العلاقات المصرية الإيرانية في عهد مبارك

القاعدة هي التوتر في العلاقات بين مصر وإيران, على الأقل ابتداء من منتصف القرن الماضي, باستثناء سنوات معدودة أعقبت التحولات التي حدثت في السياسة الخارجية المصرية نحو الولايات المتحدة عقب حرب أكتوبر 1973...
20118883117744734_2.jpg

القاعدة هي التوتر في العلاقات بين مصر وإيران, على الأقل ابتداء من منتصف القرن الماضي, باستثناء سنوات معدودة أعقبت التحولات التي حدثت في السياسة الخارجية المصرية نحو الولايات المتحدة عقب حرب أكتوبر 1973, تبعها تحسن وتطور في العلاقات المصرية الإيرانية, هذا التحسن كانت له نتائجه على صعيد تطور العلاقات المصرية الإيرانية.

وبتوقيع مصر معاهدة السلام مع إسرائيل, التي أعقبت سقوط نظام الشاه في إيران وقيام نظام الجمهورية الإسلامية, عاد التوتر وبعنف إلى هذه العلاقات بعد أن أصدر الإمام الخميني قراره بقطع العلاقات مع مصر, بناء على طلب مباشر من الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات, عقابا لمصر على توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل.

أتصور أن لغزا بهذا المستوى يستلزم البحث والتفكير بدلا من الركون إلى قدرية المآل المأساوي للعلاقات بين بلدين إسلاميين شقيقين تجمعهما روابط ووشائج قوية يجب عدم التفريط فيها.

أتصور أيضا أن الأوان قد آن لنسأل: لماذا بقيت العلاقات المصرية الإيرانية مقطوعة ومتوترة طيلة تلك السنوات؟ فمصر هي الدولة العربية والإسلامية الوحيدة التي ليست لها علاقات دبلوماسية كاملة مع إيران, ولكي يستقيم منطق الكلام يجب أن نقول أيضا: إن إيران تكاد تكون هي الدولة الوحيدة في العالم الإسلامي التي ليست لها علاقات دبلوماسية كاملة مع مصر. كيف يمكن أن يستقيم هذا الحال الأعوج وإلى متى؟ هل ما بين إيران ومصر من الصراع وتناقض المصالح والعداء يتساوى مع ما بين إيران والولايات المتحدة وإسرائيل؟

فالدول تتقارب وتتعاون, وربما تتحالف إما بدافع من وجود منافع ومصالح مشتركة, وإما بدافع من درء المخاطر ومواجهة الأخطار. وقد يحدث التعاون بدافع من تعظيم المنافع والمصالح ودرء ومواجهة الأخطار معا. وهنا نسأل: ألا توجد منافع ومصالح مشتركة بين مصر وإيران تغريهما بتطوير وتحسين العلاقات لدرجة التعاون والتنسيق, ولا نقول التحالف؟ وألا توجد أخطار وتهديدات مشتركة تواجه مصر وإيران تحفزهما للتعاون المشترك لمواجهة هذه الأخطار؟

من الصعب على أي باحث منصف أن يقطع بنفي وجود أي مصالح مشتركة بين مصر وإيران, ومن المستحيل على أي باحث محايد أن يقطع بنفي عدم وجود تهديدات وأخطار مشتركة تواجه مصر وإيران, لكن القضية ليست بهذه البساطة, فالمنافع والأخطار ليست هي الدوافع والحوافز للنهوض بعلاقات دولتين أو عدد من الدول إلى مستوى التنسيق والتعاون, هناك عوامل أخرى جانبية لا تقل أهمية, منها مثلا مدى التوافق والانسجام بين النظم السياسية والأيديولوجيات الحاكمة, فالتوافق والتجانس بين النظم السياسية والأيديولوجيات يشجع على انتهاج سياسات خارجية متقاربة, ومنها أيضا التحالفات والارتباطات الخاصة بكل دولة من الدول, فهذه التحالفات قد تضع قيودا على الدول للتقارب رغم تجانس أنظمتها السياسية, ورغم وجود منافع وأخطار مشتركة.

توجد إذن حزمة من العوامل تدفع دولا بعينها إلى التعاون والتنسيق، وتوجد أيضا حزمة من العوامل تمنع مثل هذا التعاون والتنسيق, وأحسب أن الأوان قد آن لنسأل مجددا: ما الذي يمنع مصر وإيران من وضع نهاية لتوتر العلاقات بينهما؟

محددات العلاقات بين البلدين

الإجابة على السؤال السابق تستلزم تعرّف المحددات الحاكمة لتطور العلاقة بين البلدين خاصة ما يتعلق منها بخصائص البيئة الإقليمية والدولية لهذه العلاقات من ناحية والظروف والتطورات الخاصة في البلدين من ناحية أخرى، وهي المحددات التي أدت في مجملها إلى جعل العلاقات المصرية الإيرانية تأخذ مسار المنحنى متعدد الصعود والهبوط بكل ما يعنيه من مؤشرات التوتر في العلاقات من ناحية ثم التحسن التدريجي والعودة مجددا إلى التوتر مرة أخرى، وهكذا دون استقرار على وضع محدد وثابت.

هذه الفرضية تكتسب أهميتها من منظور فهم خصوصية مرحلة حكم الرئيس حسني مبارك التي تميزت بقدر غير مسبوق من استقرار العلاقات على حال التوتر مع استثناءات محدودة من تحسن العلاقات، ومن ثم يفرض السؤال الأساسي نفسه: لماذا تفردت سنوات حكم الرئيس حسنى مبارك الثلاثين (تقريبا) بغلبة التوتر على التحسن في علاقات مصر بإيران، وما العوامل المسؤولة عن ذلك؟

الإجابة على هذا السؤال تفرض الإلمام بالمحددات الحاكمة لمسار تطور العلاقات المصرية الإيرانية، ومنها يمكن تعرف الخصوصيات التي اكتسبتها هذه العلاقات في سنوات حكم الرئيس حسني مبارك.

فقد لعبت أربعة محددات أساسية الدور الأكبر في تطور العلاقات المصرية الإيرانية ومجمل العلاقات والتفاعلات التي حدثت علي مدي نصف القرن الماضي في العلاقات الدولية الإقليمية الشرق أوسطية هي‏:‏ خصوصية النظام الدولي‏,‏ وتأثير دور الدولة الحليفة وطبيعة مصالحها وعمق ودرجة تورطها في الإقليم‏,‏ ثم التطورات الداخلية في الدول من ناحية ميزان القوة والإيديولوجيا الحاكمة وخصائص نظام الحكم‏,‏ وأخيرا إدراك الدولة لدورها الإقليمي وحدود هذا الدور‏.‏ هناك‏,‏ بالطبع‏,‏ محددات وعوامل أخرى، مثل الإرث الثقافي والتاريخي والعرق والجوار الجغرافي‏ (التقارب أو عدم التقارب الجغرافي‏),‏ لكن العوامل الأربعة المذكورة هي التي كانت لها التأثير الغالب في تطور العلاقات بين مصر وإيران، بل وبين مجمل الدول أعضاء الإقليم‏.‏

فالنظام الدولي ثنائي القطبية الذي ساد معظم سنوات النصف الثاني من القرن العشرين وتسبب في اشتعال الحرب الباردة بين الكتلتين الغربية بقيادة الولايات المتحدة والشيوعية أو الاشتراكية بزعامة الاتحاد السوفياتي أدى الي شيوع سياسة الاستقطاب الدولي والإقليمي‏,‏ وانعكس هذا الانقسام علي العلاقات بين دول الشرق الأوسط بشكل سلبي ملحوظ‏.‏

وكان للدولة الحليفة أو الصديقة ‏(وهي عادة دولة عظمى أو كبرى من خارج الاقليم‏)‏ دور كبير في التأثير على العلاقات بين دول الشرق الأوسط إيجابا أو سلبا حسب المشاركة في حلف واحد أو عدم المشاركة، وحسب العلاقة بين الدول الحليفة المنغمسة في شؤون الإقليم‏ (صداقة أم عداوة‏).‏

العلاقات المصرية الإيرانية كانت نموذجا واضحا لتأثير هذا العامل‏، ففي سنوات ما قبل الخمسينيات كانت بريطانيا دولة حليفة لمصر وإيران، فتطورت العلاقات إيجابيا الي درجة المصاهرة بينهما. وبعد قيام ثورة ‏23‏ يوليو 1952 وتدهور العلاقات المصرية البريطانية بسبب العدوان الثلاثي عام ‏1956‏، ثم بسبب تدهور العلاقات المصرية الأميركية وتطور العلاقات المصرية السوفياتية في ظل انخراط إيران في حلف بغداد، الحلف المركزي الذي تقوده أميركا، أصبحت العلاقات عدائية جدا بين مصر وإيران. واستمر ذلك حتى تدهور العلاقات المصرية السوفياتية وتحسن العلاقات المصرية الأميركية‏,‏ فبدأت العلاقات تتحسن بين البلدين، وتميزت العلاقات بين شاه إيران والرئيس السادات‏.

ثم عادت العلاقات فتدهورت بعد قيام الثورة الإيرانية وانتصارها ثم قطع العلاقات الدبلوماسية الإيرانية الأميركية ووضع إيران تحت الحصار الأميركي في وقت كانت فيه العلاقات المصرية الأميركية علاقات حسنة بل وعلاقات صداقة مميزة‏.‏

وما حدث بين مصر وإيران بسبب هذا العامل ينطبق على دول إقليم الشرق الأوسط الأخرى بشكل أو بآخر حسب العلاقات مع الحليف الدولي‏,‏ وإن العلاقة بين الحلفاء والعلاقات المصرية السعودية‏,‏ والعلاقات المصرية العراقية هي أيضا نموذج واضح لتأثير هذا العامل‏.‏

وتلعب خصوصية التطورات الداخلية في الدول من ناحية وزن القوة والإيديولوجيا الحاكمة وخصائص نظام الحكم دورا أكثر فعالية في العلاقات بين الدول‏.‏ فالدول القومية الكبرى داخل النظام تكون أكثر ميلا للتنافس على الزعامة والقيادة داخل الإقليم‏,‏ كما أن الدولة القومية تكون عندها نوازع سيطرة على الدول الصغرى والتنافس عليها مع الدول الكبرى الأخرى.

ولذلك كانت العلاقات تنافسية في معظم السنوات بين الدول الكبرى داخل الإقليم ومنها مصر وإيران‏,‏ وأحيانا كانت تتحول إلى صراع‏,‏ وتكون تعاونية في حالة تفوق تأثير عوامل ومتغيرات أخرى مثل الحليف الدولي والإيديولوجيا السياسية وخصائص نظام الحكم‏.‏ فالدول المتشابهة في نظام الحكم تكون أقرب بعضها من بعض من الدول غير المتشابهة في نظام الحكم ‏(‏هذا الوصف ينطبق أكثر على الدول ذات النظام الملكي‏,‏ أما الدول الجمهورية فكانت علاقاتها أشبه بحركة البندول متحركة بين التعاون والصراع بسبب تأثير العوامل الأخرى‏).

العلاقات بين مصر وإيران توضح ذلك‏،‏ فعندما كانت البلدان ملكيتين كانتا أقرب,‏ واختلفت العلاقة مع سقوط النظام الملكي في مصر،.‏ ويتضح ذلك أكثر في العلاقة بين ايران والعراق ودول مجلس التعاون الخليجي التي يضمها معا نظام إقليمي فرعي هو النظام الاقليمي الخليجي‏.‏ ففي عقد السبعينيات كانت إيران والدول الست التي شكلت مجلس التعاون الخليجي عام ‏1981‏ دولا ملكية وراثية وصديقة للولايات المتحدة، في حين كان العراق وحده دولة جمهورية ذات إيديولوجيا قومية راديكالية حريصا علي دعم الحركات المعارضة الوحدوية والثورية في دول الخليج، خاصة بعد توقف مصر منذ نكسة ‏1967‏ ثم وفاة الرئيس جمال عبدالناصر عام ‏1970‏ عن دعم الحركات القومية العربية‏.‏

بسبب هذا الوضع كانت دول مجلس التعاون أقرب إلى إيران الشاه منها إلى العراق، رغم أن إيران كانت أقوى عسكريا‏.‏ لقد كانت دول الخليج أميل إلى التحالف أو التقارب مع إيران غير العربية الأقوى عسكريا ولكن الأكثر طمأنة لنظم الحكم الخليجية من العراق العربي الأضعف عسكريا ولكن الأخطر تهديدا لشرعية النظم الحاكمة في الخليج‏.‏

هذه الصيغة من العلاقات تغيرت بعد سقوط نظام الشاه ومجيء نظام جمهوري إسلامي حريص على تصدير نموذجه الثوري إلى الدول المجاورة‏,‏ وبعد حدوث تطورات في السياسة العراقية باتجاه مزيد من التقارب مع الدول الخليجية ومزيد مع المهادنة مع الولايات المتحدة، في حين أن إيران الجمهورية بدأت تتعامل مع الولايات المتحدة كعدو بل وكشيطان أكبر، في وقت كانت فيه الدول الخليجية أقرب وأشد حاجة إلى واشنطن للحماية من الخطر الإيراني‏، فتحولت العلاقات بين هذه الدول وإيران من تعاون إلى صراع كما تحولت مع العراق طيلة ثماني سنوات من سنة ‏1980‏ سنة ‏1988‏ إلى تعاون بدلا من الصراع‏.‏

ولم يكن المحدد الرابع‏,‏ وهو إدراك كل دولة لدورها الإقليمي‏,‏ أقل تأثيرا في تحديد أنماط العلاقات الإقليمية الشرق أوسطية‏.‏ هناك بالطبع عوامل كثيرة تؤثر على جعل الدولة مهيأة للقيادة القومية أبرزها القوة النسبية للدولة، ومكونات هذه القوة والموقع والإيديولوجيا السياسية وغيرها‏,‏ ثم الإرث التاريخي أي الموقع التاريخي للدولة داخل الإقليم‏.‏ وقد كانت كل من إيران ومصر من أكثر الدول المؤهلة تاريخيا‏,‏ وموضوعيا للتنافس على الزعامة الإقليمية مع تراجع الدور التركي‏ آنذاك.

وقد كانت سنوات إدراك مصر لدورها القيادي ثم حرصها على أن تلعب هذا الدور,‏ عاملا مؤثرا في جعل العلاقات المصرية الإيرانية علاقات تنافسية‏.‏ ظهر ذلك جليا مع زعامة مصر الناصرية داخل النظام العربي وخارجه سواء على صعيد العالم الإسلامي أو دول عدم الانحياز‏.‏

كما كان إدراك مصر لهذا الدور القيادي سببا في حدوث صدامات في العلاقات المصرية السعودية، خاصة مع اختلاف نظامي الحكم والحليف الدولي ومع تطور العلاقات السعودية الإيرانية في سنوات حكم الشاه‏.‏ وبعد تراجع حرص مصر عن لعب هذا الدور مع غياب الرئيس عبدالناصر باتت العلاقات بين مصر وإيران مهيأة أكثر للتقارب والتعاون أكثر من التنافس والصراع‏,‏ وحدث نفس التطور في العلاقات المصرية السعودية‏.‏

إلى جانب هذه المحددات الأربعة الرئيسية‏,‏ كان هناك محدد خامس ربما يكون أكثر أهمية هو النظر إلى إسرائيل، هل هي دولة طبيعية أم منبوذة‏,‏ والعلاقات معها، هل هي علاقات صراع أو تعاون‏.‏

كان تأسيس الدولة الإسرائيلية عام ‏1948‏ على
أنقاض دولة فلسطين العربية علامة فارقة في تاريخ العلاقات الشرق أوسطية‏,‏ إذ انقسم الإقليم بين دول معادية لإسرائيل هي كل الدول العربية‏ (نظريا علي الأقل‏)‏ ودول أخرى صديقة لها هي إيران الشاه وتركيا‏.‏ وبسبب التقارب بل والتعاون‏,‏ إن لم يكن التحالف الإيراني الإسرائيلي كانت العلاقات المصرية الإيرانية علاقات صراع طيلة‏‏ سنوات التعامل المصري مع إسرائيل كعدو وكدولة منبوذة غير شرعية‏.‏

ولسوء الحظ أن التحول في الموقف الإيراني من إسرائيل عقب سقوط نظام الشاه والتعامل معها في ظل الجمهورية الإسلامية كعدو وإغلاق إيران للسفارة الإسرائيلية وتحويلها إلى سفارة لفلسطين وإعلان طهران الجهاد لاسترداد القدس الشريف‏,‏ هذا التحول جاء مصحوبا بتحول في الموقف المصري من إسرائيل‏,‏ ففي العام نفسه الذي انتصرت فيه الثورة الإيرانية وقعت مصر على اتفاقية السلام مع إسرائيل‏,‏ واستمرت العلاقات المصرية الإيرانية في عهد الثورة علاقات صراع بعد تبديل المواقع في العلاقة مع إسرائيل‏.‏

خصوصية عهد مبارك

يكشف التحليل السابق عن حقيقتين‏،‏ الأولى أن أغلب المحددات كانت تدفع بمزيد من علاقات الصراع بين مصر وإيران على حساب العلاقات التعاونية ‏(باستثناء فترة ما قبل الثورة في مصر وفترة حكم الرئيس السادات وعلاقته بشاه إيران خاصة ابتداء من العام 1975 وحتى العام 1979).

أما الحقيقة الثانية فهي صعوبة التعويل على محدد أو عامل واحد لإحداث تغيير في العلاقات بين البلدين، ذلك أن فرص التغيير فى العلاقات سواء باتجاه التعاون أم باتجاه الصراع هي في التحليل الأخير محصلة لتفاعل كل المحددات سابقة الذكر، رغم ذلك لعبت عوامل بعينها أدوارا هامة في زيادة التوتر في العلاقات المصرية الإيرانية. في حين ظلت بعض العوامل المحدودة تؤثر باتجاه تحسين هذه العلاقات عندما تتهيأ الفرص لذلك.

أما العوامل المسؤولة عن غلبة اتجاه التوتر في العلاقات المصرية الإيرانية فيمكن تقسيمها إلى ثلاث مجموعات بعضها يخص النظام الدولى، والثاني يتعلق بتطورات البيئة الإقليمية، أما المجموعة الثالثة فهي التي تتعلق بخصوصية الأوضاع ومعالم نظام الحكم في البلدين.

أما النظام الدولي فيمكن القول إنه رغم سقوط النظام الدولي ثنائي القطبية وما فرضه من استقطاب إقليمي بين دول حليفة للولايات المتحدة وأخرى حليفة للاتحاد السوفياتي فإن مرحلة ما بعد سقوط هذا النظام تميزت بسيطرة أحادية أميركية على قيادة النظام الدولي الجديد، وارتبط بذلك أمران، أولهما حدوث مزيد من العداء في العلاقات الأميركية الإيرانية، وثانيهما حدوث المزيد من التعاون في العلاقات الأميركية المصرية.

وهكذا أخذ العامل الدولي يفرض نفسه على توجهات السياسة الخارجية المصرية نحو إيران، وقد اعترف سفير مصر السابق في واشنطن نبيل فهمي (الذي قضى ما يقرب من سبع سنوات سفيرا لبلاده في العاصمة الأميركية) بممارسة الولايات المتحدة ضغوطا على مصر في علاقاتها مع إيران وضرب أمثلة عديدة لهذه الضغوط، منها الاعتراض على زيارة علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى الإيراني لمصر، ومنها أيضا مطالبة مصر بالتوقيع على قرار تحويل الملف النووي الإيراني من الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى مجلس الأمن الدولي.

ورغم ما أظهره السفير نبيل فهمي من حرص مصر على رفض هذه الضغوط أو التحفظ عليها وطرح رؤى بديلة فإن ما قاله يكشف أن الولايات المتحدة لم تكن غائبة عن ملف العلاقات المصرية الإيرانية، وأن الوجود الأميركي وتأثيره في هذا الملف يرتبط أولا بمدى التقارب أو التباعد في العلاقات المصرية الأميركية، كما كان يرتبط ثانيا بمستوى التوتر في العلاقات الأميركية الإيرانية.

أما عن التطورات الإقليمية، فيمكن القول إن الموقف المصري من إيران تأثر كثيرا بسبب تباعد أو تناقض الرؤى بين البلدين في العديد من الملفات، أبرزها الملف الفلسطيني ثم الملف الخليجي، وبعدهما يأتي ملف المخاوف والتحفظات المصرية على تنامي أدوار ونفوذ إيران على المستويين العربي والإقليمي. فإذا كانت العلاقات قد قطعت بين البلدين في عهد الرئيس المصري السابق أنور السادات عقب توقيع مصر معاهدة السلام مع إسرائيل فإن تفاقم تناقض سياسات مصر وإيران حول فلسطين كان أبرز معالم تطور العلاقات بين البلدين في عهد الرئيس حسني مبارك.

فقد تحولت مصر في عهد مبارك إلى دولة مسؤولة عن ملف تسوية الصراع العربي الإسرائيلي سلميا، واعتبرت أن أي تقدم في هذه التسوية يعد دليلا على جدارة خيار السلام المصري، وأي تعثر فيها تشكيك غير مقبول لهذا الخيار، في حين أن إيران رفضت مبكرا معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، واعترضت على خيار السلام باعتباره خيار النظم العربية الإستراتيجي، وانحازت إلى خيار المقاومة، وأخذت تساند كل قوى الرفض المناوئة لمشروع التسوية.

ولذلك لعب تناقض رؤى البلدين في منهج إدارة أو حل الصراع العربي الإسرائيلي دورا أساسيا في تفاقم توتر العلاقات بينهما، في ظل شيوع حالة من الحساسية المفرطة لدى النظام المصري إزاء أي دعم إيراني للمقاومة أو أي إدانة إيرانية لعملية السلام وأطرافها، حيث كان ينظر مصريا إلى هذه الأدوار الإيرانية باعتبارها محاولات لتعرية مصداقية الخيار المصري، ومحاولة لدعم ثقافة المقاومة على حساب ثقافة السلام التي انحازت لها القاهرة طيلة سنوات حكم الرئيس حسني مبارك.

وبسبب هذه المواقف الإيرانية تعاملت مصر مبارك مع إيران باعتبارها مصدرا للتهديد (إلغاء زيارة منوشهر متكى وزير الخارجية الإيراني للقاهرة في الأسبوع الأول من سبتمبر/ أيلول 2010 بسبب إدانته للمفاوضات المباشرة الفلسطينية الإسرائيلية التي بدأت مؤخرا في واشنطن وللقادة العرب الذين شاركوا فيها واتهامهم بخيانة شعوبهم نموذج واضح لجدية هذا الإدراك).

وهذا يعني أن التنازع المصري الإيراني حول قضية فلسطين سيبقى عاملا أساسياً من عوامل استمرار التوتر في العلاقات بين البلدين، وأن حدوث أي تغير في مواقف البلدين من شأنه أن يؤثر على العلاقات بينهما، فلو غيرت مصر من انحيازها لخيار السلام إذا ما فشلت جولة المفاوضات المباشرة الأخيرة، أو إذا حدثت توترات حقيقية في العلاقات المصرية الإسرائيلية فإن ذلك يمكن أن يكون أحد دوافع مراجعة مصر لعلاقاتها مع إيران، أو إذا ما قبلت إيران تعديل مواقفها الداعمة لتيار المقاومة والممانعة ضمن صفقة واسعة تتعلق بأزمة برنامجها النووي مثلا أو أدوارها الإقليمية فإن التوتر في العلاقات مع مصر يمكن أن يتراجع وربما بنفس درجة التغير في هذا الموقف الإيراني، أما بقاء المواقف على ما هي عليه فليس له غير معنى واحد، هو بقاء أحد أهم عوامل التوتر في العلاقات بين البلدين.

الأمر بالنسبة للملف الخليجي ربما لا يكون بمستوى التحدي نفسه الذي يمثله الملف الفلسطيني، فالتهديد الذي يمثله الخطر الإيراني في الملف الفلسطيني على مصر يمس مباشرة شرعية نظام الحكم في مصر ويهدد هذه الشرعية، حيث إن انحياز إيران للمقاومة وعداءها الشديد والعلني لإسرائيل باعتبارها دولة احتلال يضع النظام المصري، بدعمه لخيار السلام وقيادة مسيرة التسوية والدفاع عنها، موضع الاتهام بالتفريط في حقوق الشعب الفلسطيني وفي المسؤولية القيادية التاريخية لمصر بالنسبة للقضية الفلسطينية.

أما التحديات الإيرانية لمصر في الملف الخليجي فهي تحديات تواجه الدور القومي والالتزامات القومية لمصر، وهما معا، الدور والالتزامات، شهدا انحسارا ملحوظا منذ وفاة الرئيس جمال عبد الناصر، ولكن وتيرة هذا الانحسار أخذت تتزايد بمستوى انغماس مصر في مشروع التسوية وانكفائها داخليا.

ولذلك فإنه رغم أن مصر تعطي اهتماما ملحوظا لمخاطر تزايد الوجود والنفوذ الإيراني في الخليج والتعنت الإيراني بالنسبة لاحتلال جزر الإمارات الثلاث والتهديدات التي تظهر أحيانا وتتراجع في أحيان أخرى للبحرين فإن مصر لم تطرح مشروعا حقيقيا للأمن في الخليج سواء من المنظور المصري أو المنظور القومي، ولم تتشدد في التصدي لتسويف دول مجلس التعاون لمشروع إعلان دمشق الذي ظهر في الأفق سريعا وتراجع سريعا عقب انتهاء حرب تحرير الكويت من الاحتلال العراقي عام 1991، كما لم تظهر مصر رفضا صريحا لهيمنة الولايات المتحدة على الأمن في الخليج على أنقاض تسويف مشروع إعلان دمشق عقب انتهاء هذه الحرب.

رغم ذلك يبقى الخلاف المصري مع إيران حول سياساتها في الخليج أحد أسباب التوتر في العلاقات بين البلدين، لكن هذا التوتر يتفاقم مع تزايد النفوذ الإيراني على حساب النفوذ المصري في الدائرة العربية وفي ملفات عربية هامة ابتداء من لبنان إلى العراق إلى العلاقة المتصاعدة مع حركة حماس في قطاع غزة والتعاون الوثيق بين طهران ودمشق، وهو التعاون الذي أغرى البلدين بتوسيعه ليضم كلا من العراق وتركيا في وقت ظهرت فيه بوادر استقطاب إقليمي واضح عقب الحرب الإسرائيلية على لبنان صيف 2006، وهي الحرب التي أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس عن ميلاد "شرق أوسط جديد" من رحمها، وسعت إلى خلق ما يسمى بـ"محور الاعتدال" ويضم "مجموعة 6+2" أي دول مجلس التعاون الخليجي الست إضافة إلى مصر والأردن في مواجهة ما سمي بـ"محور الشر" ويضم سوريا وإيران وحزب الله ومنظمات المقاومة الفلسطينية.

ضمن هذا الاستقطاب ظهر الحديث عن خطر "الهلال الشيعي" لأول مرة على لسان ملك الأردن عبد الله الثاني، وتطور حديث الاستقطاب من تفاقم التعبير عن خطر تمدد النفوذ الشيعي في الفترة التي شهدت انقساما عربيا بين محوري الاعتدال والممانعة حول الحرب الإسرائيلية على لبنان، حيث جرى تحميل إيران وحزب الله مسؤولية هذه الحرب على لسان مسؤولين مصريين وسعوديين، وظهرت فتاوى سعودية تحرم دعم حزب الله وتكفر الشيعة.

وامتد هذا الانقسام أثناء وفي أعقاب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة (ديسمبر 2008-يناير 2009) وتحميل مصر والسعودية مسؤولية هذه الحرب لإيران وحركة حماس، لكن هذا الانقسام جاء على حساب تماسك محور الاعتدال بسبب الدور القطري وتزعم قطر دعوة انعقاد قمة عربية طارئة للنظر في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في وقت عارضت فيه مصر والسعودية هذه الدعوة لصالح مؤتمر القمة الاقتصادية في الكويت.

هذا التعارض في السياسات بين مصر وإيران امتد أيضا وبقوة إلى الملف العراقي على ضوء تزايد النفوذ الإيراني في العراق، لكن مشكلة مصر هنا أنها لا تملك القدرة على قيادة مشروع عربي بديل في العراق، كما أن مثل هذا المشروع المستحيل، إن وجد، لن يكون له القبول الكافي داخل العراق في ظل اختلال معادلة توازن القوى داخل العراق لصالح حلفاء إيران، وفي ظل اضطرار الولايات المتحدة للبحث في معادلة "توازن مصالح" مع إيران في العراق تؤمن لواشنطن مصالحها في العراق عقب الانسحاب العسكري الأميركي وتضمن في الوقت نفسه استقرارا في العراق ضمن اعتراف أميركي بمصالح إيرانية في العراق.

هذا التنازع حول الملفات الإقليمية جعل من إيران مصدرا للتهديد بالنسبة لمصر، وفرض توجهات سياسية مصرية نحو إيران اتسمت بالتوتر شبه المستمر بين البلدين وتعثر معظم محاولات التقارب وتغليب المصالح المشتركة على حساب دوافع التوتر.

وحفّز على هذا التوجه الأسباب الداخلية الخاصة بالبلدين. بعض هذه الأسباب له علاقة بخصوصية النظام السياسي الحاكم في إيران من منظور تقييم النظام المصري، وبعضها الآخر يتعلق بالوعي والإدراك المصري لهذا النظام الإيراني كمصدر للتهديد في ذاته للأمن المصري والمصالح الوطنية المصرية. فالنظام الإسلامي في إيران يمثل إشكاليتين خطيرتين، من منظور النظام المصري، ناهيك عن توجهاته السياسية. فهو أولا نظام إسلامي، وثانيا يجعل الإسلام أحد ركيزتين أساسيتين في توجهات سياساته الخارجية. فالحكم في إيران يقوم على ركيزتي الإسلام والمصالح الوطنية الإيرانية، ولذلك فإنه إلى جانب الالتزام بما تمليه هذه المصالح الوطنية الإيرانية من توجهات لصانع القرار السياسي فإن عملية صنع قرار السياسة الخارجية في إيران تلتزم أيضا بالتوجهات الإسلامية للنظام. وهو ثانيا، أي نظام الحكم في إيران، ليس فقط نظاما إسلاميا بل هو أيضا نظام إسلامي شيعي، أي أنه نظام إسلامي مذهبي، وينص على ذلك في دستور الدولة، كما ينص على أن رئيس الدولة يجب أن يكون ملتزما بالمذهب الرسمي للدولة أي المذهب الشيعي الاثني عشري.

مصر تتعامل مع هاتين الركيزتين كمصدرين للتهديد في ظل الأوضاع الخاصة التي عاشتها منذ اللحظات الأولى لوصول الرئيس حسني مبارك إلى الحكم، فقد تولى الرئيس مبارك الحكم إثر حدث درامي اغتيل فيه الرئيس السابق أنور السادات على أيدي متطرفين إسلاميين، ومنذ تلك اللحظات دخل النظام في مصر في معركة طويلة المدى مع المتطرفين الإسلاميين، وقد تزامنت هذه الحرب مع "تورط" إيران في عملية تصدير الثورة، والتعاون مع المنظمات الإسلامية المعارضة، ما جعل مصر تتشكك في النوايا الإيرانية وتتهم إيران بدعم المتطرفين وإيواء إرهابيين مطلوبين أمنيا من جانب السلطات المصرية، فضلا عن تنامي الإدراك عند النظام في مصر بأن إيران تحولت إلى قاعدة داعمة ومساندة للإرهاب، خاصة في ظل وجود اتهامات غربية وأميركية خاصة لإيران من هذا النوع.

هذا الإدراك تدعم بتزامنه مع إدراك مصري رسمي آخر بأن إيران ترعى مشروعا مذهبيا شيعيا تسعى إلى التغلغل من خلاله لخلق مناطق نفوذ لها داخل دول المنطقة. هذا الإدراك تأكد في ظل العديد من التطورات كان أبرزها الدعم والرعاية الإيرانية الكاملة لحزب الله في لبنان، وتصاعد دور الحزب في المعادلات السياسية الداخلية في لبنان على حساب أطراف أخرى لبنانية محسوبة على مصر ودول الاعتدال العربي، خصوصا بعد الظهور السياسي القوى للحزب عقب نجاحه في تحرير الجنوب وتجاوز شعبيته الحدود اللبنانية وامتدادها إلى أنحاء واسعة عربية، وتحول زعامته إلى رمز لتيار المقاومة ضد إسرائيل ومناهضة مشروعات التسوية التي ترعاها أو تساندها مصر.

هذا الإدراك تدعم أيضا مع تنامي النفوذ الإيراني في العراق، وطموح إيران لملء الفراغ الذي سوف ينشأ حتما عن الانسحاب العسكري الأميركي من العراق في ظل عجز عربي كامل عن طرح مشروع بديل للعراق يمكن من خلاله احتواء النفوذ الإيراني، ومع الصعود السياسي القوي للأحزاب السياسية الشيعية في العراق وامتداد أصداء هذا الصعود في أنحاء عربية متفرقة خاصة في دول مجلس التعاون الخليجي التي بدأ بعضها يتحدث عن "خلايا شيعية نائمة موالية لإيران".

وهكذا يمكن القول إن هناك "حزمة عوامل" مسؤولة عن ترسيخ الإدراك المصري لإيران باعتبارها مصدرا للتهديد، وليس مجرد قوة إقليمية يمكن التنافس معها إقليميا إذا كان التعاون صعبا أو مستحيلا، ما أدى إلى جعل التوتر سمة غالبة في العلاقات بين البلدين.

ولكن رغم ذلك كانت ومازالت توجد "حزمة عوامل" أو محددات أخرى تتفاعل وتعمل في الاتجاه المضاد، أي اتجاه التقارب بين البلدين، وهو التقارب الذي تدعم فعلا في سنوات حكم الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي الذي اعتمد سياسة "نزع التوتر" بديلا لسياسة "تصدير الثورة" خاصة مع دول الجوار العربية، وكانت مصر على قمة أجندة الرئيس خاتمي خاصة من منظور دعوته الهامة للحوار بين الحضارات والثقافات وتعويله القوي على دور مصر التاريخي لدعم هذا التوجه، واعتماده على الأزهر الشريف ليقوم بدوره ركيزة لدعم الحوار بين الحضارات والثقافات من ناحية وليقود دعوة "التقريب بين المذاهب" خاصة بين السنة والشيعة من المسلمين لنزع كل فتيل للتوتر بين أبناء الأمة الإسلامية الواحدة.

هذه الدعوة لحوار الحضارات والتهدئة في علاقات إيران الإقليمية والحرص على تحسين العلاقات مع دول الجوار خاصة دول الخليج العربية أدت إلى شيوع قدر من الطمأنة لدى هذه الدول ما انعكس بوضوح على تنامي علاقات التعاون بينها وبين إيران، خاصة مع التزام إيران سياسة الحياد إزاء الحرب التي قادتها الولايات المتحدة الأميركية لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي.

هذه المواقف امتدت إلى العلاقات الإيرانية الأميركية وقبول إيران بدعوة تجميد مؤقت لتخصيب اليورانيوم، وتعاونها مع الولايات المتحدة في الحرب ضد تنظيم القاعدة وحركة طالبان في أفغانستان بعد تفجيرات 11 سبتمبر/أيلول 2001 في الولايات المتحدة، وعدم عرقلتها للغزو الأميركي للعراق، وتعاون حلفائها في العراق مبكرا مع سلطة الاحتلال الأميركي، ما أدى إلى تمكين الأميركيين من فرض سيطرتهم على العراق وفرض ما سمي بـ"العملية السياسية" والدستور الجديد الذي وجد الإيرانيون من خلاله فرصا مواتية للتغلغل وفرض النفوذ على العراق.

مجمل هذه التطورات تزامنت مع تطرين آخرين كان لهما تأثير مباشر هام على علاقات مصر بإيران، التطور الأول هو إبداء إيران قبولها للتعاون مع مصر في الملف الأمني، وتنشيط الدعوة إلى التقريب بين المذاهب، والتطور الثاني هو إدراك مصر لأهمية التعاون مع إيران في الملف النووي وفق الالتزام بقاعدة جعل إقليم الشرق الأوسط خاليا من أسلحة الدمار الشامل وفي مقدمتها الأسلحة النووية. هذا الإدراك أدى إلى حرص مصر على التعاون مع إيران في مجالين:

الأول دعم حق إيران في امتلاك برنامج نووي سلمي ورفض أي لجوء إلى الخيار العسكري ضد إيران انطلاقا من وجود إدراك لخطورة السماح باللجوء إلى خيار الحرب ضد إيران لتدمير قدراتها النووية لأسباب تتعلق أولا بخطر تداعيات مثل هذه الحرب على توازن القوى والاستقرار الإقليمي وأمن دول الخليج العربية التي سوف تكون حتما مسرحا لهذه الحرب، وتتعلق ثانيا بإدراك مصر أن ما سوف يفرض على إيران اليوم يمكن أن يفرض عليها مستقبلا باعتبارها هي الأخرى دولة وقعت على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، ومن حقها ومن حق كل دولة وقعت على هذه المعاهدة أن تمتلك برنامجا نوويا كاملا بما فيه امتلاك دورة تخصيب اليورانيوم باعتبار ذلك حقا قانونيا مؤكدا لكل الدول التي وقعت على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.

أما المجال الثاني فهو مجال التعاون الثنائي مع إيران والتعاون الجماعي معها في الوكالة الدولية لمنع فرض إسرائيل "دولة أمر واقع نووية" ولفرض تنفيذ القرار الصادر عن مؤتمر مراجعة معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية عام 1995 بجعل إقليم الشرق الأوسط خاليا من الأسلحة النووية.

إذا أضفنا إلى هذا كله نجاح مصر وإيران في الوعي بإمكانية تطوير العلاقات الاقتصادية المشتركة بين البلدين مع استمرار تعثر العلاقات السياسية والدبلوماسية، ونجاح البلدين في تحقيق تقدم ملحوظ في هذا المجال من خلال أنشطة القطاع الخاص ورجال الأعمال في البلدين، فنستطيع أن نقول إن البلدين استطاعا خلق فرص للتعاون الاقتصادي والدبلوماسي بينهما في مجالات محدودة، وأن الأمل كان يراودهما دائما في التطلع لاتخاذ النجاحات في تلك المجالات المحدودة منطلقا لتطوير التعاون المشترك بينهما، لكن غلبة العوامل والمحددات المسؤولة عن فرض التوتر سمة غالبة للعلاقات بينهما حال دون تحقيق هذا الطموح وأدى دائما إلى محاصرة وإحباط كل آمال تحسين هذه العلاقات. فهذه العوامل مجتمعة الدولية والإقليمية والداخلية في مصر وإيران تقف حائلا دون تطوير أو تحسين العلاقات بين البلدين.

الآفاق المستقبلية للعلاقات بين البلدين

واضح من هذا التحليل أن إدارة مصر للعلاقات مع إيران على مدى الأعوام الثلاثين الماضية كانت محصلة لنوعين من العوامل، الأول ما يمكن اعتباره عوامل خارجية إقليمية ودولية مفروضة، والثانية هي العوامل الذاتية الخاصة بنظامي الحكم في القاهرة وطهران، ومن ثم فإن أي تغير يمكن أن يحدث في أي من هذين النوعين من العوامل سوف ينعكس حتما على العلاقات بينهما سواء في شكل تراجع التوتر والاتجاه نحو تحسين العلاقات أو في شكل الاستمرار في التوتر وربما تصعيد التوتر إلى درجة الصراع، وإن كان مثل هذا التصعيد يبدو مستبعدا.

وإذا تعاملنا مع العوامل الأولى الإقليمية والدولية كعوامل مفروضة على البلدين فإن العامل الذاتي الخاص بكل من مصر وإيران هو العامل الذي يمكن أن يخضع للتقييم والمراجعة. فتزامن توقيع مصر معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979 وخروجها من معسكر المواجهة مع الدولة الصهيونية بل وقيادتها مشروع السلام مع هذه الدولة مع نجاح الثورة الإسلامية في إسقاط نظام الشاه الموالي لواشنطن في إيران وتأسيس نظام حكم جمهوري راديكالي إسلامي له التزاماته فى "موالاة المستضعفين" (المقهورين والخاضعين للسيطرة والهيمنة الغربية) والتصدي لـ"قوى الاستكبار العالمي" خاصة الولايات المتحدة الأميركية والدولة الصهيونية، ثم تعرض النظام في مصر إلى تهديد حقيقي من منظمات التطرف الإسلامي التي هددت الاستقرار والأمن في مصر ابتداء من اغتيال رئيسها أنور السادات عام 1981 وضع النظامين في مواجهة محتومة خاصة مع تنامي التقارب المصري مع الولايات المتحدة وتصاعد العداء بين إيران والولايات المتحدة وتحول إيران إلى "هدف" أميركي ركز الأمريكيون على النيل منه لأسباب ثلاثة، هي: تحول النظام الإسلامي في إيران إلى قوة قادرة على التصدي للنفوذ والمصالح الأميركية في الخليج خاصة والشرق الأوسط عامة، والعداء الإيراني لإسرائيل ودعمها لقوى المقاومة وعرقلتها لكل فرص التسوية، وأخيرا المخاوف الأميركية من إمكانية امتلاك إيران قدرات نووية عسكرية.

لقد فرضت هذه التطورات نفسها على النظام في مصر، وساهمت في بلورة سياسة نحو إيران التي أصبحت، وفق إدراكات النظام، مصدرا للتهديد السياسي أولا: سواء من ناحية رمزية النظام الإيراني ومشروعه الإسلامي، أو من ناحية التصدي الإيراني لمشروع السلام العربي مع إسرائيل، ومصدرا للتهديد الأمني من ناحية ثانية، ثم قوة مناهضة لحليف مصر الدولي (الولايات المتحدة).

هذا الإدراك المصري كان محصلة تطورات مصرية داخلية وإقليمية مهمة، أبرزها التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي حدثت في مصر على مدى الأعوام الثلاثين الماضية التي أدت إلى صعود قوى سياسية بعينها إلى صدارة السلطة والقرار السياسي في مصر وفي مقدمتها رجال الأعمال مع تهميش القوى ذات التوجهات القومية واليسارية ومحاربة التيارات الإسلامية.

ومن ثم أصبح النظام أكثر تهيؤا للتحالف مع أميركا والتقارب مع إسرائيل على حساب مسؤولياته التاريخية في قيادة النظام العربي وتحمل مسؤولية تأسيس مشروع نهضوي عربي بإمكانه أن يجعل العرب قوة إقليمية كبرى، قادرين على التفاعل والتأثير في إدارة النظام الإقليمي.

ولقد ساهمت التطورات الإقليمية بدور بارز في محاصرة الدور المصري القومي وتفكيك النظام العربي كنتيجة مباشرة لغياب الدور القيادي المصري وانفراط الإجماع العربي حول القضية الفلسطينية كقضية عربية مركزية، وهرولة أطراف عربية عديدة للتطبيع مع إسرائيل، خاصة بعد حرب تحرير الكويت ومشاركة هذه الأطراف في تفاعلات ما عرف بـ"مؤتمر مدريد للسلام عام 1991".

ابتعاد النظام المصري عن هذا الدور القيادي للنظام العربي بسبب كل هذه الأمور جعله يتعامل مع إيران من منظور المصالح الضيقة للنظام في مصر وتحالفاته وقضاياه الأساسية: التحالف مع أميركا للحصول على الدعم الاقتصادي، والسلام مع إسرائيل لتأمين مصر من أي انجرار نحو حرب جديدة، والأمن الداخلي للنظام ضد كل القوى الطامحة في الوصول إلى السلطة خاصة التيارات الإسلامية بعد نجاح نظام الرئيس أنور السادات في تصفية وإضعاف التيارين الناصري واليساري.

ولو أن النظام المصري تعامل مع إيران من منظور كونه قيادة قومية لأمكنه الوعي بقواعد معادلة أخرى جديدة تفرض عليه أن يتعامل مع إيران كقوة حليفة في ظل معادلات توازن القوى الإقليمية خاصة بعد بروز الدورين الإيراني والتركي في السنوات الأخيرة، والوجود القوي للكيان الصهيوني وتشتت القوة العربية بين العديد من الدول العربية المتنافسة في ظل غياب المشروع القومي الموحد للأمة العربية وغياب القيادة القومية.

لذلك فإن التفكير في المستقبل يجب أن يأخذ في اعتباره أمرين، أولهما يتعلق بفرض حدوث تغيير في قيادة النظام في مصر ابتداء من خريف عام 2011 مع إجراء الانتخابات الرئاسية الجديدة، وسواء كان التوريث السياسي هو الحل وصعود جمال مبارك إلى الرئاسة، أو وجود بديل آخر، فإن تغييرا ما سوف يحدث حتما على التوجهات الإستراتيجية المصرية خاصة توجهات السياسة الإقليمية.

ثانيهما أن الأوضاع تتطور في الإقليم خاصة التقارب الإيراني التركي، وصعود الدورين التركي والإيراني إقليميا خاصة في قضايا عربية صميمة، وتعرض النظام العربي لهزات قوية بسبب عجزه عن القيام بمسؤولياته، ثم وجود فرص قوية لفشل الرهان على المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية المباشرة التي جرى فرضها على الفلسطينيين والعرب أميركيا، ما يضع مصر أمام مسؤوليات كبرى باتجاه التخلي عن سياسة الهروب من مسؤوليات قيادة النظام العربي، وفي ظل وجود هذه الفرضية أي فرضية عودة مصر إلى تحمل مسؤوليات قيادة النظام العربي وتفعيله فإن عهدا جديدا يجب أن يبدأ مع إيران أولا ومع مجمل القوى الإقليمية في الشرق الأوسط.

فأنماط التفاعلات الإقليمية الراهنة تكشف عن أربعة قوى إقليمية رئيسية تتصارع،بدرجة أو بأخرى حول الهيمنة الإقليمية، هذه القوى هي إيران وإسرائيل وتركيا والعرب، مع الوجود القوي والمكثف للولايات المتحدة مع القوة الإسرائيلية.

نستطيع أن نؤرخ لهذا النوع من التفاعلات بإعلان إسرائيل نفسها قوة نووية عسكرية على لسان رئيس وزرائها إيهود أولمرت، وهو الإعلان الذي تزامن مع إعلان إيران رفضها القوي والصريح لقرار مجلس الأمن رقم 1737 الداعي إلى فرض عقوبات ضد إيران ودعوتها للغرب على لسان رئيسها محمود أحمدي نجاد إلى التسليم بواقع أن إيران "دولة نووية".

وبالسعي الأميركي المتصاعد هذه الأيام لفرض إسرائيل دولة أمر واقع نووية على حساب دعوة حظر الانتشار النووى، وهكذا يمكن القول إن الصراع حول الهيمنة الإقليمية أضحى الصراع الأكثر بروزا في تفاعلات النظام الإقليمي الشرق أوسطي، وأن هذا الصراع يتركز بصفة أساسية بين كل من إسرائيل وإيران، كل منهما تسعى إلى أن تكون القوة الإقليمية المسيطرة أو المهيمنة وعلى القوتين الأخريين (العرب وتركيا) تحديد مواقعهما ومواقفهما من هذين التطورين.

من هنا بالتحديد يكتسب السؤال عن مستقبل العلاقات المصرية الإيرانية، والعلاقات العربية الإيرانية أهميته، فهو لم يعد مجرد سؤال عن: هل العلاقات المصرية الإيرانية علاقات تعاونية أم صراعية؟ أم هي مزيج من التعاون والصراع؟ بل أضحى متركزا حول الدور المصري في أنماط الصراعات الإقليمية بشأن الهيمنة الإقليمية والسيطرة على الإقليم بين مشروع تقوده إسرائيل باسم الولايات المتحدة ومشروع آخر تقوده إيران يبدو ملتبسا وغامضا في ظل تعثر الدبلوماسية الإيرانية في أكثر من مجال احتكاك مع العرب سواء في العراق أو الخليج أو البرنامج النووي أو لبنان أو فلسطين.

في ظل هذا الغموض أو الالتباس الذي يحكم المشروع الإيراني الإقليمي هل هو مشروع تعاون أم هيمنة، هل هو مشروع تحرري أم مشروع مذهبي شيعي، يزداد تعقيد الخيارات المصرية والعربية، حيث إن الطرف العربي هو الأضعف بين القوى الإقليمية الكبرى الثلاث الأخرى. هذه القوى الثلاث، ودون استثناء، تحتل أراضي عربية، فإسرائيل اغتصبت فلسطين وتوسعت في احتلالها لتشمل الجولان وأجزاء من جنوب لبنان وسبق أن احتلت شبه جزيرة سيناء ولم تتوقف أطماعها في سيناء حتى الآن، وتركيا احتلت لواء الإسكندرونة وضمته فعلا إلى أراضيها، ولها أطماع توسعية في شمال العراق (الموصل وكركوك)، وإيران احتلت وضمت إقليم عربستان (الأحواز) العربي إلى أراضيها منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، واحتلت عام 1971 ثلاث جزر عربية تابعة لدولة الإمارات (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى) ولها أطماع تاريخية في البحرين، ولها مشروع سياسي في العراق يتعارض مع وحدة واستقلال العراق والحفاظ على عروبته.

في ظل هذه الحيثية، أي كون الطرف العربي هو الأضعف في معادلة توازن القوى الإقليمية، فإن خيارات العرب تبدو صعبة، لكنها غير مستحيلة في تفاعلات "مستطيل صراعات الهيمنة" الذي يفرض نفسه بقوة الآن على المنطقة.

والآن نحن نشهد نموذجا جديدا على مستوى نظام الشرق الأوسط، حيث تنازع الهيمنة بين كل من إسرائيل وإيران، وحيث تبدو تركيا أكثر ميلا لاعتبارات كثيرة، للقيام بدور "الموازن الإقليمي". أما العرب فهم مهددون بالتهميش، مع استمرار انقساماتهم حول المصالح والأولويات، وحول الدور والمكانة داخل النظام الإقليمى.

مصر وكل العرب الآن أمام واقع إقليمي جديد يتشكل على قواعد التمحور حول صراعات الهيمنة بين إسرائيل وإيران. والعرب أمامهم ثلاثة خيارات:
1- إما الانحياز إلى إسرائيل.
2- وإما الإنحياز إلى إيران.
3- وإما الظهور قوة إقليمية منافسة قادرة على المساومة، وإن لم يستطيعوا فيجب أن يكونوا قادرين على "الموازنة" للحفاظ أولا على مصالحها وعلى استقرار النظام ثانيا.

في الحالتين الأولى والثانية سيكون العرب طرفا تابعا، بما يعني تهديد مصالحهم، أما في الحالة الثالثة فسيكونون طرفا فاعلا قادرا على المشاركة في قيادة النظام.

المشكلة هنا أن المسألة ليست مسألة اختيارات مجردة ولكنها توازن قوى، والعرب الآن خارج سباق توازن القوى، لذلك فإن المعضلة العربية الراهنة ليست فقط الإجابة على سؤال ماذا يجب أن تكون عليه العلاقات العربية الإيرانية: تعاون تنافس صراع، بل كيف يمكن أن يكون العرب قوة فاعلة في إدارة النظام الإقليمي، عندها سيكون الخيار العربي الإستراتيجي حتما هو مثلث النهوض الحضاري الإسلامي من منظور المصالح العربية الإستراتيجية العليا، وليس مثلث علاقات التبعية للمشروع الأميركي الإسرائيلي الذي تلوح معالمه الآن فيما أخذ يعرف بـ"محور الاعتدال" الذي يضم دول مجلس التعاون الخليجي الست إضافة إلى مصر والأردن، في مواجهة ما يسمى بـ "محور الشر" الذي يضم إيران وسوريا وحركات المقاومة في لبنان وفلسطين (حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي)، وهو التقسيم الذي تريده واشنطن وتؤسس له بدعوة الشرق الأوسط الجديد الذي قالت عنه وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس إنه "سيولد من رحم الحرب الإسرائيلية اللبنانية".

هذا الشرق الأوسط الجديد يقوم على ثلاثة مرتكزات هي:
1- أن يتوارى الصراع العربي الإسرائيلي ويتوقف عن كونه محددا لأنماط التفاعلات الإقليمية، خاصة العلاقات العربية الإسرائيلية.
2- أن يحل الصراع العربي الإيراني محل الصراع العربي الإسرائيلي، أي أن تصبح إيران هي العدو البديل لإسرائيل بالنسبة للعرب.
3 - أن يكون الصراع الطائفي العرقي المذهبي أداة تفعيل الصراع العربي الإيراني.

ضمن هذه المرتكزات تتأكد أهمية الحسم للخيارات العربية في العلاقات مع إيران، وهي عملية يجب أن تكون نتيجة لحسم الخيار العربي الأهم: العرب قوة إقليمية فاعلة، أم قوة هامشية في إقليم تتركز فيه مصالحهم وأهدافهم العليا، خاصة الأهداف التي تشكل المشروع النهضوي العربي، المتمثلة في:

  • الوحدة الوطنية والقومية في مواجهة التقسيم والتشرذم والتجزئة من ناحية، وفي مواجهة الاستيعاب في نظم إقليمية أوسع تقضي على الهوية القومية وتضع نهاية درامية لظهور مشروع عربي للنهضة والتقدم من ناحية أخرى.
  • الاستقلال الوطني والقومي في مواجهة التبعية للخارج ومحاولات السيطرة والهيمنة وتوسيع مناطق النفوذ الإقليمية والدولية.
  • الديمقراطية في مواجهة الاستبداد والتسلط.
  • التنمية المستدامة والمستقلة في مواجهة التخلف والتبعية للخارج.
  • العدل في مواجهة الظلم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.
  • التجدد الحضاري في مواجهة الجمود والتحجر وتخلف الوعي النهضوي.

هذه الأهداف والمصالح تواجه الآن نوعين من التحديات: الأول، هو عجز النظام العربي والدول العربية عن تعظيمها وتطويرها وإثرائها والدفاع عنها. والثاني هو تصادمها مع أطماع وطموحات القوى الإقليمية والدولية التي تسعى إلى الهيمنة والسيطرة ومد النفوذ، وليس هناك من سبيل أمام العرب إلا بالعودة إلى امتلاك الدور والمكانة ثم المشاركة قوة فاعلة في قيادة النظام الإقليمي وفق أنماط من التحالفات والتفاعلات تفرضها مواقف القوى الإقليمية من المصالح والأهداف العربية، عندها سوف يتأكد أن محور العرب-إيران-تركيا هو الخيار الإستراتيجي لمواجهة تحديات مستطيل الصراع حول الهيمنة، والبداية في هذا كله يجب أن تكون مصرية، وهذا هو رهان المستقبل.
________________
رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية، رئيس تحرير مجلة "مختارات إيرانية" بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية

نبذة عن الكاتب