلى بلدان المنطقة بات أمرًا مقلقًا للجميع.

وحافظت بلغاريا على مستوى المنطقة، على علاقات طيبة مع كل جيرانها، وكانت أول دولة أوروبية تعترف بالجمهوريات اليوغسلافية الأربع -سلوفينيا وكرواتيا ومقدونيا والبوسنة والهرسك- التي أعلنت استقلالها في أواخر العام 1991(25)، وكان هذا الموقف شديد الأهمية للبلد، كما كان شديد الخطورة أيضًا لما تضمَّنه من إمكانية تمدد الصراع لو كان ردُّ فعل بلغراد عدائيًّا.

فاعتراف صوفيا باستقلال مقدونيا، كان بمثابة تعبير عن رغبتها بالقطع مع سياستها التاريخية تجاه جمهورية مقدونيا -التي كانت تمثل أكثر القضايا الخارجية إشكالية قبل صعود الشيوعيين إلى الحكم عام 1944- وبالتالي التخلي عن مطالبها المتعلقة بالنزاع على الأراضي. كما أعطى الاعتراف بالجمهوريات المستقلة الأربع إشارة إيجابية واضحة إلى أوروبا الغربية، التي كانت حينها تُجري مشاورات فيما بين بلدانها للاعتراف بالجمهوريات المستقلة، وبذلك برهنت بلغاريا على مُضيِّها في طريق التقارب مع الغرب(26).

وإبان فترة الصراع في كوسوفو عام 1999، سمحت بلغاريا لحلف الناتو باستخدام فضائها الجوي بالرغم من المعارضة الشعبية لذلك، لا بل اعترفت بلغاريا باستقلال كوسوفو عن صربيا بعد أسابيع معدودة فقط من إعلان بريشتينا استقلالها وذلك توافقًا مع سياسة الاتحاد الأوروبي.

وعلى الرغم من حفاظها على علاقات جوار وصداقة طيبة مع جيرانها البلقانيين الغربيين، فإن بلغاريا فشلت في توظيف ما يُتيحه لها موقعها الجيوستراتيجي وانضمامها المبكر إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، وعجزت أن تكون قوة إقليمية مؤثرة. ونظرًا لعدم تدخلها في حروب يوغسلافيا وما كان لها من دور حيادي مع قربها من مناطق الصراع، فإنه كان بإمكان بلغاريا أن تتخذ لنفسها موقعًا مهمًّا كوسيط إقليمي قادر على قيادة جهود المصالحة وبناء آليات إقليمية قوية تحكم علاقات دول المنطقة. 

أضاعت بلغاريا أيضًا عددًا من الفرص التي سنحت لها من أجل بناء علاقات قوية مع مقدونيا، وأن تضع خلف ظهرها كل الخلافات التاريخية معها وتحمل مسؤولية دور الوسيط في النزاع المقدوني-اليوناني. لكن وبعد تحسن مبدئي في أواخر التسعينات، فإن ظلال عدم الارتياح لا تزال تخيِّم على العلاقات بين البلدين.

 وفشلت بلغاريا أيضًا في تحسين علاقاتها مع تركيا، التي كان لها معها تاريخ طويل من العلاقات العدائية قبل وبعد سيطرة الشيوعيين على الحكم عام 1944، باعتبار أن تركيا ورثت الإمبراطورية العثمانية وتحالفت لاحقًا مع الغرب خلال الحرب الباردة. فجارُ بلغاريا الجنوبي حاليًا هو ثالث شريك تجاري لها، لكن، ومع ذلك، فإن الإمكانات الضخمة الممكنة في مجال التعاون الاقتصادي تعثرت بسبب الخلافات المستمرة بين البلدين والتي أدت إلى غلق الحدود بينهما في عدة مناسبات(27). أما الأسباب التي تقف خلف هذا الانسداد في العلاقات فتعود إلى تبادل الشكوك والتباطؤ في حسم قرار التعاون بين البلدين.

ويمكن التأكيد في هذا السياق، على أن كل هذه الخلافات مع مقدونيا وتركيا مُسيَّسة بامتياز على الجانب البلغاري، وتخضع للابتزاز الذي تمارسه أحزاب الجناح اليميني من أجل تحقيق مكاسب سياسية. وكما هو مشار إليه أعلاه، فإن أحد أبرز الآثار التي خلَّفتها حروب يوغسلافيا على البلد، هو تنامي قنوات التهريب. كما خلقت العلاقات، التي بُنيت بين العصابات الإجرامية البلغارية ومثيلاتها في دول غرب البلقان، شبكة من المصالح البينية القوية فيما بينها وربطت بينها على مستويات متعددة، وهو ما ساعد على ربط صلات متشابكة بين عصابات الجريمة المنظمة على امتداد شبه الجزيرة البلقانية (28)، في حين لم تتمكن دول المنطقة، في المقابل، من بناء تحالف يُساعد بلغاريا وجاراتها في مكافحة هذا النوع من الجريمة.

 خاتمة

طُبع التحول الذي تلا الحقبة الشيوعية في بلغاريا بتأثير ميراث الشيوعية وطغى على مناحي الحياة السياسية والمؤسسية والاقتصادية للبلاد. وفي مقابل الأوضاع التي عصفت بمنطقة البلقان وأشعلت فيها حروبًا ضروسًا، فإن بلغاريا بقيت مستقرة نسبيًّا. ومع ذلك، فقد فشلت حكومات بلغاريا المتعاقبة منذ انهيار الشيوعية في كنس الثقافة التي هيمنت على تسيير مؤسسات الدولة، ولم تستطع تبني المبادئ الأساسية  للديمقراطية، ألا وهي الشفافية والتنافس الحر والنزيه، وبدلًا من ذلك فإن ما نشهده في بلغاريا اليوم هو تواصل العمل وفقًا لآليات المحافظة على الوضع القائم سياسيًّا واقتصاديًّا.

ومع وقوع العملية السياسية في براثن الانقسام والتجزئة والتقلب في المواقف وقيام تحالفات مصالح، فإن الفجوة بين عموم الشعب والنخب السياسية في اتساع مستمر، وهيمنة الأوليغارشية وعصابات الجريمة المنظمة تقوِّض مسيرة التنمية الاقتصادية وتُضعف من ثقة الشعب في الدولة.

كل هذا، مضافًا إليه الضغوط السياسية والاقتصادية والأمنية القادمة من خارج البلاد، على المستويين الإقليمي والدولي، يمكن أن يُترجم إلى مخاطر عالية وجدية تهدد مستقبل استقرار الدولة.

وبالنظر إلى فشل بيروقراطية الدولة والنخب السياسية -خلال الربع الأخير من القرن الماضي- في تحقيق تحول فعلي داخل مؤسسات الدولة، فإن التغيير لابد أن يأتي من خارج النظام، بمعنى أن الفرصة الوحيدة القادرة على إحداث تغيير حقيقي يمكن أن تأتي عن طريق ممارسة ضغط منظَّم ومتواصل من عموم الشعب ومنظمات المجتمع المدني وكذلك من الأحزاب السياسية. ويظل بإمكان المواطن النشط أن يُغيِّر نظام بلغاريا في هذه الفترة الصعبة التي تلَتْ النظام الشمولي.

ستُواصل بلغاريا، على صعيد السياسة الخارجية، التزامها بالخط السياسي للاتحاد الأوروبي، وستعمل، بكل تأكيد، على تطبيق كل القرارات التي يمكن للاتحاد الأوروبي وحلف الناتو اتخاذها على المستوى الأمني.

أما في حال استمرار التصعيد في الصراع الأوكراني، فإن هناك مخاوف حقيقية من انتشار النزاع وخلق حالة من عدم الاستقرار الداخلي في بلغاريا. وتبدو الضمانة الأمثل لتحقيق الأمن في بلغاريا كامنة في تحسين علاقاتها مع جوارها الإقليمي وانخراطها الفعلي والجاد في الجهود الرامية لاستقرار وتأمين منطقة جنوب البلقان، ولعب دور الوسيط الإقليمي.
_________________________________________
ماريا بتكوفا - باحثة وإعلامية بلغارية
ملاحظة: النص بالأصل أعد لمركز الجزيرة للدراسات باللغة الانكليزية، وترجمه إلى العربية الباحث المتخصص بشؤون البلقان كريم الماجري.

المصادر
 1 “National Report: Bulgaria”. Eurobarometer. Fall 2005. http://ec.europa.eu/public_opinion/archives/eb/eb64/eb64_bg_nat.pdf
Accessed on 8 march 2015
2 “Public Opinion”. Alpha Research. 2005.
http://alpharesearch.bg/userfiles/file/AlpaResearch2003.pdf
Accessed on 8 march 2015
3 Maeva, Mila “The Revival Process and Its Influence on the Identity of Bulgarian Turks in Turkey”.  Bulgarian Academy of Sciences. http://www.balkanethnology.org/files/library/Mila/The_Revival.pdf
Accessed on 8 march 2015
4“At least 10% ‘dead souls’ in the forthcoming elections” [BG], Dnevnik, 14 September 2011. إضغط هنا
Accessed on 8 march 2015
5 “The electoral process in Bulgaria: Unresolved problems,” Transparency International Bulgaria, 2014, p.13 إضغط هنا
Accessed on 8 march 2015
6 Bosev, Rosen, “Mayors, municipalities, and local oligarchs participate in vote-buying”[BG]. Capital. 17 October 2014 إضغط هنا
Accessed on 8 march 2015
7 Kabakchieva, Petya. “Bulgarian communism in individual and institutional memory”. Bulgarian Communism: Debates and Interpretations. Sofia: Center for Advanced Study. 2013, p. 157
8 Ibid, p. 150-151
9 Ibid, p. 152
10 “Sapard funds frozen until September -deputy PM”, Sofia Echo, 7 July 2008.
http://sofiaecho.com/2008/07/07/661974_sapard-funds-frozen-until-september--deputy-pm
Accessed on 8 march 2015
11 Albert Melone and Carol Hays, “The Judicial Role in Bulgaria's Struggle for Human Rights,” Judicature , Vol . 77, No . 5, 1994, p. 251 - 252
12 Kabakchieva, p. 155
13 Pedro Magalhaes, “The Politic s of Judicial Reform in Eastern Europe,” Comparative Politics , Vol. 32, No. 1, 1999, p. 57-58
14 Metodiev, p.331
15 Momchil Metodiev, “Bulgaria , ” Transitional Justice in Eastern Europe and the Former Soviet Union , ed. Lavinia Stan, London: Routledge , 2009, p. 329 [e-book]
16 Vesselin Dimitrov, Bulgaria: The Uneven Transition, London: Routledge , 2001 , p.83
17 John O’ Brennan. “Bulgarians under the Yoke of Oligarchy”. New Left Review إضغط هنا
Accessed on 8 march 2015
18 Dobromir Tsolyov “The dark side of the Bulgarian economy” [BG], Capital. 11 May 2011,  إضغط هنا
Accessed on 8 march 2015
19 Hristov, Hristo. “Black Calendar of Communism” DurzhavnaSigurnost.com,
http://desebg.com/2011-01-17-14-11-51/66-2011-01-30-19-36-25
Accessed on 8 march 2015
20 Bogdana Lazarova, “How state smuggling channels were created,” Darik News, 16 July 2006
http://dariknews.bg/view_article.php?article_id=75455
Accessed on 8 march 2015
21 “Bulgaria weighs dependence on Ukraine route for Russian energy”, Reuters, 4 March 2014, http://www.reuters.com/article/2014/03/04/us-bulgaria-ukraine-risks-idUSBREA2324H20140304
22 Kerin Hope. “Bulgarians see Russian hand in anti-shale protests”, Financial Times, 30 November 2014,
http://www.ft.com/intl/cms/s/0/e011d3f6-6507-11e4-ab2d-00144feabdc0.html
Accessed on 8 march 2015
23 “Fact Sheet about JTF-E”. Embassy of the United States of America. http://bulgaria.usembassy.gov/odc_jtf_factsheet.html
Accessed on 8 march 2015
24 “Bulgaria Calls for More NATO Troops in Southeastern Europe” VOA News. 22 July 2014.
http://www.voanews.com/content/bulgaria-calls-for-more-nato-troops-in-southestern-europe/1963207.html
Accessed on 8 march 2015
25 Yordan Vasilev. “How Bulgaria recognized Macedonia,” Sega, 20 July 2001
http://www.segabg.com/article.php?issueid=1600&sectionid=5&id=00005
Accessed on 8 march 2015
26 “Filip Dimitrov: How we recognized Macedonia” [BG], Vesti.bg, 13 March 2010. http://www.vesti.bg/bulgaria/politika/filip-dimitrov-kak-priznah-makedoniia-2836071
Accessed on 8 march 2015
27 “The crisis with Turkey worsens”[BG], Trud, 10 October 2013  http://www.trud.bg/Article.asp?ArticleId=2351323
28 David Binder “Organized Crime in the Balkans” Wilson Center 22 January 2002.
http://www.wilsoncenter.org/publication/269-organized-crime-the-balkans
Accessed on 8 march 2015

ABOUT THE AUTHOR