تطل إيران على بحر قزوين أو ما يُسمى ببحر الخزر من جهة الجنوب، وتشاركها فيه روسيا من الشمال الغربي وكازاخستان من الشمال والشرق، كما تحد هذا البحر تركمانستان من الشرق، وأذربيجان من الغرب، وتستفيد منه دول أخرى كممر إستراتيجي لها ولمواردها إلى تركيا وجنوب أوروبا.
وتطرح ثروات بحر قزوين والاختلاف على تقسيم المياه فيه تحديات مستقبلية لإيران، إضافة إلى ما يرتبط به من مشاريع دولية كون بعض دوله معبرًا مهمًا لمصادر الطاقة من دول الجوار، وقد تصبح جزءًا من تنافس إقليمي ودولي، ما سيجعل إيران طرفًا في معادلة صراع جديدة في المنطقة، لا تقل أهمية عن تلك التي تواجهها في الشرق الأوسط والمنطقة العربية. هذا وتملك روسيا والولايات المتحدة الأميركية مصالح إستراتيجية وقواعد عسكرية في الإقليم، في حين يتطلع العملاق الصيني نحوها باعتبارها منطقة قريبة منه نسبيًا، قد تؤمّن له مستقبلاً مصادر إضافية للطاقة.
بحر قزوين: كنز اقتصادي وهواجس سياسية أمنية
تُولِي إيران أهمية خاصة لمنطقة بحر قزوين الإستراتيجية، ويرى المسؤولون الإيرانيون أن أهميتها تعاظمت بعد سقوط الاتحاد السوفيتي عام 1991، وبعد أن نالت دول كثيرة في المنطقة استقلالها وأصبحت شريكة في ثروات هذا البحر بعد أن كانت طهران تتشاركها والسوفيت فحسب(1).
وتحكم النظرة الإيرانية لبحر قزوين ثلاثة محددات:
-
أولاً: بحر قزوين هو كنز اقتصادي لإيران وذخر لمستقبلها. وعلى الرغم من المشاكل التقنية الكبيرة التي يعانيها إنتاج النفط والغاز في هذا الإقليم(2)؛ فإنه من أغنى الأقاليم النفطية في منطقة آسيا الوسطى والعالم، حيث يضم بحر قزوين ثالث أكبر احتياطي عالمي من النفط والغاز، بما في ذلك ثلث احتياطي النفط في منطقة الشرق الأوسط. كما يحتل البحر المرتبة الرابعة بعد روسيا وإيران وقطر بحجم احتياطه من الغاز الطبيعي، الذي يمثل نحو 6 إلى 7% من الاحتياطيات العالمية من الغاز. وهناك أبحاث تؤكد وجود 80 مليار برميل نفط قابلة للاستخراج من بحر قزوين، وأن الولايات المتحدة والشركات الغربية حتى عام 2020 ستؤمّن نفطها وغازها من هذا البحر المغلق(3).
-
ثانيًا: هناك مشكلة حقوقية يثيرها عدم توصل الدول المتشاطئة إلى حل لتقسيم البحر فيما بينها وفق وضع قانوني؛ حيث ترغب إيران بالتوصل إلى اتفاق يسمح بالاستغلال المشترك لسطح البحر وللثروات الهائلة الكامنة في أعماقه. وبالمقابل فإن الخيار الآخر، أي تقسيمه بمسافة واحدة للبحر ومتساوية للقاع بين الدول المتشاطئة، يحرم إيران من الاستفادة من أية احتياطيات كبيرة من النفط والغاز؛ إذ تكمن معظم هذه الاحتياطيات في القطاعين الشمالي والأوسط من البحر، أي في مياه كازاخستان وأذربيجان، مع ملاحظة أن ثروات القطاع الإيراني تتواجد على عمق كبير بحيث يصعب استخراجها(4).
-
ثالثًا: تبدو الهواجس والتحديات الأمنية والسياسية التي يفرضها الموقع الجغرافي لبحر قزوين -يقع على خطوط طرق تنافس إقليمي ودولي- على صلة بالمستقبل أكثر مما هي استجابة لوقائع الحاضر(5)؛ ففي هذه الجغرافيا السياسية تراقب إيران بحذر عملاقين دوليين، هما: روسيا والولايات المتحدة، اللذان يتنافسان على احتواء دول المنطقة ولاسيما السيطرة على إنتاج النفط والغاز الطبيعي فيها، والتحكم بخطوط تصدير الطاقة منها إلى الأسواق الآسيوية البعيدة عن الخليج، كالصين واليابان والهند.
ولاشك في أن استمرار تصاعد التوتر في العلاقات الأميركية-الإيرانية يزيد من أهمية الموقع السياسي الذي يحتله بحر قزوين في الإستراتيجية الأميركية الرامية إلى عزل إيران ومنعها من مد نفوذها في المنطقة، أو الاستفادة من موقعها الجغرافي المتميز المطل على كل من الخليج وبحر قزوين المغلق، وهي الميزة التي تجعل من إيران الطريق الأقرب والأكثر أمنًا والأقل تكلفة والأوفر اقتصاديًا لتصدير نفط وغاز دول بحر قزوين إلى أسواق آسيا والأسواق العالمية الأخرى. وبالرغم من أن إيران تُعتبر محاصرة في منطقة جافة، إلا أنها تؤمّن خط عبور إلى البلدان الأخرى، وتستطيع نقل منتجات كازاخستان وتركمانستان من النفط والغاز(6).
إيران ودول حوض قزوين: مشكلات الحدود وتقاسم الثروات
بما أن بحر قزوين (الخزر) بحيرة مغلقة بل ويعد أكبر بحيرة مغلقة على سطح الأرض؛ فإنه لا يخضع للقوانين الدولية المتعلقة بتقسيم البحار، والتي تُعيّن الحدود البحرية للدول الخمس المشاطئة له بناء على مسافات متساوية من البحر وحصص متساوية من موارد قاعه. وبالمقابل لا يمكن اعتباره قانونيًا "بحيرة مغلقة"، بسبب توفر كل مميزات البحار فيه، سواء من ناحية المساحة التي تبلغ أربعة أضعاف مساحة الخليج "العربي"، أو العمق أو الثروات الكامنة في أعماقه، عدا عن ثروة الكافيار المعروف باللؤلؤ الأسود فيه.
هذه المفارقة القانونية هي التي تمنع منذ العام 1992 دول حوضه الخمس من التوصل الى اتفاق حول وضعه القانوني.
أعطت معاهدتا العامين 1921 و1940 بين إيران والاتحاد السوفيتي السابق حقوقًا متكافئة لكلا الجانبين للملاحة في بحر قزوين واستغلال موارد هذا المسطح المائي، كما منعت المعاهدتان السفن الأجنبية من الإبحار فيه باعتباره بحرًا مغلقًا. وقد أدى تفكك الاتحاد السوفيتي إلى تغيير الخريطة السياسية للمنطقة ونشوء عدد من الدول الجديدة المستقلة، فعاد موضوع تقسيم بحر قزوين إلى الطاولة. وبينما لم تتمكن دول الحوض الخمس من التوصل إلى معاهدة موحدة، تم بالمقابل تنظيم معاهدات ثنائية وثلاثية لتقسيم الجزء الشمالي من البحر بين روسيا وكازاخستان وأذربيجان(7)، فيما لا يزال القسم الجنوبي والذي يشمل كلاً من إيران وأذربيجان وتركمانستان موضع اختلاف.
وترغب طهران في تطبيق ما يُعرف في القانون الدولي بمبدأ "السيادة المشتركة"، الذي يُطبّق على البحيرات المغلقة ويعطي الدول الخمس نسبًا متساوية، تبلغ 20 % لكل دولة من مساحة البحر ومن عائد الاستغلال الجماعي والمشترك لثرواته الباطنية(8).
ويؤدي التقسيم المعمول به واقعيًا رغم الخلافات القانونية إلى أن تحصل أذربيجان وكازاخستان على القسم الأكبر من نفط قزوين، أما إيران فلا تستطيع الاستفادة من حصتها كثيرًا، بينما يتجه الوضع نحو الأسوأ بسبب الحصار الاقتصادي المفروض عليها(9).
فقدت طهران الأمل في اتفاق الدول الخمس على التقسيم بالتساوي، لكنها سعت منذ أواخر التسعينيات للاستفادة من البحر قدر ما تستطيع، فأسست "شركة الاكتشاف والإنتاج لبحر قزوين" التي تعاونت مع شركات بريطانية وسويدية، غير أن العقوبات الدولية بسبب البرنامج النووي الإيراني والتي تشمل الدول والشركات التي تستثمر مع إيران، خلقت صعوبات أمام هذه المشاريع في بحر قزوين(10).
لا تتأتّى المصالح الاقتصادية والسياسية الإيرانية في منطقة بحر قزوين فقط من الاستغلال المباشر لثروات هذا البحر، فالأهم هو طموح إيران للاستفادة من موقعها الإستراتيجي المميز، والذي يتيح نقل النفط عبر أراضيها من حوض بحر قزوين شمالاً إلى المياه الدولية في الخليج جنوبًا.
راهنت طهران بعد تفكك الاتحاد السوفيتي على جذب دول الحوض الثلاث (كازاخستان وتركمانستان وأذربيجان) والتي لا تملك منافذ بحرية، للاستفادة من الموقع الجغرافي لإيران، ومن شبكة أنابيب إيرانية ضخمة لتصدير النفط والغاز من هذه الدول إلى الأسواق العالمية. وقد بنت إيران هذه الشبكة آخذة بعين الاعتبار إمكانية وصلها مستقبلاً بشبكات الأنابيب ومنافذ التصدير الموجودة فعليًا على الخليج(11).
وتملك إيران إضافة إلى ذلك خبرات كبيرة في مجال استخراج الطاقة وتصديرها، ومنشآت متطورة أُقيمت على الشاطئ الجنوبي لبحر قزوين.
لكن التطلعات شيء ووقائع السياسة شيء آخر، فطهران التي تعمل الولايات المتحدة على عزلها في هذا الإقليم، ليست لها القدرة على منافسة واشنطن وموسكو، لا على مستوى التأثير في القرار السياسي لكازاخستان وأذربيجان وتركمانستان، ولا على الفوز في حرب المنافسة على منافع الأنابيب في الإقليم التي دخلت أوروبا والصين على خطها أيضًا، مع أن أراضي إيران تشكّل المسار الأجدى تجاريًا لمد خطوط أنابيب الطاقة من آسيا الوسطى إلى الأسواق الأوروبية.
وفي حرب الأنابيب هذه نفذت الولايات المتحدة وأوروبا والصين في العقد الماضي العديد من شبكات الخطوط الخاصة بنقل النفط والغاز من بحر قزوين دون المرور بالأراضي الروسية، فقط لتمكين الدول الثلاث من تنويع أسواق بيع الطاقة بدلاً من الاعتماد على التوريد لروسيا وإيران.
وسعت طهران لعقد صفقات مع الدول الثلاث للتعويض عن عدم تمكن إيران من التحول إلى الممر الرئيس للنفط والغاز المنتجين في بحر قزوين، فوقّعت عقدًا مع كازاخستان تعطي هذه الأخيرة بموجبه مليوني طن من النفط لإيران، مقابل أن تبيع إيران من نفطها في الخليج بهذا المقدار لصالح كازاخستان. كذلك وقّعت طهران مع تركمانستان عقدًا يشمل نقل 30 مليار متر مربع من الغاز التركماني عبر إيران إلى تركيا، وحاولت توقيع عقد مع أذربيجان إلا أنه سُحب تحت الضغط الأميركي. كما أدارت إيران مفاوضات مع أوزبكستان بغية شراء غازها(12).
افتراقات وتحالفات وإستراتيجية العزل والتطويق
مع تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991 بدأ التنافس على حوض بحر قزوين بين ثلاث قوى دولية وإقليمية كبيرة: الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وإيران، وغاية كل من هذه الدول نيل حصة أكبر من كعكة النفط والغاز، وملء الفراغ الإستراتيجي في الجمهوريات السوفيتية السابقة. وقد اشتد هذا التنافس في العقد الماضي بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، بسبب زيادة الطلب على الطاقة من الدول الصاعدة كالصين، ومعاناة الدول الأوروبية من توقف إمدادات الغاز من روسيا بسبب أزماتها مع دول الجوار.
الولايات المتحدة
سارعت أميركا ومن ورائها دول الاتحاد الأوروبي وإسرائيل إلى خوض الصراع في هذا الإقليم على ثلاث جبهات:
-
الأولى: جبهة الاقتصاد والتجارة بهدف السيطرة على ثروات بحر قزوين، وبناء شبكة من الأنابيب لنقل النفط والغاز إلى أوروبا، دون المرور بالأراضي الروسية أو الإيرانية. وقد موّلت الولايات المتحدة إنشاء خط أنابيب جديد لنقل الطاقة لا يمر بالأراضي الروسية. يبدأ هذا الخط من باكو بأذربيجان مرورًا بتبليسي في جورجيا ليصب في ميناء جيهان التركي على البحر المتوسط. وقد بدأ هذا الخط بالعمل في العام 2006(13).
كما تسعى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لتوسيع شبكة الأنابيب هذه لتتمكن أيضًا من نقل النفط والغاز من ميناء أكتاو في كازاخستان، من خلال خط يمر تحت بحر قزوين؛ الأمر الذي يستلزم قانونيًّا موافقة روسيا وإيران على المشروع.
-
والجبهة الثانية: باستخدام ورقة السياسة والدبلوماسية والاقتصاد لبناء التحالفات مع الدول الثلاث الجديدة التي ظهرت على شواطئ بحر قزوين بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، مستفيدة على هذا الصعيد من رغبة هذه الدول في الخلاص من السيطرة الروسية من جهة، ومن خلافاتها مع الجار الايراني من جهة أخرى. ورأت هذه الدول أنه ليس من مصلحتها تمكين إيران من أن تكون الطريق الرئيسي لتصدير مواردها النفطية. واستفادت الولايات المتحدة أيضًا من الخلاف بين إيران وأذربيجان بسبب دعم طهران لجمهورية أرمينيا في نزاعها مع أذربيجان حول إقليم "ناغورنو كاراباخ"، ودفعت واشنطن باستثمارات هائلة تعدت العشرين مليار دولار في قطاع النفط في أذربيجان في بحر قزوين، حتى تحثها على الاستمرار في موقفها المضاد لإيران حول تقسيم ثروات البحر(14).
-
الثالثة: كانت بالحضور العسكري المباشر؛ حيث أقامت أميركا تحت عنوان مكافحة الإرهاب قواعد عسكرية في المنطقة الممتدة ما بين البحر الأسود مرورًا ببحر قزوين وصولاً إلى حدود الصين. ويذكر تقرير لوزارة الخارجية الأميركية صدر في مارس/آذار 2011 أن "الولايات المتحدة تُدخل بحر قزوين في قائمة أولويات سياستها، وتستمر في مساعدة دول المنطقة على تأمين بحر قزوين من خلال تقوية جيوشها، وعلى الأخص أذربيجان وكازاخستان وتركمانيا" (15). أما التقرير الإستراتيجي لمجلس الأمن القومي الأميركي لعام 2011 فيؤكد على "ضرورة الاهتمام بأذربيجان كنقطة انتشار للقواعد والقوات العسكرية الأميركية في البحر وعلى اليابسة، نظرًا لموقعها العازل بين روسيا وإيران، ويربط التقرير بين بحر قزوين في الشمال والخليج في الجنوب كنقطتي حصار على إيران" ( 16).
روسيا
تسعى موسكو لمد نفوذها في جغرافيا غنية بموقعها وثرواتها كانت إلى وقت قريب جزءًا من حدودها الطبيعية، وتعتبر روسيا الحضور الأميركي والغربي في هذه المنطقة الإستراتيجية تهديدًا لمكانتها وأمنها، ومحاولة لاحتوائها وتطويقها. ولهذا السبب تدعم موسكو مواقف أذربيجان وكازاخستان في خلافهما مع إيران، رغم أن علاقات روسيا وطهران تشهد تطورًا مطردًا. والجدير بالذكر أن روسيا منافس قوي لإيران على الطاقة في بحر قزوين وخطوط تصديرها، ومعروف أن روسيا تسيطر على شبكة الأنابيب السوفيتية القديمة، التي ظلت القناة الرئيسية لتصدير الطاقة من الدول الثلاث، كما أنشأت خط أنابيب بحر قزوين الذي ينقل النفط من كازاخستان إلى ساحل البحر الأسود في روسيا فأوروبا، وكان قد بدأ العمل به عام 2003. وشيدت روسيا أيضًا ثلاثة خطوط أنابيب لنقل الغاز يبلغ طولها مجتمعة 4000 كيلومتر، أُنشِئ اثنان منها بالتعاون مع ألمانيا وتركيا(17).
إيران
تمثل آسيا الوسطى مجالاً حيويًا لإيران، ولاشك في أن تفكك الاتحاد السوفيتي واستقلال الدول الإسلامية التي تربطها بإيران علاقات تاريخية وثقافية، كان فرصة لطهران كي تتجاوز الحصار والعقوبات المفروضة عليها، إلا أنها لم تستفد منها؛ فقد توترت العلاقات بين إيران وجارتها الشمالية أذربيجان بسبب الصراع الأذربيجاني-الأرميني حول إقليم "ناغورنو كاراباخ"، كما تعقّدت الأمور كثيرًا بين إيران وكازاخستان، نتيجة الخلاف حول تقسيم ثروات بحر قزوين، ثم استمرت بين مد وجزر. وبحسب العديد من المحللين الإيرانيين فإن العملاقين: الروسي والأميركي يمنعان تنامي علاقات إيران بجيرانها من الدول الإسلامية، لمنع تنامي قوة الجمهورية الإسلامية الاقتصادية والسياسية في موقع إستراتيجي ذي أهمية جيوبوليتيكية(18).
توقعات مستقبلية لدور إيران في منطقة بحر قزوين
ترى إيران أن دورها كلاعب رئيسي في إقليم بحر قزوين سيصبح أكثر أهمية خلال العقود المقبلة بالرغم من العقوبات الاقتصادية الحالية، والأسباب حسب العديد من المحللين الإيرانيين تتلخص فيما يلي:
-
واقعيًا ستتجه الأمور نحو تحالف في الإقليم بين روسيا وإيران، مبني على تعزيز المنافع المشتركة، ومواجهة التدخل الأجنبي الذي يستهدف الجانبين اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا لمنع الولايات المتحدة وأوروبا من السيطرة على المنطقة عسكريًا والهيمنة على ثرواتها النفطية وخطوط تصديرها(19)، وحسب هذا الرأي فإن كلاً من طهران وموسكو تستطيعان أن تكونا الطرف الأهم في معادلة التعاون الاقتصادي المشترك بين دول حوض بحر قزوين، فإن توافقتا فهذا يعني حلحلة الخلافات مستقبلاً على تقسيم البحر وثرواته بين الدول الخمس بيسر وبسرعة أكبر(20).
-
وعطفًا على ما سبق تتوقع إيران أن يؤدي تضاعف الطلب على النفط ومنابع الطاقة خلال الثلاثين عامًا المقبلة، إلى زيادة أهمية دورها في إقليم بحر قزوين الذي سيؤمّن الكثير من مصادر الطاقة مستقبلاً(21). صحيح أن ثمة اتفاقًا بين المراقبين على أن منطقة قزوين لن تكون منافسًا رئيسيًا للمنطقة الخليجية، لكنها ستكون بالتأكيد قادرة على لعب دور كبير في تنويع مصادر الإنتاج، وهو ما تشجعه الدول الغربية المستهلكة للطاقة.
-
ستكون الصين اللاعب الرئيسي الجديد في منطقة بحر قزوين خلال السنوات القليلة المقبلة حسب التقديرات الإيرانية والأميركية على حدّ سواء، ولدى الصين خطط طويلة الأمد لتؤمّن نفطها وغازها من هذه المنطقة. وقد مدّت الصين إلى اراضيها في الأعوام القليلة الماضية خط أنابيب للغاز بفرعين يبدأ عند حقل غاز سامان-داب في تركمانستان، ثم يمتد عبر أوزبكستان وكازاخستان. كما أنشأت خطًا آخر لنقل النفط من كازاخستان إلى الشانكو فى شينجيانغ(تركستان الشرقية) بالصين، وقد اكتمل هذا الخط في العام 2009(22). وتسعى الصين كذلك نحو توقيع اتفاقيات طويلة الأمد مع دول المنطقة، مثل تلك الموقّعة بينها وبين تركمانستان؛ حيث تقتضي تصدير تركمانستان لـ30 مليار متر مكعب من غازها إلى الصين، من عام 2009 حتى 2039(23).
من المؤكد أن سيناريو النفوذ الصيني في منطقة بحر قزوين مرضٍ لإيران التي تشهد علاقاتها بالعملاق الصيني تطورًا مطّردًا، والذي يتفق مع طهران وموسكو على رفض المحاولات الأميركية الرامية إلى السيطرة على وسط آسيا. وبالمقابل من السهل التوقع أن أميركا ستسعى بدأب لمنع التمدد الصيني إلى هذه المنطقة، هذا إن لم تكن الإستراتيجية الأميركية الحالية في منطقة بحر قزوين، مكرّسة بالفعل لمنع النفوذ الصيني من التمدد إلى الإقليم، وحرمان بكين من الاستفادة مستقبلاً من مصدر مهم للنفط والغاز.
-
يراهن الإيرانيون على الدور الذي قد تلعبه المنافع الاقتصادية المشتركة للدول الكبرى في منع شنّ أي هجوم عسكري عليها، ويرى الإيرانيون أن أهم أهداف اللاعبين الأساسيين في هذه المنطقة (روسيا، أميركا، دول الاتحاد الأوروبي، الصين، إيران) هو التحكم بطرق وأنابيب تصدير النفط والغاز، وبالتالي فإنه وعلى الرغم من الخلاف بين طهران والغرب وحتى السعودية على البرنامج النووي الإيراني، فإن أي توتر في هذه المنطقة سيؤثر على كل هذه الدول التي تجاور إيران كتركمانستان وأذربيجان، ولاسيما على خطوط انتقال الغاز نحو أوروبا(24).
خلاصة
إقليم بحر قزوين من الأقاليم النفطية الغنية في العالم، وتتزايد أهميته الإستراتيجية باطّراد على خرائط التنافس المستقبلي على النفوذ والقوة والثروة بين القوى الدولية والإقليمية الكبرى.
إيران لاعب رئيس في هذا الإقليم، وقد تزداد أهميتها مستقبلاً كونها تتمتع بميزات نوعية، أهمها الثروات الهائلة وموقعها الجغرافي الذي يجعلها بالفعل الممر الأفضل والأقل تكلفة لنفط وغاز بحر قزوين نحو بقية دول العالم، خاصة أنها جهزت نفسها جيدًا بمنشآت لصناعة النفط على شاطئ البحر الجنوبي، وتملك شبكة أنابيب هي الأوسع في الشرق الأوسط، وبالإمكان مدها بسهولة الى أية دولة مجاورة.
لكن هذه الفرص الكثيرة تُواجَه بقيود أكثر أمام إيران التي تعمل الولايات المتحدة على عزلها سياسيًا واقتصاديًا وحتى عسكريًا باستخدام القوة الناعمة، ليس فقط في الشرق الأوسط، ولكن أيضًا في وسط آسيا. ثمة معادلات دولية وإقليمية تعمل لصالح عزل أو على الأقل تحجيم دور ايران في إقليم بحر قزوين، ولا شك أن العقوبات الحالية تساعد على ذلك، وبالمقابل ثمة إدراك إيراني-روسي-صيني لأهمية التعاون المشترك لمنع أميركا من الهيمنة على هذا الإقليم؛ الأمر الذي قد يؤمّن لإيران في السنين المقبلة القريبة بيئة إقليمية ودولية بديلة، تعوضها عن شيء من خسائرها المحتملة في الشرق الأوسط.
___________________________________
فرح الزمان أبو شعير - باحثة متخصصة بالشأن الإيراني
الهوامش والمصادر
(1) أوضح الممثل الحقوقي للشؤون الدولية في وزارة الخارجية الإيرانية محمد مهدي أخوند زاده في تصريح له أن إيران استفادت من التحولات في السنوات الأخيرة بشكل جيد، مؤكدًا الأهمية الكبيرة لنفط منطقة بحر قزوين لإيران، ورغبتها الدائمة في المشاركة بشكل أكبر في استثمار ثروات هذه المنطقة. للمزيد انظر إلى موقع قدس أون لاين، 30دي 1391، 19 يناير/كانون الثاني 2013
http://qudsonline.ir/NSite/FullStory/News/?Id=98543
(2) يرجع انخفاض إنتاج النفط في بحر قزوين إلى تكلفة الإنتاج العالية والتي تتراوح ما بين ضعفين إلى ثلاثة أضعاف التكلفة في العديد من دول أوبك خاصة في دول الخليج. وإلى ضعف مصادر تمويل العمليات الاستخراجية في أغلب دول الإقليم وافتقار هذه الدول إلى الخبرات التكنولوجية.
(3) روح الله عالي، سهم صفر درصدي ايران از دريايى خزر، (حصة إيران الصفر بالمائة من بحر قزوين)، موقع شمال نيوز، 29 آبان 1388، 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2009
http://www.shomalnews.com/view/20051/%D8%B3%D9%87%D9%85%20%D8%B5%D9%81%D8%B1%20%D8%AF%D8%B1%D8%B5%D8%AF%D9%8A%20%D8%A7%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86%20%D8%A7%D8%B2%20%D8%AF%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D9%8A%20%D8%AE%D8%B2%D8%B1
(4) سيد نصر الله إبراهيمي، جايگاه ايران درتعامل منطقه اى وبين المللى در چشم انداز 20ساله كشور، (موقع إيران في المعادلات الإقليمية والدولية خلال عشرين عامًا)، موقع مجلس خبرگان
http://www.majlesekhobregan.ir/fa/publications/mags/is_gv/magazines/038/08.htm
(5) محمد فيروزيان، چالش هاى فراورى ايران در درياى خزر، (العقبات التي تواجه إيران في بحر قزوين)، موقع مركز التحقيقات الإستراتيجية، مرداد 1386، أغسطس/آب 2007
http://www.csr.ir/departments.aspx?lng=fa&abtid=07&depid=44&semid=901
(6) راجع المصدر(4)
(7) بناء على هذه الاتفاقيات تكون حصة روسيا 19%، وأذربيجان 18%، وكازاخستان 27%، والبقية تُقسّم بين إيران وتركمانستان والتي تشكّل المجموعة الجنوبية، فتحصل إيران على 13% ، وما تبقّى يكون حصة تركمانستان. للمزيد راجع البحث بعنوان: بحث بعنوان كازاخستان وإشكالية بحر قزوين على الموقع:
www.kazembsaudi.com/ar/pages/57/
(8) لقاء مركز دراسات إيران وأوراسيا (إيراس)، مع الباحثة والمتخصصة بالشؤون الاقتصادية لبحر قزوين ديانا عيوضيان، تحت عنوان: تعاملات وتقابلات ايران وروسيه در مورد رژيم حقوقى جديد درياى خزر، (تقارب واختلاف إيران وروسيا فيما يخص القانون الجديد المتعلق ببحر قزوين)، 6 دى 1390، 27ديسمبر/كانون الأول 2011
http://www.iras.ir/vdcf01d0.w6dxmagiiw.html?20932
(9) راجع المصدر(4)
(10) راجع المصدر(5)
(11) تملك إيران ما يزيد على 13ألف كيلو متر من خطوط الأنابيب الخاصة بنقل النفط، و44 ألف كيلو متر للغاز، منها 11 ألف كيلو متر خطوط أنابيب للضغط العالي، ومن ميزات هذه الشبكة الواسعة أنها توصّل النفط والغاز إلى كل أنحاء إيران. للمزيد راجع: محمد علي حلاوي، صناعة البترول والغاز في جمهورية إيران الإسلامية، أخبار النفط والصناعة، العدد 354، أبوظبي ، مارس/آذار 2000، ص20.
(12) راجع المصدر(5)
(13) دينا عمار، شبكات نقل الطاقة من بحر قزوين.. مسارات متنافسة، موقع الأهرام، إبريل/نيسان 2010.
http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=149422&eid=584
(14)، (15)، (16) جانا بوريسوفنا، بحر قزوين والخلافات حول ثرواته، موقع البيان، يوليو/تموز 2011
http://www.albayan.ae/opinions/articles/-1.1476032
(17) راجع المصدر(13)
(18) جواد إطاعت، ايران وخطوط انتقال انرژى درياى حوزه خزر، (إيران وخطوط انتقال الطاقة المتعلقة بمنطقة بحر قزوين)، موقع جامعة طهران، 17 فروردين 1388، 6 إبريل/نيسان 2009
http://journals.ut.ac.ir/page/download-P_r-iQxF6Yg.artdl
(19) في الملتقى الأول لأمناء مجالس الأمن القومي لدول بحر قزوين والذي عُقِد على هامش مؤتمر سان بطرسبورغ حول الأمن، يؤكد سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني سعيد جليلي ونظيره الروسي نيكولاي باتروشف على الموقف المشترك لطهران وموسكو في رفض أي تدخل أجنبي في شؤون بحر قزوين، وشدّد على ضرورة حل قضايا هذا البحر من قبل الدول المطلة عليه فقط، معتبرين أن أي نفوذ أجنبي في هذه الرقعة المائية سيخلق تهديدات كامنة وفعلية غير متوقعة لأمن ومصالح الدول المطلة على بحر قزوين. وحسب جليلي "فإن إعداد آليات التعاون متعدد الأطراف بين الدول الخمس المطلة على بحر قزوين سيمهد الأرضية لرفع التعاون وإزالة التهديدات المشتركة"، مؤكدًا أن التعاون البنّاء بين الدول الخمس سيحوّل بحر قزوين إلى نموذج للصداقة والتعاون متعدد الأطراف. للمزيد راجع موقع قناة العالم الإخبارية 7 يونيو/حزيران 2012
http://www.alalam.ir/news/1156664
(20) انظر المصدر(8)
(21) عباس ملكي، ارزش هاى ژيوپولتيك درياى خزر، (الأهمية الجيوبوليتيكية لبحر قزوين)، موقع إيران ديبلوماسي، 3 مهر 1386، 25 سبتمبر/أيلول 2007
http://www.irdiplomacy.ir/fa/page/11/%D8%A7%D8%B1%D8%B2%D8%B4+%D9%87%D8%A7%D9%89+%DA%98%D8%A6%D9%88%D9%BE%D9%84%D8%AA%D9%8A%DA%A9+%D8%AF%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D9%89+%D8%AE%D8%B2%D8%B1.html
(22) راجع المصدر(13)
(23) اسد شكور بور، دريايى خزر از نفت تا گاز، (بحر قزوين من النفط إلى الغاز)، موقع وازه، 2 تير 1387، 22 يونيو/حزيران 2008
http://vazeh.com/n-1511858.html
(24) نقش دريايى خزر در بازى بزرگ ايران روسيه أميركا و چين، دور بحر قزوين في اللعبة بين إيران وروسيا وأميركا والصين، موقع إشراف
http://eshraf.ir/index.php/geography/43-political/2877-----l-r