"ثورة الغاز الصخري" هل تحقق استقلال أميركا من سيطرة الشرق الأوسط

تولي الولايات المتحدة الأميركية أهمية بالغة لاستخراج الطاقة من "النفط والغاز الصخري" كبديل عن الوقود الأحفوري، الأمر الذي إن تحقق فسيمثل تغيرا إستراتيجيا مهما على الصعيد الجيوإستراتيجي العالمي. فما مدى واقعية هذا التوجه؟ وإلى أي حد سيؤثر على الأهمية الإستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط الغنية بالنفط؟
2013120113650659734_20.jpg
 

منذ إعلان استقلالها عن التاج البريطاني في العام 1776، ومن خلال شتى الأساليب، سياسية، دبلوماسية، اقتصادية، تكنولوجية وحتى العسكرية حاولت الولايات المتحدة الأميركية جاهدة ضمان أمن إمداداتها من مصادر الطاقة اللازمة لإدارة عجلة اقتصادها وحماية أمنها القومي،  فكان في البداية الفحم، ثم حلت المصادر التقليدية للنفط والغاز، وأخيرا جاء النفط والغاز الصخري.

لقد تعرضت الولايات المتحدة على مدى تاريخها إلى أزمات اقتصادية حادة كان من بين أشدها وطأة أزمة عام 1973 حين قررت الدول العربية النفطية وقف تصدير النفط الخام للغرب فكان ذلك الحظر النفطي سببا عظيما دفعها إلى التفكير بجدية في متطلبات ضمان عدم تكرار الحظر وتفادي تأثيراته عليها. ويؤكد كثيرون أن الولايات المتحدة خاضت حروبا واشتركت في نزاعات مسلحة خلال العقود الثلاثة الماضية لضمان مصادرها من الطاقة وديمومة موقعها الاقتصادي القيادي العالمي. كما أنفقت الإدارات الأميركية المتلاحقة والشركات مئات المليارات من الدولارات لتطوير التقنيات وإنجاز البحوث والدراسات المتعلقة باستغلال مصادر الطاقة المتجددة (الرياح، الطاقة الشمسية، وطاقة الأمواج المائية)، إضافة إلى تعزيز استخدام الوقود الحيوي. ومن جانب آخر، عكفت الشركات النفطية ومراكز البحوث والدراسات والجامعات إلى تطوير وسائل وتقنيات التنقيب عن النفط والغاز واستخراج مخزوناتها لضمان الحصول على أكبر إنتاج لأطول فترة زمنية ممكنة. واستمرت الولايات المتحدة في استيراد أكثر من نصف حاجتها من النفط والغاز، كما شجعت شركاتها للاستثمار في الرمال النفطية "رمال القار" إلى جانب الاستثمار في مشروعات لاستغلال "النفط الثقيل" وكذلك التنقيب عن النفط والغاز في القارة القطبية.

وواصلت الولايات المتحدة حرصها على ضمان استمرار إستراتيجيتها في مجال الطاقة حتى تفجرت "ثورة الغاز الصخري" قبل سنوات قليلة، هذه الثورة التي لا تقل أهمية في تاريخها الاقتصادي عن ثورة استقلالها عن بريطانيا، وقد تؤدي إلى تحقيق استقلالها عن دول الشرق الأوسط النفطية. لقد قلبت ثورة الغاز الصخري كافة الموازين وخالفت كل التوقعات السابقة بالنسبة إلى مصادر الطاقة. وبرزت خلال السنوات الأربع الماضية ريادة الشركات الأميركية في طرق تحديد مكامن الغاز الصخري والتنقيب عنه واستخراجه، وستبقى على مدى سنوات طويلة قادمة قائدة العالم في هذا المجال التقني المتطور.

لقد دفعت ثورة الغاز الصخري الولايات المتحدة للتخلي "عمليا" عن كثير من ثوابتها البيئية ومطالباتها بتفادي التغييرات المناخية والحد من انبعاث الكربون، فبعد أن كانت تروج للغاز الطبيعي بأنه أفضل للبيئة، تحولت لترويج "الغاز الصخري" و"النفط الصخري" رغم أن أساليب استخراجهما يمكن أن تكون ملوثة للبيئة.

وتؤكد الولايات المتحدة أن هدفها هو العمل على زيادة المعروض وتفادي شحة الإنتاج والمخزون، مما دفعها إلى الإعلان عن توقعات بزيادة كبيرة في إنتاجها من النفط والغاز خلال العقدين القادمين بما يمكنها من تحقيق الاكتفاء الذاتي من مصادر الطاقة بل ويخلق القدرة لديها على تحقيق صادرات أكبر من الغاز، مما يؤكد -إن تحققت تلك التوقعات- أنها ستتحول إلى مصدر صاف للغاز بحلول العام 2016.

وأكدت إدارة المعلومات الأميركية أن استيراد النفط والغاز والطاقة المتجددة كان في العام 2007  يمثل 29% من حاجاتها الكلية للطاقة. في حين مثلت كميات استيراد النفط والغاز والطاقة المتجددة في العام 2011  نسبة 19% من حاجتها. كما توقعت أن يزيد إنتاج الغاز الطبيعي المسال على الطلب المحلي في العام 2020.

لقد كان قطاع الطاقة الأميركي في العام 2008 يعاني من ركود عظيم، ولكن ثورة الغاز الصخري حققت مكاسب للاقتصاد الأميركي، حيث تم استثمار المليارات من الدولارات إلى جانب خلق الآلاف من فرص العمل وتطوير إمكانات الابتكار والإبداع. ويتوقع أن تحوّل هذه الثورة التي حصلت في مجال مصادر الطاقة منشآت وموانئ أميركية ضخمة أقيمت لاستيراد الغاز الطبيعي إلى منشآت لتصدير الغاز الأميركي. كما بدأت هجرة معاكسة للوظائف في مجال النفط والغاز من الصين إلى الولايات المتحدة، ما يؤشر إلى بدء إعادة تشكيل قطاع وصناعة الطاقة الأميركي ويؤكد مبدأ توفير مصادر الثروة إلى جانب تكاليف استخراج مقبولة تجاريا لتحقيق مستويات عالية من المصادر غير التقليدية من النفط والغاز.

ولقد ارتفعت تقديرات احتياطيات الولايات المتحدة من الغاز الطبيعي بنسبة 35% عما كانت عليه قبل سنتين فقط. وفي العام 2010 ارتفعت تقديرات مخزونات الغاز الصخري خمسة أضعاف عما كانت عليه في العام 2006. ويمثل الغاز الصخري حاليا 23% من إنتاج الغاز في الولايات المتحدة.

استخراج الغاز الصخري

الغاز الصخري هو غاز طبيعي يستخرج بطرق دقيقة ومعقدة، ويتم استخدام تقنيات حديثة ومتطورة جدا لاستخراج الغاز الطبيعي غير التقليدي من طبقات الصخور الزيتية (السجيل الصخري) تتضمن تقنيات الحفر الأفقي وتشقيق الصخور بالسوائل. وتمتاز هذه التقنيات بالدقة والكفاءة العالية مما أدى إلى خفض تكاليف الإنتاج إلى درجة تدفع البعض للاعتقاد -رغم عدم وجود أرقام موثقة- أن تكاليف مشروعات استخراج الغاز الصخري تكون أحيانا أقل من تكاليف مشاريع استخراج الغاز الطبيعي التقليدي. ويتم استخدام الضغط العالي للمياه المخلوطة برمال ومواد كيمياوية لتشقيق وتكسير الصخور الغنية بالغاز في أعماق تتجاوز الكيلومتر. وتؤكد تقارير تتعلق بعمليات استخراج الغاز الصخري من خلال عملية التشقيق الهيدروليكي أن ذلك يحتاج إلى حوالي خمسة ملايين غالون من الماء لكل بئر، إضافة إلى ضرورة التخلص من المياه المستخدمة حيث تواجه الشركات مشكلات تتعلق بالمياه المستخدمة في استخراج الغاز الصخري وأساليب التخلص منها أو معالجتها.

"الغاز الصخري" في أروقة السياسة الأميركية

لقد تحولت مسألة الغاز الصخري إلى قضية إستراتيجية في طروحات الحزبين الجمهوري والديمقراطي بالولايات المتحدة وكان ذلك واضحا ضمن حملات المتنافسين في الانتخابات الأميركية الأخيرة حين أكد المرشح الجمهوري ميت رومني قائلا: إن فزت بالانتخابات فسأطبق سياسات تهدف إلى خفض اعتماد أوروبا على مصادر الغاز الروسية". وهو بذلك يعني توفير الغاز الأميركي لسد حاجة أوروبا.

أما الرئيس باراك أوباما الديمقراطي فقال"إن الولايات المتحدة تستطيع تطوير إمدادات للغاز الطبيعي لمائة سنة قادمة، وهي احتياطيات قابعة تحت أقدامنا تستطيع خفض إمداداتنا من النفط بمقدار النصف بحلول 2020 وخلق أكثر من 600 ألف وظيفة في قطاع الغاز وحده". وفي حديث خص به مجلة التايم الأميركية قال الرئيس أوباما: "إن جهودنا فيما يتعلق بالغاز الطبيعي والنفط ستتيح لنا حرية أكبر للتحدث مع الشرق الأوسط الذي نريد أن نراه، والعالم الذي نود أن نراه". وذلك يدفع للاعتقاد بأن العلاقات الأميركية العربية التي كانت تحكمها مصالح النفط بالدرجة الأولى ستتغير في المستقبل من سياسة الحاجة الأميركية إلى النفط إلى سياسة المنافسة في تصديره، مما سيعيد ترتيب تلك العلاقات على أسس جديدة. وأكد تقرير أعدته أعلى هيئة استشارية أميركية للشؤون الاستخبارية الإستراتيجية أن بلوغ الولايات المتحدة مرحلة تلبية حاجاتها من الطاقة ذاتيا سيجعل الإنتاج الأميركي يساهم في إضعاف قدرة منظمة أوبك على التحكم بأسواق النفط. كما ستؤدي زيادة الإنتاج المحلي في الولايات المتحدة من النفط والغاز إلى خفض وارداتها من المزودين الحاليين وهم: كندا، المكسيك، دول في أميركا اللاتينية، المملكة العربية السعودية، ودول في غرب أفريقيا مما سيضطرهم للبحث عن أسواق بديلة. ومن خلال متابعة تصريحات المراقبين والمختصين يمكن رصد آراء مختلفة فقد أكد راندي ولفل الرئيس التنفيذي لشركة نوفا كيميكالز، أن اكتشافات ما يعرف بالغاز الصخري ستحول الولايات المتحدة إلى أكبر منتج للنفط الخام والغاز الطبيعي خلال السنوات الخمس عشرة المقبلة.

لكن سيرغي كومليف -رئيس قسم عقود التصدير والتسعير في شركة غاز بروم الروسية- يعتقد أن الولايات المتحدة لن تستطيع تصدير الغاز بكميات وفيرة تفي بمتطلبات الغاز الأوروبية، وأن الأسعار المتدنية للغاز في الولايات المتحدة لن تدوم طويلا.

أما جيمس ديمر نائب رئيس باس غلوبل، وهي مؤسسة استشارية، فإنه يعتقد أن استخراج الغاز يكلف حاليا أكثر من السعر الذي يباع به في الأسواق، ويتوقع توقف الاستثمارات في قطاع الغاز الصخري في نهاية الأمر وبالتالي ارتفاع سعر الغاز مجددا.

أما جاك غيرارد رئيس معهد البترول الأميركي فأكد أن الولايات المتحدة "تمر بنقطة تحول عظيمة في تاريخها وستعيد من خلالها تنظيم محاور الطاقة نحو الغرب ونحو سيطرتها".

إنتاج أميركا من النفط والغاز

كشفت إدارة معلومات الطاقة الأميركية الحكومية  في أحدث تقرير لها أن إنتاج النفط الخام في الولايات المتحدة قفز متخطيا مستوى سبعة ملايين برميل يوميا للمرة الأولى منذ مارس/آذار 1993.

أما إدارة معلومات الطاقة فإنها توقعت في أحدث تقرير لها أن إنتاج النفط الخام في الولايات المتحدة سيرتفع نحو 25% في العامين القادمين وسيقفز العام القادم لأعلى متوسط سنوي منذ 1988.

وبشأن توقعات الطاقة في المدى القريب أكدت إدارة المعلومات أن إنتاج الولايات المتحدة سيرتفع في العام الجاري إلى 7.3 ملايين برميل يوميا، وسيزيد إلى 7.9 ملايين برميل يوميا في العام 2014، وتشكل الزيادة الإجمالية 23.4% من الإنتاج في  العام 2012.

وتأتي أرقام النمو المذهلة للإنتاج الأميركي بفضل تحرير احتياطيات "النفط المحكمة" واستخدام عمليات التشقيق الهيدروليكية وتقنيات الحفر الأفقي.. فالنفط الصخري يتواجد في صخور رسوبية تحتوي على النفط ويمكن اعتباره بديلا للنفط الخام حيث يمكن تكريره إلى غازولين، كيروسين ووقود طائرات ووقود الديزل. وتتركز مكامن النفط الصخري في الولايات المتحدة في مناطق شمال داكوتا وفي ولاية تكساس كما تم تحديد مخزونات منه في ولايات أخرى.

ومن الجدير الإشارة إلى أن مناطق ومكامن النفط التقليدية في الولايات المتحدة متفرقة وبعيدة عن مراكز وجود محطات التكرير ما يجعل إيصالها إلى الأسواق صعبا حاليا وذلك الذي جعل أسعار خام غرب تكساس تقل كثيرا عن أسعار خام برنت ما دفع الولايات المتحدة لبذل محاولاتها للتغلب على ذلك بإنشاء خطوط وشبكات نقل للنفط.

وما يتعلق بصادرات الغاز فرغم وجود  قرار أميركي بمنع تصدير النفط الخام والذي تسبب في الحد من إنتاج النفط في الولايات المتحدة فإن صادرات الغاز الأميركية لا تحتاج إلى موافقات من وزارة الطاقة إلا في حالة التصدير لبعض الدول القليلة. ولقد وافقت وزارة الطاقة على زيادة كميات تصدير الغاز الأميركي، ولكن المشكلة تكمن في أن الأسواق الأوروبية تشتري الغاز الأميركي بأسعار أعلى بكثير من أسعار بيعه في السوق المحلي الأميركي، ما يجعل الأسواق المحلية عرضة لتأثيرات أسعار التصدير.

تنافس روسي أميركي أسترالي

من المؤكد أن التكنولوجيا المتطورة ستحدث تغيرات كبيرة في أسواق الغاز في العالم، بعد النجاح الذي حققته في تغيير سوق الولايات المتحدة. وستنتقل آثارها من الولايات المتحدة إلى روسيا والصين وأستراليا وسائر الدول التي تتوفر لديها مخزونات من الغاز الصخري.

ويتوقع البعض حاليا حدوث ما كان غير محتمل في الماضي، وهو أن تكتفي الولايات المتحدة ذاتيا، وأن تكون روسيا أول الخاسرين. ولا يخفي البعض شكوكهم بأن موسكو تمول بصورة سرية حملة مضادة للسياسات الإستراتيجية الغربية المتعلقة بالغاز.

وتقول فيونا هل المختصة بالشؤون الروسية بمعهد بروكنغز الاستشاري الأميركي "إن عهد سيطرة روسيا على أسواق الغاز الأوروبية قد ولى".

وقال تقرير صدر عن كلية كينيدي للإدارة الحكومية بجامعة هارفرد الصيف الماضي "إن مستقبل الولايات المتحدة وروسيا والصين وقدرة كل منها على التأثير في العالم مرهون بصورة أساسية بالتطورات المتعلقة بالغاز".

ويذكر أن روسيا اعتادت على بيع كميات كبيرة من الغاز لأوروبا والدول الأخرى بسعر يصل إلى نحو عشرة دولارات لكل مليون وحدة حرارية، في وقت يتم فيه بيع نفس الكمية حاليا في أسواق الولايات المتحدة بنحو ثلاثة دولارات. وقد استرعى هذا الفرق اهتمام شركات الطاقة والسياسيين على حد سواء، وبدأت الحكومات الأوروبية تضع إستراتيجية لخفض إمدادات الغاز الروسية.

أما أستراليا وعلى صعيد إنتاج الغاز الطبيعي فهي تستثمر في سبعة مشاريع (ثلاثة مشاريع بهدف التصدير) من بين أكبر 10 مشاريع لإنتاج الغاز الطبيعي المسال في العالم وتبلغ قيمة الاستثمارات (أسترالية وأجنبية) 183 مليار دولار أميركي في مشاريع للغاز منذ 2007.

ويتوقع اتساع رقعة الحاجة للغاز الطبيعي المسال بسرعة في حين تشهد الدول النامية ازدهارا اقتصاديا وتستخدم الغاز لإنتاج  الطاقة الكهربائية.

ويتوقع بعض المحللين أن تتفوق أستراليا على قطر التي تملك ثالث أكبر احتياطي للغاز في العالم، بحلول العام 2020 لكنها ستواجه منافسة شديدة من الولايات المتحدة ومن بعض الدول الأفريقية المنتجة للغاز الطبيعي.

ورغم أن البعض يجادل بأن "الغاز الطبيعي أصبح أفضل خيار للاقتصادات الناشئة بسبب تنوعه وانخفاض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون مقارنة مع الموارد الأخرى" ولكن السؤال الأهم هل ذلك يشمل "الغاز الصخري" أيضا؟

"الغاز الصخري" في أوروبا

لقد أدى ارتفاع إنتاج الغاز الصخري في الولايات المتحدة إلى إعادة تشكيل أسواق الغاز العالمية كما شجع عددا من الدول كالصين وأستراليا والأرجنتين على تطوير احتياطياتها من الغاز الصخري. 

ويعتبر إنتاج الغاز الصخري خارج الولايات المتحدة حاليا محدودا، جدا ولا يتوقع أن يتم استخراج كميات تجارية منه قبل حلول العام 2020. وفي أوروبا تم تحديد مواقع احتياطيات الغاز الصخري كما في فرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وبولندا ورومانيا وإسبانيا والسويد وسويسرا والمملكة المتحدة. وبدأت الدول الأوروبية المنتجة للغاز الطبيعي تقييما جديا لخياراتها بشأن إنتاجها وصادراتها.

وكانت عمليات استخراج الغاز الصخري قد منعت سابقا في بولندا وفرنسا وايرلندا وفي أجزاء من ألمانيا. وتقود بريطانيا حاليا الاستثمارات في مجال الغاز الصخري تليها ألمانيا، فرنسا، إسبانيا ومن ثم بولندا.

ويحذر مختصون من أن عملية  استخراج الغاز الصخري تتسبب في مخاطر بيئية وصحية من خلال  تلويث المياه الجوفية وتلويث الهواء إضافة إلى إمكانية خلق أوضاع جيولوجية تتسبب في حدوث هزات أرضية إلى جانب التسبب في التأثيرات المناخية. ويشكك البعض بمدى توافق التقنيات الجديدة لاستخراج الغاز الصخري مع الضوابط البيئية المطبقة والعمول بها ما أثار رفضا شعبيا في بعض الدول لمشروعات استثمار الغاز الصخري  فيها.

من الرفض إلى القبول

في العام 2011 قال وزير الطاقة البريطاني كريس هون: "يجب فطام الاقتصاد البريطاني عن النفط والبحث عن بدائل"، وطالب بتنمية مصادر الطاقة النظيفة والصديقة للبيئة. أما رئيس الوزراء ديفيد كاميرون فأعلن في وقتها "خطة الكربون" لتقليل الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية. ورفضت الحكومة البريطانية الاستمرار في مشروعات التنقيب عن "الغاز الحجري" بعد أن تسببت في حدوث هزات أرضية خفيفة وادعاءات بتلوث المياه الجوفية وقررت إيقافها. ولكن الحكومة الائتلافية فجرت مفاجأة قبل نهاية العام 2012 حين وافقت على إقامة مشروعات لاستخراج الغاز الصخري. وتواجه عمليات استخراج الغاز الصخري في بريطانيا معضلة الكثافة السكانية العالية ما يصعب العمليات التي تحتاج إلى حفر آبار عديدة حتى لو تم ذلك باستخدام عمليات الحفر الأفقي. كما تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه التي قد لا تتوفر باستمرار. وتقدر دائرة المسح الجيولوجي مخزونات الغاز الصخري في بريطانيا بأكثر من 5.2 تريليون قدم مكعب (150 مليار متر مكعب) وذلك يمثل 50% أكثر من مخزونات الغاز التقليدية.. ولكن ليس معروفا الكميات التي يمكن استخراجها فعليا. ورغم وجود احتياطيات من الغاز الصخري إلا أن المراقبين لا يتوقعون تراجع أسعار الغاز في بريطانيا بشكل مشابه لما شهدته الولايات المتحدة.

أما في أوكرانيا فتنشط شركات عالمية في عمليات التنقيب عن الغاز الصخري بهدف تقليل الاعتماد على الغاز الروسي ويتوفر لدى أوكرانيا رابع أكبر مخزون من الغاز الصخري في أوروبا بعد بولندا وفرنسا والنرويج.

مستقبل "النفط والغاز الصخري"

لقد ساهمت "ثورة النفط والغاز الحجري" في تفنيد نظرية "ذروة إنتاج النفط والغاز" التي كانت تثير قلق الدول المنتجة والمستهلكة في العالم على حد سواء، من خلال اعتقاد البعض أن إنتاج النفط والغاز قد وصل ذروته، وأن تراجع المخزونات والاحتياطيات أمر لا مفر منه بل إنه قد بدأ فعليا. وجاءت زيادة الاستثمارات في قطاع النفط والغاز الحجري على حساب تطوير وإقامة مشروعات الطاقة المستدامة حيث تراجعت وتيرة الاندفاع الأميركي والغربي نحو تنمية مصادر "الطاقة النظيفة". كما تسببت ثورة الغاز الحجري في تراجع اندفاع الشركات للتنقيب عن مكامن النفط والغاز في القارة القطبية وتسببت ذات الثورة أيضا في تراجع الاستثمارات في مشروعات الوقود الحيوي.

ويؤكد خبراء أن "ثورة النفط والغاز الصخري" تضع ضغوطا على الأسعار. وشهد مؤتمر النفط والمال الذي عقد مؤخرا في لندن جدالا واسعا حول التوقعات المتعلقة بمستقبل النفط والغاز الصخري. وقال كريستوف دو مارجري رئيس مجلس إدارة شركة توتال "إننا نواجه ثورة من أميركا الشمالية". أما مايك دالي -أحد مسؤولي شركة بي بي النفطية البريطانية فقال: إن شركات النفط تنفق حاليا تسعين مليار دولار سنويا على عمليات التنقيب، بالمقارنة مع عشرين مليار دولار قبل خمس سنوات، بينما يذهب أكثر من نصف الإنفاق الحالي على إيجاد مصادر غير تقليدية للطاقة مثل النفط والغاز الصخري.

أما الأمين العام لمنظمة أوبك عبد الله البدري فإنه يرى أن إنتاج "الغاز الصخري" لن يحظى بمساهمة كبيرة في سوق الطاقة، وحذر من أن توقعات وكالة الطاقة بأن تصبح الولايات المتحدة أكبر منتج للطاقة في العالم ستؤدي إلى هبوط الاستثمارات في الدول المنتجة الأخرى.

وطبقا لتوقعات وكالة الطاقة الدولية التي تمثل الدول الصناعية الرئيسية في العالم فإن الطلب في العالم على الغاز سيزداد بنسبة 50% في عام 2035، وستتم تلبية نصف الزيادة من مصادر الغاز غير التقليدية خاصة في الولايات المتحدة وأستراليا والصين.

شكوك بشأن ديمومة "الغاز الصخري" الأميركي

رغم أن استثمار "الغاز الصخري" في الولايات المتحدة ساهم في إعادة رسم خارطة قطاع الطاقة في العالم إلا أنه قد يواجه مشكلات تتسبب في تراجعه في المستقبل ومنها:

  • أولا: استمرار الأسعار المنخفضة لبيع الغاز في الولايات المتحدة مما يدفع الشركات لخفض عدد الآبار المخصصة لاستخراج الغاز الصخري، وتؤكد إحصائية نشرت في مايو/أيار 2012 أن عدد الآبار العاملة انخفض بنسبة 30% عما كان عليه قبل عام من ذلك التاريخ، وهذا يدفع للاعتقاد بعدم استمرار ثورة الغاز الصخري في الولايات المتحدة لسنوات طويلة.
  • ثانيا: تصاعد الشكوك بشأن التأثيرات البيئية لعمليات استخراج الغاز الصخري والتي تتوضح من خلال زيادة الاعتراضات الشعبية عبر حملات رفض تقوم بها منظمات أميركية غير حكومية تطالب فيها بوقف عمليات استخراج الغاز الحجري وإجبار الشركات على الإعلان عن التفاصيل والمكونات الكيمياوية للمواد المستخدمة فيها والتي تهدد بتلويث البيئة، وذلك يشير إلى ابتعاد الولايات المتحدة عن التزاماتها المتعلقة بالتغييرات المناخية وتفادي ظاهرة الاحتباس الحراري. 
  • ثالثا: أسواق الغاز الصخري الأميركية التي في مقدمتها الأسواق الأوروبية والتي تمتاز بأسعار مرتفعة تدفع المنتج الأميركي لتفضيل التصدير على البيع في الأسواق المحلية الأميركية (السعر يصل أحيانا إلى 4 أضعاف).
  • رابعا: قد يتسبب الغاز الصخري في خفض اعتماد الولايات المتحدة على نفط وغاز الشرق الأوسط ما سيؤدي إلى تراجع المصالح الأميركية في المنطقة وهذا ما يعترض عليه كثيرون من السياسيين والاقتصاديين الأميركيين.
  • خامسا: هنالك دعوات من الصناعيين الأميركيين تطالب الإدارة الأميركية بوقف تصدير الغاز من أجل سد حاجة الطلب المحلي والمحافظة على أسعار منخفضة. ولكن المختصين يؤكدون أن الأسواق وليست الحكومة من لديها السلطة على إقرار جهة وسوق بيع الغاز الأميركي.

 "ثورة الغاز الصخري" هل تعرض أسواق الطاقة في الشرق الأوسط لانخفاض الطلب؟

لقد أطلقت وكالة الطاقة الدولية تسمية "العصر الذهبي للغاز" على الفترة الحالية التي جاءت معها دلائل على ارتفاع إنتاج الغاز غير التقليدي (الصخري) في الولايات المتحدة وتوقعات بمخزونات كبيرة  منه في دول أخرى. ورغم أن الغاز الطبيعي يمثل أحد المحاور الرئيسة لصناعة الطاقة في العالم ولكن في ظل استمرار ركود الاقتصاد العالمي صار البعض يتوقع تراجع نشاطه حتى يعود للنمو مجددا، وذلك يجعل الدول المنتجة للنفط والغاز في منطقة الشرق الأوسط عرضة لتراجع الطلب وبالتالي تأثر إنتاجها ما يدفعها لإعادة النظر في برامجها وخططها الاقتصادية متوسطة وبعيدة المدى.

وكمثال على ذلك التأثير وإمكانية تفاديه قررت الجزائر وهي رابع أكبر مصدر للغاز في العالم، تطوير مصادر الغاز الصخري فيها. وأكدت  مصادر جزائرية أن احتياطيات الغاز الصخري تصل إلى ستمائة تريليون قدم مكعب (17 تريليون متر مكعب) أي نحو أربعة أضعاف احتياطياتها الحالية المعلنة من الغاز. وقد وقعت شركة النفط والغاز الجزائرية (سوناطراك) اتفاقيات مع شركات عالمية لتطوير مصادر الغاز الصخري.. ويناقش البرلمان الجزائري قانونا جديدا للطاقة يشجع عمليات البحث عن مصادر أخرى للغاز والنفط (النفط والغاز الصخري).

أما قطر التي تعتبر في مقدمة منتجي الغاز في الشرق الأوسط والعالم والتي تشترك بأكبر مكمن للغاز الطبيعي مع إيران فإنها تعول على إقامة مشروعات مشتركة وكذلك المساهمة في مشروعات دولية تتضمن شبكات لنقل الغاز الطبيعي عبر دول الشرق الأوسط إلى جنوب أوروبا وتوسيع أسواق الغاز الطبيعي مع زيادة الطلب في ظل توقعات بخروج الاقتصاد العالمي من الركود. ويبقى الغاز الأميركي قليل التأثير عليها بالنظر لاختلاف أسواقهما وموقعها الجغرافي الذي يدفع إلى تفضيل إنتاجها في دول جنوب وشرق آسيا حاليا ودول جنوب وشرق أوروبا مستقبلا.

أما المملكة العربية السعودية وهي أكبر بلد مصدر للنفط في العالم فتسعى لتعزيز إنتاجها من الغاز الطبيعي الذي تحتاجه لتلبية طلب محلي متسارع على الكهرباء ولتغذية صناعة البتروكيماويات ذات الأهمية الإستراتيجية. وتشهد السعودية جهودا مبرمجة لتطوير إنتاجها من النفط والغاز حيث قررت تطوير حقل مدين للغاز الطبيعي في البحر الأحمر خلال العام الجاري (اكتشف في الثمانينيات لكن لم يجر تطويره). وسيبدأ الإنتاج خلال فترة قصيرة لإمداد محطات الكهرباء بالغاز بدلا من الديزل إضافة إلى تزويد مناطق صناعية بالكهرباء والغاز.. كما تعمل السعودية على الاستثمار في إقامة محطات لتكرير النفط الخام لسد حاجة الطلب المحلي ولضمان أسواق أوسع لتصدير نفطها الخام مستقبلا.

أما الكويت التي بدأت باستيراد الغاز الطبيعي في العام 2009 لتلبية الطلب المتزايد، وتدرس حاليا استيراد الغاز الطبيعي من الولايات المتحدة لتلبية احتياجاتها لتشغيل محطات الكهرباء وتحلية المياه فإنها تخطط لمضاعفة إنتاجها من الغاز أربعة أضعاف تقريبا ليصل إلى أربعة مليارات قدم مكعبة يوميا بحلول العام 2030.

وأما إيران التي عملت على تطوير صناعة الغاز فإنها تتعرض لعقوبات دولية أثرت بشكل ملحوظ على قطاع النفط والغاز فيها مما يزيد صعوبات تسويق إنتاجها خاصة وأن أغلب الدول المتعاملة معها قد التزمت بالعقوبات الدولية وتمكنت من إيجاد مصادر بديلة.

إستراتيجية لمواجهة التحديات

استنادا لدراسة حديثة فإن النفط  يمثل 40% من مصادر الطاقة في العالم، يليه الغاز ويمثل 25%، أما الفحم فيمثل 15%، وتمثل مصادر الطاقة النووية 8%، أما مصادر الطاقة المتجددة فتمثل 7.5%. وسيشهد العالم تراجعا ملموسا في استخدام مصادر الطاقة النووية بعد أن قررت اليابان وألمانيا وسويسرا الاستغناء نهائيا عن المفاعلات النووية لإنتاج الطاقة بعد كارثة مفاعل فوكوشيما في اليابان قبل عامين. وأعلنت اليابان أنها ستتوقف عن استخدام الطاقة النووية في توليد الكهرباء بعد العام 2020 ما يجعلها أكبر مستورد للغاز الطبيعي في العالم وثالث أكبر مستورد للنفط.

وتنبئ التوقعات بزيادة الطلب على مصادر الطاقة في العام 2015 وفي مقدمتها زيادة كبيرة في الطلب الصيني بمقدار الثلث) وزيادة أكبر في الطلب الهندي (3 أضعاف) وكذلك الطلب الآسيوي عموما، وذلك يشير إلى الحاجة لتطوير مشروعات النفط والغاز في الدول العربية المنتجة للنفط والغاز لتحقيق زيادة قدراتها التنافسية وتوفير أسواق لإنتاجها ما يمكنها من ضمان مصادر مالية هي الأهم في ميزانياتها وخططها التنموية، وذلك يحتم إقرار برامج وسياسات إستراتيجية تأخذ بالاعتبار تنوع الأسواق وتعدد العوامل المؤثرة فيها خلال السنوات العشرين القادمة على أقل تقدير ويتحقق ذلك من خلال: 

  • توجيه الاستثمارات لتطوير مشروعات النفط والغاز الحالية والجديدة إضافة إلى الاستثمار في الأساليب التكنولوجية المتقدمة بما يضمن أكبر إنتاج بأقل كلفة، هنا لابد من التأكيد على أن كلفة الاستخراج في الدول العربية المنتجة للنفط تعتبر الأقل بين كل دول العالم وهذا عامل مهم يلعب دورا كبيرا في ضمان التأثير على الأسواق.
  • الاستثمار في مشروعات البنى الارتكازية وشبكات نقل النفط والغاز، وطرق النقل والمواصلات لربط مناطق التنقيب المجدية لتيسير إيصال الإنتاج إلى الأسواق العالمية.
  • تشجيع الاستثمار في محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالغاز وبالتالي ضمان وجود أسواق لبيع الإنتاج.
  • عقد اتفاقات مع شركات عالمية لتطوير مكامن نفط وغاز في مناطق أخرى من العالم ما يساهم في خلق مصالح وسياسات إنتاجية وتسويقية مشتركة.
  • المساهمة في شراء شركات إنتاجية في مختلف دول العالم (كما هو عرض شركة غازبروم الروسية قبل أيام لشراء أكبر شركة يونانية حكومية لاستخراج الغاز) ما يعزز دور الدول المنتجة حاليا ومستقبلا.
  • المساهمة في إقامة شبكات نقل نفط وغاز دولية مما يدفع للتنسيق مع الدول المنتجة الأخرى لضمان توفر الأسواق. 
  • إقامة محطات لتكرير النفط الخام لسد الحاجة المحلية للمنتجات المكررة وتقليل استيرادها.
  • المساهمة في إنشاء محطات تكرير في الدول المستهلكة لضمان الحاجة  للنفط  والغاز. 
  • العمل على تعزيز التنسيق ووحدة المواقف بين الدول المنتجة من داخل وخارج أوبك من جهة والدول المستهلكة من جهة أخرى، كما كان التنسيق واضحا وناجحا في تحييد العامل الجيوسياسي المؤثر على أسعار النفط نتيجة تراجع إنتاج النفط الإيراني. 
  • دعم المنظمات والمؤسسات البيئية الدولية التي تعمل على تحقيق التزام صناعة النفط والغاز بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية وتلبية شروطها في مجال البيئة والمحافظة عليها. 

وأخيرا لابد من التأكيد على أن الولايات المتحدة الأميركية حتى لو تمكنت من تحقيق الاكتفاء الذاتي من النفط والغاز (وهذا ليس مؤكدا) فإن اقتصادها سيبقى تابعا وعرضة للتأثر بأداء الاقتصادات الأخرى كالصين واليابان والهند وروسيا والدول الناشئة الأخرى وحاجاتها لمصادر الطاقة من النفط والغاز ما يجعل الدول المنتجة للنفط والغاز تحتفظ بدورها وتأثيرها ليست كدول منتجة لمصادر الطاقة فقط ولكن لكونها أسواقا لا يمكن الاستغناء عنها أبدا.
_________________________________________
د.مصطفى البزركان - مستشار في شؤون النفط والغاز

المصادر
- تقرير إدارة المعلومات الأميركية (ديسمبر 2012)
- مجلة التايم الأميركية ديسمبر 2012
- تقرير معهد البترول الأميركي ديسمبر 2012
- تقرير كلية كندي للإدارة الحكومية  -جامعة هارفارد
- تقرير لجنة محايدة من جامعة تكساس يؤكد على الشروط البيئية للغاز الصخري
- دراسة متخصصة أنجزها سيتي بانك
- تقرير إدارة المعلومات الوطنية للطاقة في الصين، معهد دراسات تطوير التنقيب في الصين

Natural Gas Markets in The Middle East and North Africa: Edited by: Bassam Fattouh   And Jonathan P. Stern (Oxford Institute For Energy Studies). 
The Shale Gas Revolution: Developments and Changes ( Briefing Paper
   Chatham House  –Energy Environment and Resources- London )
Oil & Money International Conference ( London 13 -14 November 2012).
The 3rd Shale Oil & Gas Conference Houston  (18-20 Sep. 2012) -CWC Conferences.
The Financial Times ( Report 10th January – Editorial 14 January 2013)

نبذة عن الكاتب